قصة الحوار الهادئ
مع

الدكتور السلفي أحمد بن سعد حمدان الغامدي

(أستاذ الدراسات العليا بجامعة أم القرى)

 (تحليل ونقد لشبهات الدكتور الغامدي)

(الجزء الثالث)

أ. د. محمد الحسيني القزويني

الأستاذفي الحوزة العلمية قسم الدراسات العليا في قم المقدسة

ورئيس قسم الحديث وعضو الهيئة العلمية بجامعة أهل البيت ^ العالمية


 








هوية الكتاب

 

اسم الكتاب:................................ قصة الحوار الهادئ مع د. الغامدي

تأليف:............................................... أ. د. محمد الحسيني القزويني

الإخراج الفني:........................................................ محسن الجابري

الناشر:......................... مؤسسة وليّ العصر# للدراسات الإسلامية

رقم الإيداع الدولي للدورة:...... 9 ــ 33 ــ 8615 ــ 964 ــ 978

رقم الإيداع الدولي (ج3): ...... 4 ــ 36 ــ 8615 ــ 964 ــ 978

الطبعة:....................................................... الثانية 1433هـ ـ 2012م

عدد النسخ:................................................................... 5000 نسخة

يحق للجميع طبع الكتاب ونشره مع إعلام المؤلف والناشر قبل ذلك


 


 

 

 

 

 

شكر وتقدير

 

أتقدّم بالشكر الجزيل لكلّ من ساعدني في تأليف هذا الكتاب، وهم كلّ من:

أولاً: د.حاتم البخاتي.

ثانياً: د.حكمت الرحمة.

ثالثاً: د.فلاح الدوخي.

كما أتقدّم بجزيل الشكر للسيد رضا البطاط لقيامه بمراجعة الكتاب وتصحيحه.

متمنياً للجميع كلّ خيرٍ، وداعياً لهم بالتوفيق وحسن العاقبة.

 

 

 

 


 

 

 



 

 

تكملة الحوار
حول
الآيات الواردة في عدالة الصحابة

 


 

تمهيد

في هذا الجزء نكمل ما كنا قد أنهينا البحث فيه في الجزء الثاني، فقد ناقشنا في آخره بعض الآيات التي جزم الدكتور الغامدي بدلالتها على عدالة جميع الصحابة بلا استثناء، وقد تبيّن هناك أن الدلالة على ذلك غير تامة، وهنا نحاول إكمال مناقشة بقية الآيات مع متابعة مناقشة أقواله الأخرى.

الآية الثانية: محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار

 قوله تعالى: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً}([1]).

هذه هي الآية الثانية التي ادّعي دلالتها على عدالة الصحابة قاطبةً، وكنا قد ذكرنا في حواراتنا أربعة نقاط رئيسة، تدل بوضوح على عدم شمول هذه الآية لجميع الصحابة، وهي مختصراً مع إضافات توضيحية يسيرة:

1ـ إنّ المراد من المعية هي المعية الروحية لا الجسمانية, فتختص الآية بمن كان مع الرسول في العقيدة والإيمان والعمل الصالح, وعرفنا أنّ الآية قد ذكرت أصنافاً عديدة لم يكونوا مع الرسول’ إيماناً وعقيدة, بل كانوا معه جسماً فقط.

2ـ إنّ الصحابة قد كفّر بعضهم بعضاً, وقاتل بعضهم بعضاً, والآية مختصة بمن كانوا رحماء بينهم، فكم من بدريّ قُتِل بيد الصحابة أنفسهم؟ بل كم قُتِل من الصحابة في حروب الناكثين والقاسطين والمارقين؟

3ـ إنّ صفة: (سيماهم في وجوههم) غير متوفرة في جميع الصحابة قاطبة، بل في بعض منهم, فهل تتخيل وجود هذه الصفة عند من طرده رسول الله’ أو عند من توعده بالنار, أو لمن زنا... إلخ؟

4ـ إنّ الآية تحصر المغفرة والأجر العظيم بمن آمن وعمل صالحاً، و(من) هنا تبعيضية، فلا تشمل جميع الصحابة بلا استثناء.

وقد أجبتم بما يلي:

قلتم: الآية شاملة للخلفاء الأربعة

أولاً: ذكرتم في ص203: بأنّ الآية تنص على أنّ الذين كانوا مع النبي’ هذه هي أوصافهم، وقلتم: نحن نرى أنّ أبا بكر وعمر وعثمان وعلياً كانوا مع النبي’ في جميع الأحداث والمواقف والمشاهد, وكان الودُّ والحبُّ هو السائد بينهم... فهل هؤلاء تشملهم الآية أم لا؟

الجواب

1ـ كعادتك تغيّر الموضوع من القول بعدالة الصحابة قاطبة إلى الكلام عن أفراد معدودة, فأنت أوردت الآية مستدلاً بها على عدالة جميع الصحابة, وها أنت تتنازل عن موقفك وتتكلم عن أفراد معيّنة منهم.

2ـ نحن نتّفق معك بأنّ الآية تنصّ على أنّ الذين مع النبي’ هذه هي أوصافهم, وحيث ثبت خارجاً أنّ هذه الأوصاف غير متحققة في جميع من كان معه بأجسادهم ظاهراً, فكان لزاماً أنْ نفسّر الآية بمن كان مع النبيّ’ روحياً في عمله وعقيدته, وهذا لا ينافي كون الصحابي معه جسديّاً أيضاً, وغاية ما نقوله هو أنّ الصحبة الجسدية لوحدها لا أثر لها؛ لما ثبت من عدم تحقق أوصاف الآية لبعض من كان معه جسديّاً.

3ـ لم تثبت علاقة الحبّ والود التي ذكرتها بين الأربعة، فقد ورد في صحيح مسلم على لسان عمر مناشداً العباس وعلياً× قائلاً: «فجئتما تطلب ميراثك من ابن أخيك ويطلب هذا ميراث امرأته من أبيها، فقال أبو بكر: قال رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم): ما نورث ما تركنا صدقة فرأيتماه كاذباً آثماً غادراً خائناً»([2]).

وقال أيضاً: «ثمّ توفى أبو بكر وأنا ولىّ رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) وولي أبي بكر، فرأيتماني كاذباً آثماً غادراً خائناً»([3]).

ولا تنس تهديد عمر لعلي والزبير ومن معهما بإحراق الدار إن لم يبايعوا([4]), بل لا تنس أيضاً عدم بيعة علي لأبي بكر لستّة أشهر, وحتّى حينما أراد البيعة له, ذكرت الرواية أنّه كره مجيء عمر معه, فطلب منه المجيء لوحده, جاء في صحيح البخاري: «وعاشت بعد النبي (صلّى الله عليه وسلّم) ستّة أشهر, فلمّا توفيت, دفنها زوجها علي ليلاً, ولم يؤذن بها أبا بكر، وصلّى عليها, وكان لعلي من الناس وجه حياة فاطمة، فلمّا توفيت استنكر علي وجوه الناس، فالتمس مصالحة أبي بكر ومبايعته، ولم يكن يبايع تلك الأشهر، فأرسل إلى أبي بكر أنْ ائتنا ولا يأتنا أحدٌ معك, كراهية لمحضر عمر»([5]).

فهل تعدّ هذه الأمور كانت حبّاً وودّاً بينهم!!

قلتم: هل الآية تدلّ على عدالة علي فقط؟

ثانياً: ذكرتم في ص203: بأنّه من هم هؤلاء الجماعة الذين أشاد بهم القرآن, وأنّّهم مع النبيّ’ هل أبو بكر وعمر وعثمان منهم أم هم (علي) فقط.. والقرآن يذكر جماعة لا فرداً بعينه, فهل تتقلص هذه الجماعة إلى فرد واحد, أم هم فقط أبو ذر وسلمان وعمّار والمقداد؟

الجواب

1ـ لا شك في أن علياً وسلمان وعماراً والمقداد من خيرة الصحابة، والحديث عنهم ينبغي أن يحظى باحترام وتقدير وتجليل، ولا ينبغي أن يكون في القلب منهم شيء يحط من منزلتهم، ونتمنى أن تتجاوز ذلك.

2ـ نحن لم ندّع أن ثناء الآية مختص بعلي× ولا بالأربعة الذين ذكرتهم, لكننا نجزم بدخول هؤلاء الخمسة في الآية المباركة, فقد كانوا يداً واحدة, متحابين ومتآخين في الله, سيماهم في وجوههم من أثر السجود, ولا يمكن لأحد نكران ذلك, كما أنّ الآية تشمل جمعاً كبيراً من الصحابة المخلصين الذين كانوا مع الرسول’ قلباً وبدناً، أمثال حمزة بن عبد المطلب، وجعفر الطيار، ومصعب بن عمير، وعبيدة بن الحارث، وسهل بن حنيف، وسعد بن معاذ، وأبي أيّوب الأنصاري، وعبادة بن الصامت، وخزيمة بن ثابت، وغيرهم الكثير من الأبطال والشجعان الذين أرعبوا الكفار, وثبتوا على العقيدة.

 نعم، نحن نشكك بشمولها لمن يفرّ من الزحف، ويتجاسر على النبي’، أو من يعصي أوامر النبي’، أو من يموت على غير ملّة النبي’، كما لا نشكك في عدم شمولها لمن يطرده النبي’، أو من يصرّح النبيّ بدخوله النار, أو من يقاتل خليفة زمانه عامداً عالماً, أو من يقتل الأبرياء من المسلمين, أو من يزني بأعراض المسلمين مع كونه والياً لخليفة المسلمين!

وهكذا، فكما أنّ الآية شاملة لكوكبة مضيئة من الصحابة, كذلك نعتقد أنها لا تشمل عدداً منهم لم يفوا بما عاهدوا الله عليه, فساءت سيرتهم ولابسوا الفتن، ولا حول ولا قوة إلاّ بالله العظيم.

قلتم: المعيّة تشمل الخلفاء والمراد بها الجسمية والروحية

ثالثاً: ذكرتم في ص204: بأنّ الخطاب واضح الدلالة في أنّ المقصود هم الذين معه بأجسامهم وأرواحهم, والذين عاشوا معه واشتهرت معيتهم له بالإيمان والنصرة والمحبة, أولهم الخلفاء الأربعة... وإنّني على يقين أنّ تعظيم هؤلاء وحبّهم لا يجتمع مع دعوى الوصيّة المكذوبة؛ لأنّهما عقيدتان متضادتان.

الجواب

1ـ دعوى أنّ الوصية مكذوبة هي دعوى باطلة, وسيأتي الكلام عنها في مبحث الوصيّة, وستجد أنّها ليس كما وصفت.

2ـ ما هو الدليل على أنّ كلّ من كان معه بجسده كان معه بروحه أيضاً؟ فهذا هو محور النقاش, فأنت ما زلت تتبع المصادرة في الحوار, وتتبع ما هو مسلّم عندك وتحمّله على الآية المباركة, فأنت تفرض عقيدتك على الآية، وفي ضوء ذلك تفسرها، بينما المفروض أن عقيدتك تستوحيها من الآية بلا مسبقات قبلية, فالآية تقرّر أنّ من كان بهذه المواصفات سيرضى الله عنه, وأنت تدّعي وتستدل على دعواك ـ بما في كتبكم ـ بأنّ هؤلاء هم من تنطبق عليهم هذه المواصفات, فأنت تستدلّ بعين المتنازع عليه، وهو منك أمر غريب!

3ـ كلّ صحابي ثبت واستمر على الحقّ، ومدحه القرآن أو مدحه النبي’ فهو محلّ تقدير وتجليل عندنا نحن الشيعة, فلا توجد عندنا مصلحة في حبّ حمزة أو عمّار أو سهل بن حنيف أو حبّ جعفر الطيار أو المقداد, بل نحبّ هؤلاء لله وفي الله, فقد ثبت عندنا أنّ هؤلاء ثبتوا على ما عاهدوا الله عليه، فلهم مكانة في القلب لا يعلمها إلاّ الله.

قلتم: الأصناف العشرة في المنافقين لا في الصحابة

رابعاً: ذكرت قولنا: «ولم يكن كل الصحابة على هذا الخط بدليل الأصناف العشرة التي قدمنا عناوينها([6])...». وكنا نقصد أنه لم يكن كلّ الصحابة ـ الذين رأوا النبي’ ورآهم وآمنوا به ظاهراً ـ على خطّ النبي’ في العقيدة والإيمان والعمل الصالح؛ لأنّ فيهم منافقين, ومرضى قلوب, وغيرهم ممّن تقدم ذكرهم.

وأجبتم في ص204ـ 205، فقلتم: ما زال هذا الخيال العجيب يمتلك مشاعرك وتفكيرك!! الأصناف العشرة في المنافقين, وليست في المؤمنين, فقد لقوه ولم يؤمنوا به! نعم ادعوا الإيمان وفرق بين كلمة آمن و(ادعى)...

ثمّ ذكرتم ما مضمونه: كيف يمدح الله الذين مع النبي’ مطلقاً ويخدع الناس ويغرّر بهم ونحن نرى هؤلاء معه في حلّه وترحاله وسفره وإقامته وحربه وسلمه، وليس لدينا مجهر يكشف ما في القلوب؛ حتى نستطيع أن نميز ما بداخلها؟

الجواب

1ـ لقد بيّنا انحرافات بعض الصحابة، وذكرنا أقوالاً لعلماء أهل السنّة في انحراف ذلك البعض, لكن مع ذلك ما انفك عنك خيال عدالة الصحابة أجمع, الذي تملّك مشاعرك وتفكيرك!!

2ـ بيّنا بصورة جليّة ـ في بحوث سابقة ـ بأنّ المنافقين كانوا موجودين في مجتمع الصحابة, ورأوا النبي وآمنوا به ظاهراً, فهم معدودون من الصحابة؛ لأنّ الله تعالى لم يكشف أسماء جميع المنافقين, وقد صرّح القرآن بأنّ الرسول الكريم’ لا يعرفهم أيضاً: {وَمِنْ أهل الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ}، فإذا كان الرسول’ هو بنفسه لا يعلمهم, فكيف عرفتموهم وميزتموهم عن غيرهم؟

 وكيف يمكن أنْ نقول بعدالة جميع من رأى النبي’ مع علمنا الذي لا يشوبه شك، أنّ منهم منافقين مستورين غير معروفين؟ فهل ترى أنّ المنافقين كانوا أشدّاء على الكفار, رحماء بينهم, سيماهم في وجوههم من أثر السجود؟ فإذا كنت لا ترى ذلك, فهل تدلّنا على المنافقين الذين لم يعرفهم النبي’ لنخرجهم من الآية؟ وهل تخبرنا كيف يمكن أن نجزم بأنّ أسماء الصحابة الموجودة الآن في كتبكم لا يوجد فيها من المنافقين الذين كانوا غير معلومين؟!

3ـ مع غض النظر عن النقطة أعلاه, فإنّ عدداً لا بأس به من الصحابة يتعذر شموله بالآية؛ لثبوت انحرافه خارجاً, فهل المغيرة مثلاً داخل في الآية مع فعلته المشينة مع أم جميل؟ وهل الزبير داخل في الآية مع قتاله لعلي× وهو ظالم له؟ وهل جيش السيدة عائشة داخلون في الآية، مع قتالهم خليفة زمانهم، بعد أن لاحت لهم علائم النبوة، حينما نبحتهم كلاب الحوأب؟ وهل طريد رسول الله’ مشمول بهذه الآية؟ وهل الذين قال عنهم النبي’: أولئك العصاة، داخلون في الآية؟ وهل معاوية الذي يموت على غير ملّة النبي’ مشمول في الآية؟ وهل بسر بن أرطاة مشمول بالآية؟([7]).

كلّ تلك المواقف بيّناها مسبقاً بأدلة صحيحة من كتب أهل السنّة, فهل لك أن تجيب عليها؟!

4ـ لقد ذكرتم: إذا لم يكن الثناء في الآية شاملاً لجميع الصحابة فإن ذلك يستلزم الخداع والتغرير بالمؤمنين! فنقول: لا ندري أين هذا الخداع من الله تعالى للمؤمنين؟ فالآية قد صرّحت بأن بعضاً من الصحابة فقط سينالون المغفرة والأجر العظيم: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً}, و(من) هنا تبعيضية, فمن بقي على الإيمان والطريق المستقيم والعمل الصالح شملته مغفرة الله, ونال أجره, فأين التغرير؟!

المشكلة تكمن في انطلاقتك في تفسير الآية, فأنت تنطلق من أرضية غير صحيحة, وهي القول بعدالة الصحابة أجمع, لذلك تُحمّل الآية عقيدتك, وترى أنّ تفسيرها بغير ذلك يستلزم التغرير, ونسيت أو تناسيت كلّ الوقائع الثابتة التي تدل على انحراف عدد من الصحابة بما لا يسنجم مع عدالتهم.

قلتم: إغاظة الكفار لا تتمّ بأربعة صحابة

خامساً: قلتم في ص205: في الآية نجد قوله تعالى: {لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ} إن الله تعالى قد جعل هذه التقوية([8]) لعلّة، وهي: إغاضة الكفّار, فهل يغيض الكفار أربعة أشخاص: (أبو ذر والمقداد وسلمان وعمار) أم علي فقط, أم جموع كثيرة أخافوا الكفر وأهله..؟

الجواب

1ـ لا شكّ أنّ هؤلاء الأربعة كانوا من خيار الصحابة, فهم مع علي× لا يشك أحد في إغاضتهم للكفار، إلاّ من يقرأ التاريخ بعين واحدة!

2ـ لم نقل انحصار الصحابة العدول بهؤلاء الأربعة, فقد ذكرنا كثيراً من الصحابة المخلصين العدول الذين جاهدوا وقاتلوا دفاعاً عن الشريعة المحمّدية, ومنهم من استشهد بين يدي الرسول’, وبعضهم استشهد في حروب الحقّ مع إمام الهدى علي بن أبي طالب×.

3ـ ليتك تخبرنا هل أنّ من يفرّ من الزحف هو وأصحابه قد أغاظ الكفّار!! وهل تحسب هذه الآلاف التي فرّت يوم حنين من الذين أغاظوا الكفار، وكانوا أشداء عليهم؟

 جاء في صحيح البخاري عن أبي قتادة قال: «لما كان يوم حنين نظرت إلى رجل من المسلمين يقاتل رجلاً من المشركين، وآخر من المشركين يختله من ورائه ليقتله، فأسرعت إلى الذي يَختِلُه فرفع يده ليضربني...، ثم أخذني فضمني ضماً شديداً حتّى تخوفت، ثمّ ترك فتحلل, ودفعته ثم قتلته، وانهزم المسلمون وانهزمتُ معهم، فإذا بعمر بن الخطاب في الناس، فقلت له: ما شأن الناس؟ قال: أمر الله، ثمّ تراجع الناس إلى رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم)»([9]).

والغريب بالأمر أنّ الخليفة عمر يعزو هروبه إلى أمر الله! والله تعالى يقول: {وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إذ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شيئاً وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ}([10]).

لقد ولّوا مدبرين، مع بيعتهم لرسول الله’ تحت الشجرة على عدم الفرار!

وكان عدد المسلمين في تلك المعركة اثني عشر ألفاً([11])، وفرّ الجميع ولم يثبت منهم إلاّ نفر قليل منهم عليّ بن أبي طالب×.

 قال ابن قتيبة: «وكان الذين ثبتوا مع رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) يوم حنين بعد هزيمة الناس: عليُّ بن أبي طالب والعباس بن عبد المطلب آخذ بحكمة بغلته وأبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب وابنه والفضل بن العباس بن عبد المطلب وأيمن بن عبيد وهو ابن أم أيمن مولاة رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) وحاضنته»([12]).

كما أنّ عمر وعثمان كانوا من الفارّين يوم أحد مع جملة من فرّ من الزحف في تلك المعركة, قال الفخر الرازي: «ومن المنهزمين عمر، إلاّ أنه لم يكن في أوائل المنهزمين ولم يبعد، بل ثبت على الجبل إلى أن صعد النبي (صلّى الله عليه وسلّم)، ومنهم أيضاً عثمان انهزم مع رجلين من الأنصار يقال لهما سعد وعقبة، انهزموا حتّى بلغوا موضعاً بعيداً, ثمّ رجعوا بعد ثلاثة أيام، فقال لهم النبي (صلّى الله عليه وسلّم): لقد ذهبتم فيها عريضة»([13]).

وفي رواية الواقدي: «لمّا صاح إبليس: أنّ محمّداً قد قتل، تفرّق الناس، فمنهم من ورد المدينة، فكان أوّل من وردها يخبر أنّ محمّداً قد قتل، سعد بن عثمان أبو عبادة، ثمّ ورد بعده رجال حتّى دخلوا على نسائهم, حتى جعل النساء يقلن: أعَن رسول الله تفرون! ويقول لهم ابن أم مكتوم: أعن رسول الله تفرون؟ يؤنب بهم، وقد كان رسول الله خلّفه بالمدينة يصلّي بالناس، ثمّ قال دلّوني على الطريق ـ يعنى طريق أحد ـ فدلّوه، فجعل يستخبر كلّ من لقي في الطريق حتّى لحق القوم، فعلم بسلامة النبي (صلّى الله عليه وسلّم)، ثمّ رجع، وكان ممّن ولّى: عمر وعثمان والحارث بن حاطب وثعلبه بن حاطب وسواد بن غزية وسعد بن عثمان وعقبة بن عثمان وخارجة بن عمر بَلَغ ملل([14])، وأوس بن قيظي في نفر من بني حارثة بلغوا الشقرة، ولقيتهم أم أيمن تحثي في وجوههم التراب, وتقول لبعضهم: هاك المغزل فاغزل به، وهلم»([15]).

فهل يقال: إنّ مثل هؤلاء أشدّاء على الكفّار, وأن الله يغيظ بهم الكفار؟ وما قد يجاب بأنّ هؤلاء قد غفر الله لهم بعد ذلك، لا ينفع في المقام؛ لأنّنا بصدد البحث عن شمول آية: {مُحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ..} لأمثال هؤلاء, وقد تبيّن أنّ هذه الآية غير شاملة لهم, لعدم تحقق تلك الصفات فيهم.

هذا، وأنّ عمر وأبا بكر كانا من الفارّين يوم خيبر أيضاً:

فعن عليّ×: «سار النبيّ (صلّى الله عليه وسلّم) إلى خيبر فلما أتاها بعث عمر (رضي الله تعالى عنه) وبعث معه الناس إلى مدينتهم أو قصرهم، فقاتلوهم فلم يلبثوا أن هزموا عمر وأصحابه، فجاءوا يُجبّنونه ويُجّبنهم...».

أخرجه الحاكم وصححه ووافقه الذهبي([16]).

وعن جابر رضي الله عنه: «أنّ النبي دفع الراية يوم خيبر إلى عمرL فانطلق فرجع يُجبّن أصحابه ويجبنونه».

أخرجه الحاكم وصححه([17]).

وأخرج ابن أبي شيبة, عن عبد الله بن بريدة الأنصاري الأسلمي, عن أبيه قال: «لمّا نزل رسول الله (ص) بحضرة خيبر فزع أهل خيبر، وقالوا: جاء محمد في أهل يثرب، قال: فبعث رسول الله (ص) عمر بن الخطاب بالناس، فلقي أهل خيبر، فردوه وكشفوه هو وأصحابه! فرجعوا إلى رسول الله (ص) يُجبّن أصحابه ويجبّنه أصحابه! قال: فقال رسول الله (ص): لأعطين اللواء غداً رجلاً يحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله...»([18]).

وأخرج البيهقي, عن بريدة بن سفيان بن فروة الأسلمي, عن أبيه, عن سلمة بن عمرو بن الأكوع, قال: «بعث رسول الله أبا بكرL إلى بعض حصون خيبر، فقاتل ثم رجع، ولم يكن فتح وقد جهد! ثم بعث الغد عمرL فقاتل ثم رجع، ولم يكن فتح! فقال رسول الله: لأعطيّن الراية غداً رجلاً يحبه الله ورسوله، ويحب الله ورسوله، يفتح على يديه، ليس بفرار.

قال سلمة: فدعا رسول الله علي بن أبي طالبL ـ وهو يومئذ أرمد ـ فتفل في عينه، وقال: خذ هذه الراية، فامض بها حتى يفتح الله عليك فخرج بها والله يأنح([19]), يقول: يهرول هرولة, وأنا لخلفه نتبع أثره, حتى ركز رايته في رضم من حجارة تحت الحصن، فاطلع إليه يهودي من رأس الحصن, فقال: من أنت؟ قال: أنا علي بن أبي طالب، فقال اليهودي: عليتم([20]) وما أنزل على موسى، فما رجع حتى فتح الله على يديه»([21]).

وأخرج ابن أبي شيبة, عن المنهال, والحكم, وعيسى عن عبد الرحمن بن أبي ليلى, قال: «قال علي: ما كنت معنا يا أبا ليلى بخيبر؟ قلت: بلى والله، لقد كنت معكم، قال: فإن رسول الله (ص) بعث أبا بكر فسار بالناس فانهزم حتى رجع إليه، وبعث عمر فانهزم بالناس حتى انتهى إليه! فقال رسول الله (ص): لأعطيّن الراية رجلاً يحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله، يفتح الله له، ليس بفرار. قال: فأرسل إلي فدعاني فأتيته ـ وأنا أرمد لا أبصر شيئاً ـ فدفع إلي الراية، فقلت: يا رسول الله! كيف وأنا أرمد لا أبصر شيئاً؟ قال: فتفل في عيني، ثم قال: اللهم اكفه الحر والبرد. قال: فما آذاني بعد حر ولا برد»([22]).

 قلتم: تفسيركم للآية يفضي لتشكيك الكافر بالقرآن

كنا قد قلنا: إنّ الله سبحانه يذكر من سماتهم أنّهم {رُحَمَآءُ بَيْنَهُمْ}، فهل كان الصحابة عامّة موصوفين بهذا الوصف، أو أنّهم قاتل بعضهم بعضاً؟ فكم من بدريّ قُتِل بيد الصحابة، فهذا هو مقتل الخليفة الثالث وحروب الناكثين والقاسطين والمارقين، قتل فيها كثير من الصحابة بيد الصحابة أنفسهم.

وأجبتم على ذلك في ص205ـ 206 بأمور:

الأول: ما ملخصه: أنّ الكافر لو وقف عند هذه الآية وقرأ المذهب الشيعي لا ستطاع التشكيك بالقرآن والإسلام من خلال قولكم: إنّ الصحابة قاتل بعضهم بعضاً، وكم من بدري قتل بيد الصحابة! فأين الرحمة في الآية؟ فإمّا أنّ القرآن غير صادق, وإمّا أنّ الصحابة الذين وصفهم القرآن غير هؤلاء الذين قرأنا عنهم في كتب الشيعة, أرأيت كيف تفعل العقائد الضالة بدين الله؟

الجواب

1ـ إنّ الصحابة الذين أشرنا إليهم بالانحراف وعدم الثبات لم نقرأ عنهم في كتب الشيعة فقط, بل سبقتنا كتب السنّة في ذكر انحرافاتهم, وها هم علماء أهل السنّة يقرّون بذلك:

1ـ قول ابن تيمية:

قال في مجوع الفتاوى: «وكذلك لبعضهم في قتال بعض، ولعن بعض، وإطلاق تكفير بعض، أقوال معروفة»([23]).

وقال في منهاج السنّة وهو يتحدّث عن عليّ×: «فإن كثيراً من الصحابة والتابعين كانوا يبغضونه ويسبّونه ويقاتلونه»([24]).

2ـ قول الذهبي:

قال في السير متحدِّثاً عن أتباع معاوية: «وفيهم جماعة يسيرة من الصحابة، وعدد كثير من التابعين والفضلاء، وحاربوا معه أهل العراق، ونشأوا على النصب، نعوذ بالله من الهوى»([25]).

وقال في (الرواة الثقات): «ولو فتحنا هذا الباب على نفوسنا لدخل فيه عدة من الصحابة والتابعين والأئمّة، فبعض الصحابة كفر بعضهم بتأويل ما، والله يرضى عن الكل ويغفر لهم، فما هم بمعصومين، وما اختلافهم ومحاربتهم بالتي تلينهم عندنا»([26]).

3ـ قول التفتازاني:

قال في شرح المقاصد: «إنّ ما وقع بين الصحابة من المحاربات والمشاجرات على الوجه المسطور في كتب التواريخ، والمذكور على ألسنة الثقات، يدلّ بظاهره على أنّ بعضهم قد حاد عن طريق الحق، وبلغ حدّ الظلم والفسق، وكان الباعث له الحقد والعناد والحسد واللداد، وطلب الملك والرياسة، والميل إلى اللذات والشهوات؛ إذ ليس كلّ صحابي معصوماً، ولا كلّ من لقي النبي (صلّى الله عليه وسلّم) بالخير موسوماً، إلاّ أنّ العلماء لحسن ظنّهم بأصحاب رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) ذكروا لها محامل وتأويلات بها تليق، وذهبوا إلى أنّهم محفوظون عمّا يوجب التضليل والتفسيق؛ صوناً لعقائد المسلمين عن الزيغ والضلالة في حقّ كبار الصحابة، سيما المهاجرين منهم والأنصار، والمبشّرين بالثواب في دار القرار»([27]).

وحينئذٍ نطرح عليك نفس السؤال السابق: فلو أنّ كافراً قرأ هذه الآية, ثمّ اطلع على كتب أهل السنّة, وقرأ قول ابن تيمية والذهبي والتفتازاني، أفلا يقول أين الرحمة إذن؟ لا شك في أنه سيدور الأمر عنده بين أمرين: إما أن القرآن غير صادق أو أن عنوان الصحابة الذين وصفهم الله تعالى بالرحمة لا يشمل مثل هؤلاء الذين قد قرأ عنهم في كتب أهل السنة. والتشكيك في القرآن إنما يكون فيما لو اعتقد هذا الكافر بمبدئك القائل: إن كل الصحابة رحماء عدول.

 وهنا نُذكّرك بقولك الذي ختمت به، وهو: >أرأيت كيف تفعل العقائد الضالة بدين الله<؟!

2ـ في الحقيقة أنّ كلامك فارغ من أي محتوى؛ لأنّه مبنيٌ على القول بعدالة الصحابة أجمع, والتي تؤدّي إلى تعارض الآية مع الوقائع التاريخية الثابتة, فهذا الكافر الذي تتحدّث عنه إنْ كان يحمل فهماً سقيماً مسبّقاً فسينتهي إلى ما قلتم به, أمّا إذا كان خالي الذهن, ويقرأ الآية, ويقرأ عقيدة السنّة في الصحابة, ثم يليها بقراءة عن عقيدة الشيعة في الصحابة، فلا شكّ أنّه لو أراد الإسلام لاختار عقيدة الشيعة؛ لأنها تنسجم مع القرآن والوقائع التاريخية, أما عقيدة السنّة, فهي تؤدّي إلى أنّ القرآن يصف من يكفِّر بعضهم بعضاً ويقاتل بعضهم بعضاً بأنّهم رحماء بينهم! والمحصلة أنه لا يمكن لهذا الكافر أن يؤمن بالقرآن؛ لأنّه يراه يتكلّم خلاف الواقع حسب عقيدة السنّة.

قلتم: الخلاف وقع في خلافة علي دون من قبله

ثانياً: قلتم: لو قال ناصبي: إنَّ القرآن وصف الصحابة بأنّهم {رحماء بينهم}, وقد رأينا هذه الرحمة في عهد الخلفاء الثلاثة, أو الخليفتين الأوّلَين, ولم نرها في خلافة الرابع فقط, رأينا علي بن أبي طالب وطلحة والزبير ومعاوية قد تقاتلوا واستباح بعضهم دماء بعض, ولم نرَ الرحمة فيهم, ممَّا يُشكّكنا في دخول هؤلاء في المدح؟! وهذا يؤكّد لنا أنَّ هؤلاء لم يشملهم معنى الآية!

أليس معتقد الشيعة في اتّهام الصحابة بأنّه قتل بعضهم البعض الآخر، وأنَّه لا ينطبق على جميعهم هذا الوصف؟ هذا هو السبب في مثل هذا السؤال؟! فما هو جوابكم؟!

وخلاصة كلامكم بوضوح: أن قول الشيعة بأن الآية لا تشمل بعض الصحابة؛ لأنهم تقاتلوا فيما بينهم فلا يكونون على ما قاله الله تعالى: رحماء بينهم، هذا القول يلزم منه خروج الإمام عليّ من الآية؛ لأنه تقاتل مع طلحة والزبير ومعاوية.

الجواب

1ـ الاعتقاد بأن الصحابة قد قتل بعضهم بعضاً وكفّر بعضهم بعضاً غير مختص بالشيعة, بل يعتقد به أهل السنّة أيضاً،كما مرّ.

2ـ إنّ كون القرآن وصف الصحابة جميعاً بأنّهم رحماء بينهم, هو أوّل الكلام, وهو محلّ البحث والخلاف, فإنّ القرآن وصف من كانوا مع رسول الله روحياً بإيمانهم وعقائدهم وأعمالهم، ولم يصف المنافقين ولا مرضى القلوب ولا غيرهم ممّن كان مع النبي’ جسداً لا روحاً, بل إنّ الآية ختمت القول بأنّ المغفرة والأجر تختص بالبعض الذين آمنوا وعملوا الصالحات, فكلّ من غيّر وزاغ أو انحرف هو غير مشمول بالآية بقرينة ذيلها.

3ـ حينما نقول، وكذا يقول أهل السنّة: إنّ الصحابة كفّر بعضهم بعضاً, وقاتل ولعن بعضهم بعضاً, فليس المقصود منه أنّ الصحابة بلحاظ الأفراد فرداً فرداً, فليس كلّ فرد كفّر الآخر ولعن الآخر, ولا آخالك تفهم الكلام بهذه الطريقة, وحينئذٍ ينتج أنّ الصحابة الذين ثبتت الرحمة بينهم والمداومة على الإيمان والعمل الصالح هم المشمولون بالآية دون غيرهم.

4ـ إنّ الناصبي المفترض ـ والذي تحبّ نقل قوله دائماً!! ـ لا حجّة له في ذلك؛ لأنّ عدم التراحم هنا هو بين فئتين لا بين أفراد الفئة الواحدة, فيمكنه القول: إنّ الفئة الحقّ هي المشمولة بالآية دون غيرها؛ لأن تلك باغية وخارجة على خليفة زمانها, والذي يقاتل دفاعاً عن الدين وصوناً لكلمة المسلمين تنطبق عليه هو وأصحابه تلك المواصفات, بخلاف من يقاتل لتفريق كلمة المسلمين وإضعاف شوكتهم.

على أنّك عدّت إلى المصادرة تارة أخرى, فكلامك مبنيٌ على أنّ كلّ الصحابة رحماء بينهم, مع أنّ هذا الكلام هو محلّ البحث والحوار.

وخلاصة الجواب: أنّ فهم الناصبي ـ الذي ذكرته ـ سقيم جداً؛ لأن تقاتُل صاحب الحق، مثل عليّ×، مع الباغي والظالم مثل معاوية، لا يخرج صاحب الحق عن كونه رحيماً مع أصحابه وأفراد فئته المحقة، وإن كان شديد المراس وغير رحيم مع ذلك الباغي.

قلتم: كل الصحابة كانوا رحماء فيما بينهم

ثالثاً: ذكرت في ص206ـ 209 كلاماً طويلاً أردت أن تبين فيه أنّ أهل السنّة يرون أنّ كلّ الصحابة كانوا رحماء بينهم، وملخص كلامك:

1ـ إنّ الصحابة عاشوا متحابين فيما بينهم خلال فترة وجود الرسول’ وإلى الشطر الأخير من خلافة عثمان.

2ـ إنّ الفتنة حصلت في سنة 35 هـ وأدّت إلى مقتل الخليفة عثمان, وكانت بسبب رجل يهودي اسمه عبد الله بن سبأ، وانتهيت بكلامك إلى تبرئة الصحابة من تعمّد القتال!

الجواب

1ـ أما ما يتعلّق بالفتنة ومقتل عثمان, فقد تقدّم البحث فيها سابقاً, وعرفنا هناك أنّه لا مجال للتأويل, مضافاً إلى أنّ كلامك يؤدّي إلى تسفيه عقول الصحابة وأنها أسيرة أفكار رجل يهودي استطاع تغيير عقائدهم وإثارة القتال بينهم بحيث سالت أنهار من الدماء([28])!

2ـ حتّى لو افترضنا أنّهم كانوا متحابين في فترة الرسول’, وكذا في فترة الخلفاء الثلاثة, فلا يعني ذلك أنّ الآية شاملة لجميع الصحابة, بدليل حركة الردّة التي حصلت بعد وفاة الرسول! فهل المرتدون مشمولون بالآية أم لا؟ وماذا لو أنّ بعضهم انحرف متأخراً ولابس الفتن, فهل يبقى مشمولاً بالآية؟ ثمّ لو فرضنا أنّ مقتل عثمان وحروب علي× لم تكن عمدية, فهل القاتل للصحابي هو رحيم به؟ ثمّ ما بال هذه الرحمة التي بينهم تؤدّي إلى دفن عثمان في مقبرة اليهود, وعدم السماح بدفنه في مقابر المسلمين؟!!

وكيف تفسّر الرحمة مع نفي الخليفة عثمان لأبي ذر! وضربه لعمّار وابن مسعود! فهل كانت بتأثير ابن سبأ أيضاً أم أنّها رحمة تحتاج إلى قواميس جديدة لنفهم كنهها وحقيقتها؟!!

على أنّه حتّى في فترة الرسول’ لم تكن جميع القلوب صافية ونقية, مع أنّه كان يتمتع بينهم بهالة من القداسة والاحترام, إلاّ أنّ ذلك لم يمنع من حصول التنابذ والتناحر والتكذيب والتفسيق, فقد جاء في البخاري عند الحديث عن حادثة الإفك: «فقام سعد بن معاذ الأنصاري، فقال: يا رسول الله، أنا أعذرك منه، إن كان من الأوس ضربت عنقه، وإن كان من إخواننا من الخزرج أمرتنا ففعلنا أمرك. قالت: فقام سعد بن عبادة وهو سيد الخزرج ـ وكان قبل ذلك رجلاً صالحاً ولكن احتملته الحمية ـ فقال لسعد: كذبت لعمر الله لا تقتله ولا تقدر على قتله، فقام أسيد بن حضير، وهو ابن عم سعد، فقال لسعد بن عبادة: كذبت لعمر الله لنقتلنه، فإنك منافق تجادل عن المنافقين، فتثاور الحيان الأوس والخزرج حتّى همّوا أن يقتتلوا، ورسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) قائم على المنبر...»([29]).

ثمّ ما تقول في حادثة الإفكّ نفسها, فهل اتّهام الصحابة لعائشة بالفاحشة هو نوع من التراحم بينهم؟ ([30]).

بل إنّ الصحابة، ومن شدّة الرحمة بينهم ـ كما تزعم !ـ تضاربوا بالجريد والنعال والأيدي! فقد جاء في صحيح البخاري عن أنس، قال: «قيل للنبي (صلّى الله عليه وسلّم): لو أتيت عبد الله بن أبي. فانطلق إليه النبي (صلّى الله عليه وسلّم) وركب حماراً، فانطلق المسلمون يمشون معه وهي أرض سبخة, فلمّا أتاه النبيّ (صلّى الله عليه وسلّم)، فقال: إليك عنى، والله لقد آذاني نتن حمارك، فقال رجل من الأنصار منهم: والله لحمارُ رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) أطيب ريحاً منك، فغضب لعبد الله رجلٌ من قومه فشتمه، فغضب لكلّ واحد منهما أصحابُه, فكان بينهما ضرب بالجريد والنعال والأيدي، فبلغنا أنها أنزلت: {وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا}»([31]).

وما أنْ غمضت عين الرسول, حتّى بدأ الخلاف يتّسع, بل إنّ الخلاف بدأ والرسول على فراش الموت حين قالوا تلك العبارة: «إنّ النبي غلبه الوجع، وعندنا كتاب الله حسبنا! فاختلفوا وكثر اللغط, قال: قوموا عني ولا ينبغي عندي التنازع»([32]).

فالنبي’ طردهم في آخر لحظات حياته؛ لاختلافهم بين يديه؛ ومنعه من كتابة الكتاب, فلمّا غمضت عينيه تسارعوا إلى سقيفة بني ساعدة, ولا يخفى عليك ما جرى فيها من الاختلاف وجرّ السيوف, وتلا ذلك غضب فاطمة بنت الرسول’ على أبي بكر، وموتها وهي غاضبة وواجدة عليه, وما جرى بين علي وعمر وأبي بكر, فلا ندري عن أيّ تراحم بينهم تتكلم؟!!

ونختم برواية ابن عبّاس، والتي تعبر عن موقفٍ صريحٍ من الصحبة, فقد جاء في مجمع الزوائد: «وعن ابن عباس قال: يقول أحدهم أبي صحب رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم), وكان مع رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم), وَلَنعلٍ خَلِقٍ خير من أبيه. رواه البزار ورجاله رجال الصحيح»([33]).

لذا فنحن نجزم بأنّ الآية لا يمكن أنْ تشمل جميع الصحابة, بل هي مختصّة بثلّة من المؤمنين الأتقياء الصالحين, الذين ثبتوا على الحقّ ووفوا فيما عاهدوا الله عليه.

قلتم: ما يعتذر فيه لعلي يعتذر فيه لسائر الصحابة

رابعاً: قلتم في ص209ـ 210: هذا القتال قد شارك فيه عليّ بن أبي طالب (رضي الله عنه)؛ فهل يُقال: إنّه ليس ممّن قال الله عز وجل فيهم: {رُحَمَاء بَيْنَهُمْ} وأنّه قد قتل الصحابة؟!

ما يعتذر به لعليL يعتذر به لإخوانه وإنْ كنّا نعتقد أنّهL أحقّ من الآخرين؛ لكنّا لا نؤثم الآخرين، ولا ندّعي أنّهم تعمّدوا القتال!...وما وقع من فتنة لعلّ الله يعفو عنهم ويغفر لهم..

الجواب

عجباً لهذا المنطق الذي يساوي بين المحقّ والمبطل, فعليّ والذين معه كانوا على الحقّ بتصريح رسول الله’, وباعتراف علماء أهل السنّة, فكيف تقول: ما يُعتذر به لعليّ يعتذر به لإخوانه؟!

فعليّ وفريقه كان مع الحقّ, وهو وفريقه مشمول بالآية؛ لأنّ {رُحَمَاء بَيْنَهُمْ} تنطبق عليه, وأمّا الفريق الآخر, فهو فريق باغ وضال ومنحرف عن الحق، الذي تجلى ضياؤه مراراً في معركة الجمل, تارة في نباح كلاب الحوأب, وأخرى في اعتزال الزبير!

 أما في معركة صفّين فقد حصحص الحقّ جليّاً أيضاً حين قُتل عمّار بن ياسر على يد الفئة الباغية الداعية إلى النار, فعلي لم يقتل الصالحين, ولم يشقّ عصا المسلمين, ولم تعرف عنه خطيئة طيلة حياته, بل قاتل من زاغوا وانحرفوا عن الحقّ, فقتاله لهذه الفئة دليل واضح على عدم شمولها بالآية المباركة, ودليل قوي على ثبات علي ومن كان معه على الحق.

ثمّ نراك قد ذكرت في آخر كلامك ما نصّه: «وما وقع من فتنة لعلّ الله يعفو عنهم ويغفر لهم» فاستخدمت كلمة (لعلّ) التي تفيد الترجي ولم تجزم بالمغفرة لهم, أفلست تدّعي أنّ دلالة الآيات صريحة في عدالتهم وشمولهم بالمغفرة، فما لك لا تجزم بذلك؟

قلتم: حديث قتال الناكثين والقاسطين والمارقين ضعيف

خامساً: قلتَ في ص210: أشرت إلى قتال: «الناكثين والقاسطين والمارقين< وكأنّك تشير إلى حديث عن عليL أنّه قال: «عهد إليّ النبي أنْ أقاتل الناكثين والقاسطين والمارقين< مسند أبي يعلى: 1/397».

فهذا الحديث كغيره من الأحاديث التي تستدلّ بها الشيعة الاثنا عشرية والتي لا تصحّ.

الجواب

1ـ إنّ الشيعة عادة تحتجّ بالأحاديث الصحيحة عند أهل السنّة, ولا تحتجّ بالموضوع والضعيف, والقارئ يمكنه المراجعة والحكم, وسيرى بأمّ عينيه حقيقة الأمر.

2ـ نحن لم نذكر الحديث أعلاه, بل أشرنا إلى الحروب الثلاثة التي جرت, والتي لا ينكرها أحد, مع الإقرار فيها بأنّ عليّاً كان مصيباً وعلى الحق بخلاف الفئات الأخرى, فالحديث أعلاه، سواء أكان صحيحاً أم غير صحيح، فسوف لن يغيّر من الواقع شيئاً؛ لأنّ الحروب قد جرت مع الخوارج الذين مرقوا عن الدين كما يمرق السهم من الرمية([34])، وجرت مع طلحة والزبير الّلذينِ نكثا بيعة الإمام علي×, وكذلك جرت مع معاوية وابن العاص ومن والاهما حيث قسطوا ومالوا عن الحقّ, ولم يدخلوا تحت طاعته, فَسُمّوا بالقاسطين، وكانوا الفئة الباغية التي تدعو إلى النار!

3ـ إنّ الحديث أعلاه حديث صحيح وليس ضعيفاً كما تدّعي, وله طرق كثيرة, نشير إليها بنحو من الاختصار:

روى حديث الناكثين عدّة من الصحابة:

1ـ علي×.

2ـ عمّار بن ياسر.

3ـ عبد الله بن مسعود.

4ـ أبو أيّوب الأنصاري.

5ـ أبو سعيد الخدري.

حديث علي

أما حديث عليّ× فله عنه عدّة طرق:

الطريق الأول: قال البزّار: «حدثنا عباد بن يعقوب، قال: نا الربيع بن سعد، قال: نا سعيد بن عبيد، عن علي بن ربيعة، عن علي، قال: عهد إليّ رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) في قتال الناكثين والقاسطين والمارقين»([35]).

الطريق الثاني: قال الطبراني: «حدثنا موسى بن أبي حصين، قال: نا جعفر بن مروان السمري، قال: نا حفص بن راشد، عن يحيى بن سلمة بن كهيل، عن أبيه، عن أبي صادق، عن ربيعة بن ناجد، قال: سمعت علياً يقول: أمرت بقتال الناكثين والقاسطين والمارقين»([36]).

الطريق الثالث: قال الخطيب البغدادي: «أخبرني الأزهري، حدثنا محمد بن المظفر، حدّثنا محمد بن أحمد بن ثابت، قال: وجدت في كتاب جدي محمد بن ثابت، حدثنا أشعث بن الحسن السلمي، عن جعفر الأحمر، عن يونس بن أرقم، عن أبان عن خليد العصري، قال: سمعت أمير المؤمنين عليا يقول يوم النهروان: أمرني رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) بقتال الناكثين، والمارقين، والقاسطين»([37]).

الطريق الرابع: قال ابن عساكر: «أخبرنا أبو القاسم زاهر بن طاهر، أنا أبو سعد الأديب، أنا السيد أبو الحسن محمد بن علي بن الحسين، نا محمد بن أحمد الصوفي، نا محمد بن عمرو الباهلي، نا كثير بن يحيى، نا أبو عوانة، عن أبي الجارود، عن زيد بن علي بن الحسين بن علي، عن أبيه، عن جده، عن علي، قال: أمرني رسول الله(صلّى الله عليه وسلّم) بقتال الناكثين والمارقين والقاسطين»([38]).

الطريق الخامس: قال ابن عساكر: «أخبرنا أبو سعد إسماعيل بن أحمد بن عبد الملك الفقيه وأبو نصر أحمد بن علي بن محمد بن إسماعيل، قالا: أنا أبو بكر أحمد بن علي بن عبد الله بن خلف، أنا محمد بن عبد الله الحافظ، أنا أبو الحسن محمد بن أحمد بن تميم الحنظلي بقنطرة برذان، نا محمد بن الحسن بن عطية بن سعد العوفي، حدثني أبي، حدثني عمّي عمرو بن عطية بن سعد، عن أخية الحسن بن عطية بن سعد، عن ابن عطية، حدثني جدي سعد بن جنادة، عن علي، قال: أمرت بقتل ثلاثة: القاسطين، والناكثين، والمارقين، فأما القاسطون فأهل الشام، وأما الناكثون فذكرهم، وأما المارقون فأهل النهروان، يعني الحرورية»([39]).

ولاحظ الرواية: قال: «وأمّا الناكثون فذكرهم»!! فلماذا لم تذكروهم مادام الإمام علي قد ذكرهم!!

حديث عمّار بن ياسر

 قال أبو يعلى: «حدثنا الصلت بن مسعود الجحدري، حدثنا جعفر بن سليمان، حدثنا الخليل بن مرة، عن القاسم بن سليمان، عن أبيه، عن جده قال: سمعت عمار بن ياسر يقول: أمرت أن أقاتل الناكثين والقاسطين والمارقين»([40]).

حديث عبد الله بن مسعود

الطريق الأول: قال الطبراني: «حدثنا هيثم, نا محمد بن عبيد المحاربي, ثنا الوليد, عن أبي عبد الرحمن الحارثي, عن مسلم الملائي, عن إبراهيم, عن علقمة, عن عبد الله بن مسعود, قال: أُمر عليّ بقتال الناكثين والقاسطين والمارقين»([41]).

الطريق الثاني: قال الطبراني: «حدثنا محمد بن هشام المستملي, ثنا عبد الرحمن بن صالح, ثنا عائذ بن حبيب، ثنا بكير بن ربيعة, ثنا يزيد بن قيس, عن إبراهيم, عن علقمة, عن عبد الله، قال: أمر رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) بقتال الناكثين والقاسطين والمارقين»([42]).

حديث أبي أيّوب الأنصاري

الطريق الأول: قال الطبراني: «حدثنا الحسين بن إسحاق التستري، ثنا محمد بن الصباح الجرجرائي، ثنا محمد بن كثير، عن الحارث بن حصيرة، عن أبي صادق، عن مخنف بن سليم، قال: أتينا أبا أيوب الأنصاري ـ وهو يعلف خيلاً له بصعنبى([43]) ـ فَقِلْنا: عنده، فقلت له: أبا أيوب، قاتلت المشركين مع رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) ثم جئت تقاتل المسلمين، قال: إنّ رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) أمرني بقتال ثلاثة: الناكثين والقاسطين والمارقين, فقد قاتلت الناكثين، وقاتلت القاسطين، وأنا مقاتل إنْ شاء الله المارقين، بالشعفات، بالطرقات، بالنهراوات، وما أدري ما هم»([44]).

الطريق الثاني: قال الخطيب البغدادي: «أخبرني الحسن بن علي بن عبد الله المقرئ، حدثنا أحمد بن محمد بن يوسف، أخبرنا محمد بن جعفر المطيري، حدثنا أحمد بن عبد الله المؤدب ـ بسر من رأى ـ حدثنا المعلى بن عبد الرحمن ـ ببغداد ـ حدثنا شريك عن سليمان بن مهران الأعمش، قال: حدثنا إبراهيم عن علقمة والأسود، قالا: أتينا أبا أيوب الأنصاري عند منصرفه من صفين، فقلنا له: يا أبا أيوب: إن الله أكرمك بنزول محمد (صلّى الله عليه وسلّم) وبمجيء ناقته؛ تفضلاً من الله؛ وإكراماً لك، حتى أناخت ببابك دون الناس، ثم جئت بسيفك على عاتقك تضرب به أهل لا إله إلاّ الله؟ فقال: يا هذا، إن الرائد لا يكذب أهله، وإن رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) أمرنا بقتال ثلاثة مع علي: بقتال الناكثين، والقاسطين، والمارقين. فأمّا الناكثون فقد قابلناهم: أهل الجمل: طلحة والزبير، وأمّا القاسطون، فهذا منصرفنا من عندهم ـ يعني معاوية، وعَمْراً ـ وأما المارقون فهم أهل الطرفاوات، وأهل السعيفات، وأهل النخيلات، وأهل النهروانات، والله ما أدري أين هم، ولكن لا بد من قتالهم إن شاء الله»([45]).

الطريق الثالث: قال الحاكم: «حدثنا أبو سعيد أحمد بن يعقوب الثقفي، ثنا الحسن بن علي بن شبيب المعمري، ثنا محمد بن حميد، ثنا سلمة ابن الفضل، حدثني أبو زيد الأحول، عن عقاب بن ثعلبة، حدثني أبو أيوب الأنصاري ـ في خلافة عمر بن الخطابL ـ قال: أمر رسول الله علي بن أبي طالب بقتال الناكثين والقاسطين والمارقين»([46]).

الطريق الرابع: قال الحاكم: «حدثناه أبو بكر بن بالويه، ثنا محمد بن يونس القرشي، ثنا عبد العزيز بن الخطاب، ثنا علي بن غراب بن أبي فاطمة، عن الإصبع بن نباتة، عن أبي أيوب الأنصاريL قال: سمعت النبي يقول لعلي بن أبي طالب: تقاتل الناكثين والقاسطين والمارقين بالطرقات والنهروانات وبالشعفات. قال أبو أيوب: قلت: يا رسول الله مع من تقاتل هؤلاء الأقوام؟ قال: مع علي بن أبي طالب»([47]).

حديث أبي سعيد الخدري

قال ابن عساكر: «أخبرنا أبو سعد إسماعيل بن أبي صالح, وأبو منصور أحمد بن علي بن محمد، قالا: أنا أحمد بن علي بن عبد الله، أنا محمد بن عبد الله الحافظ، أنا أبو جعفر محمد بن علي بن دحيم الشيباني، نا الحسن بن الحكم الحبري، نا إسماعيل بن أبان، نا إسحاق بن إبراهيم الأزدي، عن أبي هارون العبدي، عن أبي سعيد الخدري، قال: أمرنا رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) بقتال الناكثين والقاسطين والمارقين، فقلنا: يا رسول الله أمرتنا بقتال هؤلاء, فمع من؟ قال: مع علي بن أبي طالب, معه يقتل عمّار بن ياسر»([48]).

النتيجة

إن عدد الصحابة الذين رووا الحديث هم خمسة, وعدد الطرق إليهم فيما خرّجناه هي ثلاثة عشر طريقاً, من غير المتابعات في الطريق الواحد, وهذه الطرق تحقق التواتر, ولا أقل من كونها مستفيضة، ولو تنزلنا عن ذلك، فلا أقل من أنّ الحديث حسن؛ لتقوّي بعض الطرق ـ إن لم نقل كلها ـ لبعضها الآخر, وسنقف فقط عند الطريقين الذين ذكرتهما في الكتاب:

الطريق الأول: قلتَ ص210: فهذا الحديث رواه أبو يعلى بسند لا يصح, فيه الربيع بن سعيد مجهول... وأورده الهيثمي، وقال: «رجاله رجال الصحيح, غير الربيع بن سعيد، وثقه ابن حبان<... وقول الهيثمي فيه قصور, وابن حبّان متساهل في التوثيق.

أقول: أمّا الربيع الذي ذكرته، فهو ليس ابن سعيد, بل هو ابن سعد, وقد وهم فيه الهيثمي؛ لأنّه قال: «رواه البزار والطبراني في الأوسط وأحد إسناديّ البزار رجاله رجال الصحيح غير الربيع بن سعيد ووثقه ابن حبان»([49]).

فهو ناظر إلى مسند البزار إذن, وفي مسند البزار جاء: «حدثنا عباد بن يعقوب، قال: نا الربيع بن سعد، قال: نا سعيد بن عبيد، عن علي بن ربيعة، عن علي قال: عهد إلي رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) في قتال الناكثين والقاسطين والمارقين»([50]).

فالراوي هو الربيع بن سعد الجعفي, والربيع هذا:

قال ابن معين: «الربيع بن سعد الجعفي يروي عنه حسين الجعفي ومروان ووكيع وهو ثقة»([51]).

وقال أبو حاتم: «لا بأس به»([52]).

وقال ابن شاهين: «الربيع بن سعد الجعفي ثقة، يروي عنه حسين الجعفي ومروان ووكيع قاله يحيى. وقال ابن عمار: الربيع بن سعد ثقة كوفي»([53]).

وقد ذكره ابن حبّان في ثقاته باسم الربيع بن سعيد الجعفي, وذكر أنّ مروان ووكيع رويا عنه, ثمّ قال: «وقد قيل ابن سعد»([54]).

ومن الغرائب أنّ الذهبي قال في الميزان: «الربيع بن سعد الجعفي, كوفي لا يكاد أن يعرف<([55])، لكنه ذكره في تاريخ الإسلام, وقال: >قال أبو حاتم: لا بأس به»([56]).

فالربيع ثقة إذن ويكون السند معتبراً.

ومن هنا نرى الزرقاني في شرح المواهب اللدنية قال: «سند جيّد»([57]).

ولو تنزلنا وقلنا إنّ الربيع مجهول الحال كما ذكرتم, فهو صالح للشواهد والمتابعات, كما لا يخفى, فلننظر إلى السند الثاني الذي ذكرتموه, لنرى إمكانية التعاضد من عدمه.

الطريق الثاني: قلتم: ورواه أبو يعلى, ورواه عن عمّار بن ياسر وفيه: الخليل بن مرة، قال البخاري: «منكر الحديث<. وقال ابن حبّان: «يروي عن جماعة من البصريين والمدنيين من المجاهيل<. وقد أطال ابن عدي في ترجمته وأورد له مناكير.

أقول: الخليل بن مرة:

قال أبو زرعة: «هو شيخ صالح»([58]).

وقال ابن عدي: «وهو شيخ بصري, وقد حدّث عنه الليث, وأهل الفضل, ولم أر في أحاديثه حديثاً منكراً قد جاوز الحد، وهو في جملة من يكتب حديثه، وليس هو متروك الحديث»([59]).

وقال عمر بن شاهين: «الخليل بن مرة ثقة. قال أحمد بن صالح: ما رأيت أحداً يتكلم فيه, ورأيت أحاديثه عن قتادة, ويحيى بن أبي كثير صحاحاً؛ وإنّما استغنى عنه البصريون؛ لأنه كان خاملاً, ولم أر أحداً تركه وهو ثقة»([60]).

هذا ما ذكره في تاريخ أسماء الثقات, أمّا في كتابه (ذكر من اختلف من العلماء ونقاد الحديث فيه) فإنّه نسب القول إلى أحمد بن حنبل وليس أحمد بن صالح([61]), فيكون على هذا النقل أنّ أحمد بن حنبل يرى وثاقة الخليل بن مرة.

وقال الذهبي: «الخليل بن مرة الضبعي نزيل الرقة عن أبي صالح وعكرمة وعنه بن وهب ووكيع، قال أبو حاتم: ليس بالقوي، كان أحد الصالحين, توفي160 هـ »([62]).

ومن خلال ذلك نستنتج أنّ الرجل لم يُتّهم في صدقه, وغاية الجرح تتمثل في قول البخاري إنّه منكر الحديث, وهذا القول ردّه ابن عدي حين قال: «ولم أر في أحاديثه حديثاً منكراً قد جاوز الحد، وهو في جملة من يكتب حديثه، وليس هو متروك الحديث»([63]).

وإذا أضفنا أنّ أبا حاتم لم يضعّفه, بل وصفه بعدم القوة, ومعناه أنّه ليس بالقوي الثبت كما فسره الذهبي([64])، وأبو حاتم متشدّد كما هو معلوم([65]), وأنّ أحمد بن حنبل أو ابن صالح قد وثقه وكذلك ابن شاهين, وأنّ أبا زرعة، قال عنه: شيخ صالح, وإذا ما عرفنا أنّ الذهبي قال: «يعجبني كثيراً كلام أبي زرعة في الجرح والتعديل، يبيّن عليه الورع والمخبرة، بخلاف رفيقه أبي حاتم، فإنّه جرّاح»([66]).

فنخلُص من هذا الاختلاف: أنّ حديث الرجل لا ينزل عن عداد الأحاديث الحسان, ولا أقل من قبوله في الشواهد والمتابعات, لذا رأينا أنّ الشيح حمزة أحمد الزين حسّن له في تحقيقه على (مسند أحمد)([67]), كما أنّ الشيخ الألباني ضعّفه لكنه قبله في الشواهد والمتابعات, فقال عنه في صحيحته عند التعليق على حديث: «إذا تزوج العبد فقد استكمل نصف الدين...<: «قلت: فقد صح الإسناد إلى الخليل وهو وإن كان ضعيفاً كما ذكرنا، فليس ذلك لتهمة في صدقه، وإنما لضعف في حفظه، وكذلك شيخه يزيد ابن أبان الرقاشي، وقد قال فيه ابن عدي: له أحاديث صالحة عن أنس وغيره، وأرجو أنه لا بأس به لرواية الثقات عنه. وقال في الخليل: لم أر في حديثه حديثاً منكراً قد جاوز الحد وهو في جملة من يكتب حديثه، وليس هو متروك الحديث. قلت: فمثلهما، وإن كان لا يحتج بحديثهما ولكن يستشهد به»([68]).

وحينئذٍ سيكون الحديث حسناً لغيره بمجموع هذين السندين, ولا تنس أنّه يوجد أكثر من عشرة أسانيد أخرى للحديث, فالقول بضعفه وعدم تعاضد طرقه لا يصدر ممن يدعي العلم.

تصريحات العلماء بأن علياً قاتل الناكثين والقاسطين والمارقين

1ـ الحافظ أبو نعيم الأصبهاني: حيث قال عن الإمام علي×: «صاحب القلب العقول، واللسان السؤول، والأذن الواعي، والعهد الوافي، فقّاء عيون الفتن، ووقي من فنون المحن، فدفع الناكثين ووضع القاسطين ودمغ المارقين، الأخيشن في دين الله، الممسوس في ذات الله...»([69]).

2ـ الحافظ ابن حجر العسقلاني: يظهر جليّاً أنّ الحافظ يعتقد بصحة الحديث؛ لذا نراه يقول في (تلخيص الحبير في أحاديث الرافعي الكبير): «قوله [أي الرافعي]: ثبت أن أهل الجمل وصفين والنهروان بغاة: هو كما قال, ويدلّ عليه حديث عليّ: أُمرت بقتال الناكثين والقاسطين والمارقين، رواه النسائي في الخصائص والبزار والطبراني، والناكثين أهل الجمل؛ لأنهم نكثوا بيعته، والقاسطين أهل الشام؛ لأنهم جاروا عن الحقّ في عدم مبايعته، والمارقين أهل النهروان؛ لثبوت الخبر الصحيح فيهم أنهم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية، وثبت في أهل الشام حديث عمّار تقتله الفئة الباغية، وقد تقدّم»([70]).

3ـ الخطيب الخوارزمي: حيث قال في مناقبه, وهو يذكر ألقاب الإمام×: «الألقاب: أمير المؤمنين، ويعسوب الدين والمسلمين، ومبير الشرك والمشركين، وقاتل الناكثين والقاسطين والمارقين، ومولى المؤمنين، وشبيه هارون، والمرتضى، ونفس الرسول، وأخوه، وزوج البتول...»([71]).

فتبيّن أنّ وصف علي× بقاتل الناكثين والقاسطين والمارقين ليس من متفردات الشيعة, بل وصفه بها علماء السنّة أيضاً, ومن قبلهم ذكره الرسول الأعظم’.

قلتم: حديث الناكثين لم يساو في الوصف بين المخالفين لعلي

 أضفت في طبعتك الجديدة ص221 ما نصّه: «ثمّ لو صحّ الحديث, فليس كلّ من قاتلهمL مارقاً, بل فيهم الناكث: أي للبيعة, والقاسط: أي الظالم, والمارق: وهم الخوارج، فالحديث لم يسوِّ بين المخالفين لعليL, ولو كان عليّ وصيّاً من الله عزّ وجلّ لكان الحكم على جميعهم بحكم واحد وهو: (المارقون)».

الجواب

1ـ يبدو أنّك راجعت طرق الحديث فأيقنت في داخلك انّه صحيح فحاولت الاستدراك, وهذا أمر جيّد على كل حال.

2ـ إن استدلالك بعدم تسوية أوصاف الذين قاتلهم عليّ في الحديث، على عدم كون عليّ وصياً، غريب جداً، فلا توجد ملازمة بين كونه وصياً واقعاً وبين ضرورة وحدة الأوصاف، وأنه ينبغي أن يحكم عليهم بالمارقين فقط، فلم نفهم وجهاً لتلك الضرورة! فلماذا يجب أن يحكم على الطوائف الثلاثة بالمارقين فيما لو فرض أن علياً وصيٌ؟ ولماذا الوصية تفترض وحدة الحكم؟

فما بيّنه الحديث من أوصاف للطوائف إنما جاءت لإبراز السمة الظاهرة في هذه الطوائف الثلاث, فالسمة البارزة لطلحة والزبير هي نكثهم للبيعة، والسمة البارزة لمعاوية وأصحابة أنّهم قسطوا ومالوا وانحرفوا عن الحق، والسمة البارزة للخوارج مروقهم عن الدين, فليس الجميع بمرتبة واحدة حتى يكون عنوانهم المارقين فقط، فأيّ علاقة لهذه الأوصاف بالوصيّة؟!

ثمّ لسائل أن يسألك, بأنّه لماذا وصف معاوية وأصحابه في بعض الأخبار بأنّهم الفئة الباغية, ولم يوصف طلحة والزبير بذلك مع أنّهما بغاة أيضاً بخروجهما على خليفة المسلمين, فلماذا لم يسمّهما معاً بالبغاة؟ لا شكّ في أنّ الجواب سيكون أنّ السمات البارزة لهذه الفرق الثلاثة هي ما ذكره الحديث أعلاه.

على أن ما تقوله يستلزم أيضاً أن لا يكون علياً× خليفة للمسلمين في زمانه؛ فإن الطوائف الثلاثة أيضاً لا بد أن تحكم بوصف واحد وهو المارقون، والحال أن الحديث لم يساو بين تلك الأوصاف.

3ـ إنّ الحديث يدل على أنّ عليّاً لم يكن مجتهداً في حروبه، بل متّبعاً للنصّ النبوي, بينما الفرق الثلاثة كانت تخالف النصّ النبوي, وأنّ انحرافهم ثبت بالنصّ, فالحديث يبيّن أنّ طلحة والزبير ناكثان للبيعة وأنّ عليّاً كان مأموراً بقتالهم, فهل تعدّهم مأجورين، وهل ما زلت متمسّك بعدالة جميع الصحابة؟ والأمر يجري على معاوية وأصحابه كذلك.

الأوصاف في الآية مختصة ببعض الصحابة

ذكرنا بأنّه لو افترضنا وجود هذه السمات في عامّة الصحابة، لكنّ ذيل الآية يشهد على أنّ الثناء على قسم منهم، بقوله سبحانه: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ الصّالِحَاتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيمَاً}.

فلفظة (من) في قوله: (منهم) للتبعيض، وما يقال من أنّ (من) بيانيّة غير صحيح; لأنّها لا تدخل على الضمير مطلقاً في كلامهم وإنّما تدخل على الاسم الظاهر كما في قوله: {فَاجْتَنِبُواْ الرِّجْسَ مِنَ الاَْوْثَان}([72]).

وقد أجبت على ذلك بثلاثة أمور:

قلتم: هل الآية مختصّة بعلي والأربعة أبي ذر و...

الأوّل: قلت في ص211: من هم الصحابة الذين توافرت فيهم عندكم, هل توافرت في أبي بكر وعمر وعثمان والمشهورين معهم؟ أم لم تتوافر إلاّ في عليّ أو فيه وفي الأربعة أبي ذر وسلمان وعمار والمقداد؟

الجواب

 عرفنا من خلال ما تقدّم, أنّ الآية تشمل عدداً كبيراً من الصحابة الذين وفوا لدينهم ولعهدهم مع نبيّهم, فلا داعي للتكرار, إذ نراك تكثر من التكرار في مسألة عدالة الصحابة الأربعة, ويتّضح للقارئ جليّاً أنّ هؤلاء الأربعة الذين تحاول أن تحط من قدرهم قد سببوا لك إرهاقاً كبيراً, خصوصاً أنّ مواقفهم كانت جليّة وواضحة في وقوفهم مع علي×, ومعاداتهم لأعدائه, مستقين ذلك من أقوال الرسول الأكرم’ في أنّ علياً مع الحقّ والحقّ معه, على أنّه ذكرنا مراراً بأنّنا لا نقتصر على عدالة الأربعة فقط, بل هناك المئات من العدول الذين ثبتوا ولم يغيّروا ولم يبدلوا.

قلتم: المعيّة في الآية لم تقيّد بـ (من) فتفيد العموم

الثاني: قلتم في معرض ردك على قولي أنّ (من) تفيد التبعيض:

نعم، هذا الوعد يفيد التبعيض, لكن الثناء السابق لم يقيّد بـ (من) فهل يعني أنّك تقرّ بعمومها, أم أنّك أخرجتها بتأويل آخر, وهو أنّ المعيّة يراد بها المعيّة الروحية!؟

الجواب

 نحنُ إنّما ذكرنا عدّة وجوه للآية فأيّهما يتمّ فهو يخرج مدلول الآية من شمولها للصحابة جميعاً, ولم نقل إنّ الوجوه مجتمعة تخرج الآية من مدلولها, بل يكفي تمامية وجه واحد ممّا ذكرنا، على أنّ كون (من) تبعيضيّة لا يلازم القول بعموم الآية كما تريد إثباته هنا, فإنّ ذيل الآية يفيد أنّ الله وعد هؤلاء الذين كانوا معه بهذه الصفة, وكونهم أشداء على الكفار ورحماء بينهم... وعدهم بالمغفرة والأجر بشرط البقاء على الإيمان والعمل الصالح، وهذا أشدّ وآكد في تخصيص الصحابة العدول بمجموعة معيّنة وعدم شمول الآية لجميعهم, فالآية تؤكّد على أنّ العمل الصالح والإخلاص في فترة معيّنة لا يلازم المغفرة والأجر من دون بقاء على ذلك.

ثمّ لو تنزلنا عن المعيّة الروحية, فأيضاً لا تدلّ الآية على العموم؛ إذ لا ملازمة بين كون (من) تفيد التبعيض وبين عموم الآية وشمولها لجميع الأفراد, إذ مع ملاحظة الواقع الخارجي الذي كان عليه الصحابة يتّضح أنّ المراد من المدح هو مدح مجتمع الصحابة على نحو الإجمال, فالمجتمع الصحابي صفته العامة أنّهم رحماء بينهم أشداء على الكفار وسيماهم في وجوههم, أمّا الأفراد بنحو الاستغراق واحداً واحداً فهم غير متحلين بهذه الصفات، فمنهم من تشمله الآية ومنهم من لا تشمله, ولذا جاء ذيل الآية مُقيِّداً مَن تشمله المغفرة والأجر بمن آمن وعمل صالحاً, فذيل الآية قرينة واضحة على عدم إرادة جميع الأفراد.

قلتم: من هم الموعودون بالمغفرة في الآية

الثالث: قلت: الآية وعدت بعضهم بالمغفرة والأجر العظيم, فمن هم الذين تعتقد أنّه تشملهم من الصحابة؟

الجواب

 نقول: الآية تشمل كثير من الصحابة المخلصين, فهي تشمل مثل عليّ وحمزة وجعفر وسهل بن حنيف والأربعة الذين يزعجك ذكرهم (أبو ذر, والمقداد وعمار وسلمان)، وتشمل الشهداء الذين ضحّوا بأنفسهم مع النبي’, وتشمل الكثير ممّن وقفوا مع علي مواقف مشرّفة, وقد تقدّم ذكر جماعة بأسمائهم فيما سبق, فلا نعيد.

لكن هذا خروج عن محلّ البحث, فأولاً وقبل أنْ توجّه الأسئلة, لا بدّ أن تجيب: هل الآية بعد هذا البيان شاملة لجميع الصحابة؟ ولا يمكن الاجابة بنعم إلاّ مكابرة.

فتبيّن أنّ دليلكم الثاني على عدالة الصحابة غير تام أيضاً.

تتميم

 قلتم: (من) بيانية لا تبعيضية

 تراجعتم في طبعتكم الجديدة عن القول بأنّ (من) في الآية تفيد التبعيض, وذكرتم في ص222ـ 223 بأنّ السياق يأبى أن تكون (من) تبعيضية، فالصفات في صدر الآية صفات إيمان وعمل صالح...

ثمّ أخذت تذكر أقوال بعض المفسرين بأنّها بيانية، ثمّ ذكرت أنّ أهل اللغة قرروا ذلك أيضاً, فذكرت أنّ ابن هشام استشهد بقول ابن الأنباري بأنّها بيانية.

الجواب

1ـ لا نرى مبرراً لهذا التطويل, ولا لهذا الاستشهاد؛ لأنّه اتّضح جليّاً من البحث أنّه ليس كلّ الأصحاب بالصفات التي ذكرها القرآن، والواقع يشهد لذلك, فهم غير مشمولين جميعاً، فثمة منهم كان فرّاراً من الزحف فهو لا يغيظ الكفّار كما لا يخفى، ومنهم القاتلون للأبرياء بخروجهم على خليفة زمانهم، فهم ليسوا رحماء مع الفريق الآخر.

وسواء فسّرنا (من) بالبيانيّة أو بالتبعيضيّة فهي لا تنفع بشيء؛ لأنّها إنْ كانت بيانية فقد دلّت الآية على أنّ أولئك الذين وقفوا مع النبي’ وقفات مشرّفة وانطبقت عليهم الصفات التي وردت في الآية، هم الذين وعدهم الله بالمغفرة والأجر العظيم, فالآية تتحدّث عمّن كانوا مع النبي’ روحاً وجسداً وغير شاملة لجميع الصحابة، فهناك إذن قرينة ـ ولنُسمّها بالقرينة العقلائيةـ تقيّد إطلاق الآية وتخصّ الصحابة فيها بمن كان مع النبي’ روحاً وبدناً.

وإن قلت: إنّها تبعيضيّة, فهي عندئذٍ تبيّن أنّ هؤلاء الذين كانوا بتلك الصفات يشترط في حصولهم على المغفرة الثبات على الإيمان والعمل الصالح, فهي تؤكّد على توفر شرطين أساسيين وهما: الإيمان والعمل الصالح, قال النحاس: «ويجوز أن تكون للتبعيض أي: وعد الله الذين ثبتوا على الإيمان منهم، مغفرة وأجراً عظيماً»([73]).

2ـ ثمّ لو تنزلنا عن جميع ذلك, فالآية لا تفيد العموم على ما قدّمنا, فإنّ الواقع الخارجي أثبت بالدليل القاطع انحراف عدد غير قليل من الصحابة تسبّبوا بقتل الآلاف من المسلمين, فالواقع الخارجي يشكّل قرينة على كسر الشمول، فلا يمكن أن تكون الآية ناظرة لهؤلاء؛ لعدم تحقق المواصفات فيهم، فتحمل الآية حينئذٍ على أنها ناظرة للمجتمع الإسلامي في ذلك الوقت على نحو الإجمال لا على نحو الاستغراق الأفرادي.

3ـ إنّ القول بشمولها لجميع الصحابة الذين كانوا موجودين معه’ تصطدم بعقبة كبيرة يرفضها جميع المسلمين, ألا وهي شمول الآية للمرتدين بعد وفاة رسول الله’، وهذا لا يقبله ولا يرتضيه مسلم؛ فمن غير المعقول أن تكون الآية شاملة لهم, وكذلك على القول بشمولها للجميع، فسوف يقع في دائرة هذا الشمول حتى من كان منافقاً غير ظاهر النفاق.

فإن قلت: إنّ من ارتدّ غير مشمول بالآية، فهذا إذعان منك بعدم شمول الآية لجميع الصحابة ولو بنحو جزئي؛ فإن هذا يكفي في عدم الاعتقاد بشمول الآية لكل فرد من الصحابة بعينه, وإن قلت: إنّها شاملة للجميع، لزم شمولها للمرتدين بعد وفاة النبي, وللمنافقين المستور حالهم.

4ـ لم يجمع المفسرون على أنّ (من) بيانية كما ادعيت، حيث قلت: «فهؤلاء أعلام المفسرين من جهابذة اللغة وأئمّة التفسير كلّهم يقررون أنّ {منهم} بيانية..».

فهذا الكلام تغرير بالقارئ, ولا يناسب الأمانة العلمية, فها هو ابن الجوزي يقول: «في (من) قولان: أحدهما:... والثاني: أن يكون هذا الوعد لمن أقام منهم على الإيمان والعمل الصالح»([74]).

وتقدّم أنّ النحاس قال: «ويجوز أن تكون للتبعيض أي وعد الله الذين ثبتوا على الإيمان منهم، مغفرة وأجراً عظيماً»([75]).

وقد تقدم منا في حوارتنا، أن استعمالها في البيان مع دخولها على الضمير، ليس استعمالاً صحيحاً، كما أشار لذلك عبد العزيز الدهلوي([76]).

على أنّ الدافع لأهل السنّة إلى القول بأنّها بيانيّة هو تبنّيهم المسبق لعدالة جميع الصحابة؛ ولذا نرى ابن عطيّة يقول: «هي لبيان الجنس وليست للتبعيض؛ لأنّه وعد مرج للجميع»([77]). فعلّل كونها بيانية بأنّها وعد مُرْج للجميع, ولم يستفد أنّ الوعد للجميع بعلة أن (من) بيانية, وهو ظاهر.

5ـ أوردت استشهاد ابن هشام بكلام ابن الانباري, وعند مراجعتنا لكلامه فهمنا جيّداً مغزى استشهادكم به, فإنّ ابن الأنباري قال: «إنّ بعض الزنادقة تمسّك بقوله تعالى: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً} في الطعن على بعض الصحابة»([78]).

وهذا الأمر ليس بغريب منكم, وعلى أي حال، هنا لدينا تساؤلان:

الأول: ما رأيك فيمن لم يقل بعدالة جميع الصحابة من بعض علماء أهل السنّة؟ فهم بلا شك يطعنون ببعض الصحابة؛ لذلك لا يعتقدون عدالة الجميع فرداً فرداً, ومن هؤلاء العلماء: ابن العماد والمازري والتفتازاني وغيرهم, فهل هم زنادقة بنظرك؟!

الثاني: هل استفاد هؤلاء العلماء من عموم وإطلاق الآيات القرآنية شمولها لجميع الصحابة ومع ذلك خالفوها, أم لهم رأي آخر في الموضوع؟!

قلتم: على فرض التبعيض، فمن هم المرادون بالاية؟

وقلت في ص224: هب أنّها للتبعيض, فمن هم هؤلاء البعض الذين نوّه الله بذكرهم...

الجواب

هذا تكرار مملّ وقد تقدّم جوابه مراراً فلا نعيد.

الآية الثالثة: إن الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا...

 قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا بِأموالهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} إلى أن قال: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقّاً لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ}([79]).

من دون شك، أنه لا يوجد مسلم إلاّ وفي قلبه حبٌّ للمهاجرين والأنصار، الذين بذلوا الغالي والنفيس في سبيل نصرة هذا الدين, كما لا شكّ أنّ للهجرة والجهاد بالغ الأثر في توسيع رقعته ونشره في أرجاء الأرض, إلاّ أنّ الكلام كلّ الكلام في تقديس وتعديل كلّ من رأى النبي’ وعدم جواز البحث عن حاله مهما فعل وارتكب! فهذا لا يقرّه عقل ولا يرتضيه دين.

المراد من الآية

الآية المباركة في صدد مدح المهاجرين الذين جاهدوا في سبيل الله وضحّوا بأموالهم وأنفسهم، وكذلك الأنصار الذين آووا ونصروا, وقد تقدّم بيان ما يتعلق بالآية, ومن هم المشمولون بها من المهاجرين والأنصار، وأوضحنا أنّ الآية تتكلم عن السابقين من المهاجرين، وكذلك تخص الأنصار بمن أوى ونصر، فلا نعيد.

وعند النظر إلى وقائع الأحداث، وما حصل من فتن, نستنتج أنّ الآية ناظرة إلى السابقين من المهاجرين وإلى الأنصار الذين آووا ونصروا بصورة إجمالية, ولم يكن نظرها لحاظ كلّ فردٍ من الصحابة, فكلّ من ثبت انحرافه بدليل معتبر خرج من الآية, ولذا لا بدّ هنا من التركيز على أمرين مهمّين:

الأوّل: أنّ الآية أجنبيّة عن القول بعدالة جميع الصحابة، الذي هو محلّ البحث, فسواء قلنا بشمول الآية لجميع المهاجرين والأنصار, أو لفئة خاصّة منهم, فهي لا تفيد عدالة جميع الصحابة الذين هم أكثر بكثير من المهاجرين والأنصار, وقد تقدّم بيان أنّها لا تشمل الجميع، فراجع.

قلتم: إذا اطلق الله فلا قيد وإذا قيّد فلا إطلاق

الثاني: نراك تتّهمنا كثيراً بأنّنا نستدرك على الله عز وجل، فالله تعالى يطلق الكلام ونحن نقيّده, وتقول: بأنّه إذا أطلق فلا قيد, وإذا قيّد فلا إطلاق, وأنّ هذا هو الأدب مع الله سبحانه وتعالى.

الجواب

1ـ من المعروف لكلّ طالب علم فضلاً عن العالم المحقّق أنّ هناك بحثاً أصوليّاً معروفاً في تقييد السنّة وتخصيصها, بل ونسخها للقرآن الكريم، فهل يأتي كلامك هنا بأنّ الأدب مع الله أنّه إذا أطلق فلا قيد، وإذا قيّد فلا إطلاق؟!!

2ـ إنّ النبيّ’، الذي نزل عليه القرآن ونقله لنا عن الله سبحانه وتعالى, هو بنفسه لم يتمسّك بالعموم والإطلاق المدّعى في الآيات الواردة في الصحابة, فكيف ذلك وقد ذمّ الكثير منهم وصرّح بدخول بعضهم النار, ووسم البعض منهم بالعصاة؟

 ونكتفي هنا بذكر مثال على صحابي كبير, وهو الزبير، حيث قال له الرسول’، على ما صحّ عندكم: «ستقاتل هذا [يعني عليّاً] وأنت ظالم له»([80]), فهل الظالم مشمول بالمغفرة والأجر والرضا الإلهي؟! وهل هو متأوّل مجتهد وله أجر مع وجود النصّ النبوي على خلاف رأيه وموقفه؟!

3ـ إنّ القرآن بنفسه أطلق وقيّد, وعمّم وخصّص, بل وحكم ثمّ نسخ, وهذا يعرفه كلّ مبتدئٍ بعلوم الدين؛ لذا لا يستنبط الفقهاء الحكم الشرعي إلاّ بعد جمع كلّ ما يتعلّق به من القرآن, وكذا من السنّة ليتعرفوا على حقيقة الحكم أهو عام أم مخصص أو منسوخ وهكذا, فالقرآن والسنّة هما منظومة متكاملة في العقيدة والأحكام والآداب والسلوك ولا يمكن التمسّك بآية أو رواية دون النظر إلى ما يتعلّق بمدلولها في باقي الآيات والروايات.

4ـ إنّ المتأمل في القرآن الكريم وكذا السنّة المباركة, يلحظ أنّ هناك قواعد كليّة ومبادئ عامة لا يمكن إغفالها في كلّ استدلال, فمثلاً أنّ الله تعالى يقرر أنّ مبدأ: أكرمكم عند الله أتقاكم, فلا يصحّ عندئذٍ لأيّ شخص أن يدّعي أنّ فلاناً غير المتّقي هو أكرم عند الله من فلاناً المتقي باعتبارات معيّنة, فهذا خلافٌ صريحٌ لهذه القاعدة القرآنية المباركة, وكذا قوله تعالى: {فَإِنَّ اللَّهَ لاَ يَرْضَى عَنِ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ} فلا معنى للقول بعد هذا إنّ الله رضى عن فلان مع كونه فاسقاً, نعم وردت آيات أخرى تؤكّد أنّ المغفرة تشمل من تاب من الفاسقين, وهكذا، فالقرآن وكذا السنّة وضعت قواعد عامّة لا يمكن التنصل عنها وإغفالها في أيّ أمر كان.

5ـ تبيّن من خلال ذلك, أنّ ما نسبته إلى الشيعة من تقييد كلام الله تعالى عار عن الصحّة, فإنّ الشيعة متّبعة للقرآن والسنّة, وتعمل وفق القواعد التي أقرها القرآن وكذا السنّة، فهي لم تخبر بعدالة الصحابة أجمع؛ بل إنّ النبي’ قد بيّن مراراً أنّ الصحابة ليسوا عدولاً جميعاً؛ من خلال أحاديث الحوض وغيرها, فالتقييد لإطلاق الآية إنّما هو تقييد من القرآن ومن السنّة.

6ـ إنّ الواقع التأريخي أثبت انحراف مجموعة من الصحابة بأفعال يندى لها جبين البشرية, بحيث يقطع كلّ من يعرف مبادئ الإسلام بأنّ هؤلاء غير مشمولين بالمدح الإلهي, فكيف يعقل أن يشمل من يسخر من النبي’ ويحاكيه في مشيته استهزاءً به؟! أم يشمل والي المؤمنين الذي قضى أيّاماً عديدة على صدر أم جميل([81]) ؟! أم يشمل بسر ابن أرطاة الذي لم يسلم من سيفه حتى الأطفال الصغار([82]) ؟! أم يشمل طلحة والزبير الذين شرخا في الإسلام شرخاً لا زلنا نعاني تبعاته إلى اليوم، وأُزهقت بسببهم آلاف الأرواح البريئة؟!

الوصية لا تنسجم مع تعديل الصحابة

مضافاً لما تقدّم, فقد وجدناك تكرر كثيراً أنّ الشيعة لا يمكن أن تقول بعموم آيات عدالة الصحابة؛ لإيمانها بالوصيّة المكذوبة, فالآيات عندهم تشمل أربعة لا غير (عمّار وابو ذر وسلمان والمقداد).

الجواب

1ـ إنّ الوصيّة ليست مكذوبة كما تدّعي, بل وردت بها روايات عامّة وروايات خاصّة، وسيتم التطرق للروايات الخاصة عند الحديث عن ردّك عليها في محله فانتظر([83]).

2ـ نحن لم ندّع أنّ الاعتقاد بعدم عدالة الصحابة أجمع مرتبط بمسألة الوصيّة فقط, بل أثبتنا لك ذلك بذكر انحراف عدد لا بأس به من الصحابة، في سلوكهم وأفعالهم، فإنّهم لا بسوا الفتن, وشقّوا عصا المسلمين, وسفكوا دماء الأبرياء، فلا يمكن أن تشملهم الآيات, وقد تقدّمت الأشارة قريباً لذلك, كما تقدّم توثيق الكثير من الأحداث أثناء البحث، فلا نعيد.

3ـ لم ندّع أنّ الذين كانوا يعتقدون بالوصية هم أربعة فقط، بل الكثير من المهاجرين والأنصار كانوا لا يشكّون في أنّ الخلافة لعلي×([84]), ولم ندّع أنّ الصحابة العدول هم أربعة فقط, وقد عرفنا من خلال البحث أنّ هناك الكثير من الصحابة ممن أخلصوا واستمروا على إخلاصهم، وهم الذين تشملهم الآيات القرآنية، فلا نعيد.

وبهذا البيان تتضح الأجوبة على جلّ وأهمّ ما أوردتموه حول الآية الكريمة, واتّضح أيضاً أنّ الآية غير شاملة لجميع الصحابة.

الآية الرابعة: لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل

قال سبحانه وتعالى:{لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلاً وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ}([85]).

هذه الآية الرابعة التي ادعي دلالتها على عدالة الصحابة جميعاً بلا استثناء، ببيان أن الآية قد فاضلت بين فريق من الصحابة قاتل وأنفق في سبيل الله قبل فتح مكة، وبيّن من فعل ذلك بعد الفتح، ثم وعد الله تعالى كلا الفريقين بالحسنى، وهذا الوعد من الله تعالى وقع لأشخاص بعينهم، فهو يكشف عن أنّ الله تعالى قد علم منهم أنهم سيكونون على خير عاقبة، وبهذا فكل الصحابة مشمولون بالوعد الإلهي، والنتيجة ثبوت عدالتهم جميعاً.

والاستدلال بهذه الآية لا يتم؛ لعدّة أمور، وأحدها على سبيل البدل يكفي في نقض الاستدلال:

الأول: أنّ هذه الآية لا تنظر إلى جميع الصحابة قاطبة، لأنّها تتحدث عن وجود صفتين: هما الإنفاق والقتال معاً، ومفادها بيان عدم تساوي الأجر والثواب بين من ثبتت له هاتان الصفتان قبل الفتح مع من ثبتت له بعد الفتح، ضرورة أنه قبل الفتح تكون المثوبة أكبر، لكن الله تعالى قد وعد الجميع بالمثوبة والأجر.

