المدخل الي علم الرجال والدراية
المدخل إلى علم الرجال والدراية - 1
الحمد للّه ربّ العالمين والصلاة والسلام على محمد وآله الطيّبين الطاهرين الهداة المهديّين لا سيّما بقيّة اللّه الحجّة بن الحسن إمام العصر والزمان عجّل اللّه تعالى فرجه الشريف.
من البديهي أنّ الأساس في تحصيل العلوم الإلهيّة وتفصيلها واستنباط الأحكام الشرعيّة، وتوضيحها، يعود إلى السنّة الشريفة الواردة عن المعصومين(عليهم السلام)؛ حيث إنّ القرآن الكريم جاء بالخطوط العامّة، والأحكام الكليّة للدين المبين وتَرَك تفصيها وبيانها للنبيّ(ص) ومن بعده للأئمّة الأطهار(عليهم السلام)، فهم أعلم من غيرهم بالوحي.
وهذا يدعو إلى الاهتمام بدراسة علم الحديث، وما يتعلقّ به كعلم الرجال، حتّى يمكننا الرجوع إلى السنّة المطهّرة، التي تعدّ المصدر الثاني للتشريع بعد كتاب اللّه العزيز.
وممّا ينبغي التصريح به: أنّه لا يمكن لنا الاستدلال بكلّ حديث روي عن المعصومين(عليهم السلام)، إلّا بعد إحراز درجة اعتبار رواته ووثاقتهم، حتّى يحصل عندنا الاطمئنان بصدوره عنهم(عليهم السلام)؛ وذلك، لوجود الأدلّة النقليّة والشواهد التاريخيّة، التي تشير إلى وجود جملة من الكذّابين والوضّاعين، الذين تلاعبوا في الأحاديث الشريفة حسب ماتملي عليهم أهواؤهم، ومصالحهم الشخصيّة.
ولكثرتهم وخطورة عملهم هذا، راحت أقوال رسول اللّه(ص)، وأئمّة أهل البيت(عليهم السلام) تحذّر منهم وتتوعّدهم بعذاب أليم، كما ورد في الأحاديث المتضافرة عن النبيّ(ص) «من كذب علي متعمّداً - أو قال علي ما لم أقله - فليتبوّأ مقعده من النار».(1)
وعن أمير المؤمنين(عليه السلام) «إنّ في أيدي الناس حقّاً، وباطلاً، وصدقاً، وكذباً، وناسخا، ومنسوخاً،وعامّاً، وخاصّاً، ومحكماً، ومتشابهاً، وحفظاً، ووهماً، وقد كذب على رسول اللّه(ص) على عهده حتّى قام خطيباً فقال:
أيّها الناس، قد كثرت عليّ الكذّابة، فمن كذب عليّ متعمّداً، فليتبوّأ مقعده من النار.
ثمّ كُذب عليه من بعده، وإنّما أتاكم الحديث من أربعة ليس لهم خامس: رجل منافق يظهر الإيمان، متصنّع بالإسلام، لا يتأثّم ولا يتحرّج أن يكذب على رسول اللّه(ص) متعمّداً، فلو علم الناس أنّه منافق كذّاب، لم يقبلوا منه ولم يصدّقوه، ولكنّهم قالوا: هذا قد صحب رسول اللّه(ص)، ورآه وسمع منه وأخذوا عنه، وهم لا يعرفون حاله، وقد أخبره اللّه عن المنافقين بما أخبره، ووصفهم بما وصفهم فقال عزّوجلّ:
«وَ اِذا رَاَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ اَجْسامُهُمْ وَ اِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَولِهِمْ».(2)
ثمّ بقوا من بعده، فتقرّبوا إلى أئمّة الضلالة والدعاة إلى النار بالزور والكذب والبهتان، فولّوهم الأعمال وحملوهم على رقاب الناس، وأكلوا بهم الدنيا، وإنّما الناس مع الملوك والدنيا إلّا من عصم اللّه ... .(3)
نعم، لقد توسّع نطاق الكذب في العهد الأموي المشؤوم والعهد العبّاسي المظلم على الرسالة الإسلاميّة لمصالح سياسيّة ومطامع دنيويّة أو لأغراض شخصيّة. ونقلت حكايات كثيرة في المصادر الرجاليّة وغيرها تشير إلى كثرة التلاعب بالأسانيد والأخبار.
