2024 March 19 - 09 رمضان 1445
في مراقبات شهر شعبان المعظم
رقم المطلب: ١٣٧٧ تاریخ النشر: ٢٩ رجب ١٤٤٤ - ١٤:٠٣ عدد المشاهدة: 3561
المذکرة » عام
في مراقبات شهر شعبان المعظم

وهذا المنزل من منازل العمر للسالك إلى الله تعالى ، له شأن عظيم ، وفضل كثير ، فيه ليلة من ليالي القدر ، وقد ولد مولود فيه وعد الله به النصر لكلّ مظلوم من أوليائه ، وأنبيائه وأصفيائه ، مذ هبط أبونا آدم على نبيّنا وآله وعليه السلام على الأرض ، وأن يملأ به الأرض قسطاً وعدلاً ، بعدما ملئت ظلماً وجوراً، على ما يأتي تفصيله في محلّه .

وكفى في شأنه أنّه شهر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وقال فيه : «شعبان شهري ، رحم الله من أعانني على شهري» ومن عرف منزلة هذه الدعوة العظمى ، فلا بدّ أن يكون اهتمامه في اشتمالها عليه ودخوله فيها ، وذلك خليفته وأخوه أمير المؤمنين عليه السلام حيث قال :

«ما فاتني صوم شعبان مذ سمعت منادي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ينادي في شعبان فلن يفوتني أيّام حياتي صوم شعبان إن شاء الله» . هذا في صومه وقس عليه إعانته صلى الله عليه وآله وسلم من سائر الجهات من الصلاة والصدقة والمناجاة ، ووجوه البرّ كلّها.

المراقبات

ص 100

ومناجاته الشعبانية معروفة وهي مناجاة عزيزة على أهلها يحبّونها ، ويستأنسون بشعبان لأجلها ، بل ينظرون ويشتاقون لمجيء شعبان وفيها علوم جمّة في كيفيّة معاملة العبيد مع الله جلّ جلاله ، وبيان وجوه الأدب في طريق معرفة حقّ السؤال ، الدعاء والاستغفار ، من الله جل جلاله ، واستدلالات لطيفة تليق بمقام العبودية ، لاستحكام مقام الرجاء ، المناسب لحال المناجاة ، ودلالات صريحة واضحة في معنى لقاء الله وقربه والنظر إليه ، ترفع شبهات السالكين وشكوك المنكرين ، ووحشة المرتابين ، وإشارة إلى معرفة النفس وأنّها طريق معرفة الربّ على ما فَسّرَ بعض فقراته شخص جليل من اهل المعرفة .

وبالجملة هذه المناجاة من مهمّات أعمال هذا الشهر بل للسالك أن لا يترك بعض فقراتها في تمام السنة ، ويكثر المناجاة بها في قنوتاته ، وسائر حالاته السنية ولا تغفل عن قولك حين تقول : «وأنر أبصار قلوبنا بضياء نظرها إليك ، حتّى تخرق أبصار القلوب حجب النور ، فتصل إلى معدن العظمة ، وتصير أرواحنا معلّقة بعزّ قدسك» وليتأمّل هل بقلبه بصر يدرك به النور ؟ وما حجب النور ؟ وما المحتجب بالنور المتّصف بمعدن العظمة ؟ حتى يعلم ما يقول ، وما يستدعي من ربّه أن يعطيه ، فإن الإنسان إذا لم يعرف ما يسأل ربّه أصلاً لا يصدق عليه أنّه سأل ربّه ، بل يصدق أنّه قرأ الألفاظ ، والقارئ للألفاظ غير الداعي والسائل ، والله تعالى يقول :

«أمّن يُجيبُ المضطرّ إذا دعاه» (النمل : 62) ويقول : «ادعوني أستَجِب لكم» (غافر : 60) ويقول : «واسألوا الله من فضلِهِ» (النساء : 32) «إنّ الله كانَ بكم رَحيماً» (النساء : 29) ولا يقول : اقرأ الألفاظ.

وكيف كان هذه مناجاة جليلة ، ونعمة عظيمة من بركات آل

المراقبات

ص 101

محمد عليهم السلام يعرف قدر عظمتها «لِمَن كان له قلبٌ أو ألقى السمعَ وهو شهيد» (ق : 37) والغافلون بمعزل عن معرفته ، وعن عظم فوائده وأنواره .

ولعمري إن الأغلب لا يعرفون شأن نعمة المناجاة ، وأنّ من شأنها علوم عزيزة ، معارف جليلة ، لا يطّلع عليها وعلى حدودها ، إلا أهله من أولياء الله الذين نالوا بها عن طريق الكشف والشهود ، وأنّ الوصول بحقائق هذه المقامات عن وجه المكاشفة إنما هو من أجلّ نعم الآخرة ، ولا يقاس بشيء من نعيم الدنيا .

وإليه أشار الصادق عليه السلام بقوله : لو علم الناس ما في فضل معرفة الله ما مدّوا أعينهم إلى ما متّع به الأعداء من زهرة الحياة الدنيا ، وكانت دنياهم أقلّ عندهم ممّا يطأونه بأرجلهم ، وتنعّموا بمعرفة الله ، وتلذّذوا بها تلذّذ من لم يزل في روضات الجنان مع أولياء الله الخ .