ومن المعلوم أن كثيراً من الصحابة لم يكونوا قد جمعوا هاتين الخصلتين معاً، لا قبل الفتح ولا بعده، بل لم تثبت لهم واحدة منها، فكم من رأى النبي’ وأسلم على يديه بعد الفتح، عام الوفود، ورجع إلى بلاده دون أن يقاتل أو ينفق، وكم شخص كان ضمن المؤلفة قلوبهم الذين لم ينفقوا بلا شك.

ثم إنّ القول بأنّ ثمة أشخاصاً معينين من الصحابة لا شك في شمول الآية لهم، فهذا أيضاً لا يمكن إثباته من هذه الآية إلا إذا ثبت بدليل روائي أنهم قد أنفقوا وقاتلوا معاً قبل الفتح أو بعده، هذا إذا لم يكن الثابت تاريخياً هو العكس، بأن كانوا فرارين في الزحف والحروب، وكانوا يجبّنون الناس من القتال، ولم يعرف عنهم أنهم قتلوا شخصاً واحداً أو حتى جرحوه! كما تجدر الإشارة إلى أن الإنفاق، بقرينة عطفه على القتال، هو الذي يقع في طريق الجهاد لا الإنفاق كيفما كان.

الثاني: لا يمكن شمول هذه الآية لمن قاتل وأنفق ظاهراً لكنه باطناً كان غير مقتنع بنبوة النبي’، أو كان ينتظر من قتاله وإنفاقه شيئاً آخر، حالاً أو مستقبلاً، فلا يمكن الجزم بأن كل من حاز على تينك الخصلتين فهو مما وعده الله بالحسنى.

الثالث: الآية كما ذكرنا في حورانا معكم تدل على شمول الوعد بالمثوبة الحسنى من الله تعالى لمجموعة خاصة ممن قاتلوا وأنفقوا قبل أوبعد الفتح، لكن ذلك مقيد بحسن العاقبة وأن خاتمتهم كانت إلى خير، وإلا فالوعد لا يشملهم.

وقد ثبت أنّ بعض من قاتل مع النبي’ قد صرح النبي’ بدخوله النار؛ فلم يثبت على العمل الصالح, فعن أبي هريرة قال: «شهدنا مع رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) فقال لرجل ممّن يدّعى الإسلام, هذا من أهل النار, فلمّا حضر القتال, قاتل الرجل قتالاً شديداً فأصابته جراحة، فقيل: يا رسول الله, الذي قلت: إنّه من أهل النار، فإنّه قد قاتل اليوم قتالاً شديداً, وقد مات, فقال النبيّ (صلّى الله عليه وسلّم): إلى النار. قال: فكاد بعض الناس أن يرتاب, فبينما هم على ذلك, إذ قيل إنّه لم يمت ولكن به جراحاً شديداً فلمّا كان من الليل لم يصبر على الجراح فقتل نفسه, فأُخبر النبيّ (صلّى الله عليه وسلّم) بذلك، فقال: الله أكبر أشهد أنّي عبد الله ورسوله، ثمّ أمر بلالاً فنادى بالناس أنّه لا يدخل الجنّة إلاّ نفس مسلمة، وأنّ الله ليؤيّد هذا الدين بالرجل الفاجر»([86]).

وفي البخاري أيضاً عن سهل, أنّ النبي’ قال بعد موت الرجل: «إنّ العبد ليعمل عمل أهل النار وانّه من أهل الجنّة، ويعمل عمل أهل الجنّة وانّه من أهل النار، وإنّما الأعمال بالخواتيم»([87]).

وها هي عائشة تصرّح ببطلان جهاد زيد ابن أرقم بسبب فتوى له، قال الآمدي: «وقالت عائشة: أخبروا زيد بن أرقم أنّه أُحبط جهاده مع رسول الله بفتواه بالرأي في مسألة العينة»([88]). وليس من الصحيح أن السيدة عائشة كانت تفهم شمول الآيات القرآنية المادحة والواعدة بالأجر لجميع الصحابة ومع ذلك تدعي أن أحدهم أحبط جهاده!

الرابع: أحد ركائز الاستدلال في شمول الآية لجميع الصحابة دعوى أنها وعدت وبشرت أشخاصاً بأعيانهم، ويمتنع مع ذلك أن تكون الآية مقيدة بحسن العاقبة.

فقلتم: في ص216ـ 217 ما حاصله: إنّ الآية خاطبت قوم بأعيانهم بذكر صفاتهم, ووعدتهم بالحسنى، أي الجنّة, وفي ذلك بشارة لهم بأنّهم يعيشون على الإيمان ويموتون عليه, وإمّا إذا جاءت الآية مطلقة ولم تخاطب قوماً بأعيانهم فذلك بشرط الاستمرار على الصفة... وذكرتم أنّ تقييد الآية غير لائق بكم؛ لأنّه استدراك على الله عز وجلّ, وأنّه جرأة على الله وأنّه من التقدّم بين يدي الله عز وجلّ.

أقول: هذا الكلام واهٍ جداً، لأمرين:

 أولهما: أن الآية لم تخاطب شخصاً محدداً أو أشخاصاً، فلم تذكر أن علياً الذي قاتل وأنفق له الحسنى، أو أن عمر وعثمان وخالداً الذين قاتلوا وأنفقوا لهم الحسنى أيضاً حتى تقول إن الإطلاق يمتنع عن التقييد، كما لم يقل الله تعالى: أنتم الصحابة جميعاً موعودون مني بالحسنى، بل الآية ذكرت وصفاً وعنواناً عاماً، وهو وصف من قاتل ومن أنفق، في قضيةٍ موضوعها تحقق الصفتين ومحمولها ترتب الثواب والأجر، فمفادها: كل من كان مقاتلاً ومنفقاً في الجهاد فهو موعود بالثواب والأجر. وهذا الوصف كما ترى لا يشبه القضية العينية، فلا يوجد مبرر عقلي أو عقلائي لمنع تقييد اطلاق الآية بالاستمرار على العمل الصالح.

وهذا ليس غريباً منك؛ فأنت مشبع بأفكار وقبليات ومسبقات لطالما حاولت أن تفسر جميع النصوص في إطار تلك القبليات التي تحملها في ذهنك، فلم تكن حيادياً وموضوعياً مطلقاً.

وهذه الآية لا تختلف عن آيات كثيرة في القرآن، علقت الوعد على أوصاف محددة، ولا يمكن القول إنها مطلقة من كل قيد، كما قال تعالى: { وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا }([89])، فهذه الآية أيضاً لا يمكن من خلالها إثبات أن زيداً من الناس مصداقاً لها حتماً، لأن العام ـ كما قيل في علم الأصول ـ لا يثبت موضوعه، كما أن هذه الآية يدخل في عمومها الكثير ممن جمعوا بين الإيمان والعمل الصالح، فان كانت الآية السابقة عينية فهذه عينية أيضاً, فهل تلتزم هنا أنّ كلّ من آمن وعمل صالحاً سيدخل الجنة بدون استثناء، وفقاً للوعد الإلهي فيها، بغض النظر عن بقيّة أعماله ومن دون النظر إلى خاتمته؟

ثانياً: أن الآية في مقام المفاضلة بين الأجر، وهذا هو محط النظر فيها، ولا يمكن إثبات الإطلاق والشمول فيها لكل أفراد الصحابة؛ لأنها ليست في مقام النظر إلى الأفراد، وهذا شائع في علم الأصول، فراجع.

قلتم: الموعود بالحسنى يختلف عن الذي انسلخ من آيات الله

قلتم ص218: في تعليقكم على قولنا: «وقد دلّ الذكر الحكيم أنَّ رجالاً مؤمنين انقلبوا على أعقابهم..< قال تعالى: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانسَلَخَ مِنْهَا...} فمن وعده الله بالحسنى ليس بأفضل من هذا الرجل..

وقلتم: إنَّ هذا القول من أفسد الأقوال وأبعدها عن معنى الآية التي نحن بصددها, وذلك من عدّة أوجه:

1ـ إنَّ الآية التي في الصحابة قد وعدتهم بأعيانهم, فإنّ الصفة التي ذكرها تتمثل في أشخاص بأعيانهم وعدوا بجنَّات النعيم.

2ـ إنَّ الذي انقلب على عقبيه لم يسبق له من الله وعد بالجنَّة بشخصه، وإلاَّ فلو وعده الله بشخصه لتحقق وعد الله سبحانه.

3ـ لو اتبعنا قاعدتكم هذه في بقية الآيات فأخرجناها عن معناها, واعتقدنا أنْ لا وعد ولا ثناء على أحد من الصحابة, وأنَّهم جميعاً معرضون للردّة رغم دلالة الآيات على نجاتهم وإيمانهم, ومطابقة الأحاديث لمعنى الآيات بالثناء على أهل بدر, وأهل بيعة الرضوان, لو فعلنا ذلك لشككنا في جميع الصحابة, ولأمكن للكفار والمنافقين أن يشككوا في إيمان جميع الصحابة. وهذا من الأسباب التي جعلت مذهب التشيع بوابة مفتوحة لكلّ طاعن وزنديق, وإنْ كنَّا لا نصف الشيعة بذلك, لكن المذهب قابل لذلك.

الجواب

1ـ اتضح مما تقدم فساد الاستدلال بالآية المباركة بزعم أنها ذكرت قوماً بأعيانهم ويمتنع التقييد، فلا نعيد.

2ـ مرادنا من التشبيه بمن أوتي الآيات وانسلخ منها, أنّ الشخص قد يصل مرتبة عالية في العلم والعمل, لكن ذلك غير عاصم له من الانحراف, وقد اتّضح أنّ صحابياً قد قاتل بين يدي رسول الله’ ولكن كان مصيره النار, وأنّ آخر قد أحبط الله جهاده مع رسول الله’، على ما صرّحت به السيّدة عائشة([90]).

على أنّ بعض الآراء السنيّة ترى أنّ الآيات التي أوتيها ذلك الشخص، وهو بلعم بن باعورة، هي النبوّة([91])! فعجباً لأمّة تجيز الانحراف على الأنبياء, وتقبل وترضى أن يكون ختامهم سوء, ولا تقبل ذلك على بعض الصحابة!!

3ـ ويتضح من مجموع ما تقدم واقعية المذهب الشيعي وموضوعيته, فليس هو بوابة لهدم الدين، كما زعمت؛ لأنّ من يفسّر القرآن على رأيكم، ثمّ يقرأ تاريخ الصحابة وما حصل بينهم، سوف يشكّك في كون هذا القرآن من الله؛ لأنّه يخالف الواقع, ومن هنا يتّضح أيّ مذهب يكون بوابة لهدم الدين؟!

وأخيراً نقول: إنَّ هذه العقلية التي أضحت رهينة وأسيرة لمرتكزات غير صحيحة، لن تدرك الواقع على ما هو عليه ما لم تقرر الانعتاق من ذلك الأسر؛ لتزيح عنها الظلام، وترى الواقع بعين العدل والإنصاف، نسأل الله لكم الرشاد والتوفيق.

الآية الخامسة: للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم

قال سبحانه وتعالى: {لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأموالهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً وَيَنْصُـرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ * وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالإيمان مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ *وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ولإخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإيمان ولا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاً لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ}([92]).

ذكرنا لكم أنّ الآية لا تشمل جميع الصحابة, بل هي في صنف خاص من المهاجرين والأنصار؛ وذلك لأنّها قيّدت المهاجرين بثلاث قيود: الفقر, والإخراج من الديار, ونصرة الله ورسوله’, كما أنّها قيّدت الأنصار بثلاث قيود: الذين تبوّءوا الدار والإيمان, يُحبّون من هاجر إليهم..., ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة.

وهنا نودّ إضافة شيء مهم وهو: من الواضح والمعروف أنّ كتاب الله كتاب متكامل غير متناقض, ويفسّر بعضه بعضاً, فلو كانت الآيات السابقة شاملة لجميع الصحابة, وغير مقيّدة بحسب زعمكم! فما معنى أن يقيّد المهاجرين والأنصار هنا بعدّة قيود, فمادام جميعهم قد وقع الثناء عليهم وجميعهم (رضي الله عنهم) ووعدهم بالجنّة, فهل القرآن متناقض؟! أم أنّه يفسر بعضه بعضه, وما يتوهم فيه من الإطلاق في الآيات السابقة غير صحيح!

فالنظرة الشاملة للقرآن, تدلّك أنّ تفسير الشيعة لآيات القرآن هو أدقّ وأصحّ ممّا يدّعيه أهل السنّة.

هذا، وقد أجبتم على ما أوردناه حول الآية بعدّة أمور منها:

قلتم: هل الخلفاء الثلاثة مشمولون بالآية؟

1ـ قلتم في ص220: هل وجد من المهاجرين من تمتّع بهذه الصفات... وهل أبو بكر وعمر وعثمان وبقيّة عظماء الصحابة منهم..وإذا كانوا فيهم فقد تحقق فيهم قوله تعالى: {أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ} وهو وصف ثناء ومدح ثابت إلى أن يلقوا الله...

الجواب

أوّلاً: من الواضح أنّك تختصر الصحابة بمجموعة معيّنة لا تتجاوز عدد الأصابع, وتسمّيهم بعظماء الصحابة, وهذه دعوى لا دليل عليها لا من القرآن, ولا من السنّة, ولا يساعد عليها التاريخ, فهل من يفرّ من الزحف, أو من يقاتل خليفة زمانه, ويهرق دماء الأبرياء, يكون من عظماء الصحابة!

ثانياً: هذه الآية ـ كسابقتهاـ لم تسمّ أشخاصاً بأعيانهم، بل أعطت مواصفات, فمن توفرت فيه هذه المواصفات, كان مشمولاً بها وهو محلّ احترام وتقدير, فعليك أن تلاحظ الصفات التي ذكرتها الآية, ثمّ تبحث عن مصاديقها في الواقع، وقد قلنا في الآية السابقة: إن إثبات المصداق الخارجي بنفس عموم الآية ممتنع وغير صحيح؛ لذا فلا يمكن قبول ما ذكرته من أسماء للصحابة بأنهم هم محط نظر الآية, بل عليك إثبات أن تلك الصفات موجودة فيهم مسبقاً بدليل آخر غير الآية؛ لكي تدعي ثانياً أنهم مشمولون بهذه الآية، ومن ثم ترتّب على ذلك أنهم هم الصادقون.

على أنه يوجد الكثير من الصحابة ممّن ضحى بكلّ شيء من أجل الدين والرسالة, فمثلاً كان بنو جحش من مقدّمة المهاجرين, وكانوا من الفقراء، هاجروا جميعاً بنسائهم إلى المدينة، وتركوا بيوتهم وقد استولى عليها أبو سفيان, فما المانع من شمولهم بالآية, أم أنّ الآية بنظرك لا تستقيم إلاّ إذا شملت من هم في ذهنك فقط؟

قلتم: الله أمر الصحابة أن يكونوا مع المهاجرين

2ـ قلتم: إنّ الله عزّ وجلّ قال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ}([93]). وهذا أمر من الله للصحابة عموماً ممّن لم يكن منهم أن يكون معهم, فإنّ الله سبحانه قد أخبرهم أنّ هؤلاء المهاجرين الأولين (صادقون) فعرفوهم، ثمّ أمرهم أنْ يكونوا معهم؛ ممّا يؤكد أنّهم سيعيشون على الحقّ والصدق. وقد كان علي بن أبي طالبL منهم, عاش معهم ولم يخرج عنهم.

الجواب

أوّلاً: أنّ الآية قيّدت المهاجرين بثلاث قيود ومع تحقق هذه القيود ينطبق عليهم وصف الصادقين, ومن لا تنطبق عليه الصفات والقيود غير مشمول بالآية أساساً, فالله تعالى يصدّق إيمانهم فيما لو كانوا على الصفات المذكورة.

ثانياً: قد اختلف في تفسير آية: { وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ} وأحد الآراء المذكورة في كتب التفسير عندكم أن المقصود منها هو ما ذهبتم إليه من أنها تخاطب من آمن بالله من أهل الكتاب: أي، يا أهل الكتاب كونوا مع المهاجرين والأنصار واصدقوا مثل صدقهم، فقد ذكر ابن أبي حاتم في تفسيره خمسة احتمالات في دلالة الآية([94]).

لكن الأقرب لظاهر الآية أن يكون المعنى ـ كما اختاره صاحب الكشاف ـ كونوا مع الذين صدقوا في دين الله، نيةً وقولاً وعملاً، أو مع الذين صدقوا في إيمانهم ومعاهدتهم لله ورسوله على الطاعة([95])، وهذا خطاب ـ كما ترىـ لجميع المؤمنين، سواء أكانوا في عصر النبي’ أم بعده، فليس نظر الآية مقتصر على عصر المهاجرين والأنصار.

على أننا نعتقد أن الصادقين هنا لا بد وأن يكونوا متصفين بالعصمة، بملاحظة أن الله تعالى لم يقيد الصادقين بقيد خاص، فيلزم أن يكونوا معصومين في أقوالهم وأفعالهم, فإنّ الكون معهم يعني اتّباعهم والاقتداء بهم، ولا يمكن صدور الأمر باتّباع من يجوز عليه الخطأ والزلل, وكذلك تدلّ على وجود الصادقين في كلّ زمان ولا يمكن اختصاصهم بزمن معيّن؛ لأنّ الأمر جاء لجميع المؤمنين في جميع أزمانهم وأماكنهم بأن يكونوا مع الصادقين, فلا بدّ من وجود الصادقين في كل زمان ليتمكن المؤمنون من الكون معهم والرجوع إليهم.

 ولهذه النكتة المهمة وهي عصمة الصادقين ووجودهم في كل زمان توجه الفخر الرازي، ولم ينكر ذلك، إلاّ أنّه فسر الصادقين بمجموع الأمّة, ولم يفسره بشخص المعصوم([96]), وهذا غير صحيح؛ لأنّه يلزم منه اتّباع الإنسان لنفسه واتحاد التابع والمتبوع, فإنّ جزء الأمّة عليه اتّباع جميع الأمّة وهو داخل فيها, مع أنّ الآية ظاهرة في تغاير التابع والمتبوع، فتأمل.

ثالثاً: صحيح أنّ عليّاً× قد عاش معهم, لكن لم يكن على وئام مع جميعهم, وكان كلّ هدفه الحفاظ على وحدة المسلمين, مراعياً بذلك مصلحة الإسلام العليا, ولذلك لم يدّخر وسعاً في بيان الأحكام وحلّ المعضلات التي كانت تواجه الخلافة آنذاك, وقد بيّنا مراراً أنّه كان على خلاف مع أبي بكر وعمر, كما أنّه أشار إلى إمامته وخلافته في حدود ما وسعه ذلك.

قلتم: هل الأنصار الذين آووا مفلحون؟

3ـ قلتم في ص220: الأنصار الذين آووا: هل تحقّق فيهم حكم الله عز وجلّ, ووعده بأنّهم (مفلحون) وهل وجد من توافر فيهم هذه الصفات منهم أم لا؟

الجواب

لطالما استخدمت أسلوب المماطلة بالحوار, فبعد أن تعييك الحيلة في إثبات أنّ الآيات تشمل جميع الصحابة، تحوّل الحوار إلى مجموعة أسئلة لا قيمة علميّة لها؛ لأنّ الغرض منها هو الفرار من الموضوع, وحيث إنّ القارئ عرف جيّداً عقيدتنا بعدالة الصحابة التي تستند على احترام وإجلال الكثير من الصحابة، وقد أشرنا إلى بعض منهم سابقاً, فلا تبقى قيمة لأسئلتك هذه, لكن يبقى السؤال الأساس لا نرى جواباً له منكم وهو: أين الدليل على عدالة جميع الصحابة من القرآن؟! فكلّ الآيات المتقدّمة، حتى لو سلّمنا بدلالاتها المدّعاة جدلاً فهي تتكلّم عن المهاجرين والأنصار فقط, أما إثبات شمولها لجميع الصحابة فهو أمر صعب جداً.

أمّا نحن فبحمد الله عقيدتنا واضحة في مسألة عدالة الصحابة, وأدلّتنا على ذلك جليّة, وكلّ من يقرأ هذا الكتاب سيصل إلى نتيجة قطعيّة بأنّ نظرية عدالة الصحابة أجمع لا نصيب لها من الصحّة, والقرآن والروايات والتاريخ على خلافها.

قلتم: كيف نميز بين الأنصار والمنافقين؟

4ـ قلتم في ص220: هل يمكن معرفة الأنصار وتمييزهم عن المنافقين أم لا يمكن...؟

الجواب

عرفنا فيما سبق أنّ مجموعة من المهاجرين والأنصار قد ثبتوا على الدين الحقّ, ولم يُبدّلوا ولم يُغيّروا, كما أنّ عدداً منهم قد استشهد بين يدي النبي’ في حروبه, ونحن نُجلّ جميع أولئك, ونحبّهم في الله؛ لذلك نحن لا نرى كلّ الأنصار أو كلّ المهاجرين منحرفين كما تدّعي, بل ثبت عندنا عدالة عدد كبير منهم وقد أشرنا إلى بعضهم سابقاً, والسؤال الذي تفضلت به, لا بدّ أن يوجّه إليك؛ لأنّه على مبناكم من أن كلّ من رأى النبي’، ولو لم يره النبي’، فهو عادل ومحلّ احترام وتقدير مهما فعل؛ لأنّه متأول في ذلك. وعلى هذا المبنى الضعيف، كيف تفرّقون بين المنافق وغيره، مادام الصالح والطالح سواء، والكل مغفور لهم؟ فمن الطبيعي أنّه لا يمكن التمييز بين المنافق ما لم ينكشف وغيره؛ فالجميع عدول ببركة الرؤية السحرية للنبي’ ولو للحظة قصيرة.

قلتم: هل صار الصحابة غير مفلحين بسبب الوصيّة؟

5ـ قلتم في ص221: بعد أن توفي النبي’ هل بقي هؤلاء صادقين مفلحين أم تغيّروا بسبب الوصيّة.

الجواب

لا تعتقد الشيعة أن جميع الصحابة قد أنكروا الوصيّة، كما تحاول أن توهم القارئ مراراً, وتقدّم ما يدلّ على ذلك, ومن توفرت فيهم الصفات القرآنيّة والشرائط المذكورة فهم عندنا محلّ تقدير وإجلال, لكنّ الآية تتحدّث عن ثلّة لا عن مئة ألف صحابي!

قلتم: كيف تعرف الدين من دون الصحابة؟

6ـ قلتم: إذا سددت على نفسك باب الثقة فيهم, هل تستطيع أن تعرف الدين, القرآن الذي كتبوه والسنّة التي نقلوها؟

الجواب

لم ندّع أنّ جميع الصحابة منحرفون, بل نؤمن بعدالة ووثاقة عدد كبير منهم, على أنّ معرفة الدين والقرآن لا تقتصر على طريق الصحابة, بل نرى أن أهل البيت^ هم من يستطيع بيان حقائق الدين الواقعية؛ لأنهم هم الذين يمثلون المرجعية الدينية للمسلمين بعد وفاة النبي’، وتلك المرجعية الدينية نرى أنّها ثابتة بالقطع واليقين؛ للروايات الصحيحة التي نقلتها كتب الفريقين، ولما جاء في الذكر الحكيم من الآي العديدة التي تدل على ذلك.

قلتم: هل الدين الذي نشره الصحابة حقّ أم باطل؟

7ـ قلت في ص221: إذا فقدنا الثقة فيهم, فهل الدين الذي نشروه وفتحوا به البلاد وهدوا به العباد, هل هو دين حقّ أم باطل؟ وهل هذه البلدان التي فتحوها وأسلم أهلها على أيديهم بلدان إسلامية أم لا؟

الجواب

لا شك في أن الدين إذا كان المقصود به مجموع الاعتقادات الأساسية، والتي أحدها الإيمان بالله تعالى وبرسوله’، فنحن نعتقد أن كل من تشهد الشهادتين فهو مسلم محترم الدم والعرض والمال، وهذا المعنى من الدين هو حق بلا شك، بغض النظر عمن شارك في الفتوحات الإسلامية، وساهم في نشره.

وأمّا ما يتعلق بخصوص من شارك في تلك الفتوحات فإنه لا يلزم أنّ كل من أشترك فيها كان مخلصاً لله في جهاده, وإن كان العمل لذاته هو عمل محبوب عند الله, لكنّ الأجر والثواب مترتب على نية المرء, ولا يكفي العمل إذا كان لغير وجهه, وقد ذكرنا أنه جاء في صحيح البخاري: «أنّ الله ليؤيّد هذا الدين بالرجل الفاجر»([97]).

الآية لا تشمل الطلقاء والأعراب والمتهمين بالنفاق

كنا قد ذكرنا في حوارتنا معكم بأنّ الاستدلال بهذه الآية على أنَّ القرآن أثنى على الصحابة جميعاً، والذين ربَّما جاوز عددهم المائة ألف؛ إنما كان غفلة عن مفاد الآيات, فأين الثناء على لفيف من المهاجرين والأنصار والتابعين لهم، من الثناء على الطلقاء والأعراب وأبناء الطلقاء والمتهمين بالنفاق؟! وبكلمة أوضح: على تقدير أن مديح الآية يشمل جميع الصحابة، فهل يعقل أن تشمل مثل الطلقاء وأبنائهم، والأعراب، والمتهمين بالنفاق؟

وقد أجبتم بعدّة أمور، نذكر خلاصتها:

قلتم: سورة الحشر ذكرت ثلاثة أقسام

أوّلاً: قلتم: إنّ هذه الآية الخامسة من سورة الحشر قد ذكرت ثلاثة أقسام: مهاجرين وأنصاراً وأتباعاً!

الجواب

ما ذكرتموه ليس بمهم، فلم يكن هنا في كلامك شيء جديد، فالآية قد ذكرت أقساماً ثلاثة، وكل قسم ذكرت معه أوصافاً وشروطاً، والمدح والثناء إنما كان وفق تلك الأوصاف والشروط لا مطلقاً.

قلتم: الأمّة بأسرها اختارت تعظيم الصحابة

قلتم: إن الأمة بأسرها اختارت تعظيم الصحابة, وهي أكثر من مليار مسلم, والشيعة لا تمثل إلاّ جزءاً يسيراً، وقد اختاروا تكفير جميع الصحابة أو تضليلهم باستثناء أربعة أشخاص؛ لأنّ هؤلاء لم ينفذوا الوصية الموهومة... فمن هو الصادق يا ترى؟

الجواب

1ـ لا دليل يدل على أنّ الفريق الأكثر يمثّل الحق دائماً وكيفما كان, بل المعيار في الحقانية هو صحة دليل كلّ فريق, والكثرة بما هي كثرة غير نافعة بشيء في هذه الأمور, لذا قال الله سبحانه وتعالى: {وَأكثرهُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ}([98]) وقال: {وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ}([99]).

2ـ إنّ القول بعدالة جميع الصحابة من عدمه غير مرتبط بمسألة الوصية فقط, بل إنّ هناك انحرافات عديدة وقعت منهم لا تمت للوصيّة بصلة, فما علاقة الوصيّة بفسق المغيرة بن شعبة حين وجد مستبطناً لأمّ جميل؟([100]), ثم ما علاقة الوصيّة بخالد بن الوليد حين قتل الصحابي مالك بن نويرة ونزا على زوجته؟([101])، وما علاقة الوصيّة بلعن رسول الله’ للحكم وطرده من المدينة؟([102])، وما علاقة الوصيّة بالفئة الباغية التي ترأسها معاوية؟ وما علاقة الوصيّة بعصيان الصحابة للنبي’ في مسألة الإفطار؟([103])، وما علاقة الوصيّة بفرار الخليفة عمر يوم أحد, وما علاقة الوصيّة بشكّ الخليفة عمر يوم الحديبية بالنبوة؟([104]), وما علاقة الوصيّة بفرار الصحابة يوم حنين؟([105]), وما علاقة الوصيّة بمن سرق وزنا وقتل الأبرياء؟.

 فمسألة عدالة الصحابة أجمع غير متوقفة على مسألة الوصيّة، كما هو واضح.

3ـ نعيد ـ وأعدنا مراراً ـ إنّ الوصيّة ليست موهومة كما تدّعي, بل عليها أدلة واضحة؛ وسوف يأتي الحديث عن الوصية لاحقاً، فانتظر.

قلتم: الخلاف مع الشيعة ليس في الطلقاء والأعراب

ثالثاً: ذكرتَم أنّ الخلاف مع الشيعة ليس في الطلقاء والأعراب المتهمين بالنفاق، وإنّما في جميع الأصناف الثلاثة، فأين في كتب الشيعة تزكية لأحد هذه الأصناف بأعيانهم, فيسمّى أبو بكر بعينه, وعمر بعينه, وعثمان بعينه, وإخوانهم الآخرون.

الجواب

1ـ لا يقتصر الصحابة على من ذكرت، فليس من الصحيح اختزال الصحابة في شخصية أبي بكر وعمر وعثمان، أفليس جعفراً الطيار صحابياً, وحمزة صحابياً, وسهل بن حنيف صحابياً, وأبو ذر صحابياً, والمئات الذين قاتلوا مع علي في حروبه من البدريين والمهاجرين والأنصار كلّهم من الصحابة؟

 فلماذا تختزل الصحابة بأفراد معيّنين! على أنّ الخليفة عثمان قتله الصحابة أنفسهم, ومنعوا من دفنه في مقبرة المسلمين, فدفن في حش كوكب, وهي مقبرة مخصصة لدفن اليهود!!

2ـ ثمّ هل لك أن تعترف أنّ في الطلقاء جماعة غير عدول وتتنازل عن المناط في عدالة الصحابة وهي الرؤية؟ فإذا أقررت بأنّ الصحابة العدول غير شاملين للطلقاء وأبنائهم, فستكون خطوتَ خطوة إيجابية نحو توحيد النظر والاعتماد على الأدلّة العلمية.

3ـ إنّ النفاق غير منحصر بالأعراب, بل وجود المنافقين بدأ من العصر المكّي ثم المدني، على ما تقدّم بيانه.

قلتم: الطلقاء والأعراب قد يكون بعضهم عدولا

رابعاً: قلتم: الطلقاء وأبناء الطلقاء والأعراب إذا حسُن إيمانهم واستقامت أخلاقهم فلا يمنع القول بعدالتهم...

الجواب

ونحن نقول ذلك أيضاً، فكلّ من يثبت منهم أنّه قد حسن إسلامه، واستقامت سيرته، وأخلص النيّة والعمل، فهو عادل له احترامه وتقديره.

قلتم: المتهمون بالنفاق ليسوا من الصحابة

خامساً: قلتم: المتهمون بالنفاق ليسوا من الصحابة, ولا يطلق أهل السنَّة عليهم هذا الوصف، ولا يخفى المنافق من المؤمن إلاّ عند جاهل أو سيئ النية، فأين في دواوين الأمّة المسلمة وصف منافق واحد بأنّه مؤمن؟

إنَّ هذه الدعوى: أنَّ الآيات تُعدّل مُتّهمين بالنفاق، من أقبح الدعاوى.

الجواب

1ـ لقد خفي المنافقون حتى على النبي’ بنصّ القرآن: {وَمِنْ أهل الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ}([106])، فماذا يعني اتهامك لمن يخفى عليه المنافقون بالجهل وسوء النيّة؟!

2ـ كلّ من تظاهر بالإسلام من المنافقين، ولم ينكشف حاله، فهو صحابي، على مبناكم, وتكنّون له الاحترام والتقدير، وهذا من نتائج نظرية عدالة الصحابة أجمعين أكتعين!!

3ـ دواوينكم مملوءة بذكر أعداد الصحابة؛ اعتماداً على الرؤية فقط, من دون تفحص عن الحال, وهذا يعني أنّها لم تفرز المنافق من غيره!

4ـ نحن لا نقول إنّكم تصفون المنافق بالإيمان, لكن نقول إنّ لازم قولكم بعدالة كلّ من رأى النبي’، بضميمة أنّ الكثير من المنافقين لم ينكشف حالهم, يكون ـ بلا شك ـ أن مجموعة من المنافقين واقعاً، هم عندكم من الصحابة العدول.

5ـ تعريفكم للصحابي وتعديله على ضوء رؤيته للنبي’ فحسب، يؤدي إلى القول بأنّ مدح القرآن لمن كانوا مع النبي’ هو مدح حتى للمنافقين منهم, فالدعوى هي دعواكم وليست دعوانا؛ لأنّنا لا نرى أنّ القرآن يمتدح الجميع, بخلاف رأيكم. فتدبر!!

قلتم: القرآن قسّم المؤمنين إلى مهاجرين وأنصار ومتّبعين بإحسان

قلتم في رسالتكم: أرأيت هذا التقسيم العجيب لطوائف المؤمنين: مهاجرون، أنصار، متّبعون يحبّونهم ويدعون لهم ولا يكرهونهم.

أين مكان الإمامية هنا؟ وأين مكان أهل السنّة؟

الجواب

قد أجبنا على قولكم: (مهاجرون)، بأنّ الصحيح: المهاجرون الأولون السابقون، وقولكم (أنصار): بأنّ الصحيح والسابقون الأولون من الأنصار.

وقولكم (متّبعون يحبّونهم..) والصحيح: {والذين جاؤوا من بعدهم يقولون ربّنا اغفر لنا..}.

وأجبنا على قولكم: «أين مكان الإمامية هنا, وأين مكان أهل السنّة؟» بأنّ الطائفتين لا يشملهما خطاب الآية المباركة؛ لأنّ المراد بالتابعين هم بقية الصحابة في عصر النبوّة.

 على أنه لا يوجد تناقض بين الطائفتين، كما تحاول إبراز ذلك، فأهل الشيعة وأهل السنة كلاهما من المسلمين الأوائل، نعم يختلفون في مسألة خلافة علي× والقول بوصايته ومرجعية أهل البيت الدينية والسياسية بعد وفاة النبي’, فلا يصحّ مع هذا إبرازهما على أنّهما طائفتين متناقضتين.

وأجبتم على كلامنا بعدّة أجوبة ذكرتموها في كتابكم نشير إلى أهمّها:

قلتم: عقيدة الشيعة لا تنسجم مع عدالة الصحابة

أوّلاً: ذكرتم بأنّ تصحيحنا للمقصود من المهاجرين والأنصار في الآية: بأنّه لا بأس به, وتساءلت بأنّه هل يمكن أن تذكر لنا من هم هؤلاء المهاجرين السابقين والأنصار السابقين؟ ثمّ ذكرت كلاماً مفاده: أنّ عقيدة الشيعة تضاد عقيدة أهل السنّة, ولا يمكن للشيعي أن يعرف الفضل لهؤلاء إلاّ على سبيل التقيّة, والخلاف بين الشيعة والسنّة أساسي وليس فرعياً.

الجواب

تقدّم مراراً بأنّنا نجلّ الكثير من المهاجرين والأنصار، وذكرنا لك أسماء كوكبة من الرعيل الأول، فلا نعيد.

 ولا نرى أنّ في العقيدتين تضاداً، كما تقول, فإنّ الشيعة والسنّة يشتركون بجملة كبيرة من العقائد والفروع, فالكلّ يؤمن بالله, والنبي محمد’, وباليوم الآخر, ويؤمن بالصلاة, والصوم, والحج, والأمر بالمعروف, والنهي عن المنكر, بل لعلّ الخلافات الفقهية بين الشيعة والسنّة هي أقلّ ممّا بين المذاهب الأربعة أنفسهم, فلو نُزع الغلّ من بعض القلوب لأمكن أن نوحّد الرؤى في كثير من الأمور, ويعيش المسلمون في وئام وسلام, فكلّ إنسان يؤمن بما أملاه عليه الدليل والبرهان, والكلّ محترم عند أخيه, وحق التعايش يضمن للجميع الحرية شريطة عدم التجاوز وإهانة الغير.

 فبدلاً من محاولة توسيع رقعة الخلاف, علينا أن نسعى لتضييقها بقدر ما نستطيع, فمسؤوليتنا جسيمة أمام الله تعالى, وهذا التراشق المستمر لا يؤدي إلاّ إلى تفريق المسلمين, وتفتيت قوتهم, بل ويجعلهم أضحوكة أمام خصومهم الحقيقيين, فنتمنى أن تكون هذه الكتب قد كتبت ضدّ من يكذّب بأصل الدين, ولا يؤمن بالنبي محمد’, ويتربص بالمسلمين الدوائر, نسأل الله أن يأخذ بأيدينا وأيديكم إلى ما فيه خير وصلاح, {رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاًّ لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ}.

قلتم: عجبا كيف تنسجم الأخوّة مع الكره؟

ثانياً: كنا قد ذكرنا قولك في تفسير الصنف الثالث من الآية: {والذين جاءوا من بعدهم... الآية} حيث فسرتم هذا الصنف الثالث الذي تعرضت له الآية بأن المقصود منه: متبعون: يحبون الصحابة ويدعون لهم ولا يكرهونهم، فأين مكان الإمامية هنا، وأين مكان أهل السنة؟

ونحن كنا قد تحفّظنا على هذا التفسير، وقلنا إن الصحيح أن الآية ذكرت: { الَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ }، فقلتم: هذا تصحيح عجيب، وهل يمكن أن يعتقد إخوّته لهم, ثمّ يدعو لهم بالمغفرة, وهو يكرههم, أليس هذا دليلاً على أنّ قلوب الشيعة قد حرمت من حبّ عظماء الأمّة... لأنّ عقيدة الوصيّة تلاحقهم عند كلّ موقف؟!

الجواب

إنّما العجب في جوابكم!! فنحن إنّمّا صحّحنا العبارة؛ التزاماً منا بالقيود التي ذكرها القرآن, ولم ندّع أنّ الأخوة والدعاء لا تلازم المحبّة, على أنّ الشيعة يحبّون الصحابة الذين توافرت فيهم الشروط القرآنية, ويدعون لهم بالمغفرة, ويثمنون جهودهم, وكلماتك لا تمثل سوى دعاوى ليس عليها دليل, وعقيدة الوصيّة لا تتنافى مع حبّ الصحابة المخلصين الذين ضحوا بالغالي والنفيس في سبيل إعلاء كلمة الدين.

قلتم: دعوى عدم دخول الطائفتين في الآية مردودة

ثالثاً: ذكرت في ص225 بأنّ دعوى الطائفتين غير داخلتين بالآية مردودة, وأوردت أقوال بعض المفّسرين على أنّ المراد من قوله تعالى: {وَالَّذِينَ جَاؤُو مِن بَعْدِهِمْ} هم التابعون لهم إلى يوم القيامة, وقلتَ: إنّ بعض المفسّرين ذكر أنّ المراد بالذين جاءوا من بعدهم في عصر النبوّة، ولكن الجمهور في خلاف ذلك, وهو الذي يظهر لنا صحّته.

الجواب

1ـ إنّك اعترفت بأنّ بعض مفسري أهل السنّة يرى عدم شمولها للطائفتين, واختصاصها بعصر النبوّة.

2ـ على فرض شمولها لجميع التابعين إلى يوم القيامة، فسوف لن يتغيّر من الواقع شيئاً؛ لأنّنا قررنا أنّ الآية غير شاملة لجميع الصحابة, بل ولا لجميع المهاجرين والأنصار, بل هي مخصوصة بمجموعة منهم، ضمن شرائط معيّنة، قد ذكرناها سابقاً, ومن هنا فإنّ التابعين الذين يدعون لإخوانهم، الذين سبقوهم بالإيمان، إنما يدعون لمجموعة خاصة منهم، ممن حاز على تلك الشرائط والصفات، وموقف الشيعة من هؤلاء موقف الحبّ والود والدعاء لهم بكلّ خير, فالآية شاملة للشيعة أيضاً ولا تقتصر على أهل السنة، مع فارق أن أهل السنة يدعون للجميع بلا استثناء، سواء عادلهم أم فاسقهم.

قلتم: الوصيّة غير صحيحة في كتب الفريقين

ثالثاً: ذكرتم في ص226: بأنّه يستحيل أنْ يلتقي الطائفتان مع تصديق (خرافة الوصيّة)... ثم ادعيتم بأنّ الوصيّة لا تصحّ، لا من كتب السنّة ولا من كتب الشيعة ولا من تاريخ الصحابة؛ لأنهم عاشوا متحابين, ولا من معرفتنا من علي، فإنّه ليس جباناً ولا خائناً لربّه ولا لرسوله’ بحيث يجبن عن إعلان الحق...

الجواب

1ـ إنّ الوصيّة في كتب الشيعة فاقت حدّ التواتر, فإنكار صحّتها غير ممكن.

2ـ إنّ الوصيّة في كتب السنّة أيضاً ثابتة وصحيحة, وجاءت أحياناً بلفظ الوصيّة وأخرى بألفاظ عامّة، كحديث الثقلين والسفينة وغيرها, وهناك أخبار عديدة وردت في علي× لا تقبل تفسيراً آخر غير تنصيبه إماماً وخليفة على المسلمين, وسيأتي بحث الأخبار المصرّحة بلفظ الوصيّة لاحقاً، فانتظر([107]).

3ـ ما ذكرته عن الإمام علي× من أنه لم يصرّح بحقه! غير صحيح، فعلي×، مع حرصه الشديد على وحدة المسلمين وعدم تفريق كلمتهم؛ حفاظاً منه على كيان الإسلام, إلاّ أنّه لم يسكت عن بيان حقّه, وأنّ الخلافة له دون غيره, وقد تقدّم بيان ذلك، فلا نعيد([108]).

قلتم: لو كانت هناك وصية لا يمكن أن يُجمع الصحابة على نفيها

رابعاً: ذكرتم كلاماً طويلاً جاء فيه أنّه لو كانت هناك وصيّة بمعنى الإمامة، فلماذا يجمع قرابة عشرة آلاف صحابي على كتمها أو الامتناع عن تنفيذها...؟ ولماذا يوصي أبو بكر إلى عمر فيطيع الناس أبا بكر وقد عصوا الرسول من قبل, ثمّ عمر يوصي إلى ستّة ولا يستنكر مستنكر... وعلي يقبل أن يدخل ضمن مرشحين للخلافة ولم يعترض؟... ثمّ ذكرت أنّ فاطمة طالبت بنصيبها من الإرث ولم تغضب على اغتصاب الإمامة... ثم هذا علي بقي مع الصحابة مؤتماً بهم, ومستشاراً لهم, مزوجاً منهم, ومتزوجاً من سبيهم, مسمياً أولاده بأسمائهم...

الجواب

1ـ كلامك يتضمن مجموعة من الدعاوى، وكلها فاقدة للدليل والإثبات العلمي, فعليك أن تأتي بدليلك على ما تقول؛ ليتمّ مناقشته.

2ـ اعتمدت في كلّ كلامك على عقيدتك المسبقة, وما تناولته كتب أهل السنّة فقط, وكنا قد ذكرنا مراراً أنّها حجّة عليكم وليست بحجّة علينا، كما أننا ذكرنا سابقاً أن الإمام× لم يسكت عن حقه، وقد بيّن الظلم الذي لحقه، فراجع ما ذكرناه.

أما ما يؤيد ذلك من كتبنا، فهو ما ذكره المفيد من تصريح علي× بغصب الخلافة منه, ولوعته من ذلك, ومن انتقالها إلى عمر, ثمّ ما جرى بعد وفاة عمر من الشورى، قال في الإرشاد: «وروى جماعة من أهل النقل من طرق مختلفة، عن ابن عباس، قال: كنت عند أمير المؤمنين× بالرحبة، فذكرت الخلافة، وتقدّم من تقدم عليه فيها، فتنفس الصعداء، ثم قال: أَمَ واللَّهِ لَقَدْ تَقَمَّصَهَا ابْنُ أَبِي قُحَافَةَ، وإِنَّهُ لَيَعْلَمُ أَنَّ مَحَلِّي مِنْهَا مَحَلُّ الْقُطْبِ مِنَ الرَّحَى، يَنْحَدِرُ عَنِّي السَّيْلُ ولا يَرْقَى إِلَيَّ الطَّيْرُ، لَكِنِّي سَدَلْتُ دُونَهَا ثَوْباً، وطَوَيْتُ دُونَهَا كَشْحاً، وطَفِقْتُ أَرْتَئِي بَيْنَ أَنْ أَصُولَ بِيَدٍ جَذَّاءَ أَوْ أَصْبِرَ عَلَى طَخْيَةٍ عَمْيَاءَ، يَهْرَمُ فِيهَا الْكَبِيرُ ويَشِيبُ فِيهَا الصَّغِيرُ، ويَكْدَحُ فِيهَا مُؤْمِنٌ حَتَّى يَلْقَى رَبَّهُ، فَرَأَيْتُ الصَّبْرَ عَلَى‏ هَاتَا أَحْجَى، فَصَبَرْتُ وفِي الْعَيْنِ قَذًى وفِي الْحَلْقِ شَجًا مِنْ أَنْ أَرَى تُرَاثِي نَهْباً. إِلَى أَنْ حَضَرَهُ أَجَلُهُ فَأَدْلَى بِهَا إِلَى عُمَرَ، فَيَا عَجَباً بَيْنَا هُوَ يَسْتَقِيلُهَا فِي حَيَاتِهِ إِذْ عَقَدَهَا لآخَرَ بَعْدَ وَفَاتِهِ، لَشَدَّ مَا تَشَطَّرَا ضَرْعَيْهَا.

شَتَّانَ مَا يَوْمِي عَلَى كُورِهَا

  ويَوْمُ حَيَّانَ أَخِي جَابِرٍ

فَصَيَّرَهَا واللَّهِ فِي نَاحِيَةٍ خَشْنَاءَ، يَجْفُو مَسُّهَا، ويَغْلُظُ كَلْمُهَا، فَصَاحِبُهَا كَرَاكِبِ الصَّعْبَةِ إِنْ أَشْنَقَ لَهَا خَرِقَ وإِنْ أَسْلَسَ لَهَا عَسَفَ، يَكْثُرُ فِيهَا الْعِثَارُ ويَقِلُّ مِنْهَا الاعْتِذَارُ، فَمُنِيَ النَّاسُ، لَعَمْرُ اللَّهِ، بِخَبْطٍ وشِمَاسٍ وتَلَوُّنٍ واعْتِرَاضٍ، إِلَى أَنْ حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ فَجَعَلَهَا شُورَى بَيْنَ جَمَاعَةٍ زَعَمَ أَنِّي أَحَدُهُمْ، فَيَا لَلشُّورَى ولِلَّهِ هُمْ، مَتَى اعْتَرَضَ الرَّيْبُ فِيَّ مَعَ الأَوَّلَيْنِ مِنْهُمْ حَتَّى صِرْتُ الآنَ أُقْرَنُ بِهَذِهِ النَّظَائِرِ، لَكِنِّي أَسْفَفْتُ إِذْ أَسَفُّوا، وطِرْتُ إِذْ طَارُوا، صَبْراً عَلَى طُولِ الْمِحْنَةِ وانْقِضَاءِ الْمُدَّةِ، فَمَالَ رَجُلٌ لِضِغْنِهِ وصَغَا آخَرُ لِصِهْرِهِ مَعَ هَنٍ وهَنٍ، إِلَى أَنْ قَامَ ثَالِثُ‏ الْقَوْمِ نَافِجاً حِضْنَيْهِ بَيْنَ نَثِيلِهِ ومُعْتَلَفِهِ، وأَسْرَعَ مَعَهُ بَنُو أَبِيهِ يَخْضَمُونَ مَالَ اللَّهِ خَضْمَ الإِبِلِ نِبْتَةَ الرَّبِيعِ، إِلَى أَنْ نَزَتْ بِهِ بِطْنَتُهُ وأَجْهَزَ عَلَيْهِ عَمَلُهُ، فَمَا رَاعَنِي مِنَ النَّاسِ إِلا وهُمْ رَسَلٌ إِلَيَّ كَعُرْفِ الضَّبُعِ يَسْأَلُونَنِي أَنْ أُبَايِعَهُمْ، وانْثَالُوا عَلَيَّ حَتَّى لَقَدْ وُطِئَ الْحَسَنَانِ وشُقَّ عِطْفَايَ، فَلَمَّا نَهَضْتُ بِالأَمْرِ نَكَثَتْ طَائِفَةٌ ومَرَقَتْ أُخْرَى وقَسَطَ آخَرُونَ، كَأَنَّهُمْ لَمْ يَسْمَعُوا اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ:‏{تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُها لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ ولا فَساداً والْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ‏}، بَلَى واللَّهِ لَقَدْ سَمِعُوهَا ووَعَوْهَا ولَكِنْ حُلِّيَتْ دُنْيَاهُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ ورَاقَهُمْ زِبْرِجُهَا، أَمَا والَّذِي فَلَقَ الْحَبَّةَ وبَرَأَ النَّسَمَةَ، لَوْ لا حُضُورُ النَّاصِرِ ولُزُومُ الْحُجَّةِ بِوُجُودِ النَّاصِرِ ومَا أَخَذَ اللَّهُ عَلَى أَوْلِيَاءِ الأَمْرِ أَلا يَقِرُّوا عَلَى كِظَّةِ ظَالِمٍ أَوْ سَغَبِ مَظْلُومٍ، لأَلْقَيْتُ حَبْلَهَا عَلَى غَارِبِهَا، ولَسَقَيْتُ آخِرَهَا بِكَأْسِ أَوَّلِهَا، ولأَلْفَوْا دُنْيَاهُمْ أَزْهَدَ عِنْدِي مِنْ عَفْطَةِ عَنْزٍ<([109]).

فهذه كلمات علي×ـ بالإضافة إلى ما ذكرنا سابقاً ـ تتنافى مع ما ذكرته أنت من قبول علي× وسكوته, وعيشه معهم, مؤتماً بهم, مستشاراً لهم.

 والذي دفعك إلى هذا؛ عدم تمييزك بين التضحية في سبيل حفظ الإسلام والدين وتقديم المصلحة العليا على الحقّ الفردي, وبين القبول بالواقع برضاً وطاعة. فعلي× لم يكن راضياً, ولم يكن ساكتاً, لكنّ الظرف آنذاك أجبره أن يضحّي بحقه، وأن يتكلّم في حدود بيان الحقّ من دون أن يفرق كلمة المسلمين أو يضعف وحدتهم, وقد عرفنا مراراً ما جرى بينه وبين الشيخين من خلاف شديد موثقاً من كتبكم، فلا نعيد. كما تقدّم مفصلاً ما يتعلق بسكوت الإمام من عدمه، فراجع([110]).

3ـ ما يتعلّق بالسيدة فاطمة÷, فقد تقدّم([111]) أنّها طالبت بالإمامة, ولم تسكت, ولم تبايع أبا بكر, حتّى ماتت وهي غاضبة عليه.

4ـ ذكرنا مراراً أنّ عامّة المهاجرين والأنصار كانوا لا يشكون في أنّ الخلافة لعلي×, فقولك بسكوت عشرة الآلاف من الصحابة لا نصيب له من الصحة.

5ـ تقدّم إشهاد علي للناس على توليته من قبل الرسول’, وشهد له ناس كثير من الصحابة بذلك.

6ـ كررنا مراراً أنّ مسألة عدالة الصحابة غير متوقفة على مسألة الوصيّة فقط, وبيّنا عصيان الكثير من الصحابة بأمور أخرى, كما لا يخفى عليكم.

7ـ ما يتعلق بتسمية الأسماء والزواج، تقدّم بيانه([112]).

قلتم: الوصيّة إن كانت بمعنى الإمامة فهي مكذوبة

خامساً: أجبت على كلامنا بأنّ أهل السنّة خالفوا وصيّة النبي’ في أهل بيته، بما حاصله: أنّ الوصية إنْ كان المراد منها الإمامة فهي مكذوبة, وإن كان مرادكم أنّهم يكرهون أهل البيت ولا يعرفون فضلهم فهذه دعوى باطلة.

الجواب

1ـ الوصيّة حقيقة ثابتة, وليست خرافة, وسيأتي بيان ذلك.

2ـ حبّ أهل البيت لا يجتمع مع حبّ أعدائهم وقتلتهم, فالحبّ الذي تذكرونه هو حبّ نظري افتراضي فقط، وليس له نصيب من الواقع, يقول العلامة السقاف: «وقد نصّ على محبة العترة جمهور أهل السنة والجماعة، لكنَّها بقيت مسألة نظريَّةً، لم يُطبِّقها كثيرون، فهي مفقودة حقيقة في أرض الواقع، وهذا ممَّا يؤسَف له جد الأسف، وقد حاول النواصب، وهم المبغضون لسيدنا علي رضوان الله عليه ولذريـته ـ وهم عترة النبـي (ص) الأطهار ـ أنْ يصرفوا الناس عن محبـة آل البيـت، التي هي قُربـة من القُرَب، فوضعوا أحاديث في ذلك، وبنوا عليها أقوالاً فاسـدة، منـها: أنّهم وضـعوا حديث: (آل محمد كل تقي)، وحديث: (أنا جدّ كلِّ تقي)... ونحو هذه الأحاديث التي هي كذب من موضوعات أعداء أهل البيت النبوي...»([113]).

قلتم: الفتن التي حدثت لم تكن عن عمد

سادساً: قلت: إنّ الأحداث التي وقعت في صدر الإسلام فهي فتن, لم يتعمدها من شارك فيها من الصحابة.

الجواب

أثبتنا سابقاً أنّ الصحابة كانوا عامدين في قتالهم لعلي×, حتّى بعد أن لاحت لهم علائم النبوة, فهم مبغضون له×, وقد ثبت أيضاً أنّ عليّا كان يُسَبّ على المنابر من قبل معاوية وأتباعه من بني أميّة، فلا نعيد.

قلتم: الشيعة كيف يحترمون الصحابة وهم يعتقدون بخيانتهم؟

كنا قد ذكرنا لكم ـ كخلاصة لبحث الآيات المادحة ـ: إلى هنا تبيّن مفاد الآيات، وأنها لا تفيد مدحاً وثناءً لجميع الصحابة فرداً فرداً، بل الثناء مختص بمن اجتمعت فيه مواصفات خاصة, واتضح أنّ الإمامية لا تخالف هذه الآيات, ولا تبغض الصحابة كما تُصوّرْ ذلك، ولكنها لا تعتقد بعدالة الكلّ، وترى إنّ وزانهم كوزان التابعين.

وأجبتم في ص229 بما حاصله: أنّ هذه الدعوى لا يمكن قبولها مادامت الشيعة تعتقد بخيانة الصحابة, وأنّهم خالفوا وصيّة رسول الله’... وقلتم: لو اعتقدتم عدالتهم لقبلتم رواياتهم, ولو قبلتم رواياتهم لانتقضت عقائدكم.

الجواب

 الشيعة لا تعتقد بخيانة الصحابة جميعاً، وقد عرفنا أّنّه لا دليل على عدالة الصحابة أجمع، فنحن نعتقد بعدالة جمعٍ كبير منهم، لكن ليس جميعهم؛ لذا من صحت راوية عادلهم فلا مانع من التمسك بها, ولا يلزم من ترك رواية فاسقهم انتقاض العقيدة. أما إمامة أهل البيت^ فهي ثابتة بالقرآن والروايات الصحيحة عند الفريقين.

آيات آخرى أدعي دلالتها على عدالة الصحابة

إلى هنا انتهينا من بحث الآيات التي وردت في رسالتك وصارت محلاً للبحث والحوار بيننا, واتّضح أنّها لا تدلّ على عدالة جميع الصحابة, بل ولا على عدالة جميع المهاجرين والأنصار، فرداً فرداً.

 ورأيناك قد أضفت آيات جديدة في كتابك لم تكن مطروقة ضمن البحث الذي دار بيننا, وقد وضعتها في الكتاب بعد الانتهاء من بحث الروايات, ولكي يكون البحث متسلسلاً بصورة منطقيّة, ارتأينا أن نقدّم البحث عنها لتكون ضمن سلسلة الآيات السابقة, ثمّ نعود بعد ذلك لبحث الروايات.

الآية الأولى: وكذلك جعلناكم أمة وسطا

 قال تعالى:{وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً}([114]).

الكلام يقع في أمرين

الأول: ما يتعلّق بدلالة الآية.

الثاني: الإشكالات حول الآية.

الأمر الأول: دلالة الآية

 من الواضح الجليّ لكلّ مسلم أنّ الآية تمتدح الأمّة الإسلامية جمعاء, وتصفها بالأمّة الوسط, أي الأمّة المعتدلة في كلّ شيء, فلا إفراط ولا تفريط, ولا تقصير ولا مغالاة, فهي أمة وسط لا تدعو للمادية المحضة ولا للرهبنة، بل تدعو إلى كمال الروح وإلى المادة معاً، كلٌّ بقوانين مقننة, فسعادة الإنسان تتحقق بجمعه كلا الكمالين, الكمال الروحي والكمال المادي, فالآية تبيّن أنّ الأمّة الإسلامية أمّة وسط ومعتدلة في كلّ شيء, ولا يوجد في الآية أي نظر إلى أشخاص معيّنين, بل هي ناظرة إلى عنوان الأمّة بما هي أمّة؛ إذ من الواضح أنّ الأمّة تضمّ كثيراً من الأفراد الذين لا ينطبق عليهم الوسط, فالوسطية هو نعت ووصف للأمّة كاملة, وهي تشمل مجتمع الصحابة والتابعين وتابعي التابعين وإلى يومنا هذا.

قال الجصّاص: «هو خطاب لجميع الأمة: أولها وآخرها، من كان منهم موجوداً في وقت نزول الآية ومن جاء بعدهم إلى قيام الساعة، كما أن قوله تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ} [البقرة: 183] وقوله: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ} [البقرة: 87] ونحو ذلك من الآي خطاب لجميع الأمة، كما كان النبي (صلّى الله عليه وسلّم) مبعوثاً إلى جميعها: من كان منهم موجوداً في عصره ومن جاء بعده، قال الله تعالى: {إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا * وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُّنِيرًا} [الأحزاب: 45]، وقال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ} [الأنبياء: 107]. وما أحسب مسلماً يستجيز إطلاق القول بأن النبيّ× لم يكن مبعوثاً إلى جميع الأمة أولها وآخرها، وأنه لم يكن حجة عليها وشاهداً، وأنه لم يكن رحمة لكافته»([115]).

وحينئذٍ, حتّى لو فسرنا الوسطيةّ بالعدالة, فلا يمكن أن تدلّ هذه الآية على عدالة جميع الصحابة؛ لأنّها شاملة لجميع الأمّة بالخطاب, فالاستدلال بها يفضي إلى القول بعدالة جميع أفراد الأمّة الإسلامية! فإنْ كانت تدل على العدالة, لزم عدالة الجميع عندئذٍ, وهو باطل بالبداهة, وإن قلنا إنّها لا تدلّ فلا نزاع بيننا.

نعم, كلّ مجتمع فيه العدول, وفيه الفساق والمنحرفين, ومجتمع الصحابة كغيره من المجتمعات, ضمّ نخباً من الصحابة يتزيّن ويفخر التاريخ بذكرهم, فقولنا بعدم دلالتها على عدالة الصحابة جميعاً لا يعني نفي القول بعدالة الكثير منهم, فنحن نعتقد أنّ في الصحابة عدولاً وكذا فيهم غير العدول, وقد وافقنا جملة من علماء أهل السنّة على ذلك، كما تقدم.

الأمر الثاني: الإشكالات حول الآية:

ذكرت كلاماً طويلاً في ص 238ـ 240 حاصله:

قلتم: المفسرون فسروا الوسط بـ (العدل)

1ـ إنّ المراد من الوسط: العدل، وقلتم: وقد أجمع المفسرون على هذا المعنى: أنّهم فسّروا الوسط بالخيار والعدل.

الجواب

دعوى الإجماع مجازفة لا ينبغي صدورها منك, قال الطبري: «وأنا أرى أنّ الوسط في هذا الموضع هو الوسط الذي بمعنى الجزء الذي هو بين الطرفين، مثل وسط الدار، محرك الوسط مثقله، غير جائز في سينه التخفيف، وأرى أن الله،تعالى ذِكْرُه، إنما وصفهم بأنهم وسط؛ لتوسطهم في الدين، فلا هم أهل غلو فيه غلو النصارى الذين غلوا بالترهب وقيلهم في عيسى ما قالوا فيه، ولا هم أهل تقصير فيه تقصيرَ اليهود الذين بدلوا كتاب الله وقتلوا أنبياءهم وكذبوا على ربهم وكفروا به، ولكنهم أهل توسط واعتدال فيه، فوصفهم الله بذلك، إذ كان أحب الأمور إلى الله أوسطها»([116]).

وقال النسفي: «{أمّة وسطاً}: خياراً، وقيل: للخيار وسط؛ لأنّ الأطراف يتسارع إليها الخلل، والأوساط محمية، أي: كما جعلت قبلتكم خير القبل جعلتكم خير الأمم أو عدولاً؛ لأنّ الوسط عدل بين الأطراف ليس إلى بعضها أقرب من بعض، أي: كما جعلنا قبلتكم متوسطة بين المشرق والمغرب، جعلناكم أمّة وسطاً بين العلو والتقصير، فإنكم لم تغلو غلو النصارى حيث وصفوا المسيح بالألوهية ولم تقصروا تقصير اليهود حيث وصفوا مريم بالزنا وعيسى بأنه ولد الزنا»([117]).

فالنسفي فسّر الخيار والعدل بمعنى الوسطية, فالخطاب موجّه للأمّة كأمّة, لا بلحاظ الأفراد فرداً فرداً.

وربّ قائل يقول: إنّ هذا في النتيجة مدح للأمّة, ولا بدّ أن يدخل فيه مجموعة من الأفراد, وإلا سيكون خالياً من محتواه, فإنّ الأمّة مجموعة من الأفراد, وإذا كان الخطاب يشمل مدحاً للأفراد كان للصحابة منه نصيب, وبذا يبطل قول الشيعة بعدم عدالة الصحابة!

نقول: هذا الكلام صحيح فيما إذا كانت الشيعة تعتقد بعدم عدالة الصحابة فرداً فرداً, فسيكون المجتمع الأوّل حينئذ خالياً من أهل الخير والعدول, إلاّ أنّ هذا القول وهمٌ، وفي أذهان أهل السنّة فقط, ولا نصيب له من الواقع, فإنّ الشيعة تجلّ الكثير من الصحابة, وغير متوقف الأمر على أربعة أشخاص، كما يدّعى, فكيف لمتجرئ أنْ يقول إنّ الشيعة تؤمن بعدالة أربعة, مع أنّ الشهداء الذين سقطوا بين يدي الرسول يفوق ذلك العدد بكثير, والشهداء محلّ تقدير واحترام وإجلال, وكيف له أن يتجرّأ ويقول ذلك وأنّ أكثر من ثمانمائة من الصحابة كانوا مع علي في حروبه! وهكذا فإنّ الشيعة تحترم وتقدّر جهود الكثير من الصحابة, إلاّ أنّها لا تقول بعدالة كلّ صحابي, بل فيهم الطالح وفيهم المؤمن الورع التقي.

قلتم: هل يدخل في خطاب الآية خيار الصحابة؟

2ـ قلتم: إنّ هذا الخطاب كان موجهاً لجيل الصحابة, فهل يدخل فيه هذا الجيل المؤمن أم لا، وخاصّة خيارهم أبا بكر وعمر وعثمان وعليّ وسعد بن أبي وقّاص والزبير بن العوام... الخ أفاضل الصحابة أم لا؟

الجواب

هذه الدعوى أشبه بالمصادرة([118]), فإنّك تريد أن تثبت بعموم خطاب الآية أنها شاملة لخيار الصحابة، مع أن هذا يتوقف على إثبات أن هؤلاء الخيار هم فعلاً كذلك، لكن من خارج الآية، أي بدليل آخر، ونحن نتكلّم عن خصوص الآية بما هي, وهل تدلّ بذاتها على عدالة جميع الصحابة وأنهم أخيارٌ أم لا؟ فلو افترضنا مسبقاً عدالة الصحابة؛ فلا معنى لأن نستدل بهذه الآية على عدالتهم وكونهم أخياراً, وقد عرفنا فيما تقدّم أنّ الآية غير ناظرة إلى الأفراد, بل هي توصف الأمّة بصورة عامّة.

قلتم: ما هو الدليل على عدم دخول خيار الصحابة في الآية؟

3ـ ذكرت بأنّه لو قلتم بدخولهم ـ أي أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وسعد و... ـ فقد وافقتم الأمّة، وإنْ قلتم: لا، فما هو الدليل؟

الجواب

هذه مصادرة ثانية، فالأصل عدم ثبوت عدالة الشخص أو فسقه، ونحن نتحاور على الدليل على العدالة، فالسؤال يوجه لك, وعليك بإتيان الدليل على العدالة, والآية أجنبية عن تحديد الأفراد وتشخيصهم.

 وبعبارة أخرى: نحن نتحاور في الآية ومقدار دلالتها على عدالة الصحابة, وعرفنا أنّها ناظرة إلى الأمّة الإسلامية بصورة عامّة, وغير ناظرة إلى الأفراد, فلا يمكن إدخال فرد معيّن إلاّ بدليل خاص؛ لأنّ الأصل عدم العدالة, وإذا دلّ دليل من الخارج صار الاستدلال به لا بالآية.

قلتم: الصحابة لم يرووا الوصية وعلي أنكرها

4ـ ذكرتم: بأنّه إذا كان الدليل على عدم شمول أبي بكر وعمر وعثمان في الآية هو دليل الإمامة، قلنا: من روى هذا الحقّ، فإنْ قلتم: الصحابة، قلنا: هم رووا أنّه لم يوص إليه بشيء، وإنْ قلتم: علي روى ذلك، قلنا: قد روى أنّه لا حقّ له, وروايات إبطال الوصيّة أصحّ سنداً من تلك التي تزعم إمامته...

الجواب

أـ إقحامك للإمامة هنا إقحام غير موفّق؛ لأنّ الآية أساساً غير ناظرة للأفراد, فلا نحتاج إلى دليل خاص ـ كدليل الإمامة ـ لإخراجهم, بل نحتاج إلى دليل لإدخالهم، باعتبار أنّ الأصل عدم العدالة، كما تقدّم, فالآية أجنبيّة عن شمول الأفراد, وإذا حاولتم إدخالهم بدليل آخر فسيكون الكلام في ذاك الدليل، ولا دخل لهذه الآية به.

ب ـ أمّا الإمامة فقد رواها الصحابة ورواها أهل البيت^ ورواها علي×, وهي مروية في كتب الشيعة والسنة، بأدلّة صحيحة ومعتبرة, نعم في خصوص كتب أهل السنة يوجد أيضاً ما دل على نفي الإمامة، ولكن هذا النفي قد انفردوا به؛ ولهذا لا يمكن تقديمه على ما روي من الفريقين؛ لأنّ ما انفردتم به حجّة عليكم دون غيركم.

وبعبارة ثانيّة: إنّ ما نستدلّ به على الإمامة إنّما هو ثابت في كتبنا وكتبكم، فيكون حجّة علينا وعليكم, أما ما يخالف الإمامة ـ كما تدعي أنت وجوده ـ فهو في كتبكم فقط، ولا يمكنكم الاحتجاج به على غيركم لنفيها؛ إذ أن الأدلة المجمع عليها تثبت الإمامة، فليس من الصحيح ادعاء كذبها، أو أنها معارضة بما دل على نفيها من رواياتكم فقط.

قلتم: الثناء على الأمّة يتنافى مع كون أوّلها فاسقين

5ـ ذكرتم بأنّه كيف يُثني الله تعالى على الأمّة واصفاً إياها بالخير والعدل، ثم يكون أوّلها فسقة ظلمة؟

الجواب

كلامك مبني على القول بفسق جميع الصحابة, وهذا محض افتراء لا يقول به أحد, وتقدّم بيانه في الجواب رقم واحد، فراجع.

قلتم: القول بعدالة أربعة من الصحابة فقط فيه اتّهام لله

6ـ ذكرت، موهماً القارئ، بأنّنا نقول بعدالة أربعة من الصحابة فقط, وأنّ هذا يستلزم اتّهام الله تعالى؛ لأنّه أثنى بلفظ الكثرة, فينخدع الناس بتعظيمهم وتعديلهم, وهم على خلاف ذلك!

الجواب

 تقدّم ما يتعلّق بذلك في رقم واحد أيضاً، فراجع.

الخلاصة

تبيّن أنّ هذه الآية كسابقاتها لا تدلّ على عدالة جميع الصحابة, ويبقى القول بعدالة الجميع قاطبة محض ادعاء لا دليل عليه, بل القرآن والسنّة والواقع على خلافه.

الآية الثانية: كما أرسلنا فيكم رسولا منكم

 قال تعالى: {كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولاً مِنْكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آَيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ}([119]).

قلتم: هل تحقّقت نعمة الامتنان بالتزكية أم لا؟

ذكرت في ص240: بأنّ الآية امتنان على الأمّة وفي مقدمتهم الجيل الأول, ومن أنواع الامتنان أنّ رسول الله يزكّيهم, أي يطهرهم, فهل تحقّقت هذه النعمة، فزكّاهم أم لا؟!

الجواب

1ـ هذه الآية تتحدّث عن وظائف النبي’، ومنها التزكية, بأنْ يعلّمهم الأخلاق الفاضلة ليتحلّوا بها, ويزجرهم عن الأمور الرذيلة لكي يجتنبوها, ولا شك في أنه قد تحلّى بالإيمان وحسن الخلق قومٌ منهم, في حين لم يتحلّ آخرون, بل منهم من ارتدّ بعد وفاته’, والبعض أساء له في حياته, والبعض قتل الأبرياء بغير حقّ, والبعض اتّهم السيدة عائشة بالفاحشة, والبعض ارتكب الزنا, والبعض شرب الخمر, فهل تعدّ هؤلاء ممّن تحققت بحقّهم التزكية حتماً، ومع ذلك قاموا بهذه الأفعال؟

فاستدلالك غريب وأجنبي عن مفاد الآية, وإليك بعض أقوال المفسّرين في معنى {ويزكيكم}:

قال مقاتل: «{وَيُزَكِّيكُمْ}: يعني ويطهركم من الشرك والكفر»([120]).

قال الواحدي: «{وَيُزَكِّيكُمْ}: أي يعرضكم لما تكونوا به أزكياء من الأمر بطاعة الله تعالى»([121]).

وقال الثعلبي: «{وَيُزَكِّيكُمْ} أي يُعلّمون من الأحكام وشرائع الإسلام»([122]).

وقال البيضاوي: {يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ}: يحملكم على ما تصيرون به أزكياء»([123]).

وقال الثعالبي: «{وَيُزَكِّيكُمْ}، أي: يطهركم من الكفر، وينميكم بالطاعة»([124]).

وقال أبو السعود: «{وَيُزَكِّيكُمْ} عطف على (يتلو) أي: يحملكم على ما تصيرون به أزكياء»([125]).

وقال الآلوسي: «{وَيُزَكِّيكُمْ}: أي: يطهركم من الشرك، وهي صفة أخرى للرسول، وأتى بها عقب التلاوة؛ لأن التطهير عن ذلك ناشئ عن إظهار المعجزة لمن أراد الله تعالى توفيقه»([126]).

وكما ترى, فإنّ هذه التفاسير تؤكّد أنّ النبي’ يقوم بوظيفة التزكية، من خلال تعليمهم التوحيد والأحكام وشرائع الإسلام, أمّا العمل بهذه التعاليم وتحول الإنسان إلى إنسان طاهر عامل بما يرضي الله, فذلك يعود إلى الأشخاص أنفسهم, فمنهم من صلح عمله, ومنهم من ساء, قال تعالى: {فإن تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ البلاغُ الْمُبِينُ}([127]). وقال: {إِنْ أَنْتَ إلاّ نَذِيرٌ}([128]). وقال:{فإن اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ}([129]).

والخلاصة: أنه لا ملازمة بين القيام بوظيفة تزكية النفوس وبين تحقق نتائج تلك التزكية حتماً في نفوس كل فرد منهم.

2ـ إنّ الآية غير مختصّة بجيل الصحابة, بل شاملة للأمّة أجمع، فالنبي’ بُعث لكلّ الأمّة, ولم يُبعث لجيل دون جيل, فهل ترى أنّ الآية تدلّ على عدالة جميع أفراد الأمّة؟! مع أنّنا نرى فسّاق الأمّة وجهّالها أكثر من عدولها ومتعلميها, فهل تنسب هذا النقص والخلل إلى الرسول’ أم إلى الأمّة, فكما نرى اليوم أنّ هناك تقصيراً في إيمان الأمة وأعمالها الصالحة, والكثير من أفرادها، مع كونه مسلماً, إلاّ أنّه غير ملتزم بالشرع الحنيف, فكذلك الصدر الأوّل، فيهم العدل الملتزم بتعاليم الله, وفيهم المنحرف, فالنبيّ’ قام بوظيفته على أتمّ وجه, لكن لا يلزم من ذلك أنّ الأمّة ستلتزم بكلّ تعليماته, ولذا نرى القرآن يصرّح ويقول: {وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ}([130]) ويقول: {وَأكثرهُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ}([131]), ويقول: {لَقَدْ جِئْنَاكُمْ بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أكثركُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ}([132]).

الآية الثالثة: كنتم خير أمة أخرجت للناس

قال تعالى: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آَمَنَ أهل الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأكثرهُمُ الْفَاسِقُونَ}([133]).

قلتم: إجماع المفسرين على دخول الصحابة في هذه الآية

ذكرتم في ص241: بأنّ المفسرين أجمعوا على دخول الصحابة في هذه الآية؛ لأنّهم بين من خصّها بالمهاجرين من مكّة إلى المدينة, وبين من قال إنّ ذلك جميع الأمّة, والظاهر أنّ الجيل الأول كان له النصيب الأوفر... والله قد أطلق الثناء بضمير الخطاب, فهل يعقل أن يثني على الأمّة مخاطباً أولها بقوله: {كنتم} ولا يشمل الخطاب إلاّ أربعة, والبقيّة إما كفّار مرتدّون, وإمّا ظلمة فسّاق.

الجواب

1ـ ما يتعلّق بعدالة جميع الصحابة, تكلّمنا عنه كثيراً, ولم نخصّ العدول بأربعة, وقد تقدم في آية {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً} ما يتعلّق بالموضوع، في النقطة رقم (1) فراجع, ومعه لا يبقى لاستدلالك محل؛ لأنه مبني على القول بفسق أو كفر جميع الصحابة، وهو باطل.

2ـ إنّ الخطاب سواء جاء موجّهاً إلى الأمّة بكاملها, أو كان مختصّاً بالمهاجرين, فهو لا يدلّ على عدالة جميع الصحابة, ولا عدالة جميع المهاجرين؛ وذلك لأنّ الخطاب غير موجّه للأفراد فرداً فرداً, بل المقصود أن الأمّة بمجموعها هي أفضل الأمم ـ وأقول بلحاظ المجموع لا الجميع ـ وذلك لا ينافي وجود فسقة ومنحرفين فيها كما هو حالها اليوم, على أنّ الراجح عندنا هو شمولها للأمّة وعدم اختصاصها بالمهاجرين, وهو الذي ذهب إليه ابن كثير([134])، فواضح أنّها لا تدلّ على عدالة الصحابة قاطبة, ولا عدالة جميع المهاجرين, لأنّه حتّى لو قلنا بشمولها للأفراد, فسيكون لازم القول بعدالة جميع المهاجرين هو القول بعدالة جميع أفراد الأمة, وهو خلاف الواقع, ولا يلتزم به أحد.

3ـ إنّ الآية الكريمة اشترطت شرطين في كون الأمّة أفضل الأمم, ولم تطلق, وهذان الشرطان هما الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر, والإيمان بالله, فإذا انتفى أحد هذين الشرطين انتفت الخيرية والأفضلية, قال القرطبي: {تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ}: مدح لهذه الأمّة ما أقاموا ذلك واتصفوا به، فإذا تركوا التغيير وتواطئوا على المنكر زال عنهم اسم المدح, ولحقهم اسم الذم، وكان ذلك سبباً لهلاكهم»([135]).

فالآية، إذن, لا تحكم بعدالة أحد، وليست هي في مقام بيان تلك العدالة، بل تقرر شرطاً مهمّا لو عمل به الصحابة أو التابعون أو الذين يأتون بعدهم لصاروا خير الأمم؛ ولهذا عبرت الآية بلفظ: {كنتم}، فأين هذا الكلام من تعديل جميع الصحابة أو جميع المهاجرين؟

ولعلّك تقول: إنّ هذا الوصف قد تحقق في المهاجرين، فهم مشمولون بالآية.

قلنا: إنما الكلام في تحقق الوصف في الجميع، وهو يحتاج إلى دليل, وكلامنا عندئذ سوف يكون مع ذاك الدليل, وموضوعنا الفعلي هو دلالة الآية على عدالة جميع الصحابة, واتّضح عدم تماميته.

الآية الرابعة: لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح

قال تعالى: {لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلاً وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ}([136]).

قلتم: هذا الوعد الإلهي غير مختص بأربعة صحابة

ذكرتم في ص242: بأنّ الآية نصّت على فضل من قاتل من الصحابة، وأنفق من ماله لنصرة دينه قبل فتح مكّة, أو حادثة الحديبيّة على قول, وعلى من فعل ذلك بعد الفتح, مع وعد كلّ منهما بالحسنى وهي الجنّة.

ثم تساءلتم: هل هذا الوعد لجماعة كبيرة أم لأربعة فقط؟ وهل يدخل فيها أبو بكر وعمر وعثمان أم لا!؟ وإنْ قيل لا, فما هو الدليل؟ ثمّ لو قال شخص إنّهم غير داخلين لا هم ولا عليL فما هو الجواب؟ فإنْ قيل: الدليل من السنّة أنّ عليّاً منهم, قيل: وكذلك السنّة تدلّ على أنّ هؤلاء منهم؟

الجواب

نحن في كثير من إشكالاتك وكلماتك مضطرون لمسايرتك فيها، مع أن التكرار الممل أمسى صفة لها، وهي مرتكزة في جُلها على أسس هشة، أبرزها أن الشيعة يبغضون ويكرهون كل الصحابة، ولا يؤمنون بعدالتهم إلا أربعة منهم، وهو كلام واهٍ وضعيف ولا أساس له من الصحة، وهنا نكرر ونقول أيضاً:

لقد تقدّم البحث عن هذه الآية سابقاً, وتبيّن أنّها غير مختصّة بالصحابة جميعاً, فالقول بعدالة من أنفقوا وجاهدوا قبل الفتح من دون قيد أو شرط يستلزم القول بعدالة كلّ من أنفق وجاهد في سبيل الله في كلّ زمان ومكان, حتّى وإنّ انحرف ولم يثبت على الحق, وهذا لا يلتزم به أحد, وقد عرفنا هناك أنّ السيّدة عائشة صرّحت بأنّ زيد بن أرقم قد أُحبط جهاده في سبيل الله بسبب فتواه بالرأي في مسألة العينة([137])، وكذلك فإنّ صحابياً أبلى بلاء حسناً في الجهاد مع رسول الله’, إلاّ أنّه دخل النار بسبب انتحاره وعدم تحمله الجراح, وهذا يدلّك أنّ الإنفاق والقتال في سبيل الله لابدّ أن يكون مقيّداً بالثبات على الإيمان والعمل الصالح.

فتلخّص: إنّ الآية غير ناظرة إلى عدالة الصحابة, بل تفيد المفاضلة في الأجر والثواب بين من أنفق وجاهد في سبيل الله قبل الفتح, ومن أنفق وجاهد في سبيل الله بعده, فإنّ هؤلاء وعدهم الله الحسنى, أي الثواب والأجر على عملهم, وقد تقدّم تفصيل ذلك فلا نعيد.

أضف إلى ذلك: إنّ الإنفاق والقتال تارة يكون في سبيل الله, وتارة يكون لطلب الشهرة, أو لبيان معالم الشجاعة والكرم, وما إلى ذلك من الدواعي, ومن الواضح أنّ الممدوح منها ما كان قتالاً وإنفاقاً في سبيل الله خاصة, فالوعد بالحسنى لمن أخلص عمله لله دون غيره, ولنا أن نتساءل: هل هذه الآيات شاملة لمن فرّ من الزحف، كما حصل في أكثر من معركة, وهل شاملة لمن كان سعيه وراء الغنيمة، كما حصل لجمع من الصحابة يوم أحد؟ وهل شاملة لمن أخبر النبي’ بدخولهم النار أمثال أبي الغادية([138]), وسمرة بن جندب([139]), وكركرة([140]) مولى رسول الله’ وأضرابهم.

على أنّنا نعتقد بدخول مجموعة كبيرة من الصحابة في الآية, ولا نخصّها بأربعة، كما تزعم دائماً, فكم من الصحابة مَن استشهد بين يدي الرسول’, وكم من استشهد مع علي أمير المؤمنين, وكم من بقي ثابتا صلباً على إيمانه؟

أمّا مسألة دخول أفراد معيّنين من عدمه, فهو أمر خارج عن الآية, ولا بدّ أنْ يثبت بدليل آخر، كما أوضحنا سابقاً, فإنّ دلّ الدليل على شخص بأنّه أنفق وقاتل وثبت على الإيمان والعمل الصالح فهو مشمول بالآية, وإلاّ فهو غير مشمول.

والسنّة النبويّة دلّت على شمول عليّ× باتّفاق الفريقين, فلا يمكن لأحد أن يدّعي عدم شمولها له, وتقدّم منّا مراراً أنّ الاحتجاج من كلّ فريق لا بدّ أن يكون مستنداً إلى ما صحّ عند الفريق الآخر, أمّا ما صحّ عند كلّ فرقة فهو حجّة عليها دون غيرها, لذا فنحن نلزمك بما في صحيح البخاري ومسلم وغيرها, ولا يمكنك أن تلزمنا بها؛ لأنّنا لا نعتقد بصحّة جميع ما فيها.

وعليه، فإنْ كان مرادك من السنّة التي دلت على دخول عدد من الصحابة في الآية هي السنّة المتّفق عليها بين الفريقين, أو السنّة الصحيحة بما في كتبنا, فنحن نلتزم وإيّاكم بشمولهم في الآية, وإنْ كنت تقصد السنّة الصحيحة عندكم فقط, فهي ليست بحجّة علينا.

 على أنّ الأدلة متوفرة في كتبكم التي يمكن الاستدلال به على عدم شمول عدد كبير من الصحابة في آيات المدح والثناء، لما جرى منهم من معاصي وذنوب وانحرافات, وتقدّم الكثير من ذلك في طيّات البحث.

الآية الخامسة: لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة

قال تعالى:{لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إذ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً}([141]).

قلتم: أخبر الله عن رضاه عن المبايعين

ذكرتم في ص243: ما ملخّصه: إنّ الله أخبر عن رضاه عن هؤلاء المؤمنين, وإذا رضي الله عن شخص أو قوم فإنّه لا يسخط عليهم؛ لأنّ رضاه دليل على استمرارهم على الإيمان.

 وختمت كلامك على عادتك: بأنّه كيف يخاطب الله تعالى الصحابة بهذه الألفاظ ويكون المراد ـ بحسب اعتقاد الشيعة ـ أربعة أشخاص؟

الجواب

ابتداءً نقول: الرضا في الآية لا بد أن يحمل على الثواب والجزاء، وهذا الجزاء يكون على العمل؛ لأن الرضا إذا نسب إلى الله تعالى كان بمعنى الثواب، وليس بمعنى الصفة الطارئة على النفس؛ لاستحالة ذلك على الله تعالى، ومن هنا نقول:

1ـ من المحتمل أنّ (إذ) ظرفيّة زمانية، فيكون الرضا مختصّاً بزمن البيعة, أي أنّ الله رضي عنهم وأثابهم حين قاموا بهذا العمل، وهو البيعة, وبه صرّح بعض العلماء, قال الشوكاني: «أي: رضي الله عنهم وقت تلك البيعة، وهي بيعة الرضوان»([142]).

وقال ابن عطيّة الأندلسي: «{لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ} تشريف وإعلام برضاه عنهم حين البيعة، وبهذا سميت بيعة الرضوان»([143]).

2ـ حتى لو فرضنا أنّ {إذ} ليست ظرفيّة, فلا تدلّ الآية على الرضا لجميع من بايع من دون قيد أو شرط, فقد اشترط الله على المبايعين عدم النكث, والوفاء بالعهد, فقد قال عزّ من قائل: {إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً}([144]).

وهذه الآية وردت في بيعة الحديبية أيضاً، وهي دليل قاطع على أنّ الرضا مشروط بالثبات وعدم نكث البيعة, ولا يوجد رضاً مطلق لجميع المبايعين.

 قال القرطبي: «قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ} بالحديبية يا محمّد، {إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ} بيّن أنّ بيعتهم لنبيّه (صلّى الله عليه وسلّم) إنّما هي بيعة الله، كما قال تعالى: {مَّنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ}, وهذه المبايعة هي بيعة الرضوان، على ما يأتي بيانها في هذه السورة إن شاء الله»([145]).

وقال الطبري: «{إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَن نَّكَثَ فَإِنَّمَا يَنكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً}. يقول الله (تعالى ذكرُه) لنبيّه محمّد (ص): إنّ الذين يبايعونك بالحديبية من أصحابك على أن لا يفرّوا عند لقاء العدو، ولا يولوهم الأدبار إنّما يبايعون الله، يقول: إنّما يبايعون ببيعتهم إيّاك الله؛ لأنّ الله ضمن لهم الجنّة بوفائهم له بذلك»([146]).

وقال الواحدي: «{إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ} بالحديبية {إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ} أي أخذك عليهم البيعة عقد الله عليهم {يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ} نعمة الله عليهم فوق ما صنعوا من البيعة{فَمَن نَّكَثَ} نقض البيعة {فَإِنَّمَا يَنكُثُ عَلَى نَفْسِهِ} فإنّما يضرّ نفسه بذلك النكث»([147]).

3ـ إنّ فهمكم للآية لا يستقيم مع الروايات الصحيحة التي تدلّ على إمكان انحراف بعض من بايع تحت الشجرة, فقد روى مالك في موطّأه: «إنّ رسول الله قال لشهداء أحد: هؤلاء أشهد عليهم، فقال أبو بكر الصديق: ألسنا يا رسول الله بإخوانهم؟ أسلمنا كما أسلموا، وجاهدنا كما جاهدوا، فقال رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم): بلى, ولكن لا أدرى ما تحدثون بعدي، فبكى أبو بكر، ثمّ بكى، ثمّ قال: أئنا لكائنون بعدك؟».

قال ابن عبد البر: «هذا الحديث مرسل، هكذا منقطع عند جميع الرواة للموطأ، ولكن معناه يستند من وجوه صحاح كثيرة، ومعنى قوله: «أشهد عليهم) أي: أشهد لهم بالإيمان الصحيح والسلامة من الذنوب الموبقات، ومن التبديل والتغيير والمنافسة في الدنيا ونحو ذلك، والله أعلم. وفيه من الفقه دليل على أنّ شهداء أحد ومن مات من أصحاب رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) قبله أفضل من الذين تخلفهم بعده، والله أعلم, وهذا عندي في الجملة المحتملة للتخصيص؛ لأنّ من أصحابه من أصاب من الدنيا بعده وأصابت منه، وأمّا الخصوص والتعيين فلا سبيل إليه إلاّ بتوقيف يجب التسليم له...»([148]).

ومن الواضح أنّ الخطاب في الرواية موجّه للصحابة, وكان المخاطَب المباشر فيه هو الخليفة أبو بكر, فلو كان فهمكم للآية صحيحاً، لكان يُفترض أنْ يقول النبي’ لأبي بكر: كيف لا أشهد لكم، وقد رضي الله عنكم وعلم ما في قلوبكم؟

4ـ شهادة بعض الصحابة على أنفسهم بأنّهم أحدثوا وغيّروا بعد بيعة الرضوان, وأنّهم في شكّ من شمولهم في الآية, قال البخاري: «‏حدثني أحمد بن اشكاب، حدثنا محمد بن فضيل، عن العلاء بن المسيب، عن أبيه، قال: لقيت البراء بن عازب (رضي الله عنهما) فقلت: طوبى لك, صحبت النبيّ (صلّى الله عليه وسلّم) وبايعته تحت الشجرة، فقال: يا ابن أخي، إنّك لا تدرى ما أحدثنا بعده»([149]).

فلو كانت الآية شاملة لأصحاب البيعة دون شرط أو قيد, لكان المناسب من البرّاء أن يقول: نحمد الله على هذه النعمة, وأشباه هذه العبارة, لا أنّه يتّهم نفسه ويتّهم بقيّة الصحابة بالإحداث بعد رسول الله’, وهذا اللفظ لا ينسجم مع حمله على التواضع، على ما بيّناه سابقاً([150]).

 ونضيف هنا: أن المصحح للحمل على التواضع ـ والذي هو خلاف الظاهر ـ فيما لو افترضنا أن الصحابي يذكر بقية الصحابة بأنهم أحدثوا بعد النبي’ ثم يقحم نفسه معهم؛ تواضعاً، أما لو افترضنا أنه كان يتحدث عن نفسه وأنه قد أحدث بعد النبي’ ثم يُدخل معه بقية الصحابة، فحمل كلامه عندئذٍ على أنه جاء تواضعاً، لا مصحح له.