فقد نقل الذهبي عن إبراهيم بن سليمان بأنّه قال: سمعت أبا العزّ بن كادش يقول: وضعت حديثاً على رسول اللّه(ص)، وأقرّ عندي بذلك.
وروي عن أبي علي بن الحسن الحافظ يقول: قال لي ابن كادش: وضع فلان حديثاً في حقّ عليّ، ووضعت أنا في حقّ أبي بكر حديثاً، باللّه أليس فعلت جيّداً؟!
ثمّ قال الذهبي: هذا يدلّ على جهله؛ يفتخر بالكذب على رسولاللّه(ص).(4)
وفي أحمد بن محمد أبو بشر الكندي، قال ابن حبّان: كان ممّن يضع المتون ويقلّب الأسانيد ... لعلّه قد قلّب على الثقات أكثر من عشرة آلاف حديث، كتبت أنا منها أكثر من ثلاثة آلاف حديث، لم أشكّ أنّه قلبّها.(5)
وفي الحسن بن عمارة بن المضرّب: فقيه كبير، كذّاب، ساقط، قال شعبة: من أراد أن ينظر إلى أكذب الناس، فلينظر إلى الحسن بن عمارة.(6)
وفي عليّ بن الجهم بن بدر السامي: كان أكذب خلق اللّه، مشهوراً بالنصب، كثير الحطّ على عليّ وأهل البيت، وقيل: إنّه كان يلعن أباه لِمَ سمّاه عليّاً.(7)
وهذا عبد المغيث بن زهير الحنبلي ألّف كتاباً في فضائل يزيد.(8)
ومحمد بن عبد الواحد أبو عمر الزاهد، يقول الخطيب فيه: كان لو طار طائر لقال: حدّثنا ثعلب عن ابن الأعرابي ويذكر في معنى ذلك شيئاً، وصنّف جزءًا في فضل معاوية.(9)
ونقل العلّامة الأميني عن القرطبي بأنّه قيل لأبيعصمة: من أين لك عن عكرمة، عن ابن عبّاس في فضل سُوَر القرآن، سورة سورة؟ فقال: إنّي رأيت الناس قد أعرضوا عن القرآن، واشتغلوا بفقه أبي حنيفة ومغازي محمد بن إسحاق، فوضعت هذا الحديث حسبة.(10)
وقال: قد ذكر الحاكم وغيره من شيوخ المحدّثين أنّ رجلاً من الزهّاد انتدب في وضع أحاديث في فضل القرآن وسوره، فقيل له: لِمَ فعلت هذا؟ فقال: رأيت الناس زهدوا في القرآن، فأحببت أن اُرغّبهم فيه، فقيل: فإنّ النبي(ص) قال: «من كذب عليّ متعمّداً، فليتبوّأ مقعده من النار»، فقال: أنا ما كذبت عليه، إنّما كذبت له!!!(11)
قال ابن الجوزي: عن أبي أنس الحراني أنّ المختار الثقفي قال لرجل من أصحاب الحديث: ضع لي حديثاً عن النبي(ص)؛ إنّي كائن بعده خليفة وطالب له بترة ولده، وهذه عشرة آلاف درهم وخلعة وخادم ومركوب.
فقال الرجل: أمّا عن النبي(ص) فلا! ولكن اختر من شئت من الصحابة، وأحطك من الثمن ماشئت.
فقال المختار: عن النبيّ(ص) يكون الحديث أجدى وأنفع.