ومن مهمات هذا الشهر الصوم بقدر ما يناسب حاله ، أفضله إن لم يمنعه مانع ـ ولو مانع من جهة الترجيح ـ أن يصوم كله إلا يوماً أو يومين في آخره يفصل بإفطاره بينه وبين شهر رمضان فالأفضل أن يكثر من الصوم بحيث يدخل في مقدّس دعوة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالإعانة ، وذلك لا أظنّ أن يصدق بيوم أو يومين .

ثمّ إنّه قد وردت أخبار مفصّلة في جزء جزء منه ، وأنا أقتصر على ذكر رواية منها [ما] رواه الصدوق ـ عليه الرحمة ـ في كتاب «من لا يحضره الفقيه» ، عن الحسن بن محبوب عن عبد الله بن حزم الأزدي ، قال سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول : «من صام أوّل يومٍ من شعبان وجبت له الجنّة البتّة ، ومن صام يومين نظر الله إليه في كلّ يوم وليلة في دار الدنيا ودام نظره إليه في الجنّة ، ومن صام ثلاثة أيام زار الله في عرشه وجنّته كلّ يوم» .

المراقبات

ص 102

في «الإقبال» : لعلّ المراد بزيارة الله في عرشه أن يكون لقوم من أهل الجنّة مكان من العرش من وصل إليه يسمّى زائر الله ، كما جعل الله الكعبة الشريفة بيته الحرام من حجّها فقد حجّ الله انتهى .

وأنا أقول : لم يعلم مراده (قده) وأنّه تأويل أيّ جزءٍ من الرواية أيريد تأويل كون الزيارة في العرش أو أصل الزيارة ؟ وإن كان ظاهره الثاني إلا أنّه ليس هو (قده) من المستوحشين من بعض مراتب المعرفة واللقاء ، فراجع ما ذكره في «فلاح السائل» في ذيل قول الصادق عليه السلام في سبب غشوته : «كرّرتها حتّى سمعتها من قائلها ولم يثبت جسمي» فإنّ في كلامه (قده) تصريحاً على تصوير الزيارة والملاقاة بوجه من الوجوه المعنويّة التي لا يخالف تنزيهه تعالى عن الشوائب الجسمانيّة .

وأنا أقول : الأولى أن يقال : المراد : الزيارة بعينه [و] هو الذي فصّل في المناجاة الشعبانيّة بأن تخرق أبصار القلوب حجب النور ، فتصل إلى معدن العظمة وتصير الروح معلّقة بعزّ قدسه الأقدس ، ولا خلف في ذلك أبداً يحتاج إلى التأويل ولعلّ مراده (قده) تأويل تقييد الزيارة بكونها في العرش .

ومن مهمّات الأعمال : الصلاة الواردة عند الزوال كل يوم منه أوّلها : اللهمّ صلّ على محمد وآل محمد ، شجرة النبوّة .

ومن أعمال الشهر الصلوات الواردات في الليالي على التفصيل الذي في «الإقبال» ، والسالك يجتهد في ذلك ويعمل بما فيه له نشاط في العمل به ، من هذه ومن الذكر والفكر ، مع ملاحظة الترجيح بينها ، ومع ملاحظة العمل بأخبار ذلك من باب المسامحة وببالي أنّ الأولى ـ على الغالب ـ أن يعمل بما فيه خفّة وسهولة يمكن أن يفعله بالنشاط ، ويجمع بينه وبين ورده من سائر أعماله وفكره على حسب حاله .

المراقبات

ص 103

ومن ذلك أن يعمل بما رواه في «الإقبال» عن أمير المؤمنين عليه السلام قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : «تتزيّن السماوات في كلّ خميس من شعبان ، فتقول الملائكة : إلهنا اغفر لصائمه وأجب دعاءهم . فمن صلّى فيه ركعتين يقرأ في كلّ ركعة فاتحة الكتاب مرّة و«قل هو الله أحد» مائة مرّة ، فإذا سلّم صلى على النبي صلى الله عليه وآله وسلم مائة مرّة ، قضى الله كلّ حاجة من أمر دينه ودنياه ، ومن صام فيه يوماً واحداً حرَّم الله جسده على النار» .

واليوم الثالث منه يوم ولادة الحسين عليه السلام وهو يوم يتقدّر شرفه بمقدار شرف صاحبه عليه السلام فللسالك أن يأتي من شكره بما تيسّر له من الصوم والزيارة والدعاء الوارد وغيره من القربات ، ومن أجله أنَّ من خصائص اليوم أمر فطرس ، فيمكن للسالك أن يجعله عليه السلام في هذا اليوم معاذه في تحصيل نجاته ، وجناحي روحه وعقله حتّى يطير مع الروحانيّين في سماوات القرب والرضوان ، ويكون فرحه في هذا اليوم مشوباً بمراسم العزاء والحزن ، كما كان الشأن كذلك لأهله المطهّرين ، صلوات الله عليهم أجمعين ، ويختم يومه بما يختم به كلّ يوم شريف .

ثمّ بعد اليوم الثالث ليلة النصف ويومها ، وهو موسم شريف جدّاً عظيم المنزلة كثير البركات ، ساطع الأنوار ، اجتمعت فيها من جهات الشرف والخير أمور عظيمة كل واحد منها يكفي في الحثّ على الجدّ والسعي غايته .

منها : أنّها من ليالي القدر ، وليلة قسمة الأرزاق والآجال ، كما ورد في الأخبار المستفيضة ، وفي بعضها أنّ الله تعالى جعل الليلة للأئمّة كما جعل ليلة القدر لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والإشكال في كون ليلة القدر أزيد من واحد يتصوّر ذلك بمراتب التقدير .