5ـ إنّ أهل السنّة يعتقدون أنّ قتلة عثمان بن عفان كانوا منحرفين آثمين، وقد عرفنا سابقاً أنَّ قائد الثوَّار المصريين، والذي كان له دور أساسيٌّ في قتل عثمان، كان الصحابي: عبد الرحمن بن عديس البلوي، وهو أيضاً ممّن بايع تحت الشجرة([151])، فهل أنّ عبد الرحمن بن عديس مشمول برضا الله, أم هو منحرف آثم! فالواقع والـتأريخ إذن يشهد بعدم صحّة تفسيركم للآية.

6ـ إنّ الصفات التي وردت فيمن رضي الله عنهم غير متوفرة في بعض ممّن بايع تحت الشجرة، فالسكينة لم تنزل على من فرّ من خيبر ـ وهي أوّل معركة جرت بعد صلح الحديبية ـ حيث فرّ أبو بكر وجماعته, ثمّ فرّ عمر وجماعته، ثمّ أعطيت الراية لرجل يحبّه الله ورسوله, ويحبّ الله ورسوله, كرار غير فرار, فكان عليّ بن أبي طالب, وكان النصر على يديه, والروايات تقدّم ذكرها سابقاً.

 ومعلوم أنّهم قد بايعوا النبي’ في صلح الحديبية على عدم الفرار! وعلى الموت!!

7ـ لقد شهد الحديبية جماعةٌ نجزم بارتكابهم المعاصي, مثل المغيرة بن شعبة, حيث عرفنا أنّه وُجد مع أم جميل في وضع فاحش([152]), وشهوده بيعة الرضوان مسلّم لا خلاف فيه, ومثل أبي الغادية الجهني الذي صرّح النبي’ بدخوله النار([153]), وقد نصّ ابن حزم على أنّه ممّن شهد بيعة الرضوان([154]).

8ـ إنّ الأجوبة أعلاه لا تعني القول بعدم عدالة جميع الصحابة, ولا تعني اختصاص العدول منهم بأربعة أشخاص فقط, بل تعني أنّه ليس جميع من حضر بيعة الشجرة قد نال الرضا الإلهي.

 ونحن نعتقد أنّ عدداً كبيراً منهم قد حصل لهم ذلك الرضا, خصوصاً إذا ما عرفت أنّ ثمانمائة ممّن بايع تحت الشجرة قد شهدوا مع علي حروبه، واستشهد منهم ثلاثمائة وستون نفساً على بعض الروايات([155]).

الآية السادسة: ولكن الله حبب إليكم الإيمان

قال تعالى:{وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الأمر لَعَنِتُّمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الإيمان وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ * فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَنِعْمَةً وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ}([156]).

قلتم: هل تحقق الامتنان الآلهي لجيل الصحابة؟

ذكرتم في ص244: بأنّ الله يمتنّ على الصحابة أنفسهم بأنّه حبّب إليهم الإيمان وزيّنه في قلوبهم... فهل تحقّق هذا لجيل الصحابة أم لا؟

فإنْ تحقّق, فهل يجوز أنْ يُتّهموا في عدالتهم ودينهم... وإذا قلتم: لم يتحقّق, فهذا رد على الله بأنّه امتنّ بما لم يقع!!

أيمتنّ الله بما لا حقيقة له! أو يمتنّ بما يعلم أنّهم سيتخلّون عنه؟

الجواب

1ـ لا بدّ من الإشارة إلى أنّ الآيتين الكريمتين جاءتا في سياق آية أخرى تذمّ فعل بعض الصحابة, حيث جاءت في سياق قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ * وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الأمر لَعَنِتُّمْ...}.

ومعلوم أنّ الصحابي الفاسق المراد بالآية هو الوليد بن عقبة، أخو عثمان لأمّه, وذلك حينما بعثه النبي’ إلى بني المصطلق لجمع صدقاتهم, فخرجوا فرحين لاستقباله, وكانت بينه وبينهم عداوة في الجاهلية, فظنّ أنّهم خرجوا لقتاله, فعاد إلى النبي’ مخبراً إيّاه بأن بني المصطلق ارتدّوا ومنعوا الزكاة، من غير أنْ يتبيّن الأمر ويتحقّق منه؛ فكان ذلك هو سبب نزول الآية المباركة، على تفصيل في القصّة ذكره أكثر المفسرين حين تعرضوا لتفسير الآية أعلاه.

وفي الآية دلالة على أنّ رؤية النبي’ ومجالسته غير كافية في كسب أولئك الأشخاص صفة العدالة، بما يستلزم الوثوق برواياتهم وأقوالهم, فإنّ فيهم الفاسق كالوليد وفيهم العادل أيضاً.

والآية محلّ البحث, ناظرة لتلك الآية, فكأنّ هناك من صدّق قول الوليد وزيّن للنبي’ قتال بني المصطلق, بل وأرادوا منه اتّباعهم فيما يَروْن.

فالآية: {وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ...} تقرّر أنّ هناك بعضاً من الصحابة منحرفين يريدون من الرسول’ أن يتّبع أقوالهم وآراءهم في كثير من الأمور, وأنّ النبي’ لو أطاعهم في هذه الأمور لأدّى ذلك إلى هلاكهم, فالآية تنبههم إلى ضرورة رجوعهم إلى النبي’ المسدّد من السماء, والإتمار بأوامره, والخضوع لتعليماته لا العكس؛ لأنّ ذلك يؤدّي إلى عذابهم وهلاكهم, ثمّ بيّن رحمته ولطفه بهم بأنه حبّب إليهم الإيمان بالله تعالى، وبغّض إليهم الكفر والفسوق والعصيان؛ ليضعهم على جادّة الهداية الحقّة.

 فالذي تطمئن له النفس هنا, أنّ المنّ والفضل المشار إليه في الآية, إنّما هو في وضع القوانين الإلهية التي توجب لمن يتمسّك بها الرشد والاستقامة، مع بيان آثار تلك التشريعات على الناس, من دون أن تكون هناك حتميّة في تطبيق جميع الناس لتلك التشريعات وسيرهم وفق تلك النظم الإلهيّة, فالله عز وجلّ حبّب إليهم الإيمان عن طريق بيان الدلائل على الإيمان والتوحيد وبيان آثارها الايجابية على الفرد والمجتمع، سواء في الدنيا والآخرة, وكرّه إليهم الكفر والفسوق والمعاصي عن طريق بيان آثارها السلبية على الفرد والمجتمع, سواء كان ذلك في الدنيا أو الآخرة, وحيث إنّ هذا المنّ وهذا الفضل، بالمعنى الذي ذكرناه، لا يختصّ بعصر الصحابة، بدليل أنّ الله سبحانه وتعالى عدل عن ضمير المخاطب إلى ضمير الغائب، فقال:{أُوْلَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ} ولم يلتزم بالضمير الذي ورد في السياق القرآني: {فيكم} {يطيعكم} {لعنتّم} {إليكم} {قلوبكم} فختم بـ {أولئك} ولم يقل: أنتم, في أشارة واضحة إلى أنّ كلّ من يلتزم بالقوانين الإلهية، من الإيمان بالله والعمل بالصالحات ويترك الكفر والفسوق والعصيان، فهو من الراشدين.

 ثمّ جاءت الآية التالية لتبيّن أنّ تلك الطرق، من بيان إيجابيات الإيمان والعمل الصالح وآثارهما المحمودة على الفرد والمجتمع، وبيان سلبيات الكفر والفسوق والعصيان, هي في الحقيقة فضل من الله ونعمة على عباده, فالله سبحانه وتعالى يهيّئ الأرضية المناسبة للهداية والرشد, فبعْثُ الرسول’ وإنزال القرآن وتبيين الشرائع والأحكام وإلقاء محبّة الإيمان والعمل الصالح في النفوس وتنفيرها من الكفر والفسوق والعصيان, هي عبارة عن توفير وتهيئة أرضية مناسبة توصل الإنسان إلى طريق الكمال والرشد, لكنّه سبحانه وتعالى أوكل في النهاية الأمر للإنسان ليختار ما يشاء, {فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ}([157]).

فالآية أجنبيّة عن القول بعدالة جميع الصحابة, بل يلزم من القول بعدالتهم في هذه الآية القول بعدالة جميع المسلمين في كلّ زمان ومكان!

وقد صرّح جملة من المفسرين بأنّ المراد من {حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الإِيمَانَ} هو بإقامة الدلائل على وحدانيته، أو بذكر الثواب والوعد الصادق, والمراد من {وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ} بذكر الوعيد والتخويف على فعله([158]).

قال السمعاني: «وقوله: {وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الإِيمَانَ} يُقال: حبّبه بإقامة الدلائل على وحدانيته وهدايتهم إليها. ويقال: حببه بذكر الثواب والوعد الصادق... وقوله: {وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ} يقال: كرّه الكفر بذكر الوعيد والتخويف على فعله»([159]).

قال مقاتل: «{وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ} للثواب الذي وعدكم {وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ} يعني الإثم {وَالْعِصْيَانَ} يعني بغّض إليكم المعاصي للعقاب الذي وعد أهله، فمن عمل بذلك منكم وترك ما نهاه عنه {أُوْلَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ} يعني المهتدين»([160]).

قال السمرقندي: «{وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ} يعني حسّنه للثواب الذي وعدكم، ويقال: دلّكم عليه بالحجج القاطعة، ويقال: زيّنه في قلوبكم بتوفيقه إياكم لقبوله، {وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ} يعني بغّض إليكم الكفر والمعاصي لما بيّنه من العقوبة»([161]).

قال العزّ بن عبد السلام: «{حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الإِيمَانَ} حسّنه عندكم، أو بما وصف من الثواب عليه {وَزَيَّنَهُ} بما وعد عليه من نصر الدنيا وثواب الآخرة، أو بدلالات صحته {وَكَرَّهَ} قبّح، أو بما وصف عليه من العقاب»([162]).

وعن الحسن: «حبّب الإيمان بما وصف من الثناء عليه، وكرّه الثلاثة بما وصف من العقاب»([163]).

فأين في هذه التفاسير من يرى ضرورة تحقّق حبّ الإيمان وكره الكفر والفسوق والعصيان في قلوب الصحابة! حتّى تعدّها دليلاً على عدالة جميع الصحابة!؟

على أنّ الآية صرّحت في صدرها بذمّ جماعة من الصحابة, وهم الذين يريدون من النبي’ أن يتّبعهم، فحتى لو تنزلنا وقبلنا تفسيركم لها, فلا يمكن شمولها للجميع. وسيأتي فيما يلي ذكر من خصّ الآية ببعض الصحابة دون جميعهم:

2ـ صرّح جملة من المفسّرين بعدم شمول هذه الآية لجميع الصحابة، وأنّ الله حبّب الإيمان لبعض الصحابة لا لجميعهم:

قال الزمخشري: «إنّ فيكم رسول الله على حالة يجبّ عليكم تغييرها, أو أنتم على حالة يجب عليكم تغييرها. وهى أنّكم تحاولون منه أن يعمل في الحوادث على مقتضى ما يعن لكم من رأي واستصواب فعل المطواع لغيره التابع له فيما يرتئيه المحتذى على أمثلته، ولو فعل ذلك «لعنتّم» أي لوقعتم في العنت والهلاك، يقال فلان يتعنت فلاناً: أي يطلب ما يؤديه إلى الهلاك، وقد أعنت العظم إذا هيض بعد الجبر، وهذا يدلّ على أن بعض المؤمنين زيّنوا لرسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) الإيقاع ببني المصطلق وتصديق قول الوليد، وأنّ نظائر ذلك من الهنات كانت تفرط منهم، وأنّ بعضهم كانوا يتصوّنون ويزعهم جدّهم في التقوى عن الجسارة على ذلك، وهم الذين استثناهم بقوله تعالى: {ولكن الله حبّب إليكم الإيمان}، أي إلى بعضكم، ولكنّه أغنت عن ذكر البعض صفتهم المفارقة لصفة غيرهم، وهذا من إيجازات القرآن ولمحاته اللطيفة التي لا يفطن لها إلاّ الخواص، وعن بعض المفسرين: هم الذين امتحن الله قلوبهم للتقوى، وقوله: {أُوْلَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ} والخطاب لرسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) أي: أولئك المستثنون هم الراشدون بصدق ما قلته»([164]).

قال البغوي: «{لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِّنَ الأَمْرِ لَعَنِتُّمْ} لوقعتم في الجهد والهلاك، وهذا يدلّ على أن بعض المؤمنين زيّنوا لرسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) الإيقاع ببني المصطلق, وتصديق قول الوليد، وأنّ بعضهم كانوا يتصونون ويزعهم جدهم في التقوى عن الجسارة على ذلك, وهم الذين استثناهم بقوله: {وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الإِيمَانَ}... {أُوْلَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ} أي: أولئك المستثنون هم الراشدون، يعنى أصابوا طريق الحق ولم يميلوا عن الاستقامة والرشد الاستقامة على طريق الحقّ, مع تصلّب فيه من الرشادة, وهى الصخرة»([165]).

وقال الطبري في تفسير ذيل الآية, أي قوله: {وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ}: «والله ذو علم بالمحسن منكم من المسيء، ومن هو لنعم الله وفضله أهل، ومن هو لذلك غير أهل, وحكمة في تدبيره خلقه، وصرفه إياهم فيما شاء من قضائه»([166]).

3ـ إنّ علماء أهل السنّة يعترفون ويقرون بصدور الكثير من المعاصي من الصحابة, وغاية ما يقولونه فيهم أنّهم تابوا, وأنّ الله غفر لهم تلك الذنوب, فكيف تفسّر إقرار علماء أهل السنّّة باقتراف الصحابة للمعاصي مع تفسيرك للمنّ بالآية, وأنّه لا بدّ أن يتحقّق لجيل الصحابة؟! فبعد أن حبّب إليهم الإيمان وكرّه إليهم الكفر والفسوق والعصيان, مع أن الواقع يشهد بوقوع الكفر والفسوق والعصيان, فكيف توّفق بين وقوع المعاصي منهم وبين تفسيرك للمنّ؟!

أما تصريح علماء أهل السنّة بوقوع المعاصي منهم فهو كثير نقتصر منه على مثالين فقط:

قال ابن عثيمين: «ولا شكّ أنّه حصل من بعضهم سرقة, وشرب خمر, وقذف, وزني بإحصان, وزني بغير إحصان، لكن كلّ هذه الأشياء تكون مغمورة في جنب فضائل القوم ومحاسنهم، وبعضها أقيم فيه الحدود، فيكون كفارة»([167]).

قال التفتازاني: «إنّ ما وقع بين الصحابة من المحاربات والمشاجرات على الوجه المسطور في كتب التواريخ, والمذكور على ألسنة الثقات, يدلّ بظاهره على أنّ بعضهم قد حاد عن طريق الحق, وبلغ حدّ الظلم والفسق, وكان الباعث له الحقد والعناد, والحسد واللداد, وطلب الملك والرياسة, والميل إلى اللذات والشهوات؛ إذ ليس كلّ صحابي معصوماً, ولا كلّ من لقي النبي (صلّى الله عليه وسلّم) بالخير موسوماً، إلاّ أنّ العلماء لحسن ظنّهم بأصحاب رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) ذكروا لها محامل وتأويلات بها تليق, وذهبوا إلى أنّهم محفوظون عمّا يوجب التضليل والتفسيق؛ صوناً لعقائد المسلمين عن الزيغ والضلالة في حقّ كبار الصحابة, سيّما المهاجرين منهم والأنصار, والمبشّرين بالثواب في دار القرار»([168]).

وهل ترى أنّ تصريح علماء أهل السنّة بوقوع المعاصي من الصحابة، وعدم تحقق آثار المنّ المدّعى بالطريقة التي تفسرها هو ردّ على الله بأنّه امتنّ بما لم يقع؟

وكيف تفسّر إقامة الخليفة الحدود من النبي’ على بعض الصحابة! هل هو ردٌّ على الله! فالنبي’ إنّما حدّهم لثبوت المعصية عليهم عنده, أم أنّ المنّ لا يشملهم؟

وكيف تفسّر إقامة عمر للحدود على بعض الصحابة! أفلم يكن يفهم المنّ المذكور؟

بل كيف تفسر تكفير الصحابة بعضهم لبعض, أفلم يكونوا يعلموا بأنّ الله امتنّ عليهم بأن حبّب إليهم الإيمان وكرّه الكفر والفسوق والعصيان, فهل كانوا يرون أنّ المنّ غير متحقق, أم أنّهم لم يفهموا من الآية مثل ما فهمت؟!

فالواقع يثبت غرابة تفسيرك للمنّ بمعنى تحقّق الإيمان والعمل الصالح, وترك الكفر والفسوق والعصيان, فلا بدّ على هذا التفسير أنْ يكون الصحابة معصومين مسدّدين من السماء, ولا يطرأ على عملهم الذنب والمعصيّة. فالمنّ المذكور في الآية، إمّا أنْ يكون بالنحو الذي فسّرناه سابقاً، من بيان القوانين الإلهيّة وتوضيح آثارها على الفرد والمجتمع, فهذا لا يختصّ بمجتمع الصحابة فقط.

 وإما أن يفسر المنّ بالنحو الذي أنت تراه، ونتيجته أن حُبّ الإيمان والعمل الصالح وكره الفسوق والكفر والعصيان متحقق لا محالة لجميع الصحابة, فهذا يعني العصمة لهم, وعدم صدور الذنب؛ لأنّه مبغوض عندهم بمنّة وفضل من الله, وهذا يأباه الواقع التاريخي المسلّم, فالحدود التي أقامها النبي’, والتي أقامها عمر, وغيرهما, إنّمّا هي لأجل ارتكاب المعاصي, ثمّ إنّه بعد وفاة الرسول’ وقعت ردّة, وهؤلاء كانوا صحابة في زمن النبي’, مشمولون بالآية الكريمة, فهل تحقّق المنّ بحقّهم أم لا؟

وخلاصة الأمر: إمّا أنْ يكون المنُّ مانعاً من ارتكاب الكفر والفسوق والعصيان، وهذا معناه العصمة، وإما أن لا يكون مانعاً من ذلك، فلا تدلّ الآية حينئذ على عدالة الصحابة جميعاً.

الآية السابعة: فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه

قال تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ}([169]).

قلتم: الآية تمدح أبي بكر وجيشه وجيش عمر وعثمان...

ذكرتَ في ص244ـ 245 كلاماً طويلاً، أهمّ ما جاء فيه:

1ـ إنّ في الآية جملة شرطيّة وجوابها, وإذا وجد فعل الشرط وُجد جوابه لا محالة, والردّة حدثت بعد وفاة النبي’, وتصدّى لها أبو بكر, فالآية في صدد مدح وبيان فضل أبي بكر.

2ـ إنّ الأوصاف التي ذكرتها الآية, إنّمّا تحقّقت في جيش الصديق, وجيش عمر, وجيش عثمان, وقد كان علي معهم, وبعض من قاتل معه بعد ذلك, وكانت هذه الأخلاق متوافرة في عهود الثلاثة, ثمّ توقف بعضها في خلافة علي إن لم تتوقف بكاملها! لأنّه لم يقع في زمنه ردّة, بل وقعت فتنة بدون اختيار!!

3ـ يزعم الكثير من الشيعة أنّ الكثير من الصحابة ارتدّوا, وأنّ علياً ترك قتالهم تقيّة وحرصاً على وحدة المسلمين, فلمَ قاتل الصدّيق المرتدّين ولم يقاتل علي؟ لأنّه لا ردّة.

الجواب

1ـ إنّ الآية في مقام ذمّ الذين يرتدون عن الدين, وتنذر المسلمين بأنّ ارتدادهم عن الدين لن يضرّ الله شيئاً, فإنّ هناك من يحمي الدين, ويحافظ عليه, ويجاهد بنفسه من أجل صونه, ورفع رايته, ثمّ بدأت الآية تبيّن أوصاف أولئك القوم الذين ينصرون الدين بأنّهم يحبّون الله ويحبّهم الله... الخ.

 فالآية غير ناظرة إلى أنّ هؤلاء القوم سوف يقاتلون أولئك المرتدّين, بل ناظرة إلى أنّ نصرة دين الله وحفظه غير متوقفة على من ارتدّ, فهي توبيخ وذمّ شديد للمسلمين الذين ارتدوا, وحينئذٍ فإنّ مصداق هذه الآية غير مقصور على شخص معيّن, ولا على فئة معيّنة, ولا مخصوص بزمن معيّن, فكلّ من تتوفر فيهم هذه الصفات في أي زمان يكون مشمولاً بالآية, فقد تكون الآية ناظرة إلى الإمام المهدي ومن يقاتل بين يديه في آخر الزمان, إذ بجهادهم وقتالهم سوف تعود راية الإسلام مرفرفة عالية, وستتحقق العدالة, ويعيش المسلمون متحابون متوادون يحبّون الله ويحبّهم الله كما هو مضمون الروايات الصحيحة عند الفريقين.

2ـ الآية تحدّد صفات القوم المذكورين بعدّة أمور:

ألف ـ يحبُّهم الله.

ب ـ يُحبّون الله.

ج ـ أذلّة على المؤمنين.

د ـ أعزّة على الكافرين.

هـ ـ يجاهدون في سبيل الله.

وـ لا يخافون لومة لائم.

فمن تنطبق عليهم هذه الصفات يكونون هم المقصودون بالآية, ومن يتخلف عنه ولو صفة واحدة فهو غير مشمول بالآية؛ لأنّ الآية ذكرت أنّ هذه الصفات مجتمعة تكون في القوم الذين يأتي بهم الله عزّ وجل.

أمّا الصفة الأولى والثانية فقد صرّح النبي’ بانطباقها على علي× دون غيره ممّن ذكرتهم في بيانك للآية, وذلك لأنّ النبي’ صرّح بذلك يوم خيبر, بعد أن انهزم عمر مع جيشه, ورجع يجبّن أصحابه ويجبّنونه([170]) وانهزم أبو بكر مع جيشه, فعندها قال النبي’: «لأعطينّ الراية رجلاً يحبّ الله ورسوله, ويحبّه الله ورسوله, يفتح الله له ليس بفرار».

فقد أخرج ابن أبي شيبة, عن المنهال والحكم وعيسى عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، قال: «قال علي: ما كنت معنا يا أبا ليلى بخيبر؟ قلت: بلى والله لقد كنت معكم، قال: فإنّ رسول الله (ص) بعث أبا بكر فسار بالناس فانهزم حتّى رجع إليه! وبعث عمر فانهزم بالناس حتّى انتهى إليه! فقال رسول الله (ص): لأعطينّ الراية رجلاً يحبّ الله ورسوله، ويحبّه الله ورسوله، يفتح الله له ليس بفرار. قال: فأرسل إلي فدعاني فأتيته ـ وأنا أرمد لا أبصر شيئاً ـ فدفع إلي الراية، فقلت: يا رسول الله! كيف وأنا أرمد لا أبصر شيئاً؟ قال: فتفل في عيني ثم قال: اللهم اكفه الحر والبرد، قال: فما آذاني بعد حر ولا برد»([171]).

وأخرج البيهقي, عن بريدة بن سفيان بن فروة الأسلمي، عن أبيه، عن سلمة بن عمرو بن الأكوع، قال: «بعث رسول الله أبا بكرL إلى بعض حصون خيبر فقاتل ثم رجع، ولم يكن فتح وقد جهد! ثم بعث الغد عمرL فقاتل ثم رجع، ولم يكن فتح! فقال رسول الله: لأعطين الراية غداً رجلاً يحبه الله ورسوله، ويحب الله ورسوله، يفتح على يديه ليس بفرار. قال سلمة: فدعا رسول الله علي بن أبي طالبL ـ وهو يومئذ أرمد ـ فتفل في عينه، وقال: خذ هذه الراية فامض بها حتّى يفتح الله عليك، فخرج بها والله يأنح, يقول: يهرول هرولة وإنّا لخلفه, نتّبع أثره، حتّى ركز رايته في رضم من حجارة تحت الحصن, فاطلع إليه يهودي من رأس الحصن، فقال: من أنت؟ قال: أنا علي بن أبي طالب، فقال اليهودي: عليتم وما أنزل على موسى، فما رجع حتى فتح الله على يديه»([172]).

والبخاري كعادته في تقطيع النصوص, فقد نقل ما يتعلّق بعليّ× ولم ينقل سبب قول النبي’ ذلك! فقد أخرج عن سلمةL قال: «كان عليL تخلّف عن النبيّ (صلّى الله عليه وسلّم) في خيبر, وكان رمداً، فقال: أنا أتخلّف عن النبيّ (صلّى الله عليه وسلّم) فلحق به، فلمّا بتنا الليلة التي فُتحت قال: لأعطينّ الراية غداً، أو ليأخذنّ الراية غداً رجل يحبّه الله ورسوله يفتح عليه، فنحن نرجوها، فقيل: هذا علي فأعطاه ففتح عليه»([173]).

وأخرج عن سهل بن سعدL: «أنّ رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) قال يوم خيبر: لأعطينّ هذه الراية غداً رجلاً يفتح الله على يديه، يحبّ الله ورسوله، ويُحبّه الله ورسوله، قال: فبات الناس يدوكون ليلتهم أيّهم يعطاها، فلمّا أصبح الناس غدوا على رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) كلّهم يرجو أن يعطاها، فقال: أين علي بن أبي طالب؟ فقيل: هو يا رسول الله يشتكي عينيه، قال: فأرسلوا إليه، فأتى به، فبصق رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) في عينيه ودعا له، فبرأ حتّى كأن لم يكن به وجع، فأعطاه الراية، فقال علي: يا رسول الله، أقاتلهم حتّى يكونوا مثلنا؟ فقال (عليه الصلاة والسلام): انفذ على رسلك حتى تنزل بساحتهم ثم ادعهم إلى الإسلام، وأخبرهم بما يجب عليهم من حق الله فيه، فوالله لئن يهدى الله بك رجلاً واحداً خير لك من أن يكون لك حمر النعم»([174]).

فتبيّن أنّ الصفتين الأولى والثانية متحققتان في الإمام علي دون غيره ممّن ذكرتهم.

وأمّا الصفة الثالثة: {أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ}، فلا أظنّ مسلماً يُخرج عليّاً منها, فهو× لم يكن فظّاً غليظاً كغيره، بل كان رحيماً عطوفاً على إخوانه المؤمنين, وصلباً مهاباً، تخافه الأبطال من الكافرين والمنحرفين.

وأمّا الصفات الثلاثة الباقية, فمن الواضح أيضاً انطباقها على الإمام علي× وعدم انطباقها على غيره ممّن ذكرت؛ لدليل واضح وصريح وهو أنّ القوم فرّوا من الزحف في أكثر من معركة, بينما لم يفرّ عليّ× من أي معركة, فالصفات تنطبق عليه دون غيره, إذ كيف يكونون أعزّة على الكافرين يجاهدون في سبيل الله، ولا يخافون لومة لائم، وهم يفرّون من الزحف؟!

وما دلّ على فرارهم من الزحف, تقدّم ذكره وبيانه، فلا نعيد.

على أنّ عثمان قتله المسلمون, فلا نفهم كيف تنبطق عليه الصفات أعلاه!!

3ـ إنّ مفسري أهل السنّة اختلفوا في تفسير الآية على أقوال عدّة, فلم يكن هناك اتّفاق على تفسير واحد عندهم, فقد ذكر ابن الجوزي ستّة أقوال في المسألة:

الأول: أبو بكر الصديق وأصحابه الذين قاتلوا أهل الردّة.

والثاني: أبو بكر وعمر.

والثالث: أنّهم قوم أبي موسى الأشعري.

والرابع: أنّهم أهل اليمن.

والخامس: أنّهم الأنصار.

والسادس: المهاجرون والأنصار([175]).

قال مجاهد: إنّهم «ناس من أهل اليمن»([176]).

وقد ذكر الطبري عدّة من تلك الأقوال, ثمّ اختار أنّهم قوم أبي موسى الأشعري!! فقال: «وأولى الأقوال في ذلك عندنا بالصواب، ما روي به الخبر عن رسول الله (ص) أنّهم أهل اليمن، قوم أبي موسى الأشعري»([177]).

وأضاف الفخر الرازي قولين في الآية, فجاء في تفسيره، بعد ذكر مجموعة من الأقوال: «وقال آخرون: هم الفرس؛ لأنّه روي أنّ النبي (صلّى الله عليه وسلّم) لمّا سئل عن هذه الآية, ضرب بيده على عاتق سلمان وقال: هذا وذووه، ثمّ قال: لو كان الدين معلّقاً بالثريا لناله رجال من أبناء فارس.

وقال قوم: إنّها نزلت في علي×، ويدلّ عليه وجهان: الأول: أنّه× لمّا دفع الراية إلى علي× يوم خيبر، قال: لأدفعنّ الراية غداً إلى رجل يُحبّ الله ورسوله ويُحبّه الله ورسوله، وهذا هو الصفة المذكورة في الآية. والوجه الثاني: أنّه تعالى ذكر بعد هذه الآية قوله: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ} وهذه الآية في حقّ عليّ، فكان الأولى جعل ما قبلها أيضاً في حقّه، فهذه جملة الأقوال في هذه الآية»([178]).

وهذه التفاسير المختلفة في الآية تدلّك على أنّ فهم الآية غير مقصور على وجود قوم سوف يقاتلون المرتدّين حين ارتدادهم, بل هي تدلّ على أنّ الله في غنى عن المرتدّين وأّنه يستبدلهم بقوم يثبتون على الإيمان, وينصرون الدين, ويتحلّون بصفات حميدة عدّة ذكرتها الآية الكريمة.

4ـ قولك: إنّ عليّا كان معهم ـ يعني الثلاثة ـ وبعض من قاتل معه بعد ذلك, فيه تعريض بالكثير من الصحابة؛ فإنّ قولك بأنّ تلك المواصفات مقصورة على بعض من قاتل مع علي يقتضي أنّ بقيّة الصحابة لا تشملهم تلك المواصفات, فإنّ أكثر الصحابة من البدريين, وممّن بايع تحت الشجرة كانوا مع علي، ووفقاً لكلامك لا بدّ أنْ يكونوا خارجين من حبّ الله وحبّ رسوله ’, وليسوا أعزَّة على الكافرين, ولا بأذلَّة على المؤمنين, ولا يجاهدون في سبيل الله، ولا يخافون في الله لومة لائم!!!

وقولك: إنّ هذه الأخلاق متوافرة في عهود الثلاثة, ثمّ توقف بعضها في خلافة علي إنْ لم تتوقف كلّها, لأنّه لم يقع في زمنه ردّة!! فإن لم يكن ذلك منك نصباً فهو ليس لائقاً بك، على أنه قد عرفنا من البيان السابق أنّ تفسير الآية الصحيح على غير ما ذهبتَ إليه, وأنّها غير مختصّة بقوم معينين, ولا بزمان معيّن, وعرفنا أنّ الصفات متوفرة في علي×, وغير متوفرة فيمن ذكرتَهم.

5ـ قولك: كثير من الشيعة الإماميّة يزعمون أنّ الصحابة ارتدّوا, ثمّ زعموا أنّ عليّاً ترك قتالهم تقيّة وحرصاً على وحدة المسلمين, فلمَ قاتل الصدّيق المرتدّين ولم يقاتل علي×؟ لأنّه لا ردّة!

هذا القول لا محلّ له, لأنّنا لا نقول بردّة الصحابة بمعنى الكفر, بل بمعنى ترك الواجب, والقائل بردّة الصحابة ليس نحن, بل الرسول الكريم’ في روايات الحوض التي بيّناها مفصّلاً([179])، وهي صريحة في إرادتها للصحابة, وإلا لو انحصر معنى الردة بالكفر يلزم أنْ تفسّر روايات الحوض بما يفضي إلى كفر الصحابة، أو تردّ الحديث الصحيح الوارد عن رسول الله ’؛ لذا كان لزاماً على أبي بكر القتال دون علي× لأمرين مهمّين خفيا عليك:

الأول: أنّ أبا بكر قد تولى الخلافة السياسية الفعلية, وأصبحت قيادة الأمّة الإسلامية بيده, وقد ارتدّ مجموعة من الناس ردّة الكفر, وكان عنده القدرة على قتالهم, ولا يوجد محذور في ذلك, بل ولا يوجد سبب لترك قتالهم, فلو كان عليّاً محلّه وحصلت ردّة, وكفر الناس لقاتلهم أيضاً مادام قادراً على ذلك. أمّا الردّة التي حصلت للصحابة فهي ليست ردّة كفر, بل ترك واجب كما بيّنا, وعدم قتال علي لهم كانت بسبب عدم الناصر في ظل دولة يحكمها خصومه.

الثاني: أنّ قتال أبي بكر للمرتدّين لا توجد فيه جنبة تفريق المسلمين وتشتيت كلمتهم, بل ترك قتال المرتدّين هو من يؤدّي إلى ذلك, أمّا قتال علي ـ لو قُدّر ـ لأبي بكر وأصحابه، مع صلاتهم وصيامهم، فقد كان ينطوي ذلك على إيجاد فتنة ستؤدّي حتماً إلى تفريق أمر المسلمين وتشتيت كلمتهم؛ لأنّه قتال بين المسلمين أنفسهم, فكان عليه إمّا أن يقاتل وينتصر ويحكم الدولة ويطبّق القوانين الإسلامية, أو أن يسكت ويحافظ على الوضع الإسلامي, وحيث إنّ الظروف كانت تشير إلى عدم القدرة على النصر فكان الإيثار والسكوت ومراعاة مصلحة الإسلام هو المقدّم.

أمّا لو فرضنا أنّ السكوت سيؤدّي إلى ضياع الإسلام، فحينئذٍ يجب القتال, ولو أدّى إلى الاستشهاد؛ ولذا رأينا الإمام الحسين× قاتل، مع قلّة العدد، وعلمه اليقيني بالخسارة العسكرية؛ لأنّ حفظ الإسلام كان يحتّم عليه أن يقاتل ويقدّم نفسه قرباناً في سبيل الله؛ لذا فإنّ عليّاً اختار السكوت تغليباً لمصلحة الإسلام والمسلمين.

الآية الثامنة: وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات

قال تعالى:{وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شيئاً وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ}([180]).

قلتم: هناك تلازم بين الاستخلاف وبين الإيمان والعمل الصالح

ذكرتم في ص246، في دلالة هذه الآية، كلاماً غريباً لا يتناسب صدوره ممن يدعي العلم, وغاية ما أردتم قوله: هو أنّ هناك تلازماً في الآية بين الوعد بالاستخلاف وبين الإيمان والعمل الصالح, وحيث إنّ الله تعالى قد استخلف قوماً فعلاً, فهذا دليل تحقّق الإيمان والعمل الصالح! وأنّه إذا وجد الإيمان والعمل الصالح وجدت تلك الوعود في الآية, وعلى هذا، فالخطاب إنْ كان للأمّة فالصحابة هم أوّل من وجه إليهم الخطاب, وإنْ كان لهم خاصّة ـ كما هو ظاهر النص ـ فهم الموعودون, وتحقُّقِ الموعود على أيديهم شهادة لهم بالإيمان, هذا هو خلاصة كلامكم الطويل الذي استغرق صفحة كاملة.

الجواب

إنّ ما ذكرتموه هو في غاية البطلان، وسنبيّن ذلك من خلال إبطال قولكم أوّلاً, ومن خلال بيان تفسير الآية ثانياً.

أمّا بطلان قولكم, فيشهد له أمور:

1ـ المراد من الاستخلاف في الآية هو الاستخلاف الشرعي الثابت كونه من الله تعالى, فإذا ثبت استخلاف جماعة استخلافاً شرعيّاً ثبتت عدالتهم, فهذا استدلال أشبه ما يكون بعين المدّعى؛ إذ إنّ الشيعة لا تقرّ بأنّ خلافة بعض الصحابة كانت شرعيّة, فعاد الكلام إلى الخلافة ونصوصها, والنصوص تثبت الخلافة الشرعيّة لأهل البيت دون غيرهم.

2ـ إنّه لا ملازمة بين الاستخلاف السياسي وبين الإيمان والعمل الصالح, فليس كلّ من يستولي على مقدّرات الأمّة باسم الإسلام ـ ولو بقوة السيف ـ فهو مؤمن وصالح, وهذا بيّن وواضح, فقد حكم الأمّة الإسلامية بنو أميّة لمدّة مديدة، ثمّ حكمها العباسيون وهكذا, ولم نجد قائلاً بعدالة جميع خلفاء بني أميّة وبني العباس, بل إنّ إجماع الأمّة على تفسيق أكثرهم, فأين الملازمة؟

3ـ لا ملازمة أيضاً بين الإيمان والعمل الصالح وبين الاستخلاف السياسي, فقد مرّت الأمّة ولا زالت بأدوار يكون فيها الصالح مُقيّداً مراقباً متابعاً من السلطات, ويكون فيها الفاسق حاكماً متسلّطاً على رقاب المسلمين, فمثلاً الكلّ يعترف ويقرّ بأنّ الإمام الصادق× كان من أئمّة المسلمين وصرّح الذهبي بأنّه أولى بالخلافة من أبي جعفر المنصور([181]), لكن الخلافة كانت بيد الفاسق المنحرف أبي جعفر, ولم تكن بيد الصادق! وكذا كان الإمام موسى بن جعفر مقيّداً بالسجون, والخلافة بيد هارون! وقد صرّح الذهبي بأنّ الإمام الكاظم كان أولى بالخلافة من هارون([182])، فأين الملازمة!؟

كما لا يخفى عليك بأنّ الخلافة قد كانت بيد يزيد المعروف بفسقه وفجوره وانحطاطه عن كلّ القيّم الإسلامية, وفي الوقت ذاته كان هناك في زمانه الحسين بن علي سيّد شباب أهل الجنّة, وحبر الأمّة عبد الله بن عبّاس, والعديد من الصحابة, فلا ندري عن أي ملازمة تتكلم!!؟

4ـ مما تقدم اتضح أن كثيراً من الفسقة قد حكموا المسلمين وأصبحوا خلفاء وأمراء عليهم مع وجود ثلة من الصالحين والمؤمنين في ذلك الزمان ممن هم أفضل من أولئك الخلفاء، لم يتمكنوا من الخلافة، وحينئذ لابد أن يبحث عن معنى مناسب للوعد الإلهي في الآية، وهل هو لجماعة خاصة من المؤمنين أم كان الوعد لجميع المسلمين الذين استخلفوا في الأرض؟ هذا ما سوف نبحثه من خلال تفسير هذه الآية.

تفسير الآية الكريمة

1ـ سبب نزول الآية:

 أخرج الحاكم بسنده إلى أبي بن كعب قال: «لمّا قدم رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وأصحابه المدينة وآوتهم الأنصار, رمتهم العرب عن قوس واحدة, كانوا لا يبيتون إلاّ بالسلاح ولا يصبحون إلاّ فيه, فقالوا: ترون أنّا نعيش حتّى نبيت آمنين مطمئنين لا نخاف إلاّ الله, فنزلت: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شيئاً وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ} يعنى بالنعمة {فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ}».

قال الحاكم: «هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه».

وقال الذهبي في التلخيص: «صحيح»([183]).

2ـ في بيان المراد من الآية بحسب ما يتعلّق بمورد الحوار:

نذكر هنا أمرين مهمّين يتّضح من خلالهما عدم دلالة الآية على عدالة جميع الصحابة, وعدم دلالتها على صحّة خلافة الثلاثة, كما حاول بعض المفسّرين التشبث بذلك.

الأمر الأوّل: لا ريب في أنّ الآية تعدُ المؤمنين الذين عملوا الصالحات بالاستخلاف في الأرض, وبغضّ النظر عمّا إذا فسّرنا الآية بشمولها لجميع الأمّة أو لبعضها, أو شمولها لجميع الصحابة أو لبعضهم, فإنّه لا ملازمة بين الاستخلاف وبين الإيمان والعمل الصالح كما ذكرنا, فالوعد إنّما كان للذين آمنوا وعملوا الصالحات, وهذا الوعد لا بدّ أن يتحقّق.

 لكن لا يستفاد العكس من الآية، فلا دلالة فيها على أن كلّ من حكم البلاد وتسلّط عليها من المسلمين يكون من الذين آمنوا وعملوا الصالحات؛ إذ قد عرفنا في جوابنا السابق, أنّ الكثير من الفساق والمنحرفين في دولة بني أميّة وبني العباس قد حكموا الأمة الإسلامية, وذلك لا يلازم عدالتهم, وحينئذٍ فإنّ الإيمان والعمل الصالح لا بدّ من إثباته بدليل من خارج الآية, ثمّ يتمّ تطبيق الآية على الشخص المتوفرة فيه تلك الصفات, فالآية لا تحقّق موضوعها, بل بعد تحقّق الموضوع يمكن انطباق الآية عليه, وحينئذٍ فإنّ القول بانطباقها على الخلفاء الثلاثة هو فرع ثبوت إيمانهم وعملهم الصالح بأدلّة أخرى غير هذه الآية, وكلامنا وحوارنا في دلالة الآية على ذلك.

الأمر الثاني: أنّه لا دليل على شمول الآية للخلفاء الثلاثة على جميع الاحتمالات, فإنّه لو سلّطنا الضوء على لفظة (منكم) الواردة في قوله تعالى: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ...}

فستكون النتيجة أنّ الخطاب إمّا أنْ يكون شاملاً للأمّة كافّة أو لمجتمع الصحابة, و(من) إمّا بيانية أو تبعيضيّة, ولا تخلو المسألة من أحد هذه الصور الأربعة.

فإنْ قلنا إنّ الخطاب للأمّة بكاملها كما ذهب إليه مجاهد([184]), وحينئذٍ على تقدير أن (من) بيانية, فيكون المعنى: أنّ الله وعد جميع الذين آمنوا وعملوا الصالحات من الأمّة الإسلامية بأنْ يستخلفهم في الأرض, ويمكّن لهم دينهم, وهذا المعنى لا نراه متحققاً في الواقع، كما هو واضح.

وإنْ كان المراد أنّ بعض الأمّة الإسلاميّة سيمكّن الله له دينه الذي ارتضى له, فهذا المعنى إنما يكون معقولاً في آخر الزمان, حين يتولّى المهدي قيادة الأمّة وهو محل اتفاق المسلمين, فجميعهم ـ إلا ما شذّ وندر ـ يعتقدون بأنّ المهدي سيظهر في آخر الزمان, ويملأ الأرض قسطاً وعدلاً بعدما ملئت ظلماً وجوراً, وتعيش الأمّة الإسلامية حالة من الاطمئنان والعدالة, ويسود حكمه كلّ أرجاء الأرض, فالآية على هذا التفسير لا تدلّ على عدالة الصحابة, ولا على خلافة الثلاثة.

وأمّا إذا قلنا بأنّ الآية مختصّة بالمخاطبين, وهم الصحابة ـ وهو مع مخالفته لظاهر الآية الذي يفيد أنّ الخطاب عام لجميع المسلمين ـ فأيضاً نقول إمّا أنْ تكون (من) بيانية، فلابدّ حينئذ أن ينعم جميع الصحابة بالاستخلاف في الأرض، وهو افتراض لا ينسجم مع الواقع,فإنّ الصحابة تقاتلوا فيما بينهم, بل وقتلوا الخليفة عثمان, بل تسلّط عليهم معاوية, وعرفنا أنّه يموت على غير ملّة النبيّ’، بل وسلّط على الصحابة ولده يزيد خليفة على الأمّة.

هذا على تقدير أن تكون (من) بيانية أما على تقدير كونها تبعيضية وغير شاملة لجميع الصحابة, فنقول أيضاً: إنّ هذا الوعد تحقّق للصحابة في زمن كان المسلمون فيه خائفون مضطهدون مشرّدون، ثمّ نصرهم الله ومكّنهم في الأرض ونشر دينه واستقر الأمر لصالحهم, فالوعد مختص في زمن حياة النبي’ لا في زمن الخلفاء بعده, فتخصيص الآية عندئذ بالخلفاء, أو شمولها لهم, يحتاج إلى دليل وهو مفقود, خصوصاً أنّ الروايات الواردة في سبب النزول تصرّح بأنّ المراد بها الصحابة في زمن النبي’([185]).

والراجح عندنا في تفسير الآية، بحسب الأوصاف التي ذكرتها, أنّها ناظرة الى آخر الزمان الذي يظهر فيه المهدي، حيث إنّ جميع الأوصاف سوف تنطبق على ذلك المجتمع المثالي, فسوف تُحكم الأرض بدين الله, ويكون المسلمون آمنين أقوياء منتصرين على أعدائهم، ينتشر فيهم العدل ويعمّ الأمن؛ حتّى أنّه ورد في بعض الروايات أنّ في ذلك الزمان تأمن الشاة الذئب، والبقرة الأسد، والإنسان الحيّة([186]).

وخلاصة القول: إنّ الله عزّ وجلّ وعد طائفة من الذين آمنوا وعملوا الصالحات بالاستخلاف في الأرض، وأنْ يمكّن لهم دينهم ويثبّته ويُظهره على الدين كلّه، ويبدّلهم من بعد خوفهم أمناً, وهذه الطائفة غير محدّدة إلاّ من خلال تلك الأوصاف, وهذه الأوصاف لا تنطبق حقّ الانطباق إلاّ في زمن الإمام المهدي×.

 وما يُقال من أنّ انتشار الإسلام وكثرة الفتوحات إنّما كانت في زمن الخلفاء الثلاثة، وأنّهم هم المعنيون بالآية، ممّا لا يمكن المساعدة عليه؛ لأنّ الإسلام قد انتشر في زمن النبي’ قبل زمن الخلفاء, وكثير من الفتوحات قد حصلت بعد الخلفاء الثلاثة على يدي حكّام بني أميّة, مع ما عرف عنهم من فسق وفجور وابتعاد عن الشريعة الإسلاميّة، فغاية استدلالكم على ذلك أنّهم أصبحوا خلفاء, فادّعيتم أنّ الوعد الإلهي تحقّق بخلافتهم, فثبت إيمانهم, وقد عرفنا أنّه لا ملازمة بين الاستخلاف وبين الإيمان والعمل الصالح, فلا بدّ من إثبات ذلك من خارج الآية, والثابت أنّ الرسول’ قد استُخلف في الأرض, كما أنّ الإمام المهدي سوف يستخلف في الأرض, وهؤلاء قد ثبت إيمانهم وعملهم الصالح من خارج الآية فيمكن انطباقها عليهم.

 ويتحصّل من ذلك أنّه لا يوجد دليل في الآية على شمولها أو حصرها في الخلفاء الثلاثة.

وبهذا تمّ الكلام عن الآيات التي ادعي دلالتها على عدالة الصحابة, واتّضح عدم تمامية دلالتها على ذلك.


 

 

 



 

                              


حوار حول
الأحاديث الواردة في عدالة الصحابة


تمهيد

بعد مناقشة جميع الآيات التي ادّعي دلالتها على إثبات العدالة لجميع الصحابة, ننتقل إلى ما ادُّعي دلالته من الروايات على ذلك.

وبحسب طبيعة البحث الحوارية, فنحن سوف نتدرج في الأحاديث, ومناقشة دلالتها بحسب ما أوردها الدكتور الغامدي.

الحديث الأول: لا تسبّوا أصحابي...

 الحديث الأول الذي جُعل دليلاً على عدالة كافة الصحابة هو ما أخرجه البخاري عن أبي سعيد الخدري, قال: «قال النبيّ (صلّى الله عليه وسلّم): لا تسبّوا أصحابي, فلو أنّ أحدكم أنفق مثل أحد ذهباً ما بلغ مدّ أحدهم ولا نصيفه»([187]).

بيان معنى الحديث

أجبناكم سابقاً عن الحديث([188]) وقلنا: إنّه يدلّ على عدم عدالة كلّ صحابي, فهو يقرّر أنّ بعض الصحابة يسبّ البعض الآخر, ومثّلنا لكم بقول سعد بن عبادة سيد الخزرج لسعد بن معاذ: كذبت لعمر الله!! وقول أسيد بن حضير لسعد بن عبادة: إنّك منافق, وأوضحنا أنّ السبّ غير النقد، فالسب وليد العصبية ونتاج الحقد والغيظ والهوى, والنقد قائم على أسس صحيحة وموازين سليمة.

وقد حاولتم الإجابة على كلامنا هذا بما لا محصّل له, وغاية ما أوردتموه ما يلي:

قلتم: الله يصحح أخطاء الصحابة

أوّلاً: في ص230ـ 231 ذكرتم بأنّ الصحابة غير معصومين, وأنّ الخطأ قد يصدر منهم, ثمّ يُصحّح لهم من الله عز وجل أو من رسوله’, وكما أنّ موسى أخطأ ولم تنقص مكانته فكذلك الصحابي!

الجواب

1ـ نعم, الصحابة غير معصومين, لكنّ هذه العقيدة على المستوى النظري فقط, أمّا على المستوى العملي، وخاصة في قبول رواياتهم، فتتعاملون معهم معاملة المعصوم.

 2ـ كيف يمكنك إثبات أنّ الله ورسوله’ يصحّح لهم؟ فكلامنا في دلالة هذه الرواية, وعرفنا أنّها تثبت أنّ بعض الصحابة يسبّ ويشتم البعض الآخر, فهي تدلّ على عدم عدالة كلّ صحابي, فلا تنفعك في الاستدلال, وتصحيح الله ورسوله’ لهم يحتاج إلى دليل, والثابت خلاف ذلك, فالرسول بنفسه وسم بعضهم بالعصاة, وغضب على البعض الآخر:

فعن جابر بن عبد اللّه: «إنّ رسول اللّه (صلّى الله عليه وسلّم) خرج عام الفتح إلى مكّة في رمضان، فصام حتّى بلغ كراع الغميم فصام النّاس، ثمّ دعا بقدح من ماء, فرفعه حتّى نظر النّاس إليه، ثمّ شرب، فقيل له بعد ذلك: إنّ بعض النّاس قد صام, فقال: أولئك العصاة أولئك العصاة»([189]). فمع هذا كيف تفسّرون الآيات الواردة فيمَن يعصي الله ورسوله, والتي نعتتهم بالضلال وتوعدتهم بالخلود في نار جهنم([190])؟

وعن عائشة أنها قالت: «قدم رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) لأربع مضين من ذي الحجّة أو خمس، فدخل علَيّ وهو غضبان، فقلت: مَن أغضبك يا رسول الله أدخله الله النار، قال: أو ما شعرت أنّي أمرت الناس بأمر, فإذا هم يترددون»([191]).

وعن البراء بن عازب، قال: «خرج رسول اللّه (صلّى الله عليه وسلّم) وأصحابه قال: فأحرمنا بالحج, فلمّا قدمنا مكّة, قال: اجعلوا حجّكم عمرة. قال: فقال الناس: يا رسول اللّه، قد أحرمنا بالحج، فكيف نجعلها عمرة؟ قال: انظروا ما آمركم به فافعلوا، فردّوا عليه القول فغضب، ثمّ انطلق حتّى دخل على عائشة غضبان، فرأت الغضب في وجهه، فقالت: من أغضبك أغضبه اللّه، قال: ومالي لا أغضب, وأنا آمر بالأمر فلا أُتَّبع»([192]).

قال الذهبي: «هذا حديث صحيح من العوالي»([193]).

قال الهيثمي: «رواه أبو يعلى, ورجاله رجال الصحيح»([194]).

قال حمزة أحمد الزين: «اسناده صحيح»([195]).

فالنبي’إذن غضبان من الصحابة, وعائشة تقول: من أغضبك يا رسول الله أدخله الله النار, ولم تقل إنّ الصحابة خطأهم مغفور, ومصحّح من الله والرسول’, فلا ندري لماذا آرائكم في الصحابة تخالف آراء الصحابة بأنفسهم؟!

وقد سبق أنْ ذكرنا مراراً أنّ النبي’ صرّح بدخول بعضهم النار, ومع ذلك نضيف هنا الرواية التالية في دخول شهيد من الصحابة إلى النار!!

أخرج البخاري بسنده إلى أبي هريرة أنّه قال: «افتتحنا خيبر, ولم نغنم ذهباً ولا فضة, إنّما غنمنا البقر والإبل والمتاع والحوائط، ثمّ انصرفنا مع رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) إلى وادي القرى, ومعه عبد له يقال له: مدعم، أهداه له أحد بني الضباب, فبينما هو يحطّ رحل رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم), إذ جاءه سهم عائر حتّى أصاب ذلك العبد, فقال الناس: هنيئاً له الشهادة, فقال رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم): بلى والذي نفسي بيده, أنّ الشملة التي أصابها يوم خيبر من المغانم لم تصبها المقاسم, لتشتعل عليه ناراً، فجاء رجل حين سمع ذلك من النبي (صلّى الله عليه وسلّم) بِشراك أو بِشراكين، فقال: هذا شيء كنت أصبته, فقال رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم): شِراك أو شِراكان من نار»([196]). ونعيد لك أيضاً ذكر قصّة الصحابي كركرة الذي دخل النار أيضاً:

أخرج البخاري عن عبد الله بن عمر أنّه قال: «كان على ثقل النبي (صلّى الله عليه وسلّم) رجل يقال له: كركرة فمات, فقال رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) هو في النار, فذهبوا ينظرون إليه فوجدوا عباءة قد غلّها»([197]).

ولا يذهبنّ بك الظن بأن كركرة هذا هو نفسه (مدعم) المتقدّم في تلك الرواية, فقد قال ابن حجر: «قوله: «لتشتعل عليه ناراً< يحتمل أنْ يكون ذلك حقيقة بأنْ تصير الشملة نفسها ناراً فيعذّب بها, ويحتمل أنْ يكون المراد أنّها سبب لعذاب النار, وكذا القول في الشراك الآتي ذكره، قوله: «فجاء رجل< لم أقف على اسمه، قوله: «بشراك أو بشراكين< الشراك بكسر المعجمة وتخفيف الراء سير النعل على ظهر القدم, وفي الحديث تعظيم أمر الغلول, وقد مرّ شرح ذلك واضحاً في أواخر كتاب الجهاد, في باب القليل من الغلول في الكلام على حديث عبد الله ابن عمرو, قال: كان على ثقل النبي (صلّى الله عليه وسلّم) رجل يقال له: كركرة, فمات, فقال النبيّ (صلّى الله عليه وسلّم): هو في النار في عباءة غلّها. وكلام عياض يشعر بأن قصّته مع قصّة مدعم متّحدة.

والذي يظهر من عدّة أوجه تغايرهما. نعم، عند مسلم من حديث عمر لمّا كان يوم خيبر, قالوا: فلان شهيد، فقال النبيّ (صلّى الله عليه وسلّم): كلا إني رأيته في النار في بردة غلّها أو عباءة، فهذا يمكن تفسيره بكركرة, بخلاف قصّة مدعم, فإنّها كانت بوادي القرى, ومات بسهم عائر, وغلّ شملة, والذي أهدى للنبيّ (صلّى الله عليه وسلّم) كركرة, هوذة بن علي, بخلاف مدعم فأهداه رفاعة, فافترقا والله أعلم»([198]).

فـ (مدعم) دخل النار بعباءةٍ غلّها, و(كركرة) دخل النار بـشملةٍ غَلَّها, ولم تنفعهما الصحبة, فما بالك بالصحابة الذين صدرت منهم جرائم كبيرة! فكيف مع ذلك يصحّح لهم الله والرسول’ وبسر بن أرطاة قتل الأبرياء, ومعاوية تسبّب بإهراق آلاف الدماء البريئة, وقتل عباد الله الصالحين من الصحابة وغيرهم, والمغيرة بن شعبة انتهك الأعراض, وهكذا فإنّ جرائم البعض كانت كبيرة؟

 ثم إنّ الرسول طرد الحكم, والمسألة ثابتة بأسانيد صحيحه, فهل تعتبر طرده للحكم من المدينة هو تصحيح لفعله ومغفرة له!؟

3ـ إنّ تشبيهك للصحابة بالنبيّ موسى× هو تشبيه مع الفارق ولا مصحّح له, فكيف تشبّه إنساناً عاديّا بنبيّ من أنبياء الله؟ فالله تعالى لا شكّ أنّه هو المسدّد لأنبيائه والحافظ لهم, وأنّ الأنبياء معصومون قولاً وفعلاً فيما يرتبط بالتبليغ باتّفاق المسلمين, بل معصومون في أقوالهم مطلقاً حتى في غير التبليغ، على أنّه حتّى لو تنزلنا عن ذلك, فلا يمكن قياس الأنبياء بالصحابة؛ لأنّ توبة الأنبياء وعودتهم إلى الله ودخولهم الجنّة ثابت باتّفاق المسلمين, ولا توجد ملازمة بين مغفرة الله لأنبيائه ومغفرته للصحابة.

 وبعبارة أخرى: إنّ تشبيه الصحابة بالأنبياء هي مجرد دعوى يعزوها الدليل والبرهان, وأنّ حوارنا قائم على عدم وجود دليل على عدالة الصحابة, فأنّ روايتك أعلاه تدلّ على خلاف مرادك, فاستدلالك على عدالتهم باعتبار تصحيح الله ورسوله لهم هو من قبيل الاستدلال بعين المدّعى, وهو مصادرة واضحة.

4ـ إنّ الحديث (لا تسبوا أصحابي فلو أن أحدكم...) جاء مخاطباً قسماً من الصحابة الموجودين في زمن النبي’, وضمير المخاطب (أحدكم) قرينة على ذلك, فالخطاب للموجودين في زمنه بيّن ظاهر, وهو يدلّ على المفاضلة المنقطعة النظير بين الصحابة, فليس كلّ من صحب النبي’ نال الأجر والرضا بالكيفيّة التي تبيّنونها، وعلى أي حال فالحديث لا يدلّ على عدالة جميع الصحابة, بل يختصّ ببعض منهم، كما هو ظاهر.

 ولهذا نرى الشوكاني يخصّه بالسابقين منهم فقط, قال: «إلاّ أن هذه المزية هي للسابقين منهم، فإنّ النبي خاطب بهذه المقالة جماعة من الصحابة الذين تأخر إسلامهم, كما يشعر بذلك السبب، وفيه قصّة مذكورة في كتب الحديث، فالذين قال لهم النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم): لو أنفق أحدكم مثل أحد ذهباً, هم جماعة من الصحابة الذين تأخرت صحبتهم، فكان بَيْنَ منزلة أول الصحابة وآخرهم أنّ إنفاق مثل أحد ذهباً من متأخريهم لا يبلغ مثل إنفاق نصف مد من متقدميهم»([199]).

وقال ابن حجر: «فيه إشعار بأنّ المراد بقوله أوّلاً, أصحابي: أصحاب مخصوصون»([200])، فلا يوجد في الحديث ما يدلّ على عدالة جميع الصحابة.

5ـ إنّ الحديث وارد من طرقكم فقط, وليس فيه حجّة علينا.

قلتم: التفريق بين نقد الصحابة وسبّهم كلام نظري

ثانياً: ذكرت في ص231 معلّقاً على كلامنا حول التفريق بين السبّ والنقد, وقلت: إنّ هذا كلام نظري لا رصيد له من الواقع, وذكرتَ أنّ دعوى (خيانة الوصيّة) والتآمر على إخفائها أعظم من كلّ سبّ... وأنّ موقف الشيعة هو وليد العصبيّة, ونتاج الغيظ والحقد والهوى, ويترتب عليه نقض الدين بكامله.

الجواب

تبيّن أنّ الرواية التي أوردتموها لا تدلّ على مرادكم, لذا لم نرَ جواباً حول الموضوع, وها أنت بكلامك هذا، البعيد عن المنهج العلمي الرصين، تحدث شرخاً عميقاً في الأمة الإسلامية بهذه الأساليب التي تبعث على الحقد والضغينة والتباغض، فقد قلنا وكررنا ذلك مراراً: أنّ الشيعة لا تدّعي عدم عدالة جميع الصحابة, بل ترفض العدالة الاستغراقية لكل فرد منهم، وأنّها لا ترى عقيدة السب والشتم, ونضيف هنا: إنّ أحداث السقيفة غير كاشفة عن رضا وقبول جميع الصحابة بخلافة أبي بكر, كيف يكون ذلك وأنّ عليّاً والزبير وبني هاشم كانوا يجتمعون في بيت الزهراء, وأنّ الأغلبية من المهاجرين والأنصار كانوا يرون الخلافة في علي×؟

 فالأمور التاريخية لا تُحلّل بهذا النحو، بل لا بدّ أن تُدرس جميع ملابساتها, فحتّى عليّ عاد وبايع بعد ستّة أشهر بعد أن سجّل اعتراضه في البداية على الخلافة, ثم رأى من مصلحة الإسلام أن يبايع فبايع, فمحض البيعة لا يعني الإقرار بشرعية الخلافة, خصوصاً أنّ الخلافات وجرّ السيوف كان طافياً على السطح, وغير خفي على أحد, فليس كلّ من بايع هو منكر للوصيّة أو كاتم لها, بل كلّ له ظرفه الخاص.

 على أنّ التاريخ لم يصل لنا بأكمله, فهناك حلقات كبيرة مفقودة فيه, خصوصاً أنّ الأيدي الأموية عبثت فيه كثيراً, ولو وصلت جميع الحقائق وجميع التجاذبات لاتضح الأمر جليّاً واضحاً.

ثمّ إنّ مسألة الوصيّة والإمامة لا بدّ أن تناقش أوّلاً بمعزل عن عدالة الصحابة, لنرى هل هناك نصّ ثابت عليها, ثمّ البدء بنقاش النصّ بحسب الظروف المحيطة به. أما كيف يكون هناك نص والصحابة رفضوه؟ ـ حسب ما تصرحون دائماً منكرين على من يقول به ـ فهذا يأتي في المرتبة الثانية من البحث، فرفض وجود هذه النصوص للوهلة الأولى بدعوى عدالة الصحابة، مصادرة على المطلوب، وهو خلاف المنهج العلمي.

مضافاً إلى ذلك، فإنّ عدالة الصحابة غير مرتبطة بمخالفة النصّ على الإمامة فقط, فهناك معاصٍ وقتل وسرقة وانتهاك حقوق وتكفير وسب وشتائم بين الصحابة, فالاعتقاد بالنص على الإمام، وبالوصية، وعدم إنكارها أيضاً لا يلازم القول بعدالة الصحابة؛ لثبوت فسق عدد كبير منهم بالأدلّة الصحيحة.

وليس موقف الشيعة ـ كما زعمت ـ نتاج الهوى، بل الذي يتبع هواه هو هو من يبتعد عن الدليل العلمي, وهو من يرفض كلام الرسول؛ تزكية لأشخاص عاديين, ذمّهم النبيّ’ بنفسه, نتمنى عليكم وعلى كلّ أمّة محمّد’ أنْ يسيروا خلف الدليل مهما كانت نتائجه, وأنْ لا نقدّس الأشخاص, فالحق لا يُعرف بالرجال, وإنّما الرجال تُعرف بالحقّ.

الحديث الثاني: خير الناس قرني...

أخرج البخاري, عن عبد الله بن مسعود, عن النبي’ أنّه قال: «خير الناس قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم...»([201]).

وقد أجبناكم على هذا الحديث ـ في حواراتنا السابقة ـ بأنّ التاريخ القطعي يكذّب صدوره, فإنّ قرن التابعين يعدّ من شر القرون, حيث أُهرقت فيه دماء أهل البيت, واستحلّت فيه المدينة المنورة, ولاقى الصحابة من بني أميّة الويلات, وذكرنا لكم كلام الجويني على بطلان هذا الحديث([202]).

وقد بسطتم الكلام طويلاً حول هذا الحديث, لذا سنتناول أهم محاور كلامكم ضمن تقسيمها إلى عدّة مطالب مع الإجابة عليها:

أهمّ محاور الحديث

بيانكم لصحّة الحديث

المطلب الأول: أوردتم في ص231: كلامنا حول عدم صحّة الحديث لمنافاته للواقع الملموس, خصوصاً ما جرى في القرن الثاني من أحداث فظيعة, وقد أجبتم على ذلك بخمسّة أمور, نورد كلّ واحد منها مختصراً ونجيب عليه:

قلتم: الحديث رواه ستّة من الصحابة وهو صحيح

الأول: ذكرتم بأنّ الحديث رواه ستّة من الصحابة, ولو لم يروه إلاّ صحابي واحد أو محدّث واحد وصحّ السند لكان كافياً في قبوله, فكيف وقد رواه جماعة من الصحابة, وخرّجه أصحاب الصحاح؟

الجواب

1ـ من غرائب البحث عند أهل السنّة هي الانتقائية في التعامل مع الروايات, فالروايات التي لا تعجبهم ويرون صحّة سندها يقولون عنها منكرة أو باطلة, ويعللون ذلك بأنّ صحّة الحديث غير مقصورة على صحّة السند, بل لا بدّ أن لا يكون هناك شذوذ أو علّة, وقد طعنوا بالكثير من روايات الفضائل التي تبيّن أنّ عليّاً أفضل من الصحابة, معتبرين أنّ ذلك مخالفاً للمقطوع به, فالحديث حينئذ يكون منكراً وباطلاً, مع أنّ تطبيق القاعدة على فضائل أهل البيت ليس بصحيح قطعاً, وليس هنا محلّ بيان ذلك, بل غرضنا بيان أنّ صحّة السند، لو سلّمنا بها، فهي غير كافية في الاحتجاج عند أهل السنّة. وحينئذٍ, فإنّ الحديث أعلاه لو سلّمنا بصحته السندية، فهو يتعارض مع الواقع القطعي الذي يثبت أنّ هذه القرون ليست أفضل قرون الأمّة, فإمّا أنْ يكون غير صادر عن النبي’ أو يحمل على غير ظاهره.

 والنتيجة: عدم إمكان الاستدلال به على عدالة جميع الصحابة, خصوصاً وأنه سوف يأتي منكم الاعتراف بأنّ الحديث غير ناظر للأفراد فرداً فرداً, بل ناظر لمجموع الأمّة, مع أنّ هذا الكلام أيضاً لا يمكن التسليم به؛ لأنّ سمة القرن الثاني هي الشرور والقتل وانتهاك الأعراض, مع الاعتراف بوجود الخيرية في البعض بلا كلام.

2ـ إنّ الحديث مختص بالمصادر السنيّة, وليس بحجة على الشيعة بوجه من الوجوه.

3ـ إنّ الحديث معارض بروايات عديدة تدلُّ على أنّ الخيرية والأفضلية تكون لناس آخرين لم يروا النبي’، من قبيل ما ورد عن أبي جمعة، قال: «تغديّنا مع رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) ومعنا أبو عبيدة بن الجراح. قال: فقال: يا رسول الله، هل أحد خير منّا, أسلمنا معك وجاهدنا معك؟ قال: نعم، قوم يكونون من بعدكم, يؤمنون بي ولم يروني».

قال شعيب الأرنؤوط في تعليقه على المسند: «حديث صحيح<([203]).

وأخرجه أحمد ثانياً باختلاف يسير في السند, فعلّق شعيب الأرنؤوط قائلاً: «إسناده صحيح, رجاله ثقات رجال الشيخين غير أسيد بن عبد الرحمن ـ وهو الخثعمي الفلسطيني ـ فمن رجال أبي داود، وخالد بن دريك فمن رجال أصحاب السنن وكلاهما ثقة»([204]).

وقال حمزة أحمد الزين: «إسناده صحيح»([205]).

وأخرجه الحاكم وصحّحه ووافقه الذهبي([206]).

وقال ابن حجر: «إسناده حسن، وقد صححّه الحاكم»([207]).

وقد تقدّم سابقاً الكلام عن دلالة هذا الحديث, وغيره من الأحاديث الواردة في هذا الباب تحت عنوان: «حوار في أفضلية غير الصحابة» فليراجع([208]).

قلتم: الشيعة يردون الصحيح ويعملون بالضعيف

الثاني: ذكرتم في ص232: بأنّ المنهج الذي يحتكم إليه المخالفون لأهل الحق ـ تعني الشيعة ـ إنّما هو الهوى, لا المنهج العلمي الذي يقوم على أسس علميّة, وإنّما هو أوهام عارضت حقائق, فلتلغَ الحقائق؛ متابعة للأوهام, فبينما نراهم يستدلّون بأحاديث ضعيفة لإثبات عقائد باطلة, يردّون أحاديث صحيحة لسوء فهمها, أو لمخالفتها لمعتقداتهم.

الجواب

عرف القارئ الكريم أنّ الحقّ قد حصحص, وأنّ الأوهام قد زالت, فشروط الحوار العلمي تعني أنْ تلزم خصمك بما بما صحّ عنده, لا بما صحّ عندك, بل الحال أنّه حتّى ما تستدل به من كتبكم فيه خلاف بينكم, فعن أيّ منهج علمي تتحدّث؟ وبأيّ دليل تقدّم رواياتك على رواياتي؟

 فإمّا أنْ يكون الحوار علميّاً, أو تذعن للحقّ، وتعترف بأنّكم غير قادرين على الاحتجاج وفق الأطر العلمية الصحيحة.

 فالثابت في مدرسة أهل البيت هو أفضلية أهل البيت على غيرهم, والثابت عند الفريقين أنّ كثيراً من الصحابة قد ارتكب المعاصي, وأنّ كثيراً من الروايات وردت في ذمّهم, والثابت عند الفريقين أيضاً أنّ كثيراً من فضائل أهل البيت صحيحة معتبرة, فما هو وجه استدلالك علينا بحديث يعارضه الواقع, وتعارضه أحاديث أخرى, ومروي في كتبكم فقط! أهذا هو الحوار العلمي الذي تتحدث عنه!!

واعلم أنّ أيّ باحث لو لزم المنهج العلمي, واحتجّ على خصمه بما صحّ عنده, وتبنّى الصحيح المتّفق عليه بين الفريقين, لوصل إلى نتيجة قطعية بصحّة مذهب أهل البيت دون سواهم.

قلتم: الواقع التاريخي يثبت صدق الحديث

الثالث: ذكرتم في ص232ـ 233 كلاماً طويلاً خلاصته: أنّ الواقع التاريخي يثبت صدق الحديث, فحتّى لو لم يرد الحديث فحال الأمّة هو كذلك, فالصحابة ضحّوا بأنفسهم وأموالهم من أجل نصرة هذا الدين, وظهر بعدهم العلماء والقادة والشهداء والجيوش تفتح البلدان وتبلغ الدين, والفتن التي ظهرت في الجانب السياسي, أنقصت من هذا الخير, ولم تقض عليه, فكلّ خير في الأمّة فإنّما وصلنا عن هذه القرون, ولهم مثل أجور من عمل بالخير الذي حفظوه ورووه, والأمويون جزء من الأمّة لا كلّ الأمّة, والأحداث التي حصلت فلا شك أنّها شرّ, لكن لا ينكر الخير العظيم الذي في الأمّة بسبب بعض الشر, قال السندي: لابدّ من تخصيص الكلام بالمؤمنين, والمراد أنَّ مؤمني زمانه خير من الذين بعدهم. ثمَّ خيرية قرن الصحابة لا تقتضي خيرية كلّ واحد من الآحاد, بل يكفي خيرية الغالب، وإلاَّ لكان كلّ من كان في وقت التابعين خيراً ممّن بعده, مع أنَّ في وقتهم الحجَّاج الظالم, ولعلَّه لا يوجد له نظير في بابه.

إذن, ليس المراد أنَّ كلّ فرد من أهل كلّ قرن خير من كلّ فرد بعده, وإنَّما المراد عموم أهل القرن, ولا يعني انتفاء الشرّ كذلك.

الجواب

1ـ أكثر كلامك كان خطابيّاً بعيداً عن الجو العلمي, فالقرن الثاني كانت نسبة الشرّ فيه طاغية على الخير, ووجود العلماء فيه والصالحين لا يعني انّه من خير القرون, فمضافاً للدماء التي سفكت, وللأعراض التي انتهكت, حصل الدسّ والتزوير في سنّة الرسول الأعظم’ واشتدّ البلاء بكثرة الوضع, فضاع كثيرٌ من السنّة الصحيحة, واستبدلت بسنّة مزيّفة موضوعة تناثرت بين التراث, وعاش العلماء في زمنهم تقيّة, فقد حذفوا الصلاة على الآل تقيّة من بني أميّة, قال الصنعاني: «إنّ حذف لفظ الآل من الصلاة، كما يقع في كتب الحديث ليس على ما ينبغي. وكنت سألت عنه قديماً فأجبت: أنّه قد صحّ عند أهل الحديث بلا ريب كيفيّة الصلاة على النبيّ (ص)، وهم رواتها، وكأنّهم حذفوها خطأ؛ تقيّة؛ لما كان في الدولة الأمويّة من يكره ذكرهم، ثمّ استمرّ عليه عمل الناس متابعة من الآخر للأوّل، فلا وجه له»([209]).

وحمل الشوكاني كلام العلماء في نسبتهم زياد إلى أبي سفيان مع انّه خلاف الشرع, على التقية, وقال: «وقد أجمع أهل العلم على تحريم نسبته إلى أبي سفيان، وما وقع من أهل العلم في زمان بني أميّة, فإنّما هو تقيّة»([210]).

فهل الزمن الذي يعيش فيه العلماء تقيّة وخوفاً من الحكّام والولاة يكون من خير القرون؟!!

2ـ إنّ كلامك مبنيٌ على أنّ الإسلام الصحيح نقل حصراً عن طريق الصحابة ثمّ التابعين ومن بعدهم, لذا فلهم مثل أجور من عمل بالخير!

 وهذا الكلام غير صحيح من الأساس, فإنّ نقلة الشريعة الحقّة هم أهل البيت^, فلا بدّ أن يحرّر الكلام في هذه النقطة, ثمّ يتمّ الانتقال إلى ما بعدها, فافتراضك أنّ ما بين أيدي السنّة هو الإسلام الصحيح, هو مصادرة على المطلوب.

 على أنّه لو تنزلّنا معك في المقام فكلامك أيضاً غير تام لسببين:

الأول: أنّ ما وصل إليكم لا يمثّل مدرسة الصحابة بنحو قطعي؛ لأنّ بني أميّة دسّوا وغيّروا وتلاعبوا فيه, ولذا نرى بعض الروايات مضطربة متناقضة, تمجّد الحكام والملوك تارة, وتسيء إلى نبيّ الإسلام تارة أخرى.

الثاني: أنّ كلامكم يفترض أنّ كلّ ما وصل إنّما اشترك فيه جميع الصحابة, وأنّ الإسلام إنّما حفظ ووصل بجهود جميع الصحابة, مع أنّ هذا الكلام لا صحّة له؛ فإنّ الصحابة عددهم يزيد على مئة ألف, والعدد المترجم له يصل إلى عُشر ذلك العدد, والصحابة الذين نقلوا الدين إليكم أقلّ من ذاك العشر بكثير, فكيف يكون جميع الصحابة خير الناس, مع أنّ الخير الواصل إنّما هو بسبب بعضهم القليل بالنسبة لعددهم الكلي؟

3ـ ختمت جوابك بذكر كلام السندي، وتأييده في أنّ الخيرية ناظرة إلى المجموع من حيث المجموع لا إلى الأفراد, وبذا تكون قد اعترفت بأنّ الحديث لا يدلّ على عدالة كلّ فرد من الصحابة, بل هو مختص بالمؤمنين منهم, أضف إلى ذلك أنّه غير مقبول أيضاً؛ لأنّ القرن الثاني بخلافته وولاته وجيشه كانوا شرّاً محضاً, فالوجه العام للدولة كان هو الشرّ، وإن كان الخير في باقي الأمة لم ينعدم أيضاً.

4ـ لو تنزلنا وقلنا بأنّ الدين نقل حصراً عن خصوص الصحابة, ثمّ عن أتباعهم, ثمّ أتباع أتباعهم, فكلّ خير في الأمّة يعود إليهم.

 فمع التسليم بذلك لا يدلّ الحديث أيضاً على عدالة جميع الصحابة؛ لأنه يمكن تفسير خير القرون بأنّه القرن الذي وُلِد فيه الإسلام, ونشأ وانتشر, وثبتت أركانه على يدي الرسول’, فيكون خير القرون من هذه الجهة, باعتبار ولادة الديانة الخاتمة, وانتشارها, لا من جهة أنّ جميع الناس فيه خيّرين, كيف وهو ضمّ المنافقين ومرضى القلوب وغيرهم؟ ويكون القرن الثاني خير القرون بعده, باعتباره قد ضمّ كوكبة من التابعين الذين حفظوا أقوال الصحابة ورواياتهم, ونقلوها لمن بعدهم, رغم الظلم والاضطهاد الذي حلّ بهم, وهكذا يكون القرن الذي بعده, وبهذا يكون الحديث بعيداً عن عدالة جميع أفراد القرن, وغير ناظر لها أساساً.

قلتم: منظار الشيعة لا يكشف سوى العيوب

الرابع: ذكرت في ص234: بأنّ منهج الشيعة منهج غريب, وأنّ منظارهم لا يكشف إلاّ المعايب, وأنّ أخطاء قليلة وقعت في عهد الصحابة جرحتهم, وأخطاء قليلة صدرت من بعض أمّهات المؤمنين جرحتهن, والأخطاء التي وقعت من طائفة من الأمّة أفسدت كلّ خير في الأمّة, وقلت: أرأيت النحل, فإنّه لا يقع إلاّ على الزهر, مع أنّ هناك أماكن نتنة, لكنّه نظيف شريف, فليتنا نكون نحلاً!!

الجواب

1ـ ما ختمت به جوابك من تعريض صريح, لا يعدو الخطابيات السقيمة، ونحن نمتنع عن الدخول في مثل هذه السجالات غير المثمرة.

2ـ إن منظارك الذي تريد منا النظر فيه، لا يري الأشياء على حقيقتها، فهو يريك أن لعن النبي’ للصحابي تزكية له, والدعاء عليه تزكية، وأنّ من أخبر النبي’ بدخوله النار يكون في الجنّة، ويريك قاتل أخيه, إنّما قتله وهو ومحبّ وناصر له, ويريك أنّ من يهتك أعراض المؤمنين هو عادل مغفور له يجب اتباعه فيما يقول، وتصديقه في روايته واحترامه وتقديسه, وكثيرة هي الأشياء التي تراها مقلوبة بمنظارك.

 أما منظارنا الذي تقول إنه غريب، هذا المنظار قد ورثناه من رسول الله’, حيث وجدناه يرينا الأمور بواقعيتها وعلى ما هي عليه،, فنرى فيه أن النبي’يغضب من أصحابه عندما يفعلوا القبيح، ويقول عنهم: إنّهم عصاة, ويخبر عن وجود مرتدين منهم سوف يدخلون النار, وعلى أي حال من قرأ هذا الكتاب سيتعرف على منظاركم جيّداً, وهو حر باختيار ما يشاء.

قلتم: إنّ قتْل الحسين في أحد القرون لا يعني أنّه شرّ القرون

الخامس: ذكرت في ص234: بأنّه قد وقعت فتن قبل قتل سبط النبي’, وقُتل من أصحاب الفضل قبل الحسين الكثير, ولم يحكم بأنّه شرّ القرون, فقد قتل حمزة وعمر وعثمان وعلي ولم تكن تلك العصور شرّ العصور, فإنّ مساحة الخير في الأمّة باقية, فالخير في هذه الأمّة كلّه يرجع إلى هذه العصور, فكيف يتناسى الخير ويضخّم الشرّ, وبهذا يتبيّن أنّ فهمكم غير سليم وحكمكم غير مستقيم.

الجواب

كلامكم المتقدّم ينبئ عن عدم إحاطة ومعرفة دقيقة بالواقع التاريخي الذي مرّ به المجتمع الإسلامي, فنحن لم ندّع أنّ العصر يكون شرّاً كلّه نتيجة لمقتل إمام أو صحابي كبير أو شخص له قيمة دينية واجتماعية مرموقة, بل النظر يكون إلى الصبغة الإسلامية العامّة الموجودة في ذلك العصر, والوقائع التي حصلت فيه, ففي زمن يزيد بن معاوية لم يبق من الإسلام إلاّ اسمه, فخليفة المسلمين يلعب بالفهود والقردة ويشرب الخمر, وأقدم على ثلاثة أفعال هزّت المسلمين من أعماقهم, فقد قام بقتل الحسين بن علي وأنصاره بطريقة مروّعة, ثم اقتطعوا رؤسهم وسبوا نساءهم وأخذوهن أسيرات من كربلاء إلى الشام, ولم يحصل أن تسبى نساء آل بيت النبي’ ويطاف بهنّ البلدان إلاّ في زمن يزيد, ولم يكتف بذلك, بل راح يضرب الرأس الشريف للحسين بن علي بسوطه([211]), فأيّ مرحلة وصلها خليفة المسلمين من الانحطاط إذن؟

 ومن أعماله المشينة أيضاً قتله الصحابة وانتهاكه الحرمات في وقعة الحرة, قال السيوطي: «وكانت وقعة الحرة على باب طيبة, وما أدراك ما وقعة الحرة؟ ذكرها الحسن مرة, فقال: والله ما كاد ينجو منهم أحد، قتل فيها خلق من الصحابة (رضي الله عنهم) ومن غيرهم، ونهبت المدينة، وافتض فيه ألف عذراء، فإنّا لله وإنا إليه راجعون! قال (صلّى الله عليه وسلّم): «من أخاف أهل المدينة أخافه الله، وعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين< رواه مسلم، وكان سبب خلع أهل المدينة له؛ أنّ يزيد أسرف في المعاصي، وأخرج الواقدي من طرق أنّ عبد الله بن حنظلة بن الغسيل, قال: والله ما خرجنا على يزيد حتّى خفنا أن يرمى بالحجارة من السماء! إنّه رجل ينكح أمّهات الأولاد والبنات والأخوات, ويشرب الخمر, ويدع الصلاة»([212]).

وقال القرطبي: «ووجّه يزيد بن معاوية مسلم بن عقبة المري في جيش عظيم من أهل الشام، فنزل بالمدينة, فقاتل أهلها, فهزمهم وقتلهم بحرّة المدينة ًقتلاً ذريعاً, واستباح المدينة ثلاثة أيام، فسميت وقعة الحرة لذلك, ويقال لها: حرة زهرة، وكانت الوقعة بموضع يعرف بواقم على ميل من المسجد النبوي, فقتل بقايا المهاجرين والأنصار وخيار التابعين وهم ألف وسبعمائة, وقتل من أخلاط الناس عشرة آلاف سوى النساء والصبيان, وقتل من حملة القرآن سبعمائة رجل...»([213]).

وسار جيشه بعد ذلك إلى مكّة لقتال ابن الزبير, فقام بضرب الكعبة بالمنجنيق, قال ابن حزم: «... أغزى يزيد الجيوش إلى المدينة, حرم رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم)، وإلى مكّة, حرم الله تعالى, فقتل بقايا المهاجرين والأنصار يوم الحرّة، وهي أيضاً أكبر مصائب الإسلام وخرومه؛ لأنّ أفاضل المسلمين وبقية الصحابة، وخيار المسلمين من جلّة التابعين قتلوا جهراً ظلماً في الحرب وصبراً، وجالت الخيل في مسجد رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم)، وراثت وبالت في الروضة بين القبر والمنبر، ولم تُصلَّ جماعة في مسجد النبي (صلّى الله عليه وسلّم)، ولا كان فيه أحد، حاشا سعيد بن المسيب فإنّه لم يفارق المسجد، ولولا شهادة عمرو بن عثمان بن عفان، ومروان بن الحكم عند مجرم بن عقبة المري بأنّه مجنون لقتله، وأكره الناس على أنْ يبايعوا يزيد بن معاوية على أنّهم عبيد له، إن شاء باع، وإن شاء أعتق، وذكر له بعضهم البيعة على حكم القرآن وسنّة رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) فأمر بقتله، فضرب عنقه صبراً، وهتك مسرف أو مجرم الإسلام هتكاً، وأنهب المدينة ثلاثاً، واستخف بأصحاب رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) ومدت الأيدي إليهم وانتهبت دورهم، وانتقل هؤلاء إلى مكة شرفها الله تعالى، فحوصرت، ورمي البيت بحجارة المنجنيق، تولى ذلك الحصين بن نمير السكوني في جيوش أهل الشام، وذلك لأنّ مجرم بن عقبة المري مات بعد وقعة الحرة بثلاث ليال، وولي مكانه الحصين بن نمير, وأخذ الله تعالى يزيد أخذ عزيز مقتدر، فمات بعد الحرة بأقلّ من ثلاثة أشهر وأزيد من شهرين، وانصرفت الجيوش عن مكة»([214]).

وقد تحولت الخلافة الراشدة إلى ملك يتوارثه بنو أمية في زمانهم بعدما خلّف معاوية ولده يزيد على رقاب المسلمين, قال الحسن البصري: «أفسد أمر الناس اثنان: عمرو بن العاص يوم أشار على معاوية برفع المصاحف فحملت ونال من القراء فحكم الخوارج فلا يزال هذا التحكيم إلى يوم القيامة.

والمغيرة بن شعبة: فإنّه كان عامل معاوية على الكوفة, فكتب إليه معاوية: إذا قرأت كتابي فأقبل معزولاً فأبطأ عنه, فلمّا ورد عليه، قال: ما أبطأ بك؟ قال أمرٌ كنت أوطّئه وأهيّئه قال: وما هو؟ قال: البيعة ليزيد من بعدك! قال: أو قد فعلت؟ قال: نعم، قال: ارجع إلى عملك، فلمّا خرج قال له أصحابه: ما وراءك؟ قال: وضعت رجل معاوية في غرز غيّ لا يزال فيه إلى يوم القيامة. قال الحسن: فمن أجل ذلك بايع هؤلاء لأبنائهم, ولولا ذلك لكانت شورى إلى يوم القيامة»([215]).

واستمرّ الغيّ والفساد في بني أميّة, ولاقى منهم الصالحون وخصوصاً من أبناء آل البيت أشدّ المحن والخطوب, فأين الخير الذي تتكلّم عنه؟ هل هو بانتقامهم من آل البيت, أم بتحريفهم الحقائق, أم بوضعهم للأحاديث؟

 ولماذا تحاول ربط الموضوع بمسألة قتل الحسين×! فأفعال بني أميّة وشناعتها لا تخفى على أحد, والتاريخ طافح بسيئات أعمالهم, ووجود مساحة ضيّقة من الخير في ذلك الوقت لا تخرج قرنهم من كونه شرّ القرون, ولولا فترة حكم بني أميّة لمّا وصلتنا الأحاديث والمرويات والآثار بهذه الكيفية والكمية، بل ربما وصلتنا بطريقة أخرى تكشف عن الفضائل الكثيرة لأهل البيت، وما حدث من انقسام وشرخ في الأمة الإسلامية سببه يعود الى تلك الحقبة السيئة.

وقد قام معاوية بسبّ الإمام علي ولعنه على المنابر، متحديّاً بذلك السنّة النبوية الناهية عن سبّ الإمام×, وسنوافيك بما يتعلق بالسبّ في هذا الكتاب فانتظر؟

 والحاصل: أنّ بني أميّة قد غيروا وتلاعبوا بالسنن, فتحوّلت خطبة صلاة العيد مثلاً إلى قبل الصلاة بعد أن كانت بعدها, فهذا مروان يخطب قبل صلاة العيد ويجيب على اعتراض أبي سعيد عليه حينما قال له: «غيرتم والله» بقوله: «إنّ الناس لم يكونوا يجلسون لنا بعد الصلاة, فجعلتها قبل الصلاة»([216]).

ويبدو أنّ مروان كان مستنّا بسنّة معاوية الذي يعدّ أوّل من قدّم الخطبة, فقد أخرج الشافعي عن عبد الله بن يزيد الخطمي: «أنّ النبي (صلّى الله عليه وسلّم) وأبا بكر وعمر وعثمان كانوا يبدؤون بالصلاة قبل الخطبة حتّى قدم معاوية فقدّم معاوية الخطبة»([217]).

ولم يقتصر الأمر على ذلك, بل شرّع الضياع لسنّة النبي’ رويداً رويداً, ووصل الأمر أنْ ضاعت الصلاة التي تعدّ العمود الرئيس الذي يرتكز عليه الدين الإسلامي, أخرج البخاري عن الزهري قال: «دخلت على أنس بن مالك بدمشق ـ وهو يبكي ـ فقلت: ما يبكيك؟ فقال: لا أعرف شيئاً ممّا أدركت إلاّ هذه الصّلاة، وهذه الصّلاة قد ضيّعت»([218]).

وفي مسند أحمد أنّ أَنَساً (أنس بن مالك) قال: «ما أعرف فيكم اليوم شيئاً كنت أعهده على عهد رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) ليس قولكم لا إله إلاّ الله. قال: قلت: يا أبا حمزة، الصلاة، قال: قد صليت حين تغرب الشمس, أفكانت تلك صلاة رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم)؟».

قال شعيب الأرنؤوط: «إسناده صحيح على شرط مسلم رجاله ثقات, رجال الشيخين, غير سليمان بن المغيرة فمن رجال مسلم وروى له البخاري تعليقاً ومقروناً»([219]).

وأخرج الشافعي عن وهب بن كيسان، قال: «رأيت ابن الزبير يبدأ بالصلاة قبل الخطبة, ثمّ قال: كلّ سنن رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) قد غيّرت حتّى الصلاة»([220]).