فقال له المحدّث: ولكن العذاب عليه أشدّ وأبلغ.(12)
روى ابن أبي الحديد، عن أبي جعفر الإسكافي أحد شيوخ المعتزلة، قال: إنّ معاوية وضع قوماً من الصحابة وقوماً من التابعين على رواية أخبار قبيحة في عليّ [(عليه السلام)] تقتضيالطعن فيه والبراءة منه، وجعل لهم على ذلك جُعلاً يُرغَب في مثله، فاختلقوا ما أرضاه، منهم: أبو هريرة وعمرو بن العاص والمغيرة بن شعبة، ومن التابعين: عروة بن الزبير.(13)
وقد ألّف القوم كتباً عديدة في هذا الموضوع، منها:
كتاب الضعفاء الصغير: للبخاري محمد بن إسماعيل، المتوفّى: 256.
الضعفاء والمتروكون: للنسائي أحمد بن شعيب، المتوفّى: 303.
الضعفاءالكبير: للعقيليأبي جعفر محمد بن عمرو المكّي، المتوفّى: 322.
الجرح والتعديل: للرازي عبد الرحمن بن أبي حاتم، المتوفّى: 327ه' .
المجروحين: لابن حبّان التميمي البستي، المتوفّى: 354.
الكامل في ضعفاء الرجال: لأبي أحمد عبد اللّه الجرجاني، المتوفّى: 365.
الضعفاء والمتروكون: للدارقطني أبي الحسن البغدادي، المتوفّى: 385.
معرفة التذكرة في الأحاديث الموضوعة: لابن القيسراني، المتوفّى: 507.
الأباطيل والمناكير والصحاح والمشاهير: للجوزقاني، المتوفّى: 543.
الضعفاء والمتروكون: لابن الجوزي أبي الفرج، المتوفّى: 597.
الموضوعات: للصاغاني، أبي الفضائل، المتوفّى: 650.
المغني في الضعفاء: للذهبي، المتوفّى: 748.
اللآلي المصنوعة في الأحاديث الموضوعة: للسيوطي، المتوفّى: 911.
الأسرارالمرفوعة فيالأخبار الموضوعة: لملّا علي القاري المتوفّى:1014.
الفوائد المجموعة في الأحاديث الموضوعة: للشوكاني المتوفّى:1250.
هذا كلّه يدلّ على وجود أحاديث موضوعة كثيرة اصطنعتها الأيادي الصنيعة وبثّتها بين أحاديثهم.
إلّا أنّ للشيعة الإماميّة ميزات في هذا الصعيد إذ لم يقعوا في الشراك الذي وقع فيها علماء المذاهب الإسلامّية الاُخرى؛ حيث إنّ الأئمّة الأطهار(عليهم السلام) قدتصدّوا لهذه الظاهرة من أوّل يوم انتشر فيه الحديث.
فبعد أن رأوا عدّة من أصحاب الأهواء الباطلة والآراء الفاسدة أخذوا يتلاعبون في الأحاديث الشريفة، ويحرّفون الشريعة النبويّة، ويدسّون في آثار العترة الطاهرة، أعلنوا التبرّي منهم، ووصفوهم بالكذّابين والوضّاعين، ولعنوهم أشدّ اللعن، ليُسقطوا عند الناس، وأمروا الشيعة بعدم الأخذ عنهم؛ لكي تمحّص الأحاديث من الدسائس، والحقائق من المنكرات.