ومنها أنّها من مواقف زيارة الحسين عليه السلام ، يزوره فيه مائة ألف نبيّ

المراقبات

ص 104

سوى الملائكة ، هذا موقف جليل يكشف عن أمر عظيم يكون فيه .

ومنها : أنّها من الليالي المؤكّد فيها الإحياء ، ووردت فيها أعمال وعبادات فاخرة جدّاً يمكن أن يقال : إنّه لم يرد في شيء من الليالي ـ ليلة القدر وغيرها ـ مثلها أو أزيد منها .

ومنها : أنّها ليلة ولد فيها مولود لم يولد مثله في تطهير الأرض والفرج العامّ للمؤمنين من الأمم ، ونشر رايات عدل الله على أهل الأرض ، وكمال الجمع بين سياسة الدين والدنيا ، والسالك إذا بلغ هذا المنزل (عليه) أن يقطع أولاً نظره في هذه الليلة من اللذّة بالدنيا ومن الراحة فيها ، ويوطّن نفسه أنّه ليلة وداعه للدنيا ، وإن قدّر نفسه فيها أنّها مثل ليلة يقوم في صبيحتها يوم القيامة ، يخفّ عليه ثقل الأعمال بل يثقل عليه مضيّ الليلة وتامها ، ويودّ أن يكون أطول من هذا الكائن وإن عمل فيها وهومقدّر نفسه أنّه مودَّع لكلّ واحد من الأعمال ، وهو آخر عمله من عمر الدنيا ، يكون جدُّه في تصحيح الأعمال أزيد ، وإذا أحضر نفسه وقلبه بهذا الميزان للعمل ، فله أن ينظر قبل دخول الليلة في اختيار الأعمال ، وترتيبها بما يناسب حاله ، وإن رأى عملين متساويين في الفضل والمناسبة فليؤثر ما هو الأشقّ على النفس .

ومن مهمّات أعمالها الصلوات الواردات لا سيّما مائة ركعة بألف «قل هو الله أحد» ، قال السيد (قدس) قال راوي الحديث : ولقد حدثني ثلاثون من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى آخر ما نرويه آنفاً ودونه في الفضل ، ومثله في الاعتبار أربع ركعات في كلّ ركعة مائة «قل هو الله أحد» .

وعن الشيخ أنّه رواه عن أبي عبد الله وأبي جعفر عليهما السلام ثلاثون رجلاً ممّن يوثق به .

وروى أيضاً التخيير منها وبين قراءة خمسين في كلّ ركعة وقراءة مائتي

المراقبات

ص 105

وخمسين ، فإذا فرغت قلت الدعاء الذي أوَّله : اللهمّ إنّي إليك فقير إلخ .

وأيضاً روى الشيخ عن أبي يحيى قال لسيّدنا الصادق عليه السلام : فأيّ شيء أفضل الأدعية ؟ فقال : إذا أنت صلّيت العشاء الآخرة فصلّ ركعتين تقرأ في الأولى الحمد وسورة الجحد وفي الثانية الحمد والإخلاص ، فإذا أنت سلّمت قلت : سبحان الله ثلاثاً وثلاثين مرّة الحمد لله ثلاثً وثلاثين مرّة والله أكبر أربعاً وثلاثين مرّة ثمّ قل : يا من إليه يلجأ العباد إلخ ثمّ تسجد وتقول عشرين مرّة يا ربّ يا الله سبع مرّات ، لا حول ولا قوة إلا بالله سبع مرات ، ما شاء الله [عشر مرات] لا قوة إلا بالله عشر مرّات ثم تصلّي على النبي وتسأل الله حاجتك فوالله لو سألت بها بعدد القطر لبلّغك الله عزّ وجل إيّاه بكرمه وفضله ، وفي بعض الروايات اختلاف في السجدة فمن أراد الاستظهار فليراجع «الإقبال» هذا .

ولو كان في الليلة سعة وجمع الموفّق بين هاتين الركعتين ومائة ركعة بألف «قل هو الله أحد» لكان له شأن من الخير فإنّ في روايات هذه المائة مع اعتبارها فضلاً عظيماً يبهر العقول .

منها : ما رواه في الإقبال قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : كنت نائماً ليلة النصف من شعبان فأتاني جبرئيل عليه السلام فقال : يا محمّد أتنام في هذه الليلة ؟! فقلت : يا جبرئيل ما هذه الليلة ؟ قال : ليلة النصف من شعبان ، قم يا محمّد ، فأقامني ثمّ ذهب بي إلى البقيع ثمّ قال لي : ارفع رأسك فإنّ هذه ليلة يفتح فيها أبواب السماء ، فيفتح فيها أبواب الرحمة ، وباب الرضوان ، وباب المغفرة ، وباب الفضل ، وباب التوبة ، وباب النعمة ، وباب الجود ، وباب الإحسان ، يعتق الله فيها بعدد شعور النعم وأصوافها ، ثبت فيها الآجال ، ويقسّم فيها الأرزاق من السنة إلى السنة ، وينزل ما يحدث في السنة كلّها .

المراقبات

ص 106

يا محمد من أحياها بتكبير وتسبيح وتهليل ودعاء وصلاة وقراءة ، وتطوُّع واستغفار ، كانت الجنّة له منزلاً ومقيلاً ، وغفر له ما تقدّم من ذنبه وما تأخّر .