وأخرج مالك عن أبي سهيل بن مالك، عن أبيه، أنّه قال: «ما أعرف شيئاً ممّا أدركت عليه الناس إلاّ النداء بالصلاة»([221]).

وقال الحسن البصري: «لو خرج عليكم أصحاب رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) ما عرفوا منكم إلاّ قبلتكم»([222]).

وعن معاوية بن قرة، قال: «أدركت سبعين من الصحابة، لو خرجوا فيكم اليوم، ما عرفوا شيئاً ممّا أنتم فيه إلاّ الأذان»([223]).

وبعد هذا, نقول: من غير الممكن مع هذا الضياع للسنّة والتغيّر الحاصل لها, حيث لم يبقَ من الدين إلا أسمه في هذا القرن أنْ يقال إنّه من خير القرون؟

فيما يتعلق بتضعيف الرواية

المطلب الثاني: أوردتم في ص234 كلامنا فيما يخصّ كذب الرواية, وأنّ التاريخ خير شاهد على كذبها ووضعها من قبل سماسرة الحديث لتطهير الجهاز الأموي ممّا ارتكبه, وذكرتم أيضاً استشهادنا بكلام الجويني الذي صرّح ببطلان هذه الرواية، وقال: «وممّا يدلّ على بطلانه، أنّ القرن الذي جاء من بعده بخمسين سنة، شرّ قرون الدنيا، هو أحد القرون التي ذكرها في النصّ، وكان ذلك القرن هو القرن الذي قتل فيه الحسين، وأوقع بالمدينة، وحوصرت مكّة، ونقضت الكعبة وشربت خلفاؤه والقائمون مقامه والمنتصبون في منصب النبوّة الخمور، وارتكبوا الفجور، كما جرى ليزيد بن معاوية، وليزيد بن عاتكة، وللوليد بن يزيد، وأريقت الدماء الحرام، وقتل المسلمون وسُبي الحريم، واستعبد أبناء المهاجرين والأنصار، ونقش على أيديهم كما ينقش على أيدي الروم، وذلك في خلافة عبد الملك وإمرة الحجاج.

وإذا تأمّلت كتب التواريخ وجدت الخمسين الثانية، شرّاً كلّها، لا خير فيها، ولا في رؤسائها وأمرائها، والناس برؤسائهم وأمرائهم، والقرن خمسون سنة، فكيف يصحّ هذا الخبر»([224]).

وقد أجبتم على ذلك بخمسة أمور نوردها مع إيراد الجواب عليها:

قلتم: التاريخ يشهد بصحّة الرواية كما مر

أوّلاً: قلتم في ص235: زعمتم أنّ التاريخ خير شاهد على كذب الرواية, ولعلّ الصحيح هو العكس كما مرّ.

الجواب

بل الذي مرّ يؤكّد شهادة التاريخ على كذب الرواية, وأنّ القرن الثاني كان من شرّ القرون, ولم يقتصر شرّه على القتل وانتهاك الأعراض, بل ضاعت فيه السنّة النبويّة المباركة.

قلتم: في تضعيفكم للرواية اتهام لعلماء الأمة وثقاتها

ثانياً: ذكرت في ص235 بأن اتّهام علماء الأمّة وثقاتها بأنهم يضعون الحديث؛ لتطهير الجهاز الحاكم, دعوى مردودة وعارية عن الدليل... ولو فتح هذا الباب لرد كلّ شخص ما لا يتفق مع عقله أو معتقده بمثل هذه الدعوى... ونحن نلتزم ونلزم في كل مسألة خلافية أن نخضعها للمنهج العلمي في كل باب بحسبه, فباب الرواية نخضعها لدراسة رواتها قبل إطلاق الأحكام, ورواة هذا الحديث ثقات أعلام والطرق متعددة, ورواه عشرة من الصحابة, خرج البخاري ومسلم حديث اثنين منهم, والأخرى وردت في المسانيد والسنن، ثم أشرت إلى روايتين منها: الأولى عن ابن مسعود، والثانية عن عمران بن حصين, وانتهيت إلى توثيق رجال السند، ومن ثمَّ تساءلت: كيف يكذب هؤلاء الأعلام على رسول الله’؟ ثم قلت متهكماً: سبحانك هذا بهتان عظيم!!

الجواب

1ـ لا يخفى عليك أنّ المنهج العلمي في تقييم الحديث عند العلماءيخضع لضابطين: الأول: ضابط السند, والثاني: ضابط المتن, فصحّة السند لوحدها غير كافية في إطلاق الحكم على صحّة الرواية؛ فقد يكون المتن يخالف السنّة القطعية أو القرآن الكريم، فمهما كان السند صحيحاً حينئذٍ فلا يمكن قبوله بإجماع العلماء, ولذا نرى في كتب أهل السنّة كثيراً ما تُردّ الرواية بعلّة النكارة أو الشذوذ, وذلك بدعوة مخالفتها لما هو أوثق منها، أو بدعوى مخالفتها للأمور القطعية، وقد ذكرنا ذلك في بحوث سابقة.

 قال البيهقي معلّقاً على الحديث المروي بسند صحيح عن ابن عباس: «الأرضون سبع، في كل أرض نبي كنبيكم...»: «هو شاذ بالمرة. قال السيوطي: هذا من البيهقي في غاية الحسن فإنّه لا يلزم من صحّة الإسناد صحّة المتن لاحتمال صحّة الإسناد مع أنّ في المتن شذوذاً أو علةً تمنع صحّته»([225]).

وكذا نلاحظ صنيع الذهبي في بعض الأخبار، فإنّه يرد المتن مع التصريح بجودة الإسناد, فقد علق على حديث ابن عباس في تعليم النبيّ’ لعلي طريقة يدفع بها النسيان, فقال في الميزان: «وهو ـ مع نظافة سنده ـ حديث منكر جداً، في نفسي منه شيء»([226]), وقال في التلخيص: «حديث منكر شاذ, أخاف لا يكون موضوعاً([227]) وقد حيرني والله جودة إسناده»([228]).

وعلّق على حديث دعاء النبي لعائشة, بقوله: «منكر على جودة إسناده»([229]).

وعلق على حديث طويل يدلّ على أن الناس يمثل لهم في القيامة ما كانوا يعبدونه في الدنيا, وأن المسلمين يعرفون ربهم حين يكشف عن ساقه, فقال: «ما أنكره حديثاً على جودة إسناده!»([230]).

وحينئذٍ، وكما صرّح الجويني, فإن الرواية محلّ البحث مخالفة للتاريخ القطعي الدال على كون القرن الثاني هو شر القرون, فبطلان هذه الرواية مبنيٌ على الدليل وليست مجرّد دعوى كما تقول, خصوصاً إذا ما عرفنا أنّ الوضع للحديث كان منتشراً في زمن معاوية, فقد وضعت الكثير من الروايات في فضل الشام, بل ووضعت روايات في فضل معاوية لا يصحّ منها شيء.

 قال الشوكاني: «وقال الحاكم: سمعت أبا العباس محمد بن يعقوب بن يوسف، يقول: سمعت إسحاق بن إبراهيم الحنظلي يقول: لا يصح في فضل معاوية حديث»([231]).

ونقل ابن حجر العسقلاني في فتح الباري عن ابن الجوزي عن إسحاق بن راهويه أنّه قال: «لم يصحّ في فضل معاوية شيء» ثمّ قال: «وأخرج ابن الجوزي أيضاً من طريق عبد الله بن أحمد بن حنبل، سألت أبي: ما تقول في علي ومعاوية؟ فأطرق ثم قال: اعلم أن علياً كان كثير الأعداء، ففتش أعداؤه له عيباً فلم يجدوا، فعمدوا إلى رجل قد حاربه، فأطروه كياداً منهم لعلي».

قال ابن حجر: «فأشار بهذا إلى ما اختلقوه لمعاوية من الفضائل مما لا أصل له، وقد ورد في فضائل معاوية أحاديث كثيرة، لكن ليس فيها ما يصح من طريق الإسناد، وبذلك جزم إسحاق بن راهويه والنسائي وغيرهما والله أعلم»([232]).

ومن الواضح أنّ الحديث محل البحث يدخل فيه مدح معاوية وكل بني أميّة باعتبار قرنهم من خير القرون.

2ـ إنّ الحديث فيه معانٍ لا يمكن قبولها, تؤكّد عدم صحّته وعدم صدوره من النبي’، فـ (إن خير الناس قرني) جاءت مطلقة, فكما أنّها شاملة للقرون اللاحقة فهي أيضاً شاملة للقرون السابقة, فيكون الصحابة حينئذ أفضل من كافّة الأنبياء والرسل الذين سبقوا النبيّ محمد’.

3ـ إنّ متن الحديث فيه اضطراب واضح, فبعض الألفاظ أدخلت القرن الرابع وبعضها اقتصر على الثلاثة, كما أن بعضاً من ألفاظه وصفت القرون الأخرى التالية بأنهم (أراذل) وبعضها الآخر لم تدخل القرن الأول, بل بدأت من الثاني!

 فقد أخرج ابن أبي شيبة في (المصنف) عن أبي الأحوص، عن منصور، عن إبراهيم، عن عبيدة، عن عبد الله، قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم): «خير أمتي القرن الذين يلوني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، ثم يجئ قوم تسبق شهادة أحدهم يمينه ويمينه شهادته»([233]).

4ـ إنّ القول بوضع الرواية لا يلزم منه اتّهام الثقات والطعن فيهم؛ لأنه ليس من المستبعد أن تكون الرواية موضوعة، وأن رواتها الثقات لا دورَ في الرواية أساساً، بل أسندها لهم من وضعها، فهو الذي جاء بالمتن والإسناد معاً, ومسألة قلب الأسانيد والمتون معروفة عند علماء الحديث، فالبعض كان يركب سنداً معيناً على متن آخر وهكذا, قال الحافظ ابن حجر في شرح النخبة: «أو يأخذ حديثاً ضعيف الإسناد، فيُركّب له إسناداً صحيحاً...».

وقال العلامة القاري في شرحه للشرح: «وقد يذكر كلاماً ليس له أصل، كما يذكره أهل التعاويذ في إسناد دعاء القِدْح ونحوه، فيذكر له إسناداً جلّ رجاله من أعاظم المحدثين، منتهياً إليه (صلى الله تعالى عليه وسلم)، أو إلى أحد من أكابر أمّته كالخَضِر، والحسن البصري، والإمام جعفر الصادق...»([234]).

وإذا كان البعض قد كُشف فلا يعني أنّ الجميع قد كُشفوا وعُرفوا, ولا يعني أنّ جميع الأحاديث الموضوعة قد كُشفت, فهذا ابن أبي العوجاء يصرّح ـ حين أرادوا قتله ـ بوضع عدد كبير من الأحاديث, قال: «لقد وضعت فيكم أربعة آلاف حديث، أُحرّم فيها الحلال وأُحلّل الحرام»([235]).

وعن حماد بن زيد, قال: «وضعت الزنادقة على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) اثنى عشر ألف حديث»([236]). فهل كلّ هذه الأحاديث قد كُشفت وعُرفت!؟

5ـ إنّ ادّعاءك أننا نتهم الثقات بالكذب غير منسجم مع آداب الحوار العلمي وأساسياته؛ لأنّ توثيقكم للرجال والمحدّثين لا يعني بالضرورة وثاقتهم الواقعية, بحيث يستلزم أنهم ثقات عند كافّة الفرق الإسلامية, بل كل مذهب له قواعد يسير عليها في التضعيف والتوثيق, وليس من الصحيح أن تحصر كل مذاهب المسلمين بمذهبكم, فافتراض وثاقة الرواة؛ لثبوت وثاقتهم عندكم، هو فرع ثبوت صحّة مذهبكم دون غيره, وهذا هو محل الحوار والنقاش.

 وبعبارة أخرى: أنتم لا ترون وثاقة كبار المحدثين الشيعة أمثال الشيخ المفيد والشيخ الطوسي والصدوق والكليني وغيرهم من الثقات عندهم، وتتهمونهم بالكذب غير آبهين, فلماذا يحلّ لكم اتّهام كبار محدثينا بالكذب ولا يحل لنا ذلك في محدثيكم.

 على أنّ منهجنا في التصحيح الروائي يتبنى الطرق العلمية ولا يرى الاختلاف في المذهب سبباً للتضعيف؛ لذا فإنك تجد الصحيح في رواياتنا والموثق، والمراد بالموثق هو الخبر الذي وجد فيه ثقة أو أكثر من رجال أهل السنّة مع صحّة بقية السند, أما أنتم فنراكم في كثير من الأحيان تتهجمون على الراوي لكونه شيعي, وكم من راوٍ قد ضُعّف لا لشيء إلاّ لكونه شيعيّاً يعتقد بتقديم علي× على الشيخين, في الوقت الذي توثقون النواصب والخوارج وأتباع بني أميّة, والتاريخ وكتب الرجال شاهد على ذلك([237]).

فتلخّص: أنّك تحاورنا معتمداً على مسلّماتك في العقيدة والفقه والحديث والرجال من دون أن تكون لك القدرة على محاججة الخصم من كتبهم ومسلّماتهم, وهذا المنهج باطل بداهة, فالاحتجاج أمّا أن يكون في المسلّمات بين الفريقين أو بما يلتزم به الخصم من الصحّة, وإلاّ سيكون الحوار في دائرة مفرغة لا يصل إلى أي نتيجة.

6ـ أين المنهج العلمي الذي تتكلم عنه، مع تضعيفكم للمتواتر والصحيح من روايات النبي’؛ بذريعة أنّها تفضّل علياً× على غيره, فضعفتم حديث الطير مع تواتره وضعفتم حديث (مدينة العلم) مع صحّته، وهكذا لا نجد عندكم منهجاً علميّاً في المسائل الخلافيّة, بل تتركون الدليل جانباً وتصحّحون ما ينسجم مع عقيدتكم وتضعّفون الآخر.

 وبعبارة أخرى: أنتم لا تأخذون العقيدة من الشرع, بل تعرضون ما جاء به الشرع الحنيف على عقيدتكم فتقبلون ما تشاؤون منه وتردون ما تشاؤون!!

قلتم: الشيعة يتركون أقوال الجهابذة ويتمسكون بالشاذ

ثالثاً: ذكرت في ص236: بأنّه إذا خفي على مثل الجويني فهم مراد الحديث فقد فهمه أعلام الأمّة من محدّثين وشُرٍح بالعشرات إنْ لم يكونوا بالمئات, ومخالفة شخص لجمهور العلماء يعتبر شذوذاً لا يغير الحقيقة، ولو رجّح رأي كل شاذ؛ لما بقي للأمة دين, والشيعة يتركون أقوال جهابذة علماء الأمة إلى الأقوال الشاذة بغض النظر عن صحة المنهج الذي اتبعه ذلك المخالف أو ضعفه, وهذا منهج ضعيف.

الجواب

1ـ إنّ عالماً مثل إمام الحرمين، الجويني، لا يصح منك تجاهل قوله بهذه الطريقة, فهو من أعاظم أئمة أهل السنّة.

 قال عبد الغافر الفارسي الحافظ: «إمام الحرمين، فخر الإسلام، إمام الأئمّة على الإطلاق، حبر الشريعة، المجمع على إمامته شرقاً وغرباً، المقرّ بفضله السراة والحداة عجماً وعُرباً، من لم تر العيون مثله قبله ولا ترى بعده»([238]).

وقال أبو سعد السمعاني: «كان أبو المعالي إمام الأئمة على الإطلاق، مجمعاً على إمامته شرقاً وغرباً، لم تر العيون مثله»([239]).

وقال أبو القاسم القشيري: «لو ادعى إمام الحرمين اليوم النبوة لاستغنى بكلامه هذا عن إظهاره المعجزة»([240]).

وقد ترجمه السبكي في طبقاته ترجمة مفصّلة من شاء، فليراجع([241]).

2ـ إنّ القول الشاذ لا يؤخذ به، إنما يكون فيما إذا لم يدلّ عليه الدليل أو دلّ على خلافه, أما إذا كان مؤيداً بالدليل والحجّة والبرهان فقوله هو المقدّم وقول غيره المردود, وما نحن فيه فإن قول الجويني مطابق للواقع التاريخي القاضي بأن القرن الثاني من شرّ القرون.

3ـ نحن لم نستدلّ بكلام الجويني، بل سقناه شاهداً لما رأينا من عدم صحّة هذا الخبر, فذكرناه من باب أنّنا لم نتفرد بإنكار الخبر, بل وافقنا عليه إمام الحرمين الجويني.

4ـ إنّ أقوال علماء الأمة إذا كانت خلاف الدليل لا يمكن التمسك بها, فالجهابذة الذين تشير إليهم، متأثرون بمسألة عدالة الصحابة جميعاً؛ لذا يرون صحّة الحديث وتمام دلالته, لكن التاريخ القطعي على خلاف رأيهم, فلا يقبل قولهم في المقام؛ لأنّ العالم يستدلّ لقوله لا يستدلّ بقوله, ولا دليل هنا على صحّة قولهم, بل الدليل مع الجويني.

قلتم: ما استدلّ به الجويني هو مزاعم غير ثابتة

رابعاً: ذكرت في ص237: بأنّ ما ورد في كلام الجويني من مزاعم هي كلها أخبار تاريخية لا تثبت عند التمحيص, ولو ثبت بعضها فلا يلغى الخير في الأمة لفساد شخص أو انحرافه.

الجواب

على العكس نقول: كل تلك الوقائع ثابتة, فهل لك أن تنكر واقعة كربلاء؟ أم تنكر واقعة الحرة وما جرى في المدينة؟ أو تنكر قتالهم لابن الزبير؟ أو تنكر أن خلفاء بني أمية شربوا الخمور؟ فكل ما ذكره الجويني ثابت بالقطع واليقين، أقر بحدوثه وصدوره كبار علماء السلفية كابن تيمية وابن كثير وغيرهم، وقد تقدم ذكر بعض العبارات في ذلك, فراجع.

فالوضع السائد كان هو الشر، ولم يكن ذلك مقصوراً على أفراد فحسب، كما أنّ ساحة الخير كانت ضيّقة، فلا يمكن وصف القرن على ضوئها بأنّها خير القرون إلاّ إذا فسرنا الرواية بعدم النظر إلى الأفراد، بل تكون ناظرة إلى مسألة انتشار الدين, وحينئذٍ تكون أجنبية عن مدح أغلبية الصحابة والتابعين، فلا تنفعك في المطلوب.

قلتم: حدوث بعض الشر في الأمة لا يلغي الخير فيها

خامساً: ذكرت في ص 237: بأن حدوث بعض الشر لا يجوز أن يُلغي الخير العظيم من الأمة؛ روايات للدين، وفتوحات للبلدان، وجهاد في سبيل الله، وعباد، وشهداء، وصالحون، هم أضعاف أعداد الأشرار، أيلغى هؤلاء لشر وقع من أفراد؟!

الجواب

لست أدري لماذا هذا التهاون في عظمة حرمة سفك الدماء التي أريقت في ذلك الزمان، ورؤيته أمراً يسيراً وأن انتهاك الأعراض أمراً عاديّاً، والحكم بالظلم والجور أمراً هيناً؟

لماذ يتقبل العقل السلفي هذه الأمور من دون الشعور بحرمتها العظيمة؟ وأظن وفق معرفتنا بطبيعة هذه العقلية أن ذلك لم يكن من دون مبررات، بل له أسبابه المنطقية وركائزه التي ترسخت وتغلغلت فيه، فحينما يؤمن العقل السلفي بمسألة الاجتهاد والتأويل سوف يتقبل بلا شك أن كل ما صدر من تلك الجرائم هو خاضع للتأويل، وأن الاجتهاد سيخفف من وخز الضمير تجاه تلك الجرائم، كيف لا والمجتهد المخطئ له أجر, لذا فمعاوية مع شقه لعصا المسلمين، وخروجه على خليفة زمانه، وكونه من الفرقة الداعية إلى النار، لكن ما دام أنه كان متأولاً ومجتهداً فهو مأجور, فلا عقاب له عند رب العالمين، وهكذا كلّ الجنايات التي صدرت مهما عظمت يستحق صاحبها الأجر.

ومن هذا المنطلق نراك لا تعبأ كثيراً بمسألة قتل الحسين×، ولا انتهاك أعراض الصحابة من قبل جيش يزيد، ولا بحصار مكة، ولا بالأبرياء الذين قتلوا, فكل هذه الأشياء عندك سهلة بسيطة يُغض الطرف عنها, وتسمي ما حصل بأنه شر وقع من أفراد!

 أيعقل أن تسمي خلافة كاملة بجيوشها الجرارة وأمرائها وقادتها تعبث بأمور المسلمين أفراداً ثم تنسب لهم الجهاد!؟

 وكأنّ كل المعارك والفتوحات التي حدثت في ذلك القرن هي جهاد في سبيل الله، مع أن طابع الكثير منها كان توسيعاً للملك، فلا تستلزم بالضرورة عدالة من قام بهذه الفتوحات، كيف ذلك وقد ورد: «أن الله ليؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر»([242]).

والوقائع التاريخية تثبت أنّ بني أميّة أناس مجرمون قتلة تسلّطوا على رقاب المسلمين باسم الدين والإسلام وهو منهم براء, وأنت تنسب لهم الفتوح والجهاد والشهداء, وتغض الطرف عن الطامات التي قاموا بها, وتصورها بأنّها أمور صغيرة جداً, فلماذا هذا التسامح في دماء أهل البيت، وفي أعراض الصحابة وفي دماء الأبرياء؟

 فلا يوجد مبرر عقلائي للدفاع عن بني أميّة بهذا النحو المخالف والمنكر للبدهيات, وقد قلت أنت في كتابك: إنّ إنكار البدهيّات يسقط أهليّة المخالف للحوار, فلماذا تضع نفسك في هذه الدائرة؟!!!

قلتم: لو كان القرن الثاني شراً كلّه فكيف وصل إلينا هذا الدين؟

المطلب الثالث: أوردتم مقطعاً من كلام الجويني وهو: «وإذا تأملت كتب التواريخ وجدت الخمسين الثانية شراً كلها، لا خير فيها، ولا في رؤسائها وأمرائها، والناس برؤسائهم وأمرائهم أشبه، والقرن خمسون سنة، فكيف يصح هذا الخبر».

 وقد علقتم عليه بما حاصله: أنّ المتأمل في كتب التاريخ يجد أعمالاً فاضلة بجنب تلك الأحداث, علماء وعباد ومجاهدون في سبيل الله, فلو كانت هذه الفترة شراً كلّها فكيف وصل إلينا هذا الدين الذي حفظه أهل هذه الفترة فتعلموه وعلّموه...؟ أن الحركة العلمية غير الحركة السياسية فقد تفسد الحركة السياسية ويبقى الخير في الأمة, وحتى الطبقة السياسية فيه شر وفيها خير, فقد استمر الجهاد في تلك العصور رغم ما حدث فيهم من فساد وينبغي أن يحكم بالقسط والعدل...

الجواب

1ـ هذا الكلام للجويني وليس لنا كما لا يخفى؛ وأنّكم قد أوردتموه بلفظ: قلتم, والصحيح: قال الجويني!

2ـ إنّ وجود شر ووجود ظلم يعني ـ طبيعياًـ إنّ هناك أناساً مظلومين، ولم يقل أحد أنّ كون القرن شرّ كلّه يعني عدم وجود أي صالح فيه, وهذا من غرائب التفسير, فالمقصود أن القرن شر كلّه هو انتشار الشرّ وهيمنته على كلّ مفاصل وحلقات الدولة، وفئة الناس الصالحين فيه هم فئة غالباً مضطهدة مظلومة مسلوبة الحق, لذلك مثّلنا ومثّل الجويني بما جرى يوم عاشوراء على الحسين وأصحابه, والكلّ متفق على جلالة ومكانة الحسين بن علي×, فهل وجود الحسين× وتعرضه مع أهل بيته وأصحابه إلى القتل والسبي والاضطهاد يقلل من نسبة الشر في القرن الثاني, أم أنّه يؤكد فساد ذلك القرن وهيمنة الظلم فيه بحيث قُتل الصالحون والأخيار وحَكَمَ السفهاء والفَسقة والفجّار؟ فوجود ثُلّة من العلماء ومن أهل البيت^ حفظوا الدين والتراث وأوصلوه إلى من بعدهم لا تسلب صفة شرّ القرون عن ذلك القرن.

 ثمّ إنّ ذلك يتنافى مع تفسيركم للرواية الدالّة على خيرية عموم أهل تلك القرون, فوجود ثلة قليلة من العلماء ومن أهل البيت قد حفظوا الدين والتراث رغم الظلم والاضطهاد، تدلّ على أن الحديث ـ لو سلمنا بصدوره ـ

إنما كان ناظراً الى حفظ الدين في خصوص ذلك القرن الذي اكتنف بالقسوة والاضطهاد، ولا يكون نظره إلى عدد الأفراد وكمّهم وعموم الصالحين منهم.

وما ذكرتموه فيما يتعلّق بالجهاد والفتوح تقدم الجواب عنه فيما سبق فلا نعيد([243]).

وبهذا يكون قد تمّ الكلام عن جميع الآيات القرآنية التي ادُّعي دلالتها على عدالة جميع الصحابة، وكذا الروايات التي وقعت محلاً للبحث والحوار بيننا, ولم نجد بحسب ما قدمناه دليلاً واحداً على عدالة جميع الصحابة فرداً فرداً, فالقول بالعدالة بالكيفية التي تصورونها هو محض ادعاء تعزوه الحجّة وينقصه الدليل والبرهان.

 


 



 

 

 

 

حوار حول
سب بني أميّة لعلي بن ابي طالب
×


تمهيد

لعلّ من نافلة القول أنّ نسعى لتأكيد أن سبّ بني أميّة لعلي بن أبي طالب× كان رائجاً وثابتاً تاريخياً، مع أنه من الأمور التي لم تختلف فيها كتب التاريخ أو الحديث.

لكنّ الخلاف العقدي وللأسف, صار معياراً في نفي الحقائق أو إثباتها, فمن أجل تثبيت عقيدة ما تُغيّب الحقائق, ويتحوّل المنهج العلمي إلى سجال عقيم، بعيدٌ عن كلّ أساليب الحوارات العلمية.

ولم نتخيّل يوماً أنْ تصل الأمور في أن يكون ثمة جدلٌ في بدهيات ومسلّمات قد ذكرتها أصحّ الكتب, وأقرّ بها كبار العلماء.

فجاء هذا البحث ليؤكد أن تلك الظاهرة إنما هي من المسلمات التاريخية, ومن ثم نجيب على الشبهات التي طرحت في كتابكم.

قلتم: إن بني أميّة لم يسبّوا عليّاً

تعرضتم لنفي ما أثبتناه من أنّ عليّاً× كان يُسبُّ ويُلعن على منابر بني أمية فترة طويلة، وتناولتم ما نقلناه عن الحموي: «إن ذكر لعن علي على منابر الشرق والغرب...» ثم قلتم: «قول الحموي قول غير مُوثَّق كغيره من الروايات التاريخية... وإن كنَّا لا نستبعد حصول حالات نادرة...»([244]).

وبهذا فانتم تنكرون من خلال مناقشاتكم أنّ بني أمية قاموا بسبّ أمير المؤمنين× بشكل واسع ومن على منابر الدولة الإسلامية، وتزعمون أن هذا التصور جاء نتيجة روايات تاريخية مكذوبة، كما أنكم تعترفون بحصول حالات شاذة ونادرة في مسألة السب لا ترقى إلى كونها ظاهرة.

لكن تلك المناقشات جاءت بطريقة تفتقر إلى الموضوعية والعلمية، كما سيتبين لاحقاً من جوابناً.

الجواب

 محوران للإجابة عن محاولة إنكار لعن وسب علي×

سيكون جوابنا ضمن محورين:

المحور الأول: وسوف نتناول فيه بيان مسألة سبّ ولعن بني أمية لأمير المؤمنين × بشيء من التفصيل، وفق منهج السير التاريخي، ابتداءً من زمن معاوية، الذي أسس وبدأ هذه السنّة البغيضة وانتهاء بعمر بن عبد العزيز الذي بادر إلى منعها.

 أما المحور الثاني: فسوف نخصصه للإجابة عن الشبهات والردود التي أبديتموها في كتابكم على ما قد بيّنا مختصراً في رسالتنا حول هذه المسألة.


المحور الأول: سب علي من الظواهر المعروفة في زمن بني أمية

تمهيد:

لقد شهد تاريخ المسلمين انعطافة مهمة في مسيرته أفضت إلى حدوث تحول هائل في بنية الكيان الإسلامي على جميع المستويات، نتيجة ما حصل من فتنة بين الصحابة والخليفة الثالث عثمان بن عفان، والتي انتهت بمقتله على يد الصحابة أنفسهم، بعد أن وصل الخلاف بينهما إلى مرحلة فشلت معها جميع الحلول التي سعى لها كبار الصحابة كعلي×، والذي لم يدّخر وسعاً في تطويق الأزمة ومعالجتها ولكن دون جدوى.

ويمكن القول بأنّ حادثة مقتل الخليفة عثمان وما خلفته من نتائج كانت سبباً مباشراً أو غير مباشر في ظهور العديد من الظواهر السلبية التي لم يعهدها المسلمون من قبل، كالحروب الداخلية والانشقاقات المذهبية والعقائدية بين المسلمين، وبالتالي أثّرت وبشكل فاعل على مسيرة الإسلام برمته.

هذا وقد شاءت الأقدار أن يتحمّل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب× وزر هذه الفتنة العظيمة وتبعاتها الجسيمة، فسارع إلى النهوض بأعباء الخلافة، وقيادة الأمة في تلك المرحلة الحسّاسة بعد أن لم يجد بدّاً من ذلك، إلاّ أن التغيير الذي طال واقع الأمة آنذاك وصل إلى حد لم يكن يسمح لعلي× بإعادة الأمور إلى ما كانت عليه، فواجه معارضة وتمرّداً من كبار الصحابة وزعمائهم، وفي طليعتهم الصحابي معاوية بن أبي سفيان، عامل ووالي الخليفة الثاني والثالث على الشام، وقد استفاد معاوية من تلك الفتنة واتخذ مقتل الخليفة عثمان ذريعة للبقاء في الحكم، بعد أن أيقن أن أمير المؤمنين× لا يمكن أن يقرّه على ما في يده من بلاد المسلمين ومقدّراتهم، فشرع يطالب الإمام× بتسليمه قتلة الخليفة، وكأنه خليفة مقابل علي×، وراح ينادي بالثأر لدم الخليفة المغدور ويحشد الرأي العام الإسلامي لذلك.

وقد حاول الإمام تسوية الأمور بينه وبين معاوية بالطرق السلمية من خلال المراسلات والمخاطبات، استخدم فيها الإمام× الحجة والمنطق لإقناع معاوية وردعه عن غيّه؛ لتجنيب الأمة ويلات الحروب ونتائجها المدمّرة، ولكن ذهب ذلك سدى، فسارت الأمور ـ بسبب إصرار وتعنت معاوية ـ إلى المواجهة المسلحة، فحصلت حرب صفّين التي قصمت ظهر الكيان الإسلامي وفتت عضده، وحمّلت الأمة ثمناً باهضاً جداً، فقتل من خيار الصحابة والتابعين وجرح من جرح، ونتج عنها حدوث شروخ وانشقاقات في الأمة، كان من أهمّها ظهور جماعة الخوارج بعد حادثة التحكيم المعروفة، والذين كان لهم دور كبير في إنهاك الأمة وإضعافها.

وهذا الخلاف لم يكن وليد نتائج قتل الخليفة الثالث وتسلّم علي الخلافة، بل لهذا الخلاف جذور عميقة، سببه عداء قديم، في بداية البعثة النبوية، حينما اصطفّ غالبية بني أمية في معسكر الشرك، وقاتلوا المسلمين والصحابة الأوائل، وفي مقدمتهم بنو هاشم، فنابذوا رسول الله العداء، وجيّشوا الجيوش، وقرعوا طبول الحروب، وكان يقودهم في ذلك أبو سفيان، وقد كان لأمير المؤمنين× النصيب الأكبر في الدفاع عن الإسلام والمسلمين والذبّ عن حياضهم، فقتل من أئمة الشرك والضلال العدد الكبير، وكان لبني أمية حصة من هذا القتل، فكان من الطبيعي جداً ـ في مجتمع لا تزال رواسب الجاهلية عالقة فيه ـ أن يحمل بنو أمية الحقد والكراهية والبغضاء لعلي×، مضافاً إلى أنّ علياً× كان يمثّل الحق والعدل بكل أشكاله وصوره؛ الأمر الذي كان لا يروق لمعاوية وأتباعه؛ وكيف يروقهم ذلك وقد ارتكبوا الكثير من المخالفات الشرعية في سبيل تحقيق غاياتهم للبقاء في السلطة، وهذه أمور لا يحتاج إثباتها إلى كثير عناء إلاّ لمن أراد أن يغمض عينيه لينكر ضوء الشمس في وضح النهار.

وفي وسط هذا العداء المتجذّر تاريخياً بين الرجلين؛ لا غرابة أن يترجم معاوية ذلك إلى سبّ وشتم لأمير المؤمنين×، وأن يأمر به ويعممه على المسلمين بعد أن أمسك بمقاليد السلطة وأموال المسلمين.

ولكننا نجد الكثير من العلماء والباحثين، ممن يحسبون على الخط السلفي المعاصر، قد حاولوا إنكار هذه الحقائق التاريخية، وحاولوا صياغة التاريخ حسب ما يتمنون لا طبق ما حصل ووقع.

 ونحن قد أثبتنا ذلك في بعض رسائلنا التي أرسلناها إليكم، مكتفين بنقل بعض الأقوال حول هذه القضية، وذلك لاعتقادنا بأنها قضية واضحة لا تحتاج إلى حشد الأدلة والشواهد.

لكننا فوجئنا بطبيعة الرد الذي يتجه لإنكار هذه القضية أساساً، والسعي لتكذيبها، ومحاولة التمسك بأمور واهية لنفيها تماماً, مع الإقرارّ ببعض الحالات النادرة والشاذة في سبّ أمير المؤمنين×!!

 ومن هنا ارتأينا أن نبسط البحث في المسألة شيئاً ما، ونحاول الإجابة عن عدة تساؤلات من قبيل: هل أن معاوية سبّ أمير المؤمنين× فعلاً؟ وهل رضي بسبّه؟ وهل أصدر أمراً بتعميم ذلك على جميع المسلمين؟ وهل طبّقه المسلمون آنذاك وسبّوا أمير المؤمنين× على منابرهم؟ وهل أضحى سبّ أمير المؤمنين سنّة عمل بها حكام بني أمية عقوداً طويلة حتى جاء عمر بن عبد العزيز وأبطل هذه السنة؟

وسنجيب عن جميع هذه التساؤلات في سياق الأبحاث التالية، ثم بعد ذلك نتعرّض للإجابة عن الإشكالات التي طرحها الغامدي في كتابه عما كنا قد أرسلنا إليه من رسائل حصلت بيننا.

سب علي× في زمن معاوية

إنّ حقيقة سبّ أمير المؤمنين× في زمن معاوية من الحقائق التي لا تقبل التشكيك تاريخياً؛ وذلك لورودها في أصحّ المصادر وأكثرها اعتباراً، مضافاً إلى شهرتها الواسعة في التاريخ الإسلامي, وسوف نثبت هذا في البحوث اللاحقة.

معاوية يسب عليا× ويأمر بسبه

إنّ الصحابي معاوية ـ كما يظهرمن خلال الأدلّة والشواهد التاريخية ـ لم يستطع إخفاء غيضه وحنقه على علي× نتيجة ما حصل بينهما في الماضي القريب والبعيد، فعمد إلى السبّ والتنقيص والشتم لعلي× كأحد أساليب التنفيس عمّا في داخله, ولم يكتف بذلك, بل كان يأمر المسلمين بسبّه وشتمه ويدعوهم إلى الاقتداء به.

ففي صحيح مسلم بسنده عن ‏ ‏عامر بن سعد بن أبي وقاص، عن ‏ ‏أبيه قال: «أمر‏ ‏معاوية بن أبي سفيان‏ ‏سعداًً، ‏فقال: ما منعك أن تسبّ ‏‏أبا التراب؟ ‏فقال: أما ما ذكرت ثلاثاًً قالهن له رسول الله ‏فلن أسبّه، لئن تكون لي واحدة منهن أحبّ إليّ من ‏حمر النعم، سمعت رسول الله ‏يقول له ‏خلفه ‏في بعض مغازيه، فقال له ‏علي: ‏يا رسول الله، ‏خلفتني ‏مع النساء والصبيان؟ فقال له رسول الله: ‏‏أما ‏ترضى أن تكون مني بمنزلة ‏‏هارون ‏من ‏موسى ‏إلاّ أنه لا نبوة بعدي. وسمعته يقول يوم ‏خيبر: ‏لأعطين الراية رجلاً يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله، قال: فتطاولنا لها، فقال: أدعوا لي ‏علياً، ‏‏فأتي به ‏أرمد، ‏فبصق في عينه، ودفع الراية إليه ففتح الله عليه. ولما نزلت هذه الآية: {فَقُلْ تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَاءنَا وَأَبْنَاءكُمْ} ‏دعا رسول الله‏ علياً ‏‏وفاطمة ‏‏وحسناً ‏وحسيناًًً، ‏فقال: اللهم هؤلاء أهلي»([245]).

وهذا الحديث الصحيح يدل دلالة واضحة على أنّ معاوية أمر الصحابي سعد بن أبي وقّاص بسبّ أمير المؤمنين لكنه لم يمتثل، ولهذا أبدى معاوية استغرابه من عدم امتثاله لهذا الأمر.

وكذلك هناك في الحديث دلالة ضمنية على أن معاوية كان هو أيضاً ممّن يسبّ علياً× فإنّ مَن يأمر بالسبّ لا غرابة في أنّه بنفسه يتناول علياً بالسب والشتم.

وقد اتجه بعض شراح كتب الحديث إلى التمسك ببعض التأويلات والتمحّلات للتشويش على ما يفهم من الحديث, من قبيل أنّ معاوية لم يأمر سعداً وإنّما كان يستفهم عن سبب امتناعه!

ولا يعدو كون ذلك محاولات واهية، ضعيفة جدّاً، بعيدة عن الفهم السليم لظاهر الكلام، وسوف نشير إلى وجه ضعفها حينما نناقش ما طرحه الدكتور الغامدي من إشكالات وشبهات، والتي من ضمنها تمسكه بهذه التأويلات لردّ دلالة الحديث.

ولا تصمد جهود الدكتور الغامدي أمام اعتراف ابن تيمية بدلالة الحديث على أمر معاوية بسب علي× حيث قال: «أما حديث سعد لما أمره معاوية بالسب فأبى، فقال: ما منعك أن تسب علي بن أبي طالب؟ فقال: ثلاث قالهن رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) فلن أسبه، لئن يكون لي واحدة منهن أحب إلي من حمر النعم...، فهذا حديث صحيح رواه مسلم في صحيحه»([246]).

 وقال في موضع آخر مشيراً إلى هذه الحقيقة: «ومعلوم أن الله قد جعل للصحابة مودة في قلب كل مسلم، لا سيما الخلفاء (رضي الله عنهم) لا سيما أبو بكر وعمر، فإنّ عامة الصحابة والتابعين كانوا يودونهما وكانوا خير القرون، ولم يكن كذلك علي، فإنّ كثيراً من الصحابة والتابعين كانوا يبغضونه ويسبونه ويقاتلونه»([247])([248]).

والمصداق الأبرز والأوضح للصحابة الذين كانوا يبغضون علياً× ويسبّونه ويقاتلونه هو معاوية بن أبي سفيان، وقد قال الشيخ المنصف حسن بن فرحان المالكي: «وقد سألت شيخنا العلامة الشيخ عبد العزيز بن باز حفظه الله ـ وهو من كبار المحدثين في عصرنا الحاضر ـ عن هذه الرواية في مسلم، وهل تدل على أن بني أمية كانوا يسبون عليّاً؟! فقال: هذا ليس بعيداً عن مروان وغيره، وهذه من الزلات, نسأل الله العافية!»([249]).

وقد تحاشى الشيخ ابن باز ذكر معاوية مع أنّ رواية مسلم في معاوية وليست في مروان!

هذا، وقد روى ابن ماجه قضية معاوية وسعد بن أبي وقّاص بنحو آخر، يدلّ بشكل بيّن على أن معاوية كان يسبّ علياً× صراحة لا أنّه كان يأمر بذلك فقط، فقد روى بسنده عن موسى بن مسلم عن ابن سابط ـ وهو عبد الرحمن ـ عن سعد بن أبي وقاص([250])، قال: «قدم معاوية في بعض حجّاته، فدخل عليه سعد، فذكروا علياً فنال منه، فغضب سعد، وقال: تقول هذا لرجل سمعت رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يقول: من كنت مولاه فعلي مولاه، وسمعته، يقول: أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي، وسمعته يقول: لأعطين الراية اليوم رجلاً يحب الله ورسوله»([251]).

وقد علق السندي عند شرحه لهذه الرواية، قال: «قوله: فنال منه، أي: نال معاوية من علي ووقع فيه وسبّه، بل أمر سعداً بالسب، كما قيل في مسلم والترمذي, ومنشأ ذلك الأمور الدنيوية التي كانت بينهما، ولا حول ولا قوة إلا بالله، والله يغفر لنا»([252]).

وقال الألباني معلّقاً في حاشيته على الحديث: >فنال منه, أي: نال معاوية من علي, وتكلّم فيه<([253]).

وفي مسند الروياني بسنده عن ابن بريدة عن أبيه: «إنه دخل على معاوية، ورجل يتناول علياً ويقع فيه، قال: فقال: يا معاوية، تأذن لي في الكلام؟ قال: فقال: تكلّم، وهو يرى أنه يقول مثلما قال صاحبه، فقال: سمعت رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يقول: إني لأرجو أن أشفع عدد كل شجرة ومدرة. أفترجوها أنت يا معاوية ولا يرجوها علي؟! قال: فقال: اسكت، فإنك شيخ قد ذهب عقلك»([254]).

وقد أشارت بعض المصادر التاريخية المعتبرة إلى مسألة سبّ معاوية لأمير المؤمنين×، وأمره بذلك، أو سكوته عنه على أقل تقدير، فقد نقل الطبري في تاريخه: «أنّ معاوية بن أبي سفيان لما ولى المغيرة بن شعبة الكوفة في جمادى سنة (41 هـ) دعاه، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: أما بعد فإن لذي الحلم قبل اليوم ما تقرع العصا، وقد قال المتلمس:

لذي الحلم قبل اليوم ما تقرع العصا

 

 

 

وما عُلِّم الإنسان إلاّ ليعلما

وقد يجزى عنك الحكيم بغير التعلم، وقد أردت إيصاءك بأشياء كثيرة فأنا تاركها؛ اعتماداً على بصرك بما يرضيني، ويسعد سلطاني، ويصلح به رعيتي، ولست تاركاً إيصاءك بخصلة: لا تتحمّ([255]) عن شتم علي وذمّه، والترحّم على عثمان والاستغفار له، والعيب على أصحاب علي والإقصاء لهم، وترك الاستماع منهم، وبإطراء شيعة عثمان (رضوان الله عليه)، والإدناء لهم والاستماع منهم»([256]).

وقال البلاذري: «حدثني المدائني عن عبد الله بن فائد وسحيم بن حفص قالا: كتب معاوية إلى المغيرة بن شعبة: أظهر شتم علي وتنقصه»([257]).

 وقال ابن قتيبة الدينوري المتوفى سنة (276هـ) في (عيون الأخبار): «بلغني عن حفص بن عمران الرازي عن الحسن بن عمارة عن المنهال بن عمرو، قال: قال معاوية لشداد بن عمرو بن أوس: قم فاذكر عليّاً فتنقّصه»([258]).

وقال ابن العديم الحلبي الحنفي المتوفى سنة (سنة 660هـ) في حديثه عن أبي أيوب خالد بن زيد البدري، قال: «وهو الذي نزل عليه النبي (صلّى الله عليه وسلّم) مقدمه المدينة، وهو كان على مقدمة علي يوم صفين، وهو الذي خاصم الخوارج يوم النهروان، وهو الذي قال لمعاوية حين سبّ علياً: كف يا معاوية عن سب علي في الناس، فقال معاوية: ما أقدر على ذلك منهم، فقال أبو أيوب: والله لا أسكن أرضاً أسمع فيها سب علي، فخرج إلى ساحل البحر حتى مات رحمه الله»([259]).

وقال القاضي التنوخي واصفاً معاوية: «وهو أول من لعن المسلمين على المنابر، وأول من حبس النساء بجرائر الرجال، إذ طلب عمرو بن الحمق الخزاعي لموالاته علياً، وحبس امرأته بدمشق، حتى إذا قطع عنقه، بعث بالرأس إلى امرأته وهي في السجن، وأمر الحرسي أن يطرح الرأس في حجرها، وكان يفرض على الناس لعن علي والبراءة منه، ومن أبى قتله، أو بعث به إلى عامله زياد ليدفنه حياً»([260]).

فهذه نماذج من الشواهد الحديثية والتاريخية تدل، بملاحظة مجموعها، على أن معاوية كان يسبّ علياً × ويشتمه، ويرضى بسبّه وشتمه، بل ويأمر بذلك، بل عممّ ذلك على ولايات الدولة الإسلامية من خلال إلزام عدد من ولاته على الأمصار بهذه السنة السيئة.

 وقد ضبطت لنا بعض المصادر التزام بعض ولاة معاوية بممارسة هذه السنّة البغيضة على مرأى ومسمع من المسلمين دون حياء أو وجل.

 ومع ملاحظة بعض الشواهد، من قبيل وصية معاوية للمغيرة بن شعبة عندما ولاّه الكوفة, لا يمكن حمل فعل أولئك الولاة على كونه من تلقاء أنفسهم، كما أنه من غير المعقول أن يجهل معاوية ممارساتهم تلك، أو كان عاجزاً عن منعهم وزجرهم مع ما يمتلك من سلطة قوية آنذاك.

وسوف نستعين ببعض المصادر التاريخية التي تؤكد أن جملة من ولاة معاوية كانوا يدأبون على امتثال أوامر أميرهم وحاكمهم في تلك الممارسة.


ولاة معاوية يسبون عليا×

المصادر كثيرة ومتنوعة في دلالاتها على ذلك، وتلتقي تلك الدلالات في أن سبّ أمير المؤمنين×، في زمن معاوية، كان ظاهرة واضحة يمارسها الخطباء والولاة، وقد ذكرت بعض هذه المصادر هؤلاء الخطباء والولاة على نحو العموم والإجمال، بينما البعض الآخر منها قد أشار إليهم بأسمائهم، فقد روى ابن الأثير في (أسد الغابة) عن شهر بن حوشب أنه قال: «أقام فلان خطباء يشتمون علياً (رضي الله عنه وأرضاه) ويقعون فيه، حتى كان آخرهم رجل من الأنصار أو غيرهم يقال له: أنيس، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: إنكم قد أكثرتم اليوم في سب هذا الرجل وشتمه، وإني أقسم بالله أنى سمعت رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يقول: إنّي لأشفع يوم القيامة لأكثر مما على الأرض من مدر وشجر. وأقسم بالله، ما أحد أوصل لرحمه منه، أفترون شفاعته تصل إليكم وتعجز عن أهل بيته؟!»([261]).

 وفلان هو معاوية بن أبي سفيان، ولكن عمّي عليه إما خوفاً أو لسبب آخر، والرواية أخرجها ابن قانع المتوفى سنة (351هـ)([262]) في (معجم الصحابة) عن شهر بن حوشب مع حذف كلمة (فلان) قال: «قام رجال خطباء يشتمون علياً (رضي الله عنه) حتى كان من آخرهم رجل يقال له أنيس، فحمد الله وأثنى عليه وقال:...»([263]).

 وقال ابن حجر في الإصابة: «روى البغوي وابن شاهين والطبراني في الأوسط من حديث عباد بن راشد عن ميمون بن سياه عن شهر بن حوشب، قال: قام رجال خطباء يشتمون علياً ويقعون فيه...»([264]).

وقد أدى شيوع ظاهرة سبّ أمير المؤمنين وشتمه إلى استنكار واستغراب بعض أمّهات المؤمنين ـ أمّ سلمة ـ لهذا الأمر، فقد أخرج أحمد في مسنده عن عبد الله الجدلي، قال: «دخلت على أم سلمة، فقالت لي: أيسبّ رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) فيكم؟ قلت: معاذ الله، أو سبحان الله، أو كلمة نحوها، قالت: سمعت رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) يقول: من سب علياً فقد سبني»([265]).

 ولم يكتف معاوية وولاته بالسبّ والشتم فقط، بل كانوا يجبرون الناس على ذلك، ففي مسند أبي يعلى، عن أبي بكر بن خالد بن عرفطة: «أتى سعد بن مالك، فقال: بلغني أنكم تعرضون علىَّ سب عليٍّ بالكوفة، فهل سببته؟ قال: معاذ الله، قال: والذي نفس سعد بيده، لقد سمعت رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) يقول في علي شيئاً, لو وضع المنشار على مفرقي على أن أسبّه ما سببته أبداً»([266])، وهناك دلائل أخرى سنذكرها لاحقاً.

 هذا, وإليك جملة من الولاة الذين قاموا بسبّ وشتم علي× امتثالاً لأوامر الصحابي معاوية بن أبي سفيان:

1ـ المغيرة بن شعبة

هو المغيرة بن شعبة بن أبي عامر، أسلم عام الخندق, استعمله الخليفة الثاني عمر بن الخطاب على البحرين فكرهوه، وأكثروا الشكوى منه فعزله الخليفة، ثمّ ولاّه البصرة، ولمّا شهد عليه أبو بكرة وجماعة بأنّه زنى بأمّ جميل بنت عمرو بن الأفقم الهلالية عزله عمر بن الخطاب عن البصرة وولاّه الكوفة، ولم يزل عليها إلى أن قتل الخليفة عمر، فأقرّه عليها عثمان ثم عزله، وبعد أنّ تولّى الإمام علي× الخلافة جاء لينصحه بأن يبقي معاوية على الشام فإذا استقرّت له الخلافة عزله، وقد رفض أمير المؤمنين نصيحته فغضب المغيرة من ذلك، واعتزل صفّين, فلمّا حدثت قضية التحكيم المعروفة لحق بمعاوية وبايعه، وبعد شهادة الإمام الحسن×عاد إلى الكوفة، ثم ولاّه معاوية عليها سنة 41هـ، وبقي عليها إلى مات سنة 50 هـ ([267]).

 وقد تقدّم أن معاوية قد أمره حينما ولاّه الكوفة أن يواظب على سبّ علي× والتنقّيص منه ومن شيعته، وقد نفّذ المغيرة أمر معاوية على أكمل وجه طيلة مدة خلافته، قال الطبري: «وأقام المغيرة على الكوفة عاملاً لمعاوية سبع سنين وأشهراً، وهو من أحسن شيء سيرة، وأشدّه حباً للعافية، غير أنه لا يدع ذمّ علي والوقوع فيه!»([268]).

وتنقل لنا المصادر الحديثية والتاريخية بعض مواقفه وهو يؤدي هذه المهمة الموكلة إليه، وفيها تتنوع مواقفه بين مباشرته بنفسه السب والشتم وعلى رؤوس الأشهاد، وبين إقامة الخطباء ودعوتهم لممارسة هذه السنة، وبين أمره الولاة والمسلمين لمشاركته فيها.

ومن الشواهد على تصدّي المغيرة بن شعبة بنفسه إلى شتم وسبّ أمير المؤمنين×، ما أخرجه الحاكم النيسابوري بسنده عن زياد بن علاقة عن عمه قال: «أنّ المغيرة بن شعبة سبّ علي بن أبي طالب، فقام إليه زيد بن أرقم، فقال: يا مغيرة، ألم تعلم أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) نهى عن سبّ الأموات، فلمَ تسبّ علياً وقد مات؟»، قال الحاكم: «هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه»، ووافقه الذهبي في التلخيص([269])، وقال الألباني في السلسلة: «وهو كما قالا»([270]).

ونظراً لاشتهار المغيرة بمعاداته الإمام علي× وسبّه فقد كان مقصداً لبعض مبغضي علي×، الذين أخذوا يجهرون بسبه أمامه من دون خوف أحد ما دام الأمير راضياً بذلك!!

 فقد أخرج أبو داود في سننه بسنده عن صدقة بن المثنى النخعي، حدثني جدي رياح بن الحارث، قال: «كنت قاعداً عند فلان في مسجد الكوفة وعنده أهل الكوفة، فجاء سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل، فرحّب به وحياه وأقعده عند رجله على السرير، فجاء رجل من أهل الكوفة يقال له: قيس بن علقمة، فاستقبله فسبّ وسبّ، فقال سعيد: من يسب هذا الرجل؟ فقال: يسبّ علياً، قال: ألا أرى أصحاب رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) يسبون عندك ثم لا تنكر ولا تغير!!»([271]).

وفلان الذي كنّى عنه أبو داود هو المغيرة بن شعبة، كما جاء مصرّحاً باسمه في مسند أحمد: «عن صدقة بن المثنى حدثني رياح بن الحرث بن المغيرة أن شعبة كان في المسجد الأكبر وعنده أهل الكوفة عن يمينه وعن يساره، فجاءه رجل يدعى سعيد بن زيد، فحياه المغيرة وأجلسه عند رجليه على السرير، فجاء رجل من أهل الكوفة فاستقبل المغيرة فسبّ وسبّ، فقال: من يسبّ هذا يا مغيرة؟ قال: يسب علي بن أبي طالب رضي الله عنه...»([272])، وكذلك أخرج الحديث أبو عاصم في كتاب السنّة مصرحاً باسم المغيرة بن شعبة([273]).

وأمّا فيما يتعلّق بإقامته الخطباء لسبّ علي×، فقد أخرج أحمد في مسنده عن هلال بن يساف عن عبد الله بن ظالم المازني، قال: «لمّا خرج معاوية من الكوفة استعمل المغيرة بن شعبة، قال: فأقام خطباء يقعون في علي، قال: وأنا إلى جنب سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل، قال: فغضب فقام، فأخذ بيدي، فتبعته فقال: ألا ترى إلى هذا الرجل الظالم لنفسه الذي يأمر بلعن رجل من أهل الجنة»([274]).

 وقد صحح الحديث: أحمد محمد شاكر([275]).

وأخرج الحديث الحاكم النيسابوري في المستدرك بنحو آخر، قال: «كان المغيرة بن شعبة ينال في خطبته من علي، وأقام خطباء ينالون منه، فبينا هو يخطب ونال من علي وإلى جنبي سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل العدوي، قال: فضربني بيده، وقال: ألا ترى ما يقول هذا؟!»([276])، وأخرجه أبو داود عن سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل، قال: «لما قدم فلان الكوفة أقام فلان خطيباً، فأخذ بيدي سعيد بن زيد، فقال: ألا ترى إلى هذا الظالم...»([277]).

ومن الغريب جدّاً أنْ نرى إخفاء الحقائق الثابتة، وعدم الأمانة العلمية، فالحري بالمؤرخ أو المحدث أن يسعى لكشف الحقيقة، ولا يجنح نحو التعمية وإخفاء الأسماء والتعبير عنها بفلان، فهو بهذا يترك مساحة فارغة تمتلئ بالتساؤلات التي تظل إجاباتها مبهمة، فلو بقينا نحن وسنن أبي داود لم نعثر على هوية الشخص الذي قدم الكوفة! أو الذي أقام خطيباً يشتم عليا×! أو مضمون قول الخطيب! وغير ذلك.

وربّما في المقام، قد تسعف الباحث بعض المصادر الأخرى لتكشف جزء الحقيقة الذي أريد لها الخفاء، ولكن قد يصعب الأمر فيما لو انحصرت قضية من القضايا بمصدر واحد, وتمّ التعمية عليها لسبب من الأسباب, ولم تذكر أبداً.

 وهذه التعميه ليست بعزيزة، بل نادى بها وروج لها كبار العلماء, كالذهبي، مستنداً في ذلك على مبررات ليست صحيحة، يقول: «كلام الأقران إذا تبرهن لنا أنه بهوى وعصبية، لا يلتفت إليه، بل يطوى ولا يروى، كما تقرر عن الكف عن كثير مما شجر بين الصحابة وقتالهم رضي الله عنهم أجمعين، وما زال يمر بنا ذلك في الدواوين والكتب والأجزاء، ولكن أكثر ذلك منقطع وضعيف، وبعضه كذب، وهذا فيما بأيدينا وبين علمائنا، فينبغي طيه وإخفاؤه، بل إعدامه؛ لتصفو القلوب، وتتوفر على حب الصحابة، والترضي عنهم، وكتمان ذلك متعين عن العامة وآحاد العلماء، وقد يرخص في مطالعة ذلك خلوة للعالم المنصف العري من الهوى، بشرط أن يستغفر لهم»([278]).

 وعلى ما يظهر من كلام الذهبي أن ما حصل بين الصحابة ليس بأجمعه ضعيفاً, بل هناك ما هو الصحيح, ومع هذا ينبغي إخفاؤه وفق ما يراه، على أنّ إخفاء الضعيف غير مبرّر أيضاً، مع إمكان أن يصير الحديث حسناً أو صحيحاً بمجموع طرقه, تبعاً لقواعد علم الحديث.

ومن الشواهد أيضاً على أمر المغيرة ولاته بسب علي×، ما نقله ابن الأثير، قال: «ولما ولي المغيرة الكوفة استعمل كثير بن شهاب على الري وكان يكثر سب علي على منبر الري»([279]).

2ـ مروان بن الحكم

ومن ولاة معاوية الذين كانوا يأتمرون بأمر معاوية في شتم علي× هو مروان بن الحكم الأموي, أبو عبد الملك, الذي ولد على عهد رسول الله، واختلف في سنة وفاته، ولم تثبت له صحبة؛ لأنه كان منفياً مع والده الحكم بن أبي العاص عندما طرده رسول الله إلى الطائف، وقد كان طفلاً لا يعقل حينها، وكان يقال له خيط باطل.

 وفي خلافة عثمان بن عفان أعاده إلى المدينةـ مع كونه طريد الرسول’!ـ برفقة أبيه الحَكَم، الذي هو عم عثمان’؛ فعيّن ابن عمه مروان كاتباً له، وزوّجه ابنته أم أبان، وأعطاه خمس غنائم أفريقيا، وعهد إليه خاتمه, فاستغل مروان ذلك أبشع استغلال، وتصرّف تصرفات مشينة أفضت إلى نقمة وسخط الناس عليه وعلى الخليفة عثمان لتقريبه إياه.

 وكان الناس يعتقدون أن كثيراً مما ينسب إلى الخليفة عثمان كان من صنيع مروان دون عثمان، وقد كان مروان يحمّله على أصحابه وعلى الناس، ويبلغه ما يتكلمون فيه ويهددونه به، وكان عثمان يصدقه في كثير من ذلك، ويقال إنّه هو الذي كتب الكتاب على لسان عثمان إلى والي مصر يأمره بقتل بعض المصريين وصلب بعضهم، وأمره بقطع أيدي بعضهم وأرجلهم، بعد أن تم الاتفاق بينهم وبين الخليفة عثمان على الصلح بشروط، فمروان يعد أحد المسببين بقتل الخليفة عثمان، ولما حوصر عثمان وهجموا على داره قاتل مروان دونه وضرب على قفاه ولم يقتل، وبعد أن بويع أمير المؤمنين× بالخلافة، سار مروان مع طلحة والزبير إلى البصرة للطلب بدم الخليفة، فاشترك في معركة الجمل، فلما التحم الفريقان واشتد القتال نظر مروان إلى طلحة بن عبيد الله فقال: لا أطلب ثأري بعد اليوم, ثم رماه بسهم, فقتل الصحابي طلحة، ومسألة قتل مروان له ممّا ذكرها عدد كبير من المحدثين والمؤرخين، قال ابن عبد البر: «ولا يختلف العلماء الثقات في أن مروان قتل طلحة يومئذٍ وكان في حزبه»([280]).

 وبعد أن انهزموا في معركة الجمل توارى مروان حتى أُخذ له الأمان من علي× فأمنه، فقال مروان: ما تقرَّني نفسي حتّى آتيه فأبايعه, فأتاه فبايعه, ثمّ انصرف مروان إلى المدينة، فلم يزل بها حتّى استولى معاوية بن أبي سفيان على السلطة، فولى مروان بن الحكم المدينة سنة اثنتين وأربعين أو إحدى وأربعين، ثم عزله وولى سعيد بن العاص، ثم عزل سعيداً وأعاد مروان، ثم عزل مروان وأعاد سعيد بن العاص، ثم عزله أيضاً وولى الوليد بن عتبة بن أبي سفيان فلم يزل على المدينة حتى مات معاوية ومروان يومئذٍ معزول عن المدينة.

 ثمّ جعل يزيد بن معاوية الولاية على المدينة لعثمان بن محمد بن أبي سفيان بعد الوليد بن عتبة، فلمّا وثب أهل المدينة أيام الحرة أخرجوا عثمان بن محمد وبني أمية من المدينة فأجلَوهم عنها إلى الشام, وفيهم مروان بن الحكم, وأخذوا عليهم الأيمان ألاّ يرجعوا، فأرسل يزيد مسلم بن عقبة على رأس جيش لتأديب أهل المدينة، فاشترك مروان معه، فكان يخبره عن أهل المدينة, ويحرّضه عليهم, وآزر مسلماً وأعانه على أمره, حتّى ظفر بأهل المدينة وقتلوهم, واستبيحت مدينة الرسول ثلاثة أيام، وكتب مسلم بن عقبة بذلك إلى يزيد يشكر مروان بن الحكم ويذكر معونته إياه ومناصحته وقيامه معه، وقدم مروان على يزيد بن معاوية الشام فشكر ذلك له يزيد وقربه وأدناه, فلم يزل مروان بالشام حتّى مات يزيد بن معاوية، وقد كان عقد لابنه معاوية بن يزيد بالعهد بعده، فبايع له الناس, ولكنّه مات بعد ثلاثة أشهر أو أربعين ليلة, ولم يعهد لأحد من بعده، فاستطاع مروان بن الحكم الاستيلاء على الحكم بعد أحداث متعدّدة لسنا بصدد التعرّض إليها([281]).

رسول الله وعلي يحذران الأمة من مروان وبنيه

لقد تنبأ الرسول’ والإمام علي× بما ستناله الأمة الإسلامية على يديه ويدي ذريته من الهوان والفتن والمصائب؛ فلذا حذر الرسول الأمة منه ومن شرّه بشتى الطرق، فكانت البداية أنْ لعنه النبي’ وذمّه وذمّ أباه وذريته:

 أخرج الحاكم في المستدرك عن أبي هريرة، أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: «إنّي أريت في منامي كأنّ بني الحكم بن أبي العاص ينزون على منبري كما تنزو القردة، قال: فما رؤى النبيّ (صلى الله عليه وآله) مستجمعاً ضاحكاً حتّى توفي». قال الحاكم: «هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه» ووافقه الذهبي ولكنّه قال: «على شرط مسلم»([282]).

وأخرج النسائي في السنن الكبرى بسنده عن محمد بن زياد، قال: «لما بايع معاوية لابنه قال مروان: سنّة أبي بكر وعمر، فقال عبد الرحمن بن أبي بكر: سنّة هرقل وقيصر، فقال مروان: هذا الذي أنزل الله فيه: {والذي قال لوالديه أف لكما... }فبلغ ذلك عائشة، فقالت: كذب والله ما هو به, ولو شئت أن أُسمّي الذي أنزلت فيه لسمّيته، ولكنّ رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) لعن مروان ومروان في صلبه، فمروان فضض من لعنة الله([283])»([284])، وأخرج الحاكم الحديث وصححه، إلاّ أنّ الذهبي عقب عليه كونه منقطعاً، فإن محمد بن زياد لم يسمع من السيدة عائشة ([285]).

 ولكن مضمون الحديث ثابت ولا يمكن نفيه بمجرد الانقطاع، فقد تقدّم في الجزء الثاني أنّ للخبر شواهد معتبرة لذاتها فضلاً عن تعاضدها مع الخبر المذكور, فراجع([286]).

ونضيف هنا أنّ البخاري قد نقل حادثة المشادة الكلامية التي وقعت بين عبد الرحمن بن أبي بكر ومروان بن الحكم عندما خطب مبشراً بتنصيب معاوية لابنه يزيد أميراً على المسلمين، بشكل مختصر حاذفاً منها كلام السيدة عائشة حول لعن رسول الله لمروان وأبيه:

أخرج البخاري في صحيحه: «كان مروان على الحجاز استعمله معاوية فخطب, فجعل يذكر يزيد بن معاوية؛ لكي يبايع له بعد أبيه، فقال له عبد الرحمن بن أبي بكر شيئاً، فقال: خذوه، فدخل بيت عائشة، فلم يقدروا عليه، فقال مروان: إن هذا الذي أنزل الله فيه: {والذي قال لوالديه أف لكما أَتَعِدانني..}، فقالت عائشة من وراء الحجاب: ما أنزل الله فينا شيئاً من القرآن إلا أنّ الله أنزل عذري»([287]).

 وكذلك أخرج ابن أبي حاتم الحادثة في تفسيره بنحو آخر خلا من الإشارة إلى لعن مروان([288]).

 وقد ذكر الحادثة بكل طرقها وتفصيلاتها ابن حجر في فتح الباري([289]).

وأيضاً من الشواهد الدالة على لعن رسول الله لمروان وأبيه: ما أخرجه الحاكم في مستدركه بسنده عن ميناء مولى عبد الرحمن بن عوف عن عبد الرحمن بن عوف (رضي الله عنه)، قال: «كان لا يولد لأحد مولود إلاّ أتي به النبي (صلى الله عليه وآله) فدعا له، فأدخل عليه مروان بن الحكم، فقال: هو الوزغ ابن الوزغ الملعون ابن الملعون».

 قال الحاكم: «هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه»([290]).

وكذلك ما أخرجه الحاكم أيضاً وصححه بسنده عن الشعبي عن عبد الله بن الزبير (رضي الله عنهما): أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) لعن الحكم وولده([291]).

 هذا، والروايات الواردة عن رسول الله’ في التحذير من فتنة بني أمية عموماً وبني الحكم بن أبي العاص خصوصاً، ولعنهم كثيرة الطرق ومتعددة الألسنة؛ مما يؤكد صحتها وصدورها، وإن وجد بعض الضعف في بعض طرقها فلا يضر بصحة صدورها.

ثم إنّ أمير المؤمنين بدوره أيضاً قد حذّر الأمة من مروان وبنيه، فقد روى ابن عبد البر وابن الأثير أنّ علياً ×نظر إلى مروان يوماً، فقال له: «ويلك وويل أمة محمد منك ومن بنيك»([292]).

وفي الطبقات الكبرى لابن سعد، قال علي بن أبي طالب له [أي مروان] يوماً ونظر إليه: «ليحملن راية ضلالة بعدما يشيب صدغاه, وله إمرة كلحسة الكلب أنفه»([293]).

وبهذا ينجلي للقارئ أن شخصاً يحمل هذه المواصفات ليس بغريب عليه أن يبادر إلى امتثال أمر معاوية في سبّ على× وأهل بيته، والأدلة على ذلك متوافرة.

مروان بن الحكم يسبّ علياً وأهل البيت

لقد كان مروان بن الحكم مواظباً على سبّ أمير المؤمنين من على المنبر في كل جمعة طيلة فترة أمارته على المدينة من قبل معاوية بن أبي سفيان، ففي كتاب العلل لأحمد بن حنبل, عن عمير بن إسحاق، قال: «كان مروان أميراً علينا ستّ سنين، فكان يسبّ علياً كلّ جمعة، ثمّ عزل ثمّ استعمل سعيد بن العاص سنتين فكان لا يسبّه، ثمّ أعيد مروان فكان يسبّه»([294]).

 وقال ابن حجر الهيتمي: «وبسند رجاله ثقات: أن مروان لما ولي المدينة كان يسبّ علياً على المنبر كل جمعة، ثم ولي بعده سعيد بن العاص فكان لا يسب ثمّ عزل سعيد وأعيد مروان، فعاد للسب...»([295]).

 وروى الذهبي في السير عن عمير بن إسحاق، قال: «كان مروان يسب علياً (رضي الله عنه) في الجمع، فعزل بسعيد بن العاص، فكان لا يسبه»([296]).

هذا، وقد نقل البخاري ومسلم في صحيحيهما قضية سبّ مروان لعلي× من على منبر المدينة, بل وأمْره بذلك، ولكنّهما حاولا التمويه على القضية والتخفيف منها: تارة بالتغطية على اسم مروان وعدم التصريح به وأخرى بعدم ذكر السبّ صراحة والتعبير عنه بعبارات موهمة، ففي صحيح البخاري بسنده عن عبد العزيز بن أبي حازم عن أبيه: «أن رجلاً جاء إلى سهل بن سعد، فقال: هذا فلان ـ لأمير المدينةـ يدعو علياً عند المنبر، قال: فيقول ماذا؟ قال: يقول له: أبو تراب، فضحك, قال: والله ما سماه إلا النبي (صلى الله عليه وسلم)، وما كان له اسم أحب إليه منه, فاستطعمت الحديث سهلاً([297]) وقلت: يا أبا عباس كيف؟ قال: دخل علي على فاطمة, ثمّ خرج فاضطجع في المسجد، فقال النبي (صلى الله عليه وسلم): أين ابن عمك؟ قالت: في المسجد، فخرج إليه, فوجد رداءه قد سقط عن ظهره, وخلص التراب إلى ظهره, فجعل يمسح التراب عن ظهره، فيقول: اجلس يا أبا تراب مرتين»([298]).

فنلاحظ هنا كيف أن عالماً مثل البخاري قد عمد إلى التمويه وإخفاء هوية مروان بن الحكم معبراً عنه بـ (فلان) أمير المدينة.

 ونجد أن ابن حجر في فتح الباري يقول: «وفلان المذكور لم أقف على اسمه صريحاً ووقع عند الإسماعيلي هذا فكان فلان بن فلان»([299])، في حين نجده قد أشار في كتابه مقدمة فتح الباري أنّ فلاناً هذا هو مروان بن الحكم، قال: «وأمير المدينة هو مروان بن الحكم فيما أظن»([300]) وهذا غريب من ابن حجر!!

 كما نلاحظ أيضاً أن البخاري عبر عن السبّ بلفظ موهم مستبدلا أياه بلفظ (يدعو)، فلا ندري ما معنى يدعو علياً عند المنبر؟

فهي عبارة مبهمة وموهمة؛ ولذا فسرها لنا ابن حجر برواية الطبراني من وجه آخر, عن عبد العزيز بن أبي حازم: يدعوك لتسبّ علياً ([301])، وفسرها العيني والقسطلاني بأنه أراد منه أنْ يذكر علياً بشيء غير مرضي([302])، ولكنّهما لم يبيّنا ما هو هذا الشيء غير المرضي.

 وأمّا رواية مسلم للقضية نفسها فحذفت اسم مروان أيضاً, ولم تشر له صراحة، ولكنها ذكرت السبّ والشتم بشكل واضح:

قال مسلم في صحيحه: «حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا عبد العزيز (يعنى ابن أبي حازم) عن أبي حازم عن سهل بن سعد, قال: استعمل على المدينة رجل من آل مروان، قال: فدعا سهل بن سعد، فأمره أن يشتم عليّاً, قال: فأبى سهل، فقال له: أما إذ أبيت فقل: لعن الله أبا التراب، فقال سهل: ما كان لعلي اسم أحبّ إليه من أبي التراب، وإن كان ليفرح إذا دعي بها، فقال له: أخبرنا عن قصّته لِمَ سُمّي أبا تراب؟ قال: جاء رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) بيت فاطمة فلم يجد علياً في البيت...»([303]).

ولم يكتف مروان بمواصلة سبه أمير المؤمنين× في كل يوم جمعة، بل كان ينتهز المناسبات الدينية الأخرى، مثل صلاة العيدين، فيشبع حقده الدفين على علي× بسبّه في ذينيك اليومين العظيمين؛ متسبّباً في إثارة مشاعر المسلمين وتذمّرهم؛ ممّا يدفعهم إلى ترك الخطبة التي تكون بعد انتهاء الصلاة؛ حتى لا يستمعوا لسبه وشتمه، وحينها اضطر مروان إلى إحداث بدعة جديدة تكون بتقديم الخطبة قبل الصلاة حتى يسمع الناس سبّ علي×,خلافاً لإرادتهم ورغبتهم.

وهو بهذا يكون أول من قدم الخطبة على صلاة العيد بعد أن كان وقتها الصحيح بعد صلاة العيد مباشرة، وهذا ما روته صحاح المسلمين وسننهم، ومصادرهم الأخرى:

 ففي صحيح البخاري عن أبي سعيد الخدري، قال: «كان رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) يخرج يوم الفطر والأضحى إلى المصلّى, فأوّل شيء يبدأ به الصلاة, ثمّ ينصرف فيقوم مقابل الناس والناس جلوس على صفوفهم، فيعظهم ويوصيهم ويأمرهم، فإن كان يريد أن يقطع بعثاً قطعه أو يأمر بشيء أمر به, ثمّ ينصرف.

 قال أبو سعيد: فلم يزل الناس على ذلك حتّى خرجتُ مع مروان، وهو أمير المدينة، في أضحى أو فطر، فلما أتينا المصلى إذا منبر بناه كثير بن الصلت, فإذا مروان يريد أن يرتقيه قبل أن يُصلّي, فجبذت بثوبه فجبذني, فارتفع فخطب قبل الصلاة، فقلت له: غيّرتم والله!! فقال: أبا سعيد، قد ذهب ما تعلم، فقلت: ما أعلم والله خير ممّا لا أعلم، فقال: إنّ الناس لم يكونوا يجلسون لنا بعد الصلاة, فجعلتها قبل الصلاة»([304]).

وفي صحيح مسلم بسنده عن طارق بن شهاب ـ وهذا حديث أبي بكرـ قال: «أول من بدأ بالخطبة يوم العيد قبل الصلاة مروان، فقام إليه رجل، فقال: الصلاة قبل الخطبة!؟ فقال: قد ترك ما هنالك، فقال أبو سعيد: أما هذا فقد قضى ما عليه، سمعت رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، يقول: من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإنْ لم يستطع فبلسانه، فإنْ لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان»([305]).

وقد حاول بعض العلماء أنْ يُغطّي على ذلك، محاولاً دفع هذه التغيير والتطاول على السنة عن مروان، فذكر عدّة أقوال في أول من خطب قبل الصلاة في العيدين، ولكن الصواب هو ما ورد في الصحيحين، وهذا ما نقله الشوكاني عن العراقي، قال: «الصواب أن أول من فعله مروان بالمدينة في خلافة معاوية، كما ثبت ذلك في الصحيحين عن أبي سعيد الخدري»([306]).

وقد صرّح كثير من العلماء بأنّ السبب الذي دفع مروان إلى ذلك إنما هو انصراف الناس عن سماع سبّ علي×، قال ابن حجر: «وأمّا مروان فراعى مصلحتهم في إسماعهم الخطبة, لكن قيل إنّهم كانوا في زمن مروان يتعمدون ترك سماع خطبته لما فيها من سبّ مَن لا يستحقّ السبّ والإفراط في مدح بعض الناس، فعلى هذا إنما راعى مصلحة نفسه»([307])، وهوية الذي لا يستحق السبّ في كلام ابن حجر بيّنة وواضحة, كشف عنها ابن حزم من دون تزويق, فقال: «واعتلّوا: بأنّ النّاس كانوا إذا صلّوا تركوهم ولم يشهدوا الخطبة، وذلك لأنّهم كانوا يلعنون عليّ بن أبي طالب (رضي الله عنه) فكان المسلمون يفرّون، وحقّ لهم، فكيف وليس الجلوس للخطبة واجباً؟»([308]).

وقال القرطبي: «وأمّا مروان وبنو أمية، فإنّما قدّموها؛ لأنهم كانوا في خطبهم ينالون من علي ـ كرّم الله وجهه ـ، ويسمعون الناس ذلك، فكان الناس إذا صلوا معهم، انصرفوا عن سماع خطبهم لذلك، فلما رأى مروان ذلك أو من شاء الله من بني أمية، قدموا الخطبة؛ ليسمعوا الناس من ذلك ما يكرهون»([309]).

هذا، وقد كان صوت سبّ أمير المؤمنين× تناهى إلى أسماع الحسن والحسين‘، فكان يؤلمهم ذلك ويدمي قلوبهم, وهم يرون كيف آلت أمور المسلمين حتّى صار يتقرب إلى الله بلعن مثل أمير المؤمنين علي×، ومن على منبر رسول الله، وفي أيام المسلمين المباركة!!

 وقد كان الحسن يتحاشى سماع ذلك, فلا يحضر جمعتهم أو جماعتهم: روى الذهبي في تاريخه, عن عمير بن إسحاق، قال: «وكان الحسن يجيء يوم الجمعة، ويدخل في حجر النبي (صلّى الله عليه سلم) فيقعد فيها، فإذا قضيت الخطبة خرج فصلى».

 ولكن مروان لم يعجبه ذلك، ولم يكفه ما يفعله من سبٍّ وشتمٍ حتى يبعث إلى الحسن من يسبه ويشتمه ويهدده، حيث يتابع الذهبي روايته عن عمير بن إسحاق، فيقول: «فلم يرض بذلك حتى أهداه له في بيته، قال: فإنا لعنده إذ قيل: فلان بالباب، قال: ائذن له، فو الله إني لأظنه قد جاء بِشّرٍ، فَأَذِن له فدخل، فقال: يا حسن، إني جئتك من عند سلطان, وجئتك بعزمه، قال: تكلّم، قال: أرسل مروان ويك بعلي وبعلي وبعلي، ويك ويك ويك([310])، وما وجدت مثلك إلا مثل البغلة، يقال لها: من أبوك، فتقول: أمي الفرس، قال: ارجع إليه فقل له: إني والله لا أمحو عنك شيئاً مما قلت، فلن أسبّك، ولكن موعدي وموعدك الله، فإن كنت صادقاً فجزاك الله بصدقك، وإن كنت كاذباً فالله أشد نقمة، وقد أكرم الله جدّي أن يكون مثله، أو قال: مثلي، مثل البغلة»([311]).

 انظر أين وصلت الجرأة بهذا الرجل الذي بعثه مروان, وكيف يتطاول على رسول الله’ والحسن× ولا يراعي لهما حرمة؟!

والغريب أن مروان كان يعترف بأن علياً× كان أكثر الناس دفاعاً عن عثمان! فقد كان مع عثمان وشاهد الأحداث كلها، ومع هذا عندما يسأل عن السبب في شتم علي وسبه يتذرع بأن الأمور لا تستقيم لهم إلاّ بذلك؛ لأنهم بنوا حكمهم وشيّدوا سلطتهم على عذر واه هو الدفاع عن عثمان والمطالبة بدمه، وجعلوا أمير المؤمنين× وأصحابه غرضاً لهم، فحاربوه وسبّوه وقتلوا أصحابه وشرّدوهم، فقد أخرج ابن عساكر في (تاريخ مدينة دمشق): «عن عمر بن علي بن حسين، عن علي بن حسين، قال: قال مروان بن الحكم: ما كان في القوم أحد أدفع عن صاحبنا من صاحبكم ـ يعني علياً عن عثمان ـ قال: قلت: فما لكم تسبّونه على المنبر؟ قال: لا يستقيم الأمر إلا بذلك»([312]).

 وعلق الذهبي على هذه الروية، فقال: «رواه ابن أبي خيثمة بإسناد قوي، عن عمر»([313]). ورواها أيضاً البلاذري عن عمر بن علي في أنساب الأشراف([314]).

وبعد كلّ هذه المعطيات والشواهد, لا يمكن الشك بأنّ مروان كان سبّاباً وشتّاماً لأمير المؤمنين×، وبشكل منظم ورتيب ومتواصل، ولم تكن حالات نادرة أو قليلة.

3ـ زياد بن أبيه

ومن الولاة أيضاً ممن اشتهر بسب علي× هو زياد بن أبيه، ويقال له: زياد بن عبيد الثقفي, وأمّه سمية جارية الحارث بن كلدة، ولد عام الهجرة، وقيل: ولد قبل الهجرة، وقيل: ولد يوم بدر، وليست له صحبة ولا رواية، صار من شيعة علي× في بداية الأمر, فاستعمله الإمام على بلاد فارس، فلم يزل معه إلى أن استشهد الإمام، وبعد أن آلت الأمور إلى معاوية أغراه بالأموال والمناصب فانحرف عن علي×، واستعمله معاوية على البصرة, ثم أضاف إليه ولاية الكوفة بعد هلاك المغيرة بن شعبة سنة51هـ وبقى عليها إلى أن مات.

 ولمّا رأى معاوية المؤهلات والامتيازات التي عند زياد, صمم على الاستفادة منها وتسخيرها لصالحه, فشرع في أول خطوة لتحقيق ذلك وهي إعطاء صفة الشرعية على ولادته، فادّعاه واستلحقه بأبيه: أبي سفيان، فصار يعرف في زمن بني أمية بزياد بن أبي سفيان([315]).

 أخلص زياد لمعاوية إخلاصاً تامّاً, وتفانى في التقرّب إليه وتنفيذ أوامره بشكل دقيق، مما جعل معاوية يوكل إليه مهمّة قمع خصوم بني أمية وأعدائهم, لا سيما شيعة علي×، الذين يعرفهم زياد بن أبيه معرفة تامة، لكونه قد عاش بينهم فترة ليست بالقصيرة، فاختاره لولاية الكوفة؛ لتواجد غالبية الشيعة هناك، وفي مقدمتهم حجر بن عدي, الذي كان ممن وفد إلى النبي’ وشهد القادسية, وهو الذي افتتح مرج عذار وشهد الجمل وصفين مع علي×، وكذلك كان الصحابي عمرو بن الحمق الخزاعي، ونخبة من الشيعة الذين كانوا يعترضون على ما يفعله ولاة بني أمية من سبّ وشتم لأمير المؤمنين×.

وحين وطأت قدماه الكوفة ارتقى المنبر فخطب خطبة هدّد فيها كل من يعارضه باستعمال القوة والشدة ضدّه، ثم ذكر عثمان وأصحابه وأثنى عليهم وذكر قتلته ولعنهم، فاعترض عليه حجر وأصحابه، عندئذٍ نشبت الخصومة والعداوة بينه وبينهم، وانتهت بالقبض عليهم, ثم تسييرهم إلى معاوية وتنفيذ حكم الإعدام بهم، وجرح عمر بن الحمق الخزاعي، الذي فرّ إلى الموصل، وهناك مات أو قتل وبعث برأسه إلى الشام ليلقى بين يدي زوجته المعتقلة هناك، وهو أول رأس طيف به بين المدن، وهو صحابي رأى النبي’ وسمع حديثه.

وكان قتل الصحابي حجر وأصحابه وصمة عار لاحقت معاوية طيلة حياته، حتّى أنّ السيدة عائشة اعترضت عليه ووبخته بشدّة على فعلته تلك.

وهكذا ظلّ زياد بن أبيه ينصب العداء لعلي× وشيعته، ويستثمر كل فرصة ومناسبة للنيل منه ومن أصحابه.

وقد عُرف عنه أنّه كان يجبر موالي عليّ وشيعته على سبّ أمير المؤمنين× والبراءة منه، فحين قبض على بعض أصحاب حجر، ومنهم صيفي بن فسيل، الذي كان من رؤوس أصحاب حجر، قال له زياد: يا عدو الله، ما تقول في أبي تراب؟

قال: ما أعرف أبا تراب، قال: ما أعرفك به، قال: ما أعرفه، قال: أما تعرف علي بن أبي طالب؟ قال: بلى، قال: فذاك أبو تراب: قال: كلا، ذاك أبو الحسن والحسين×.

 فقال له صاحب الشرطة: يقول لك الأمير: هو أبو تراب وتقول أنت: لا، قال: وإن كذب الأمير, أتريد أن أكذب وأشهد له على باطل كما شهد؟ قال له زياد: وهذا أيضاً مع ذنبك, عليّ بالعصا, فأتى بها، فقال: ما قولك؟ قال: أحسن قول أنا قائله في عبد من عباد الله المؤمنين، قال: اضربوا عاتقه بالعصا حتى يلصق بالأرض، فضرب حتى لزم الأرض.

 ثم قال: اقلعوا عنه، إيه! ما قولك في علي؟

قال: والله لو شرحتني بالمواسي والمدي, ما قلت إلا ما سمعت منّى، قال: لتلعننه أو لأضربن عنقك، قال: إذاً تضربها والله قبل ذلك، فإنْ أبيتَ إلا أن تضربها رضيت بالله وشقيت أنت!

 قال: ادفعوا في رقبته، ثم قال: أوقروه حديداً وألقوه في السجن([316]). وهكذا قضى أصحاب حجر بين قتيل ومعتقل ومشرد ودفعوا ضريبة حبّ علي× وموالاته.

ومن شدة عداء زياد وحنقه على أمير المؤمنين× أنه جمع أهل الكوفة يوماً حتّى ملأ منهم المسجد والرحبة والقصر, ثم عرض عليهم لعن علي× والبراءة منه، ولكنّ الله عاجله بمرض الطاعون فانصرف عنهم، وهذه القضية من القضايا التاريخية المشهورة التي ذكرها ابن الجوزي في (المنتظم)([317])، والذهبي في (تاريخ الإسلام)([318])، وابن عساكر في (تاريخ مدينة دمشق)([319])، وذكر ابن كثير أنّ سبب هلاك زياد بن أبيه أنه بعد استتب له الأمر في العراق كتب إلى معاوية يقول له: إني قد ضبطت لك العراق بشمالي ويميني فارغة، فارع لي ذلك، وهو يعرض له أن يستنيبه على بلاد الحجاز أيضاً، فلما بلغ أهل الحجاز جاؤوا إلى عبد الله بن عمر فشكوا إليه ذلك، وخافوا أن يلي عليهم زياد، فيعسفهم كما عسف أهل العراق، فقام ابن عمر فاستقبل القبلة فدعا على زياد والناس يؤمنون، فطعن زياد بالعراق([320]), أي أصيب بالطاعون.

وبغض النظر عن سبب إصابته بالطاعون وهلاكه إلاّ أنّ المسلَّم أنّ الله تعالى قد عاجل له العقوبة في الدنيا قبل الآخرة؛ لكثرة ظلمه وتعديه على حرمات الله، وهو أمر قد عرف واشتهر عن هذا الطاغية من ولاة بني أمية، وقطعاً أنه لم يجرؤه على الظلم والطغيان سوى مباركة بني أمية وتشجيعهم ورضاهم بما يقول ويفعل([321]).

وهكذا يتبين أيضاً أن سبّ علي وشتمه من هذا الطاغية لم يكن في حالات نادرة، بل كان منهجاً له وغرضاً للتقرّب إلى معاوية وبني أمية.

4 ـ بسر بن أرطاة

ومن النماذج الأخرى لولاة معاوية الذين تعاهدوا شتم علي وسبه هو بسر بن أرطأة القرشي، واسم أرطاة أو أبي أرطاة: عمير وقيل عويمر العامري من بني عامر، واختلف في صحبته، فقيل إنه لم يسمع من النبي لأنه’ قبض وبسر صغير، وهذا قول الواقدي وابن معين وأحمد أحمد بن حنبل وغيرهم.

 وقال الدارقطني: له صحبة ولم تكن له استقامة بعد النبي، وكان من أخلص أصحاب معاوية الذين أطاعوه طاعة عمياء، وتفانوا في الدفاع عنه وتنفيذ أوامره، بل كان بسر بن أرطاة يبالغ في تنفيذ أوامر معاوية حتّى أنّه ارتكب أموراً لم يأمره بها معاوية، وكان مع معاوية في معركة صفّين, فأمره أن يلقى علياً×في القتال، وقال له سمعتك تتمنى لقاءه, فلو أظفرك الله به وصرعته حصلت على دنيا وآخرة, ولم يزل به يشجعه ويمنّيه حتى رآه فقصده، فالتقيا، فصرعه علي×، فلم يرَ بدّاً إلاّ أن كشف عورته للتخلص من الموت، مقتدياً في ذلك بما فعله عمرو بن العاص؛ حتّى قال الشاعر:

أفي كلّ يوم فارس ليس ينتهي ينتهيينتهي

 

وعورته وسط العجاجة بادية

يكف لها عنه على سنانه

 

ويضحك منه الخلاء معاوية

بدت أمس من عمرو فقنع رأسه

 

وعورة بسر مثلها حذو حاذية

فقولا لعمرو ثم بسر ألا انظرا

 

سبيلكما لا تلقيا الليث ثانية

وقد عرف بسر بن أرطأة في التاريخ بأنّه رجل سيّئ؛ لارتكابه أموراً عظيمة ركبها في الإسلام، وذلك ما نقله عنه أهل الأخبار والحديث، حين أرسله معاوية في أول سنة أربعين، بعد تحكيم الحكمين، إلى الحجاز واليمن، فأمره إذا قدم المدينة أن يُرعب أهلها ويخيفهم ويأخذهم أخذاً شديداً، ثم إذا وصل اليمن فعليه أن يقتل كل من كان في طاعة علي× فيما إذا امتنع عن بيعة معاوية، ويأخذ ما وجد لهم من مال.