كما روى الكشّي أنّ أحداً من الغلاة، حين ذكر شيئاً من غلوّ يونس ابن ظبيان، عند أبي الحسن (عليه السلام)، فغضب غضباً لم يملك نفسه ثمّ قال(عليه السلام) للرجل: أخرج عنّي لعنك اللّه ولعن من حدّثك، ولعن يونس بن ظبيان ألف لعنة يتبعها ألف لعنة، كلّ لعنة تبلغك قعر جهنّم ... أما إنّ يونس مع أبي الخطّاب في أشدّ العذاب مقرونان، وأصحابهما إلى ذلك الشيطان مع فرعون وآل فرعون في أشدّ العذاب ....(14)
وعن علي بن أبي حمزة البطائني قال: سمعت أبا الحسن موسى(عليه السلام) يقول: لعن اللّه محمّد بن بشير، وأذاقه حرّ الحديد؛ إنّه يكذب علي، برئ اللّه منه، وبرئت إلى اللّه منه ... ياعلي! ما أحد اجترء أن يتعمّد الكذب علينا، إلّا أذاقه اللّه حرّ الحديد، وإنّ بياناً كذب على عليّ بن الحسين(عليه السلام) فأذاقه اللّه حرّ الحديد، وإنّ المغيرة ابن سعيد كذب على أبي جعفر(عليه السلام) فأذاقه اللّه حرّ الحديد، وإنّ أبا الخطّاب كذب على أبي فأذاقه اللّه حرّ الحديد... .(15)
بعد كلّ هذا، لا يمكننا الاطمئنان بكلّ حديث وصل إلينا؛ إلّا بعد الفحص والتفتيش حتّى نحصل على الأخبار الصادرة حقّاً عنهم عليهم أفضل الصلاة والسلام.
المدخل إلى علم الرجال والدراية - 2
اهتمام الأئمّة(عليهم السلام) بالدراية
وبمراجعة أحاديث الباب، يعلم اهتمام الأئمّة(عليهم السلام) بدراية الحديث، كما ورد عن أبي عبداللّه(عليه السلام) أنّه قال: قال أمير المؤمنين(عليه السلام): «عليكم بالدرايات لا بالروايات».(16)
وعنه(عليه السلام) أيضاً: «همّة السفهاء الرواية، وهمّة العلماء الدراية».(17)
عن الصادق(عليه السلام): «حديث تدريه، خير من ألف ترويه، ولايكون الرجل منكم فقيهاً حتّى يعرف معاريض كلامنا، وأنّ الكلمة من كلامنا لتنصرف على سبعين وجهاً».(18)
وعن أبي جعفر(عليه السلام): «يا بنيّ! اعرف منازل الشيعة على قدر روايتهم ومعرفتهم. فإنّ المعرفة هي الدراية للرواية، وبالدرايات للروايات يعلو المؤمن إلى أقصى درجات الإيمان ...».(19)
وعن أمير المؤمنين(عليه السلام) : «إذا حدّثتم بحديث، فاسندوه إلى الذي حدّثكم، فإنّ كان حقّاً فلكم، وإن كان كذباً فعليه».(20)
وقال الكشّي: سأل بعض الأصحاب من يونس بن عبد الرحمن: يا أبامحمد! ما أشّدك في الحديث، وأكثر إنكارك لما يرويه أصحابنا فما الذي يحملك على ردّ الأحاديث؟!
فقال: حدّثني هشام بن الحكم أنّه سمع أبا عبد اللّه (عليه السلام) يقول: «لا تقبلوا علينا حديثاً، إلّا ما وافق القرآن والسنّة، أو تجدون معه شاهداً من أحاديثنا المتقدّمة؛ فإنّ المغيرة بن سعيد - لعنه اللّه - دسّ في كتب أصحاب أبي، أحاديث لم يحدّث بها أبي».