يا محمد من صلّى فيها مائة ركعة يقرأ في كلّ ركعة فاتحة الكتاب مرّة و«قل هو الله أحد» عشر مرّات ، فإذا فرغ من الصلاة قرأ آية الكرسي عشر مرّات وفاتحة الكتاب عشراً ، وسبّح الله مائة مرّة غفر الله له مائة كبيرة موبقة موجبة للنار ، وأعطاه بكل سورة وتسبيحة قصراً في الجنة ، وشفّعه الله في مائة من أهل بيته وأشركه في ثواب الشهداء ، وأعطاه ما يعطي صائمي هذا الشهر ، وقائمي هذه الليلة ، من غير أن ينقص من أجورهم شيء .

فأحيها يا محمد وأمر أمّتك بإحيائها والتقرّب إلى الله بالعمل فيها ، فإنّها ليلة شريفة ، ولقد أتيتك يا محمد وما في السماء ملك إلا وقد صفّ قدميه قائم يصلّي وقاعد يسبّح وراكع وساجد وذاكر ، وهي ليلة لا يدعو فيها داع إلا استجيب له ولا سائل إلا أُعطي ، ولا مستغفر إلا غفر له ، ولا تائب إلا تيب عليه، من حرم خيرها يا محمد فقد حرم ، وكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يدعو فيها ويقول : اللهمّ اقسم لنا من خشيتك الخ .

وفي رواية أخرى قال راوي الحديث : حدّثني ثلاثون من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال : من صلّى هذه الصلاة في هذه الليلة نظر الله إليه سبعين نظرة ، وقضى الله له بكلّ نظرة سبعين حاجة أدناها المغفرة ، ثمّ لو كان شقيّاً فطلب السعادة لأسعده الله «يَمحو الله ما يشاءُ ويُثبِتُ وعندهُ أمُّ الكتاب» (الرعد : 39) ولو كان والداه من أهل النار أُخرجا من النار بعد أن لا يشركا بالله شيئاً ، ومن صلّى هذه الصلاة قضى الله كلّ حاجة طلب وأعدّ له في الجنة ما لا عين رأت ، ولا أُذن سمعت

المراقبات

ص 107

هذه الصلاة يريد بها وجه الله تعالى جعل الله له نصيباً في أجر جميع من عبد الله في تلك الليلة ، ويأمر كرام الكاتبين بأن يكتبوا له الحسنات ، ويمحوا عنه السيئات حتى لا تبقى له سيّئة ، ولا يخرج من الدنيا حتى يرى منزله في الجنّة ، يبعث الله إليه ملائكة يصافحونه ويسلّمون عليه ، ويحشر يوم القيامة مع الكرام البررة فإن مات قبل الحول مات شهيداً ، ويشفّع في سبعين ألفاً من الموحّدين ، فلا يضعف عن القيام في تلك الليلة إلا شقيٌّ .

وقال : قال السيد يحيى بن الحسين في كتاب «الأمالي» حديثاً أسنده إلى مولانا علي عليه السلام قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : من صلى ليلة النصف من شعبان مائة ركعة بألف مرّة «قل هو الله أحد» لم يمت قلبه يوم تموت فيه القلوب ، ولم يمت حتّى يرى مائة ملك يؤمّنونه من عذاب الله ، ثلاثون منهم يبشرونه بالجنّة ، وثلاثون كانوا يعصمونه من الشيطان ، وثلاثون يستغفرون له آناء الليل وأطراف النهار ، وعشرة يكيدون من كاده .

أقول : ارحم يا مسكين نفسك المرهونة ، بما أسلفت في الأيّام الخالية ، وعالج هذه العظائم من الأوزار ، التي احتطبتها على ظهرك بالأعمال القبيحة الماضية فسيأتيك يوم تقول فيه : «أينَ المَفَرُّ * كلاّ لا وَزَر * إلى ربّكَ يومَئذٍ المُستَقرُّ * يُنَبَّأُ الإنسانُ يومئذٍ بِما قَدّم وأخّر» (القيامة : 10 ـ 13) وأنصف من نفسك هل لك إيمان بمواعيد الله ، اليوم الآخر وجزاء الأعمال ؟ وهل ترى قدّامك موقفاً تبكي منه عيون الأنبياء وترتعد منه فرائص الأولياء ، وغشي عليهم عند ذكره الأتقياء ، فما بالك تأمن ممّا يخاف منه الأنبياء المعصومون ، والملائكة المطهّرون ، هل ترى ما لا يرون ؟! أو عملت من الخير ما لم يعملوا ؟! أو اتّقيت ممّا لم يتّقوا ؟ أم تأمن مكر الله ولا «يأمَنُ مَكرَ الله إلاّ القَومُ الخاسِرون» (الأعراف : 99)

المراقبات

ص 108

وتفكّر في أمرك «يوم يَقومُ الرّوح والملائكةُ صَفّاً لا يتكَلّمونَ إلاّ مَن أذِنَ لهُ الرّحمنُ وقالَ صواباً» (النبأ : 38) وقدِّر نفسك من المأذون في الكلام ، وانظر هل لك جواب صواب لخطاب الله جلّ جلاله ؟ والحال أنّك لا تعلم أن يؤذن لك في الكلام ، أو يقال : اخسؤوا ولا تكلّمون .