 وفعلاً قَدِم المدينة، وكان عامل على× عليها يومئذٍ أبو أيوب الأنصاري, ففرّ منها وأتى الكوفة، ودخل بسر المدينة فهدّد أهلها، وأكرههم على البيعة، وهدم فيها دوراً كانت لجماعة من أصحاب علي×، وكان يقتل كل من ظنّ أنه أعان على قتل عثمان، ثمّ مضى حتّى أتى مكة فخافه أبو موسى أن يقتله، فقال له بسر: ما كنت لأفعل, وقد خلع علياً.

ثمّ مضى إلى اليمن، وكان عليها عبيد الله بن عباس عاملاً لعلي×, فلما بلغه مسيره فرّ إلى الكوفة حتّى أتى عليا×، واستخلف صهره عبد الله بن عبد المدان الحارثي على اليمن، فأتاه بسر, فقتله وقتل ابنه.

ومن قسوته التي بلغت أبعد مداها، حينما طاوعته نفسه ذبح طفلين صغيرين كانا مع أمهما التي هي زوجة عبيد الله بن عباس، وكان اسم أحدهما عبد الرحمن والآخر قثم، وقد ذهلت أمهما أيّما ذهول من هول المصيبة والفاجعة التي حلّت بها, حتّى هامت على وجهها وفقدت عقلها، ولما سمع أمير المؤمنين× بقتلهما جزع جزعاً شديداً ودعا على بسر، قائلاً: اللهمّ اسلبه دينه وعقله، فاستجاب الله دعاءه وفقد عقله، فكان يهذي بالسيف ويطلبه, فيؤتى بسيف من خشب, ويجعل بين يديه زق منفوخ, فلا يزال يضربه، ولم يزل كذلك حتّى مات.

 وقد قتل بسر في مسيره ذلك جماعة كثيرة من شيعة على×، وأغار على همدان، وقتل منهم أكثر من مائتين وسبى نساءهم، فكن أول مسلمات سبين في الإسلام وبعن في الأسواق، وكذلك قام بقتل أحياء من بني سعد، بعد استشهاد أمير المؤمنين×.

وبلغ علياً خبر بسر فوجه جارية بن قدامة في ألفين ووهب بن مسعود في ألفين، فسار جارية حتى أتى نجران, فهرب بسر وأصحابه منه, واتبعهم حتى بلغ مكة, فقال لهم جارية: بايعونا, فقالوا: قد مات أمير المؤمنين× فلمن نبايع؟ قال: لمن بايع له أصحاب علي, فتثاقلوا ثمّ بايعوا, ثمّ سار حتّى أتى المدينة وأبو هريرة يُصلّى بهم، فهرب منه, فقال جارية: والله لو أخذت أبا سنور لضربت عنقه، ثم قال لأهل المدينة: بايعوا الحسن بن علي‘ فبايعوه, وأقام يومه, ثمّ خرج منصرفاً إلى الكوفة وعاد أبو هريرة فصلى بهم.

وبعد شهادة أمير المؤمنين× وصلح الحسن× ولاه معاوية على البصرة سنة 41 ه‍ , فمكث يسيراً ثم عزله وعاد إلى الشام([322]).

بسر بن أرطاة يسبّ أمير المؤمنين×

لم يكن بسر متورعاً عن الوقوع في مسألة سبّ علي×، كيف لا وهو الذي كان راغباً في امتثال أمر معاوية في مبارزة علي× ومقاتلته، ولذا لم يتوان لحظة في الفتك بكل من يمت إلى علي× بصلة من الرجال والشيوخ وحتى الصبية الصغار، بالإضافة إلى اقترافه أعمالاً قبيحة وشنيعة لا تمت للإسلام والمسلمين بصلة، فلم يمتلك بعض العلماء ممن لا يحبّ سماع وقراءة ذلك إلا أن يقول: «وله أخبار شهيرة في الفتن لا ينبغي التشاغل بها»([323]).

ومن الشواهد التاريخية على سبّه أمير المؤمنين× ما رواه صاحب أنساب الأشراف، قال: «ولما قدم بسر بن أبي أرطاة القرشي، ثم العامري، البصرة, وكان معاوية بعثه لقتل من خالفه واستحياء من بايعه، أخذ بني زياد، وهم غلمان: عبيد الله، وَسَلما، وعبد الرحمن، والمغيرة، وبه كان يكنى زياد، وحرباً، وزياد يومئذٍ متحصن في قلعة بفارس، تعرف بقلعة زياد، مخالف لمعاوية، وذلك قبل أن يدعيه معاوية، فقال: والله لأقتلنكم أو ليأتيني زياد أبوكم، ثم صعد المنبر، فذكر علياً بالقبيح وشتمه وتنقصه»([324]).

وكذا ما رواه الطبري في تاريخه، قال: «خطب بسر على منبر البصرة فشتم علياً×، ثم قال: نشدت الله رجلاً علم أني صادق إلاّ صدقني أو كاذب إلا كذّبني، قال: فقال أبو بكرة: اللهم إنّا لا نعلمك إلا كاذباً، قال: فأمر به فخنق، قال: فقام أبو لؤلؤة الضبّي فرمى بنفسه عليه فمنعه»([325]).

ومن الشواهد على شتمه أيضاً ما رواه الطبري في تاريخه عن جويرية بن أسماء: «أن بسر بن أبي أرطاة نال من علي عند معاوية...< ([326]).

5 ـ عمرو بن سعيد الأشدق

 ونذكر نموذجاً آخر لولاة معاوية الذين أسهبوا في سبّ وشتم وانتقاص خليفة المسلمين علي بن أبي طالب×، وهو عمرو بن سعيد بن العاص بن أمية، المعروف بالأشدق، كان والياً لمعاوية على المدينة، ثم عزله، ثم ولاه يزيد ابنه عليها، وكان يبعث الجيوش لقتال ابن الزبير في مكة بعد وقعة الحرة أيام يزيد بن معاوية.

 ثم إنه بعد ذلك طلب الخلافة وزعم أن مروان بن الحكم جعله ولي عهده بعد عبد الملك، ثم نقض ذلك وجعله إلى عبد العزيز بن مروان، فما زال ذلك في نفسه، فلمّا خرج عبد الملك بن مروان إلى العراق لقتال مصعب بن الزبير استخلف عمرو بن سعيد على دمشق، فخلعه وغلق دمشق وتحصّن بها وأجابه أهلها، فرجع إليه عبد الملك وحاصره وأعطاه الأمان ثم غدر به فقتله، ويلقب بلطيم الشيطان([327]).

 قال ابن حجر: «وليست له صحبة ولا كان من التابعين بإحسان»([328])، وهو الذي قال عنه رسول الله’كما في مسند أحمد عن علي بن زيد أخبرني من سمع أبا هريرة، يقول سمعت رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) يقول: «ليرعفن على منبري جبار من جبابرة بني أمية يسيل رعافه، قال فحدثني من رأى عمرو بن سعيد بن العاص رعف على منبر رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) حتى سال رعافه»([329]).

وكان ممن تورط أيضاً في سبّ أمير المؤمنين×، ومن على المنبر، قال القسطلاني في إرشاد الساري في معرض حديثه عن سعيد، قال: «المعروف بالأشدق؛ لأنه صعد المنبر فبالغ في شتم عليّ (رضي الله عنه) فأصابته لقوة»([330])، وقد ذكر هذا الكلام أيضاً العيني في عمدة القاري([331]).

 وعمرو بن سعيد هذا, كان في وقت استشهاد الحسين× والياً على المدينة، فأراد عبيد الله بن زياد أن يدخل السرور على قلبه بقتل الحسين, فبعث إليه يبشّره بمقتل الحسين×، فقد ذكر الطبري في تاريخه: أنّه لمّا جيء برأس الحسين× إلى عبيد الله بن زياد: «دعا عبد الملك بن أبي الحارث السلمي، فقال: انطلق حتى تقدم المدينة على عمرو بن سعيد بن العاص فبشره بقتل الحسين، وكان عمرو بن سعيد بن العاص أمير المدينة يومئذٍ، قال: فذهب ليعتل له فزجره، وكان عبيد الله لا يصطلي بناره، فقال: انطلق حتى تأتى المدينة ولا يسبقك الخبر, وأعطاه دنانير، وقال: لا تعتل وإن قامت بك راحلتك فاشتر راحلة، قال عبد الملك: فقدمتُ المدينة, فلقيني رجل من قريش، فقال: ما الخبر؟ فقلت: الخبر عند الأمير، فقال: إنا لله وإنا إليه راجعون: قتل الحسين بن علي، قال: فدخلت على عمرو بن سعيد، فقال ما وراءك؟ فقلت: ما سرّ الأمير، قتل الحسين بن علي، فقال: ناد بقتله, فناديت بقتله، فلم أسمع والله واعية قط مثل واعية نساء بني هاشم في دورهن على الحسين، فقال عمرو بن سعيد وضحك:

عجت نساء بني زياد عجة
 

 

كعجيج نسوتنا غداة الأرنب


والأرنب وقعة كانت لبني زبيد على بني زياد من بني الحارث بن كعب من رهط عبد المدان، وهذا البيت من الشعر لعمرو بن معد يكرب، ثم قال عمرو: هذه واعية بواعية عثمان بن عفان، ثم صعد المنبر فأعلم الناس قتله<([332]).

فالمرء الذي يحمل كل ذلك الحقد والعداء لأمير المؤمنين وأهل بيته كيف لا يصدر منه شتم وسبّ لعلي × وبنيه؟!

وبهذا يتّضح من خلال ما تقدم من قرائن وشواهد وأدلّة حديثية وتاريخية, أنّ مسألة سبّ الإمام علي× كانت ظاهرة شائعة ولم تكن ناجمة عن حالات فردية شاذة!! بل كانت عملاً حكومياً رسمياً منظماً، وقد جهد معاوية على ترسيخها وجعلها سنّة طوال مدة حكمه من سنة أربعين حتى سنة 60 للهجرة.

استمرار ظاهرة السبّ وديمومتها بعد وفاة معاوية

لم تنقطع ظاهرة السبّ التي أسّسها معاوية وولاته حتى بعد موته، وتدلنا العديد من الشواهد والأدلة على أنّ سنة سبّ أمير المؤمنين على منابر بني أمية أضحت جزءاً لا يتجزأ من المراسم الرسمية التي يمارسها الولاة والأمراء والخطباء، بل وأضحى بغض أمير المؤمنين وسبّه في بلاد الشام، على أقلّ تقدير، ظاهرة اجتماعية فضلاً عن كونها ظاهرة سياسية حكومية، وسوف نتطرق تباعاً لذكر تلك الشواهد التي تؤيّد ذلك:

الدلائل على استمرار ظاهرة السب وشيوعها في الدولة الأموية

أولاً: ممارسة الولاة والأمراء للسب والشتم

لقد وصلت إلينا بعض المعطيات والشواهد التاريخية ـ رغم سياسة كمّ الأفواه وقطع الألسن، سواء بالسيف أو بالمال، التي كان يمارسها حكام بني أمية ـ تكشف استمرار بعض ولاة بني أمية وأمرائهم ـ بعد وفاة معاوية ـ بسبّ علي وشتمه، واستمرارهم بأمر بعض المسلمين بذلك، ومن يمتنع يواجه العقاب المرير الذي قد يصل إلى حدّ القتل في بعض الأحيان:

1ـ الحجاج بن يوسف الثقفي

ومن الأمراء الذين عرفوا ببغضهم لعلي× هو الحجاج بن يوسف بن عقيل بن مسعود بن عامر، ولد بمنازل ثقيف في الطائف في سنة 41 هجرية, ويذكر أن اسمه كان كليب فأبدله بالحجاج.

 نشأ في الطائف، وكانت مهنته آنذاك تعليم الصبيان مع أبيه، وكانت الطائف يومئذٍ بين ولاية عبد الله بن الزبير، وبين ولاية الأمويين، فرأى أن يلتحق بالأمويين, فاختار الشام, وكان الحاكم الأموي آنذاك عبد الملك بن مروان، فالتحق بشرطة الإمارة التي كانت بإمرة الوزير الأموي روح بن زنباع, والذي وجد في الحجاج الحزم والشدة مع إخلاصه وتفانيه في خدمة بني أمية، فقربه له, وجعله من خاصته.

 وكان عبد الملك بن مروان قد قرر آنذاك تسيير الجيوش لحرب ابن الزبير, ولكنّه كان يشكو لروح بن زنباع عدم التحاق الناس بالجيش, وتقاعسهم عن الحرب، وعندها أشار عليه بالحجاج, وأنّه الشخص المناسب لهذه المهمّة، فعيّنه عبد الملك على رأس الجيش، فأعلن الحجاج أنْ أيّما رجل قدر على حمل السلاح ولم يخرج معه، له ثلاثة أيام, فإنْ لم يلتحق يُقتل وتحرق داره وتنهب أمواله، فشرع يطوف بالبيوت باحثاًً عن المتخلفين، وقتل أحد المعترضين عليه، فخشي الجميع بطشه وأطاعوه، وخرجوا معه مجبرين، وهكذا استطاع تحشيد أكبر عدد من المقاتلين وهو بهذا الفعل قد قدّم نفسه لبني أمية على أنّه الخادم المطيع الذي لا يدخر وسعاً في نصرتهم ولو على حساب أقرب الناس إليه.

وفي سنة 73هـ خرج الحجاج على رأس جيش ضخم لمنازلة ابن الزبير، فسار حتّى وصل إلى مكّة وحاصرها ومنع عنها الإمدادات، وضيّق الخناق على مكة وأهلها، فنصب المنجنيق على نواحي مكّة كلّها ورماها بها حتى هدمت أجزاء من الكعبة، وانفلق الحجر الأسود، ودامت الحرب أشهراً، نتج عنها قتل ابن الزبير، وأوقع الهزيمة في أصحابه، واستتبت الأمور في الحجاز لبني أمية، وعين الحجاج والياً على الحجاز لمدّة عامين، فاستعمل مع أهل الحرمين، لاسيما أهل المدينة، سياسة قاسية متعجرفة، وأهان واستخفّ بمن بقي من الصحابة وخيرة التابعين:

 قال ابن الأثير: «لما قدم [الحجاج] المدينة أقام بها شهراً أو شهرين فأساء إلى أهلها واستخف بهم، وقال: أنتم قتلة أمير المؤمنين عثمان، وختم أيدي جماعة من الصحابة بالرصاص؛ استخفافاً بهم كما يفعل بأهل الذمة، منهم: جابر بن عبد الله وأنس بن مالك وسهل بن سعد، ثمّ عاد إلى مكّة، فقال حين خرج منها: الحمد لله الذي أخرجني من أم نتن، أهلها أخبث بلد وأغشه لأمير المؤمنين وأحسدهم له على نعمة الله، والله لولا ما كانت تأتيني كتب أمير المؤمنين فيهم لجعلتها مثل جوف الحمار أعواداً يعودون بها، ورمة قد بليت، يقولون: منبر رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) وقبر رسول الله (صلى الله عليه وسلم)!»([333]).

ثم طلب عبد الملك بن مروان من الحجاج التوجّه إلى العراق؛ ليكون والياً عليها بعد موت أخيه بشر بن مروان، وكان العراق آنذاك يموج بالاضطرابات والثورات على بني أمية وحكمهم.

وصل الحجّاج إلى الكوفة, ودخلها متنكراً, وصعد المنبر وخطب خطبته المشهورة، التي فاح منها رائحة التهديد والوعيد والمعاملة القاسية والشديدة، فقال:

>أنا ابن جلاّ وطلاعُ الثنايا

 

متى أضع العمامة تعرفوني

أما والله, إنّي لأحمل الشرّ محمله, وأحذوه بنعله, وأجزيه بمثله، وإنّي لأرى رؤوساً قد أينعت وحان قطافها، وإني لأنظر إلى الدماء بين العمائم واللحى قد شمرت عن ساقها تشميراً، ثمّ قال: والله يا أهل العراق، إن أمير المؤمنين عبد الملك نثل كنانة بين يديه، فعجم عيدانها عوداً عوداً، فوجدني أمرّها عوداً، وأشدها مكسراً، فوجّهني إليكم، ورماكم بي...»([334]).

فألقى الرعب في قلوب أهل العراق، ومن العراق حكم الحجاج الجزيرة العربية، فكانت اليمن والبحرين والحجاز، وكذلك خراسان من المشرق تابعة لحكمه، فقاتل وقتل كلّ من يشم منه رائحة المعارضة والسخط على بني أمية، فولغ في دماء المسلمين وسامهم ألوان العذاب والذل والهوان، وقتل منهم خيرة التابعين من الفقهاء والعلماء والقراء، ومن بينهم التابعي الجليل والعالم الفقيه سعيد بن جبير([335]).

 قال ابن خلكان: «وكان للحجاج في القتل وسفك الدماء والعقوبات غرائب لم يسمع بمثلها»([336]).

أخرج الترمذي في سننه عن هشام بن حسان، قال: «أحصوا ما قتل الحجاج صبراً فبلغ مائة ألف وعشرين ألف قتيل»([337])، هذا بالإضافة إلى من قتل في عساكره وحروبه, ومَن ملأ السجون بهم من الرجال والنساء، روى الذهبي في تاريخه, عن قحذم، قال: «أطلق سليمان بن عبد الملك في غداة واحدة واحداً وثمانين ألف أسيراً، وعرضت السجون بعد موت الحجاج، فوجدوا فيها ثلاثة وثلاثين ألفاً، لم يجب على أحد منهم قطع ولا صلب<. وذكر أنّ الهيثم بن عدي, قال: >مات الحجاج، وفي سجنه ثمانون ألفاً، منهم ثلاثون ألف امرأة<.

 وعن عمر بن عبد العزيز، قال: >لو تخابثت الأمم، وجئنا بالحجاج لغلبناهم، ما كان يصلح لدنيا ولا لآخرة»([338]).

وهكذا كان حكمه الذي اتسم بالقسوة والفظاعة في أبشع صورها، والذي استمرّ طيلة أكثر من عشرين عاماً، وقد كانت تلك الفترة من أشدّ الفترات قساوة وظلماً على المسلمين الذين كانوا تحت نفوذه، فقد ارتكب خلالها أفظع الجرائم حتى قيل: ما بقيت لله حرمة إلا وقد انتهكها الحجاج، وظل حتى آخر لحظات حياته مطيعاً وموالياً لبني أمية ولا يعرف طاعة الله تعالى، وهو الذي قال في وصيته: «إنّه لا يعرف إلا طاعة الوليد بن عبد الملك، عليها يحيى، وعليها يموت، وعليها يبعث»([339]).

وكان عاقبته أن هلك في سنة 95هـ بمرض الآكلة التي اخترقت بطنه، ونقل أنه قد دعا بالطبيب لينظر إليها فأخذ لحماً وعلقه في خيط وسرحه في حلقه وتركه ساعة, ثم أخرجه وقد لصق به دود كثير، وسلط الله تعالى عليه الزمهرير، فكانت الكوانين تجعل حوله مملوءة ناراً وتدنى منه حتى تحرق جلده وهو لا يحس بها([340])، وهذه عاقبة الذين أساءوا السوء، نستجير بالله تعالى وجميع المؤمنين.

الحجاج وعلاقته بأهل البيت^ وشيعتهم

تقدم من خلال ما بيّناه من سيرة الحجاج أنه كان متفانياً في طاعة بني أمية والإخلاص لهم, فكان لا يدخر وسعاً في موالاتهم ومعاداة عدوهم، فمن الطبيعي أن يكون أهل البيت وشيعتهم في مقدمة ضحايا الحجاج لموقفهم الواضح من بني أمية، فقد عُرٍف الحجاج ببغضه لأهل البيت ونصبه العداء لهم, وهو ما شهد به كثير من العلماء والمؤرخين، ونكتفي بنقل كلام اثنين من أهمّ المؤرخين وهما الذهبي وابن كثير:

 أمّا ابن كثير، والذي يعدّونه من أكثر المؤرخين إنصافاً للحجاج، فيقول: «وقد كان ناصبياً يبغض علياً وشيعته في هوى آل مروان وبني أمية، وكان جباراً عنيداً، مقداماً على سفك الدماء بأدنى شبهة»([341]).

 وقال الذهبي: «أهلكه الله في رمضان سنة خمس وتسعين كهلاً، وكان ظلوماً، جباراً، ناصبياً، خبيثاً، سفاكاً للدماء»([342]).

 فكان يقتنص الفرص للتنقيص من مكانة أهل البيت، وذلك فيما أخرجه الحاكم في مستدركة بسنده عن عبد الملك بن عمير وبسند آخر عن عاصم بن بهدلة، قال: «اجتمعوا عند الحجاج فذكر الحسين بن علي، فقال: الحجاج لم يكن من ذرية النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وعنده يحيى بن يعمر، فقال له: كذبت أيها الأمير، فقال لتأتيني على ما قلت ببيّنة ومصداق من كتاب الله عزّ وجلّ أو لأقتلنك قتلاً، فقال: ومن ذريته داود وسليمان وأيوب ويوسف وموسى إلى قوله عزّ وجلّ: وزكريا ويحيى وعيسى وإلياس، فأخبر الله عزّ وجلّ: أن عيسى من ذرية آدم بأمّه والحسين بن علي من ذرية محمد (صلى الله عليه وآله) بأمه، قال: صدقت، فما حملك على تكذيبي في مجلسي؟ قال: ما أخذ الله على الأنبياء ليبيننه للناس ولا يكتمونه، قال الله عزّ وجلّ: فنبذوه وراء ظهورهم واشتروا به ثمنا قليلاً، قال: فنفاه إلى خراسان»([343]).

 وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي حرب بن أبي الأسود قال: «أرسل الحجاج إلى يحيى بن يعمر فقال: بلغني أنّك تزعم أن الحسن والحسين من ذرية النبي (صلى الله عليه وسلم)، تجده في كتاب الله، وقد قرأته من أوله إلى آخره فلم أجده؟..»([344]) فذكر يحيى بن يعمر نحو ما تقدم.

وقد تتبع أهل البيت^ وشيعتهم تحت كلّ حجر ومدر، فقتل من قتل منهم وزج من زج منهم في غياهب السجون، ولم يسلم منه إلا من كان بطن الأرض له خير من ظهرها، ومن الأمثلة على الذين قتلهم الحجاج صبراً من شيعة أمير المؤمنين: كميل بن زياد النخعي، قال الذهبي: «كميل بن زياد النخعي شريف مطاع، من كبار شيعة علي (رضي الله عنه)... قتله الحجاج»([345]).

الحجاج وسبه أمير المؤمنين×

من خلال ما تقدم من سيرة الحجاج، وسلوكه العدواني تجاه خصومه، من سفك لدمائهم وانتهاك لحرمتهم، من دون خوف أو وجل من الله سوى الخوف من بني أمية وكسب ودهم ورضاهم، فلا غرابة عندئذٍ أن يكون سبّ أمير المؤمنين× ـ جرياً على السنّة التي انتهجها بنو أميةـ من أيسر ما يقوم به الحجاج، لذا نجد أن التاريخ يخبرنا أنه وخطباؤه كانوا يمارسون رذيلة السب جهراً وعلانية، بل لم يتورع عن إجبار المسلمين بالقوة على سبه× ومعاقبة من يمتنع عن ذلك بأشد العقوبات:

 قال ابن حزم الظاهري في المحلى: «روينا من طريق سفيان الثوري عن مجالد قال: رأيت الشعبي، وأبا بردة بن أبي موسى الأشعري يتكلمان والحجاج يخطب حين قال: لعن الله ولعن الله، فقلت: أتتكلمان في الخطبة؟ فقالا: لم نؤمر بأن ننصت لهذا. وعن المعتمر بن سليمان التيمي عن إسماعيل بن أبي خالد قال: رأيت إبراهيم النخعي يتكلم والإمام يخطب زمن الحجاج؟ قال أبو محمد: كان الحجاج وخطباؤه يلعنون علياً وابن الزبير (رضي الله عنهم ولعن لاعنهم)<([346]).

وروى ابن سعد في الطبقات الكبرى أن عطية العوفي قد خرج مع ابن الأشعث على الحجاج، فلما انهزم جيش بن الأشعث هرب عطية إلى فارس، فكتب الحجاج إلى محمد بن القاسم الثقفي: «أن ادع عطية فإن لعن علي بن أبي طالب وإلاّ فاضربه أربعمائة سوط واحلق رأسه ولحيته، فدعاه فأقرأه كتاب الحجاج, فأبى عطية أن يفعل، فضربه أربعمائة وحلق رأسه ولحيته»([347]).

 وفي سير أعلام النبلاء عن أبي حصين: «أن الحجاج استعمل عبد الرحمن بن أبي ليلى على القضاء ثم عزله، ثم ضربه ليسبّ أبا تراب (رضي الله عنه)، وكان قد شهد النهروان مع علي»([348]).

 وروى ابن سعد وابن أبي شيبة وغيرهم طرفاً من حادثة ضرب الحجاح لابن أبي ليلى, فقد رووا عن الأعمش أنّه قال ـ واللفظ لابن أبي شيبة: «رأيت عبد الرحمن بن أبي ليلى ضربه الحجاج, وأوقفه على باب المسجد، قال: فجعلوا يقولون: العن الكذابين، فجعل عبد الرحمن يقول: لعن الله الكذابين, ثم يسكت, ثم يقول: علي بن أبي طالب, وعبد الله بن الزبير, والمختار بن أبي عبيد، فعرفت حين سكت, ثم ابتدأهم فرفعهم, أنه ليس يريدهم»([349]).

 وذكر ابن حجر في ترجمة مصدع أبي يحيى الأعرج المعرقب مولى عبد الله بن عمر، قال: «قلت: إنما قيل له: المعرقب؛ لأنّ الحجاج أو بشر بن مروان عرض عليه سبّ علي فأبى فقطع عرقوبه»([350]).

2ـ محمد بن يوسف الثقفي أخو الحجاج

وممن كان يسب علياً× محمد بن يوسف الثقفي، استعمله الحجاح على اليمن، وكان ظلوماً غشوما، أساء السيرة وظلم الرعية، وأخذ أراضي الناس بغير حقها، ولما قتل ابن الزبير بعث الحجاج بكفه إليه فعلقها بصنعاء، وعن عمر بن عبد العزيز، قال: «الوليد بالشام والحجاج بالعراق، ومحمد بن يوسف باليمن، وعثمان بن حيان بالحجاز، وقرة بن شريك بمصر، امتلأت والله الأرض جوراً»([351]).

وكان على سيرة الحجاج وولاة بني أميّة يلعن علياً× على المنابر ويأمر بذلك، قال عنه ابن كثير: «وكان يلعن علياً على المنابر»([352]).

 وقال الصفدي: «وكان محمد يسب علياً (رضوان الله عليه) على المنبر ويأمر بذلك»([353]).

ومن الذين أمرهم محمد بن يوسف بسب أمير المؤمنين×, التابعي حجر بن قيس الهمدانى، قال الصفدي: «وأخذ حجراً المدني([354])، وكان رجلاً صالحاً، فأقامه عند المنبر، وقال سبّ أبا تراب، فقال: إن الأمير محمداً أمرني أن أسبّ علياً فالعنوه لعنه الله، فتفرق الناس على ذلك ولم يفهمها إلاّ رجل واحد، وكان علي (رضي الله عنه) قال لحجر هذا: كيف بك إذا قمت مقاماً تؤمر فيه بلعنتي، قال: أو يكون ذلك؟ قال: نعم، سبني ولا تتبرأ مني»([355]). وأشار إلى هذه الحادثة الذهبي في تاريخ الإسلام([356])، وابن كثير في تاريخه([357]).

 وبسبب الظلم والجور الفاحش الذي ارتكبه فقد ابتلاه الله وعاقبه كما ابتلى الطغاة أمثاله, فقد أصابه داء تقطعت منه أمعاؤه وأعضاؤه وكان به هلاكه([358]).

3ـ خالد بن عبد الله القسري

ومن الطغاة الذين ساءت عاقبتهم هو خالد بن عبد الله بن يزيد بن أسد القسري البجلي الدمشقي، كان من عمّال بني أمية المشهورين, ومن الطغاة الظالمين، ضارع الحجاج في كثير من صفاته, وجاراه في الظلم والبطش والتنكيل بخصوم بني أمية حتى وصفه الصفدي: «كان نحواً من الحجاج»([359]).

ولاّه مكة الوليد بن عبد الملك سنة تسع وثمانين للهجرة فلم يزل بها والياً حتى مات الوليد, وأقرّه سليمان بن عبد الملك عليها، ثم عزله، ثم ولاّه هشام بن عبد الملك العراق بعد أن عزل عمر بن هبيرة وذلك سنة خمس ومائة أو ست ومائة للهجرة, ثم عزله سنة مائة وعشرين وولى يوسف بن عمر الثقفي ابن عمّ الحجاج.

وكانت أم خالد نصرانية رومية ابتنى بها أبوه في بعض أعيادهم فأولدها خالداً وأسداً ولم تسلم، وبنى لها خالد بيعة([360]) فذمّه الناس والشعراء، فمن ذلك قول الفرزدق:

ألا قطع الرحمن ظهر مطية

 

أتتنا تهادى من دمشق بخالد

فكيف يؤم الناس من كانت أمه

 

تدين بأن الله ليس بواحد

بنى بيعة فيها النصارى لأمه

 

ويهدم من كفر منار المساجد

قال الحموي في معجم البلدان: «بيعة خالد: منسوبة إلى خالد بن عبد الله القسري أمير الكوفة، كان بناها لأمه وكانت نصرانية، وبنى حولها حوانيت بالآجر والجص، ثم صارت سكة البريد([361]).

 وقال ابن خلكان: «وكان خالد يُتهم في دينه، وبنى لأمة كنيسة تتعبد فيها»([362]) وكان كثيراً ما يعيّر بأمه.

 وقد خدم بني أمية أكثر من عشرين سنة، أطاعهم فيها طاعة عمياء، أسخط بها الله سبحانه وتعالى من خلال عدة شواهد ودلائل ذكرت عنه، منها: أنه ألقى القبض على التابعي سعيد بن جبير وجماعة عندما كان والياً على مكّة, وسلمهم إلى الحجاج بعد أن جاءه كتاب من الوليد بن عبد الملك يأمره بذلك، وعندما أنكروا عليه ذلك، قال: كأنكم أنكرتم ما صنعت، والله أن لو كتب إلي أمير المؤمنين لنقضتها حجراً حجراً، يعني الكعبة!([363]).

 ومنها: أنه خطب يوماً على منبر مكة، فقال: «أيها الناس، أيُّهما أعظم: أخليفة الرجل على أهله أم رسوله إليهم؟ والله لو لم تعلموا فضل الخليفة، ألا إنّ إبراهيم خليل الرحمن استسقى فسقاه ملحاً أجاجاً، واستسقاه الخليفة فسقاه عذباً فراتاً ([364])» ([365]).

 وقال ابن كثير: «وهذا الكلام يتضمن كفراً إنْ صح عن قائله»([366])، ثم حاول ابن كثير، كعادته، الدفاع عن بني أمية وولاتهم، فنفى التهمة عن خالد القسري، وذكر أنه لا يصح أن يصدر منه هذا الكلام من دون أن يستند إلى دليل علمي!!

 هذا وقد اشتهر عن خالد أنه كان يذم زمزم، ينقل الذهبي في سِيَرِهِ أنّه كان يقول: «يقال: إن زمزم لا تنزح ولا تذم، بلى والله إنها تنزح وتذم، ولكن هذا أمير المؤمنين قد ساق لكم قناة بمكة. قال أبو عاصم النبيل: ساق خالد ماءً إلى مكة، فنصب طستاً إلى جنب زمزم، وقال: قد جئتكم بماء العاذبة لا تشبه أم الخنافس، يعني: زمزم»([367]).

 وكان هلاك هذا الطاغية على يد بني أمية أنفسهم، قال ابن كثير: «وقد ذكر ابن جرير وابن عساكر وغيرهما: أن الوليد بن يزيد كان قد عزم على الحج في إمارته, فمن نيّته أن يشرب الخمر على ظهر الكعبة، فلمّا بلغ ذلك جماعة من الأمراء اجتمعوا على قتله وتولية غيره من الجماعة، فحذر خالد أمير المؤمنين! منهم، فسأله أن يسمّيهم فأبى عليه, فعاقبه عقاباً شديداً، ثم بعث به إلى يوسف بن عمر, فعاقبه حتّى مات شر قتلة وأسوأها، وذلك في محرم من هذه السنة، أعني سنة ست وعشرين ومائة»([368]).

 وله أخبار كثيرة ذكرها المؤرخون وأصحاب السير والتراجم، فمن أراد المزيد فليراجع([369]).

خالد القسري يبغض أمير المؤمنين ويسبه

سيرة خالد القسري تؤكد أنه ممن اشتهر ببغضه وعدائه لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب×, وأنّه كان يسبه ويقع فيه, وعلى مرأى ومسمع من المسلمين, حتّى عرف بأنّه ناصبي مبغض يسبّ علياً×، فلم يتعرض أحد إلى سيرته إلاّ ويذكر عنه هذه الصفة، فقد ورد في تهذيب الكمال وغيره من المصادر, عن عبد الله بن أحمد بن حنبل، قال: «سمعت يحيى بن معين، قال: خالد بن عبد الله القسري كان والياً لبني أمية، وكان رجل سوء، وكان يقع في علي بن أبي طالب، وقال أبو نعيم، عن الفضل بن الزبير: سمعت خالداً القسري وذكر علياً فذكر كلاماً لا يحل ذكره»([370])، وقال الذهبي في ميزان الاعتدال: «صدوق! لكنه ناصبي بغيض، ظلوم. قال ابن معين: رجل سوء يقع في علي»([371]). وقال في السير: «لكنه فيه نصب معروف»([372]).

وأورد المبرد في الكامل أنّ القسري، في وقت أمارته على العراق، في خلافة هشام، كان يلعن علياً من على المنبر ويقول: «اللهم العن علي بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم، صهر رسول الله على ابنته! وأبا الحسن والحسين! ثم يقبل على الناس فيقول: هل كنيت؟!»([373]).

وربما كان يوصي عماله وولاته بالسبّ جرياً على العادة الأموية كما بيّنا، ففي كتاب التدوين في أخبار قزوين، قال محمد بن زياد المذحجي: «رأيت في مسجد قزوين لوحاً نُقِش عليه: هذا مما أمر به محمد بن الحجاج، وكان عمال خالد بن عبد الله القسري وسائر عمال بني أمية يلعنون في هذا المسجد علياً (رضي الله عنه), حتّى وثب رجل من موالي بني الجند وقتل الخطيب وانقطع اللعن من يومئذ»([374]).

والأشد مرارة من ذلك شهادة بعض العلماء له بالصدق والوثاقة، كشهادة الذهبي له بالصدق! كما نقلناه آنفاً في ميزان الاعتدال، وجاء في الجرح والتعديل: أنّه سئل سيار أبو الحكم: «كيف تروي عن مثل خالد؟ فقال: إنه أشرف من أن يكذب!!»([375]).

 وقال ابن حجر في التقريب: «أمير الحجاز، ثم الكوفة، ليست له رواية عندهما»([376]) ولم يحكم عليه بشيء، ووثقه ابن حبان([377]) وصحح الحاكم، والذهبي حديثه([378]).

ومن البعيد أن يتصف هكذا شخص، مع هكذا سيرة، بالوثاقة والصدق!

 هذا، مع أنه جاء في صحيح مسلم عن علي× أنّه قال: «والذي فلق الحبة وبرأ النسمة انه لعهد النبي الأمي (صلّى الله عليه وسلّم) إليّ أن لا يحبني إلا مؤمن ولا يبغضني إلا منافق»([379])، والله سبحانه وتعالى يشهد أن المنافقين لكاذبون، قال تعالى: {وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ}([380]).

 4 ـ عبد العزيز بن مروان

 لقد اقتفى عبد العزيز سيرة أبيه في النيل من الإمام علي×, فهو ابن مروان بن الحكم بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس، أبو عمر بن عبد العزيز، وكان مروان بن الحكم قد استخلفه على مصر وقت خروجه منها سنة 65هـ، ثم أقرّه أخوه عبد الملك عليها، فاستقل بها أكثر من عشرين سنة، وقد عقد مروان بولاية العهد لعبد الملك وبعده عبد العزيز، وثقل على عبد الملك مكانه فأراد خلعه ليبايع ابنيه الوليد وسليمان بالخلافة، إلاّ أنه جاءه نبأ وفاته سنة خمس وثمانين أو ست وثمانين، فبايع عبد الملك للوليد بالخلافة من بعده, ثم لسليمان من بعد الوليد([381]).

وليس غريباً أن يسير على سيرة أبيه مروان بن الحكم ومن قبله معاوية بالقيام بسب وشتم علي× على المنابر في خطب الصلوات وباقي المناسبات، فقد كان عبد العزيز حريصاً على إدامة هذه السنة الأموية، على ما ينقله لنا ابنه عمر بن عبد العزيز:

فقد ذكر البلاذري وابن الأثير عن عمر بن العزيز قوله: «نشأت على بغض علي لا أعرف غيره، وكان أبي يخطب, فإذا ذكر علياً نال منه فلجلج، فقلت: يا أبه, إنّك تمضي في خطبتك, فإذا أتيت على ذكر علي عرفت منك تقصيراً، قال: أفطنت لذلك؟ قلت: نعم! قال: يا بني, إنّ الذين من حولنا لو نُعلمهم من حال علي ما نعلم تفرقوا عنا»([382]).

 5 ـ سليمان بن عبد الملك

والنموذج الأخير الذي نستعرضه من الولاة الذين مارسوا الشتيمة والبغضاء لعلي×، بعد معاوية، هو سليمان بن عبد الملك بن مروان بن الحكم بن أبي العاص بن أمية، الذي تولى الحكم سنة 96هـ ومات سنة 99هـ والذي كان من ولاته على مكة خالد القسري الناصبي الذي مرّ ذكره، وفيما يتعلق بمعاداته لأمير المؤمنين×:

 فقد أخرج أبو نعيم في حلية الأولياء بسنده عن العلاء بن كريز، قال: «بينما سليمان بن عبد الملك جالس إذ مر به رجل عليه ثياب يخيل في مشيته، قال: هذا ينبغي أن يكون عراقياً، وينبغي أن يكون كوفياً، وينبغي أن يكون من همدان، ثم قال: عليّ بالرجل، فأُتي به، فقال: ممّن الرجل؟ فقال: ويلك، دعني حتى ترجع إليّ نفسي، قال: فتركه هنيهة ثم سأله: ممن الرجل؟ فقال: من أهل العراق، قال: من أيهم؟ قال: من أهل الكوفة، قال: أي أهل الكوفة؟ قال: من همدان، فازداد عجباً. فقال: ما تقول في أبي بكر؟ قال: والله ما أدركت دهره ولا أدرك دهري، ولقد قال الناس فيه فأحسنوا, وهو إن شاء الله كذلك، قال: فما تقول في عمر؟ فقال مثل ذلك، قال: فما تقول في عثمان؟ قال: والله ما أدركت دهره ولا أدرك دهري، ولقد قال فيه الناس فأحسنوا, وقال فيه ناس فأساءوا, وعند الله علمه، قال: فما تقول في على؟ قال: هو والله مثل ذلك، قال: سبّ علياً، قال: لا أسبّه، قال: والله لتسبنّه، قال: والله لا أسبه، قال: والله لتسبنّه أو لأضربن عنقك؟ قال: والله لا أسبه، قال: فأمر بضرب عنقه، فقام رجل في يده سيف فهزه حتى أضاء في يده كأنه خوصة، فقال: والله لتسبنّه أو لأضربن عنقك، قال: والله لا أسبه، ثم نادى ويلك يا سليمان، ادنني منك، فدعا به، فقال: يا سليمان, أما ترضى مني بما يرضى به من هو خير منك ممن هو خير مني فيمن هو شر من على؟ قال: وما ذاك، قال: الله رضى من عيسى وهو خير مني إذ قال في بني إسرائيل وهم شر من على: {إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}.

 قال: فنظرت إلى الغضب ينحدر من وجهه حتى صار في طرف أرنبته، ثم قال: خلّيا سبيله، فعاد إلى مشيته، فما رأيت رجلاً قط خيراً من ألف رجل غيره، وإذا هو طلحة بن مصرف»([383]).

هذه بعض الشواهد والأدلة التي ذكرناها في المقام، وهناك الكثير مما تركناه، مخافة التطويل، وجميعها تؤكد بغض حكام بني أمية وولاتهم وعمّالهم ومعاداتهم لأمير المؤمنين×, وكذلك سبّهم وشتمهم له وحمل الناس على فعل ذلك، ولا يعني أنّ الذين لم نذكرهم كانوا لا يفعلون ذلك، بل وجدنا أن ما ذكرناه كفاية على أنّ السبّ والشتم لم يكن حالات فردية شاذة، بل كانت علامة فارقة لحكم بني أمية وعلى مدى عشرات السنين، وهذا ما سيتضح أيضاً في النوع الثاني من الدلائل على شيوع حالة السب والشتم لعلي× من قبل بني أمية، وذلك من خلال نقل كلمات وأقوال بعض العلماء في ذلك.

ثانيا: أقوال التابعين والعلماء فيما يتعلق بسب الأمويين لعلي×

ومن الدلائل أيضاً على استمرار ظاهرة السب وشيوعها في الدولة الأموية ـ بالإضافة إلى ما ذكرناه في النقطة الأولى التي خصصناها لكشف ما مارسه الولاة من السب والشتم ـ هو إقرار عدد كبير من التابعين وعلماء المسلمين، وعلى طول التاريخ، بأن بني أمية كانوا يدأبون على النيل من أمير المؤمنين, والتنقيص منه, وشتمه, وسبّه, ومن على منابر المسلمين، واتخذوا ذلك سنّة من زمن معاوية بن أبي سفيان حتى خلافة عمر بن عبد العزيز، وسوف نذكر بعض الشواهد الدالة على أقوالهم في هذا المجال.

 فمن هؤلاء التابعين والعلماء:

عامر بن عبد الله بن الزبير المتوفى سنة 121هـ

وهو عامر بن عبد الله بن الزبير بن العوام الأسدي أبو الحارث المدني تابعي، روى له الستة، قال المزي في تهذيب الكمال: «قال عبد الله بن أحمد بن حنبل، عن أبيه: ثقة من أوثق الناس، وقال إسحاق بن منصور: عن يحيى بن معين، وأبو حاتم، والنسائي: ثقة» ([384])، وقال ابن حجر: «ثقة عابد من الرابعة»([385]).

جاء في الاستيعاب لابن عبد البر: «أنّ ابن وهب روى عن حفص بن ميسرة عن عامر بن عبد الله بن الزبير, أنّه سمع ابناً له ينتقص علياً، فقال: إياك والعودة إلى ذلك، فإن بني مروان شتموه ستين سنة، فلم يزده الله بذلك إلا رفعة, وإن الدين لم يبن شيئاً فهدمته الدنيا. وإن الدنيا لم تبن شيئاً إلا عاودت على ما بنت فهدمته»([386]).

وهذا يكشف أنّ السب والشتم قد امتد طيلة ستين سنة، وهي مدة ليست بالقصيرة, ممّا يؤكد أنه أضحى ظاهرة من الظواهر التي عرف بها المجتمع الأموي.

جعونة بن الحارث: كان حياً في سنة 101هـ

هو جعونة بن الحارث بن خالد بن صعصعة، هاجر إلى الجزيرة، ونزل وادي بني عامر، ثم انتقل منه إلى الرهاء([387]) فاتخذها منزلاً، وعظم قدره بها حتى اختصه عمر بن عبد العزيز([388]).

 ذكره ابن حبان في الثقات([389])، وأورده البخاري في تاريخه([390])، وابن أبي حاتم في الجرح والتعديل([391])، وذكروا أنه كان كاتباً لعمر بن عبد العزيز. روى عنه عمرو بن ميمون بن مهران الجزري المتوفى سنة 147هـ، وكذلك روى له الستة أصحاب الصحاح، قال عنه ابن حجر: «ثقة فاضل من السادسة»([392]).

قال الذهبي في تاريخ الإسلام: «عمر بن عثمان الحمصي: ثنا خالد بن يزيد عن جعونة، قال: كان لا يقوم خليفة من بني أمية إلا سب علياً، فلم يسبه عمر بن عبد العزيز حين استخلف»([393]).

 وأخرج ابن عساكر الأثر مسنداً، قال: «أخبرنا أبو علي الحسن بن أحمد المقرئ إذنا وأبو الفرج سعيد بن أبي الرجاء مشافهة, قالا: أنبأنا أبو الفتح منصور بن الحسين بن علي, أنبأنا أبو بكر بن المقرئ, أنبأنا أبو عروبة, حدثنا عمرو بن عثمان, حدثنا خالد بن يزيد, عن معاوية, قال: كان لا يقوم أحد من بني أمية إلا سبّ علياً، فلم يسبّه عمر، فقال كثير عزة:

وليتَ فلم تشتم علياً ولم تخف

 بنيه ولم تتبع سجيّة مجرم»([394])

ولكنه ـ كما ترى ـ أورد اسم معاوية بدل جعونة، والظاهر أنه حدث تصحيف.

وواضح مما قاله ابن الحارث أن السب والشتم مارسه غالبية ولاة بني أمية.

لوط بن يحيى (أبو مخنف المتوفى سنة 157هـ)

وهو من الإخباريين والمؤرخين البارزين، وكان له اطلاع وعلم وله مصنفات كثيرة، قال عنه الذهبي: «صاحب تصانيف وتواريخ»([395]).

 وقد اعتمد عليه كثير من المؤرخين وأصحاب السير، ولكنه وبسبب جرأته في عرض الحقائق التاريخية كما هي، وتعرضه إلى ذكر ما حلّ بالأمة الإسلامية من ويلات وحروب، وما قام به بنو أمية من أعمال شنيعة، فقد تعرّض إلى موجة من الطعن والتضعيف والتوهين، فأصبح بنظر من يحرصون على أن تظل صورة بني أمية ناصعة ولو على حساب الحقيقة وأيصالها بأمانة للأجيال القادمة، أصبح إخبارياً تالفاً هالكاً ضعيفاً شيعياً محترقاً وغير ذلك من الأوصاف والنعوت، وهذا ما أشار إليه ابن عدي في الكامل، فإنه بعد أن نقل تضعيف بعض له، قال: «فإن لوط بن يحيى معروف بكنيته وباسمه حدث بأخبار من تقدم من السلف الصالحين، ولا يبعد منه أن يتناولهم, وهو شيعي محترق صاحب أخبارهم»([396]).

 والسلف الصالحون عند ابن عدي هم معاوية وأتباعه من بني أمية وشيعتهم, الذين ملأوا أسماع الدنيا شتماً وسبّاً لأمير المؤمنين×, وهو ما يرويه أبو مخنف نفسه، ففي الطبقات الكبرى لابن سعد، قال: «أخبرنا علي بن محمد عن لوط بن يحيى الغامدي، قال: كان الولاة من بني أمية قبل عمر بن عبد العزيز يشتمون علياً (رحمه الله)، فلما ولي عمر أمسك عن ذلك، فقال كثير عزة الخزاعي:

وليت فلم تشتم علياً ولم تخف

 

بريا ولم تتبع مقالة مجرم

 

تكلمت بالحق المبين وإنما

 

تبين آيات الهدى بالتكلم

 

فصدقت معروف الذي قلت بالذي

 

فعلت فأضحى راضياً كل مسلم»([397])

ومن الواضح أنّ ما نقل من طريق لوط هنا, لا يختلف عمّا ذكره الذهبي عن جعونة, فكلاهما نقل نفس المعنى, حتّى الاستشهاد بشعر كثير عزّة.

عبد الله بن العلاء المتوفى 164هـ

وهو عبد الله بن العلاء بن زبر الربعي، أبو زبر، ويقال له: أبو عبد الرحمن الشامي الدمشقي، من كبار أتباع التابعين، روى له البخاري والنسائي وأبو داود والترمذي وابن ماجه، ووثقه غير واحد من علماء الجرح والتعديل كيحيى بن معين ومحمد بن سعد والدارقطني([398]) والعجلي([399])، وذكره ابن حبان في الثقات ([400])، وقال عنه ابن حجر: «ثقة من السابعة»([401]).

وفيما يخصّ تصريحه بسبّ بني أمية للإمام علي×، فقد نقل ابن الأثير في أسد الغابة, قال: «وروى أبو أحمد العسكري بإسناده عن عمارة بن يزيد، عن عبد الله بن العلاء، عن الزهري قال: سمعت سعيد بن جناب يحدث عن أبي عنفوانة المازني، قال: سمعت أبا جنيدة جندع بن عمرو بن مازن، قال سمعت النبي (صلّى الله عليه وسلّم) يقول: >من كذب علي متعمداً فليتبوأ مقعده من النار<، وسمعته ـ وإلا صمتا ـ يقول، وقد انصرف من حجة الوداع، فلما نزل غدير خم قام في الناس خطيباً وأخذ بيد علي وقال: (من كنت وليه فهذا وليه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه).

قال عبيد الله([402]): فقلت للزهري: لا تحدث بهذا بالشام، وأنت تسمع ملء أذنيك سبّ علي، فقال: والله إن عندي من فضائل علي ما لو تحدثت بها لقتلت»([403]).

يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر المتوفى سنة 380هـ

قال عنه الذهبي في السير: «الإمام العلامة، حافظ المغرب، شيخ الإسلام، أبو عمر، يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر بن عاصم النمري، الأندلسي، القرطبي، المالكي، صاحب التصانيف الفائقة... طال عمره، وعلا سنده، وتكاثر عليه الطلبة، وجمع وصنف، ووثق وضعف، وسارت بتصانيفه الركبان، وخضع لعلمه علماء الزمان»([404]).

قال ابن عبد البر في كتابه الاستيعاب: «وقد كان بنو أمية ينالون منه وينقصونه, فما زاده الله بذلك إلا سمواً وعلواً ومحبة عند العلماء»([405]).

ابن حزم الظاهري المتوفى سنة 456هـ

قال الذهبي في ترجمته: «الإمام العلامة الحافظ الفقيه المجتهد أبو محمد علي بن أحمد بن سعيد بن حزم بن غالب... بن أبي سفيان بن حرب بن أمية، الفارسي الأصل الأموي اليزيدي القرطبي الظاهري صاحب التصانيف... ولد أبو محمد بقرطبة سنة أربع وثمانين وثلاث مائة... وكان إليه المنتهى في الذكاء والحفظ وسعة الدائرة في العلوم... وكان صاحب فنون فيه دين وتورع وتزهد وتحر للصدق, وكان أبوه وزيراً جليلاً... وقال ابن حيان: وكان مما يزيد في شنئانه تشيعه لأمراء بني أمية ماضيهم وباقيهم, واعتقاده بصحّة إمامتهم حتى نسب إلى النصب»([406]).

 وقال في السير: «الإمام الأوحد، البحر، ذو الفنون والمعارف... فكان جده يزيد مولى للأمير يزيد أخي معاوية، وكان جده خلف بن معدان هو أول من دخل الأندلس في صحابة ملك الأندلس عبد الرحمن بن معاوية بن هشام، المعروف بالداخل»([407]).

وبهذا يكون ابن حزم وأبوه وجدّه من موالي بني أمية قديماً وحديثاً ومن أتباعهم، وممن استوزروهم وعملوا لديهم، ولكن هذا لم يمنع ابن حزم من ذكر حقيقة سبّ علي× والنيل منه:

 قال في معرض حديثه عن تأخير بني أمية للصلاة، وإحداث الأذان والإقامة، وتقديم الخطبة قبل الصلاة في العيدين: «واعتلوا بأن الناس كانوا إذا صلوا تركوهم ولم يشهدوا الخطبة؛ وذلك لأنهم كانوا يلعنون علي بن أبي طالب (رضي الله عنه)، فكان المسلمون يفرون، وحق لهم، فكيف وليس الجلوس للخطبة واجباً»([408]).

محمود بن عمر الخوارزمي الزمخشري المتوفى سنة 538هـ

قال ابن خلكان في ترجمته: «أبو القاسم محمود بن عمر بن محمد بن عمر الخوارزمي الزمخشري, الإمام الكبير في التفسير والحديث والنحو واللغة وعلم البيان, كان إمام عصره من غير مدافع, تشد إليه الرحال في فنونه... وصنف التصانيف البديعة, منها: الكشاف في تفسير القرآن العزيز, لم يصنف قبله مثله, والمحاجاة بالمسائل النحوية, والمفرد والمركب في العربية, والفائق في تفسير الحديث, وأساس البلاغة في اللغة, وربيع الأبرار, وفصوص الأخبار و...»([409])، وقال الذهبي: «مات ليلة عرفة سنة ثمان وثلاثين وخمس مئة»([410]).

قال الزمخشري في تفسير قوله تعالى: {إنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُون}([411]): «وحين أسقطت من الخطب لعنة الملاعين على أمير المؤمنين عليّ (رضي الله عنه)، أقيمت هذه الآية مقامها. ولعمري إنها كانت فاحشة ومنكراً وبغياً، ضاعف الله لمن سنّها غضباً ونكالاً وخزياً إجابة لدعوة نبيه: (وعاد من عاداه)»([412]).

ابن الأثير الجزري المتوفى سنة 630هـ

هو أبو الحسن علي بن أبي الكرم محمد بن محمد بن عبد الكريم بن عبد الواحد الشيباني, المعروف بابن الأثير الجزري, الملقب عز الدين، قال ابن خلكان: «ولد بالجزيرة ونشأ بها, ثمّ سار إلى الموصل مع والده... وسكن بها... وكان إماماً في حفظ الحديث ومعرفته وما يتعلق به، وحافظاً للتواريخ المتقدمة والمتأخرة، وخبيراً بأنساب العرب وأخبارهم وأيامهم ووقائعهم، صنّف في التاريخ كتاباً كبيراً سمّاه الكامل، ابتدأ فيه من أول الزمان إلى آخر سنة ثمان وعشرين وستمائة, وهو من خيار التواريخ, واختصر كتاب الأنساب لأبي سعد عبد الكريم بن السمعاني, واستدرك عليه فيه مواضع, ونبه على أغلاط, وزاد أشياء أهملها, وهو كتاب مفيد جداً»([413])، وقال عنه ابن كثير: «هو الإمام العلامة عز الدين أبو الحسن علي بن عبد الكريم بن عبد الواحد الشيباني الجزري الموصلي المعروف بابن الأثير, مصنف كتاب أسد الغابة في أسماء الصحابة، وكتاب الكامل في التاريخ وهو من أحسنها حوادث»([414])، وقال الذهبي: «وكان إماما، علامة، أخبارياً، أديباً، متفنناً، رئيساً، محتشماً، كان منزله مأوى طلبة العلم، ولقد أقبل في آخر عمره على الحديث إقبالاً تاماً، وسمع العالي والنازل»([415]).

قال ابن الأثير في الكامل: «كان بنو أمية يسبّون أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) إلى أنْ ولي عمر بن عبد العزيز، فترك ذلك, وكتب إلى العمال في الآفاق بتركه»([416]).

أحمد بن عمر القرطبي المتوفى سنة 656 ه‍

وهو أحمد بن عمر بن إبراهيم، أبو العباس الأنصاري القرطبي، قال الذهبي في تذكرة الحفاظ: «العلامة المحدّث أبو العباس أحمد بن عمر بن إبراهيم الأنصاري»([417])، وقال في تاريخه: «القرطبي، المالكي، الفقيه، المحدث، المدرس، الشاهد، نزيل الإسكندرية، ولد بقرطبة... قدم ديار مصر، وحدّث بها. واختصر الصحيحين، ثم شرح مختصر مسلم بكتاب سمّاه (المفهم) أتى فيه بأشياء مفيدة، وكان بارعاً في الفقه والعربية، عارفاً بالحديث، توفي بالإسكندرية»([418]).

قال القرطبي في كتابه المفهم: «وقول معاوية لسعد بن أبي وقاص: (ما منعك أن تسب أبا تراب) يدل: على أن مقدم بني أمية كانوا يسبون علياً وينتقصونه، وذلك كان منهم لما وقر في أنفسهم من أنه أعان على قتل عثمان، وأنه أسلمه لمن قتله، بناء منهم على أنه كان بالمدينة، وأنه كان متمكناً من نصرته، وكلّ ذلك ظن كذب، وتأويل باطل، غطى التعصب منه وجه الصواب»([419]).

 وقال في موضع أخر عند حديثه عن خطبة صلاة العيد: «وأما مروان وبنو أمية، فإنما قدموها؛ لأنهم كانوا في خطبهم ينالون من علي (رضى الله عنه) ويسمعون الناس ذلك، فكان الناس إذا صلوا معهم انصرفوا عن سماع خطبهم لذلك، فلما رأى مروان ذلك أو من شاء الله من بني أمية، قدّموا الخطبة؛ ليسمعوا الناس من ذلك ما يكرهون»([420]).

محمد بن أحمد القرطبي المتوفى سنة 671هـ

قال الذهبي في ترجمته: «محمد بن أحمد بن أبي بكر بن فرح، الإمام، العلامة، أبو عبد الله الأنصاري، الخزرجي، القرطبي، إمام متفنن متبحر في العلم، له تصانيف مفيدة تدل على كثرة اطلاعه ووفور فضله... وقد سارت بتفسيره العظيم الشأن الركبان؛ وهو كامل في معناه، وله كتاب الأسنى في الأسماء الحسنى، وكتاب التذكرة، وأشياء تدل على إمامته وذكائه وكثرة اطلاعه»([421]).

قال القرطبي في كتـابه التذكرة: «وبالجملة، فبنو أمية قابلوا وصية النبي (صلّى الله عليه وسلّم) في أهل بيته وأمته بالمخالفة والعقوق, فسفكوا دماءهم, وسبوا نساءهم, وأسروا صغارهم, وخربوا ديارهم, وجحدوا فضلهم وشرفهم, واستباحوا لعنهم وشتمهم, فخالفوا رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) في وصيته, وقابلوه بنقيض مقصودة وأمنيته، فوا خجلتهم إذا وقفوا بين يديه، ويا فضيحتهم يوم يعرضون عليه»([422]).

أبو الفداء إسماعيل بن علي المتوفى سنة 732 ه‍

هو إسماعيل بن علي بن محمود بن محمد بن عمر بن شاهنشاه بن أيوب الملك المؤيد صاحب حماه، من ملوك الدولة الأيوبية، قال الشوكاني عنه: «وكان جواداً شجاعاً عالماً بفنون عدة، لاسيما الأدب، فله فيه يد طولى، نظم الحاوي في الفقه وصنف تاريخه المشهور ونظم الشعر والموشحات، وكان له معرفة بعلم الهيئة»([423]).

 وقال عنه الكتبي في فوات الوفيات: «مات في الكهولة سنة اثنتين وثلاثين وسبعمائة... وكان الملك المؤيد فيه مكارم وفضيلة تامة من فقه وطب وحكمة وغير ذلك, وأجود ما كان يعرفه علم الهيئة؛ لأنه أتقنه, وإن كان قد شارك في سائر العوم مشاركة جيدة, وكان محباً لأهل العلم مقرباً لهم... ونظم الحاوي في الفقه ولو لم يعرفه معرفة جيدة ما نظمه, وله تاريخ مليح وكتاب الكناش مجلدات كثيرة...»([424]).

قال أبو الفداء في تاريخه: «كان خلفاء بني أمية يسبّون علياً (رضي الله عنه) من سنة إِحدى وأربعين، وهي السنة التي خلع الحسن فيها نفسه من الخلافة إلى أول سنة تسع وتسعين آخر أيام سليمان بن عبد الملك، فلما ولي عمر، أبطل ذلك، وكتب إِلى نوابه: بإبطاله، ولما خطب يوم الجمعة، أبدل السب في آخر الخطبة بقراءة قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} فلم يسب علي بعد ذلك. واستمرت الخطباء على قراءة هذه الآية»([425]).

تاج الدين عبد الوهاب السبكي المتوفى سنة 771 ه‍

ترجمه الصفدي في الوافي بالوفيات، فقال: «الإمام، العالم، الفقيه، المحدث، النحوي، الناظم، تاج الدين أبو نصر، ابن العلامة قاضي القضاة السبكي... ولد بالقاهرة سنة ثمان وعشرين وسبع مائة... وعني بالرواية وسمع كثيراً, وقرأ بنفسه على شيخنا شمس الدين الذهبي كثيراً من مصنفاته وغيرها، وأفتى ودرس ونظم الشعر... فعلمه كثير على سنه»([426])، وقال عنه الزركلي في الأعلام: «قاضي القضاة، المؤرخ، الباحث, ولد في القاهرة، وانتقل إلى دمشق مع والده، فسكنها وتوفي بها... وكان طلق اللسان، قوي الحجة... من تصانيفه طبقات الشافعية الكبرى»([427]).

قال السبكي في طبقات الشافعية، وهو يتحدث عن فتنة وقعت في زمن السلطان السلجوقي طغرل بك، لعن فيها الأشاعرة وإمامهم أبو الحسن: «وهذه هى الفتنة التى طار شررها, فملأ الآفاق وطال ضررها، فشمل خراسان والشام والحجاز والعراق, وعظم خطبها وبلاؤها، وقام في سب أهل السنة خطيبها وسفهاؤها, إذ أدى هذا الأمر إلى التصريح بلعن أهل السنة في الجمع وتوظيف سبهم على المنابر، وصار لأبى الحسن [الأشعري] بها أسوة لعلي بن أبي طالب (كرم الله وجهه) في زمن بعض بني أمية، حيث استولت النواصب على المناصب، واستعلى أولئك السفهاء في المجامع والمراتب»([428]).

ابن رجب الحنبلي المتوفى سنة 795هـ

قال ابن العماد الحنبلي في ترجمته: «الحافظ... المحدث، شهاب الدين أحمد بن الشيخ الإمام المحدث أبي أحمد رجب عبد الرحمن البغدادي ثم الدمشقي الحنبلي الشهير بابن رجب...وله مصنفات مفيدة ومؤلفات عديدة»([429]).

قال ابن رجب في فتح الباري: «ولو شرع الإمام في خطبته في كلام مباح أو مستحب كالدعاء، فإنه يستمع له وينصت، وهذا قول جمهور العلماء، منهم: عطاء وغيره.

ولأصحابنا ثلاثة أوجه: أحدها: تحريم الكلام في الحالين. والثاني: لا يحرم. والثالث: أن كان مستحباً كالدعاء حرم الكلام معه، وإن كان مباحاً لم يحرم. فأمّا إنْ تكلّم بكلام محرم، كبدعة أو كسبّ السلف، كما كان يفعله بنو أمية، سوى عمر بن عبد العزيز (رحمة الله عليه) فقالت طائفة: يلحق بالخطب وينصت له، روي عن عمرو بن مرة وقتادة»([430]).

ابن خلدون المتوفى سنة 808 هـ

وهو عبد الرحمن بن محمد بن محمد بن محمد بن الحسن الاشبيلي الأصل التونسي ثم القاهري المالكي ويعرف بابن خلدون، ولد في أول رمضان سنة اثنتين وثلاثين وسبعمائة بتونس([431]).

قال في تاريخه: «وكان بنو أمية يسبون علياً فكتب عمر إلى الآفاق بترك ذلك»([432]).

ابن حجر العسقلاني المتوفى سنة 852 هـ

وهو الحافظ المعروف، قال في فتح الباري: «ثم كان من أمر علي ما كان، فنجمت طائفة أخرى حاربوه, ثمّ اشتد الخطب فتنقصوه واتخذوا لعنه على المنابر سنّة, ووافقهم الخوارج على بغضه» ثم قال: «فصار الناس في حق علي ثلاثة: أهل السنة، والمبتدعة من الخوارج، والمحاربين له من بني أمية وأتباعهم»([433]).

الحافظ جلال الدين السيوطي المتوفى سنة 911هـ

ترجمه الشوكاني في البدر الطالع، فقال: «عبد الرحمن بن أبي بكر بن محمد... الجلال الأسيوطي الأصل الطولوي الشافعي, الإمام الكبير, صاحب التصانيف, ولد في أول ليلة مستهل رجب سنة تسع وأربعين وثمانمائة... وبرز في جميع الفنون, وفاق الأقران، واشتهر ذكره وبعد صيته، وصنف التصانيف المفيدة كالجامعين في الحديث, والدر المنثور في التفسير, والإتقان في علوم القرآن, وتصانيفه في كلّ فن من الفنون مقبولة, قد سارت في الأقطار مسير النهار»([434]).

ذكر الحافظ السيوطي في كتابه تـاريخ الخلفاء قول الذهبي في أن غيلان قد أظهر القدر في خلافة عمر بن عبد العزيز فاستتابه، ثم قال السيوطي: «وقال غيره: كان بنو أمية يسبون علي بن أبي طالب في الخطبة، فلما ولي عمر بن عبد العزيز أبطله، وكتب إلى نوابه بإبطاله وقرأ مكانه:{ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ...} فاستمرت قراءتها في الخطبة إلى الآن»([435]).

ابن حجر المكي الهيتمي المتوفى سنة 973هـ

قال عنه الشوكاني في البدر الطالع: «أحمد بن محمد بن حجر الوائلي السعدي الهيثمي المصري ثم المكي، ولد سنة تسع وتسعمائة ونشأ ببلده وحفظ القرآن ثم انتقل إلى مصر... وبرع في جميع العلوم خصوصاً فقه الشافعي وصنف التصانيف الحسنة، ثم انتقل من مصر إلى مكة المشرفة... وصنف بها الكتب المفيدة... وكان زاهدا متقللاً على طريقة السلف، آمراً بالمعروف ناهياً عن المنكر، واستمر على ذلك حتى مات في سنة ثلاث وسبعين وتسعمائة»([436]).

وعن سبّ بني أمية لأمير المؤمنين× نقل الهيتمي في الصواعق قول بعضِ مستشهداً ومقراً به: «لما اشتد الخطب واشتغلت طائفة من بني أمية بتنقيصه وسبّه على المنابر ووافقهم الخوارج لعنهم الله, بل قالوا بكفره, اشتغلت جهابذة الحفاظ من أهل السنة ببث فضائله»([437]).

الشيخ محمد الخضري بك المتوفى سنة 1345 ه‍

 وهو محمد بن عفيفي الباجوري، المعروف بالشيخ الخضري، باحث وخطيب، من علماء الشريعة والأدب وتاريخ الإسلام، مصري، قال عنه صاحب معجم المطبوعات: «وكيل مدرسة القضاء الشرعي بالقاهرة وأستاذ الشريعة الإسلامية بها، وفي آخر عمره كان مفتشاً للعربية في وزارة المعارف العمومية بمصر, شيخ من جملة شيوخ العصر, وعالم من العلماء بالشريعة والتاريخ والأدب, وكاتب من أفراد الكتاب, معروف بالمتانة والدقة وجمال الأسلوب وقوة الحجة»([438]).

من مؤلفاته: إتمام الوفاء في سيرة الخلفاء، وتاريخ الأمم الإسلامية، وتاريخ التشريع الإسلامي، والدروس التاريخية الإسلامية، ونور اليقين في سيرة سيدة المرسلين.

والجدير بالذكر أن الشيخ الخضري يعتبر من المؤرخين الذين يميلون إلى التمجيد بالدولة الأموية وبيان حسناتها وإخفاء عيوبها, وهذا واضح لمن يطالع كتاباته التاريخية حول الدولة الأموية، ولكنه مع ذلك لم يستطع إغفال قضية سبّ بني أمية لأمير المؤمنين×، فقال متحدِّثاً عن عمر بن عبد العزيز: «ومِن أعماله العظيمة أيضاً: تركُـه لسَب علي بن أبي طالب على المنَابِر، وكان بنو أميَّة يفعلُونه فتركَه وكتَب إلى الأمصَار بتَركِـه...»([439]).

وقال الخضري: «ومِمَّا ننقِـدُه على هـذا العهد اهتمامُ معـاوية بالتَّشهير بعليٍّ على المنَابِر، مع أنَّ الرَّجُل قد لَحِقَ بربِّه وانتهى بأمره، وكان يعلَمُ يقيناً أنَّ هذه الأقوال ممَّا يهيج صدُور شيعته وتجعلهم يتأفَّفون ويتذمَّرون، ولا ندري ما الذي حَمَلَه أن جعَلَ ذلك فَرضـاً حَتماً في كُل خُطبة كأنَّه رُكنـاً مِن أركانها لا تتِمُّ إلاَّ بـه»([440]).

وقال أيضاً تحت عنوان: أسبـاب السُّقوط ـ أي سقوط دولة بني أميَّة ـ: «استولَى معاوية على خلافة المسلِمين بالقـوَّة والغَلَبَة لا عن رِضاً ومشورة، فإنَّ معـاوية بن أبي سفيان استعان بأهل الشَّام الذين كانوا شيعته على مَن خالَفه مِن أهل العراق والحجاز, حتّى تمَّ لـه الأمر ورضِيَ النَّاس عنه» إلى أن قال: «إلاَّ أنَّه زَلَّ زَلَّة كُبرَى قلَّلَت مِن قيمـة عَمَله وهي: اهتمامه بالغَضِّ مِن علي بن أبي طـالِب على منَـابِر الأمصار، فكان هـو وأمرَاؤه يفعَـلُون ذلك حتى جعل النِّيران تتأجَّج في صُدُور شيعته، وكان كثيرٌ منهم يُظهِر ذلك امتعاضاً، وربَّمـا ردَّ الجريء منهم على الأمير وجهاً لوجه، فيكون مِن وراء ذلك إسرافٌ في العقوبة يزيد الأمر شَـرًّا، كما حصل مِن زيـاد بن أبيـه في أمر حُجر الكندي»([441]).

الشيخ محمد أبو زهرة المتوفى سنة 1394هـ.

وهو من أكبر علماء الشريعة الإسلامية في عصره, وله أكثر من (40) مصنّفاً في مختلف العلوم الإسلامية([442]).

قال أبو زهرة حول مسألة السبّ: >إنّ معاوية سنّ سنّة سيئة في عهده، وفي عهد ابنه ومن خلفه من الأمويين حتّى عهد عمر بن عبدالعزيز، وتلك السنّة هي لعن إمام الهدى علي بن أبي طالب (رضي الله عنه) عقب تمام الخطبة، ولقد استنكر ذلك بقية الصحابة، ونهوا معاوية وولاته عن ذلك، حتى كتبت أم سلمة زوج رسول الله (صلّى الله عليه وآله) إليه كتاباً تنهاه<([443]).

وقال أيضاً: >واذا كان لنا أن نتعرف السبب الذي من أجله اختفى عن جمهور المسلمين بعض مرويات علي وفقهه, فإنّا نقول: إنّه لا بدّ أن يكون للحكم الأموي أثر في اختفاء كثير من آثار علي في القضاء والافتاء؛ لأنّه ليس من المعقول أن يلعنوا علياً فوق المنابر، وأن يتركوا العلماء يتحدّثون بعلمه، وينقلون فتاواه وأقواله للناس، وخصوصاً ما كان يتصل منها بأسس الحكم الاسلامي<([444]).

عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين المتوفى سنة 1430 هـ

وهو من علماء السلفية المعاصرين والمشهورين، قال في شرح لمعة الاعتقاد: «وبويع بعده للحسن. رأى الحسن (رضي الله عنه) أن هذا مما يسبب كثرة الخلاف وكثرة القتال؛ فتنازل عن الخلافة لمعاوية وبايعه على حقن الدماء، فتمت البيعة من بعد ذلك لمعاوية، ولكن كان يتهم علياً أنه ممن رضي بقتل عثمان؛ فلم يكن يترضى عنه، مع أن الحسن اشترط عليه عدم السب وعدم الشتم.

وبعد موت الحسن كأنه صار يأمر بشتمه وبعيبه، وأخذ ذلك بنو أمية والخلفاء من بعده، فصاروا يسبون علياً (رضي الله عنه)، وبالأخص لما تولى الحجاج على العراق وبقي والياً عليه نحو عشرين سنة، فإنه كان يسب علياً على المنبر، ويأمر الخلفاء بلعنه، ولا شك أن هذا مما يغضب أحبابه الذين يحبونه، ويكنون له في قلوبهم منزلة، فكانوا إذا سمعوا سباب هؤلاء الخطباء على المنبر يجتمعون بعد ذلك، ويتناقلون فضائل علي ولم يزالوا كذلك»([445]).

وقال في شرح الواسطية: «وفي عهد بني أمية، وبالأخص بعد خلافة معاوية، إلى آخر القرن من عام إحدى وأربعين إلى عام تسع وتسعين، كان بعض خلفاء بني أمية يسبون علياً على المنبر، ويلعنونه، ويتهمونه أنه اشترك في قتل عثمان، إلى عهد عمر بن عبد العزيز الذي أبطل هذه العادة السيئة»([446]).

هذه مجموعة من أقوال بعض التابعين والعلماء من المتقدمين والمتأخرين والمعاصرين يشهدون بها أن معاوية، ومن بعده بني أمية، بالغوا في سبّ أمير المؤمنين، والنيل منه وتنقيصه، واتخذ البعض منهم ذلك سنة جارية وعلى رؤوس الأشهاد، وهناك أقوال أخرى كثيرة يمكن أن يستشف منها ذلك وإن لم يصرّح بها أصحابها، كقول الذهبي في السير: «في آل مروان نصب ظاهر سوى عمر بن عبد العزيز رحمه الله»([447]) فإنّ معنى النصب هو إظهار البغض والعداء لأمير المؤمنين×, وهذا لا يكون إلاّ بشتمه والتنقّص منه، وإلاّ كيف يكون النصب ظاهراً ما لم يترجم إلى أقوال وأفعال؟!

 وهكذا يتضح بجلاء أنّ المسألة لم تكن حالات فردية شاذة، كما حاول تصوير ذلك الدكتور الغامدي وغيره من أتباع المدرسة السلفية، وإنما كانت عملية منظمة وعن دراية وتخطيط من قبل معاوية وأتباعه.

ثالثا: منع عمر بن عبد العزيز لظاهرة السب

ومن الدلائل أيضاً على أن سب علي وشتمه كان سائداً في عصر بني أمية هو المنع الذي صدر من الخليفة عمر بن عبد العزيز، فإن من الأمور المسلّمة تاريخياً، والتي تناقلها العلماء من المؤرخين وغيرهم، هو تصدّي الخليفة الأموي عمر بن عبد العزيز، الذي حكم من سنة 99هـ إلى سنة 101هـ، إلى منع ظاهرة سبّ أمير المؤمنين× وشتمه من على منابر الدولة الأموية الرسمية، في جميع حواضر الدولة الإسلامية آنذاك، حتى عدّت هذه الخطوة من مناقبه ومآثره التي يذكرها كل من ترجم له, وعدّ ما قام به من أعمال.

 وقبل الشروع بذكر بعض الشواهد الدالّة على ذلك، تجدر الإشارة إلى أن الخليفة عمر بن العزيز، في بداية الأمر أيضاً، لم يكن بعيداً عن ممارسات بني أمية من انتقاص علي×، بل كان ممن يمارس تلك الرذيلة أيضاً، وهو ما صرح به عمر بن عبد العزيز نفسه حينما كان يسمع والده يسبه من على منبر المسلمين، كما ورد في كلام البلاذري وابن الأثير الذي مرّ سابقاً، والذي جاء فيه قول عمر بن عبد العزيز: «نشأت على بغض علي لا أعرف غيره، وكان أبي يخطب, فإذا ذكر علياً ونال منه تلجلج، فقلت: يا أبه، إنك تمضي في خطبتك, فإذا أتيت على ذكر علي عرفت منك تقصيراً، قال: أفطنت لذلك؟ قلت: نعم! قال: يا بني, إن الذين من حولنا لو نعلمهم من حال علي ما نعلم تفرقوا عنا إلى أولاده»([448])، فكان ينال من على×، جرياً على العادة الأموية، إلى أن نهاه أستاذه عن تلك السنة السيئة، وغيّر قناعته، فقد أخرج الفسوي، المتوفى سنة 277هـ في كتابه المعرفة والتاريخ: «فكان عمر يختلف إلى عبيد الله بن عبد الله، يسمع منه العلم، فبلغ عبيد الله أنّ عمر يتنقص عليّ بن أبي طالب، فأتاه عمر فقام يصلي، وأرز([449]) عمر فلم يبرح حتى سلّم من ركعتين، فأقبل على عمر بن عبد العزيز، فقال: متى بلغك أن الله تعالى سخط على أهل بدر بعد أن رضي عنهم؟ قال: فعرف ما أراد، فقال: معذرة إليك, والله لا أعود، قال: فما سُمع عمر بن عبد العزيز بعد ذلك ذاكراً علياً إلا بخير»([450])، وقد أورد هذه القضية الذهبي وابن كثير في تاريخه وابن عساكر وغيرهم([451]).

وهكذا أخذت النصيحة مجراها وأثرها في حياته, فلذا عندما وصلت إليه الخلافة, عزم على تغيير هذه السنّة الأموية الجائرة، فكتب إلى عمّاله في الأمصار بالكف عن سبّ علي×، في خطب الصلوات، وإبداله بقوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ}([452]).

وهذا الأمر بالمنع، كما قلنا، قد ذكره المؤرخون والعلماء، والشواهد عليه كثيرة، نقلنا جزءاً منها في مبحث: أقوال العلماء الدالة على شيوع ظاهرة السب عند بني أمية.

 فإن كثيراً من العلماء ـ كأبي مخنف وابن الأثير وأبي الفداء وابن رجب الحنبلي وابن خلدون والسيوطي والشيخ الخضري وابن جبرين ـ عندما يذكرون قضية سب بني أمية لعلي× يذكرون أيضاً أنّ هذا السب قد انتشر وشاع وصار سنة إلى أن جاء عمر بن عبد العزيز فأبطل ذلك.

وهناك شواهد أخرى على ذلك:

فقد قال ابن تيمية: «قد قيل: إن عمر بن عبد العزيز ذكر الخلفـاء الأربعة لما كان بعض بني أميَّة يسُبُّون عليـًا فعَـوَّض عن ذلك بذِكر الخلفاء والتَّرضِّي عنهم ليَمحُو تلك السُّنَّة الفاسِدَة»([453]).

 ولاحظ كلمة (سنة) في كلام ابن تيمية فإنها لا تطلق إلاّ على الشيء الذي شاع وانتشر ودرجت عليه الناس.

وقال: العبدري المالكي المتوفى سنة 737هـ([454]): «... أن بعض بني أمية كانوا يسبون بعض الخلفاء من الصحابة (رضي الله عنهم أجمعين) على المنابر في خطبتهم، فلما أن ولي عمر بن عبد العزيز (رضي الله عنه) أبدل مكان ذلك الترضي عنهم. وقد قال مالك (رضي الله عنه) في حقه: هو إمام هدى وأنا أقتدي به»([455]).

وقال النويري المتوفى سنة 733هـ ([456]): «وكان من أول ما ابتدأ به عمر بن عبد العزيز أن ترك سب علي بن أبي طالب (رضي الله عنه) على المنابر، وكان يسب في أيام بني أمية إلى أن ولي عمر فترك ذلك، وأبدله بقول الله عز وجل: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} فحل ذلك عند الناس محلاً حسناً، وأكثروا مدح عمر بسببه»([457]).

وقال الملاّ علي القاري: «وما أحسن فعل عمر بن عبد العزيز، حيث جعل مكان سب أهل البيت، الصادر من بني أمية فوق المنابر، هذه الآية الشريفة، في آخر الخطبة: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} النحل، فهذه هي البدعة الحسنة، بل السنّة المستحسنة»([458]).

إلى غيرهم من العلماء والمؤرخين، قد تركنا نقل أقوالهم رعاية للاختصار([459]).

 وفيما نقلناه مزيد كفاية، فإن القضية من الواضحات، التي لا يجادل فيها أو يشكك بها من كان له أدنى اطلاع على كتب التاريخ وأقوال العلماء، وهي من أقوى الأدلة على أن مسألة سبّ بني أمية لعلي× كانت ظاهرة شائعة منتشرة، ترعاها الدولة الأموية وتحثّ عليها، حتى أدخلتها في الممارسات العبادية كخطب الصلوات، ومن على المنابر وفي المساجد، ولذا احتاج منعها أن يتصدّى الحاكم الأموي بنفسه ويصدر أمراً رسمياً عممه على كافة الولاة، ولم يكتف بإبطاله فقط، بل جعل مكانه شيئاً من القرآن يقال في الخطبة، فلو كان السب حالة نادرة أو شاذّة،كما يزعم الغامدي أو غيره، فهل يتطلب ذلك من عمر بن عبد العزيز كل هذه الإجراءات الرسمية؟! نترك الحكم في ذلك إلى وجدان القارئ وعقله.


المحور الثاني: الإجابة عن الردود والشبهات حول السبّ

بعد ما تقدم من المباحث، والتي مرت في المحور الأول، بات واضحاً أن كثيراً من شبهاتكم وردودكم ليس لها واقع موضوعي، وتنقصها السمة العلمية والصبغة الأكاديمية، والتي من المفترض أن تتحلى بها كأستاذ جامعي، مسؤول عن تنشئة الجيل على الطرق الصحيحة في التعاطي العلمي مع المعلومات والأدلة، وليس ما نقوله تجنياً، بل هو الواقع، كما سيظهر صحة ذلك قريباً، ومن خلال الأبحاث اللاحقة.

قلتم: كتاب معجم البلدان لا يحتج به

شرعتم بالرد على ما أثبتناه من واقعية سنّة شتم الخليفة علي× من قبل بني أمية, وبدأتم بمناقشة الشاهد الذي نقلناه من كتاب معجم البلدان للحموي والذي قال فيه «لُعنَ عليُّ بنُ أبي طالبL على منابر الشرق والغرب» فقلتم: >إنّه قول غير مُوثَّق كغيره من الروايات التاريخية ولم يذكر لما يقول مصدراً, وإن كنّا لا نستبعد حصول حالات نادرة, أمّا أنْ تكون في جميع البلدان فهذا من الكذب...<([460]).

الجواب

1ـ نحن عندما نقلنا قول الحموي في قضية سبّ بني أمية لعلي×، كنا على إطلاع ويقين أنّ هناك مصادر أخرى كثيرة ذكرت المسألة هي أكثر اعتباراً من قول الحموي، لكننا لم نتطرق لذكرها؛ لأننا لم نعتقد أنّ مثل هذه المسلمات والواضحات يتم التشكيك فيها، ولم يخطر ببالنا أن تصل الأمور إلى هذه الدرجة من إنكار الحقائق! ثم إنّ عبارة الحموي شبيهة بعبارات كثيرة لعلماء غيره، تنقل مضموناً لا يمكن تكذيبه، فاكتفينا بنقلها مع بنائنا على الاختصار في رسالتنا إليكم.

 وأمّا قولك: إنّه قول غير موثق؛ فذلك منك ليس صحيحاً؛ لأنك لو راجعت قول الحموي لوجدته استنتاجاً منه من خلال الأخبار والروايات المسندة الكثيرة التي مرّ نقلها، مضافاً إلى أن كثيراً ما يحذف الحموي الأسانيد توخياً للاختصار، وهذا ما نقله عنه ابن خلكان: حيث ذكر أن الحموي قال قي أول كتابه (إرشاد الألباء إلى معرفة الأدباء): «وجمعت في هذا الكتاب ما وقع إلي من أخبار النحويين واللغويين والنسابين والقراء المشهورين والأخباريين والمؤرخين والوراقين المعروفين والكتاب المشهورين... وحذفت الأسانيد إلا ما قلّ رجاله, وقرب مناله, مع الاستطاعة لإثباتها سماعاً وإجازة, إلا أنني قصدت صغر الحجم وكبر النفع وأثبت مواضع نقلي ومواطن أخذي من كتب العلماء المعول في هذا الشأن عليهم, والمرجوع في صحة النقل إليهم»([461]).

2ـ لا يخفى أنّ مثل الحموي يعد من المؤرخين والرحالة البارزين، وقد ترجمه غير واحد من العلماء وأثنى عليه:

 قال عنه ابن خلّكان: «وعبد الله ياقوت بن عبد الله الرومي الجنس والمولد، الحموي المولى، البغدادي الدار، الملقب شهاب الدين، أسر من بلاده صغيراً, وابتاعه ببغداد رجل تاجر يعرف بعسكر ابن أبي نصر إبراهيم الحموي وجعله في الكتاب لينتفع به في ضبط تجائره... وكان قد تتبع التواريخ وصنف كتاباً سماه: إرشاد الألباء إلى معرفة الأدباء، يدخل في أربعة جلود... ومن تصانيفه أيضاً: كتاب معجم البلدان, وكتاب معجم الشعراء, وكتاب معجم الأدباء, وكتاب المشترك وضعاً المختلف صقعاً, وهو من الكتب النافعة, وكتاب المبدأ والمآل في التاريخ, وكتاب الدول، ومجموع كلام أبي علي الفارسي، وعنوان كتاب الأغاني، والمقتضب في النسب يذكر فيه أنساب العرب, وكتاب أخبار المتنبي، وكانت له همة عالية في تحصيل المعارف»([462]).

 وقال ابن خلكان أيضاً: «ولما تميز ياقوت المذكور واشتهر سمّى نفسه يعقوب، وقَدِمتُ حلب للاشتغال بها في مستهل ذي القعدة سنة وفاته, وذلك عقيب موته, والناس يثنون عليه, ويذكرون فضله وأدبه, ولم يُقدّر لي الاجتماع به»([463]).

 وقال عنه الدمياطي([464]) الذي عاصره والتقى به: «قرأ الأدب وكتب الخط المليح، وجالس العلماء، وسمع الحديث، وكتب من الأدب كثيراً، وصنف كتباً حسنة مفيدة... وكان غزير الفضل، صحيح النقل، متحرياً، صدوقاً»([465]).

وقال فيه الذهبي: «فاشتغل بالنسخ بالأجرة، فحصل له اطلاع ومعرفة، وكان من الأذكياء»([466]).

وقال الزركلي: «مؤرخ ثقة، من أئمة الجغرافيين، ومن العلماء باللغة والأدب»([467]).

ولعل من المفارقات الغريبة أنّ ياقوت الحموي كان ناصبياً أيضاً منحرفاً عن علي×, وكان يرى رأي الخوارج، ومع هذا ينقل لعن بني أمية لعلي بن أبي طالب× وهذا مما يقوي صحة ما نقله.

 وممن ذكر انحرافه عن علي×, ابن خلكان في وفيات الأعيان، قال: «وكان متعصباً على علي بن أبي طالب (رضي الله عنه), وكان قد طالع شيئاً من كتب الخوارج, فاشتبك في ذهنه منه طرف قوي، وتوجّه إلى دمشق في سنة ثلاث عشرة وستمائة, وقعد في بعض أسواقها, وناظر بعض من يتعصب لعلي (رضي الله عنه)، وجرى بينهما كلام أدّى إلى ذكره علياً (رضي الله عنه) بما لا يسوغ، فثار الناس عليه ثورة كادوا يقتلونه, فسلم منهم، وخرج من دمشق منهزماً, بعد أن بلغت القضية إلى والي البلد فطلبه فلم يقدر عليه، ووصل إلى حلب خائفاً يترقب»([468]).

 وكذلك ذكر انحرافه هذا الذهبي في تاريخه، قال: «كان منحرفاً, فإنه طالع كتب الخوارج، فوقر في ذهنه شيء، ودخل دمشق سنة ثلاث عشرة، فتناظر هو وإنسان، فبدا منه تنقص لعلي (رضي الله عنه)، فثار الناس عليه وكادوا يقتلونه، فهرب إلى حلب»([469]).

فتكذيب مثل الحموي؛ لكونه نقل قضية مسلمة ومشهورة ومتعارفة ليس من الإنصاف.

3ـ يعتبر كتاب معجم البلدان لياقوت الحموي من أمهات المصادر في الجغرافية التاريخية, وكذا في التاريخ والأدب، وكذلك يعد مرجعاً مهماً، ومما يمكن الاعتماد عليه فيما نحن بصدد إثباته، وقد تمت طباعة الكتاب عدّة مرات, وترجم إلى مختلف اللغات، فالرجوع إليه ليس فيه مخالفة للمنهج العلمي.

قلتم: إنّ معجم البلدان مليء بالخرافات التي تسقطه عن الاعتبار

ذكرتم أن كتاب معجم البلدان فيه من الخرافات والأكاذيب التي ربما يسقط معها الكتاب عن الاعتبار:

قلتم: «واستمع إلى نفس الكتاب الذي قد ملئ خرافات وأكاذيب...قال وهو يتحدث عن يأجوج ومأجوج ـ بعد أن ذكر شكوى جيرانهم منهم لذي القرنين ـ فقال: ذو القرنين: فما طعامهم؟ قالوا: يقذف البحر إليهم في كل سنة سمكتين، يكون بين رأس كل سمكة وذنبها مسيرة عشرة أيام أو أكثر...ثمَّ ذكر صفات يأجوج ومأجوج، ومنها: يبلغ الواحد منهم مثل نصف طول الرجل المربوع، لهم مخاليب في مواضع الأظفار، ولهم أضراس وأنياب كأضراس السباع وأنيابها....»([470]).