قال يونس: وافيت العراق، فوجدت بها قطعة من أصحاب أبي جعفر(عليه السلام) ووجدت أصحاب أبي عبد اللّه(عليه السلام) متوافرين، فسمعت منهم، وأخذت كتبهم، فعرضتها من بعد على أبي الحسن الرضا(عليه السلام)، فأنكر منها أحاديث كثيرة أن تكون من أحاديث أبي عبد اللّه(عليه السلام) - إلى أن قال(عليه السلام) -: «فإنّ مع كلّ قول منّا حقيقة وعليه نوراً، فما لا حقيقة معه ولا نور عليه، فذلك من قول الشيطان».(21)
عن أبي عبد اللّه (عليه السلام): «رواة الكتاب كثير، ورعاته قليل، فكم من مستنسخ للحديث مستغش للكتاب. والعلماء تحزنهم الرواية».(22)
ماورد عن الأئمّة(عليهم السلام) في توثيق الرواة، وإرجاع الناس إليهم
عن الحسن بن يقطين، قال: قلت لأبي الحسن الرضا(عليهم السلام): جعلت فداك! إنّي لاأكاد أصِل إليك أسألك عن كلّ ما أحتاج إليه من معالم ديني، أفيونس بن عبد الرحمن ثقة، آخذ عنه ما أحتاج من معالم ديني؟ فقال: «نعم».(23)
عن أحمد بن إسحاق، عن أبي الحسن(عليهم السلام) قال سألته وقلت: من أعامل؟ وعمّن آخذ؟ وقول من أقبل؟
فقال: «العمري ثقتي، فما أدّى إليك عنّي، فعنّي يؤدّي. وما قال لك عنّي، فعنّي يقول. فاسمع له! وأطِع! فإنّه الثقة المأمون». قال: وسألت أبا محمد(عليهم السلام) عن مثل ذلك، فقال: «العمري وابنه ثقتان ...».(24)
عن مسلم بن أبي حيّة، قال: كنت عند أبي عبد اللّه(عليهم السلام) في خدمته، فلمّا أردت أن اُفارقه ودّعته، وقلت له: اُحبّ أن تزوّدني! قال: «ائت أبان بن تغلب؛ فإنّه قد سمع منّي حديثاً كثيراً، فماروى لك عنّي فاروِ عنّي».(25)
عن أبان تغلب، قال: قال لي أبو عبد اللّه(عليهم السلام): «جالس أهل المدينة، فإنّي أحبّ أن يروا في شيعتنا مثلك».(26)
عن إبراهيم بن عبد الحميد وغيره، قالوا: قال أبو عبد اللّه(عليهم السلام): «رحم اللّه زرارة بن أعين، لولا زرارة بن أعين، لولا زرارة ونظراؤه، لاندرست أحاديث أبي(عليهم السلام)».(27)
عن سليمان بن خالد الأقطع، قال: سمعت أبا عبد اللّه(عليهم السلام) يقول: «ما أحد أحيا ذكرنا وأحاديث أبي(عليهم السلام)، إلّا زرارة، وأبو بصير ليث المرادي، ومحمد بن مسلم، وبريد بن معاوية العجلي، ولولا هؤلاء، ماكان أحد يستنبط هذا. هؤلاء حفّاظ الدين، وأمناء أبي(عليهم السلام) على حلال اللّه وحرامه، وهم السابقون إلينا في الدنيا، والسابقون إلينا في الآخرة».(28)
قال أبو عبد اللّه(عليه السلام) للفيض بن المختار: فإذا أردت بحديثنا، فعليك بهذا الجالس، وأومى بيده إلى رجل من أصحابه، فسألت أصحابنا عنه، فقالوا: زرارة بن أعين.(29)
عن عبد اللّه بن أبي يعفور، قال: قلت لأبي عبد اللّه (عليه السلام): إنّه ليس كلّ ساعة ألقاك، ولا يمكن القدوم، ويجيء الرجل من أصحابنا، فيسألني، وليس عندي كلّما يسألني عنه، قال: فما يمنعك من محمّد بن مسلم الثقفي؛ فإنّه قدسمع من أبي، وكان عنده وجيهاً.(30)
عن شعيب العقرقوفي، قال: قلت لأبي عبد اللّه(عليه السلام): ربما احتجنا أن نسأل عن الشيء فمن نسأل؟ قال: عليك بالأسدي، يعنى أبا بصير.(31)
عن علي بن المسيّب، قال: قلت للرضا(عليه السلام): شقّتي بعيدة، ولست أصل إليك في كلّ وقت، فممّن آخذ معالم ديني؟ فقال: من زكريّا بن آدم القمّي، المأمون على الدين والدنيا.(32)