ثمّ تفكّر فيما وعد الله جلّ جلاله لهذا العمل القليل ـ عمل ليلة صلاة مائة ركعة ـ فهل يسامح العاقل في ذلك ؟ وخاطب نفسك العوّاد ، وقل : أين أنت يا أيّها الذي تدّعي الإيمان بمواعيد الله جلّ جلاله ، من هذه المنافع الجليلة الفاخرة ، هل تقدّر لها قيمة من أمور الدنيا ، ومتاعها الدنيا وما فيها ؟

قوّم في نفسك قصراً من قصور الجنّة التي وعدك بتسبيحة في تلك الليلة هل تعلم قيمتها ؟ ثمّ ترقَّ وقوّم في قسطاس عقلك نظرة الله ، هل يقدر أحد أن يعلم ما فيها من الكرامة ؟

ثمّ انظر إلى حالك وحرصك في أمر الدنيا كيف تموت من حسرة ضياع الأمتعة النفيسة ، الفانية الحقيرة ، في جنب أصغر متاع الآخرة منها ، وتأمّل هل تجد علّة زهدك ورغبتك فيها إلا أن تكون ضعيف الإيمان بعالم الغيب ومتعلّقاتها فإن كان كذلك فادع لنفسك الويل والثبور بأنّك لم تؤمن بعدُ بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر ، وأنت بعد في الضلال البعيد ، والخسران المبين ، واستعدّ لما أوعد الله من النار ، لمن لم يؤمن بالله العزيز الحميد ، لأنّ هذا الايمان الضعيف قد ينصرم بسبب ضعيف ، وهول قليل من الأهوال ، لا سيّما عند اغتشاش الحواسّ من المرض عند الموت ، فما لم يكن الإيمان مستقرّاً راسخاً لا يؤمن أن يكون من المستودع ويبدّل عند شدائد الموت بالكفر ، فتجهّز لبلائك من عافيتك ويوم سقمك من صحّتك ، وانتهز الفرصة في أيّام المهلة قبل أن يأتيك رسل الله فتستدعي تأخير ساعة وتجاب

المراقبات

ص 109

قد فنيت ، وترضى بلحظة ولا تعطي ، فبادر للتمسّك بهذه الأسباب القويّة ، وتمسّك من العرى بأوثقها ، ومن الحبال بأمتنها ، ادع الله في هذه الأوقات الشريفة ، دعاء الغريق ، وتوسّل إليه بأوليائه توسّل من ابتلى بالحريق ، فإنّه كريم يحبّ الكرامة لعباده المضطرّين المحترفين على بابه ، والمتوسّلين إليه بأوليائه ، فانظر من أيّ باب تدخل على موائد هذه الليلة ، قد سمعت الأبواب المفتّحات ، أمن باب الرحمة ؟ أو الرضوان ؟ أو المغفرة ؟ أو التوبة ؟ أو الفضل ؟ أو الاحسان ؟ أو باب النعمة ؟ أو [باب] الجود ؟ فإنّ لكلّ من هذه الأبواب أهلاً ، وأهله من كان له حظٌّ من صفة هذا الباب بقدر ما يمكن له .

وحظّك من باب الرحمة أن ترحم عباد الله الغافلين ، فتصرفهم عن طريق الغفلة إلى الله بالوعظ والنصح بطرق اللطف دون العنف ، وأن تنظر إلى العصاة بعين الرحمة لا بعين الإيذاء ، وأن يكن كلّ معصية تجري في العالم كمعصية لك في نفسك ، فلا تألو جهداً في إزالتها بقدر وسعك ، رحمة لهذا العاصي أن يتعرّض لسخط الله ، ويستحقّ المنع عن جواره ، وأن لا تدع فاقة لمحتاج إلا تسدّها بقدر طاقتك ، وأن لا تترك فقيراً في جوارك إلا وتقوم بتعهّده ودفع فقره بمالك وجاهك ، فإن عجزت عن جميع ذلك فبالدعاء وإظهار الحزن من جهة ابتلائه .

وحظك من باب الرضوان أن تكون راضياً من ربّك ، بل ومرضيّاً له ، لأنّهما متلازمان وسهّل الرضا عن خلقه لا فظّاً غليظاً .

وحظّك من باب المغفرة أن تستغفر ربّك بقدر معصيتك بشروط الاستغفار وتعتذر إلى من له الحق من خلقه بقدر إساءتك وظلمك وبغيك وجفائك في حقّهم وتغفر لمن عليه الحقّ منك وتقبل عذر المعتذر .

المراقبات

ص 110

وحظّك من باب التوبة أن لا ترجع إلى ذنب ومكروه وإساءة لخلق ولا خالق وتتدارك ما يمكنك التدارك.

وحظّك من باب الفضل أن لا ترضى في حقوق الله بقدر الواجب ولا في حقّ الناس بالعدل والمساواة، بل تجهد أن يكون لك الفضل ، ومن ذلك أن تجيب التحيّة بأحسن منها ولا ترضى بردّها .

وحظّك من باب الاحسان أن تعبد الله كأنّك تراه ، وإن لم تكن تراه فهو يراك ، وأن تحسن إلى من أساء إليك وتعفو عمّن ظلمك ، وتصل من قطعك.

وحظّك من باب الجود أن تبذل كلّك لله لأنّك أهل لذلك ، وأن يكثر فوائدك للناس لا لغرض تصيبه منهم ، فإنّ هذه أبواب مفتّحة عموماً ، وخصوصاً في هذه الليلة ، انظر من أيّها تدخل على ربّك ، فكرّم بقدر فضيلة الباب وبقدر حظّك واجتهد في تحصيل هذه الحقائق أكثر ممّا تجتهد في تكثير صور العبادات ، فإنّ ركعة من العبد المتحلّي نفسه بهذه الصفات ، يزيد نوره على صلاة ألف ركعة وأزيد ممّن لم يتّصف بها ، فإنّ المتّصف بصفة الفضل ـ مثلاً ـ أترى أنّ الله المتفضّل المنّان واهب الفضل يعامله بعدله ؟ حاش لله بل يعامله بفضله ، ومن عامله الله بفضله يشكر بقليله الكثير ، ويضاعف عليه بغير حساب ، ويبدّل سيئاته بأضعافها من الحسنات .