ثم علقتم على ذلك بأسلوب تهكمي وسخرية ليس هذا محلها، متناسين بذلك خصوصيات وآداب الحوار، وضرورة المجادلة بالتي هي أحسن، كما علمنا القرآن الكريم، فقلتم: «ما شاء الله! هؤلاء أصبحوا مثل الأئمة الذين قال فيهم الكافي: باب أنَّ الأئمة يعلمون متى يموتون وأنَّهم لا يموتون إلا باختيارهم!!»([471]).

ولا نعلم ما هو الربط بين ما قاله الكافي وموضوع حورانا؟! فلئن كان القصد أنّ ما نقله الكافي خرافة من الخرافات، فما كان الجدير بك أن تقايس بهذا؛ لأن هذا الموضوع بعيد تماماً عما نحن فيه، فهناك أدلّة وروايات نقلها الشيخ الكليني (رحمه الله) وهي تدعم ما فهمه، فعنوان الباب هو مفاد روايات نقلت عن أهل البيت^، وهناك لا بد من النظر إلى تلك الروايات سنداً ومضموناً، ثم نتحاور حولها حواراً علميّاً, لنرى ثبوت ذلك من عدمه, فليس كل ما يصعب عليك فهمه أو يخالف عقيدتك ترميه بالخرافة! وكأنك الوحيد الذي يملك الحقيقة أو بك ينحصر فهم التوحيد والعبودية.

ثمّ بعد أنْ استرسلت بذكر قضية يأجوج ومأجوج من كتاب الحموي، واعتبرتها شاهداً على الأكاذيب التاريخية والخرافات، قلت: «فهل تصدقها إلى جانب دعوى لعن علي (رضي الله عنه) في المشرق والمغرب والحرمين؟! الحمد لله على العافية»([472]).

الجواب

1ـ ذكرنا أن كتاب معجم البلدان من الكتب المعتبرة والتي يعتمد عليها الباحثون والعلماء.

2ـ إنّ وجود قضية مخالفة للعقل في كتاب ما, لا يلزم منها تكذيب جميع ما في ذلك الكتاب، والحكم عليه بأنه مخالف للعقل، وأنه خرافة.

كما أنه لا يلزم من تصديق بعض ما في الكتاب، التصديق بتلك القضية المخالفة للعقل، خصوصاً وانّ صاحب الكتاب لم يدّع صحة جميع ما فيه! فلا ندري ما هو المعيار العلمي الذي اعتمدتموه في حكمكم هذا؟!

3ـ لا نظن أن كتاباً من كتب التراث الإسلامي، الموجودة في أيدينا، يخلو من ذكر بعض الأمور التي تخالف المنطق والواقع، بل لم يخلو من ذلك حتى أصحّ الكتب عندكم، وقد نقلنا بعض الشواهد الدالة على ذلك في الجزء الأول([473])، والتي منها على سبيل المثال, ما أخرجه البخاري بسنده عن أبي هريرة: «إنّ موسى×: خلا يوماً وحده, فوضع ثيابه على الحجر ثم اغتسل، فلما فرغ أقبل إلى ثيابه ليأخذها، وأن الحجر عدا بثوبه فأخذ موسى عصاه وطلب الحجر فجعل يقول: ثوبي حجر! ثوبي حجر! حتى انتهى إلى ملأ من بني إسرائيل، فرأوه عرياناً أحسن ما خلق الله»([474]).

ووجه المخالفة: أنّه لماذا يريد الحجر، الذي لا يعقل، أن يفضح نبي الله ويبدي للناس عورته؟! بل, كيف انجرّ موسى خلف الحجر حتّى وصل أمام الملأ وهو عار من الثياب؟

كما أخرج البخاري في صحيحه أيضاً عن أبي هريرة، قال: «أرسل ملك الموت إلى موسى×، فلما جاءه صكه ففقأ عينه فرجع إلى ربّه، فقال: أرسلتني إلى عبد لا يريد الموت، قال: فرد الله إليه عينه»([475]).

فهل يقبل العقل السليم أن نبي الله موسى×، وهو من أنبياء الله أولي العزم، يكره الموت! ويكره ولقاء الله تعالى إلى هذا الحد الذي يجعله يضرب ملك الموت, الملك الصالح، ويفقأ عينه, وهو جاء يؤدي مهمته المكلف بها، ولم يرتكب ذنباً؟! هنا لا بد أن يقال: الحمد لله على نعمة العافية.

وهكذ حال بقية الكتب الحديثية الأخرى، من الصحاح والسنن والمسانيد وغيرها , فهي تتضمن الكثير من مخالفات العقل، سواء كانت تلك المخالفات صريحة أو ضمنية، فضلاً عن مخالفة الثوابت الشرعية والمسلمات والتاريخية، علماً أن بعض هذه الكتب ادعى أصحابها صحة جميع ما فيها كصحيح مسلم وابن خزيمة وغيرهما، وعندئذٍ لا بد لأهل السنة من الاذعان والتصديق بهكذا روايات مخالفة، بل وأشبه بالخرافة.

إنكار سب أمير المؤمنين على منابر بني أمية

كنا قد نقلنا في رسالتنا قول السيوطي والزمخشري، من إنَّه كان في أيام بني أميَّة أكثر من سبعين ألف منبر يلعن عليها علي بن أبي طالب، بما سنه لهم معاوية من ذلك، فأجبتم أنتم عن ذلك بعدة وجوه:

قلتم: عدد المساجد في ذلك العهد لا يصل إلى هذه الكثرة

أولاًـ قلتم: ذكر هذا العدد من المساجد دعوى ظاهرة البطلان؛ فإنَّ المساجد في ذلك العهد لا يمكن أن تصل إلى هذا العدد.

الجواب

1ـ لا يمكن إنكار أنّ هذا العدد الذي نقلوه يدلّ على كثرة السب والشتم، وهو ما نهدف لإثباته، وليس بالضرورة أن يكون العدد هو هو، وهذا يكفي في الاستدلال، خصوصاً مع شيوع استخدام هذا العدد: أي السبعين في الدلالة على الكثرة والمبالغة، كقوله تعالى: {اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لاَ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِن تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ}([476])، وهذا لا يعني أن النبي لو استغفر لهم إحدى وسبعين مرة سيغفر لهم، وإنما جاء بهذا العدد للدلالة على الكثرة، بمعنى أنه لو استغفر لهم كثيراً فلن يغفر الله لهم.

2ـ ليس مستبعداً أن يصل عدد المساجد إلى ما ذكر من العدد في ذلك العهد، مع ملاحظة أن الدولة الأموية في عهد عبد الملك بن مروان والوليد بن عبد الملك وسليمان بن عبد الملك قد بلغت من السعة والحجم حداً كبيراً، فقد امتدت من السند وآسيا الصغرى شرقاً إلى أفريقيا غرباً فضمت مدناً وحواضر وقرى وبلدات عديدة جداً.

قلتم: الاعتماد على كتب مبتورة الاسانيد من أسباب الانحراف

ثانياً: ذكرتم أنَّ الاعتماد في اتهام الناس على مثل هذه الكتب المبتورة الأسانيد، التي هي أشبه بكتب الوعظ منها بكتب العقائد؛ لهو من أكبر أسباب انحراف عقائد من خالف أهل السنَّة.

الجواب

1ـ إن ما نقلناه هو أقوال لعلماء بارزين, ومحدّثين معروفين, قد اعتمدوا في أقوالهم تلك على آثار صحيحة، قد أفادت حصول اللعن وانتشاره في زمن بني أمية.

 2ـ لم نكتف بأقوال هؤلاء العلماء فقط، بل ذكرنا رواية مسلم في الصحيح وابن أبي شيبة وابن عساكرـ التي سيأتي الحديث عنهاـ والتي لم تقبل دلالتها وناقشت فيها، مما يكشف أن المشكلة لا تكمن في أن هذا القول مسنداً أو مرسلاً, وإنّما القضية هي قناعات ورؤى مسبقة تتحفظ على بني أمية, وتجعلهم في رتبة السلف الصالح، بل تجعلهم هم من نقلوا لنا الإسلام وفتحوا البلدان، والقدح بهم قدح بالمسلمات العقدية للأمة الإسلامية، وأنّه لا بدّ من الذب والدفاع عنهم بما أمكن، عندئذٍ سوف لن ينفع حديث في مسلم أو في البخاري ظاهره الطعن بهم، وسوف تشحذ الهمم بهدف تأويل مضمونه بما ينسجم مع تلك الرؤى المسبقة، وهذا لا يفرق بين قول المخالف: إنّ سبّ أمير المؤمنين× كان من على سبعين ألف منبر أو كان من على ثلاثمائة منبر أموي فقط.

 3ـ ليس من الصحيح أنّنا اعتمدنا في اتّهام بني أمية على كتب ليست عقائدية, وإنما كانت وعظية، بل الصحيح أننا اعتمدنا على كتب الحديث الصحيحة والآثار والروايات المعتبرة, وقد نقلنا لك شطراً منها في المحور الأول من البحث، وعضدنا ذلك بأقوال أهل العلم والفن, من محدّثين ومؤرّخين وعلماء خبروا الحديث والتاريخ، فمحاولة رد كل هذا يعد مجازفة لا يرتكبها إلا من قلّت بضاعته في سوق أهل العلم.

4ـ قلت: إن اتهام بني أمية اعتماداً على هذه الكتب من أكبر أسباب انحراف عقائد من خالف أهل السنَّة، فنقول:

لا غرابة في أن ترى فيما نتبناه انحرافاً؛ لأننا لا نرى في بني أمية الوجه المشرق للإسلام، كما ترى أنت!! ومن ثم فإننا نستنكر فعالهم التي كان لها الأثر السيئ على الإسلام برمته، وهذا الاعتقاد منا يسلك بنا طريق الهاوية في عقيدتك التي تعظم شأن معاوية وأمرائه وما فعلوه، فلا يجعلك ترانا إلا منحرفين ضالين مصيرنا الخلود في النار!

وكم تمنينا أنْ نراك متحمّساً للدفاع عن الصحابي الجليل والخليفة الرابع علي بن أبي طالب× بقدر حماسك لمعاوية وآل مروان!

قلتم: إن ابن عقيل نكرة غير معتمد، والسيوطي متأخّر

ثالثاً: قلتم: وأمَّا ابن عقيل المجهول، الظاهر التشيع، فهو رجل نكرة لا يُعتمَد عليه فيما ينقل، ولهذا لم يحدد مكان النقل، ثمَّ النقل عن السيوطي وهو من علماء القرن التاسع، وبينه وبين الدولة الأموية قرابة ثمانمائة سنة، وقبول قوله بدون رواية صحيحة؛ عمل مردود([477]).

الجواب

نقول: فيما يتعلق بابن عقيل فقد أجبنا عن ذلك في الجزء الأول([478]) والثاني من كتابنا قصة الحوار الهادئ([479])، وأثبتنا هناك أنه شخصية معروفة من أهل السنة، لا كما ادعيت من كونه نكره غير معروف لا يعتمد عليه، وأما فيما يخص النقل عن السيوطي، وأنّ هناك فاصلة بينه وبين الدولة الأموية، فهذا يرده:

أولاً: أننا عضدنا قول السيوطي بالروايات الدالة على ذلك.

وثانياً: قد نقلنا أقوالاً كثيرة من تابعين وعلماء متقدمين، كلهم يثبتون مضمون ما نقلناه عن السيوطي من حصول السب من بني أمية لأمير المؤمنين× وبشكل واسع النطاق.

قلتم: إنّ معاوية لم يأمر بسبّ علي×

رفضتم، وبشكل جازم، أن يكون معاوية قد أمر سعداً بسبّ علي× رغم ورود الخبر في صحيح مسلم, ومصادر أخرى! وبرّرتم إنكاركم بعدّة وجوه:

أولاً: ليس في الحديث دليل على أنَّه أمره بسب عليL، وإنَّما يدل الحديث على سؤاله عن السبب في عدم سبّ عليّ؟([480]).

الجواب:

هذا التأويل الذي هو خلاف ظاهر الحديث, سببه إيمانكم واعتقادكم المسبق بخصوص عدالة جميع الصحابة, وخصوصاً معاوية بن أبي سفيان!! حَذَراً من أن ترتكبوا أموراً لا يوافقكم عليها حتّى ابن تيمية أو ابن باز! وإلاّ فحديث مسلم الذي نقلناه سابقاً ـ وسنعيد ذكره ـ واضح الدلالة على أن معاوية قد أمر سعداً بالسب:

 أخرج مسلم في صحيحه بسنده عن ‏ ‏عامر بن سعد بن أبي وقاص، عن ‏ ‏أبيه ‏ ‏قال: «‏أمر‏ ‏معاوية بن أبي سفيان‏ ‏سعداًً، ‏فقال: ما منعك أن تسبّ ‏‏أبا التراب، ‏فقال: أما ما ذكرت ثلاثاًً قالهن له رسول الله ‏فلن أسبّه، لئن تكون لي واحدة منهن أحبّ إليّ من ‏حمر النعم ‏...»([481]).

ومن الواضح أنّ كلمة (أمر) في صدر الحديث دالة صراحة على أن هناك أمراً قد صدر من معاوية، ولكن ما هو متعلق الأمر؟ فإذا لم يكن متعلق أمر معاوية هو سب وشتم علي×، فينبغي إرشادنا إلى متعلقه وإلا سيكون الأمر بلا متعلق!، هذا أولاً.

فلو صح ما تقولون من أنه سأله فقط عن سبب عدم سبّه لعلي، فسوف تكون كلمة أمره في صدر الحديث بلا معنى.

وثانياً: لقد فهم ابن تيمية ـ مع عظيم شأنه عندكم ـ إنّ معاوية قد أمر سعداً بالسب، وقد نقلنا عبارته سابقاً، قال: «أما حديث سعد لما أمره معاوية بالسبّ فأبى, فقال ما منعك أن تسب علي بن أبي طالب، فقال: ثلاث...»([482]).

قلتم: إنّ شرّاح الحديث فسّروا السب بأمر آخر

بعد أن أنكرتم أن يكون معاوية قد أمر سعداً بسبّ علي× ناقشتم في دلالة حديث مسلم, وتمسكتم بما تمسّك به بعض شراح الحديث في تأويله، فقلتم: «قال العلماء: إمَّا أنَّه بلغه أنَّ سعداً كان يجلس مع من سب عليّاً (رضي الله عنه)، فلم يشارك في السب، أو المراد: لماذا لم تظهر تخطئته في رأيه واجتهاده، وتظهر للناس حسن رأينا واجتهادنا، وأنَّه أخطأ؟».

 وعزوتم هذا الرأي للنووي في شرحه لصحيح مسلم.

أقول: وقد سبقه إلى ذلك القاضي عياض المتوفى 554هـ في إكمال المعلم([483]) وتبعهم المباركفوري في تحفة الأخوذي([484])، ولعلّ هناك غيرهم.

الجواب

هناك عدة وجوه للإجابة عن هذه التأويلات:

1ـ نقول: إنه لمن دواعي العجب ـ وهولا ينقضي ـ حين يسمع المرء بهذه التأويلات والتمحّلات!! لكن هذا العجب قد يزول فيما لو عرف السبب، كما يقال في الأمثال، فلا عجب لو تم الاطلاع على العلة التي استدعت مثل هؤلاء العلماء وسوغت لهم ارتكاب مثل هذا التأويلات، البعيدة في روحها ومضمونها عن العرف واللغة، وكذا بعيدة عن سياق الكلام العام.

 والسبب الواقعي الذي يقف خلف ستار هذه التأويلات هو وهم اعتقاد هؤلاء العلماء وغيرهم ـ ولعل جلّ أهل السنة ـ بعدالة جميع الصحابة، وأنهم على كثرتهم واختلافهم وتنوعهم فوق مستوى الشبهات، فما يرد من أحاديث، ولو كانت في أعلى درجات الوضوح دلالة ومهما بلغت من القوة والصحّة سنداً، وفيها ما يفهم منه قدح أو دخل على أحد الصحابة لابدّ من تأويله بأي نحو من التأويل, حتّى لو كان مخالفاً للضوابط العامة:

 قال القاضي عياض والنووي ـ واللفظ له ـ: «قال العلماء: الأحاديث الواردة التي في ظاهرها دخل على صحابي يجب تأويلها»([485]).

 ومعاوية، عند ثلة من العلماء، داخل قطعاً في هذه القاعدة؛ ولذا ذكروا بعد قولهم هذا تأويل الحديث الآنف الذكر المرتبط بمعاوية!!

إذن, وفقاً لهذه القاعدة, يكون من الطبيعي جداً أن تكون التأويلات والشروح بهذا النحو الذي تراه، والتي لا تمت لأي ضابطة لغوية أو عرفية، وعلى هذا, فإن هذه التأويلات غير مقبولة لمن لا يؤمن بتلك القاعدة، وهذا نقاش على مستوى البناء الفكري لهذه التأويلات.

2ـ بعد بيان الجذور النفسية لتلك التأويلات، وأنها مؤسسة على مبنى وقاعدة فيها الكثير من الخلل، نحاول الآن مناقشة تلك التأويلات واثبات خطئها ومخالفتها لقواعد التأويل، ولنبدأ بالتأويل الأول الذي مفاده: أن سعداً لعله كان جالساً بين جماعة يسبّون علياً× وامتنع سعد أن يشاركهم في السب وقد عجز عن الإنكار عليهم، ومعاوية إنما سأله عن بيان السبب المانع له مشاركتهم السب، كأنه يقول: هل امتنعت تورّعاً أم خوفاً أو غير ذلك؟ فإن كان تورعاً وإجلالاً فأنت مصيب محسن، وإن كان غير ذلك فله جواب آخر.

 وللجواب عن ذلك، نقول:

أـ هذا التأويل ـ كما ذكرنا سابقاًـ يتهافت مع صدر الحديث الذي يقول: ‏أمر‏ معاوية بن أبي سفيان‏ ‏سعداًً، ‏فقال: ما منعك أن تسبّ ‏‏أبا التراب؟!!

فلو أن القضية هي عبارة عن مجرد سؤال عن سبب الامتناع فما معنى: أمر معاوية؟!

فلا شكّ في أنّ هناك ترابطاً بين أمر معاوية بالسبّ وبين سؤاله سعداً عن سبب امتناعه؛ وجهة الترابط أنه بعد أن أمره بالسبّ فرفض سعد الامتثال سأله حينئذ معاوية عن سبب امتناعه، وهذا ما فهمه ابن تيمية من الحديث ـ كما أشرنا سابقاًـ حين قال: «أمّا حديث سعد لما أمره معاوية بالسب فأبى، فقال: ما منعك أن تسبّ علي بن أبي طالب؟...»([486]).

إذن هناك أمرٌ بالسبّ, وهناك امتناع عن السبّ, وسؤال عن سبب الامتناع، وهو ما يدلّ عليه سياق الكلام بشكل جلي.

ب ـ أنّ الحديث قد أخرجه الحاكم في المستدرك بلفظ: «ما يمنعك أن تسبّ ابن أبي طالب؟ قال: فقال: لا أسبّ ما ذكرت ثلاثاً...». وهي صيغة المضارع وليس الماضي، كما ترى، فتكون دلالتها واضحة على أمر معاوية له بالسب في لحظة الكلام، أي: ما يمنعك يا سعد الآن حين أمرتك أن تسبّ علياً؟ ولم يتحدّث عن قضية حدثت لسعد في الزمن الماضي ويسأله عنها, ويشهد له ذيل الخبر, حيث إنّ سعداً اعتذر عن عدم السبّ لسماعه مجموعة من الفضائل في حقّ علي, ذكرها لمعاوية, فجاء في آخر الخبر: أنّ عامر بن سعد قال: >فلا والله, ما ذكره معاوية بحرفٍ حتّى خرج من المدينة<([487]), وهذا يدلّ على أنّ الذي لا يسبّ عليّاً كان يأخذ جزاءه من معاوية بالتعنيف وغيره, وإلا فلا معنى لقسم عامر, بأنّ معاوية لم يتعرض لسعد بحرف!

3ـ وأما التأويل الثاني لمعنى الحديث الذي كان يفيد: أن معنى قول معاوية لسعد: ما منعك أن تسبّ علياً، يعني: ما منعك أن تخطّئ علياً× في رأيه واجتهاده وتظهر للناس حسن رأي معاوية وصحة اجتهاده!! فهو تفسير لمعنى لفظ السب بالتخطئة في الرأي والاجتهاد.

فيرد عليه ما ورد على التأويل الأول: مِن أنّه لا ينسجم مع صدر الحديث الدال على الأمر بالسبّ, وكذلك يخالفه فهم بعض العلماء، كما قلنا، هذا أولاً.

 وثانياً: هو تأويل بعيد جداً عن ظاهر اللفظ وسياق الحديث, ولا توجد قرينة تدلّ عليه، فإن معنى لفظ السبّ هو التنقيص والشتم وذكر المثالب وليس التخطئة في الرأي والاجتهاد، والشاهد على ذلك: قول سعد بأن سبب امتناعي عن السب والشتم هو مناقب وفضائل امتاز بها علي×، فلو كانت المسألة تخطئة في الرأي والاجتهاد فلا حاجة لسعد أن يبرر سبب امتناعه بتلك الفضائل، فإن الخطأ في الاجتهاد لا يتنافى مع وجود تلك المناقب والفضائل من وجهة نظر أهل السنّة.

وقد اعتبر بعض علماء الحديث المتأخرين أمثال الدكتور موسى شاهين لاشين([488]) هذه التأويلات تعسّفية، بعيدة عن الصواب، فيقول تعليقاً على النووي: «ويحاول النووي تبرئة معاوية من هذا السوء... وهذا تأويل واضح التعسّف والبعد، والثابت أن معاوية كان يأمر بسبّ علي، وهو غير معصوم، فهو يخطئ، ولكننا يجب أن نمسك عن انتقاص أي أحد من أصحاب رسول الله، وسبّ علي في عهد معاوية صريح في روايتنا التاسعة([489])»([490]).

قلتم: لفظ حديث مسلم هو الصحيح وما عداه لا يعتنى به

كنا قد أوردنا في رسالتنا إليكم حديث أمر معاوية بسبّ أمير المؤمنين× من صحيح مسلم، وقد أوردنا الحديث أيضاً من بعض المصادر الأخرى, كمصنف بن أبي شيبة وتاريخ ابن عساكر وابن كثير وكان في بعض هذه المصادر ألفاظ واضحة الدلالة على أنّ معاوية أمر سعداً بسبّ أمير المؤمنين× وأن سعداً قد امتنع عن ذلك.

 وقد سجلتم اعتراضاً على ذلك حاصله: أن هذه الألفاظ الواضحة غير الموجودة في حديث مسلم لا يعتنى بها، بل المعتمد منها ما كان في صحيح مسلم فقط؛ لأنه حينما يكون الحديث ذا مخرج واحد والحادثة واحدة لكن اختلفت ألفاظها، فان المعتمد حينئذٍ الألفاظ الواردة في الحديث الصحيح دون غيره، وإن كان ذلك الغير حسناً، فضلاً عما هو ضعيف، فقلتم: «عندما يرد حديث ويُخرّج في عدة كتب، وتختلف ألفاظ الحديث والمخرج واحد ـ أي: يكون الحديث لا يحتمل أنَّه قيل مرتين، كحديث سعد بن أبي وقاص هذا ـ فلا ينبغي أن تصدق كل الألفاظ، أو يُترك اللفظ الذي في الصحيح إلى لفظ: إمَّا أنَّه ورد من طريق ضعيف أو طريق حسن، بل يُقدم لفظ الصحيح»([491]).

الجواب

1ـ قد بيّنا سابقاً أن دلالة حديث مسلم واضحة على أن معاوية قد أمر سعداً بالسبّ، ولم يقصد معاوية الاستفسار منه عن سبب امتناعه، كما تأولتم ذلك، وقد أجبنا عن كل ما تمسّكتم به من تأويلات، فلا منافاة عندئذٍ بين لفظ الحديث في مسلم ولفظه في غيره.

2ـ إنما يقدم لفظ الصحيح على الحسن أو غيره فيما لو كان بين اللفظين تنافياً وتعارضاً بحيث يكون لكل منهما ـ على تقدير ثبوته ـ أثر مختلف، وإما إذا كان لسان الحديث الحسن في ألفاظه شارحاً ومبيناً لألفاظ الحديث الصحيح فلا مانع عندئذٍ من الأخذ بهما معاً، خصوصاً إذا لاحظنا أن المحدّثين كانوا ينقلون الحديث بالمعنى، فلعل مسلماً في صحيحه قد نقل الحديث بالمعنى واختصر بعض ألفاظه، فصار هذا الاختلاف بين لفظه ولفظ غيره، وهذا أمر وارد جداً وموجود على نطاق واسع في رواية الأحاديث. فما حاولتم إثباته غير مقبول، ولا يوجد مبرر صحيح يستند عليه.

قلتم: في رواية ابن كثير  ابن اسحاق وهو مدلس وقد عنعن

كما اعترضتم علينا بضعف سند الرواية التي نقلناها من كتاب البداية والنهاية لابن كثير ـ في خصوص سبّ علي من بني أمية ـ والتي خالفت في لفظها رواية مسلم، فقلتم: «هذا الحديث ورد في صحيح مسلم باللفظ السابق، ثمَّ ورد بألفاظ أخرى أورد أحدها ابن كثير ولم يذكر مصدر الحديث، ولكنَّه ذكر سنده، وفيه محمد بن إسحاق وهو ثقة؛ ولكنَّه مُدلّس، وقد عنعن هنا»([492]).

الجواب

أنّ الحديث الذي كنّا أوردناه عن ابن كثير هو: «قال أبو زرعة الدمشقي: ثنا أحمد بن خالد الذهبي أبو سعيد، ثنا محمد بن إسحاق، عن عبد الله بن أبي نجيح، عن أبيه، قال: لمّا حجّ معاوية وأخذ بيد سعد بن أبي وقاص فقال: يا أبا إسحاق، إنا قوم قد أجفانا هذا الغزو عن الحج حتّى كدنا أن ننسى بعض سننه فطف, نطف بطوافك، قال: فلمّا فرغ أدخله دار الندوة, فأجلسه معه على سريره، ثمّ ذكر علي بن أبي طالب فوقع فيه، فقال: أدخلتني دارك وأجلستني على سريرك، ثمّ وقعت في علي تشتمه؟! والله لئن يكون فيّ إحدى خلاله الثلاث أحبّ إليّ من أن يكون لي ما طلعت عليه الشمس...»([493])، وللجواب عمّا ذكرتموه نقول:

1ـ قولكم: إن ابن كثير لم يذكر المصدر، يردّه: أنه قد ذكر المصدر في الصفحة اللاحقة، وأنه قد ورد في تاريخ دمشق لابن عساكر، حيث قال ابن كثير: «وقد تقصى الحافظ ابن عساكر هذه الأحاديث في ترجمة علي في تاريخه فأجاد وأفاد وبرز على النظراء والأشباه والأنداد، رحمه رب العباد يوم التناد»([494]).

فقوله: إن ابن عساكر قد تقصى هذه الأحاديث التي منها الحديث الآنف الذكر هو ذكرٌ للمصدر.

2ـ أما ما يخص محمد بن إسحاق فإنّ تدليسه يُعدّ من الحالات النادرة في حديثه, وهو ممن يتحرىّ الدقة في النقل، والشاهد على ذلك ما ذكره ابن المديني, قال: «نظرت في كتب ابن إسحاق فما وجدت عليه إلا في حديثين، ويمكن أن يكونا صحيحين»، وقال أيضاً: «إن حديث محمد بن إسحاق ليتبين فيه الصدق، يروي مرة: حدثني أبو الزناد، ومرة: ذكر أبو الزناد، وروى عن رجل عن من سمع منه، يقول: حدثني سفيان بن سعيد عن سالم أبي النضر عن عمر (صوم يوم عرفة) وهو من أروى الناس عن أبي النضر، ويقول: حدثني الحسن بن دينار عن أيوب، عن عمرو بن شعيب في (سلف وبيع)، وهو من أروى الناس عن عمرو بن شعيب»([495]).

وقال ابن سيد الناس المتوفى سنة 734هـ في (عيون الأثر) في ردّه على من طعن على محمد بن إسحاق: «أمّا ما رمى به من التدليس والقدر والتشيع فلا يوجب ردّ روايته ولا يوقع فيها كبير وهن»، وقال أيضاً في ردّه على بعض: «وأمّا قوله لا يبالي عمن يحكى عن الكلبي وغيره، فهو أيضاً إشارة إلى الطعن بالرواية عن الضعفاء لمحل ابن الكلبي من التضعيف، والراوي عن الضعفاء لا يخلو حاله من أحد أمرين: إما أن يصرح باسم الضعيف أو يدلّسه، فإن صرّح به فليس فيه كبير أمر, روى عن شخص ولم يعلم حاله, أو علم وصرّح به ليبرأ من العهدة، وانْ دلّسه فإمّا أن يكون عالماً بضعفه أو لا، فإن لم يعلم فالأمر في ذلك قريب, وإن علم به وقصد بتدليس الضعيف وتغييره وإخفائه ترويج الخبر حتى يظن أنه من أخبار أهل الصدق وليس كذلك، فهذه جرحة من فاعلها وكبيرة من مرتكبها، وليس في إخبار أحمد عن ابن إسحاق ما يقتضى روايته عن الضعيف وتدليسه إياه مع العلم بضعفه حتى ينبني على ذلك قدح أصلاً»([496]).

وهناك كثير من العلماء لم يهتموا بعنعنته وحكموا بصحة حديثه مع عدم تصريحه بالسماع:

قال العيني في (عمدة القاري) بعد أن صحح حديث أبي هريرة التسبيح للرجال والتصفيق للنساء: «وتعليل ابن الجوزي بابن إسحاق ليس بشيء؛ لأن ابن إسحاق من الثقات الكبار عند الجمهور»([497]).

فقد اعتمد العيني على ابن إسحاق ولم يبال بما قيل من تدليسه, مع أنّ محمد بن إسحاق قد روى هذا الحديث عن يعقوب بن عتبة بلفظ (عن) ولم يصرّح فيه بالسماع.

ونجد الذهبي يوافق الحاكم في تصحيحه بعض أحاديث ابن إسحاق حتى مع العنعنة، فقد صحح الحاكم حديث السيدة عائشة رضي الله عنها: أنها كانت إذا ذكرت فاطمة بنت النبي (صلى الله عليه وآله) قالت ما رأيت أحداً كان أصدق لهجة منها, إلا أن يكون الذي ولدها.

قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه. ووافقه الذهبي, مع أن ابن إسحاق يروي الحديث عن يحيى بن عباد بصيغة عن([498]).

ومن الشواهد الأخرى على دقته وصدقه وندرة تدليسه: أنه يروي عن شيوخه ـ الذين سمع منهم كثيراً ـ أحيانا بواسطة، كما في بعض أسانيد البخاري.

وعلى هذا فعنعنته لا تضر كثيراً في حديثه مع وثاقته وصدقه وتثبته وحفظه.

قلتم: في حديث ابن أبي شيبة انقطاع

ومن الذين رووا حديث سبّ أمير المؤمنين× ابن أبي شيبة في مصنفه، قال: «حدثنا أبو معاوية عن موسى بن مسلم عن عبد الرحمن بن سابط عن سعد، قال: قدم معاوية في بعض حجّاته فأتاه سعد, فذكروا عليّاً, فنال منه معاوية، فغضب سعد، فقال: تقول هذا لرجل سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول: له ثلاث خصال...»([499]).

والحديث واضح الدلالة في أنّ معاوية قد سبّ علياً× فعلاً ونال منه، لا أنه أمر سعداً فقط، كما في حديث مسلم.

 وقد أعللتم هذا الحديث بالانقطاع، بملاحظة أن عبد الرحمن بن سابط لم يدرك سعداً ليسمع منه، فتوجد هناك واسطة مجهولة بينهما؛ وهذا يصيّر الحديث ضعيفاً، فيبقى حديث مسلم فقط، والذي أولتموه بما ينفي تهمة السب عن معاوية!

الجواب

 وللإجابة عمّا ذكرتموه نقول:

1ـ الانقطاع في الحديث ليس جزمياً، بل هو محل تشكيك، ولم يثبت عند الكثير من العلماء, ولهذا فقد حسّن الحديث ابن كثير الدمشقي في البداية والنهاية، قال: «وقال الحسن بن عرفة العبدي: ثنا محمد بن حازم أبو معاوية الضرير عن موسى بن مسلم الشيباني عن عبد الرحمن بن سابط عن سعد بن أبي وقاص قال: قدم معاوية في بعض حجاته فأتاه سعد بن أبي وقاص فذكروا علياً، فقال سعد: له ثلاث خصال...» وعلق على الحديث: «لم يخرجوه وإسناده حسن»([500]).

 فلو كان هناك انقطاع في السند بسبب عدم سماع ابن سابط عن سعد، فكيف جاز أن يصف ابن كثير هذا السند بأنه حسن؟

كما صحّح الألباني نفس إسناد الحديث عند ابن ماجة, قائلاً: >وإسناده صحيح<([501]), ولم يعلّه بالانقطاع بين عبد الرحمن ابن سابط وسعد.

وأيضاً حكم أبو إسحاق الحويني على نفس السند بالصحّة, فقال في تعليقه على خصائص أمير المؤمنين× للنسائي، فقال: «إسناده صحيح»([502]).

3ـ كان تبرير الانقطاع هو عدم سماع عبد الرحمن بن سابط من سعد بن أبي وقاص، وهذا اعتماداً منكم على ما قاله يحيى بن معين، فإنه بعد أن كان ابن سابط في نفسه ثقة، شُكك في أنه لم يسمع من سعد بن أبي وقاص، وهذا هو رأي يحيى بن معين، كما نقله الدوري، قال: «سمعت يحيى يقول: قال ابن جريج: حدثني عبد الرحمن بن سابط، قيل ليحيى: سمع عبد الرحمن بن سابط من سعد؟ قال من سعد بن إبراهيم؟ قالوا: لا، من سعد بن أبي وقاص؟ قال: لا. قيل ليحيى: سمع من أبي أمامة؟ قال: لا. قيل ليحيى: سمع من جابر، قال: لا، هو مرسل. كان مذهب يحيى أن عبد الرحمن بن سابط يرسل عنهم ولم يسمع منهم»([503]).

 إذن, فمذهب يحيى بن معين أنّ عبد الرحمن بن سابط المتوفى سنة 118هـ لم يسمع من ثلاثة: فهو لم يسمع من جابر بن عبد الله المتوفى سنة 73 أو 74هـ، ولا من سعد ولا من أبي أمامة.

 وممّن يرى أنّه أيضاً يرسل عن سعد، ابن حجر في الإصابة، في حديثه عن عبد الرحمن، قال: «فتابعي كثير الإرسال، ويقال: لا يصح له سماع من صحابي، أرسل عن النبي (صلّى الله عليه وسلّم) كثيراً، وعن معاذ وعمر وعباس بن أبي ربيعة وسعد بن أبي وقاص والعباس بن عبد المطلب وأبي ثعلبة، فيقال: إنه لم يدرك أحداً منهم، قال الدوري: سئل بن معين: هل سمع من سعد؟ فقال: لا، قيل: من أبي إمامة؟ قال: لا، قيل: من جابر؟ قال: لا، قلت: وقد أدرك هذين»([504]).

 ويمكن أن يجاب عمّا قيل في الإرسال:

أـ فيما يخصّ قول ابن معين من أنّ ابن سابط لم يسمع أو لم يدرك جابر بن عبد الله الأنصاري حيث إن عبد الرحمن قد توفي سنة 118هـ وجابر توفي سنة 73هـ، فيردّه: تصريح بعض المحدثين والعلماء بأن عبد الرحمن قد سمع من جابر وروى عنه متصلاً:

 قال ابن أبي حاتم: «عبد الرحمن بن سابط الجمحي مكي روى عن عمر (رضي الله عنه)، مرسل، وعن جابر بن عبد الله، متصل»([505]).

 وقال ابن حبان: «الجمحي يروى عن جماعة من الصحابة منهم جابر بن عبد الله»([506]).

 وقال ابن عساكر: «أنبأنا أبو الغنائم محمد بن علي، ثم حدثنا أبو الفضل بن ناصر أنا أحمد بن الحسن والمبارك بن عبد الجبار ومحمد بن علي ـ واللفظ له ـ قالوا: أنا أبو أحمد زاد أحمد وأبو الحسين الأصبهاني، قالا: أنا أحمد بن عبدان أنا محمد بن سهل أنا محمد بن إسماعيل، قال: عبد الرحمن بن عبد الله بن سابط الجمحي المكي سمع جابراً»([507]).

 وقال الألباني في السلسلة الصحيحة: «حديث جابر بن عبد الله يرويه عنه عبد الرحمن بن سابط: حدثني جابر بن عبد الله قال: سمعت رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) يقول: يا كعب.... قلت: وهذا إسناد جيد على شرط مسلم، وقد صرح ابن سابط فيه بسماعه إياه من جابر، ففيه رد لما جاء في ترجمته عن ابن معين أنه قال: لم يسمع منه»([508]).

وأما فيما يتعلق بعدم سماعه عن أبي أمامة المتوفى سنة 81هـ، وسعد بن أبي وقاص، فقد رأى الذهبي أنه قد روى عنهما، قال في تاريخه: «روى عن أبيه وله صحبة، وعن عائشة، وجابر، وأبي أمامة، وأرسل عن معاذ، وغيره»([509])، وأضاف الصفدي إلى كلام الذهبي: «وقد وثقوه وكان ابن معين يعد أكثر رواياته مرسلة»([510]).

وقال الذهبي في الكاشف: >وله عن سعد وعائشة...<([511]).

فظاهر قول الذهبي أنّ ابن سابط قد سمع من جابر وأبي أمامة وسعد, ولم يرسل عنهم، بقرينة تغيير العبارة في تاريخه في خصوص معاذ، فقال: وأرسل عن معاذ, وذيّل عبارته في الكاشف بقوله: >قال ابن معين: لم يسمع من جابر, ولا من أبي أمامة< ولم يذكر الذهبي سعداً هنا بعد أنْ عدّه في أوّل عبارته من شيوخ ابن سابط, وهو ظاهر في أنّ الذهبي يرى سماعه منه.

 وورد في تهذيب الكمال في ترجمة ابن سابط أنه: «روى عن: أنس بن مالك من وجه ضعيف، وجابر بن عبد الله، والحارث بن عبد الله بن أبي ربيعة، وأبيه سابط الجمحي، وله صحبة، وسعد بن أبي وقاص، وقيل: لم يسمع منه، وسعيد بن أبي راشد، وله صحبة، وسعيد بن عامر بن جذيم الجمحي، وأبي أمامة صدي بين عجلان الباهلي»([512]).

وظاهر كلامه أيضاً أنه قد روى متصلاً عن جابر والحارث وأبيه وسعد... وأبي أمامة، لاسيما أنه أردف بعد قوله: «وسعد بن أبي وقاص، وقيل: لم يسمع منه» وهو إشارة إلى أن القول المشهور الآخر: قد سمع منه، خصوصاً أنّ لفظ (قيل) تستخدم للتمريض, مضافاً إلى تصريح ابن حجر المتقدم بأن عبد الرحمن كان قد أدرك أمامة وجابراً، فما المانع حينئذ من أن تكون روايته عنهما متصلة؟!

ب ـ أما ما ذكره ابن حجر في الإصابة، فإن نقله كان بصيغة (يقال)، وهي، كما هو معروف، تدل على التضعيف، ويشهد له أن أكثر العلماء قد عبر عن الرأي القائل بأن ابن سابط لم يسمع من سعد بصيغة قيل ويقال، مما يدلل على أنه قول لا يصمد أمام القول المشهور القائل بالاتصال.

قلتم: لو ثبت السبّ فمعاوية آثم فيما لو لم يتب

 قلتم: «هذا صحابي تكلَّم في صحابي أو سبَّه، فكلاهما نال شرف الصُحبة؛ وإن كان علي (رضي الله عنه) أفضل من معاوية ومن أبيه، ولكن له فضل الصُحبة؛ فإن تكلم فيه أو سبَّه فلا شكَّ أنَّه آثم متوعد بالعقاب إن لم يتب، ولا نظن أنَّه يلقى الله عز وجل بدون توبة، وقد ورد في ترجمته أنَّه كان يرجو رحمة الله عزّ وجلّ ومغفرته»([513]).

الجواب

 1ـ ذكرنا مراراً بأن صحبة النبي’ شرف وميزة، ولكن بشرط الاستقامة والتقوى، فهي ليست من قبيل الحسنة التي لا تضر معها سيئة، بل لعل الصحابي يعاقب عقوبة أشدّ من غيره على تقدير معصيته؛ لقربه من النبي’ وسماعه حديثه ومع هذا خالف وعصى، وهذا بخلاف من لم ير النبي ولم يسمع حديثه، فالقرب من النبي’ له أثر في مضاعفة الحسنات كما له نفس الأثر في السيئات، قال تعالى: {يَا نِسَاء النَّبِيِّ مَن يَأْتِ مِنكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً}([514]). فعدالة جميع الصحابة بمجرد كونهم صحابة نظرية لا تصمد أمام النقد العلمي المنصف، وقد أشبعنا البحث فيها في الجزء الثاني وبداية هذا الجزء من الكتاب فراجع.

2ـ نسجّل هنا تقديرنا بما تفضلتم به من أن معاوية، إن ثبت أنه سبّ علياً× ولم يتب، فهو آثم معاقب، ولم تعتقدواـ كما هو المتعارف عندكم ـ من أن معاوية قد اجتهد فأخطأ وله أجر كحربه وقتاله لعلي×.

واعتقادكم بخطئه ـ على تقدير سبه وشتمه كما هو الثابت ـ ينسجم مع ما نقوله دائماً بأن الصحبة لا تغني مع المعصية وعدم التوبة، وأن الصحابة من هذه الجهة كغيرهم يثابون إن أحسنوا ويعاقبون إن أساؤوا ولم يتوبوا.

3ـ كل الشواهد الحديثية والتاريخية وأقوال كبار العلماء، والتي مرت معنا، أثبتت أنّ معاوية بن أبي سفيان سبّ أمير المؤمنين× وأمر بسبه، فهو قد ارتكب هذه المعصية العظيمة بلا شك، والتي تخرج مرتكبها عن الدين رأساً، لأن سبّ علي× هو سب لرسول الله’، ومن سب رسول الله وشتمه وتنقّص منه فقد خرج عن دين الله، وقد ثبت عن النبي’ أن من سبّ علياً فقد سبّه’:

 أخرج أحمد في مسنده والحاكم في مستدركه بسندهم عن عبد الله الجدلي قال: >دخلت على أم سلمة، فقالت لي: أيسب رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) فيكم؟!! قلت: معاذ الله، أو سبحان الله، أو كلمة نحوها، قالت: سمعت رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، يقول: من سبّ علياً فقد سبّني»([515]).

 قال الحاكم هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبي([516]).

وقال الهيثمي: «رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح غير أبي عبد الله الجدلي وهو ثقة»([517]).

4ـ إن القول بتوبة معاوية وندمه عن هذه المعصية رجم بالغيب، فلم تثبت بأدلة صريحة وواضحة توازي الأدلة التي ثبت بها ارتكابه تلك المعصية، ولا يكفي ما ذكرته من أنه كان يرجو رحمة ربّه, فكلّ إنسان، حتىّ الكافر، يرجو رحمته, بل حتّى الشيطان ممّن يرجو رحمة الله، فلا يلازم ذلك توبة معاوية وندمه، ولعل الشواهد التي ذكرناها عن مواصلة بني أمية لنهج معاوية في السبّ والشتم، والجو الذي ساعد على ذلك، كله يشير إلى أن معاوية لم يتب ويندم عن بغض علي× ومعاداته وسبه، بل تنصيبه ابنه يزيد وما فعله بالمسلمين وأهل البيت^ يقوّي عدم توبته وندمه.

5ـ إنّ هذه السنّة استمرت من بعد معاوية, ولم نرَ ولم نقرأ أنّ معاوية نهى عنها في آخر عمره مثلاً, حتى يصح لكم ولغيركم القول بأنه تاب عنها، لذا بقيت مستمرة بسببه, فيكون مصداقاً واضحاً للحديث الشريف: >من سن في الاسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها بعده من غير أنْ ينقص من أجورهم شيئ, ومن سنّ في الاسلام سنّة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها من بعده من غير أن ينقص من أوزارهم شيئ<([518]).

قلتم: منهج أهل السنة هو عدم الخوض فيما جرى بين الصحابة

قلتم: «إنَّ منهج أهل السنَّة والجماعة عدم الخوض فيما جرى بينهم؛ لكثرة الروايات المتعارضة والدخيلة، وإن كانوا يعرفون لكل فضله، ويقررون أنَّهم يتفاضلون»([519]).

الجواب

1ـ إننا نعتقد أن هذا المنهج ليس سنده كثرة الروايات المتعارضة الواردة عنهم ـ كما تدعي ـ بل هو نتاج الاعتقاد بعدالة جميع الصحابة، والذي لا نسلم به، فلا يمكنكم الخوض فيما جرى بين الصحابة من حروب وفتن وقتل وبغض وحسد، وتشخيص المخطئ من غيره؛ حرصاً على ذلك الاعتقاد من الخدشة، ولئن حصل وذُكرت بعض الأمور وبُيّن فيها المخطئ من المصيب فستلجؤون إلى الاعتقاد الثاني المكمل لنظرية عدالة جميع الصحابة، وهو تأويل ما حصل لهم من أخطاء ومعاصي تحت ذريعة الاجتهاد، وأن المجتهد له أجر إنْ أخطأ، وإن أصاب فله أجران، وبهذا يتم التخلّص من تلك الأخطاء التي تمزق بنية تلك النظرية.

2ـ لو سلمنا أن امتناعكم عن الخوض فيما جرى بين الصحابة هو كثرة الروايات المتعارضة، لكن هذا لا يعدّ مبرراً عقلائياً لعدم متابعة الحقيقة، ومعرفة ملابسات الأحداث التاريخية وما جرى في الصدر الأول للإسلام، لأن وجود تلك الروايات المتعارضة أمر لا يقتصر على ما جرى بين الصحابة، بل هو موجود في جميع مفاصل الشريعة الإسلامية من فقه وأحكام وعقيدة؛ لكثرة الكذب والوضع والخطأ والاشتباه في نقل الروايات والأخبار، فعلى هذا, يلزم عدم الخوض أيضاً حتى عن مثل الأمور الفقهية والعقدية، وهو أمر غير مقبول.

3ـ إنّ الأحداث التي جرت في الصدر الأول للإسلام حظيت بقدر كبير من الأهمية والخطورة؛ لأنها في الحقيقة تمثّل مواقف وسلوك الرعيل الأول من المسلمين، تلك المواقف التي أسست لكثير من الأحكام والاعتقادات، كما حصل في قتال أمير المؤمنين× للبغاة والخوارج، والذي من خلاله عرفت الوجهة الشرعية في صحة قتال أهل القبلة([520])، فبدون البحث والتحقيق فيما جرى بين الصحابة آنذاك لا يتسنى عندئذٍ معرفة الباغي والمخطئ, وبالتالي ترتيب الأحكام على ذلك.

4ـ إنّ منهج الغض والإمساك عما شجر بين الصحابة يفضي إلى عدم الاستفادة من الفوائد العظيمة من تلك الفترة التاريخية من حياة المسلمين، فتلك الحقبة من تاريخ أمتنا الإسلامية بلا شك مليئة بالدروس والعبر التي لها عظيم الأثر على الحياة الاجتماعية والثقافية للأجيال اللاحقة.

إننا نظن أن دعوة طي وكتمان ما حصل بين الصحابة وعدم الخوض فيه لم تكن منهجاً لأهل السنة في طول تاريخ مذهبهم، بل كانت دعوة متأخرة بعد احتدام الخلاف والصراع المذهبي بين المسلمين، وإلاّ فإن المحدثين والمؤرخين القدامى لم يتورعوا عن نقل ما جرى من أحداث وصراعات وخلافات حدثت بين الصحابة، ولذا يقول الذهبي: «كما تقرر عن الكف عن كثير مما شجر بين الصحابة وقتالهم (رضي الله عنهم أجمعين)، وما زال يمر بنا ذلك في الدواوين والكتب والأجزاء، ولكن أكثر ذلك منقطع وضعيف، وبعضه كذب، وهذا فيما بأيدينا وبين علمائنا، فينبغي طيه وإخفاؤه، بل إعدامه لتصفو القلوب، وتتوفر على حب الصحابة، والترضي عنهم، وكتمان ذلك متعين عن العامة وآحاد العلماء»([521]).

ويظهر من ذلك أنّ هذا المنهج تأسس متأخراً والسبب فيه واضح.

ومن الشواهد على هذا التأخير أيضاً ما أورده ابن الصلاح في مقدمته على ابن عبد البر في كتابه الاستيعاب، قال: «معرفة الصحابة (رضي الله عنهم أجمعين), هذا علم كبير قد ألف الناس فيه كتباً كثيرة ومن أحلاها وأكثرها فوائد كتاب الاستيعاب لابن عبد البر، لولا ما شأنه به من إيراده كثيراً مما شجر بين الصحابة، وحكاياته عن الأخباريين لا المحدثين، وغالب على الأخباريين الإكثار والتخليط فيما يروونه»([522]).

فابن الصلاح يعتقد أن نقل ما جرى بين الصحابة شيناً وأنه منقول من الأخباريين، لكن هل يلتزم بطرح ما نقله المحدثون فيما لو كان فيه اختلاف أو تخليط أو كان فيه ما يشين بعض الصحابة؟

قلتم: لا خوف من ذكر فضائل علي× في زمن الأمويين

لقد زعمتم أن ما اشتهر من شيوع الخوف في زمن الأمويين فيما يخص ذكر فضائل علي× لا أصل له, بدليل أنّ سعداً قد ذكر فضائل علي× أمام معاوية ولم يعاقبه:

قلتم: «ها هو سعد قد غضب وذكر فضائل علي (رضي الله عنه) على ملأ من معاوية وحزبه، ولم ينله أذى ولا عقاب، وهذا يُؤكّد أنَّ ذكر فضائل علي (رضي الله عنه) كانت تُعلن في العصر الأموي، على خلاف ما يزعم المخالف»([523]).

الجواب

1ـ إن سعد بن أبي وقاص كان من كبار الصحابة, وقد كان يحظى بمكانة كبيرة بين المسلمين, فلا يمكن التعرض له بالأذى علناً وعلى مرأى المسلمين ومسمعهم؛ خشية من تأليب الرأي العام على معاوية، ودولته الأموية الفتية التي هي بأمسّ الحاجة للتأييد والمساندة، ومعاوية لم يكن ليرتكب مثل هذه الحماقة، كيف وقد عُرِف بالدهاء والسياسة، فلا يعدّ عدم تعرّض معاوية لسعد دليلاً على أن لا خوف من ذكر فضائل علي× في العهد الأموي.

2ـ إنّ قولك: بأنّ فضائل علي× كانت تذكر علناً في العصر الأموي، يخالف الكثير من الشواهد الحديثية والتاريخية التي تؤكد أن هناك جواً من الخوف والرعب كان سائداً في العصر الأموي قد خلقه معاوية وبنو أمية تجاه ذكر فضائل أمير المؤمنين× وأهل بيته، وعلى سبيل المثال ـ والشواهد كثيرة ـ الخوف الذي كان يلازم الحسن البصري، رغم مكانته وعظيم منزلته في المجتمع الإسلامي, حيث كان إذا أراد أن يحدّث عن عليّ× يقول: قال أبو زينب، ويظهر الابتعاد عن عليّ×؛ حتى ظهر منه ما يوجب الإنكار عليه، فقال له أبان بن عياش: «ما هذا الذي يقال عنك أنك قلته في عليّ؟! فقال: يا بن أخي، أحقن دمي من هؤلاء الجبابرة ـ يعني بني أميّة ـ لولا ذلك لسالت بي أعشب»([524]).

ويقول الشعبي شيخ المحدّثين في العراق: «ماذا لقينا من آل أبي طالب؟! إنْ أحببناهم قُتلنا، وإنْ أبغضناهم دخلنا النار»([525]).

ولم يقف الأمر عند الخوف من ذكر اسم عليّ وفضائله، بل امتنعوا حتى عن تسمية أبنائهم باسمه، ويتعرّض للبلاء كلّ من سمّى ابنه عليّاً.

قال ابن حجر في ترجمة عليّ بن رباح: «وقال الليث: قال عليّ بن رباح: لا أجعل في حلٍّ من سمّاني عليّ([526]) فإن اسمي عُلَي([527]). وقال المقري: كان بنو أميّة إذا سمعوا بمولود اسمه عليّ قتلوه»([528]).

وروى ابن الأثير عن عبد اللّه بن العلا، عن الزهري، عن سعيد بن جناب، عن أبي عنفوانة المازني، عن جندع، قال: «سمعت النبي (صلّى الله عليه وسلّم) يقول: من كذب عليّ متعمّداً فليتبوّأ مقعده من النار. وسمعته ـ وإلاّ صمّتا ـ يقول: وقد انصرف من حجّة الوداع، فلمّا نزل غدير خمّ، قام في الناس خطيباً وأخذ بيد عليّ وقال: (من كنت مولاه فهذا وليّه، اللّهم وال من والاه، وعاد من عاداه).

قال عبد اللّه بن العلا: فقلت للزهري: لا تحدّث بهذا بالشام، وأنت تسمع ملء أذنيك سبّ علي، فقال: واللّه، عندي من فضائل علي ما لو حدّثت بها لقتلت. (أخرجه الثلاثة)»([529]).

وفيما نقلناه لك من شواهد وقرائن كفاية لمن رزقه الله قلباً سليماً وبصيرة نافذة.


 

 

 

 

 

 

 

 

حوار عام
حول الوصيّة ومسائل أخرى


 

تمهيد

كنا قد ذكرنا لكم أنَّ عليّاً× هو وصيّ النبيّ’، والقائم مقامه من بعده، وأنَّه يدلّ على ذلك الأخبار النبوية الصحيحة، والآثار الثابتة عن الصحابة.

ولكنكم أنكرتم ذلك, وحاولتم تضعيف الروايات، بل سفهتم المسألة إلى حدّ كبير، حتى أوحيتم للقارئ أن مسألة الوصية لا تعدو أن تكون من اختراعات الشيعة, وأنّها محض كذب لا أساس لها من الصحّة.

 وقد جاءت ردودكم على نحوين: بعضها مبنيٌّ على مسبقات خاطئة عن المذهب الشيعي، طالما رسخت في أذهانكم بكل تفسيراتها الخاطئة، بل أخذتم تجترونها في كل أسطر هذا الكتاب، وهي واهية وخاطئة، وبعضها الآخر مبنيٌّ على قواعد حديثية أو رجالية ليست صحيحة، كما سنثبت ذلك.

لذا كان لا بدّ أنْ نتعرض لبعض البحوث الممهدة، قبل الجواب على ما ذكرتموه, وسنركّز على مناقشة الأصول والقواعد الحديثية الخاطئة التي شكلت رؤيتكم في مسألة الوصية.

لكن ثمة إشكالية لاحظناها تتعلق بعدم وضوح المنهجيّة في كلماتكم، وأن هناك خلطاً قد وقعتم فيه من المناسب توضيحه للقارئ قبل ذلك:

الخلط بين مقام الاستدلال والاحتجاج

خلال مطالعتنا لطبيعة ردودكم وتكذيبكم روايات الوصية، اتضح لنا جلياً أنكم قد وقعتم ـ عن قصد أو ربما دون قصد ـ في خلط غريب، يمكن أن يوصف بأنّه خطأ منهجي، ماكان المترقب وقوعكم فيه، وهو عدم تفريقكم بين مقام الاستدلال، بهدف الوصول إلى الحقيقة، وبين مقام الاحتجاج على الخصم؛ بهدف إبطال دليله، فإن هناك فارقاً بينهما، وتوضيح ذلك:

هناك نوعان من الاستدلال فيما يتعلق بمسألة فقهية أو عقدية: الأول يهدف إلى الوصول للحق والصواب فيها، فلا بد عندئذٍ في هذا المقام من الاستناد إلى الأدلة والشواهد الصحيحة ـ في نظر المستدل ـ مع استخدام الأدوات العلمية التي يؤمن بها ويعتقد بصحتها فيما بينه وبين الله؛ حتى يؤجر على اجتهاده، وبذله الوسع في التحري عن الصواب.

الثاني: استدلال يهدف إلى إسكات الخصم والمخالف، وذلك من خلال سوق أدلة وشواهد وقرائن ومؤيدات مقبولة عند الخصم، وليس بالضرورة أن يعتقد بها الطرف المستدِل، بل يؤتى بها لإلزام المخالف وإفحامه؛ استناداً إلى القاعدة العقلية القائلة: ألزموهم بما ألزموا به أنفسهم، وهو من أبسط قواعد المناظرات.

وحينما ذكرنا لكم بعض الشواهد والقرائن على ورود الوصية بلفظها في كتب أهل السنّة, إنّما كان ذلك من باب الاحتجاج والمناظرة، ولم نأت بها لنجعلها دليلنا على ثبوت الوصية والنص على الإمامة، والتي تعد من أهم أركان مذهبنا، حتى تعترض وتقول: كيف تستدلون بهذا الروايات على مسألة عقدية كهذه، تؤدي نتائجها إلى الطعن على الصحابة وتفريق الأمة؟ وأنها لا يبنى عليها دين يتقرّب به إلى الله!!

 فهل يعقل، يا سعادة الدكتور، أن ندين الله في مسألة حساسة وخطيرة، كهذه، بما ذكرنا لك من شواهد وأدلة بحيث ينحصر دليلنا بها؟!!

ليس خفياً أننا لدينا أدلتنا القرآنية والروائية من كتبنا المعتبرة، ويؤيدها الأحاديث الصحيحة من كتبكم حول وجود النص من الله ورسوله على إمامة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب×، ونحن معكم في صراع استمر طويلاً حول معطيات هذه الأدلة، مضافاً إلى أن منهجنا في مسألة عقائدية أساسية، كمسألة النص هذه، لا نكتفي فيها بحديث صحيح يفيد الظن، بل لا بدّ من طريق يفيد العلم واليقين فيها, وهو إما التواتر أو الاستفاضة، فضلاً عن الاستدلال بأدلة من يخالفنا، في حين أن منهجكم السلفي يختلف معنا في هذه النقطة ويكتفي بخبر الواحد في العقيدة حتى لو كانت أساسية!

وإليك بعض الشواهد الدالة على وقوعكم في هذا الخلط بين مقام الاحتجاج والاستدلال ـ في سياق جوابكم على ما ذكرناه في الوصيةـ وفيها يتضح جلياً أنكم اعتبرتم ما سقناه من شواهد وأدلة في مقام الاحتجاج هي ذاتها أدلتنا الواقعية على ثبوت عقيدة الوصية:

فقلتم: أيحسن أن تقول: (أخبار نبوية صحيحة) وتستدل بها على عقيدة تؤدي إلى الطعن في الصحابة وتفرق الامة([530]).

 وقلتم: فأيُّ فائدة في مثل هذه الأحاديث؟! أيُبنى عليها دين يُتقرَّب به إلى الله عز وجل؟! ([531]).

وقلتم: أرأيتم هذه الأحاديث التي لا تصح، ولا نستجيز لمسلم أن يستدل بها في أمور الدين([532]).

وقلتم: هل كتب التواريخ صالحة لأن تكون مرجعاً في تأصيل العقائد([533]).

وقولكم: فالحديث بعد هذا لا يصح، ولا يجوز الاحتجاج بمثله على قضايا الدين([534]).

 وقلتم: لا نستجيز أن نستدل بالتواريخ وكتب الأدب، ولا بالأحاديث الضعيفة في ديننا، فإنَّ ديننا عندنا أعز من ذلك([535]).

 وقلتم: كيف تستدل بروايات الصحابة الضالين الفساق الذين إمَّا أنَّهم ارتدوا بعد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أو فسقوا، وأنتم لا تستدلون بروايات الفساق ولا الكفار؟!

والجواب عن كل هذا باختصار:

أولاً: قد أوضحنا سابقاً أننا لا نستدل بهذه الروايات ولا بكتب التاريخ ولا بكتب الأدب على عقيدتنا في الوصية حتى تقولون لنا هذا الكلام! وإنما جئنا بها على سبيل الاحتجاج والإلزام.

وثانياً: إننا لا نفسق جميع الصحابة ولا نحكم على السواد الأعظم منهم بالارتداد، كما زعمتم، وقد أجبنا عن هذا مراراً وتكراراً، وهذا ما أشرنا له في بداية الجواب من أنكم تحملون كثيراً من المفاهيم الخاطئة عن المذهب الشيعي, وقد تجذّرت في أذهانكم بحيث استصعب التخلي عنها، كيف لا وهي تدرّس في جامعاتكم الأكاديمية سنوات طويلة بما تحمل من أخطأء وتشويه!

وهكذا يتضح لكم عدم التمييز عندكم بين المقامين، ولا ندري هل هذه غفلة منكم وعدم التفات أم هي استغفال لقرائكم وجمهوركم الذين لا يفرق كثير منهم بين المقامين؟!!

أصول وقواعد حديثية وفق منهجية خاطئة

في سياق ردودكم على ما أفدناه من مسألة الأحاديث الدالة على أن علياً× صاحب الوصية من النبي|, أوردتم عدة قواعد حديثية ورجالية وأصول منهجية ادّعيتم أنّها قواعد وأصول أهل السنّة.

 وقد أسّستم على ضوئها إجاباتكم وردودكم، وحيث إنّها جاءت مبعثرة متناثرة في ثنايا كلامكم، فارتأينا جمعها وأبرازها وترتيبها, ومن ثمة الإجابة عنها؛ لتعمّ الفائدة للجميع أولاً؛ ولتتضح أسس وأركان إجاباتنا ثانياً؛ ولتتبيّن صحّة أو سقم هذه القواعد ثالثاً.

 ومن هذه القواعد والأصول:

قاعدة: لا روايات صحيحة في كتب الشيعة

قلتم: «كيف نحصل على روايات صحيحة من كتبكم، وقد عرفتم أنَّها عن مجاهيل وضعفاء»([536]).

الجواب

تقدّم منكم الحديث سابقاً عن أن رواة الشيعة، خصوصاً في العقائد، إما ضعاف أو مجاهيل، مستندين في ذلك إلى كلام السيد محمد الصدر وكلام البرقعي، وأكدتم ذلك بكلام ذكره الآلوسي حول رواة الكتب الأربعة، وأجبنا هناك مفصّلاً وبينا سقم الشواهد التي ذكرتموها على ذلك، وأشرنا في أكثر من مورد إلى أننا لا نقتصر في الاستدلال على أصول العقيدة ـ كعقيدة الإمامة ـ بأخبار الآحاد الصحيحة, فضلاً عن الضعيفة, ما لم تتواتر وتورث العلم أو الاطمئنان، بخلاف غيرنا الذين تنتفي عندهم عقيدة ما بتضعيف أحد علماء الجرح والتعديل مثل ابن معين والقطّان لراوٍ معين، أو تثبت عقيدة بتعديل فلان لراوٍ آخر، ثم أنّ الاستناد إلى كلام الخصوم كالبرقعي ـ الذي انحرف عن عقيدة الشيعةـ وكذا الآلوسي، المتطرف والمعاند للشيعة, يُعدّ خلاف المنهج العلمي في أصول المناظرة, وهو أشبه بالاحتكام إلى الخصم، وينطبق عليك:

ولست أرجو انتصافاً منك ما ذرفت

 

 

عيني دموعاً وأنت الخصم والحكم

 

قاعدة: تصنيف الكتب الروائية إلى طبقات

من القواعد المنهجية التي بيّنتموها كتمهيد ـ قبل أن تجيبوا عما قلنا في موضوع الوصيةـ هي أن كتب الحديث تصنّف على طبقات خمسة أو أكثر، واستشهدتم بقول ولي الله الدهلوي في كتابه (الحجة البالغة)، وقلتم: إن ما يستدل الشيعة به كان مما تضمنته كتب الطبقة الثالثة أو الرابعة، وهذا معيب ولا يصح من الناحية العلمية.

الجواب

1ـ إن تصنيف الكتب الحديثية أو غيرها أمر متعارف عليه بين العلماء، ولكنه لا يعني ذلك عدم جواز الاستفادة من الكتب التي صنفت في المراتب الدانية فيما إذا خضعت رواياتها للمنهج العلمي في تصحيح الحديث أو تحسينه، وقد ذكر ابن حجر أنّ العلماء متّفقون على الاحتجاج بكلّ ما صحّ([537])، وكذا غيره من المحدّثين، حيث ذكروا وجوب الاحتجاج بالصحيح والحسن من دون اشتراط وروده في كتاب معيّن([538])، بل لم نرَ من أهل الفنّ يوماً أنّهم ضعّفوا حديثاً بسبب عدم وروده في كتب الطبقة الأولى أو الثانية, نعم قد يصدر ذلك ممّن لا علم له بصناعة الحديث. أضف إلى ذلك، فإنّ من المقرّر عند أهل هذا الفن أنّ الحديث إذا كان فيه ضعفاً خفيفاً لا يُطرح، بل يستفاد منه في تقوية الطرق الأخرى، وهو ما يسمى بالاعتبار بالمتابعات والشواهد, فلو تنزلنا وقلنا إنّ هذه الكتب لا تصلح في الاحتجاج, فإنّ الكثير من رواياتها صالحة في الشواهد؛ فلذا لم نجد من العلماء من قال إنّ الأحاديث الموجودة في تلك الكتب لا تصلح للفائدة إطلاقاً، بل غاية ما يقولونه في مثل هذه الكتب إنّها تشتمل على الأحاديث الموضوعة فضلاً عن الضعيفة، واشتمالها على ذلك لا يتنافى مع الاحتجاج بما فيها من الصحيح والحسن، ولا يتنافى مع القول بصلاحية ما خفّ ضعفه منها في المتابعات والشواهد، كما لا يخفى.

2ـ قلتم: إننا جئنا بأحاديث من كتب الطبقة الثالثة أو الرابعة، وهي كتب لا يعتمد عليها، كما نقلتم عن الدهلوي نفسه أنه قال عن كتب الطبقة الثالثة: >إنها جمعت بين الصحيح والحسن والضعيف...< ثم علّقتم على قول الدهلوي: >نعم، ربمَّا يؤخذ منها المتابعات والشواهد< فقلتم: أي: لا يعتمد عليها في الاستدلال([539]).

 نقول: هذا من الغرائب؛ إذ كيف تقولون أن فيها ما هو صحيح وحسن، ومع هذا لا يعتمد عليه في الاستدلال؟!!.

3ـ من الكتب التي أدرجتموها ـ تبعاً للدهلوي ـ في المرتبة الرابعة هي كتب: الخطيب وأبي نعيم وابن عساكر، ورأيتم أنها مما لا يعتمد عليها في الاستدلال.

 ولكننا نعتقد أنّ هذا الرأي ليس صائباً؛ فإن كلاً من الخطيب البغدادي وأبي نعيم وابن عساكر من المحدثين البارزين، ومن لهم باع في معرفة الحديث وقواعده، وبعض كتبهم من المصادر المعتبرة التي سلكوا في تأليفها مسلك المحدثين.

 وهذا يتبين من إلقاء نظرة سريعة على سيرة وترجمة هؤلاء الأعلام:

أما الخطيب البغدادي، فقد قال عنه الذهبي في السير: «الإمام الأوحد، العلامة المفتي، الحافظ الناقد، محدّث الوقت أبو بكر، أحمد بن علي بن ثابت بن أحمد بن مهدي البغدادي، صاحب التصانيف، وخاتمة الحفاظ... وتقدم في هذا الشأن، وبذّ الأقران([540])، وجمع وصنف وصحح، وعلل وجرح، وعدّل وأرّخ وأوضح، وصار أحفظ أهل عصره على الإطلاق»([541])، وقال ابن ماكولا: «كان أبو بكر الخطيب آخر الأعيان ممن شاهدناه، معرفةً وحفظاً وإتقاناً وضبطاً لحديث رسول الله (صلى الله عليه وآله) وتفنناً في علله وأسانيده وعلماً بصحيحه وغريبه وفرده ومنكره ومطروحه»([542])، وقال السمعاني في حقه: «صاحب التصانيف في الحديث، منها كتاب تاريخ مدينة السلام بغداد، أشهر من أن يذكر»([543])، وقال مصطفى عبد القادر عطا محقق كتاب تاريخ بغداد: «ولقد استخدم الخطيب البغدادي الإسناد بدقة عند سرد الروايات، سواء كانت تتصل بالحديث ورجاله أو بالتاريخ أو بالأدب، وبذلك أعان على الكشف عن موارده»([544]).

وأما الحافظ أبو نعيم فترجمه الذهبي، فقال عنه: «أحمد بن عبد الله بن أحمد بن إسحاق بن موسى بن مهران، الإمام الحافظ، الثقة العلامة، شيخ الاسلام، أبو نعيم، المهراني، الأصبهاني»([545])، وقال في موضع آخر: «وكان حافظاً مبرزاً عالي الاسناد، تفرد في الدنيا بشيء كثير من العوالي، وهاجر إلى لقيّه الحفّاظُ، قال أبو محمد السمرقندي: سمعت أبا بكر الخطيب يقول: لم أرَ أحداً أطلق عليه اسم الحفظِ غير رجلين: أبو نعيم الأصبهاني وأبو حازم العبدويي... قال ابن المفضل الحافظ: جمع شيخنا أبو طاهر السلفي أخبار أبي نعيم وذكر من حدثه عنه، وهم نحو الثمانين، وقال: لم يصنف مثل كتابه (حلية الأولياء)...قال أحمد بن محمد بن مردويه: كان أبو نعيم في وقته مرحولاً إليه، ولم يكن في أفق من الآفاق أسند ولا أحفظ منه، كان حفّاظ الدنيا قد اجتمعوا عنده»([546])، وقال الصفدي في الوافي بالوفيات: «وكان أبو نعيم إماماً في العلم والزهد والديانة، وصنف مصنّفات كثيرة، منها حلية الأولياء، والمستخرج على الصحيحين، ذكر فيها أحاديث ساوى فيها البخاري ومسلماً، وأحاديث علا عليهما فيها، كأنهما سمعاها منه، وذكر فيها حديثاً كان البخاري ومسلم سمعاه ممن سمعه منه»([547]).

وأمّا فيما يتعلق بالحافظ ابن عساكر، فقال عنه الذهبي: «الإمام الحافظ الكبير, محدث الشام, فخر الأئمة, ثقة الدين, أبو القاسم على ابن الحسن بن هبة الله بن عبد الله بن الحسين الدمشقي الشافعي صاحب التصانيف [والتاريخ الكبير]»([548])، وقال أيضاً: «قال السمعاني: أبو القاسم حافظ ثقة متقن ديِّن خيِّر حسن السمت، جمع بين معرفة المتن والإسناد، وكان كثير العلم غزير الفضل صحيح القراءة متثبتاً، رحل وتعب وبالغ في الطلب، وجمع ما لم يجمعه غيره، وأربى على الأقران... قال الحافظ عبد القادر: ما رأيت أحفظ من ابن عساكر. وقال ابن النجار: أبو القاسم إمام المحدثين في وقته، انتهت إليه الرياسة في الحفظ والاتقان والثقة والمعرفة التامة وبه ختم هذا الشأن»([549]).

وقد سلك ابن عساكر في تاريخه نهج المحدثين، فهو يبدأ بذكر السند ثم يورد الخبر.

وبعد هذا نقول: من كان هذا شأنه، وبهذه الدرجة العلمية, وهذه المكانة العالية, وله عشرات أو مئات الأتباع والتلاميذ، كيف يمكن القول أن كتبه لا يعتمد عليها، ولا يستدل بها مع مراعاة المنهج الحديثي؟!

4ـ وهنا تجدر الإشارة إلى مسألة على قدر كبير من الأهمية، وربما في ضوئها تتكشف كثير من الحقائق وتحلّ العديد من العقد، ولعلّ فهمها وأخذها بقدر من الاهتمام يغير مسار النقاش بين الشيعة والسنة نحو آفاق أخرى، وهي أن تدوين الحديث وتصنيف الكتب وتقعيد القواعد الحديثية والرجالية عند أهل السنة جاء في مرحلة متأخرة عن مرحلة تجذّر الخلافات العقدية واستحكام أسّسها، لا سيما في مسألة الإمامة والخلافة بين الشيعة والسنة؛ فلذا ألقت هذه الخلافات والاصطفافات بظلالها على العديد من المباني والقواعد الحديثية التي أُسست بما يتناسب مع تلك الاختلافات، بل بعض هذه القواعد والمباني استحدثت من أجل التحفظ على بعض الأصول والأركان العقدية عند طوائف أهل السنة، قال ابن سيرين: «لم يكونوا يسألون عن الإسناد، فلما وقعت الفتنة، قالوا: سمّوا لنا رجالكم، فينظر إلى أهل السنة، فيؤخذ حديثهم، وينظر إلى أهل البدع فلا يؤخذ حديثهم»([550]).

وقد أشار الأمير الصنعاني في شرحه لتنقيح الأنظار إلى شدة تأثير الخلاف العقائدي في الجرح والتعديل وأرجحيته على الأسباب الأخرى التي ذكرها الخطيب البغدادي، وعقد لها باباً أسماه: >باب ذكر بعض أخبار من استفسر في الجرح فذكر ما لا يسقط العدالة<([551])، قال الصنعاني: «قلت: أكثر هذا الاختلاف في العقائد، فإنها فرقت كلمة العباد، وأورثت بينهم التعادي إلى يوم المعاد، في مسائل أكثرها أو كلها ابتداع لم يقع لها ذكر في سلف الأمة» إلى أن يقول: «فقد جرح بذلك أي: بأمر العقائد، خلق كثير، بل أكثر ما تجد الجرح في كتب الرجال يكون بالرفض والنصب والغلو في التشيع والقول بخلق القرآن، وكلّ ذلك من مسائل الاعتقاد، ووقع في الجرح به عصبية في الجانبين, لا سيما من كان داعية إلى مذهبه، فإنه يبغض ويحمل على الوقيعة فيه»([552])، فبُنيت على ذلك كثير من الأحكام الحديثية والرجالية، وقُدّمت كتب وأخّرت أخرى.

 وبناءً على هذا، قد يصعب أن نجد أصحاب المصنّفات الحديثية، التي وسمت بأنّها من الطبقة الأولى أو الثانية، أنهم يروون أحاديث الوصيّة في كتبهم؟! أنّى ذلك وقد جرحوا بعض الرواة بسبب روايته لهذه الأحاديث نفسها، فصار حديث الوصية معياراً في جرح الرواة وتعديلهم!!

 إننا بهذا الكلام نفتح نافذة ندعو من خلالها المنصفين إلى البحث بموضوعية في هذه المسألة، وبيان الحق والصواب فيها، خدمة للأجيال وإسهاماً في جمع الكلمة ولم الشمل.

كتب التاريخ ومرجعيتها في مسائل العقيدة

كررتم في أكثر من مكان ازدراءكم بكتب التاريخ ومصادره: فقلتم: «هل كتب التواريخ صالحة لأن تكون مرجعاً لتأصيل العقائد؟!< ([553]).

 وقلتم: «ونحن أهل السنة ـ ولله الحمد ـ لا نستجيز أخذ ديننا من كتب التواريخ والأدب، ولا نحكمها في قضايا الاختلاف»([554]).

 وقلتم: «فإنَّ كتب التواريخ مملوءة بالأباطيل، ولو أردنا أن نقابل صنيعك هذا بمثله لفعلنا، فإن التاريخ مملوء بالمتناقضات، لكنَّا لا نستجيز أن نستدل بالتواريخ وكتب الأدب»([555]).

 وقلتم: «وأمَّا روايات التواريخ، فليست صالحة للاستدلال على مسائل الاعتقاد؛ لعدم الوثوق بحفظ هذه المصادر ولا بتلك الروايات»([556]).

الجواب

أولاً: من الخطأ حالة التعميم غير المستند إلى أسس علمية صحيحة، ففي ظله تضيع الحقيقة وتختلط الأمور، وللأسف قد وقعتم هنا في شراك هذا الخطأ، فحكمتم على كل كتب التاريخ، بلا استثناء، بأنها كتب لا يستفاد منها في أمور العقائد، والحال أن ذلك ليس صحيحاً.

وقد أجاب السخاوي جواباً شافياً على أولئك الذين يحكمون على التاريخ بهذا الحكم العام، وأقل ما يوصف بأنه حكم ظالم، قال: «وأما الذامّون له [التاريخ] فمنهم من خصّص ومنهم من عمّم... ومنهم من يدّعي المعرفة والرزانة، ويظن بنفسه التبحّر في العلم والأمانة، يعمم فيحقر التواريخ ويزدريها، ويعرض عنها ويلغيها؛ لظنّه أنّ غاية فائدتها إنّما هو القصص والأخبار، ونهاية معرفتها الأحاديث والأسمار...»([557]).

ولذا فإن كتب التاريخ ومحتواها يمكن تقسيمها من جهتين:

الجهة الأولى: أن تقسّم كتب التاريخ من حيث المحتوى والمضمون إلى قسمين: الأول: ما تضمّن أحاديث وأخباراً نبوية لها مساس مباشر أو غير مباشر ببعض الأحكام والمسائل العقدية، أو التي حوت آثاراً عن الصحابة والجيل الأول من المسلمين، والتي تلقي الضوء على بعض الأمور المرتبطة بعقيدة المسلم ودينه، حيث لا شك أنّ بعض مواقف الصحابة والسلف يستفاد منها في فهم كثير من الأمور الدينية، وهذا القسم مما لا غنى عن دراسته والإفادة منه وتمحيصه وتدقيقه، ولا يصحّ بحال الإعراض عنه.

الثاني: الأخبار والقصص والأحداث الأخرى التي تحكي عن السير والحروب والأمور التاريخية الأخرى, وهذه لا دخل لها فيما نحن فيه فعلاً.

الجهة الثانية: أن تقسّم كتب التاريخ من حيث طريقة وكيفية كتابة المادة التاريخية إلى قسمين أساسيين:

الأول: كتب التاريخ التي حذا فيها مؤلفوها حذو المحدثين، فيذكرون أسانيد الأخبار والآثار التي حصلت، بل ينقلون للحادثة أو الخبر أكثر من طريق، وهنا بالإمكان إجراء منهج المحدثين على هذه الطرق للتأكد من صحتها أو ضعفها، وإذا ثبتت صحة الطريق والسند فلا مانع من الاعتماد عليه والركون إليه في الاستدلال والاحتجاج، أيّاً كان مضمون هذا الخبر في العقائد أو غيرها، كلٌّ حسب شروطه وقوانينه المعتبرة, ومن هذه المصادر تاريخ الطبري وتاريخ ابن عساكر وغيرها.

الثاني: كتب التاريخ التي حذف مؤلفوها أسانيد الأخبار والروايات واقتصروا على ذكر المضامين فقط مع ذكر تحليلهم وبيان آرائهم في المسألة، فهذه قد يقال إنه لا يمكن الاعتماد عليها وفق المنهج الحديثي، ولكن قد تصلح كشواهد ومؤيدات، فلا يخلو ذكرها من فوائد لو طبق عليها منهج المؤرخين فإنّها تساهم بلا شك في الاقتراب من الحقيقة.

ثانياً: أنّ علم التاريخ ـ الذي تزدريه كثيراً ـ ما هو إلاّ فرع من فروع علم الحديث، ففي بداية الأمر لم يكن التاريخ والحديث عند المسلمين إلاّ شأناً واحداً يقوم به المحدّث، قال الخطيب البغدادي: «ويجمعون [المحدثون] أيضاً ما روي عن سلف المسلمين من أخبار الأمم المتقدمين وأقاصيص الأنبياء وسير الأولياء، والذي نستحبه أن لا يتعرض لجمع شيء من ذلك إلا بعد الفراغ من أحاديث رسول الله (صلى الله عليه وسلم)»([558])، وقال السخاوي: «وكان مما قلته في مقدمة (التبر)([559]): علم التاريخ من فنون الحديث النبوي، وزينٌ تقرّ به العيون، حيث سلك فيه المنهج القويم المستوي، بل وقعه من الدين عظيم»([560]).

 فكان التاريخ بنحو ما لا ينفك عن الحديث، ولهذا لو استعرضنا أسماء كبار المؤرخين لوجدنا معظمهم ـ إن لم يكن كلهم ـ محدثون كبار، ومن النماذج الواضحة لهؤلاء: محمد بن إسحاق والطبري والخطيب البغدادي وابن عساكر وابن الجوزي والذهبي وابن حجر والسخاوي وغيرهم.

دعوى عدم صحة تحكيم كتب التاريخ في قضايا الخلاف

قلتم: «ولا نحكمها [كتب التاريخ] في قضايا الاختلاف»([561]).

الجواب

هذا الكلام منكم ـ لو غضضنا النظر عن المناقشة السابقة في أصل هذا الادعاء ـ جميل، لولا أنه ظل في حيز النظرية وقد خلا منه التطبيق، أو قل: أضحت الانتقائية منهجاً له، وإلاّ فالواقع العملي يكذّبه، مع شديد الأسف، فكم من مورد قد رجعتم فيه إلى كتب التاريخ ورواياته، وحكّمتم رواياته في أهم المسائل الخلافية العقدية، فاتهمتم الشيعة بأن مؤسسها ومبتكر عقائدها ـ لا سيما الوصية ـ هو رجل يهودي أسلم لاحقاً اسمه عبد الله بن سبأ ولمزتموهم بالسبأية، ومستندكم في ذلك هو كتب التاريخ ورواياته، وياليت تلك الروايات كانت صحيحة، بل كانت سقيمة ضعيفة السند ساقطة جداً اخترعها سيف بن عمر الكذاب الوضاع بإجماع علماء الجرح والتعديل عندكم، فجاء الطبري فأوردها في تاريخه المعروف، وقد فنّد علماؤنا هذه الدعوى الجوفاء بالبحث العلمي الرصين، ووافقهم بعض المنصفين منكم([562])، ولكن كل هذا لم يمنع من تكرار هذه الفرية واجترارها يومياً وفي مختلف وسائل الاتصال المقروءة أو المسموعة أو المرئية.

 وهكذا تصبح دعوى أنكم أصحاب منهج ودليل هو أقرب للشعارات منه إلى الواقع والحقيقة.

قلتم: ليس كل ما يورده ابن حبان في كتابه الثقات أنه ثقة فعلاً

ذكرتم ما نصّه: «فلا يعني إيراد ابن حبان لراوٍ في كتابه الثقات أنَّه (ثقة) ما لم يوثقه بلفظه، فإنَّه (رحمه الله) قد يورد الراوي في كتابه الثقات ويسكت عليه ولا يكون ثقة عنده»([563]).

الجواب

إنّ الذين ذكرهم ابن حبان في كتابه الثقات هم بشكل عام ثقات عنده يحتج بهم، وهناك عدد من الأدلة والشواهد التي تؤيد هذا الرأي، وفي الوقت ذاته هناك ما يمكن أن يكون مخالفاً لهذا الرأي، ونحن سنذكر أولاً الأدلة والشواهد الدالة على أن من أوردهم في كتابه ولم يوثقهم بلفظ خاص هم ثقات عنده بشكل عام، ثم نجيب عمّا يمكن أن يكون مخالفاً، ومن الشواهد الدالة على الرأي الأول:

دلائل على ان من ذكره ابن حبان في الثقات يكون موثقا عنده

1ـ تصريح ابن حبان

لا شك أنّ ابن حبان من كبار علماء الجرح والتعديل، وقد تميز بمنهج خاص في التعديل يختلف فيه عن غيره من العلماء، وهو أنَّ الأصل في الراوي المسلم عنده أنه ثقة عدل، وأما الجرح فهو أمر عارض؛ ولذا فمن لم يُعرف حالُه عنده ولم يرد فيه جرح فهو ثقة عنده، وهذا ما صرّح به في مقدمة كتابه الثقات، حيث قال: «العدل من لم يعرف منه الجرح [إذ الجرح]([564]) ضد التعديل، فمن لم يُعلم بجرح فهو عدل إذا لم يبين ضده؛ إذ لم يكلف الناس من الناس معرفة ما غاب عنهم وإنما كلفوا الحكم بالظاهر من الأشياء غير المغيب عنهم»([565])، وقال في مكان آخر: «فكل خبر وجد من رواية شيخ ممن أذكره في هذا الكتاب فهو خبر صحيح إذا تعرى عن الخصال الخمس التي ذكرناها، فيجب أن يعتبر ما قلنا حتى لا يلزق الوهن بأهل الصدق من الثقات»([566]).

2ـ فهم علماء الجرح والتعديل

لقد فهم عدد من كبار علماء الجرح والتعديل أنّ من يذكرهم ابن حبان في كتابه الثقات فهم ثقات عنده، ومجرد ذكره إيّاهم في كتابه هو توثيق لهم، ويتجلى هذا الفهم بشكل واضح من خلال سؤال قد سأله الحافظ ابن حجر العسقلاني لأستاذه الحافظ العراقي حول توثيقات ابن حبان، فإنّ مَن تأمل في كلام العلمين يستنتج أنّ مجرد إيراد ابن حبان للراوي هو توثيق له، وليس بالضرورة أن يذكر له توثيقاً خاصاً بلفظه، أو ما يؤدى هذا المعنى، قال الحافظ ابن حجر العسقلاني: «وما يقول سيدي في أبي حاتم ابن حبان إذا انفرد بتوثيق رجل لا يُعرف حاله إلا من جهة توثيقه له، هل ينهض توثيقه بالرجل إلى درجة من يُحتج به؟ وإذا ذكر ذلك الرجل بعينه، أحد الحفاظ، كأبي حاتم الرازي بالجهالة، هل يرفعها عنه توثيق ابن حبان له وحده أم لا؟<([567]).

فأجاب الحافظ العراقي: >إن الذين انفرد ابن حبان بتوثيقهم لا يخلو: إما أن يكون الواحد منهم لم يرو عنه إلاّ راو واحد، أو روى عنه اثنان ثقتان وأكثر، بحيث ارتفعت جهالة عينه، فإن كان روى عنه اثنان فأكثر، ووثقه ابن حبان، ولم نجد لغيره فيه جرحاً، فهو ممن يُحتج به، وإن وجدنا لغيره جرحاً مفسراً، فالجرح مقدم. وقد وقع لابن حبان جماعة، ذكرهم في الثقات وذكرهم في الضعفاء فينظر أيضاً إن كان جرحه مفسراً فهو مقدم على توثيقه»([568]).

فالظاهر من قول ابن حجر: >إذا انفرد بتوثيق رجل لا يُعرف حاله إلا من جهة توثيقه له< أنّه يقصد خصوص الذين ذكرهم ابن حبان في الثقات وسكت عنهم، فإنهم هم الذين لا يعرف حالهم إلاّ من جهة توثيق ابن حبان لهم، أي أنه ذكرهم في الثقات، ولذا اعتبروهم مجاهيل.

وأوضح من ذلك كلام العراقي حين قال: >وقد وقع لابن حبان جماعة، ذكرهم في الثقات وذكرهم في الضعفاء< فإنه عبّر بقوله: >ذكرهم في الثقات< ولم يقل: >وثّقهم< ثم قال: >إن كان جرحه مفسراً فهو مقدم على توثيقه< فاعتبر الذكر في الثقات توثيقاً، فتأمل جيداً في كلامه.

وكذلك قد فهم الحافظ محمد بن أحمد بن عبد الهادي الحنبلي: أن مجرد ذكر ابن حبان للراوي في كتاب الثقات هو بمثابة التوثيق عنده، قال: «ويعرف أن توثيق ابن حبان للرجل بمجرد ذكره في هذا الكتاب من أدنى درجات التوثيق»([569]).

3ـ وصف ابن حبان بالتساهل في التوثيق

إن نفس وصف ابن حبان بأنه متساهل بالتوثيق هو دليل وقرينة على أن من أوردهم في ثقاته وسكت عنهم هم ثقات عنده، فإنه وبسبب مذهبه في أن الأصل في الراوي هو العدالة ما لم يرد فيه جرح، قد وثق عدداً من المجاهيل، وقد رفض البعض مبناه هذا، ولم يقبلوا منه ذلك وناقشوه، ومن اعتبروهم مجاهيل كان أكثرهم قد ذكرهم ابن حبان في الثقات فقط ولم يوثقهم بلفظه، وإلاّ فلو كان إيراد الراوي في كتاب الثقات ليس توثيقاً له من قبل ابن حبان فلا معنى للإشكال عليه ومناقشته حتى عدوه من المتساهلين في التوثيق لهذا السبب ولغيره، قال ابن حجر: «وهذا الذي ذهب إليه ابن حبان من أن الرجل إذا انتفت جهالة عينه كان على العدالة إلى أن يتبين جرحه مذهب عجيب, والجمهور على خلافه، وهذا هو مسلك ابن حبان في (كتاب الثقات) الذي ألفه، فإنه يذكر خلقاً ممن نص عليهم أبو حاتم وغيره على أنّهم مجهولون»([570]).