فقال أبو عبد اللّه(عليه السلام): أمّا مارواه زرارة، عن أبي جعفر(عليه السلام)، فلا يجوز لي ردّه.(33)
عرض الكتب على المعصومين (عليهم السلام) وثناؤهم على مؤلّفيها
عن أبي جعفر الجعفري أنّه قال: أدخلت كتاب يوم وليلة، الذي ألّفه يونس بن عبد الرحمن، على أبي الحسن العسكري(عليهم السلام)، فنظر فيه وتصفّحه كلّه؛ ثمّ قال: «هذا ديني، ودين آبائي، وهو الحقّ كلّه».(34)
عن أحمد بن أبي خلف، ظئر أبي جعفر(عليهم السلام)، قال: كنت مريضاً فدخل عليّ أبو جعفر(عليهم السلام) يعودني في مرضي؛ فإذا عند رأسي كتاب يوم وليلة، فجعل يتصفّحه ورقة ورقة، حتّى أتى عليه من أوّله إلى آخره، وجعل يقول: «رحم اللّه يونس! رحم اللّه يونس! رحم اللّه يونس!».(35)
قال الشيخ الطوسي في ترجمة عبيد اللّه بن علي الحلبي: له كتاب مصنّف معمول عليه. وقيل: إنّه عرض على الصادق(عليهم السلام)، فلمّا رآه استحسنه، وقال: «ليس لهؤلاء (يعني المخالفين) مثله».(36)
روى الكشّي عن أبي محمّد الفضل بن شاذان فذكر أنّه دخل على أبيمحمد(عليهم السلام)، فلمّا أراد أن يخرج، سقط منه كتاب في حضنه، ملفوف في رداء له، فتناوله أبو محمد(عليهم السلام) ونظر فيه، وكان الكتاب من تصنيف الفضل، وترحّم عليه، وذكر أنّه قال: «أغبط أهل خراسان بمكان الفضل بن شاذان وكونه بين أظهرهم».(37)
فضل الدراية عند العلماء
قال الشهيد الثاني(ره): وأمّا علم الحديث، فهو من أجلّ العلوم قدراً، وأعلاها رتبةً، وأعظمها مثوبةً بعد القرآن....(38)
وقال المحدّث النوري(ره): إعلم أنّ علم الحديث علم شريف؛ بل هو أشرف العلوم؛ فإنّ غايته الفوز بالسعادة الأبديّة، والتحلّي بالسنن النبويّة، والآداب العلويّة، وبه يدرك الفوز بالمعارف الحقّة ما لا يدرك من غيره، ومنه يتبيّن الحلال والحرام، والفرائض والسنن، وطرق تهذيب النفس وصفاتها.(39)
وقال صاحب المعالم(ره): إنّ إعطاء الحديث حقّه من الرواية والدراية، أمر مهمّ لمن أراد التفقّه في الدّين ... وقد كان للسّلف الصالح رضوان اللّه عليهم، مزيد اعتناء بشأنه، وشدّة اهتمام بروايته وعرفانه ...، ثمّ خلف من بعدهم خلف، أضاعوا حقّه وجهلوا قدره، فاقتصروا من روايته على أدنى مراتبها وألقوا حبل درايته على غاربها.(40)
وقد عقّب المحدّث النوري(ره) ما قاله صاحب المعالم، بقوله: وأمّا قول صاحب المعالم «ثمّ خلف من بعدهم» فلَعَمْري أنّه لو كان في عصرنا؛ لأقام على الحديث المآتم، وبكى عليه بكاء الثكلى؛ فإنّ أهله ألقوا حبل أدنى مراتب الرواية أيضاً على غاربها....(41)
عن والد شيخنا البهائي(ره): إعلم أنّ علم الحديث علم شريف جليل ... من حرمه، حرم خيراً عظيماً، ومن رزقه، رزق فضلاً جسيماً.(42)
وقال السيّد الكاظمي الأعرجي: لمّا كان معرفة مقامات الرجال ممّا يدور عليه قبول الأخبار وردّها، وخاصّة في التراجيح، وجب الفحص عنهم، كيف لا؟! ونحن إنّما نتناول معالم الدين منهم.(43)
تعريف علم الرجال والدراية والفرق بينهما
1 - ما هو تعريف علم الرجال؟
2 - ما هو المطلوب من علم الرجال؟
3 - ما هو موضوع علم الرجال، وما هي مسائله؟
4 - ما هو تعريف علم الدراية؟
5 - ما هو موضوع علم الدراية، وما هي مسائله؟
6 - ما الفرق بين علم الدراية، وعلم الرجال؟
7 - ما الفرق بين علم الرجال، وعلم التراجم؟
2 - والمطلوب من علم الرجال هو:* تشخيص وتعيين هويّة الراوي باسمه ونسبه وشهرته.