ومن المهمات سجدات بدعوات مخصوصة ، وفي بعضها إشارة إلى المراتب الثلاثة للإنسان حيث قال فيه : «سجد لك سوادي وخيالي وبياضي» وهو كالنصّ بعالمه المحسوس فإنّه مركّب من مادّة ومقدار وعالمه المثال ، هو مركّب من صورة وروح وعالمه الحقيقيّ الذي به صار إنساناً يعني حقيقة نفسه وهو عالمه الذي لا صورة فيه ولا مادّة ، وهو حقيقته العالمة اللطيفة

المراقبات

 

ص 111

الربّانيّة التي من عرفها فقد عرف ربّه ، أي تكون معرفته وسيلة لمعرفة الرب تعالى .

ثمّ من المهمات التقرّب بإمام زماننا ، ووليّ الأمر ، والناموس الأكبر ، صاحب الغيبة الإلهيّة ، والدعوة النبويّة ، وارث الأنبياء ، وخليفة الخلفاء ، خاتم الأوصياء ، مظهر عدل الله الأعظم ، وناشر رايات الهدى ، ومبيد العتاة وجحدة الحقّ ، ومستأصل أهل العناد والتضليل والإلحاد ، وطامس آثار الزيغ والأهواء ، وجامع الكلم على التقوى ، والسبب المتّصل بين أهل الأرض وأهل السماء ، حجّة الله الكبرى ، وآيته العظمى ، نصر الله العاجل وفتحه القريب ، مؤدب العالمين ، والسلطان الأعظم ، والمولى الأكرم ، سيّدنا وإمامنا وعصمتنا وملاذنا ومولانا الامام المهديّ القائم أرواحنا وأرواح العالمين فداه بزيارة ومناجاة ، وعرض شوق وبثّ شكوى ، ودعاء وصلاة ، واحتراق قلب من فراق ، شكر نعم وإهداء قربات ، وبذل روح ، وفداء مهجة ، وتوسّل ، وتعلّق ، اعتصام ، وتظلّم ، واستغاثة ، وانتصار ، واستفاضة ، واستشفاع .

ويتفكّر فيما فاته من سعادات زمن ظهوره وسلطنته ، وينظر إلى غيره كيف يتصرّفون في ملكه ، ويغصبون حقّه وسلطانه ، ويتأمّرون على أوليائه بغير حقّ ، يسوقونهم بغير عدل إلى أهوائهم ، ويتألّم من ذلك كلّه ، ويشتكي إلى الله ممّا وقع فيه ، ويدعوه عن ظهر القلب واحتراقه ، ويطلب فَرَجَه ـ صلوات الله عليه وآله ـ ويرغب إليه ليلاً ونهاراً في أن يمنّ عليه بزيارة جماله ، وكمال طاعته ، بلوغ رضاه والاهتد اء بهداه ، ويتذكّر في الحوادث كلّها وجوده وظهوره وتصرّفه وسلطانه ، ويكون في ذلك مثل من غاب عنه أبوه قبل ولادته ولم يره ، يتوقّع مجيئه وتوليه لأموره .

المراقبات

ص 112

وقد كان لي أخ ولد بعد أبي وسمع بعد شعوره أنّ أباه مات ، وكان يدع ويتوقّع حياته ، ويذكر في كلّ أمر صغير وكبير مجيئه ، وأنّه يجيء ويفعل كذا وكذا ، فلا يكون أبوك أحبّ إليك من إمامك وهو أبوك الروحانيّ الحقيقيّ ، وعلّة إيجاد روحك وجسمك ونعمك كلّها ، وخليفة ربّك .

وبالجملة فليظهر من حركاتك في أفعالك وأقوالك أنّك فاقد إمامك ، منتظر ظهوره ، ومتوقّع وصاله ، ويظهر من حقّ وفاء زمن غيبته ما يصدّق دعوى تعلّقك به فإنّ الكرام يظهرون من الوفاء في الغيبة ما لا يظهرونه في الحضور . ولا يكن لك في تمنّي ظهوره وزيارته غيره من المقاصد فإنّ زيارته وقربه المقصد الأسنى ، وهو مقصد المقاصد ، ومعرفته وقربه ورضاه غاية الغايات ، ونهاية الآمال .

ومن المهمات أيضاً أن يقرأ الدعاء الذي أوله : اللهم بحقّ ليلتنا ومولودها .

ثمّ من أهمّ أعمال الليلة زيارة الحسين عليه السلام وحضور مرقده الشريف فقد ورد في الأخبار حثٌّ أكيد بذلك ، وليزره عليه السلام بالزيارة المخصوصة بهذه الليلة .