 وقال الألباني في تمام المنة: «والخلاصة أنّ توثيق ابن حبان يجب أن يُتلقى بكثير من التحفظ والحذر؛ لمخالفته العلماء في توثيقه للمجهولين»([571]).

والخلاصة: أن من يذكره ابن حبان من الرواة في كتابه الثقات فهو ثقة عنده حتّى لو لم يوثق بتوثيق خاص.

الأدلة على أن سكوت ابن حبان عن الراوي لا يعد توثيقا

وأما من خالف في ذلك ورأى أن سكوت ابن حبان عن الراوي في كتابه الثقات ليس توثيقاً له عنده، ما لم ينص على توثيقه بالخصوص، فيمكن ان يستدل على ذلك بأمور:

الدليل الأول:

في الوقت الذي ذكر ابن حبان عدداً من الرواة الذين وردوا في كتاب الثقات، فإنه قد ذكرهم في كتاب المجروحين أيضاً مع جرحه لهم، وهذا يكشف أن ذكره لهم في كتاب الثقات ليس توثيقاً لهم عنده.

 وقد استندتم أنتم إلى هذا الدليل بالخصوص.

الجواب

هذا الدليل يمكن الجواب عنه بأن ذلك يشكل تناقضاً من ابن حبان، أو تغيراً في الاجتهاد، أو ربما غفلة منه، خصوصاً مع ندرة ذلك، فهو ليس معصوماً من ذلك، ولهذا ذهب البعض إلى هذا الرأي، والتناقض أو تغير الاجتهاد فرع اعتقادهم أن من يذكره ابن حبان في ثقاته فهو ثقة عنده:

 قال الحافظ محمد بن عبد الهادي وهو يتحدث عن شرط ابن حبان: «وطريقة ابن حبان في هذا قد عرف ضعفها، مع أنه قد ذكر في كتاب الثقات خلقاً كثيرا، ًثم أعاد ذكرهم في المجروحين وبيّن ضعفهم، وذلك من تناقضه وغفلته أومن تغير اجتهاده»([572]).

 وكذلك اعتبر الذهبي ذكر ابن حبان للراوي في الثقات والمجروحين، تناقضاً، وذلك في عدة مواضع، نذكر منها نموذجاً:

ذكر ابن حبان عبد الرحمن بن ثابت بن الصامت في الثقات وسكت عنه([573])، وأورده في المجروحين، وقال فيه: «كان ممن يخطئ على قلة روايته، ففحش خلافه للأثبات فيما يرويه عن الثقات, فاستحق الترك»([574])، فقال الذهبي: «فتساقط قولاه»([575]). وهذا التساقط فرع ثبوت التناقض.

 وقال الدكتور محمد ضياء الرحمن الأعظمي: «لقد اهتم ابن حبان بمعرفة أسباب الضعف أكثر من غيره، فمن يطالع كتابه المجروحين يجد كلاماً مفصّلاً في الضعفاء وأسباب جرحهم، إلاّ أنه يقع أحياناً في التناقض والتضاد، في ذكر بعض الرواة مرة في الضعفاء ومرة في الثقات، ولا أعرف له وجهاً صحيحاً والعصمة لله ولرسوله»([576]).

ثم لو كان ذكر ابن حبان للراوي في الثقات ليس توثيقاً له، فلماذا يفاضلون بين ذكره للراوي في المجروحين وبين ذكره في الموثقين، فيعدون هذا جرحاً وذاك توثيقاً؟

 قال الحافظ العراقي، كما مرّ: «وقد وقع لابن حبان جماعة، ذكرهم في الثقات وذكرهم في الضعفاء، فيُنظر أيضاً إن كان جرحه مفسراً فهو مقدم على توثيقه»([577]).

الدليل الثاني

ثانياً: قد أورد ابن حبان عدداً من الرواة في كتابه الثقات وهو نفسه لا يعرفهم، وقد صرّح بذلك، فقال عن بعضهم: >لا أدري من هو<([578])، وقد يزيد على ذلك، فيقول: >لا أدري مَنْ هو، ولا ابن من هو<([579])، وقد يقول: >لست أعرفه ولا أباه<([580]), وقال في ترجمة الفزع: «شهد القادسية، يروى عن المقنع، وقد قيل إن للمقنع صحبة، ولست أعرف فزعاً ولا مقنعاً ولا أعرف بلدهما ولا أعرف لهما أباً، وإنما ذكرتهما للمعرفة لا للاعتماد على ما يرويانه»([581]).

 وقد اعتبر الألباني هذا دليلاً على أن كتابه الثقات غير مختصٍّ بالثقات فحسب، بل لمعرفتهم ومعرفة غيرهم من المجهولين، قال: «وهذا نصٌّ هامٌّ جداً جداً، وشهادة منه ـ لا أقوى منها ـ على أن كتابه الثقات ليس خاصاً بهم، وإنما هو لمعرفتهم، ومعرفة غيرهم من المجهولين والضعفاء، ونحوهم<([582]).

الجواب

إن هذا لا يصلح دليلاً على أنّ كتاب الثقات ليس مُعداً للثقات عند ابن حبان، لأنّه يتنافى مع صريح كلام ابن حبّان نفسه من توثيقه لكل من لم يرد فيه جرح.

ويتنافى أيضاً مع فهم العلماء لكلامه كابن حجر حيث قال: «وهذا الذي ذهب إليه ابن حبان من أن الرجل إذا انتفت جهالة عينه كان على العدالة إلى أن يتبين جرحه؛ مذهب عجيب، والجمهور على خلافه، وهذا هو مسلك ابن حبان في كتاب الثقات الذي ألفه، فإنه يذكر خلقاً ممن نص عليهم أبو حاتم وغيره على أنهم مجهولون»([583]).

 وكذا يتنافى مع ما فهمه الألباني نفسه حينما قال: «وبالجملة، فالجهالة العينية وحدها ليست جرحاً عند ابن حبان، وقد ازددت يقيناً بذلك بعد أن درست تراجم كتابه الضعفاء، وقد بلغ عددهم قرابة ألف وأربعمائة راو، فلم أر فيهم من طعن فيه بالجهالة، اللهم إلا أربعة منهم، لكنه طعن فيهم بروايتهم المناكير وليس بالجهالة»([584]).

 وحينئذٍ، لا يمكن أن نطرح تصريحه وفهم العلماء من كلامه لمورد محدد قد يكون أخطأ فيه, خصوصاً أنّ هناك أمثلة أخرى تعارض هذا المورد وتثبت توثيق المجهول, فقد جاء في ترجمته لسيف أبو محمد: >شيخ يروي عن منصور, روى عنه عمرو بن محمد العنقزي لست أعرف أباه، فان كان سيف بن محمد فهو واه، وإن كان غيره فهو مقبول الرواية حتّى تصح مخالفته الاثبات في الروايات، أو يسلك غير مسلك العدول في الأخبار فحينئذٍ يلزق به الوهن<([585]).

فقد صرّح بقبول روايته ما لم تخالف الأثبات مع عدم معرفته بحقيقة حاله، كما هو واضح.

فتحصّل: أن سكوت ابن حبان عن الراوي الذي ذكره يعد توثيقاً له عنده، وإن كان من أدنى درجات التوثيق، فما ذكرتموه ليس دقيقاً على إطلاقه.

 قلتم: ابن حبان متساهل فلا يعتمد على ما انفرد به من توثيق

لم تكتفوا بالاستشكال على ابن حبان من جهة سكوته، بل اعتبرتم أن توثيق ابن حبان للراوي بلفظ يدل على التوثيق وانفراده بذلك ليس محلاً للاطمئنان، وإنما لا بد من البحث والتنقيب؛ لتساهله بالتوثيق، قلتم: «فلا يصح الاعتماد على سكوته، بل حتَّى إذا انفرد بالتوثيق، فلا بد من البحث والتنقيب؛ لتساهله (رحمه الله) في التوثيق»([586]).

الجواب

إن هذا الكلام غريب جداً، فإنّ تساهل ابن حبان في التوثيق ليس على إطلاقه صحيح، وإنما جاء من جهة توثيقه للمجاهيل؛ لمعتقده المعروف من أصالة العدالة في الرواي المجهول، لذا عدّ متساهلاً لهذا السبب، وإلاّ فإن ابن حبان من كبار علماء الجرح والتعديل ومن الذين سبروا الروايات وتتبعوها, وشهادته للراوي بالوثاقة والصدق والاستقامة لا تقل أهمية عن شهادة كبار علماء الجرح والتعديل إن لم تكن أفضل، بل عدّ ابن حبان من المتشددين في الجرح، فإنّه يجرح الراوي لأدنى خطأ يصدر منه، وعلى هذا عندما يوثّق شخصاً بلفظ دال على الوثاقة يكون هذا الشخص في أعلى مراتب الوثاقة، إذ لو كان هناك مغمز فيه لجرحه به.

 قال اللكنوي: «إنّ ابن حبان معدود ممن له تعنتٌ وإسرافٌ في جرح الرجال»([587]).

 ولتشدده وصفه الذهبي بأوصاف لاذعة، قال في السير: «فأين هذا من قول ذاك الخساف المتفاضح أبي حاتم بن حبان»([588])، وقال في الميزان: «ابن حبان ربما قصب الثقة حتى كأنه لا يدرى ما يخرج من رأسه»([589]).

هذا وقد أقرّ الشيخ عبد الرحمن بن يحيى المعلمي اليمني، الذي يلقبه بعض بذهبي عصره، بقيمة توثيقات ابن حبان وأهميتها عندما قسّم مراتب التوثيق عنده في كتابه التنكيل، قال: «والتحقيق أن توثيق ابن حبان على درجات:

الأولى: أن يصرح به، كأنْ يقول: (كان متقناً)، أو (مستقيم الحديث)، أو نحو ذلك.

الثانية: أن يكون الرجل من شيوخه الذين جالسهم وخَبَرهم.

الثالثة: أن يكون من المعروفين بكثرة الحديث، بحيث يُعلم أن ابن حبان وقف له على أحاديث كثيرة.

الرابعة: أن يظهر من سياق كلامه أنه قد عرف ذلك الرجل معرفة جيدة.

الخامسة: ما دون ذلك.

قال: فالأولى لا تقل عن توثيق غيره من الأئمة، بل لعلها أثبت من توثيق كثير منهم، والثانية قريب منها، والثالثة مقبولة، والرابعة صالحة، والخامسة لا يؤمن فيها الخلل، والله أعلم»([590]).

 وكلام المعلمي هذا دليل أيضاً على أن سكوت ابن حبان عن الراوي توثيق له عنده، وقد أيّده الألباني في هذا التفصيل واعتبره تفصيلاً دقيقاً، ولم يعترض على مسألة توثيقات ابن حبان بلفظ يدل على التوثيق، وإنما اعترض على المرتبة الخامسة من توثيقاته التي يسكت فيها عن الراوي ويورده في كتاب الثقات فقط، قال الألباني معلّقاً على هذا الكلام في حاشيته على التنكيل: «هذا تفصيل دقيق، يدل على معرفة المؤلف (رحمه الله تعالى) وتمكنه من علم الجرح والتعديل، وهو مما لم أره لغيره، فجزاه الله خيراً، غير أنَّه قد ثبت لديّ بالممارسة: أن من كان منهم من الدرجة الخامسة، فهو على الغالب مجهول لا يُعرف، ويشهد بذلك صنيع الحفاظ؛ كالذهبي، والعسقلاني، وغيرهما من المحققين؛ فإنَّهم نادراً ما يعتمدون على توثيق ابن حبان وحده ممن كان في هذه الدرجة، بل والتي قبلها أحياناً»([591]).

تعارض الجرح والتعديل

من القواعد التي تعرّضتم لها في سياق ردكم هي قاعدة تعارض الجرح والتعديل في راوٍ معين، وقد جاء ذلك رداً على ما قلناه في خصوص أحد الرواة الذي روى حديثاً يتعلق بالوصية، وقد ضعفه البعض ووثقه البعض الآخر، وقلنا إنَّ التضعيف الذي لم يذكر له مستند غير مقبول، لأنّ الجرح لا يقبل إلا مفسّراً.

فقلتم: >إذا كان الراوي مجهولاً ولم تثبت عدالته، فهذا يقبل الجرح فيه مطلقاً، وإنّ العالِمُ المجرِّح إن كان بصيراً عارفاً بهذا الشأن، قُبل جرحه مجملاً... وعلى هذا أُلِّفت كتب الرجال والتراجم، فقد قبلوا الجرح من العلماء المختصين بدون ذكر للسبب. هذا هو مذهب المحققين من علماء الحديث<([592]).

الجواب

لقد جاءت كلماتكم هنا مضطربة إلى حدّ ما، ومشوشة، خصوصاً فيما يتعلق بكيفية ثبوت عدالة الرواي، فكأنّ هناك فرقاً بين ثبوت العدالة وبين التعديل؛ والمحصل من ظاهر كلامكم أن الجرح لو صدر من عالم بصير فهو يقبل مطلقاً. وهذا الكلام منكم ليس صحيحاً على إطلاقه، كما سيتضح لاحقاً.

 ونظراً لكون البحث في تعارض الجرح والتعديل من البحوث الهامة، والتي لها تطبيقات كثيرة وتؤثر في الحكم على الروايات؛ ارتأينا أن نبسط الكلام فيه شيئاً ما، فنبيّن بعض الحيثيات وجذور ذلك وأسباب نشوئه.

فنقول: يستطيع الباحث بتتبعه ملاحظة أن كثيراً من القواعد والتأصيلات الموجودة في علم الحديث وغيره، إنّما جاءت استجابة لمعالجة واقع مربك قد فرض نفسه على العلماء والمهتمّين، فحاولوا إيجاد مخرج له من خلال الزج بقواعد وضوابط تهدف إلى حلّ ما يوجد من تقاطعات واختلافات، ومن المسائل المعضلة التي احتاجت لمثل هذه الحلول هي مسألة تعارض الجرح والتعديل في الراوي الواحد؛ لمعرفة الحكم الصحيح بشأنه؛ إذ واجه المختصّون في هذا الشأن فوضى عارمة في التوثيقات والتضعيفات خلقتها كثرة الجارحين والمعدلين, واختلاف أحكامهم التي تصل في كثير من الأحيان إلى التناقض والتضاد، مما أربك الوضع العام في علم الحديث، وكاد أن يعصف به، فلم يجد العلماء طريقاً غير وضع ضابطة وقاعدة عامة في هذه المسألة يمكن الرجوع إليها وهي:

قاعدة: الجرح مقدّم على التعديل

بعد أن واجه العلماء وجود التعارض بين الجرح والتعديل في الراوي الواحد، عمدوا إلى إيجاد قاعدة مفادها تقديم الجرح على التعديل في شأن هذا الراوي، فلو وجد جارح ومعدل له، فالمصير هو اعتماد الجرح وعدم قبول رواية هذا الراوي, بشروط وضوابط تأتي الإشارة إليها.

 وهي قاعدة أصولية وحديثية تناولها كل من المحدثين والأصوليين، فقد تناولها المحدثون في علم الجرح والتعديل، وهو من أهم علوم الحديث، وبحثها الأصوليون عندما تطرقوا إلى بحث الأصل الثاني من مصادر التشريع وهو السنة النبوية، وذلك في أبحاث الراوي والمروي وشروطهما.

والحامل للعلماء على انتهاج هذه القاعدة واعتماد هذا الأصل عدة نكات:

 منها: أن التعديل مستند إلى الظاهر، والجرح أمر باطن، والعلم بالباطن مقدم على العلم بالظاهر، قال الشافعي: «وكان الجرح أولى من التعديل؛ لأن التعديل يكون على الظاهر والجرح يكون على الباطن»([593])، وقال الخطيب: «اتفق أهل العلم على أن من جرحه الواحد والاثنان وعدله مثل عدد من جرحه فإن الجرح به أولى، والعلة في ذلك أن الجارح يخبر عن أمر باطن قد علمه»([594]).

 ومنها: أنه لا يوجد هناك تعارض وتكاذب بين كلام الجارح وكلام المعدل، بل الجارح يصدّق المعدل في قوله، وذلك لأن الجارح قد علم شيئاً زائداً عمّا كان قد علمه المعدّل، فلا بدّ لنا من الأخذ بهذا العلم الحاصل، وهذا ما أشار إليه الخطيب من أن ّ الجارح «يصدّق المعدّل ويقول له: قد علمتُ من حاله الظاهرة ما علمتها وتفردتُ بعلم لم تعلمهُ من اختبار أمره. وإخبار المعدّل عن العدالة الظاهرة لا ينفي صدق قول الجارح فيما أخبر به, فوجب لذلك أن يكون الجرح أولى من التعديل» إلى أن قال: «وقالت طائفة: بل الحكم للعدالة، وهذا خطأ؛ لأجل ما ذكرناه من أن الجارحين يُصدّقون المعدّلين في العلم بالظاهر، ويقولون: عندنا زيادة علم لم تعلموه من باطن أمره»([595]).

 وقال النووي: «ولو تعارض جرح وتعديل قدم الجرح، على المختار الذي قاله المحققون والجماهير، ولا فرق بين أن يكون عدد المعدلين أكثر أو أقل، وقيل: إذا كان المعدلون أكثر قٌدِّم التعديل، والصحيح الأول؛ لأن الجارح اطلع على أمر خفيّ جهله المعدل»([596]).

 وقال ابن الصلاح: «إذا اجتمع في شخص جرح وتعديل: فالجرح مقدم، لأن المعدل يخبر عما ظهر من حاله والجارح يخبر عن باطن خفي على المعدل؛ فإن كان عدد المعدلين أكثر، فقد قيل: التعديل أولى، والصحيح والذي عليه الجمهور أن الجرح أولى لما ذكرناه، والله أعلم»([597]).

 ومنها: أن القول بالعدالة مستند إلى أصل عقلائي هو أصالة العدالة، الذي أساسه ظاهر الحال، في حين أن الجرح مستند إلى الدليل، والدليل مقدم على الأصل.

 وغيرها من النكات الأخرى. ولا فرق، بناءً على هذا، بين أن يكون عدد المعدلين والجارحين متساوياً، أو أن أحد الفريقين أكثر من الآخر، كما أشار إليه النووي آنفاً، وتعرض له الزركشي حين قال: «لأن تقديم الجرح إنما هو لتضمّنه زيادة خفيت على المعدّل؛ وذلك موجود مع زيادة عدد المعدل ونقصه ومساواته، فلو جرحه واحد وعدله مائة قدم قول الواحد لذلك»([598]).

هذا, غير أنّ القاعدة أعلاه لها شروط وضوابط, ولم يؤخذ بها على إطلاقها, وأنّ من أهمّ شروطها هو كون الجرح مفسّراً, وهو ما يأتي بيانه في النقظة التالية.

الجرح المفسّر مقدم على التعديل لا مطلق الجرح

إنّ قاعدة تقديم الجرح على التعديل لا يمكن قبولها على إطلاقها، لأنّها تتصادم في مرحلة التطبيق مع امور عدّة منها:

 الأول: اختلاف أئمّة الجرح بما يجرح أو يفسق به الرواة، فليس الجرح على نحو واحد، قال ابن حجر: «الأسباب الحاملة للأئمة على الجرح متفاوتة منها ما يقدح ومنها ما لا يقدح»([599]), فإنّ هناك أسباباً للجرح عند بعض العلماء ليست قادحة عند البعض الآخر، فلا يعد عرفاً واصطلاحاً جرحاً عندهم.

وقد أفرد الخطيب البغدادي في الكفاية باباً لبعض أحكام الجرح التي لا تعدّ جرحاً في عرف العلماء، فسمّى هذا الباب: باب ذكر بعض أخبار من استفسر في الجرح، وذكر الخطيب فيه أموراً كثيرة، منها: ما عن شعبة: أنه حدّث يوماً عن رجل بنحو من عشرين حديثاً ثم قال: امحوها، قال: قلنا له: لِمَ؟ قال: ذكرت شيئاً رأيته منه، فقلنا: أخبرنا به أي شيء هو؟ قال: رأيته على فرس يجرى ملء فروجه([600])، فالعلماء قبلوا خبر شعبة لثقته عندهم لكنّهم لم يقبلوا جرحه؛ لأنهم وجدوا السبب ممّا لا يجرح به؛ لكونه غير مؤثر على المجروح.

 ومنها ما عن شعبة أيضاً أنّه قيل له: لِمَ تركت حديث فلان؟ قال: رأيته يركض على برذون فتركت حديثه، والبرذون نوع من الخيل غير العربية، وركوبها لا يوجب الطعن في روايته، ومنها عن محمد بن علي الوراق يقول: سألت مسلم بن إبراهيم عن حديث لصالح المزي، فقال: ما تصنع بصالح، ذكروه يوما عند حماد بن سلمة فامتخط حماد([601]).

الثالث: أن تطبيق القاعدة بتقديم الجرح مطلقاً يفضي إلى نتائج غير مرغوب فيها، فهناك رواة قد ثبتت عدالتهم ووثاقتهم: إما بتخريج الشيخين لهما أو بتعديل الأئمة لهم، ومع هذا فقد وجد هناك من جرحهم بجرح مبهم وطعن بعدالتهم. وبناء على هذه القاعدة سوف لن يسلم أحد أبداً، كما قال السبكي: «فلو فتحنا هذا الباب أو أخذنا بتقديم الجرح على إطلاقه لما سلم لنا أحد من الأئمة؛ إذ ما من إمام إلا وقد طعن فيه طاعنون وهلك فيه هالكون»([602]).

من هنا كان من الضروري حينئذٍ إدخال تعديل على القاعدة، لتصبح: أن الجرح المفسّر هو المقدّم على التعديل لا الجرح المبهم.

 والمقصود من الجرح المفسر هو أن يذكر الجارح السبب الذي من أجله قد جرح وقدح في الراوي، فإنْ كان من أسباب الجرح قُبِل، وإلا فهو مردود، قال ابن حجر حول قاعدة تقديم الجرح على التعديل مطلقاً: «بل الصواب التفصيل؛ فإن كان الجرح والحالة هذه مفسراً وإلاّ عمل بالتعديل، وعليه يحمل قول من قدم التعديل كالقاضي أبي الطيب الطبري وغيره, فأمّا من جهل حاله ولم يعلم فيه سوى قول إمام من أئمّة الحديث أنّه ضعيف أو متروك أو ساقط أو لا يحتج به ونحو ذلك, فإنّ القول قوله, ولا نطالبه بتفسير ذلك؛ إذ لو فسره كان غير قادح، لمنعنا جهالة حال ذلك الرجل من الاحتجاج به كيف وقد ضُعّف, فوجه قولهم: إنّ الجرح لا يقبل الا مفسراً هو من اختلف في توثيقه وتجريحه، كما شرحنا»([603]).

فهو لا يرى قبول الجرح إلاّ مفسراً, وإنْ صدر من عارف بأسبابه, واستثنى حالة الراوي الذي لم يرد فيه تعديل, فقبل فيه قول الجارح إذا كان عارفاً بأسباب الجرح, وصرّح بذلك في نزهته أيضاً, فقال: «والجرح مقدم على التعديل، وأطلق ذلك جماعة، ولكنّ محلّه إن صدر مبيناً من عارف بأسبابه؛ لأنه إن كان غير مفسَّر لم يقدح فيمن ثبتت عدالته، وإن صدر من غير عارف بالأسباب لم يعتبر به أيضاً, فإن خلا المجروح عن تعديل قبل الجرح فيه مجملاً غير مبين السبب، إذا صدَر مِن عارفٍ على المختار، لأنه إذا لم يكن فيه تعديلٌ فهو في حَيِّزِ المجهول، وإعمالُ قول المجرِّح أَوْلى مِن إهماله»([604]).

 وأطلق النووي تبعاً لابن الصلاح([605]) عدم قبول الجرح إلا مفسراً حتّى في الراوي المجهول، فقال: «ولا يقبل الجرح إلاّ مفسّراً، وهو أن يذكر السبب الذي به جرح، ولأنّ الناس يختلفون فيما يفسق به الإنسان، ولعل من شهد بفسقه شهد على اعتقاده»([606])، ونحوه الصنعاني مصرّحا بأنّ الجرح غير المفسّر لا يوجب الرد قائلاً: «ولا يغترّ مغترّ بأنّ الجرح مقدّم على التعديل، فإنهم وإن أطلقوا العبارة في ذلك، فذلك الجرح المبيّن السبب؛ لأن ما لم يبين سببه فلا يتحقق أنه جرح يوجب الرد»([607]).

 واعتبر اللكنوي الجرح المبهم مرفوضاً مطلقاً، حيث قال: «فإنّ الجرح المبهم غير مقبول مطلقاً، على المذهب الصحيح، فلا يمكن أن يعارض التعديل وإن كان مبهماً»([608]).

وأما التعديل فلم يشترطوا فيه ذكر السبب، قال ابن الصلاح: «التعديل مقبول من غير ذكر سببه على المذهب الصحيح المشهور؛ لأن أسبابه كثيرة يصعب ذكرها، فإن ذلك يحوج المعدل إلى أن يقول: لم يفعل كذا، لم يرتكب كذا، فعل كذا وكذا، فيعدد جميع ما يفسق بفعله أو بتركه، وذلك شاق جداً»([609]).

فأصبح مفاد القاعدة بعد هذا التقييد: >إذا تعارض جرح وتعديل فينبغي أن يكون الجرح حينئذٍ مفسَّراً<([610])، قال ابن قدامة: «ولا يسمع الجرح إلاّ مفسراً، ويعتبر فيه اللفظ، فيقول: أشهد أنني رأيته يشرب الخمر، أو يعامل بالربا، أو يظلم الناس بأخذ أموالهم أو ضربهم، أو سمعته يقذف، أو يعلم ذلك باستفاضته في الناس, ولا بد من ذكر السبب وتعيينه»([611]).

فاستقر الأغلب على هذا الرأي، واشتهر بينهم، وصار هو القاعدة المشهورة والمعروفة عندهم.

وسواء أكان ذلك عند المحدثين، كما قال الخطيب البغدادي: «سمعت القاضي أبا الطيب طاهر بن عبد الله بن طاهر الطبري يقول: لا يقبل الجرح إلا مفسراً، وليس قول أصحاب الحديث: فلان ضعيف، وفلان ليس بشيء، مما يوجب جرحه ورد خبره، وإنما كان كذلك؛ لأن الناس اختلفوا فيما يفسق به، فلا بد من ذكر سببه؛ لينظر هل هو فسق أم لا... قلت: وهذا القول هو الصواب عندنا، وإليه ذهب الأئمة من حفاظ الحديث ونقّاده مثل محمد بن إسماعيل البخاري ومسلم بن الحجاج النيسابوري وغيرهما<([612]).

 أم كان ذلك عند الأصوليين، كما قال ابن الصلاح: «وأما الجرح فإنه لا يقبل إلا مفسراً مبين السبب؛ لأن الناس يختلفون فيما يجرح وما لا يجرح، فيطلق أحدهم الجرح بناءً على أمر اعتقده جرحاً وليس بجرح في نفس الأمر، فلا بد من بيان سببه لينظر فيما هو جرح أم لا، وهذا ظاهر مقرر في الفقه وأصوله»([613]).

ولهذا كله نحن احتججنا عليكم بهذه القاعدة في رسالتنا إليكم، وهو استناد صحيح على أصل القاعدة، ولم نكن غافلين عمّا ذكرتموه لنا في الجواب، كما سيتضح.

ونضيف إلى ذلك: إنّ هذه القاعدة، بهذا التقييد، واجهت أيضاً مشكلة أخرى تتطلب بسببها إدخال بعض الاستثناءات عليها:

فبعد أن تلقى أهل السنة صحيحي مسلم والبخاري بالقبول، ولم يقبلوا حتى الخدشة فيهما، فقد وجدوا رواة احتج بهما الشيخان وأخرجا لهم في الصحيحين، ومع ذلك ورد في حقهم جرح مفسّر، فكان لا بد عندئذٍ من إعمال بعض التعديلات على القاعدة بصيغتها الجديدة.

 فاعتبر بعض العلماء أن هذا الجرح، وإن كان مفسَّراً، لكنه لم يكن ثابتاً عند الشيخين؛ فلا قيمة له، لذا وثقوا أولئك الرواة الذين ورد في حقهم هذا النوع من الجرح، قال النووي: «ثم من وجد في الصحيحين، ممن جرحه بعض المتقدمين، يحمل ذلك على أنه لم يثبت جرحه مفسراً بما يجرح»([614]).

 ونقل النووي أيضاً عن الخطيب البغدادي قوله: «ما احتج البخاري ومسلم وأبو داود به من جماعة علم الطعن فيهم من غيرهم محمول على أنه لم يثبت الطعن المؤثر مفسر السبب»([615]).

كما أن هناك رواة اشتهرت ثقتهم شهرة واسعة، وبعضهم كان له مذهب وله مريدون وأتباع، فقرر العلماء عدم تقديم الجرح ولو كان مفسَّراً على تعديلهم ووثاقتهم:

 قال تاج الدين السبكي: «إنّ الجارح لا يقبل منه الجرح ـ وإن فسّره ـ في حق من غلبت طاعته على معاصيه، ومادحوه على ذامّيه، ومزكّوه على جارحيه، إذا كانت هناك قرينة يشهد العقل بأن مثلها حامل على الوقيعة في الذي جرحه... فنقول مثلاً: لا يلتفت إلى كلام ابن ابي ذئب في مالك, وابن معين في الشافعي, والنسائي في أحمد بن صالح؛ لأن هؤلاء أئمّة مشهورون»([616]).

والحاصل: أنّهم حتّى الجرح المفسّر لم يقبلوه في كلّ الحالات، فتأولوه إنْ كان في أحد رجال الشيخين, ورفضوه في حقّ من غلبت طاعته على معصيته, فكيف بالجرح المبهم؟!

الراوي المجهول والجرح المفسر

بقيت مسألة مهمة جداً، وقد تمّت الإشارة إليها أثناء البحث، وهي أن قولهم إنّ الجرح لا يقبل إلاّ مفسراً، هل هو في حالة التعارض مع التعديل أم مطلقاً، سواء وجد تعارض أم لم يوجد؟

اختلف علماء الحديث في مسألة أن الراوي إذا خلا من التعديل هل يقبل الجرح فيه مطلقاً، سواء فسّر أم لم يفسّر، أم لابد أن يكون مفسّراً أيضاً، أم هناك تفصيل؟

ذهب الكثير من العلماء إلى أن الجرح مهما كان لا يقبل إلاّ مفسّراً، وهو مختار ابن الصلاح والنووي وغيرهما([617])، بل قال الحافظ العراقي: >وهو الصحيح المشهور<([618])، وقال العلامة أحمد محمد شاكر: «وهو المشتهر عند كثير من أهل العلم»([619]).

ولذا أجابوا عن الإشكال القائل: كيف لا يقبل الجرح إلاّ مفسراً، والحال أن أكثر الجرح جاء في كتب الجرح مبهماً غير مفسّر، فيكون لغواً ومعه ينسد باب الجرح؟

 قال ابن الصلاح: «ولقائل أن يقول: إنّما يعتمد الناس في جرح الرواة وردّ حديثهم على الكتب التي صنّفها أئمّة الحديث في الجرح أو في الجرح والتعديل، وقلّما يتعرضون فيها لبيان السبب، بل يقتصرون على مجرد قولهم: فلان ضعيف وفلان ليس بشيء ونحو ذلك، أو: هذا حديث ضعيف، وهذا حديث غير ثابت ونحو ذلك، فاشتراط بيان السبب يفضي إلى تعطيل ذلك، وسدّ باب الجرح في الأغلب الأكثر.

وجوابه: أنّ ذلك، وإنْ لم نعتمده في إثبات الجرح والحكم به، فقد اعتمدناه في أن توقفنا عن قبول حديث من قالوا فيه مثل ذلك، بناءً على أن ذلك أوقع عندنا فيهم ريبة قوية يوجب مثلها التوقف»([620]).

وقال النووي: «وعلى مذهب من اشترط في الجرح التفسير، يقول: فائدة الجرح فيمن جرح مطلقاً أن يتوقف عن الاحتجاج به إلى أن يبحث عن ذلك الجرح»([621]).

 وأكّد ذلك الصنعاني بقوله: «إن أكثر هذه العبارات في التجريح غير مبينة السبب، فهي من باب الجرح المطلق، فتكون غير مفيدة للجرح الموجب لاطّراح الرواية، ولكن تكون موجبة للريبة والوقف في قبول من قيلت فيه وردّه»([622]).

وباختصار، وفقاً لهذا الرأي: أنّ الجرح لا بد أنْ يكون مفسّراً حتى يكون مورداً للقبول، وأما إذا لم يكن كذلك فتنحصر فائدته في التوقف في الراوي المجروح.

وبهذا يتضح لك أنّ مذهب المحققين هو خلاف ما ذكرتم, إذ حتّى في جرح الراوي المجهول كان الخلاف واضحاً، وكان المشهور فيه على عدم قبول الجرح فيه إلا مفسّراً, فكيف بمن ورد فيه تعديل؟! فكلامنا كان طبق قواعد وأصول أهل الحديث, وكلامكم في وادٍ آخر.

أمّا ما استندتم عليه، من أن كلام العلماء في قبول الجرح مطلقاً حتى لو لم يكن مفسراً، وأوردتم كلاماً للخطيب البغدادي: >والذي يقوى عندنا ترك الكشف عن ذلك إذا كان الجارح عالماً»([623]). وآخر لابن كثير: >أمَّا كلام الأئمة المنتصبين لهذا الشأن، فينبغي أن يُؤخذ مسلَّماً من غير ذكر الأسباب<([624])، فإنه يرد عليكم:

أولاً: ما يخص كلام الخطيب البغدادي؛ فقد فاتكم أن تتطلعوا على رأيه الصحيح بعد عدة أسطر مما نقلتموه عنه، فقد قال: >سمعت القاضي أبا الطيب طاهر بن عبد الله بن طاهر الطبري يقول لا يقبل الجرح إلا مفسراً... قلت: وهذا القول هو الصواب عندنا, وإليه ذهب الأئمة من حفاظ الحديث ونقاده مثل محمد بن إسماعيل البخاري ومسلم بن الحجاج النيسابوري وغيرهما<([625]).

فهذا الكلام ينافي كلامه الاول، وعندئذٍ: إما أن يقال: أن كلامه الأول ليس له، بل هو حكاية عن كلام الباقلاني، كما فهم ذلك بعض العلماء، كالعراقي واللكنوي([626])، أو أنه له لكنه مختص بالجرح فيما لو خلا من أي تعديل، فتأمل بكلامه جيداً.

أما ما يخص كلام ابن كثير، فكلامه أيضاً مختص فيما إذا لم يكن هناك تعديل يعارض هذا الجرح، وذلك بملاحظة أنه أعقب كلامه هذا بقوله: >وأما إذا تعارض جرح وتعديل، فينبغي أن الجرح حينئذ مفسّراً<([627]).

فتبيّن أنّ المحقّق في المسألة، والذي عليه مشهور أهل العلم: أنّ الجرح لا يقبل إلاّ مفسّراً.

وقد تقدّمت كلمات عديدة من العراقي وابن حجر وغيرهما من أهل هذا الفنّ تؤكّد صحّة ما قلناه, وهناك شواهد تطبيقيّة تدلّ على التزامهم بتقديم الجرح المفسر في حالة التعارض، وعدم قبولهم بالجرح المبهم وإن كان من عارف بأسباب الجرح:

أ ـ قال ابن حجر في ترجمة يزيد بن أبي مريم الدمشقي: >وثّقه الأئمّة وابن معين ودحيم وأبو زرعة وأبو حاتم، قال الدارقطني ليس بذاك<: ثم علق ابن حجر، فقال: >هذا جرح غير مفسر فهو مردود<([628]). ومعلوم أن الدارقطني من أصحاب الشأن والعارفين بأسباب الجرح، ومع ذلك ردّ ابن حجر جرحه لإبهامه؛ وذلك لوجود التعارض بينه وبين التوثيق، وإلاّ لو خلا الراوي من التوثيق لقبل جرحه.

ب ـ وقال كذلك في سعيد بن سليمان الواسطي المعروف بسعدويه: >نزيل بغداد، من شيوخ البخاري، قال أبو حاتم: ثقة مأمون، ولعله أوثق من عفان، وقال الدوري عن ابن معين: كان أكيس من عمرو بن عون، وقال عبد الله بن أحمد عن أبيه: كان صاحب تصحيف ما يثبت، وقال الدارقطني يتكلمون فيه<.

وقد علق ابن حجر بالقول: >هذا تليين مبهم لا يقبل<([629]).

جـ ـ قال الألباني، بعد أنْ ذكر أقوال المعدلين لسعيد بن جمهان, وتضعيف البخاري والساجي له, قلت: >فهذا جرح مبهم غير مفسّر، فلا يصحّ الأخذ به مقابل توثيق من وثقه، كما هو مقرر في علم المصطلح<([630]). والذي يتابع سلسلته الصحيحة يجد الكثير من الأمثلة على ذلك.

وبهذا يتّضح أنّ عدم قبول الجرح من غير تفسير هو المشهور عند المحدّثين, ومَن قَبِله منهم فقد خصّه في حالة عدم تعارضه مع توثيق صريح، أما لو كان هناك تعديل وتوثيق فالجرح لا يقبل ولا يقدّم الا مفسراً سواء صدر من عارف أم لا.

شروط وضوابط تقديم الجرح المفسر على التعديل

إنّ هذه القاعدة ـ لكثرة اختلاف وجهات النظر والمباني عند العلماء ـ قد أخضعت، مضافاً لما ذكرناه مسبقاً، لعدة ضوابط وشروط واستثناءات، نستعرض بعضها على سبيل المثال والإشارة، ومن يريد التفصيل عليه مراجعة الكتب المختصة:

 منها: أن التعديل يكون مقدماً على الجرح المفسّر، لا العكس، فيما إذا توفرت بعض الشروط، من قبيل: ما لو قال المعدّلُ: عرفتُ السبب الذي قاله الجارح، ولكنّهُ تاب وحسُنت حاله. أو إذا ذكر الجارحُ سبباً مُعيّناً للجرح، فنفاهُ المُعدّلُ بما يدلُّ يقيناً على بُطلان السبب.

 أو: إذا كان المعدلون من معاصري الراوي وعدم معاصرة الجارح له، فيقدم قول المعاصر؛ لأنّ المعاصر أعرف وأعلم بمن في عصره.

 أو: إذا كان المعدّل من أهل بلد الراوي الذي تكلم فيه، والجارح لم يكن من بلده، فيقدم من كان من أهل بلده؛ لأنه أعرف بهم.

 أو: إذا كانت قوة عبارة المعدلين تفوق عبارة الجارحين، فيقدم التعديل. وغيرها من الشروط التي قد يختلف العلماء في الأخذ بها وعدمه.

ومنها: أن الجرح المفسر لا يقدم ويعد ساقطاً فيما إذا صدر من الأقران في بعضهم البعض، لا سيما إذا تبين أنه لعدواة أو لمذهب أو لحسد، قال الذهبي: >كلام الاقران بعضهم في بعض لا يعبأ به، لا سيما إذا لاح لك أنه لعداوة أو لمذهب أو لحسد، ما ينجو منه إلا من عصم الله، وما علمت أن عصراً من الاعصار سلم أهله من ذلك، سوى الأنبياء والصديقين<([631]).

وعلى كل حال، فهذه إشارة مختصرة لهذه القاعدة المهمة والخطيرة في علم الجرح والتعديل، وتبيّن من خلالها صواب ما قلناه في رسالتنا، وأن ما أوردتموه علينا لم يكن تاماً.

الرواية عمّن يُسمّون بأهل البدع

تطرقتم في هذا البحث إلى مسألة مهمة في علم الجرح والتعديل، وهي عقيدة الراوي وتأثيرها على جرحه وتعديله، وذكرتم عدة أمور في هذا المجال، إلاّ أن كلامكم اكتنفه بعض الغموض، وظهر فيه بعض التهافت؛ وذلك من جهتين:

الجهة الأولى: ظهر من بعض عباراتكم، أن منهج المحدثين في الرواية عن الراوي المبتدع ـ كما تعبرون ـ هو أنهم إذا ثبت لهم صدقه نقلوا عنه، ولو كان خارجياً أو ناصبياً أو شيعياً محترقاً([632]).

 ويظهر من هذا أن لا خلاف واضح في هذه القضية بينهم، وعليه فلا مدخلية لعقيدة الراوي في ذلك، في حين وفي موضع آخر قلتم: إنّ علماء السنَّة مختلفون في مثل هؤلاء [الرواة المبتدعة]: فمنهم من يرد رواياتهم ويُضعِّفهم، ومنهم من يقبلها إذا ضمن الصدق فيها([633]). فلا نعلم أيّاً من كلامكم نتّبع؟!

الجهة الثانية: أنّه لم يتضح لنا من خلال كلماتكم حين قلتم: لا تقبل الرواية عن الرافضة عموماً، في حين تقبل رواية النواصب والخوارج، فهل كان ذلك بسبب أنّ المحدثين بعد أن سبروا واستقرأوا أحاديث الرواة وجدوا أن الذين يكثر فيهم الكذب هم من الرافضة، أو غلاة الشيعة، في حين أن النواصب والخوارج يندر فيهم ذلك؟ كما في قولكم: «فإذا رووا عن بعض النواصب، فلأنَّه ثبت عندهم صدقهم»([634]).

 ثم بحث المحدثون عن تفسير منطقي لهذا الفارق بين الرافضة والخوارج، فرأوا أن اعتقاد الراوي كان له أثر في ذلك، فكثرة الكذب عند الشيعة مآلها اعتقادهم بالتقية، والتي تساوي الكذب، حسب فهمهم! فلذا فهم لا يتورعون عن الكذب في الرواية، في حين أنّ النواصب، بما أنهم يعتقدون بأن مرتكب الكبيرة كافر والكذب من الكبائر، فيندر الكذب فيهم!

فهل هذا هو المبرر الواقعي؟ أم أنّ القضية ليست كذلك، وإنما تمت تنحية الرافضة أو الشيعة عن الرواية, ولم يقبل قولهم منذ البداية، وقبل التحرّي والفحص عنهم، بسبب مخالفتهم لأهل السنة في أمور عقدية جوهرية؛ خصوصاً وأن الخلاف السني الشيعي ظهر مبكراً جداً وقبل تدوين الحديث وتصنيف الكتب وتبلور القواعد الحديثية، بل الراجح أنّ تصنيف الكتب, وظهور تلك القواعد, كان حسب ما يقتضيه الخلاف العقدي والمذهبي، كما ألمحنا إلى ذلك، هذا في الوقت الذي لا يوجد خلاف عقدي واضح بين أهل السنة وبين الخوارج والنواصب, لاسيما في الإمامة والخلافة التي هي أسّ الخلاف بين المسلمين، إن لم نقل أن الخوارج والنواصب يعتبرون سنداً قوياً لأهل السنة لرفضهم الواضح والصريح لإمامة أمير المؤمنين ×؛ فلذا قبلت الرواية عنهم, ووصفوا بالصدق, وقوّة الديانة. ثمّ إنّه لكي تكتسب المسألة صفة علمية، ولا تظهر بهذا الشكل الفاضح، غلّفوها بالقول: إنّ الشيعة تستحلّ الكذب، الذي هو التقية!! بينما يكفّر النواصب مرتكب الكبيرة، ولعل هذا الأمر يظهر من بعض عباراتكم حين قلتم: «فكيف يُوثَّق من يعتقد أنَّ تسعة أعشار الدين كذب، ومن لا يكذب لا دين له؟ ولا يوثَّق من يعتقد أنَّ الكذب (كفر) أو مخرج من (الإيمان)؟!»([635]).

وعلى كل حال, فإذا كنتم، يا سعادة الدكتور، ترون أن المدار عند محدثي أهل السنة على صدق الراوي وضبطه وليس مذهبه، وأن لا فرق بين مذهب وآخر، وأن العقيدة لا تأثير لها في جرح الراوي وتعديله، وأن هذا هو المنهج الذي يسير عليه محدثو أهل السنة، كما تشير إلى ذلك كثير من عباراتكم، فإنّ ذلك ليس بتام؛ إذ إنّ الخلاف العقائدي ألقى بظلاله على تضعيف وتوثيق الرواة, وهو ما سنبينه في النقطة التالية:

عقيدة الراوي في ميزان الجرح والتعديل

لقد دخلت عقيدة الراوي كعنصر مؤثر جداً في وثاقة الراوي أو جرحه، وذلك في مبحثين من مباحث الجرح والتعديل، وهما:

1ـ شروط من تقبل وترد روايته، وهو من الأبحاث المهمة في مصطلح الحديث، فقد ذكروا شرطين أساسيين يجب توفرهما في الراوي حتى تقبل روايته: هما الضبط والعدالة:

 قال ابن الصلاح: «أجمع جماهير أئمة الحديث والفقه على أنه يشترط فيمن يحتج بروايته: أن يكون عدلاً ضابطاً لما يرويه»([636]).

 والعدل: ـ كما عرّفه ابن حجر ـ: «من له ملكة تحمله على ملازمة التقوى والمروءة، والمراد بالتقوى اجتناب الأعمال السيئة من شرك أو فسق أو بدعة»([637]).

 والبدعة في اصطلاحهم: هو ما ينتحله ويؤمن به بعض الرواة من عقائد تخالف ما عليه عقيدة علماء الجرح كالتشيع والرفض والنصب وغيرها، فبهذا دخل اعتقاد الراوي على خط قبول رواية الراوي في هذا المبحث، فمن يتهم بالبدعة أو تثبت عليه سيفقد شرطاً مهماً من شروط قبول الرواية عنه.

2ـ بحث أسباب الطعن والجرح، وهو من الأبحاث التي طرحت في علم الجرح والتعديل، وذكروا في هذا المجال عدة أسباب يخرج من يتصف بواحدة منها عن حيّز الوثاقة والعدالة وترد روايته، وذكروا البدعة كواحد من هذه الأسباب:

 قال ابن حجر في نزهة النظر: «ثم البدعة: وهي السبب التاسع من أسباب الطعن في الراوي»([638]).

 وقال طاهر الدمشقي: «وأسباب الجرح مختلفة، ومدارها على خمسة أشياء: البدعة والمخالفة والغلط وجهالة الحال ودعوى الانقطاع في السند: بأن يدّعى في الراوي أنه كان يدلس أو يرسل»([639]).

الأقوال في رواية الراوي المبتدع

لعله لم يحصل خلاف شديد في مسألة من مسائل علم الحديث كما حصل في مسألة الراوي المبتدع، فقد تباينت الآراء فيه تبايناً كبيراً وصل إلى حدّ التناقض والتضاد، واستقصاؤها يحتاج جهد كبير، ويخرج عما انتهجناه من الاختصار، لذا سنستعرض سريعاً بعض أوجه هذه الخلافات ونتدرج معها:

الخلاف الأول: في الراوي المبتدع مطلقاً

ومرادنا من الإطلاق في المبتدع: هو ما اشاروا إليه من أنّ البِدَع ـ التي اتّهم بها بعض الرواة ـ ليست على حدّ سواء من وجهة نظر الجارحين والمعدلين، فبعض البدع يكفّر بها صاحبها وبعضها الآخر يفسّق بها، قال ابن حجر: «ثم البدعة: إما بمكفر أو بمفسق»([640]). والكفر هنا ليس بمعناه الصريح، وإنما هو كفر بتأويل، بمعنى أنه يعتقد ما يستلزم الكفر، فالراوي المبتدع مطلقاً هو الراوي المبتدع سواء كفّر ببدعته أم فسّق.

وهذا النوع من الرواة قد اختلف فيه، فمن العلماء من رفض قبول روايته:

قال الخطيب: «اختلف أهل العلم في السماع من أهل البدع والأهواء كالقدرية والخوارج والرافضة وفي الاحتجاج بما يروونه، فمنعت طائفة من السلف صحة ذلك؛ لعلة أنّهم كفار عند من ذهب إلى إكفار المتأولين، وفسّاق عند من لم يحكم بكفر متأوّل، وممن يروى عنه ذلك مالك بن أنس»([641]).

فهذه الطائفة إذن رفضت رواية المبتدع مطلقاً سواء كان مكفّراً ببدعته أم مفسّقاً بها.

 ومنهم من قبل رواية المبتدع مطلقاً، فقد ذكر ابن حجر بأنّ البدعة إذا كانت بمكفّر فلا يقبل صاحبها الجمهور, وأضاف: وقيل: يُقبل مطلقاً([642]).

والمراد من الإطلاق بحسب السياق أنّ رواية المبتدع مقبولة، سواء كانت بدعته بمكفِّر أو بمفسِّق.

الخلاف الثاني: في الراوي المكفّر ببدعته

كذلك حدث خلاف في الراوي المُكفّر ببدعته، سواء بين الأصوليين أو المحدثين، فمنهم من منع من قبول روايته، كما هو صريح قول ابن كثير: «المبتدع إن كفر ببدعته فلا إشكال في رد روايته»([643])، ونقل بعضهم الإجماع على ذلك، قال النووي: «من كفّر ببدعته لم يحتج به بالاتفاق»([644]).

وهناك مَن قبل روايته بتفصيل، قال ابن دقيق العيد: «والذي تقرر عندنا: أنه لا تعتبر المذاهب في الرواية؛ إذ لا نكفر أحداً من أهل القبلة إلا بإنكار متواتر من الشريعة، فإذا اعتقدنا ذلكم وانضم إليه أهل التقوى والورع والضبط والخوف من الله تعالى فقد حصل معتمد الرواية، وهذا مذهب الشافعي (رضي الله عنه) فيما حكي عنه، حيث يقول: أقبل شهادة أهل الأهواء»([645]).

 وقد جنح إليه ابن حجر وأبان مراده فيه فقال: «والتحقيق أنه لا يرد كل مُكفّر ببدعته؛ لأن كل طائفة تدعي أن مخالفيها مبتدعة وقد تبالغ فتكفر مخالفها، فالمعتمد: أن الذي ترد روايته من أنكر أثراً متواتراً من الشرع معلوماً من الدين بالضرورة، وكذا من اعتقد عكسه»([646]).

الخلاف الثالث: في الراوي المفسّق ببدعته من غير تكفير

والخلاف الثالث وقع في الرواي الذي لا يكفر ببدعته، ويمكن تقسيم الأقوال فيه إلى خمسة أقوال:

القول الأول: رفض روايته مطلقاً، قال ابن الصلاح: «اختلفوا في قبول رواية المبتدع الذي لا يكفر في بدعته: فمنهم من ردّ روايته مطلقاً؛ لأنه فاسق ببدعته، وكما استوى في الكفر المتأول وغير المتأول يستوي في الفسق المتأول وغير المتأول»([647]).

 وقال الحافظ ابن حجر في لسان الميزان: «فالمنع من قبول رواية المبتدعة، الذين لم يكفروا ببدعتهم كالرافضة والخوارج ونحوهم، ذهب إليه مالك وأصحابه والقاضي أبو بكر الباقلاني وأتباعه»([648]).

 وردّ هذا القول ابن الصلاح، فقال: «والقول بالمنع مطلقاً بعيد مباعد للشائع عن أئمة الحديث، فإن كتبهم طافحة بالرواية عن المبتدعة غير الدعاة»([649]).

القول الثاني: قبول رواية المفسق ببدعته مطلقاً، سواء أكان داعية إلى مذهبه أم لا، بشرط عدم استحلاله للكذب في نصرة مذهبه:

 قال الخطيب: «وذهبت طائفة من أهل العلم إلى قبول أخبار أهل الأهواء الذين لا يعرفون منهم استحلال الكذب، والشهادة لمن وافقهم بما ليس عندهم فيه شهادة، وممن قال بهذا القول من الفقهاء: أبو عبد الله محمد بن إدريس الشافعي، فإنه قال: وتقبل شهادة أهل الأهواء إلاّ الخطابية من الرافضة؛ لأنهم يرون الشهادة بالزور لموافقيهم، وحكى أنّ هذا مذهب ابن أبي ليلى وسفيان الثوري وروى مثله عن أبي يوسف القاضي»([650]).

 وقال ابن الصلاح: «ومنهم من قبل رواية المبتدع إذا لم يكن ممن يستحل الكذب في نصرة مذهبه أو لأهل مذهبه، سواء كان داعية إلى بدعته أو لم يكن»([651]).

القول الثالث: وهو التفصيل بين الداعي إلى بدعته وغير الداعي، فتقبل رواية غير الدعاة وترد رواية الدعاة، قال الخطيب: «وقال كثير من العلماء: يقبل أخبار غير الدعاة من أهل الأهواء، فأما الدعاة فلا يحتج بأخبارهم، وممن ذهب إلى ذلك أبو عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل»([652]).

وقال طاهر الدمشقي: «ومنهم من قال: تقبل إذا لم يكن داعية إلى بدعته ولا تقبل إذا كان داعية إليها، وهذا مذهب كثيرين من العلماء أو أكثرهم»([653]).

 قال النووي في التقريب، على ما نقله السيوطي في تدريب الراوي: «وهذا هو الأظهر الأعدل، وقول الكثير أو الأكثر»([654]).

 وقال ابن الصلاح في علوم الحديث: «وهذا أعدل الأقوال وأولاها»([655])، بل نقل ابن حبان الاتفاق على ذلك! فقال في ترجمة جعفر بن سليمان الضبعي في الثقات: «جعفر بن سليمان من الثقات المتقنين في الروايات، غير أنه كان ينتحل الميل إلى أهل البيت، ولم يكن بداعية إلى مذهبه، وليس بين أهل الحديث من أئمتنا خلاف أن الصدوق المتقن إذا كان فيه بدعة ولم يكن يدعو إليها أن الاحتجاج بأخباره جائز، فإذا دعا إلى بدعته سقط الاحتجاج بأخباره؛ ولهذه العلة ما([656])تركوا حديث جماعة ممن كانوا ينتحلون البدع ويدعون إليها وإن كانوا ثقات، واحتججنا بأقوام ثقات انتحالهم كانتحالهم سواء، غير أنهم لم يكونوا يدعون إلى ما ينتحلون، وانتحال العبد بينه وبين ربه إن شاء عذبه وإن شاء عفا عنه، وعلينا قبول الروايات عنهم إذا كانوا ثقات، على حسب ما ذكرناه في غير موضع من كتبنا»([657]).

علماً أنّ هذا الرأي، وهو تخصيص القبول بغير الداعية، مخالف لصنيع الشيخين البخاري ومسلم، فقد أخرجا في صحيحيهما لمن كان داعية إلى عقيدته ومذهبه، قال الزركشي في نكته على مقدمة ابن الصلاح، معلقاً على ما قاله ابن الصلاح: >وفي الصحيحين الرواية عن المبتدعة غير الدعاة< قال: «قلت: بل والدعاة: منهم: عمران بن حطان الخارجي، مادح عبد الرحمن بن ملجم قاتل علي بن أبي طالب (رض) وهذا من أكبر الدعوة إلى البدعة، خرّج عنه البخاري، وزعم جماعة أنه من دعاة الشراة([658])، ومنهم عبد الحميد بن عبد الرحمن، أخرج له الشيخان، وقال فيه أبو داود السجستاني: كان داعية إلى الإرجاء، وغير ذلك»([659]).

 وكذلك أخرج الشيخان لشبابة بن سوار مع كونه داعية إلى بدعته([660]).

 وكان هذا العمل من الشيخين مثار حيرة بعض العلماء ودهشتهم، قال طاهر الجزائري: «وقد احتج الشيخان بالدعاة أيضاً، وقد وقع لأناس ممن يفرِّقون بين الداعية وغيره حيرة في ذلك»([661])، كما أن ابن حزم قد انتقد بشدّة الرأي الذي يفرّق بين الداعية وغير الداعية، على ما حكاه عنه طاهر الدمشقي، قال: «وهذا قول في غاية الفساد؛ لأنه تحكّم بغير دليل... ولأن الداعية أولى بالخير وحسن الظن؛ لأنه ينصر ما يعتقد أنه حق عنده، وغير الداعية كاتم للذي يعتقد أنه حق، وهذا لا يجوز؛ لأنه مقدم على كتمان الحق، أو يكون معتقداً لشيء لم يتيقن أنه حق، فذلك أسوأ وأقبح... فسقط الفرق المذكور، وصح أن الداعية وغير الداعية سواء»([662]).

القول الرابع: وهو مختص بالراوي الذي لا يدعو إلى بدعته، فقد قبله جماعة، كما ذكرنا سابقاً، في حين قيّد بعض قبوله بشرط ألا يروي ما يقوي ويشيّد بدعته:

 قال القاسمي في قواعد التحديث: «ثم اختلف القائلون بهذا التفصيل [قبول رواية غير الداعية ورد رواية الداعية] فبعضهم أطلق ذلك وبعضهم زاده تفصيلاً، فقال: إن اشتملت رواية غير الداعية على ما يشيّد بدعته ويزيّنها ويحسنّها ظاهراً فلا يقبل وإن لم تشتمل فتقبل»([663]).

وقال ابن حجر العسقلاني: «وينبغي أن يقيّد قولنا بقبول رواية المبتدع إذا كان صدوقاً، ولم يكن داعية، بشرط أن لا يكون الحديث الذي يحدث به مما يعضد بدعته ويشيّدها، فإنّا لا نأمن حينئذٍ عليه من غلبة الهوى، والله الموفق»([664]).

 وممن ذهب إلى هذا الاشتراط: إبراهيم الجوزجاني، شيخ النسائي، في حديثه عن الرواة المبتدعة في نظره، قال: «ومنهم زائغ عن الحق، صادق اللهجة، فليس فيه حيلة، إلا أن يؤخذ من حديثه ما لا يكون منكراً إذا لم يقوّ به بدعته»([665]).

القول الخامس: التفصيل في عدم قبول رواية الداعي إلى بدعته، حيث أطلق البعض المنع من القبول في حين فصّل بعض آخر، فقبل رواية الداعي إذا كانت روايته تتضمن ما يردّ مذهبه وبدعته:

 قال ابن حجر: «وطرد بعضهم هذا التفصيل بعينه في عكسه في حق الداعية، فقال: إن اشتملت روايته على ما يردّ بدعته قبل وإلاّ فلا»([666]).

نكتفي بهذا القدر القليل والموجز لأقوالهم، والخلافات الحاصلة بينهم في هذه المسألة التي كثر فيها القيل والقال، والتي اتّضح من خلالها كيف أنّ الخلاف العقائدي ألقى بضلاله على قبول الرواية أو ردّها, ومنه يتبيّن أنّ قولكم بأنّكم أصحاب منهج، وأنّه إذا ثبت لديكم صدق الراوي نقلتم عنه، ولو كان خارجياً أو ناصبياً أو شيعياً، يصبح أقرب إلى الشعارات منه إلى الحقائق العلمية الرصينة.

مفهوم الشيعة والرافضة

ومما ورد في سياق كلامكم في هذا المبحث، أمور مهمّة تتعلق بمفهومي الشيعة والرافضة، نجملها فيما يلي، قلتم:

1ـ سمّي الرافضة بهذا الاسم؛ لرفضهم زيد بن علي بن الحسين×.

2ـ الرافضة يعادون عظماء الصحابة ويتّهمونهم بالردة والفسق.

3ـ الرافضة يستحلّون الكذب؛ لأنهم يؤمنون بالتقية التي تساوق الكذب.

4ـ الشيعة هم من يقدمون علياً× على عثمان، وهم لا يسبون الشيخين.

5ـ الشيعة القدماء لا يعرف عنهم الكذب.

6ـ قد روى الشيخان عمّن وصفوا بالتشيع والرفض.

وقبل التفصيل في الجواب عمّا جاء في كلامكم، لا بأس أن نشير بشكل مختصر، إلى بعض ما ورد في تراث أهل السنة من الخلاف والخصام والنقض والإبرام حول مفهومي الشيعة والرافضة، لما له من أثر كبير في مجال الجرح والتعديل.

وقد أدى ذلك الخلاف إلى الاضطراب بشكل يصعب معه الخروج برؤية مفهومية واضحة ودقيقة، خلافاً لما خرجتم به من مفاهيم ونتائج جاهزة، لا نظن أنها مبنية على أسس صحيحة، كما سيتبين.

الشيعة في اللغة

الشيعة في اللغة هم الأنصار والأتباع، قال الأزهري: >والشيعة أنصار الرجل وأتباعه، وكل قوم اجتمعوا على أمر فهم شيعة<([667]).

 وقال ابن منظور: >والشيعة أتباع الرجل وأنصاره، وجمعها شيع، وأشياع جمع الجمع...وأصل الشيعة: الفرقة من الناس، ويقع على الواحد والاثنين والجمع، والمذكر والمؤنث<([668]).

الاختلاف في تحديد مصطلح الشيعة

 وأما الشيعة في الاصطلاح، فاختلف في معناه اختلافاً فاحشاً بين العلماء، من محدثين وفقهاء ومتكلمين، فكانت الأقوال فيه كثيرة جداً، منها:

1ـ التشيّع: تقديم علي× في الفضيلة على عثمان فقط، مع الاعتقاد بأفضلية الشيخين والقول بإمامتهما، قال ابن حجر: >فالتشيع في عرف المتقدمين هو اعتقاد تفضيل علي على عثمان، وأن علياً كان مصيباً في حروبه، وأن مخالفه مخطئ مع تقديم الشيخين وتفضيلهما<([669]).

وقال ابن عبد ربه الأندلسي: >والشيعة... وهم الذين يفضلون علياً على عثمان ويتولون أبا بكر وعمر<([670]).

2ـ التشيع هو محبة علي× وتقديمه على سائر الصحابة، قال أبو الحسن الأشعري: >وإنما قيل لهم: الشيعة؛ لأنهم شيّعوا علياً ( رضوان الله عليه) ويقدمونه على سائر أصحاب رسول الله<([671]).

وقال ابن حجر في هدي الساري: >والتشيع محبة علي وتقديمه على الصحابة، وقد يطلق على هذا النوع: الغلو في التشيع، أو الرفض<([672]).

3ـ التشيع هو النيل من عثمان وطلحة والزبير ومن حارب علياً×، بل ربما اعتقد كفرهم، وتبرّأ من الشيخين، قال الذهبي: >فالشيعي الغالي في زمان السلف وعرفهم هو من تكلم في عثمان والزبير وطلحة ومعاوية، وطائفة ممن حارب علياً (رضي الله عنه)، وتعرض لسبهم. والغالي في زماننا وعرفنا هو الذي يكفر هؤلاء السادة، ويتبرأ من الشيخين<([673]).

4 ـ التشيع هو الاعتقاد بأن علياً× هو الإمام المنصوص عليه بعد النبي’، وأنّ الأئمة بعده من ولده، قال الشهرستاني: >الشيعة هم الذين شايعوا علياً (رضي الله عنه) على الخصوص، وقالوا بإمامته وخلافته نصـاً ووصية<([674]).

وقال ابن خلدون أنه يطلق: >في عرف الفقهاء والمتكلمين من الخلف والسلف على أتباع علي وبنيه (رضي الله عنهم) ومذهبهم جميعاً متفقين عليه: أن الإمامة ليست من المصالح العامة التي تفوض إلى نظر الأمة، ويتعين القائم بها بتعيينهم، بل هي ركن الدين وقاعدة الإسلام، ولا يجوز لنبي إغفاله، ولا تفويضه إلى الأمة، بل يجب عليه تعيين الإمام لهم، ويكون معصوماً من الكبائر والصغائر، وإن علياً (رضي الله عنه) هو الذي عيّنه (صلوات الله وسلامه عليه) بنصوص ينقلونها، ويؤولونها على مقتضى مذهبهم<([675]).

من خلال ما تقدم من الأقوال يتبين: أنه لا يوجد اتفاق واضح على مصطلح التشيع عند علماء أهل السنة، وخصوصاً المحدثين منهم. كما يلحظ أن مفهوم الشيعي أو الرافضي على مراتب عند بعضهم، فهناك مرتبة الشيعي الجلد ومرتبة المقيت والمغالي، وهناك المحترق أيضاً، قال الذهبي: >من خالف في ذا [أي أفضلية الشيخين] فهو شيعي جلد، ومن أبغض الشيخين واعتقد صحّة إمامتهما فهو رافضي مقيت، ومن سبهما واعتقد أنهما ليسا بإمامي هدى فهو من غلاة الرافضة<([676]).

الاختلاف في تحديد مصطلح الرافضة

 ولو لاحظنا مصطلح الرافضة ودرجاته وكثرة الاختلافات فيه وتداخله مع مصطلح الشيعة سوف تتعقد المسألة أكثر، فلمصطلح الرافضة عند العلماء أقوال متعددة، منها:

1 ـ تقديم علي وتفضيله على خصوص عثمان، قال البربهاري، إمام السنة والجماعة في زمانه: >من وقف عند عثمان وعليّ فهو شيعي، لا يعدّل ولا يكلّم ولا يجالس، ومن قدّم علياً على عثمان فهو رافضي، قد رفض آثار أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وسلم)<([677]).

2ـ تقديم عليّ على أبي بكر وعمر وسائر الصحابة، قال ابن حجر: >والتشيع محبة علي وتقديمه على الصحابة، وقد يطلق على هذا النوع: الغلو في التشيع، أو الرفض<([678]).

3 ـ الروافض: >قوم من الشيعة، سموا بذلك لأنهم تركوا زيد بن علي، قال الأصمعي: كانوا بايعوه، ثم قالوا له: ابرأ من الشيخين نقاتل معك...فرفضوه وأرفضوا عنه، فسموا رافضة<([679]).

ويذهب إلى هذا الرأي العديد من علماء الفرق، كعبد القاهر البغدادي([680])والشهرستاني([681])والإسفراييني([682])وغيرهم.

4ـ الرافضة: هم من رفضوا إمامة الشيخين، قال الأشعري: >وإنما سموا رافضة لرفضهم إمامة أبي بكر وعمر، وهم مجمعون على أن النبي نص على استخلاف على بن أبي طالب باسمه<([683]).

وهذا الرفض يعبر عنه بالرفض الكامل أو الرفض المحض، وإلى هذا المعنى يشير الذهبي في كلامه حين يقول: >ثم بدعة كبرى، كالرفض الكامل والغلو فيه<([684])، وكذلك ابن حجر حين يقارن بين التشيّع عند المتقدمين والتشيّع عند المتأخرين، فيقول: >وأما التشيع في عرف المتأخرين فهو الرفض المحض، فلا تقبل رواية الرافضي الغالي ولا كرامة<([685]).

5 ـ الرافضة: هم من رفضوا أصل دين الإسلام، قال اللالكائي: >وإنّ الرافضة رفضوا الإسلام<([686])!!

6ـ الرافضـة هم جند تركوا قائدهم وانصرفوا([687])، وهذا المعنى غير مختص بالشيعة.

هذه أهم الأقوال في معنى الشيعة والرافضة من وجهة نظر المذاهب السنية، وهي كما ترى قد تتحد أو تتداخل أو تلتقي في بعض الموارد، وقد يفترق بعضها عن بعض.

 فتبيّن من خلال ما تقدّم: أنّ مفهوم التشيّع أو الرفض هو مفهوم مضطرب عند أهل السنّة، غير محدّد الأُطر, وغير متّضح المعالم, ومنه يتّضح أنّ ما ذكرتموه في بحثكم المتعلق بالوصية: من أن الرافضة سموا بهذا الاسم؛ لرفضهم زيد بن علي، هو رأي من بين عدد كبير من الآراء، كما تبين، مضافاً إلى أن بعض الشواهد والأدلة لا تساعد على ما ذهبتم إليه، كما سيتضح.

أول ظهور لاصطلاح الرافضة                            

من خلال التدقيق في بعض الشواهد والأدلة يتبيّن أنّ اصطلاح الرافضة له جذور قديمة في التاريخ الإسلامي، وسابق على حادثة خروج زيد بن علي على هشام بن عبد الملك، في سنة 122هـ، ومن ذلك ما نقله نصر بن مزاحم المنقري في كتابه وقعة صفين، واليعقوبي في تاريخه:

عن معاوية، أنه كتب إلى عمرو بن العاص وهو في البيع في فلسطين: >أما بعد، فإنه كان من أمر على وطلحة والزبير ما قد بلغك، وقد سقط إلينا مروان بن الحكم في رافضة أهل البصرة<([688]).

 ونقل ابن أعثم الكوفي أن معاوية كتب إلى عمرو بن العاص وعمرو يومئذٍ بفلسطين: >أما بعد، فقد كان من أمر عثمان بن عفان ما علمت، وأن علي بن أبي طالب قد اجتمع إليه رافضة أهل الحجاز وأهل اليمن والبصرة والكوفة<([689]).

وكذلك جاء في كتاب المحاسن والمساوئ للبيهقي: أن عبد الملك بن مروان حج وكان معه الفرزدق، فبينا هو قاعد بمكة في الحجر إذ مر به عليّ بن الحسين بن علي بن أبي طالب وعليه مطرف خزّ، فقال عبد الملك بن مروان, خامس خلفاء بني أمية (86 هـ ): >من هذا يا فرزدق؟ فأنشأ يقول: هذا الذي تعرف البطحاء وطأته... فلما فرغ من شعره، قال له عبد الملك: أَوَ رافضيّ أنت يا فرزدق؟ فقال: إن كان حبّ أهل البيت رفضاً فنعم، فحرمه عبد الملك جائزته<([690]).

 فاصطلاح الرافضة بشكل عام اصطلاح سياسي، يطلق عادة على من يرفض ويعارض السلطات الحاكمة، ولذا أطلقته الحكومات الجائرة على جماعة أهل البيت^، لرفضهم ظلم وتعسف هذه الحكومات، وتسلطها على رقاب المسلمين بالحديد والنار، وهذا الأمر كلّف أتباع أهل البيت^ الكثير من المعاناة والمصائب, فتنوعت بحقهم أشكال التجاوزات، ومن بينها الطعن بصدقهم وعدالتهم على رأي الكثير من علماء الجرح والتعديل، إن لم يكن جلّهم.

الرافضة والشيعة عند أهل الجرح والتعديل

 إضافة للخلاف الكبير الذي نقلناه في مسألة الراوي المخالف في العقيدة, فقد وقع خلاف وكلام أيضاً في خصوص رواة الشيعة، أو من اتهم بأنه منهم، بل نظن أنّ قضية الراوي المبتدع إنما طرحت لأجل معالجة مشكلة الرواة الشيعة، وما نقلوه من روايات تتعارض مع المناهج والقواعد والاعتقادات التي سادت في تلك الأزمنة، والتي طرحت على أنها الدين الحق فلا يمكن المساس بها.

 وقد لخّص لنا الذهبي الآراء في مسألة رواة الرافضة، فقال: >قد اختلف الناس في الاحتجاج برواية الرافضة على ثلاثة أقوال: أحدها: المنع مطلقاً، الثاني: الترخص مطلقاً إلا فيمن يكذب ويضع، الثالث: التفصيل: فتقبل رواية الرافضي الصدوق العارف بما يحدث، وترد رواية الرافضي الداعية ولو كان صدوقاً<([691]).

هذا، وقد ذهب الكثير من المحدثين وعلماء الجرح والتعديل إلى عدم قبول رواة الشيعة واتهموهم بالكذب، بل نفى الذهبي أن يوجد في الرافضة أحد صادق، فقال بعد أن قسّم البدعة إلى صغرى وكبرى: >ثم بدعة كبرى، كالرفض الكامل والغلو فيه، والحط على أبي بكر وعمر (رضي الله عنهم)، والدعاء إلى ذلك، فهذا النوع لا يحتج بهم ولا كرامة. وأيضاً فما أستحضر الآن في هذا الضرب رجلاً صادقاً ولا مأموناً، بل الكذب شعارهم، والتقية والنفاق دثارهم، فكيف يقبل نقل من هذا حاله! حاشا وكلا<([692]).

وفي ميزان الاعتدال ذكر الذهبي: أنه سُئل مالك عن الرافضة، فقال: >لا تكلمهم ولا ترو عنهم، فإنهم يكذبون، وقال حرملة: سمعت الشافعي يقول: لم أر أشهد بالزور من الرافضة، وقال مؤمل بن إهاب: سمعت يزيد بن هارون يقول: يكتب عن كل صاحب بدعة إذا لم يكن داعية إلا الرافضة فإنهم يكذبون<([693]).

 وقال ابن حجر: >وأما التشيع في عرف المتأخرين فهو الرفض المحض، فلا تقبل رواية الرافضي الغالي ولا كرامة<([694]).

 وقال ابن تيمية: >وقد اتفق أهل العلم بالنقل والرواية والإسناد على أن الرافضة أكذب الطوائف، والكذب فيهم قديم، ولهذا كان أئمة الإسلام يعلمون امتيازهم بكثرة الكذب<([695]).

ولهذا يرفض الكثير من علماء أهل السنة وجود رواة رافضة ـ كما زعمتم بوجودهم ـ في صحيح البخاري ومسلم.

 فأين هذا المنهج الواضح الذي تتكلم عنه، يا سعادة الدكتور، في أنكم متى ما ثبت لديكم صدق الراوي أخذتم به وإن كان رافضياً أو غير ذلك؟!!

توثيق الخوارج والنواصب

من الأمور البارزة عند علماء الجرح والتعديل من أهل السنة، بشكل عام، هو توثيقهم للنواصب والخوارج، والناصبي ـ كما هو معروف ـ هو من نصب العداء لأهل البيت^، ولعلك أشرت إلى بعض التبريرات التي يستند إليها علماء الحديث في توثيقهم، فقلت: >قد ثبت للعلماء صدق الخوارج في الحديث، فإنَّهم يُكفِّرون مرتكب الكبيرة، وهذا يعني أنَّ الكذب منهم غير وارد، ولهذا رووا عنهم<([696])، في حين يُجرح الشيعة بحجة تدينهم بالتقية التي تساوي الكذب عندهم!! وقد حيّرت هذه المفارقة الغريبة الحافظ ابن حجر، فقال: >وقد كنت استشكل توثيقهم الناصبي غالباً وتوهينهم الشيعة مطلقاً، ولاسيما أن علياً ورد في حقه لا يحبه إلاّ مؤمن، ولا يبغضه إلاّ منافق<([697])، وراح يبحث عن توجيه لذلك ولم يجرؤ على القول بأن هذا حكم جائر لم يستند إلى دليل واضح.

 ثم إنّه بعد أن وجد توجيهاً يبرر ذلك فكأنه سُرّ به، فقال: >ثم ظهر لي في الجواب عن ذلك: أن البغض هاهنا مقيد بسبب كونه نَصَرَ النبي؛ لأن من الطبع البشري بغض من وقعت منه إساءة في حق المبغض، والحب بالعكس، وذلك ما يرجع إلى أمور الدنيا غالباً، والخبر في حبّ علي وبغضه ليس على العموم، فقد أحبّه من أفرط فيه حتى ادعى أنه نبي أو إله، تعالى الله عن إفكهم، والذي ورد في حق علي من ذلك، قد ورد مثله في حق الأنصار، وأجاب عنه العلماء: إن بغضهم لأجل النصر كان ذلك علامة نفاقه وبالعكس، فكذا يقال في حق علي<([698]).

 وهذا التوجيه واضح الضعف جداً؛ فإنه من أين فهم ابن حجر أن بغض عليّ، الذي يكون سبباً ومعياراً للنفاق؛ كان مقيّداً بأن منشأه نصر النبي’؟! في حين أنّ الحديث مطلق في ظهوره يشمل من أبغض علياً في حياة النبي’ وكذا بعد وفاته؛ ولا شك أن هذا الإطلاق جاء لأن علياً× يمثّل الحق الواضح والصراط المستقيم، كما ورد في الأحاديث الصحيحة من قبيل قوله ’: >علي مع القرآن, والقرآن مع علي< وقوله ’: >الحق مع ذا, الحقّ مع ذا<([699])، فمن أبغضه× مع كونه على الحق، لا شك في كونه منافقاً كاذباً في إيمانه وإسلامه.

ثم إنّ ما ذكرتموه أنتم وغيركم من تبرير لتوثيق النواصب والخوارج؛ كونهم يعتقدون بأن مرتكب الكبيرة كافر، والكذب كبيرة، فهو غير وارد منهم. هذا التبرير ليس مقبولاً؛ ضرورة أنّ مجرد اعتقاد طائفة أو مذهب بأن من يرتكب فعلاً معيناً يعدّ كافراً لا يمنع من وقوع هذا الفعل خارجاً منهم، فكم من الأفعال التي يخرج المسلم بفعلها وارتكابها من الدين، ترتكب يومياً من أفراد عديدة من المسلمين.

ثم إذا كان الخوف من الوقوع في الكفر بسبب فعل المعصية باعثاً لهم على التقوى فيمتنع الوقوع خارجاً، فهذا لا يفترق عن الخوف بسبب الوعيد على فاعل تلك المعصية بأليم العقاب من غيرهم، فيكون هذا الخوف أيضاً من تحقق الوعيد باعثاً على التقوى فيمتنع فعل المعصية خارجاً.

فسواء اعتقد الشخص أن الكذب من الكبائر التي تفضي إلى الكفر، أم اعتقد أنها من الكبائر التي تفضي إلى أليم العقاب، فإنّ منشأ حقيقة الخوف هو الدخول في النار، والمفروض تحقّقه في كلا الفرضين، فلا امتياز بينهما.

 فالخارجي حاله حال الشيعي، فكما أن الأول يرى أن الكذب كبيرة توجب الكفر ودخول النار فيمتنع عنه, كذلك الشيعي لا يبيح الكذب، بل يراه معصية توجب دخول النار فيمتنع أيضاً.

وما يقال من أنّ الشيعة يؤمنون بمبدأ التقية, وهو يجيز لهم الكذب، فنقول: هذا الكلام لا يصح بحال من الأحوال, وسنشير إلى ذلك لاحقاً, كيف ذلك؟ وها هم فقهاء الشيعة من أوّلهم إلى آخرهم يفتون بحرمة الكذب, ويعدّونه من الكبائر, خصوصاً الكذب على الله ورسوله, بل عدّوه من المفطرات في شهر رمضان([700]).

وأمّا ما يتعلّق بالخوارج، الذين تحتجّون بهم! فقد وردت روايات صحيحة وصريحة وواضحة في مروقهم عن الدين كمروق السهم من القوس، فإن لم يدل هذا على كفرهم وخروجهم من الدين القاضي بإسقاط رواياتهم من الأساس، فلا أقل من دلالته على فسقهم ونفاقهم، كيف؟ وهم يبغضون سيد العترة علي بن أبي طالب× الذي كان حبه وموالاته آية الإيمان، وبغضه ونفاقه علامة النفاق؟

 أخرج مسلم في صحيحه بسنده إلى علي بن أبي طالب قال: >والذي فلق الحبة وبرأ النسمة إنه لعهد النبيّ الأميّ (صلى الله عليه وسلم) إليّ أن لا يحبني إلاّ مؤمن ولا يبغضني إلا منافق<([701])، والكذب صفة لا تفارق المنافق، كما يشهد بذلك الله تعالى في قوله: {واللّه يَشهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ}([702]).

إضافة إلى أنهم قد ارتكبوا أبشع الجرائم من القتل والسلب والنهب والإفساد في الأرض، فقتلوا في بداية ظهورهم عبد الله بن خباب ـ من كبار التابعين وابن الصحابي الجليل خباب بن الأرت ـ وزوجته وبقروا بطنها، وكانت حبلى، بلا ذنب يذكر([703]).

 ثم توّجوا تلك الجرائم بقتل سيد الموحدين الإمام علي×، في المسجد وهو في محراب الصلاة وفي شهر رمضان المبارك([704])، أفلا تحول تلك الجرائم البشعة التي ارتكبوها، مع سبق الإصرار والتعمد، عن توثيقهم والأخذ بمروياتهم؟ وإذا فعلوا ذلك متأولين بأن ما يفعلونه كان حقاً باعتقادهم، فما يمنعهم من وضع الحديث والكذب فيه بتأويل أن ذلك سائغ لنصرة مذهبهم واعتقادهم؟ ثم ما ينفع تأويلهم وقد ورد ذم خاص في حقّهم, وأنهم يمرقون من الدين مروق السهم من الرمية([705])؟

 ويؤيده ما أخرجه الخطيب البغدادي بسنده عن أبي عبد الرحمن المقري عن ابن لهيعة، قال: >سمعت شيخاً من الخوارج وهو يقول: إن هذه الأحاديث دين، فانظروا عمّن تأخذون دينكم، فإنّا كنّا إذا هوينا أمراً صيّرناه حديثاً<([706]).

قال ابن حجر عن هذا الخبر: >حدّث بها عبد الرحمن بن مهدي الإمام عن ابن لهيعة، فهي من قديم حديثه الصحيح... وهذه والله قاصمة الظهر للمحتجين بالمراسيل؛ إذ بدعة الخوارج كانت في صدر الإسلام، والصحابة متوافرون، ثم في عصر التابعين، فمن بعدهم، وهؤلاء كانوا إذا استحسنوا أمراً جعلوه حديثاً وأشاعوه، فربما سمعه الرجل السني، فحدّث به<([707]).

قلتم: حريز بن عثمان إمّا بريء من تهمة السب أو أنّه تاب

ذكرنا في معرض كلامنا عن توثيقكم للخوارج والنواصب نماذج وتطبيقات عملية على ذلك، ومن تلك النماذج توثيق حريز بن عثمان، الذي كان من الذين يسبون علياً×، وقلتم: إنه ورد في ترجمته ثلاثة أنواع من الكلام فيما يخص عليَّ بن أبي طالب (رضي الله عنه):

نوع من الكلام فيه: أنَّه كان يحمل على عليّ (رضي الله عنه). ونوع كان يتبرَّأ من ذلك ويبرؤه غيره. ونوع أنَّه تاب.

ثم قلتم: ونحن نميل إلى أنَّ الرجل بريء من تهمة السب والشتم أو أنَّه تاب([708]).

الجواب

توجد عدة ملاحظات على ما ذكرتموه في هذه المسألة:

أولاً: أنّ ما ورد في ترجمة حريز بن عثمان بخصوص مسألة سبه لأمير المؤمنين× ليس كما قلتم على نحو دقيق، فإن النوع الثالث من الأخبار لم تذكر توبته، وإنما دل على أنه كان يسب أمير المؤمنين× ثم ترك ذلك، وليس تركه ذلك يعني بالضرورة أنه تاب؛ إذ فرق بين أن يترك السبّ والشتم لسبب من الأسباب وبين التوبة الحقيقية التي تعني أنه ندم على ذلك وعزم على عدم العودة إليه.

ولا يوجد فيما ينقل في ترجمته ما يدل على المعنى الثاني.

 ففي التاريخ الكبير للبخاري: >قال أبو اليمان: كان حريز يتناول من رجل ثم ترك ذلك<([709])، ومما يعزز صحة ما نقوله أن ابن حجر قال بعد نقله لهذا الخبر: >فهذا أعدل الأقوال، فلعله تاب<([710])، وكلامه يدل على أن الخبر لا يظهر منه أنه تاب، فلذا اعتبر توبته محتملة ولم يجزم بذلك كما جزمتم.

ثانياً: ويؤيد صحة ما ذهبنا إليه من أن حريز بن عثمان ممن كان يحمل علي أمير المؤمنين× ويناصبه العداء ويسبه ويشتمه، عدة أمور وأسباب:

أـ إن الأخبار والآثار التي أثبتت تحامله وبغضه وسبه لأمير المؤمنين× أخبار وآثار كثيرة، لها طرق متعددة وألفاظ مختلفة، مما يدل على شهرتها بين المحدثين.

 وقد حكم بعض المحققين على بعض أسانيدها بأنها جيدة:

 نقل المزي في تهذيب الكمال عن >أحمد بن سعيد الدارمي عن أحمد بن سليمان المروزي: حدثنا إسماعيل بن عياش، قال: عادلت حريز بن عثمان من مصر إلى مكة، فجعل يسبّ علياً ويلعنه<.

 قال الدكتور بشّار عواد معروف في تحقيقه لكتاب تهذيب الكمال: >إسنادها جيد<([711]).

ب ـ ما دل من الآثار على أن حريزاً لم يسبّ ولم يشتمّ، هي عبارة عن أثر أو أثرين وكلها عن حريز نفسه، وهي معارضة بالآثار الكثيرة الدالة على أنّه كان يسب أمير المؤمنين×، بل كان شديد التحامل عليه، وكذلك معارضة بالأثر الدال على أنه كان يسبّ ثم ترك الذي رواه البخاري في التاريخ الكبير عن أبي اليمان كما تقدم، فيعتبر ما رواه حريز في نفيه للسب شاذاً وما يُثبت حصول السب منه هو المحفوظ.

ج ـ هناك من العلماء ممن جزم بأن حريزاً كان ناصبياً يشتم علياً× ويحمل عليه، منهم ابن حبان، الذي اعتبره من الدعاة إلى مذهبه، وهو النصب([712]):

قال في ترجمة إبراهيم بن يعقوب بن إسحاق الجوزجاني: >وكان حريزي المذهب، ولم يكن بداعية<([713])، وحريزي نسبة إلى حريز بن عثمان.

ولو لا اشتهار حريز بمذهبه، وهو النصب، لما كان هناك مبرر لنعت الجوزجاني بأنه حريزي، قال ابن حجر: >ورأيت في نسخة من كتاب ابن حبان حريزي المذهب، وهو بفتح الحاء المهملة وكسر الراء وبعد الياء زاي، نسبة إلى حريز بن عثمان المعروف بالنصب<([714]).

وقال العجلي في الثقات: >حريز بن عثمان الرحبي، شامي ثقة، وكان يحمل على علي<([715]).

وقال ابن عدي على ما نقله عنه ابن حجر في مقدمة الفتح: >كان من ثقات الشاميين وإنما وضع منه بغضه لعلي<([716]).

وقال الذهبي في الميزان: >كان متقناً ثبتاً، لكنه مبتدع<([717])، وبدعته هي النصب.

وقال في الكاشف: >ثقة... وهو ناصبي<([718])، وقال في المغني: >ثبت لكنه ناصبي<([719]).

وقال الألباني: >وهو ثقة من رجال البخاري، ولكنه كان يبغض علياً، أبغضه الله<([720]).

 وهؤلاء، كما هو معروف، يُعدّون من نقاد الحديث وعلماء الرجال، ولا بدّ أنّه كانت تحت نظرهم جميع الأقوال والآثار التي قيلت في ترجمة الرجل، ومع هذا اختاروا وقطعوا بأنه كان ناصبياً مبغضاً.

ثالثاً: قلنا إن الآثار التي أثبتت أنه لم يسب ولم يشتم جاءت من طريقه هو، وتُعارضها الطرق الأخرى التي أثبت السب عنه أو التي ذكرت أنه تاب، ولذا يعتبر قول أبي حاتم: >ولم يصح عندي ما يقال في رأيه<([721])، مردود بالقول: إن ثبوت النصب عنه جاء بطرق كثيرة بعضها جيد الأسناد كما أسلفنا.

 من هنا تعقبه ابن حجر بقوله: >قلت: جاء عنه ذلك [ثبوت النصب] من غير وجه<([722]).

 وعلق المحقق بشار عواد على قول أبي حاتم، بقوله: >ولكن صح عند غيرك يا أبا حاتم، وأقصى ما اُعتذر عنه أنه تاب عن ذلك!<([723]).

رابعاً: ما ذهبتم إليه من أنه إمّا بريء من ذلك أو أنَّه تاب، تبين أنه ليس صحيحاً، أمّا دعوى براءته من السب تماماً فيردها ما ذكرنا من الآثار الكثيرة، وأما كونه تاب فلا دليل عليه سوى خبر البخاري أنه كان يتناول من رجل ثم ترك، وهذا الدليل فيه:

 أولاً: أنه خلاف ما اشتهر عنه من النصب؛ ولذا اعتبره ابن حبان شاذاً وليس بمحفوظ، قال: >وكان علي بن عياش يحكي رجوعه عنه، وليس ذلك بمحفوظ عنه<([724]).

 وثانياً: لا ملازمة بين تركه السب، لو صح، وبين أنّه ندم وتاب.

فصحّ أن حريز بن عثمان كان من النواصب المبغضين لأمير المؤمنين×.

 والعجيب أنه مع هذا البغض والنصب كادوا أن يجمعوا على توثيقه؛ حتّى صرح الألباني بأنّ أقوالهم في توثيقه تواترت تواتراً عجيباً، نادراً ما نرى مثله في كثير من الثقات المعروفين مع وصف بعضهم إياه بالبغض المذكور([725])!

ولا ندري لو كان الرجل يحمل هذا المقدار من البغض الصريح للخليفة أبي بكر أو عمر فهل يصل إلى هذه المرتبة من التوثيق؟!