* معرفة حاله من حيث الوثاقة والضعف.
* معرفة مشايخه وتلاميذه وحياته وعصره وطبقته في الرواية.
فبتعيين اسمه ونسبه وطبقته، تميّز المشتركات وتشخّص المرسلات. كمايترتّب على معرفة حاله من الوثاقة والضعف، قبول حديثه أو ردّه.
* مسائل علم الرجال: هي معرفة أحوال الراوي، ككون «زرارة ثقة»، وأنّ «وَهْب بن وَهْب ضعيف»، فهو يعطي ضابطة كلّية للمستنبط بأنّ كلّ مارواه «زرارة» حجّة، ومارواه «وَهْب»، ليس بحجّة.(45)
4 - الدراية في اللغة: بمعنى مطلق العلم، وعن بعض مشايخنا هي العلم بدقّة وإمعان،(46)
وفي الاصطلاح: هي العلم الباحث عن الحالات العارضة على الحديث من جانب المتن والسند.
5 - إنّ موضوع علم الدراية: هو سند الحديث ومتنه.
* ومسائله: هي الأحوال العارضة لسند الحديث ومتنه، من كونه صحيحاً أو غير صحيح، ومضطرباً أو غير مضطرب.
* وغايته: هي تمييز الروايات المعتبرة عن غيرها.
المتن.(48)
وأمّا علم التراجم: فهو يبحث عن أحوال الشخصيّات من العلماء وغيرهم، سواء كانوا رواة للحديث أم لا؟
فالمطلوب من التراجم هو التعرّف على أحوال الأشخاص، لا من حيث الوثاقة والضعف؛ بل من حيث دورهم في حقول العلم والأدب والفنّ والصناعة والسياسة والاجتماع، وتأثيرهم في الأحداث والوقائع، إلى غير ذلك.(49)
التمارين:
* علي بن إبراهيم، عن أبيه، وعن أحمد بن محمد بن خالد، عن النوفلي، عن السكوني، عن أبي عبد اللّه (عليه السلام)قال: قال أمير المؤمنين(عليه السلام) : «إذإ؛ حدّثتم بحديث، فاسندوه إلى الذي حدّثكم، فإنّ كان حقّاً فلكم، وإن كان كذباً فعليه».(50)
* إذا أردنا أن نعرف وثاقة أحمد بن محمّد بن خالد وعدمها، إلى أيّ علم نرجع؟ أُذكر رجاءً قول أحد من الرجاليّين في وثاقته وعدمه.
* إذا أردنا أن نعلم أنّ لمحمد بن خالد كتاباً أو لا، إلى أيّ علم لابدّ أن ترجع؟ أُذكر رجاءً أسماء خمسة كتب من تأليفات أحمد بن محمّد بن خالد.
هامش
(1) الكافي: 62،1 ح1، الفقيه: 364،4 ح5762 و569،3 ح4942، وسائل الشيعة طبعة آل البيت: 249،12، 207،27، ومستدرك الوسائل: 93ص;92ص;91،9، 340ص;288،17.
والمحاسن: 118، علل الشرايع: 223، عيون أخبار الرضا: 198،2، ثواب الأعمال: 268، إكمال الدين: 60، كشف الغمّة: 211،1 و395 و460، إعلام الورى: 189، كنز الفوائد للكراجكي: 152،2 ومكارم الأخلاق: 440.