ومن أعماله المخصوصة دعاء كميل ـ عليه الرحمة ـ يقرأه في السجدة تأسّياً بأمير المؤمنين عليه السلام روى في «الإقبال» عن الشيخ أنّه روى أنّ كميلاً رأى أمير المؤمنين يقرأه في السجدة في ليلة النصف من شعبان ، وقال : ووجدت في رواية أخرى ما هذا لفظه : قال كميل بن زياد : كنت جالساً مع مولاي أمير المؤمنين عليه السلام في مسجد البصرة ومعه جماعة من أصحابه ، فقال بعضهم : ما معنى قول الله عزّ وجلّ : «فيها يُفرَقُ كلُّ أمرٍ حَكيم» ؟ (الدخان : 4) قال عليه السلام : هي ليلة النصف من شعبان ، والذي نفس عليّ بيده

المراقبات

ص 113

إنّه ما من عبد إلا وجميع ما يجري عليه من خير وشرّ مقسوم له في ليلة النصف من شعبان إلى آخر السنة في مثل تلك الليلة المقبلة ، وما من عبد يحييها ويدعو بدعاء الخضر عليه السلام إلا أُجيب له.

فلمّا انصرف طرقته ليلاً فقال عليه السلام : ما جاء بك يا كميل ؟ قلت : يا أمير المؤمنين دعاء الخضر، فقال : اجلس يا كميل ، إذا حفظت هذا الدعاء فادع به كلّ ليلة جمعة ، أو في الشهر مرّة ، أو في السنة مرّة ، أو في عمرك مرّة تكفُّ وتنصر وترزق ، لن تعدم المغفرة ، يا كميل أوجب لك طول الصحبة لنا أن نجود لك ما سألت ثم قال: اكتب: «اللهم إنّي أسألك برحمتك التي وسعت كلّ شيء» إلى آخر الدعاء.

وللسالك أن لا يقرأ هذا الدعاء عن قلب ساه حتى يعلم ما يقول ، ولا يتكلم بما ليس مناسباً موافقاً لحاله الحاضر ويجدّ حين يقول : «وهبني يا إلهي وسيّدي ومولاي وربّي صبرت على عذابك ، فكيف أصبر على فراقك» ؟ أن يكون صادقاً في دعوى أنَّ فراق ربّه أشدّ عليه من عذاب جهنّم ، ولا يرضى أن يكذب مع الله العالم بالخفيّات في مثل هذا الحال ، فيكون بذلك مهيناً لسلطان الله العظيم .

وللصادق في هذه الدعوى أن يعرف معنى وصال الله ولو إجمالاً لا محالة حتّى يدَّعي أنَّ مفارقة هذه النعم والبهجة أشدّ عليه من عذاب الله ، وأيضاً له أن يتفكّر في حقائق كلّ ما يسأله من الله في دعائه ومناجاته حتّى يكون دعاؤه مناجاة لا مستطراً يقرأ لفظه ولا يعلم معناه ، ولا يغفل عن قوله في أواخر الدعاء «وأجتمع في جوارك مع المؤمنين» والغافل الساهي في مناجاته عمّا يسأل ويدعو في خطر عظيم.

ومن أهمّ أعمال الليلة زيارة الحسين عليه السلام في مرقده الشريف ،

المراقبات

ص 114

ولزيارته صلاة وعمل مخصوص مرويّ في «الإقبال» ، أو في غيره من الأمكنة البعيدة ، وقد ورد في فضل زيارته أمر عظيم ، وعلّل ذلك بأنّ زائره بمنزلة من زار الله في عرشه ، وللعبد المراقب أن يعتبر هذه العبادة اعتبارات فاخرة :

منها أن يعتبر في جليل ثواب الله للحسين عليه السلام بحيث جعل زيارته في مرقده كمن زار الله في عرشه ، هذا أمر عظيم لا تطيقه عقول العامّة.

ومن عظمته ، حكي أنّ السيد الجليل ، والعالم النبيل ، السيد مهدي الملقّب ببحر العلوم جاء إلى الشيخ العارف الشيخ حسين المعروف بنجف وسأله عن مشكلاته ، وكان منها أن سأله عن عظم ما ورد في الأخبار من مثوبات ما يتعلّق بالحسين عليه السلام لزائره وللباكي عليه ونحوهما كيف يستقيم عند العقل هذه الأمور العظام بهذه الأعمال الجزئيّة الحقيرة ؟ فأجابه الشيخ بأنّ الحسين عليه السلام مع جميع ما فيه من الشؤون إنّما كان مخلوقاً ممكناً عبداً لله ، وهو مع كونه ممكناً عبداً أعطى في محبّة الله ورضاه كلّه من المال ، والجاه ، والعرض ، والأخوة ، والأولاد الصغير والكبير ، والروح ، حتى بدنه بعد القتل وكيف تستكثر أن يعطيه الكريم الجواد أيضاً كلّه للحسين عليه السلام ؟ فرضي عليه الرحمة بالجواب واستحسنه .

ومنها أن يعرف ما في قضاء الله وتقديره في شهادة الحسين عليه السلام من الحكم سوى ما أعطاه من المثوبات ، ووسيلة لهم إلى الفوز بدرجات عالية ، وسبباً قريباً لمعرفة شأن إمامهم .

ومنها أن يعرف أنّ من المثوبات الجليلة ، والمقامات العالية المعدّة لأولياء الله ، زيارة الله ، فيشتاق إليه ويقصده ويهتمّ لتحصيله ، ويشتدّ شوقه إليه حتّى يصدق في دعائه : «وهبني صبرت على عذابك ، فكيف أصبر على فراقك» ؟

المراقبات

ص 115

ثمّ من المهمّات في أعمال الليلة أن يسجد بما روي من سجدات رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ويقرأ ما قرأه صلوات الله وسلامه عليه وآله فيها ، عن ظهر القلب ، غير ساه عن قصد معانيها ، وغير كاذب في قصدها .

ومن المهم أن يقرأ ما ورد في صلاة الليل من الدعوات بين الركعات على ما روي في «الإقبال» ولا يغفل عن الدعاء المرويّ في الوتر أو بعده فإنّه دعاء جليل ، ثمّ إذا صار آخر الليل فليجلس هنيئة لمحاسبة عمل الليلة ، وأظنّ أنّه إن حاسب عمله على علم ، ولم يحف في حسابه لا سيّما إذا كان مستعيناً بهداية الله تعالى لاستغفر من عمله أكثر من استغفاره لو فرض نفسه نائماً ليلته لأنّه لا يسلم من آفات العمل إلا المخلصون والمخلصون في خطرعظيم .

ثمّ لو فرض سلامة عمله من الآفات فليقوّمه ويقابله بأصغر نعم الله عليه . ويرى أنّه لا يؤدي شكر الله بالأعمال بميزان العدل ، ولو رأى أنّ أعماله لا تخلو من الآفات والتقصير ، فليعالج ذلك بالتوسل إلى خفير ليلته من المعصومين عليهم السلام ويسلّم عليه ويقول :

«يا من اختاره الله من عباده ، وجعله خفيراً وحامياً لهم فبحقّ هذه الخيرة أُقسم عليك أن تنظر إلى سوء حالي بعين الرحمة ، وترحم ضعفي وجهلي ومسكنتي وإفلاسي وفاقتي وابتلائي ، وترغّب إلى الله جلّ جلاله أن يعاملني بفضله وكرم عفوه ، ويبدّل سيئات أعمالي بأضعافها من الحسنات ، وترغب إليه أن يكرمني بقبوله ورضاه ، وأن تدخلني في تلك الليلة في همّك ودعائك ، وشفاعتك وشيعتك ، وتدعو الله في ثوابي وخيري وهدايتي وإرشادي ، وتأييدي ، تسديدي ، توفيقي ، وكلّ خير لديني ودنياي وآخرتي فإنّك يا مولاي كريم تحبّ الكرامة ، ومأمور من الله بالاجارة ، واجعل تمام قراك في خفارتك أن تسأل الله لي بمعرفته ومحبّته وقربه ورضاه ، وأن يلحقني

المراقبات

ص 116

بكم في الدنيا والآخرة ، ويجعلني من شيعتكم المقرّبين وأوليائكم السابقين ، فإنّه وليّ ذلك ، صلى الله عليكم ما شاء الله ولا قوّة إلا بالله» .

ثم إن شاء أن يختم ليلته بالسجود ، فليفعل . وصلى الله على محمد وآله .

ثم من المواقف الشريفة من منازل شعبان للسالك إلى الله جل جلاله آخر جمعة منه روي عن «العيون» باسناده عن عبد السلام بن صلاح الهرويّ قال : دخلت على أبي الحسن عليّ بن موسى الرضا عليهما السلام في آخر جمعة من شعبان ، فقال لي : يا أبا صلت إن شعبان قد مضى أكثره وهذا آخر جمعة فيه ، فتدارك فيما بقي تقصيرك فيما مضى منه وعليك بالاقبال على ما يعنيك ، وأكثر من الدعاء والاستغفار ، تلاوة القرآن ، وتب إلى الله من ذنوبك ، ليقبل شهر رمضان إليك وأنت مخلص لله عزّ وجلّ ، ولا تدعنّ أمانة في عنقك إلا أدّيتها ، وفي قلبك حقداً على مؤمن إلا نزعته ، ولا ذنباً أنت مرتكبه إلا أقلعت عنه ، واتّق الله وتوكّل عليه في سرائرك وعلانيتك «ومَن يتوكّل على الله فهو حَسبُهُ إنَّ الله بالِغُ أمرِهِ قد جَعَلَ الله لكلّ شيءٍ قدراً» (الطلاق : 3) وأكثر من أن تقول فيما بقي من هذا الشهر : «اللهمّ إن لم تكن غفرت لنا في ما مضى من شعبان ، فاغفر لنا فيما بقي منه» فإن الله تعالى يعتق في هذا الشهر رقاباً من النار لحرمة شهر رمضان .

أقول : إنّ في هذا الذي أفاض عليه السلام لبلاغاً لأهله في هذا المقام ، وكلّ مقام مثله ، احفظه واغتنم واعمل به في أمثال المقام .

ثمّ إنّ في صوم ثلاثة أيّام من آخر شعبان لمن لم يصم كلّه لفضلاً لا يليق للمراقب أن يتركه ، وقد روى الصدوق عليه الرحمة عن الصادق عليه السلام أنَّ من

المراقبات

ص 117

صام ثلاثة أيّام من آخر شعبان ووصله بشهر رمضان كتب الله له صيام شهرين متتابعين ، هذا .

ومراقبات أواخر الشهور من جهة استصلاح ما أتلفه في الشهر كلّه غيرما ذكرنا كما أشرنا في كلّ شهر.

ثم من جملة مهمات ما يعمل به في آخر ليلة من شعبان لشهر رمضان دعاء رواه في الإقبال ، لهذه الليلة والليلة الأولى من شهر رمضان ويعرف منه ـ من كان أهلاً له ـ تفصيل تكليف الاستعداد لدخول ضيافة الله جلّ جلاله.

کتاب المراقبات



Share
* الاسم:
* البرید الکترونی:
* نص الرأی :
* رقم السری:
  

أحدث العناوین
الاکثر مناقشة
الاکثر مشاهدة