راجع أيضاً: صحيح البخاري: 207،4ص;102،2ص;38،1، 54،8 وموسوعة أطراف الحديث: 523،8. ذُكر فيه أكثر من ثلاثمائة مصدر للحديث.
(2) المنافقون: 4.
(3) الكافي: 50،1 ح1، راجع أيضاً: سليم بن قيس: 103، والخصال: 255، والاحتجاج: 263 و446، والإيضاح للمفيد: 60، ورسالة في المهر، له: 28، والصراط المستقيم: 156،3، والغيبة للنعماني: 75، وتحف العقول: 193.
(4) سير أعلام النبلاء: 559،19، وراجع أيضاً: لسان الميزان: 234،1، وميزان الاعتدال: 118،1، وشذرات الذهب: 78،4، والمنتظم: 28،10.
(5) المجروحين: 156،1، والضعفاء والمتروكون: 124، وميزان الاعتدال: 149،1 رقم 582، وتذكرة الحفّاظ: 803،3 رقم 793.
(6) ميزان الاعتدال: 513،1 رقم 1918، وتهذيب الكمال: 265،6 رقم 1252.
(7) لسان الميزان: 242،4 رقم 5766.
(8) شذرات الذهب: 453،3، حوادث سنة: 583.
(9) تاريخ بغداد: 357،2، ولسان الميزان: 485،5 رقم 8186، وسير أعلام النبلاء: 510،15.
(10) الغدير: 447،5، نقلاً عن التذكار للقرطبي: 155.
(11) المصدر نفسه.
(12) الموضوعات في الآثار والأخبار: 120، نقلاً عن الموضوعات لابن الجوزي.
(13) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 63،4، باب 56.
(14) رجال الكشّي:364 رقم 673.
(15) رجال الكشّي: 482 رقم 909.
(16) بحارالأنوار: 160،2 ح12، و206 ح67.
(17) كنز الفوائد:31،2، وإرشاد القلوب:14، عدّة الداعي: 76، وبحار الأنوار: 160،2 ح12.
(18) المصدر نفسه: 184،2 ح5.
(19) بحار الأنوار: 184،2 ح 4.
(20) الكافي: 52،1 ح7.
(21) رجال الكشّي: 224 رقم401.
(22) بحارالأنوار: 206،2 ح98.
(23) رجال الكشّي: 490 رقم935.
(24) وسائل الشيعة: 138،27 ح33419.
(25) رجال الكشّي: 331 رقم604.
(26) رجال الكشّي: 330 رقم603.
(27) رجال الكشّي: 136 رقم217.
(28) رجال الكشّي: 136 رقم219.
(29) رجال الكشّي: 136 رقم 216، والوسائل: 143،27.
(30) رجال الكشّي: 161 رقم 273، والوسائل: 144،27.
(31) رجال الكشّي: 171 رقم 291، والوسائل: 142،27.
(32) رجال الكشّي: 595 رقم 1112.
(33) رجال الكشّي: 134 رقم 211.
(34) رجال الكشّي:484 رقم915.
(35) رجال الكشّي: 484 رقم913.
(36) الفهرست: 106 رقم455.
(37) رجال الكشّي: 542 رقم1027.
(38) منية المريد: 191.
(39) مستدرك الوسائل: 875،3.
(40) بحارالأنوار: 3،109.
(41) مستدرك الوسائل: 876،3.
(42) وصولالأخيار: 121.
(43) عدّة الرجال: 43،1.
(44) راجع: تنقيح المقال: 172،1، وكليّات في علم الرجال: 11.
(45) راجع: كليّات في علم الرجال: 12.
(46) راجع: المصباح المنير: 194،1، والقاموس المحيط: 329،4.
(47) كتقسيمه إلى الصحيح والموثّق والحسن والضعيف والمرسل والمرفوع و... .
(48) كتقسيمه إلى النصّ والظاهر، أو المجمل والمبيّن، أو المضطرب و... .
(49) كليّات في علم الرجال: 13 - 15.
(50) الكافي: 52،1 ح7.