وقد علق المحقق بشار في هذا السياق على كلام الذهبي، مستغرباً أن يوثقه مع اعترافه بنصبه وبغضه لأمير المؤمنين×: >لا نقبل هذا الكلام من شيخ النقاد أبي عبد الله الذهبي؛ إذ كيف يكون الناصبي ثقة, وكيف يكون المبغض ثقة؟ فهل النصب وبغض أمير المؤمنين علي بن أبي طالب بدعة صغرى أم كبرى؟ والذهبي نفسه يقول في الميزان في وصف البدعة الكبرى: الرفض الكامل والغلو فيه، والحط على أبي بكر وعمر (رضي الله عنهما)، والدعاء إلى ذلك، فهذا النوع لا يحتج بهم ولا كرامة، أو ليس الحط على علي والنصب من هذا القبيل؟ وقد ثبت من نقل الثقات أن هذا الرجل كان يبغض علياً، وقد قيل: إنه رجع عن ذلك، فإن صح رجوعه فما الذي يدرينا إنه ما حدث في حال بغضه وقبل توبته؟ وعندي أن حريز بن عثمان لا يحتج به، ومثله مثل الذي يحط على الشيخين، والله أعلم<([726]).

التقية والكذب

وأما جرح الشيعة والطعن فيهم لأجل إيمانهم بعقيدة التقية، التي تساوي الكذب عندكم، فهذا أمر قد أجاب عنه العلماء، وبيّنوا فيه الحق، والفرق الواضح بين الكذب والتقية، فالتقية التي يعتقد بها الشيعة مبدأ قرآني أصّله القرآن الكريم بقوله تعالى: {لاَّ يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُوْنِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلاَّ أَن تَتَّقُواْ مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ}([727])، بخلاف الكذب الذي ترفضه الطبيعة البشرية فضلاً عن الشرائع السماوية والأرضية، وأحاديث أتباع أهل البيت× وفقههم مليء بالنهي عن الكذب والبهتان، وارتكابه عمداً من أعظم المعاصي عندهم، خصوصاً إذا كان كذباً على الله ورسوله، كما هو الحال في نقل الحديث، ولا يسعنا هنا إلاّ أن نقول: لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، والله المستعان على ما تصفون!

نهج البلاغة عند الشيعة

بمناسبة الإجابة عن الشبهات التي ترد على كتاب نهج البلاغة، والتي ما زالت تتكرر على مرّ التاريخ منذ ظهور هذا الكتاب، وقد أشار ابن أبي الحديد المتوفى سنة 656هـ إلى بعض من هذه الشبهات([728])، أحببنا أن ننبه إلى أمر مهم قد يغيب عن أذهان الكثير:

 وهو أن المطلع على طريقة ومنهج أتباع أهل البيت^ في مسألة تلقي الشريعة، يعرف أنّ لديهم قواعد وأسساً علمية رصينة، قد أخذوها عن أهل البيت^ تحقق لهم الوصول إلى ما يؤمنون به من أصول العقيدة، وما يتدينون به من أحكام وفروع فقهية.

 فهم في مجال أصول العقائد ـ كما بيّنا مراراً ـ لا يكتفون بأخبار الآحاد مهما كانت صحيحة ما لم تورث العلم والقطع، وفي مجال الفقه والأحكام الشرعية لديهم طرق علمية في تمحيص الروايات ورواتها، وبحوثهم الفقهية وكتبهم المدونة تشهد بذلك، ولعل من أوضح أنواع الوهن في الروايات وضعفها هي كونها مرسلة غير مسندة، وعلى هذا الأساس كان تعاملهم مع مصادرهم ورواياتهم، فتراهم لا يعتمدون على مراسيل الروايات، بل وضعافها إلاّ إذا شهد لها ما يرفعها ويقويها من شواهد وقرائن.

 من هنا كان تعاملهم مع كل ما يدعى صدوره عن الرسول| أو الأئمة^ وفي مقدمتهم أمير المؤمنين× وما ورد عنه، سواء في كتاب نهج البلاغة أو غيره، تعاملاً منهجياً علمياً، يتم من خلاله إثبات صحة صدوره من عدمه، وذلك عبر بحث جهة ذلك الصدور وفق منهج علمي صارم، وكذلك البحث في دلالته، فلا يقبلون الحديث الذي يتصادم مع مسلمات العقل وصريح القرآن وإن صح سنده، بخلاف غيرهم.

 هذا هو، يا سعادة الدكتور، المنهج الذي في دائرته يأخذ الشيعة أمور دينهم، والعلمية والموضوعية والأكاديمية تحتم على الباحث، أمثالك، أن يتأكد قبل أن يجزم بأحكامه.

ونهج البلاغة ـ بلا أدنى شك ـ لن يكون استثناء من هذا المنهج العلمي المتبع، فلذا سعى المحققون وبعض المؤسسات التحقيقية في مهمة البحث عن مصادر نهج البلاغة وأسانيده، من مصادر الفريقين، لمعرفة أصوله ومصادره، فتمّ إنجاز بعض الأعمال حول بيان أسانيد ومصادر نهج البلاغة، وطبعت عدّة كتب تهتم بهذا الشأن، مثل كتاب (مصادر نهج ‏البلاغة وأسانيده) للسيد عبد الزهراء الحسيني الخطيب، وكتاب (مدارك نهج البلاغة) للشيخ رضا الأستادي، وكتاب (أسناد ومدارك نهج البلاغة) للشيخ محمد الدشتي، وغيرها من الكتب في هذا المجال.

ثم إن ما طرحتموه من إشكالات وشبهات ليست جديدة، فهي قديمة جداً، وقد أجيب عنها، ونحن سنجيب عنها بشكل موجز، وبحسب ما يسمح به المقام.

نهج البلاغة كتاب جامع

صحيح أنّ الشريف الرضي&، كما يبدو أن غرضه الأساس من تأليف الكتاب كان غرضاً أدبياً بلاغياً، فأراد جمع ما ورد عن أمير المؤمنين من بليغ الكلام وفصيحه:

 قال رحمه لله: >وسألوني... أن أبدأ بتأليف كتاب يحتوي على مختار كلام مولانا أمير المؤمنين× في جميع فنونه، ومتشعبات غصونه، من خطب وكتب ومواعظ وآداب، علماً أن ذلك يتضمن عجائب البلاغة، وغرائب الفصاحة، وجواهر العربية، وثواقب الكلم الدينية والدنيوية<([729]). ولكن ذلك لا يعني أن نهج البلاغة كان خلواً من الإشارات العلمية والبيانات المعرفية، فقد حوى بين دفتيه نفحات علمية نفيسة في علم الكلام والفلسفة والتفسير والتاريخ والأخلاق والآداب وغيرها؛ ما جعله قبلة لطالبي العلم والمعرفة من علماء وأدباء المسلمين وغير المسلمين؛ فاعتنوا به وبادروا إلى روايته وقراءته وإجازته واستنساخه ومقابلته، وتعاهدوه بالشرح والتبيين والتعليق، بحيث يتعذر أو يتعسر إحصاء شروحه جميعها؛ ما يكشف عن أهمية هذا الكتاب وكثير فائدته:

 قال صبحي الصالح في مقدّمته للنهج: >منذ أن تصدّى الشريف الرضي لجمع ما تفرّق من كلام أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب ووسمه نهج البلاغة, أقبل العلماء والأُدباء على ذلك الكتاب بين ناسخ له يحفظ نصّـه في لوح صـدره، وشارح له ينسم الناس عن تفسيراته وتعليقاته<([730]).

قلتم: إن نهج البلاغة لا يصلح كتابا تاريخيا ولا أدبيا

على خلاف رأي الكثير من العلماء والأدباء والمفكرين ذهبتم إلى أنّ نهج البلاغة لا يصلح أن يكون كتاباً تاريخياً ولا أدبياً؛ لأنه مقطوع السند:

قلتم: >نهج البلاغة لا يصلح كتاباً تاريخياً، بل ولا أدبياً؛ لأنَّه كتاب مقطوع السند، بل عندنا مختلق، كاتبه شاعر، وعبارته واضحة التكلف، لا يليق كثير منها بفصاحة وبلاغة عليّ ابن أبي طالب (رضي الله عنه) التي كانت على منهاج العرب القدماء، فكيف يُعتمَد عليه في قضايا عقدية؟!<([731]).

الجواب

 تمنينا أنّه لو لم تصدر منكم هكذا دعوى، فنحن نظن أنه يزري بنفسه من يدعيها؛ لا سيما عندما تصدر بلا روية ولا تحقيق؛ اعتماداً وتقليداً لأقوال الغير، وإلاّ فنهج البلاغة من جهة كونه كتاباً أدبياً مما يكاد يجمع عليه كل من له حسّ أدبي، ومعرفة بفنون الفصاحة والبلاغة ومجاري الكلام العربي وأساليبه، بل جعله البعض في قمة الكلام بلاغة وفصاحة:

 قال ابن أبي الحديد المعتزلي، وهو من العلماء والأدباء المرموقين، عند شرحه للنهج: >ويكفي هذا الكتاب الّذي نحن شارحوه دلالة على أنّه لا يُجارى في الفصاحة، ولا يُبارى في البلاغة، وحسبك أنّه لم يدوّن لأحد من فصحاء الصحابة العُشـر، ولا نصف العُشـر ممّا دُوّن له<([732]).

وقال العالم والأديب الشيخ محمد عبده عند شرحه لنهج البلاغة: >فتصفحت بعض صفحاته وتأملت جملاً من عباراته من مواضع مختلفات وموضوعات متفرقات، فكان يخيّل إلي في كل مقام أن حروباً شبت وغارات شنت، وإن للبلاغة دولة وللفصاحة صولة... وأن مدبر تلك الدولة وباسل تلك الصولة هو حامل لوائها الغالب علي بن أبي طالب<([733]).

وقال العلامة محمود شكري الآلوسي السلفي المشرب: >هذا كتاب نهج البلاغة قد استودع من خطب علي بن أبي طالب (سلام الله عليه) ما هو قبس من نور الكلام الإلهيّ، وشمس تضي‏ء بفصاحة المنطق النبويّ<([734]).

 وغير ذلك عشرات الأقوال في نهج البلاغة لكبار العلماء والأدباء، من المسلمين وغير المسلمين، تشهد بفصاحة وبلاغة ما في هذا الكتاب، وتعدّه من أهم كتب الأدب.

 وهذا ما يقرّ به العلامة عبد السلام هارون الذي استشهدتم بكلامه، في مقدمته على تحقيق صبري إبراهيم حول نهج البلاغة، والذي اعتمدتم عليه في إجابتكم:

 قال عبد السلام هارون: >فكتابنا هذا (نهج البلاغة) يعدّ في طليعة أمهات كتب الأدب العربي، ولا تكاد تخلو مكتبة أديب حفيّ بالتراث العربي تخلو من الظفر به أو اقتنائه<([735])، فحري بكم، يا سعادة الدكتور،ألاّ تبادروا إلى إطلاق الأحكام بلا تحقيق وتأنٍّ، ومن دون الرجوع إلى أهل الخبرة والاختصاص، فللعلوم فروع وتخصصات ولها خبراء ومختصون.

وأما ما ذكرتموه من دليل على نفي كون نهج البلاغة من كتب التاريخ والأدب؛ كونه مقطوع السند، فهو في غاية الغرابة!

 وهذه الغرابة تجعلنا ننوه إلى أمر منهجي مهم وهو: أنّ الأخوة السلفية قد وقعوا في اشتباه منهجي خطير، قد أوقعهم في كثير من الزلات العلمية، وهو تطبيقهم منهج المحدثين، وبأعلى درجاته، على سائر العلوم الأخرى، من تاريخ وتفسير ولغة وأدب، ولم يقتصروا فيه على علم الحديث، وهو خطأ فادح وتعدّ فاحش على معايير النقد المختلفة للعلوم ما يفضي إلى هدمها وإلغائها؛ لأن منهج المحدثين لا يصلح أن يكون المنهج الوحيد لنقد بقية العلوم؛ فإن لعلماء كل علم طريقتهم الخاصة في نقد علمهم، وفي الفحص عن صحة ما لديهم. فلو أراد أهل اللغة، لكي يحتجوا بالشعر الجاهلي أن يطبقوا منهج المحدثين فلن يسلم لديهم شاهد واحد! وستنتهي اللغة، وكذلك التاريخ. فإننا على يقين لو استخدم منهج المحدثين على وقائع التاريخ وحوادثه لما بقي لديكم من التاريخ سوى كتيب صغير بائس، وعليكم حينها إغلاق جامعاتكم ومراكزكم العلمية، وعدم هدر الأموال لطبع عشرات الكتب التاريخية سنوياً، فمن الصواب، يا جناب الدكتور العزيز، احترام أئمة كل علم واحترام تخصصاتهم.

والشاهد على خطأ تطبيق منهج المحدثين على كتب الأدب وغيرها، ما ذكره الخطيب البغدادي في كتابه: الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع، تحت عنوان (ما لا يفتقر كتبه إلى الإسناد)، قال: >وأما أخبار الصالحين وحكايات الزهاد والمتعبدين ومواعظ البلغاء وحكم الأدباء، فالأسانيد زينة لها وليست شرطاً في تأديتها<([736]).

الاستشهاد بكلام عبد السلام هارون

استندتم في مناقشة سند كتاب نهج البلاغة وصحته وهوية مؤلفه وغير ذلك بكلام الأستاذ عبد السلام هارون في مقدمته على كتاب نهج البلاغة، الذي حققه الدكتور صبري إبراهيم السيد، طبعة عام 1406هـ، فنقلتم قوله: >وكنَّا إلى الأمس القريب في ريبتين اثنتين منه: أولاهما: من هو صانع الكتاب؟ أهو الشريف الرضي أم أخوه المرتضى؟...< ثم انتقلتم إلى قوله: >وإنَّ السجع والصناعة اللفظية تظهر في كثير من جوانبه، على خلاف المعهود في نتاج هذا العصر النبوي. قالوا: إنَّ فيه من دقة الوصف وغرابة التصوير، ما لم يكن معروفاً في آثار الصدر الأول الإسلامي، كما أنَّه يطوي في جنباته كثيراً من المصطلحات التي لم يتداولها الناس إلا [بعد] أن شاعت علوم الحكمة، كالأين والكيف... إلى أن قال: وأمر آخر يريب: وهو أنَّ جامع هذه النصوص لم يسجِّل في صدر كتابه أو أثنائه شيئاً من مصادر التوثيق والرواية<.

وإذا بقينا نحن وهذا النقل لكلام عبد السلام هارون لا نشك بأنه يتبنى هذه الإشكالات ويعتقد بصحتها، ولكن بعد مراجعة كلامه كاملاً يصاب المرء بالدهشة والذهول، لما حصل من تقطيع وتلاعب في الكلام؛ مما جعله يوحي بغير مراد المتكلم؛ فإن عبد السلام هارون لم يكن أبداً في معرض الجزم بأي من هذه الإشكالات التي نقلها وإنما استعرضها فقط، ولذا سنكون مضطرين إلى نقل جزء كبير من كلامه ليقارن القارئ بينه وبين ما اقتطعه الدكتور الغامدي ويحكم بنفسه، قال عبد السلام هارون: >وكنا في الأمس القريب في ريبتين اثنتين منه: أولاهما: من هو صانع هذا الكتاب؟ أهو الشريف الرضي، أم هو أخوه المرتضى؟ والأخرى: مدى صحة هذا الحشد الهائل من الخطب والرسائل والحكم، وبعبارة أدق: ما مدى توثيق هذا الكم الضخم ونسبة([737]) إلى الإمام عليّ (كرم الله وجهه)؟ ومن ذا الذي يقضي في هذه المسائل؟ فإن كثيرين من علماء القرن السادس الهجري يزعمون([738]) أن معظم هذه النصوص لا يصحّ إسناده إلى الخليفة الإمام، وإنما هو من صناعة قوم من فصحاء الشيعة، صنعوه ليزيدوا الناس يقيناً بما عرفوه من فصاحة الإمام واقتداره، مع أنّ فصاحة وبلاغة وسمو بيانه لا تحتاج إلى دليل، أو تفتقر إلى برهان، وزعموا أيضاً أن الشريف الرضي أو غيره نظموا أنفسهم في سلك هؤلاء الأقوام.

وقالوا: إنه مما يحيي هذا الشك ويقويه، ما اشتمل عليه هذا الكتاب من تعريض بالصحابة في غير موضع، وإنّ السجع والصناعة اللفظية تظهر في كثير من جوانبه على خلاف المعهود في نتاج هذا العصر النبوي. وقالوا إنّ فيه من دقة الوصف...<.

 وأخذ يستعرض أقوال المنكرين والمستشكلين إلى أن يقول: >وأمر آخر مريب: وهو أن جامع هذه النصوص لم يسجّل في صدر كتابه أو أثنائه شيئاً من مصادر التوثيق والرواية، كما هو المألوف في مثل هذه الكتب التي ينظر إليها بعين خاصة<. انتهى استعراض عبد السلام هارون لأقوال المنكرين لنسبة نهج البلاغة للإمام علي× واستدلالاتهم.

 فهو هنا لم يتبناها ولم يجزم بصحتها، بل جعلها على مستوى الزعم والظن، والشاهد على ذلك قوله بعد ذلك مباشرة عن هذه الأقوال: >هذه كلها شبهات تعلو ومسائل تطفو تحمل الباحث على كثير من التأمل، وطويل من الدرس([739])، شبهات ومسائل كانت تحيك في صدر كل دارس لهذا الكتاب الخالد، ويودّ لو أن تفرغ لدراستها من يزيل عنها تلك الأوضار، ليظهر من بينها يقين التحقيق<. ثم أيّد الأستاذ عبد السلام هارون ما توصل إليه المحقق والباحث: صبري إبراهيم، فقال: >فقد استطاع الدكتور صبري أن يحقق نسبة الكتاب إلى الشريف الرضي بما لا يدع مجالاً للشك. ثمّ تمكّن من تحقيق نسبة النصوص في هذا الكتاب بمختلف ضروبها من خطب ورسائل وحكم إلى أصحابها ومن بينها ما صحّت نسبته إلى الإمام علي في جملتها وتفصيلها، أو في تفصيلها فقط...<([740]).

مع صبري إبراهيم وتحقيقه لكتاب نهج البلاغة

لقد عدّ بعض الباحثين السنة ومن بينهم الأستاذ عبد السلام هارون أن تحقيق صبري إبراهيم لكتاب نهج البلاغة يعد من أفضل ما حقق في هذا المجال، حيث قال: >وهذا أمر يحدث للمرة الأولى بين الباحثين في هذا الكتاب بهذا الأسلوب المنهجي الفريد<([741]).

 كما أنكم اعتمدتم عليه في ردّكم وإجابتكم علينا، وسوف نوجز للقارئ الكريم أهم نتائج تحقيق هذا الباحث وما يمكن أن يؤاخذ عليه، فمن النتائج التي توصل إليها:

1ـ إن جامع كلام أمير المؤمنين× ومؤلف كتاب نهج البلاغة هو الشريف الرضي وليس المرتضى، كما يدعي بعض الباحثين.

2ـ خلص الباحث إلى أن نصوص نهج البلاغة على مستويات أربع:

أـ نصوص ثبتت صحة نسبتها إلى الإمام علي×، وهي التي اتفق جل علماء السنة والشيعة على صحة نسبتها إليه. ب ـ نصوص رواها الشيعة وحدهم، جـ ـ نصوص مشكوك في نسبتها لأسباب خاصة. دـ نصوص ثبتت نسبتها لآخرين.

 ولكن من الملاحظ أن هذه المستويات ليست على مقدار واحد، بل بعضها يعدّ ضئيلاً جداً؛ كالنصوص التي ثبتت نسبتها لآخرين أو التي شك في نسبتها إليه×.

 ومع هذا لم يشر الدكتور الغامدي إلى هذا التنويه، وإنما نقل الأقسام الأربعة فقط ليوهم القارئ مرة أخرى بأنها ربما تكون متقاربة النسبة والمقدار!

3ـ أثبت من خلال تحقيقه أن نصف خطب نهج البلاغة ثبتت نسبتها إلى الإمام علي× وروتها كتب الشيعة والسنة, وأنّ 13،3% من الخطب رواها الشيعة وحدهم، وبقي ربع تقريباً من الخطب لم يرد في أي من كتب الشيعة أو السنة، حسب ما توصل إليه الباحث.

4ـ ثلثا الرسائل الواردة في نهج البلاغة تقريباً ثبتت نسبتها إلى الإمام علي×، ولم يبق إلا القليل مما لم يجد الباحث له مصدراً عند الشيعة أو السنة.

5ـ استعرض الباحث عشرة من أدلة المشككين والمنكرين لصحة كتاب نهج البلاغة، ثم نقل الإجابات التي وردت عليها، وبإمكان القارئ المقارنة بينها، على الرغم من أنّ هذه الإجابات هي ليست كل ما أجيب به عن هذه الشبهات، ثم أبدى المحقق بعض الملاحظات على بعض ما في نهج البلاغة، وربما أيّد بعض أدلة المشكّكين والمنكرين، وما أورده قابل للمناقشة والرد.

دعوى انحصار مصادر نهج البلاغة بكتب الأدب والتواريخ

قلتم: >لم يستطع [صبري إبراهيم] أن يوثِّقها [نصوص نهج البلاغة] إلا من كتب الأدب والتواريخ، وهي كتب لا ترقى إلى الاعتماد أصلاً<([742]).

الجواب

1ـ هذا الكلام يخلو من الصحّة, فمصادر نهج البلاغة غير مختصّة بكتب الأدب والتواريخ، ومن طالع فهرست المحقق صبري يجد تنوعاً كبيراً لمصادر نهج البلاغة موزعة بين كتب الحديث والآثار والتفسير والتواريخ والآداب والأخلاق وغيرها.

وما ذكره المحقق العلامة عبد الزهراء الخطيب، الذي حقق نهج البلاغة وخرّج مصادره في كتابه مصادر نهج البلاغة وأسانيده، أكثر تنوعاً مما ذكره المحقق صبري، وغيرها من الكتب التي خرَّجت أسانيد ومصادر نهج البلاغة.

2ـ ثم إنّ القارئ لكلام الغامدي قد يسأل ويقول: لا ندري أين تريد أن نجد خطب وكلمات الإمام علي×؟ فهل لا بد أن يكون مصدرها الصحيحين أو السنن مثلاً وهي قد اختصت بنقل كلام النبي|، أم لا بد أن تكون في الكتب التي أشرفت الدولة الأموية على تدوينها ونشرها وهي تلعنه على منابرها، وهي حقيقة ثابتة شئت قبولها أم أبيت؟!

3ـ القول بأن كتب التاريخ لا ترقى إلى الاعتماد، هذا الكلام مع إطلاقه قد بيّنا خطأه سابقاً([743])، وذكرنا أهمية كتب التاريخ، وذكرنا أقسامها، وأنها ليست على شاكلة واحدة، ففيها كتب مسندة ومعتبرة وتعد من المصادر المعتمدة.

وقفة نقدية مع تحقيق صبري إبراهيم لنهج البلاغة

استشهدتم بكلام المحقق صبري إبراهيم حول مقارنته لبعض النصوص في نهج البلاغة مع مصادرها، فوجد فارقاً كبيراً:

 قلتم: >إنّ المحقق أجرى مقارنة بين النصوص التي في (نهج البلاغة) وبين نفس النصوص التي في كتب الأدب والتواريخ، فرأى أمراً عجيباً. النصوص في تلك الكتب لا يتعدَّى بعضها خمسة أسطر، وإذا بها تصبح في كتابنا هذا خمسين ومائة سطرٍ! فأثبت أنَّ الخطبة الأولى من أولها إلى قوله: (ولا وقت معدود) ومرجعه: (العقد الفريد) لابن عبد ربه، وهي هنا خمسة أسطر فقط، وفي الأصل ـ أي: في نهج البلاغة ـ أكثر من خمسين ومائة سطر. ثمَّ استطرد يبيِّن الفوارق بين النصوص الموجودة في تلك الكتب وهذا الكتاب<([744]).

الجواب

يمكننا أنّ نسجّل عدة ملاحظات نقدية بنحو إجمالي حول تحقيق الدكتور صبري إبراهيم، وهي:

الملاحظة الأولى: إنه من خلال مراجعة مؤلفات الدكتور صبري إبراهيم وما يتصل ببعض سيرته يتبين أن الرجل متخصص في مجال الأدب واللغة وما يرتبط بذلك، وليس من الذين لهم باع طويل في مجال تحقيق الكتب ومعرفة أسانيدها ومصادرها ومعرفة الصحيح والمعتبر منها، لا سيما كتب التاريخ والحديث، ولذا وقع في بعض الهفوات في تحقيقه لنهج البلاغة، كما سيتضح لاحقاً.

الملاحظة الثانية: من يطالع مقدمة تحقيق نهج البلاغة للدكتور صبري يلاحظ أنّ بعض النتائج التي توصل إليها، وإن كانت حقاً، ولكنه كان يعتمد على غيره في إثبات ذلك، كما في مسألة إثبات أن مؤلف الكتاب هو الشريف الرضي، فقد اعتمد في ذلك على كتاب استناد نهج البلاغة للأستاذ امتياز علي عرشي، فاستعرض أدلته من دون أن يعلق كثيراً عليها([745]).

الملاحظة الثالثة: قد ذكر عشر شبهات وإشكالات حول نسبة النصوص الواردة في كتاب نهج البلاغة، ثم أورد الردود عليها بلا أن يرجح أو يناقش في أدلة أي من الطرفين. نعم، أبدى بعض الملاحظات، كما قلنا، وكانت أول ملاحظاته مجرد استبعاد لما ورد في نهج البلاغة بحق الخلفاء؛ معتمداً في بيان سبب تأخر بيعة الإمام علي× للخليفة الأول، على كتاب الإمامة والسياسة المنسوب لابن قتيبة([746])، والتي لم تثبت تلك النسبة عند كبار المحققين؛ مما يؤشر على ضعف تحقيقه.

الملاحظة الرابعة: يلحظ أنه يعتمد على مجرد الاستحسان والذوقيات من دون دليل رصين، فقد جاء في ثاني ملاحظاته أنه يستبعد فيها الخطبة الثانية في النهج؛ بعلة أنها مسجوعة؛ وهي تستغرق بهذا السجع وقتاً وتحتاج إعمال فكر، وهذا غير مقبول عنده، والأمر، كما هو واضح، لا يعدو عن أن يكون مجرد استحسان بلا دليل.

الملاحظة الخامسة: قد جزم بأن الخطب والرسائل وغيرها مما جاء في نهج البلاغة، والتي لم يجد لها مصدراً من أهل السنة، بأن الشيعة وضعوها ونسبوها، قال: >وإذا كان بعض هؤلاء ممن ينتسبون إلى مذهب الشيعة قد وصل به الأمر إلى الكذب على الله تعالى والخوض في آياته، أفلا نتصوّر بعد هذا أن يكون البعض قد خاض أيضاً في خطب علي، فضم إليها ما ليس له؟ ولماذا لا نجد مثل هذه الخطب إلاّ في كتب الشيعة والمتأخرين منهم، ولا نجد لها ذكراً في كتب السنة... ومن العجيب أن نرى كلّ هذا الكم من خطب علي وأقواله، بينما لا نرى مثل هذا يحدث لأحد الصحابة كأبي بكر وعثمان وعمر؟<([747]).

نقول: إنّ هذا الكلام لا ينبغي صدوره من محقق معروف، فإن فيه:

 أولاً: اتهام صريح لعلماء كثيرين بأنهم يكذبون على الله ويضعون الأحاديث! وهو اتهام بلا دليل وحجة، والله تعالى يقول: {مَّا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ }([748]).

 وثانياً: من أين جزم هذا المحقق أنّ كل ما لم يجده في كتب السنة، فهو لا وجود له أصلاً، فهل سبر أغوار جميع المؤلفات والمخطوطات؟ وهل اطلع عليها جميعها؟ وهل وصل إليه جميع ما ألف في القرون السابقة؟!

 ألم يدرك أن هناك أعداداً كبيرة من الكتب قد ضاعت ولم تصل إلينا، وما نعلم عنها سوى الاسم فقط، أو لا نعلم عنها شيئاً؟ ثمّ أنّى له أن يجزم أنّ تراثنا الإسلامي جميعه منحصر بما حوته كتب أهل السنة التي وصلت إلينا؟!!

وثالثاً: أنّه قد نسي أو تناسى بأنّ الشريف الرضي كان يعيش في بغداد عاصمة الدولة الإسلامية وحاضرتها آنذاك، ومهوى العلماء وطلاب العلم والتحقيق، وقد كانت تضم مكتبات كبيرة فيها شتى صنوف الكتب في مختلف العلوم والآداب، ولعل من أهمها المكتبة التي أسسها الوزير سابور بن أردشير وزير الدولة البويهية التي حكمت بغداد في تلك الفترة.

 وكانت مكتبته عامرة بأنواع الكتب والمصنفات الكثيرة، والتي نظن أنها لم تكن بعيدة عن متناول الشريف الرضي، قال الصفدي: >سابور بن أردشير بن فيروزبه أبو نصر الجوزي ولد بشيراز سنة ست وثلاثين وثلاث مائة وتوفي سنة ست عشرة وأربع مائة... وكان قد ابتاع في سنة إحدى وثمانين وثلاث مائة داراً بين السورَين، وسماها دار العلم، وحمل إليها من الدفاتر ما اشتمل على سائر العلوم والآداب، ووقف عليها دار الغزل، ورتب فيها قوّاماً وخزّاناً... وذكر أنه كان فيها عشرة آلاف مجلدة من أصناف العلوم، وكان فيها مائة مصحف بخطوط بني مقلة؛ ولما وقع الحريق بالكرخ بعد هروب أهل في الجفلة مع البساسيري وقدوم طغرلبك إلى بغداد احترقت دار العلم هذه سنة إحدى وخمسين وأربع مائة<([749]). وقال الحموي في معجم البلدان: >بين السورين: تثنية سور المدينة: اسم لمحلة كبيرة كانت بكرخ بغداد، وكانت من أحسن محالها وأعمرها، وبها كانت خزانة الكتب التي وقفها الوزير أبو نصر سابور بن أردشير وزير بهاء الدولة بن عضد الدولة، ولم يكن في الدنيا أحسن كتباً منها، كانت كلها بخطوط الأئمة المعتبرة وأصولهم المحررة، واحترقت فيما أحرق من محال الكرخ عند ورود طغرل بك أول ملوك السلجوقية إلى بغداد سنة 447 هـ <([750]).

هذا، مضافاً إلى ما كان يمتلكه الشريف الرضي هو وأخوه المرتضى من مكتبة شخصية عامرة بالكتب والمؤلفات، فقد ذكر آغا بزرك الطهراني في الذريعة بأن خزانة مكتبة الشريف المرتضى كانت تشتمل على ثمانين ألف كتاب، سوى ما أهدي منها إلى الرؤساء، كما صرح به كل من ترجمه([751])، وقد حلّ بهذه المكتبات الدمار والخراب بعد مجيء الدولة السلجوقية السنية وسيطرتها على بغداد, وهروب أكثر علماء الشيعة عن بغداد؛ طلباً للنجاة؛ مما سبب ضياع كثير من المصادر الأساسية، والتي لا يستبعد اعتماد الشريف الرضي عليها عند تأليفه لكتاب نهج البلاغة، وكذلك لا يستبعد أن بعض هذه المصادر قد ضاع وتلف جراء هذه الممارسات، وعندئذٍ ليس من الصحيح الادعاء أنّ ما لم نجد له مصدراً بين المصادر المتوفرة حالياً فهو غير موجود.

الملاحظة السادسة: لعل من الشواهد الواضحة على قصر باع الدكتور المحقق في التحقيق في علم الحديث وتصحيح الروايات والحكم عليها هو قوله: إنّ حديث >أنا مدينة العلم وعلي بابها، فمن أراد المدينة فليأت الباب< قد وضعته الشيعة ونسبته إلى النبي| افتراء منهم عليه!

 ولكن غير خاف على الباحث والناظر في علم الرواية أن كتب أهل السنة قد نقلت هذا الحديث وبطرق كثيرة ومختلفة، وحكم بعض كبار نقاد الحديث بصحة الحديث أو حسنه أو ثبوت أصله على أقل تقدير، فهل استطاع الشيعة الوصول إلى كتب أهل السنة ودسّوا فيها هذا الحديث بهذا العدد من الطرق؟! أم أنّ محدثي أهل السنة قد انخدعوا برواة الشيعة وأخذوا عنهم هذا الحديث وأدرجوه في كتبهم؟! وهل غاب ذلك عمّن صحح الحديث أو حسنه أو من نفى وضعه؟!

إنّ حديث >أنا مدينة العلم وعلي بابها...< من الأحاديث المشهورة، والتي رويت عن عدد من الصحابة كعلي× وابن عباس وجابر وأنس وأبي سعيد الخدري وابن مسعود وغيرهم، وله طرق كثيرة ومتشعبة؛ ولذا قام بعض العلماء بجمعها في أجزاء مستقلة: كجلال الدين السيوطي (ت 911هـ)، وقطب الدين الظفيري (ت1035هـ)، وإبراهيم بن عبد القادر الكوكباني (ت1223هـ)، ومحمد بن علي الشوكاني (ت1250هـ)، وأحمد بن محمد بن الصديق الغماري (ت1380هـ)([752])، وأفرد له خليفة الكواري جزءاً بعنوان (تخريج حديث أنا مدينة العلم، وعلي بابها).

كما صرّح بعض كبار علماء أهل السنة بصحة الحديث أو حسنه، ومنهم:

1ـ يحيى بن معين (ت: 233هـ): قال الخطيب البغدادي: >قال القاسم: سألت يحيى بن معين عن هذا الحديث، فقال: هو صحيح<([753]).

2ـ الحاكم النيسابوري (ت: 405 هـ) في المستدرك، حيث قال بعد نقل الحديث: >هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه، وأبو الصلت ثقة مأمون<([754]).

3ـ الكنجي الشافعي (ت: 658 هـ) قال معلقاً على حديث الباب: >هذا حديث حسن عال<([755]).

 4ـ الحافظ أبو سعيد عبد الله العلائي (ت:761 هـ) قد حسن الحديث على ما نقله عنه غير واحد من العلماء، قال: >والصواب أنه حسن باعتبار طرقه، لا صحيح ولا ضعيف، وليس هو من الألفاظ المنكرة الذي تأباها العقول<([756]).

5ـ بدر الدين الزركشي (ت:794 هـ) قال: >والحاصل ان الحديث ينتهي لمجموع طريقي أبي معاوية وشريك إلى درجة الحسن المحتج بت، ولا يكون ضعيفاً فضلاً عن أن يكون موضوعاً<([757]).

 6ـ ابن حجر العسقلاني (ت: 852 هـ) حيث ذهب إلى تحسين الحديث، قال السيوطي في اللآلئ المصنوعة: >وسئل شيخ الإسلام أبو الفضل ابن حجر عن هذا الحديث في فتيا، فقال: هذا الحديث أخرجه الحاكم في المستدرك، وقال: إنه صحيح، وخالفه أبو الفرج بن الجوزي، فذكره في الموضوعات، وقال: إنه كذب، والصواب خلاف قولهما معاً، وإن الحديث من قسم الحسن لا يرتقي إلى الصحة ولا ينحط إلى الكذب، وبيان ذلك يستدعي طولاً، ولكن هذا هو المعتمد في ذلك، انتهى<([758]).

7ـ شمس الدين السخاوي (ت: 902 هـ) قال في المقاصد الحسنة عند حكمه على طرق الحديث وألفاظه: >وبالجملة فكلها ضعيفة وألفاظ أكثرها ركيكة وأحسنها حديث ابن عباس، بل هو حسن<([759]).

8ـ جلال الدين السيوطي (ت:911 هـ)، قال بعد أن نقل كلام ابن حجر وتحسينه للحديث: >وقد كنت أجيب بهذا الجواب دهراً إلى أن وقفت على تصحيح ابن جرير لحديث علي في تهذيب الآثار مع تصحيح الحاكم لحديث ابن عباس، فاستخرت الله وجزمت بارتقاء الحديث من مرتبة الحسن إلى مرتبة الصحة ـ والله أعلم<([760]).

9ـ الصالحي الشامي (ت:942 هـ) قال في كتابه سبل الهدى والرشاد: >والصواب الحديث حسن، كما قال الحافظان العلائي وابن حجر<([761]).

10ـ ابن حجر المكي (ت:973 هـ) فقد صرح في كتاب تطهير الجنان واللسان: بأنّ الحديث حسن لغيره؛ وذلك في معرض ذكره للأدلة التي استدلّ بها على مطاعن معاوية بن أبي سفيان ومثالبه، والإجابة عنها، قال: >السادس: خروجه على علي (كرم الله وجهه) ومحاربته له مع أنّه الإمام الحق بإجماع أهل الحلّ والعقد، والأفضل الأعدل الأعلم بنص الحديث الحسن لكثرة طرقه؛ خلافاً لمن زعم وضعه ولمن زعم صحته، ولمن أطلق حسنه، أنا مدينة العلم وعلي بابها<([762]).

 وقال في الفتاوى الحديثية: >وأما حديث أنا مدينة العلم وعلى بابها فهو حديث حسن، بل قال الحاكم صحيح وقول البخاري: ليس له وجه صحيح، والترمذي: منكر، وابن معين: كذب، معترض<([763]).

11ـ محمد بن علي الشوكاني (ت:1250 هـ) وافق ابن حجر العسقلاني في كلامه حيث علق على قوله: >والصواب خلاف قولهما معاً: يعني ابن الجوزي والحاكم، وأن الحديث من قسم الحسن لا يرتقي إلى الصحة ولا ينحط إلى الكذب< فقال: >وهذا هو الصواب؛ لأن يحيى بن معين والحاكم قد خولفا في توثيق أبي الصلت ومن تابعه فلا يكون مع هذا الخلاف صحيحاً، بل حسناً لغيره؛ لكثرة طرقه كما بيناه<([764]).

12ـ أحمد بن الصديق المغربي (ت:1380 هـ ) الذي ألّف كتابه الشهير: (فتح الملك العلي بصحة حديث باب مدينة العلم علي×)، والذي كان يهدف من خلال تأليفه إياه إلى إثبات صحة حديث: أنا مدينة العلم وعلي بابها.

13ـ الدكتور محمود سعيد ممدوح، الباحث المعاصر، في كتابه القيم: (الاتجاهات الحديثية في القرن الرابع عشر) عند مناقشته الشيخ عبد الرحمن بن يحيى المعلمي اليماني حول حديث: أنا مدينة العلم وعلي بابها، وتضعيفه لبعض أسانيد هذا الحديث، ذكر أن هذا الحديث صححه أو حسنه عدد من الحفاظ، وجاء بطرق جيدة الإسناد، ثم قال في نهاية حديثه: >والحاصل أن المعلمي ما أصاب في ردّ هذا الإسناد القوي<([765]).

هذا، وقد صحح محمد بن جرير هذا الحديث بلفظ: أنا دار الحكمة وعلي بابها، وقال عنه: >وهذا خبر صحيح سنده<([766])، مضافاً إلى أنّ عدداً من العلماء والحفاظ حكم بثبوت الحديث، وأنّ له أصلاً، ونفى عنه الوضع، كالحافظ ابن حجر الذي تعقّب حكم الذهبي بوضعه، فقال: >وهذا الحديث له طرق كثيره في مستدرك الحاكم أقلّ أحوالها أن يكون للحديث أصل، فلا ينبغي أن يطلق عليه بالوضع<([767])، وقال الفتني في تذكرة الموضوعات: >له متابعات، فمن حكم بكذبه فقد أخطأ<([768]).

فاتضح من خلال هذه الاستعراض السريع لمن صحح أو حسن الحديث, أو من نفى عنه الوضع على أقل تقدير، أنّ اتهام الشيعة باختلاق هذا الحديث ووضعه اتهام تنقص صاحبه الخبرة العلمية, ويعوزه التثبت والتحرز قبل إصدار الأحكام الجائرة، فاعتمادك على آراء وأحكام الدكتور صبري إبراهيم، وأخذها أخذ المسلمات لم يكن صائباً من الناحية العلمية.

ونكتفي بهذا القدر من الملاحظات النقدية على تحقيق الدكتور صبري إبراهيم السيد، وفيه ما يكفي من الدلالة على قلة بضاعته في سوق التحقيق العلمي وعدم صواب الاعتماد عليه كلياً بلا تمحيص وتحقيق، وإلاّ فهناك مجال واسع للنقد والتحقيق فيما ذكره الدكتور صبري في تحقيقه لنهج البلاغة، إلاّ أنّ الوقت والظرف لا يسع لذلك في الوقت الراهن، ولعل الله سبحانه يوفقنا في المستقبل إلى بسط البحث في هذا التحقيق وإبداء الملاحظات المهمة عليه.

عودة إلى أحاديث الوصية

وبعد هذه الإطلالة السريعة على بعض القواعد، والقضايا التي ذكرها سعادة الدكتور الغامدي في بحر إشكالاته وملاحظاته فيما يخص أحاديث الوصية التي كنا قد ذكرناها، نعود إلى ما يمكننا أن نقوله في جوابنا عن الإشكالات التي قدمها حول أحاديث الوصية، وللإجابة عن ذلك نقول:

أولاً: مسألة الوصية بالإمامة والخلافة لأمير المؤمنين× من أهم المسائل والقضايا التي يتميز بها الشيعة عن غيرهم، وهي الأساس الذي بنوا عليه عقيدتهم ومذهبهم؛ وذلك استناداً لأدلة عقلية ونقلية من الكتاب الكريم والسنة الشريفة، فكانت لهم كتابات ومؤلّفات وسجالات ونقاشات في هذا القضية المفصلية الحساسة.

وقد بسطنا البحث والاستدلال في أدلة الإمامة والخلافة في كتابنا (نقد كتاب أصول مذهب الشيعة) الذي أجبنا فيه عن شبهات الدكتور ناصر القفاري في كتابه (أصول مذهب الشيعة الإمامية)، فلذا نحن لا يعوزنا الدليل، في هذه المسألة، حتى نتشبث فقط بالأحاديث التي ورد فيها لفظ الوصية، لتظنّ أنّ بإثارتك لبعض الإشكالات، بوجه هذه الأحاديث، سينهار عندنا البناء الراسخ لعقيدة الإمامة والخلافة.

ثانياً: إننا بحثنا الأحاديث التي جاء فيها لفظ الوصية وما يرتبط بها بشكل مبسوط أيضاً في كتابنا (نقد كتاب أصول مذهب الشيعة)، وهناك حاولنا الإجابة عن الشبهات الواردة عليها وتقوية أسانيدها، وتبين أن تضعيف بعض رواتها لم يكن بسبب عدم وثاقتهم وقلة ضبطهم؛ وإنما لأنهم نقلوا هذه الأحاديث وغيرها من فضائل أهل البيت^، كما سيتضح لاحقاً.

ثالثاً: إننا عندما استشهدنا لكم بأحاديث الوصية لا نقصد بأي شكل من الأشكال أنّ هذا هو دليلنا على إمامة وخلافة أمير المؤمنين×، بل جئنا بها من باب الاستشهاد والتأييد والاحتجاج، فلا ينبغي أن تقول إنها ضعيفة وموضوعة ولا تصلح للإستدلال على مسألة عقدية؛ لأننا كما قلنا: إن هذه ليست عمدة أدلتنا؛ وإنما جئنا بها من باب الاحتجاج عليكم، فأن عندنا ما يكفي للاستدلال على مسألة الإمامة والخلافة.

بعض روايات الوصية ليس ضعيفاً

رابعاً: إنّ بعض أحاديث الوصية ليست موضوعة أو مكذوبة أو شديدة الضعف، كما ذهبتم، وإنما بعض منها ـ إن لم يكن صحيحاً ـ فهو حسن أو ضعيف بضعف خفيف يمكن أن يتقوى أو يعتضد بغيره، ولذا سوف لا ندخل معك في سجال عقيم للإجابة عن إشكالاتك حول هذا الراوي أو ذاك، لأنه لا طائل من وراء ذلك بعد ما قدمناه من مباحث مهمة، نظن أنها قد أنارت طريق الحقيقة لمن له قلب سليم، ومع هذا سوف نورد بعض الروايات التي جاء فيها لفظ الوصية، وسيتبن للقارئ المنصف أنها إن لم تكن صحيحة أو حسنة فهي ليست من الموضوعات، كما يذهب إلى ذلك بعض، ومن هذه الروايات:

 الرواية الأولى

أخرج الطبري عن ابن حميد قال: «حدّثنا سلمة، قال: حدّثني محمد بن إسحاق عن عبد الغفار بن القاسم، عن المنهال بن عمرو، عن عبد الله بن الحارث بن نوفل بن الحارث بن عبد المطّلب، عن عبد الله بن عبّاس، عن عليّ بن أبي طالب في حديث طويل... تكلّم رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم)، فقال: يا بني عبد المطلب، إنّي والله ما أعلم شابّاً في العرب جاء قومه بأفضل ممّا قد جئتكم به، إنّي قد جئتكم بخير الدنيا والآخرة، وقد أمرني الله تعالى أن أدعوكم إليه، فأيّكم يوازرني على هذا الأمر، على أن يكون أخي ووصيّي وخليفتي فيكم؟ قال: فأحجم القوم عنها جميعاً، وقلت، وإنّي لأحدثهم سنّاً، وأرمصهم عيناً، وأعظمهم بطناً، وأحمشهم ساقاً: أنا يا نبي الله، أكون وزيرك عليه، فأخذ برقبتي، ثُمّ قال: إنّ هذا أخي ووصيّي وخليفتي فيكم، فاسمعوا له وأطيعوا، قال: فقام القوم يضحكون»([769]).

سند الرواية

1ـ ابن حميد، فهو محمد بن حميد بن حيان، أبو عبد الله الرازي، (ت 248هـ).

روى له أبو داود والترمذي وابن ماجه، قال أبو زرعة: «من فاته ابن حميد يحتاج أن ينزل في عشرة آلاف حديث.

وعن أحمد بن حنبل، قال: لا يزال بالري علم ما دام محمّد بن حميد حيّاً. وقيل لمحمد بن يحيى الذهلي: ما تقول في محمّد بن حميد؟ قال: ألا تراني هو ذا أحدّث عنه.

وعن محمّد بن إسحاق وقد سئل: أتحدّث عن محمّد بن حميد؟ فقال: وما لي لا أحدّث عنه، وقد حدّث عنه أحمد بن حنبل ويحيى بن معين.

وسئل يحيى بن معين عنه، فقال: ثقة، ليس به بأس، رازي كيّس.

وقال أبو العبّاس بن سعيد: سمعت جعفر بن أبي عثمان الطيالسي، يقول: ابن حميد ثقة كتب عنه يحيى. وروى عنه من يقول فيه: هو أكبر منهم»([770]).

وقال الخليلي: «كان حافظاً عالماً بهذا الشأن، رضيه أحمد ويحيى»([771]).

2ـ سلمة بن الفضل الأبرش الأنصاري، تُوفّي بعد 190 هـ.

روى له أبو داود والترمذي وابن ماجه في التفسير. عن ابن معين [قال]: «ثقة كتبنا عنه، كان كتُب مغازيه أتمّ، ليس في الكتب أتمّ من كتابه.

وقال الدوري عن ابن معين: كتبنا عنه، وليس به بأس، وكان يتشيّع...

وقال ابن سعد: كان ثقة صدوقاً، وهو صاحب مغازي ابن إسحاق...

قال ابن عدي: عنده غرائب وإفراد، ولم أجد في حديثه حديثاً قد جاوز الحدّ في الإنكار، وأحاديثه متقاربة محتملة. وذكره ابن حبّان في الثقات، وقال: يخطئ ويخالف...

وقال الآجري عن أبي داود: ثقة، وذكر ابن خلفون أنّ أحمد سئل عنه، فقال: لا أعلم إلاّ خيراً»([772]).

3ـ محمد بن إسحاق صاحب السيرة المعروفة، ت150 هـ:

وهو صاحب السيرة المعروفة، اشتهر بالعلم والوثاقة إلى حدّ لا يسمع معها جرحه.

روى له البخاري ـ تعليقاً ـ وروى له مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه.

قال الذهبي عنه: «العلاّمة الحافظ الأخباري أبو بكر... صاحب السيرة النبوية... وهو أول من دوّن العلم بالمدينة، وذلك قبل مالك وذويه، وكان في العلم بحراً عجاجاً...

قال ابن المديني، عن سفيان، عن الزهري، قال: لايزال بالمدينة علم ما بقي هذا ـ عنى ابن إسحاق...

وقال أيضاً: مدار حديث رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) على ستة، فذكرهم، ثمّ قال: فصار علم الستة عند اثني عشر، أحدهم محمّد بن إسحاق.

قال الخليلي: قال ابن إدريس الحافظ: كيف لا يكون ابن إسحاق ثقة وقد سمع من الأعرج، ويروي عنه، ثمّ يروي عن أبي الزناد عنه، ثمّ يروي عن ابن أبي الزناد، عن أبيه، عنه»([773]).

وقال البخاري: «رأيت علي بن عبد الله يحتجّ بحديث ابن إسحاق. وذكر عن سفيان أنّه ما رأى أحداً يتّهمه»([774]).

وحجة من أمسك عن الاحتجاج به اتهامه بالتشيع ورميه بالقول بالقدر والتدليس، وأما الصدق، كما قال الذهبي: فليس بمدفوع عنه([775]), وما يتعلّق بالتدليس فقد تقدّم جوابه سابقاً، فليراجع.

4ـ عبد الغفار بن قاسم بن قيس الأنصاري:

هو أبو مريم الكوفي، مشهور بكنيته، روى عنه شعبة، ويحيى بن سعيد الأنصاري وآخرون.

وقال شعبة: «لم أر أحفظ منه... وكان ذا اعتناء بالعلم وبالرجال»([776]). قال ابن عدي: «ولعبد الغفار بن القاسم أحاديث صالحة، وفي حديثه ما لا يتابع عليه، وكان غالياً في التشيع، وقد روى عنه شعبة حديثين ويكتب حديثه مع ضعفه»([777]).

وقال ابن عدي أيضاً: «سمعت أحمد بن محمّد بن سعيد [ابن عقدة] يثني على أبي مريم ويطريه وتجاوز الحدّ في مدحه حتى قال: لو انتشر علم أبي مريم لم يحتجّ الناس إلى شعبة»([778]).

ويعدّ ابن عقدة من كبار الحفاظ وعلماء الحديث ونقّاد الرجال، قال الذهبي: «حافظ العصر والمحدّث البحر، أبو العباس... وكان إليه المنتهى في قوة الحفظ وكثرة الحديث»([779]).

وقال أبو علي الحافظ: «ما رأيت أحداً أحفظ لحديث الكوفيين من أبي العباس، ابن عقدة، فقيل له: ما يقول له بعض الناس فيه، فقال: لا يشتغل بمثل هذا، أبو العباس إمام حافظ محلّه محلّ من يسأل عن التابعين وأتباعهم، فلا يسأل عنه أحد من الناس»([780]).

وقال ابن عدي في الكامل: «كان صاحب معرفة وحفظ ومقدّم في هذه الصناعة... ولم أجد بُدّاً من ذكره؛ لأني شرطت في أول كتابي هذا أن أذكر فيه كلّ من تكلّم فيه متكلم، ولا أحابي، ولولا ذلك لم أذكره؛ للذي كان فيه من الفضل والمعرفة»([781]).

وقد علّق ابن حجر على كلام ابن عدي: «ثمّ لم يسق له ابن عدي شيئاً منكراً»([782]).

ولكن مع هذه المكانة العلمية التي لابن عقدة عند ابن عدي نجد أنّه حينما مدح أبا مريم وأطرى عليه، عدّ ذلك في نظر ابن عدي تجاوزاً للحد وإنما مال إليه بسبب تشيعه!([783]).

نعم قد ضعّف أبا مريم عدة من علماء الجرح والتعديل، ولكن المتتبع لكلماتهم في تضعيفه يتّضح له أنّها كانت بسبب مواقفه الاعتقادية من بعض الصحابة، وروايته لفضائل أمير المؤمنين×، من هنا فقد اتّهم بالرفض والتشيع، وقد صرّح بعضهم بذلك في سياق تضعيفه له، قال أحمد بن حنبل: «كان أبو عبيدة إذا حدثنا عن أبي مريم يضجّ الناس ويقولون: لا نريده. قال أحمد: كان أبو مريم يحدّث ببلايا في عثمان»([784]).

وفي مصدر آخر، قال أحمد أيضاً: «ليس بثقة كان يحدّث ببلايا في عثمان»([785]).

وقال أبو حاتم: «هو متروك الحديث، كان من رؤساء الشيعة»([786]).

وهذا وقد صرّح ابن حنبل بأن سبب تضعيفه إنّما جاء من اعتقاده ورأيه، وهذا من الغرائب، فقد سئل يوماً، فقيل له: «أبو مريم من أين جاء ضعفه، من قبل رأيه أو من قبل حديثه؟ قال: من قبل رأيه، ثمّ قال: وقد حدّث ببلايا في عثمان»([787]).

فهل يبقى بعد هذا التصريح مجال لقبول كلماتهم في تضعيفه؟!

5ـ المنهال بن عمرو:

روى له البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه.

«قال إسحاق بن منصور عن يحيى بن معين: ثقة، وكذلك قال النسائي... وقال العجلي: كوفي، ثقة. وقال الدارقطني: صدوق»([788]).

وقال ابن حجر: «المنهال بن عمرو الأسدي مولاهم الكوفي صدوق، ربّما وهم، من الخامسة»([789]).

قال الذهبي في الكاشف: «وثّقه ابن معين»([790]).

6ـ عبد الله بن الحارث بن نوفل:

روى له: البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه.

قال ابن حجر: «قال ابن معين وأبو زرعة والنسائي: ثقة، وقال ابن المديني: ثقة... قال محمّد بن عمر: كان ثقة كثير الحديث، وقال ابن عبد البر في الاستيعاب: أجمعوا على أنّه ثقة، وقال العجلي: مدني تابعي ثقة، وقال يعقوب بن شيبة: ثقة ثقة، ظاهر الصلاح وله رضى في العامة، وقال ابن حبّان: هو من فقهاء أهل المدينة»([791]).

وقال ابن حجر أيضاً: «له رؤية ولأبيه وجده صحبة، قال ابن عبد البر أجمعوا على ثقته، مات سنة تسع وسبعين، ويقال: سنة أربع وثمانين»([792]).

الرواية الثانية

أخرج ابن عساكر في تاريخه، قال: «أخبرنا أبو البركات عمر بن إبراهيم الزيدي العلوي بالكوفة، أنا أبو الفرج محمد بن أحمد بن علان الشاهد، أنا محمد بن جعفر بن محمد بن الحسين، أنا أبو عبد الله محمد بن القاسم بن زكريا المحاربي، نا عباد بن يعقوب، نا عبد الله بن عبد القدوس عن الأعمش عن المنهال بن عمرو عن عباد بن عبد الله عن علي بن أبي طالب، قال: لمّا نزلت {وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ} قال رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم): يا علي اصنع لي رجل شاة بصاع من طعام، وأعد قعباً من لبن، وكان القعب قدر ريّ رجل، قال: ففعلت، فقال رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم): يا علي اجمع بني هاشم، وهم يومئذ أربعون رجلاً أو أربعون غير رجل» إلى أن قال: «أيكم يقضي ديني ويكون خليفتي ووصيي من بعدي؟ قال: فسكت العباس مخافة أن يحيط ذلك بماله، فأعاد رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) الكلام، فسكت القوم وسكت العباس مخافة أن يحيط ذلك بماله، فأعاد رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) الكلام الثالثة، قال: وإني يومئذٍ لأسوأهم هيئة، إني يومئذ لأحمش الساقين، أعمش العينين، ضخم البطن، فقلت: أنا يا رسول الله، قال: أنت يا علي، أنت يا علي»([793]).

سند الرواية

1ـ أبو البركات، هو عمر بن إبراهيم (ت539 هـ):

قال الذهبي: «الشيخ العلاّمة المقرئ النحوي، عالم الكوفة، وشيخ الزيدية، أبو البركات، عمر بن إبراهيم... قال السمعاني: شيخ كبير، له معرفة بالفقه والحديث واللغة والتفسير والنحو، وله التصانيف في النحو، وهو فقير قانع باليسير، سمعته يقول: أنا زيدي المذهب، لكني أفتي على مذهب السلطان»([794]).

وقال في الميزان: «روى عنه ابن السمعاني، وابن عساكر، وأبو موسى المديني، وكان مشاركاً في علوم، وهو فقير متقنّع خيّر ديّن على بدعته، وكان مفتي الكوفة ويقول: أفتي بمذهب أبي حنيفة ظاهراً وبمذهب زيد تديّناً... مات سنة تسع وثلاثين وخمسمائة، وصلّى عليه ثلاثون ألفاً...»([795]).

وقال ابن عساكر: «كتبت عنه بالكوفة وهو أورع علوي لقيته»([796]).

وقال ابن النجار في ذيل تاريخ بغداد: «قرأت في كتاب معجم شيوخ الحافظ أبي طاهر أحمد بن محمّد السلفي الأصبهاني بخطه، وأخبرنيه عنه أبو الحسن بن المقدس بمصر، قال: أخبرني أبو البركات عمر بن إبراهيم بن محمّد بن حمزة العلوي الزيدي بالكوفة وذكر حديثاً، ثمّ قال: الشريف عمر هذا أديب نحوي... وكان من عقلاء الرجال، حسن الرأي في الصحابة، مثنياً عليهم، متبرئاً ممّن تبرأ منهم.

أخبرنا أبو البركات الحسن بن محمّد بن الحسن بن هبة الله الشافعي بدمشق أنبأ عمي أبو القاسم علي بن الحسن الحافظ، قال: عمر بن إبراهيم بن محمّد أبو البركات الزيدي الكوفي كتبت عنه بالكوفة، وهو أورع علوي لقيته...

أخبرنا شهاب الحاتمي بهراة حدثنا أبو سعد بن السمعاني من لفظه، قال: عمر بن إبراهيم بن محمّد أبو البركات من أهل الكوفة يسكن بمحلة يقال لها السبيع، ويصلي بالناس في مسجد أبي إسحاق السبيعي، شيخ كبير فاضل، له معرفة بالفقه والحديث والتفسير واللغة والنحو والأدب، وله التصانيف الحسنة السايرة في النحو، وهو خشن العيش، صابر على الفقر والقلة، قانع باليسير، سمعته يقول: أنا زيدي المذهب [و] لكني أفتي على مذهب السلطان ـ يعنى أبا حنيفة ـ رحمه الله، كتبت عنه الكثير، وهو شيخ متيقّض حسن الإصغاء سليم الحواس»([797]).

2ـ أبو الفرج محمد بن أحمد بن علان الشاهد ( ت446 هـ):

قال عنه الذهبي: «الشيخ، المسند، الثقة، أبو الفرج، محمّد بن أحمد بن علان الكرجي ثمّ الكوفي... قال النرسي: هو ثقة من عدول الحاكم»([798]).

3ـ محمد بن جعفر بن محمد بن الحسين، ت402 هـ:

قال الذهبي: «الإمام المقرئ، المعمر، المسند... التميمي النحوي الكوفي، ابن النجار... قال العتيقي: هو ثقة»([799]).

4ـ أبو عبد الله محمد بن قاسم بن زكريا المحاربي (ت320 هـ):

قال الذهبي: «الشيخ المحدّث المعمر، أبو عبد الله محمّد بن القاسم بن زكريا، المحاربي الكوفي السوداني... عن حسين بن نصر بن مزاحم، قال: وكان يؤمن بالرجعة»([800]).

وفي ميزان الاعتدال: «تكلم فيه، وقيل: كان يؤمن بالرجعة... حدّث عنه الدارقطني، ومحمد بن عبد الله [ القاضي ] الجعفي»([801]).

فالكلام فيه لما قيل من أنّه كان يؤمن بالرجعة، لكن إيمانه بذلك غير ثابت، وعلى فرض وجوده فلا يؤثر، وإلاّ لما روى عنه مثل الدارقطني, بل صحّح له في بعض المواضع, فقال في بعض المواضع, معلّقاً على حديث في سنده محمد هذا, قائلاً: >هذا إسناد صحيح<([802]).

فإيراده في الضعفاء والمجروحين لا وجه له؛ بعد توثيق الدارقطني له, وعدم وجود جرح مفسر في حقّه, إذ غاية ما يذكرون أنّه قد تكلم فيه، وكلامهم فيه من جهة عقيدته، وهي لا تؤثر، كما أشرنا مراراً.

5ـ عباد بن يعقوب الرواجني (ت250 هـ):

قال الذهبي في الكاشف: «شيعي جلد، عن الوليد بن أبي ثور وشريك وعدة، وعنه البخاري مقروناً والترمذي وابن ماجه وابن خزيمة وابن صاعد وخلق، وثّقه أبو حاتم»([803]).

وقال الذهبي في السير: «الرواجني، الشيخ العالم الصدوق، محدّث الشيعة... قال أبو حاتم: شيخ ثقة. وقال الحاكم: كان ابن خزيمة يقول: حدثنا الثقة في روايته، المتهم في دينه، عباد بن يعقوب.

وقال ابن عدي: فيه غلو في التشيع. وروى عبدان عن ثقة، أن عبّاداً كان يشتم السلف، وقال ابن عدي: روى مناكير في الفضائل والمثالب... وقال ابن جرير: سمعته يقول: من لم يبرأ في صلاته كلّ يوم من أعداء آل محمّد، حشر معهم...»([804]).

وقال في التقريب: «صدوق رافضي حديثه في البخاري مقرون، بالغ بن حبّان فقال: يستحق الترك»([805]).

وقال الخزرجي الأنصاري: «وثّقه أبو حاتم وابن خزيمة، وقال ابن عدي: فيه غلو، روى أحاديث منكرة في فضائل أهل البيت، وقال صالح بن محمّد: يشتم عثمان»([806]).

فالرجل على الوثاقة والصدق، وما قد يخدش به من هنا وهناك فلروايته فضائل أهل البيت^ ومجاهرته بالحق، وعدم خوفه ووجله من النطق به.

6ـ عبد الله بن عبد القدوس:

روى عنه البخاري ـ تعليقاً ـ والترمذي.

وفي التهذيب عن محمّد بن عيسى أنّه قال: «هو ثقة، وقال البخاري: هو في الأصل صدوق إلاّ أنّه يروي عن أقوام ضعاف. وقال أبو داود: ضعيف الحديث كان يرمى بالرفض. قال: وبلغني عن يحيى أنّه قال: ليس بشيء، وقال النسائي: ضعيف، وقال مرة: ليس بثقة، وقال ابن عدي: عامة ما يرويه في فضائل أهل البيت^، وذكره ابن حبّان في الثقات، وقال: ربما أغرب... وقال الدارقطني: ضعيف، وقال أبو أحمد الحاكم: في حديثه بعض المناكير، وقال يحيى بن المغيرة: أمرني جرير أن أكتب عنه حديثاً»([807]). وقال ابن حجر: «صدوق رمي بالرفض»([808]). وقال عنه الهيثمي: «وثقه البخاري وابن حبّان وضعفه ابن معين»([809]). وقال في موضع آخر: «فيه كلام وقد وثق»([810]).

نقول: بعد ملاحظة أقوال الجارحين له والمعدّلين يتّضح أن أسباب جرحهم له واضحة جداً، وهي تشيّعه وروايته لفضائل أهل البيت^، بل إن عامّة ما يرويه في فضائل أهل البيت^، حتى نعتوه بنعوت قاسية كقولهم: رافضي خبيث، أو أنّه ليس بشيء، وغيرها من الأحكام، وليتهم أطلقوا تلك النعوت على من يستحقها كحريز بن عثمان الذي كان يلعن علياً× في الغداة سبعين مرة وبالعشي سبعين مرة، ومع ذلك فهو ثقة ثبت مع كونه ناصبياً!! فإنّا لله وإنا إليه راجعون.

7ـ الأعمش: هو سليمان بن مهران الأعمش الأسدي الكاهلي (ت148هـ):

روى له الستة، «قال ابن معين: ثقة، وقال النسائي: ثقة ثبت»([811]). وقال ابن حجر: «سليمان بن مهران الأسدي الكاهلي أبو محمّد الكوفي الأعمش، ثقة، حافظ عارف بالقراءات، ورع لكنّه يدلس»([812]).

وقال الذهبي: «سليمان بن مهران الحافظ أبو محمّد الكاهلي الأعمش، أحد الأعلام»([813]). ووثقه العجلي([814]). وذكره ابن حبّان في الثقات([815]). وذكره عمر بن شاهين في تاريخ أسماء الثقات([816]).

فليس فيه علّة سوى التدليس, لكن العلماء لمكانة الأعمش وكونه من الأئمة, وقد روى له الشيخان بالعنعنة, جروا على تمشية رواية الأعمش, ولذا ذكره ابن حجر في الطبقة الثانية من طبقات المدلّسين, وهم الذين يؤخذ بحديثهم ولو معنعناً, ما لم يتبين في حديثهم الانقطاع.

8ـ المنهال بن عمرو: تقدّم الكلام عنه([817]).

9ـ عباد بن عبد الله الأسدي:

من التابعين، روى عن علي× وسلمان (رض) وروى عنه المنهال بن عمرو، قال المزّي: «روى له النسائي في خصائص علي وفي مسنده أحاديث»([818]).

وأورده العجلي في الثقات، وقال: «كوفي تابعي ثقة»([819]). وذكره ابن حبّان في الثقات([820]). وأخرج له ابن أبي حاتم في تفسيره([821]). وصحح له الحاكم في المستدرك حديثين عن علي×: الأوّل قوله×: «إني عبد الله وأخو رسوله، وأنا الصديق الأكبر، لا يقولها بعدي إلاّ كاذب، صلّيت قبل الناس بسبع سنين قبل أن يعبده أحد من هذه الاُمّة»([822]).

والحديث الثاني في تفسير قوله تعالى: {إنّما أَنتَ مُنذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ} قال×: «رسول الله المنذر، وإنا الهادي». وقال عنه الحاكم: «هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه»([823]). الأمر الذي لم يطق الذهبي سماعه، فحكم بأنّه كذب رجماً بالغيب، فقال: «هذا كذب على علي»([824]).

وسئل أحمد بن حنبل عن حديث: أنا عبد الله وأخو رسول الله وأنا الصديق، فقال: «اضرب عليه فإنه حديث منكر»([825]).

فهذان الحديثان، وحديث الوصية وغيرها من أحاديث مناقب ومقامات أهل البيت^ كانت سبباً في تضعيف عباد بن عبد الله الأسدي من قبل بعض علماء الجرح والتعديل، ولا يوجد طعن في عدالته ووثاقته.

الرواية الثالثة

أخرج الطبراني في الكبير عن محمد بن عبد الله الحضرمي، ثنا محمد بن مرزوق، ثنا حسين الأشقر، ثنا قيس عن الأعمش عن عباية بن ربعي، عن أبي أيوب الأنصاري أنّ رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) قال لفاطمة (رضي الله عنها): «أما علمت أنّ الله عزّ وجلّ اطّلع إلى أهل الأرض، فاختار منهم أباك فبعثه نبياً، ثمّ اطّلع الثانية، فاختار بعلك فأوحى إليّ، فأنكحته واتخذته وصياً»([826]).

سند الرواية

1ـ محمد بن عبد الله الحضرمي، المعروف بالمطين:

 قال ابن أبي حاتم الرازي: «محمّد بن عبد الله بن سليمان الحضرمي المعروف بالمطين... كتب إلينا ببعض حديثه، وهو صدوق»([827]). وقال الذهبي: «كان من أوعية العلم... قال أبو بكر بن دارم الحافظ: كتبت عن مطين مائة ألف حديث. وسئل عنه الدارقطني، فقال: ثقة جبل... ولأبي جعفر العبسي كلام في مطين، وعدد له نحواً من ثلاثة أوهام، فلا يلتفت إلى كلام الأقران بعضهم في بعض، وبكلّ حال فمطين ثقة مطلقاً، وليس كذلك العبسي»([828])، ووثّقه الهيثمي في مجمع الزوائد([829])، ووصفه عمرو بن أبي عاصم في كتاب السنة بالحافظ([830])، وصحّح الحاكم في المستدرك أحاديث جاء في أسانيدها الحضرمي ووافقه الذهبي([831]).

2ـ محمد بن مرزوق، ت248هـ:

«روى عنه: مسلم، والترمذي، وابن ماجه.... قال أبو حاتم: صدوق. وذكره ابن حبّان في كتاب الثقات»([832]). وقال ابن حجر في التقريب: «صدوق له أوهام»([833]).

3ـ حسين الأشقر الفزاري، ت208هـ:

لم يتّهمه أحد في وثاقته أو عدالته، بل اعترفوا بصدقه وعدم تعمّده الكذب، فقد ورد عن أحمد بن محمّد بن هانئ، قال: «قلت لأبي عبد الله ـ يعني: ابن حنبل ـ: تحدّث عن حسين الأشقر؟ قال: لم يكن عندي ممّن يكذب... وقال ابن الجنيد: سمعت ابن معين ذكر الأشقر، فقال: كان من الشيعة الغالية، قلت: فكيف حديثه؟ قال: لا بأس به، قلت: صدوق؟ قال: نعم، كتبت عنه»([834]). وقال ابن حجر: «صدوق يهم، ويغلو في التشيع»([835]). وذكره ابن حبّان في كتاب الثقات([836]).

وأخرج له ابن أبي حاتم في تفسيره أحاديث بعضها في فضائل أهل البيت^([837]).

وصحّح له الحاكم في مستدركه حديثاً في تفسير قوله تعالى: {إنّما أَنتَ مُنذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ}، قال علي: «رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) المنذر، وأنا الهادي». وعلّق عليه الذهبي بكل تشنّج وانفعال كعادته مع هكذا أحاديث، قائلاً: «بل كذب، قبح الله واضعه!!»([838]).

بينما علّق على حديث آخر صحّحه الحاكم، وفي إسناده حسين الأشقر، قال: «الأشقر وثّق، وقد اتهمه ابن عدي»([839]).

والسبب في الفرق بين التعليقين هو أن الحديث الثاني لم يكن فيه ما يثير حفيظة الذهبي!

هذا وقد تقدّمت كلمات أخرى في ترجمة الأشقر, ذكرناها في الجزء الثاني, فراجع([840]).

4ـ قيس بن الربيع الأسدي المتوفّى سنة بضع وستين بعد المائة:

روى له الترمذي وابن ماجه وأبو داود، قال الذهبي: «أحد أوعية العلم، صدوق في نفسه... كان شعبة يثني عليه، وقال أبو حاتم: محلّه الصدق»([841]).

قال ابن حجر: «قال عبيد الله بن معاذ عن أبيه: سمعت يحيى بن سعيد ينقص قيساً عند شعبة، فزجره ونهاه، وقال عفان: وقلت ليحيى بن سعيد: هل سمعت من سفيان يقول فيه يغلطه أو يتكلم فيه بشيء؟ قال: لا، قلت ليحيى: أفتتهمه بكذب؟ قال: لا، قال عفّان: فما جاء فيه بحجة. وقال حاتم بن الليث الجوهري عن عفان: قيس ثقة، يوثّقه الثوري وشعبة، وعن أبي الوليد: كان قيس ثقةً حسن الحديث، وقال عمرو بن علي: قلت لأبي الوليد: ما رأيت أحداً أحسن رأياً منك في قيس، قال: إنّه كان ممّن يخاف الله»([842]).

قال ابن حجر أيضاً: «قال ابن حبّان: تتبعت حديثه فرأيته صادقاً إلاّ أنّه لمّا كبر ساء حفظه، فيدخل عليه ابنه فيحدّث منه ثقة به، فوقعت المناكير في روايته فاستحق المجانبة... وكان شعبة يروي عنه وكان معروفاً بالحديث صدوقاً، ويقال: إن ابنه أفسد عليه كتبه بآخره، فترك الناس حديثه، وقال عثمان بن أبي شيبة: كان صدوقاً، ولكن اضطرب عليه بعض حديثه... وقال ابن خزيمة: سمعت محمّد بن يحيى، يقول: سمعت أبا الوليد، يقول: كتبت عن قيس بن الربيع ستة آلاف حديث هي أحبّ إلي من ستة آلاف دينار»([843]).

ومن خلال مجمل كلماتهم وأقوالهم فيه يظهر أن الرجل كان صدوقاً لا يعرف عنه الكذب باعترافهم، وكان من أوعية العلم لكثرة ما يروي وينقل، وما ورد من جرح بعضٍ له فهو إمّا مبهم غير مفسّر، أو بسبب تشيّعه، كما صرّح بذلك أحمد بن حنبل، أو من جهة تصرف ابنه في رواياته وهي قضية غير ثابتة ذكروها على نحو الاحتمال، كما يظهر من تعبيرهم بـ (قيل) وما أشبه ذلك.

5ـ الأعمش، قد مرّ توثيقه([844]).

6ـ عباية بن ربعي الأسدي:

قال ابن أبي حاتم الرازي في الجرح والتعديل: «عباية بن ربعي الأسدي كوفي روى عن علي، وأبي أيوب، وابن عباس، روى عنه خيثمة بن عبد الرحمن، وسلمة بن كهيل، والأعمش، وموسى بن طريف، سمعت أبي يقول ذلك، نا عبد الرحمن، قال: سألت أبي عنه، فقال: كان من عتّق الشيعة، قلت: ما حاله؟ قال: شيخ»([845]).

 وذكره ابن حبّان في الثقات([846]). وضعّفه العقيلي بلا سبب سوى روايته حديثاً في فضائل علي×، فقد ذكره في ضعفائه قائلاً: «عباية بن ربعي الأسدي روى عنه موسى بن طريف، كلاهما غاليان ملحدان!!». ثمّ ساق الحديث الذي بسببه استحقّا هذا الوصف من العقيلي، وهو ما رواه عباية بن ربعي الأسدي أنّه سمع علياً يقول: أنا قسيم النار... وحديث آخر عمّى عليه ولم يبيّنه، وهو: فلان كذا وكذا على الصراط([847])، في حين وصفهما الذهبي بأنهما من غلاة الشيعة فقط، ولم يحكم عليهما بالإلحاد، وقد تعسّف العقيلي وأورد كثيراً من الثقات في الضعفاء كعلي بن المديني ممّا حدا بالذهبي إلى تأنيبه على ذلك، فقال: «أفما لك عقل يا عقيلي؟ أتدري فيمن تتكلم؟ وإنما تبعناك في ذكر هذا النمط لنذبّ عنهم، ولنزيّف ما قيل فيهم، كأنك لا تدرى أنّ كلّ واحد من هؤلاء أوثق منك بطبقات، بل وأوثق من ثقات كثيرين لم توردهم في كتابك»([848]).

هذا وقد صحّح الحاكم لعباية بن ربعي حديثاً، قال عنه: حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه. وعلّق عليه الذهبي بقوله: «على شرط البخاري ومسلم»([849]).

وأخرج الطبراني أيضاً في الكبير والأوسط قريباً من الحديث السابق بسنده عن علي بن علي الهلالي عن أبيه، قال: «دخلت على رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) في شكاته التي قبض فيها، فإذا فاطمة عند رأسه، قال: فبكت حتى ارتفع صوتها، فرفع رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) طرفه إليها، فقال: حبيبتي فاطمة ما الذي يبكيك؟ قالت: أخشى الضيعة من بعدك، قال: يا حبيبتي، أما علمت أن اللّه اطّلع على الأرض اطّلاعة فاختار منها أباك، فبعثه برسالته، ثمّ اطّلع على الأرض اطّلاعة، فاختار منها بعلك، وأوحى إليّ أن أنكحك إياه، يا فاطمة، ونحن أهل بيت قد أعطانا اللّه سبع خصال لم يعط أحداً قبلنا، ولا تعطى أحد بعدنا، أنا خاتم النبيين، وأكرم النبيين على اللّه، وأحبّ المخلوقين إلى اللّه، وأنا أبوك، ووصيي خير الأوصياء، وأحبّهم إلى اللّه، وهو بعلك»([850]).

وأورد هذا الحديث ابن عساكر في تاريخه([851]).

الرواية الرابعة

أخرج الطبراني في المعجم الكبير عن محمد بن عبد الله الحضرمي، ثنا إبراهيم بن الحسن الثعلبي، ثنا يحيى بن يعلى عن ناصح بن عبد الله عن سماك بن حرب عن أبي سعيد الخدري عن سلمان، قال: «قلت: يا رسول الله، لكلّ نبي وصي، فمن وصيّك؟ فسكت عني، فلمّا كان بعد رآني فقال: يا سلمان، فأسرعت إليه، قلت: لبيك، قال: تعلم من وصيّ موسى؟ قلت: نعم، يوشع بن نون، قال: لِمَ؟ قلت: لأنّه كان أعلمهم، قال: فإنّ وصيي وموضع سرّي وخير من أترك بعدي وينجز عدتي ويقضي ديني عليّ بن أبي طالب، قال أبو القاسم: قوله: وصيي يعني أنّه أوصاه في أهله لا بالخلافة، وقوله: خير من أترك بعدي، يعني من أهل بيته (صلّى الله عليه وسلّم)»([852]).

وأخرج قريباً منه أحمد بن حنبل في الفضائل بسنده عن أنس بن مالك، قال: «قلنا لسلمان: سل النبيّ (صلّى الله عليه وسلّم) من وصيه، فقال له سلمان: يا رسول الله، من وصيك؟ قال: يا سلمان، من كان وصي موسى؟ قال: يوشع بن نون، قال: فإنّ وصيي ووارثي يقضي ديني، وينجز موعودي: علي بن أبي طالب»([853]).

سند الرواية

1ـ محمد بن عبد الله الحضرمي: مرّت ترجمته([854]).

2ـ إبراهيم بن الحسن الثعلبي:

قال ابن أبي حاتم: «سألت أبي عنه، فقال: شيخ»([855])، وذكره ابن حبّان في الثقات([856]).

3ـ يحيى بن يعلى الأسلمي:

يعدّ يحيى بن يعلى الأسلمي من الرواة الذين لهم دور كبير في نقل الحديث وروايته، والذي يتّضح من خلال كثرة من نقل عنهم من كبار الرواة والمحدثين، كإسماعيل بن أبي خالد والأعمش، وعبد الملك بن أبي سليمان، وعثمان بن الأسود، وفطر بن خليفة، ويونس بن خباب وغيرهم كثير إلى الحد الذي يصفهم ابن حجربـ (الخلق)([857])، وهذا فيه دلالة على كثرة عددهم، وكذلك يروي عنه عدد كبير من الرواة كأبي بكر بن أبي شيبة، وقتيبة بن سعيد، وأبي هشام الرفاعي، وإسماعيل بن أبان الوراق، وجبارة بن المغلس، والوليد بن حماد، وأبي نعيم الطحان، وعباد بن يعقوب الرواجني وآخرين.

روى له البخاري في الأدب المفرد، والترمذي في سننه، وابن أبي حاتم في تفسيره([858])، وقد قال في تفسيره عن الروايات الوارده فيه: «فتحريت إخراج ذلك بأصح الأخبار أسناداً، وأشبهها متناً»([859]).

وروى له ابن حبّان في صحيحه([860]) أيضاً، وقال عن سبب تأليفه للصحيح: «وإني لمّا رأيت الأخبار طرقها كثرت، ومعرفة الناس بالصحيح منها قلّت لاشتغالهم بكتبة الموضوعات وحفظ الخطأ أو المقلوبات... فتدبّرت الصحاح لأسهل حفظها على المتعلمين، وأمعنت الفكر فيها لئلا يصعب وعيها على المقتبسين»([861]).

وأخرج ليحيى بن يعلى، ابن أبي شيبة في مصنفه([862]). وصحح له الحاكم حديثاً في مستدركه([863]), بل صرّح بعضهم بوثاقته, قال الطبري: >حدّثنا سليمان بن عبد الجبار, قال: حدّثنا إسماعيل بن أبان, قال: حدّثني يحيى بن يعلى الأسلمي، وكان ثقة<([864]).

ولكن ذهب بعض علماء الجرح والتعديل إلى تضعيفه، قال عبد الله الدورقي عن يحيى بن معين: ليس بشيء، وقال البخاري: مضطرب الحديث، وقال أبو حاتم: ضعيف الحديث ليس بالقوي، وقال ابن عدي: كوفي من الشيعة([865]).

والمتأمل في أقوالهم وتجريحم له يتّضح له أن تضعيفهم لم يكن مستنداً إلى الطعن في عدالته وصدقه، فهذه الألفاظ المذكورة مضافاً إلى أنّها تعتبر أدنى مراتب الجرح عندهم، فهي لا تمسّ صدقه ووثاقته، بل نعتقد أن ذنبه وجريرته هو تشيّعه وروايته لفضائل أهل البيت^، التي تكون في كثير من الأحيان كافية في تضعيف الراوي وردّ أحاديثه، لذا قرن الألباني تشيّعه بضعفه، فقال: «وهو شيعي ضعيف»([866]).

وهذا ما يظهر أيضاً من كلام ابن عدي، فإنه بعد أن نقل قول البخاري في يحيى: مضطرب الحديث، ذكرحديثاً له كشاهد على ذلك، وهو قول رسول الله’: «من أطاعني أطاع الله، ومن عصاني عصى الله، ومن أطاع علياً أطاعني، ومن عصى علياً عصاني». ثمّ علّق قائلاً: «وهذا لا أعلم يرويه عن بسام بهذا الإسناد غير يحيى بن يعلى، ويحيى بن يعلى هذا كوفي، وهو في جملة شيعتهم»([867]).

وأخرج له ابن أبي حاتم عن السدي في تفسير قوله تعالى: {ألم * أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ}، قال: «الذين صدقوا: علي بن أبي طالب وأصحابه»([868]).

وروى له الحاكم بسنده عن رسول الله’، قال: «من يريد أن يحيى حياتي، ويموت موتى، ويسكن جنة الخلد التي وعدني ربي فليتولّ علي بن أبي طالب؛ فإنه لن يخرجكم من هدى ولن يدخلكم في ضلالة»([869]).

فهذه الأحاديث إذن هي التي تجعل الراوي مضطرب الحديث، ضعيف، ليس بشيء؛ لأنّها تعدّ من المناكير والبلايا والطامات عندهم!! ولذا وصف ابن حجر الحديث الذي يرويه ابن حبّان في صحيحه عن يحيى بن يعلى، والذي فيه أن رسول الله’ قد ردّ أبا بكر وعمر (رض) عندما خطبا الزهراء÷، ثمّ زوجها لعلي× قال ابن حجر عنه: «وأخرج ابن حبّان له في صحيحه حديثاً طويلاً في تزويج فاطمة، فيه نكارة»([870]).

فتبيّن أنّ الرجل قد ورد بحقّه توثيق صريح, والجرح الذي ورد فيه غير مفسّر, أو مفسّر بالتشيّع, وهو ليس بعلّة قادحة, فأقلّ حالات الرجل أن يكون حسن الحديث.

4ـ ناصح بن عبد الله:

كان من كبار الحفاظ وحملة العلم، روى عنه كبار العلماء والحفاظ كأبي حنيفة النعمان، وإسماعيل بن عمرو البجلي، وعبد الله بن صالح العجلي، وعبد العزيز بن الخطاب، وإسحاق بن منصور السلولي وغيرهم من الثقات([871]).

واشتهر بالتديّن والصلاح، قال الذهبي: «كان من العابدين، ذكره الحسن بن صالح، فقال: رجل صالح، نعم الرجل»([872]).

وقال ابن حبّان: «كان شيخاً صالحاً»([873]).

ولكن مع هذا فقد تعرّض ناصح بن عبد الله إلى حملة واسعة من التضعيف والتجريح لروايته فضائل ومناقب أهل البيت^!! بيد أنهم لم يستطيعوا من خلال حملتهم تلك أن يقدّموا دليلاً واحداً على عدم صدقه أو وثاقته، أو سوء حفظه أو غيرها من الاُمور التي تضرّ في رواية الراوي وتؤثر على صحّة نقله، وإنما تراوحت عباراتهم بين الإبهام والغموض وعدم إعطاء تفسير مقنع، كقولهم: منكر الحديث، ليس بشيء، ذاهب الحديث، ضعيف، ليس بالقوي، ليس بثقة([874]).

ولكنّ السبب الحقيقي لتضعيفه وجرحه، هو روايته ونقله لفضائل ومناقب أهل البيت^! فعبّروا عن ذلك بقولهم: منكر الحديث، عنده عن سماك، عن جابر بن سمرة مسندات في الفضائل كلّها منكرات([875]).

أو قولهم: متروك الحديث، روى عن سمّاك أحاديث منكرة([876])، فوصفه بالمتروك لروايته أحاديث الفضائل، فلا تغترّ، يا سعادة الدكتور، بهذا الحكم بعد أن تبيّن سببه.

أو قولهم: يروي عن الثقات ما ليس يشبه حديث الأثبات، وينفرد بالمناكير عن ثقات مشاهير، غلب عليه الصلاح، فكان يأتي بالشيء على التوهّم، فلمّا فحش ذلك منه استحق ترك حديثه([877]).

وهذه الأقوال والتعابير كلّها، كما ترى، لا تحطّ من قدر الرجل في الحفظ والرواية للحديث، بعد تصريحهم بأنّه من العابدين، وكونه من الصالحين، وقد روى عنه كبار أئمة أهل السنّة، كأبي حنيفة وغيره؛ فلذا لا ينبغي لك، كما قلنا، أن تركن لما يطعن به هذا الرجل بعد أن عرفت علّة الطعن، وإليك بعض أحاديثه التي وصفوه بأنّه منكر، لأنّه يعارض ويضادّ مسلّمات عندهم: عن جابر، قال: «قالوا: يا رسول الله: من يحمل رايتك يوم القيامة؟ قال: من يحسن أن يحملها إلاّ من حملها في الدنيا علي بن أبي طالب (رضي الله عنه)»([878]).

وكذلك نقله لحديث الوصية الذي نحن بصدده، والذي لم يحتمله الذهبي، فقال عنه: «هذا خبر منكر»([879]).

5ـ سماك بن حرب الذهلي (ت123هـ):

قال الذهبي: «سماك بن حرب ابن أوس بن خالد بن نزار بن معاوية بن حارثة، الحافظ الإمام الكبير أبو المغيرة الذهلي البكري الكوفي أخو محمّد وإبراهيم، حدث عن ثعلبة بن الحكم الليثي، وله صحبة، وابن الزبير... قال علي بن المديني: له نحو مئتي حديث، وروى حماد بن سلمة عنه: أدركت ثمانين من أصحاب النبيّ (صلّى الله عليه وسلّم)، وكان قد ذهب بصري، فدعوت الله تعالى، فردّ عليّ بصري»([880]).

وقال المزي: «قال عبد الرزاق، عن سفيان الثوري: ما سقط لسماك بن حرب حديث... وقال أحمد بن سعد بن أبي مريم، عن يحيى بن معين: ثقة... وكان جائز الحديث لم يترك حديثه أحد، ولم يرغب عنه أحد، وكان عالماً بالشعر وأيام الناس، وكان فصيحاً. وقال عبد الرحمن بن أبي حاتم: سألت أبي عنه، فقال: صدوق ثقة... قال يعقوب: وروايته عن عكرمة خاصة مضطربة، وهو في غير عكرمة صالح... وقال النسائي: ليس به بأس، وفي حديثه شيء. وقال عبد الرحمن بن يوسف بن خراش: في حديثه لين. قال أبو الحسين بن قانع: مات سنة ثلاث وعشرين ومئة. استشهد به البخاري في الجامع، وروى له في القراءة خلف الإمام وغيره، وروى له الباقون»([881]).

وقال ابن عدي: «ولسماك حديث كثير مستقيم إن شاء الله كلّها، وقد حدّث عنه الأئمّة، وهو من كبار تابعي الكوفيين، وأحاديثه حسان عمّن روى عنه، وهو صدوق لا بأس به»([882]).

الرواية الخامسة

أخرج ابن عساكر عن أبي القاسم بن السمرقندي، أنا أبو الحسين بن النقور، أنا أبو القاسم عيسى بن علي، أنا أبو القاسم البغوي، نا محمد بن حميد الرازي، نا علي بن مجاهد، نا محمد بن إسحاق، عن شريك بن عبد الله، عن أبي ربيعة الإيادي، عن ابن بريدة عن أبيه قال: «قال النبيّ (صلّى الله عليه وسلّم): لكلّ نبيّ وصيّ ووارث، وإنّ عليّاً وصيّي ووارثي»([883]).

لا شكّ في أنّه ليس المقصود بالوراثة هنا معناها المادي أي: وراثة الأموال، بل هي هنا بمعنى وراثة العلم والخلافة، فإنّ أوصياء الأنبياء لا يرثون من الأنبياء إلاّ علمهم ومنزلتهم ومقامهم وخلافتهم في قومهم، وإلا فالمعنى المادي غير مراد بهذه الوراثة، خصوصاً مع وجود من يحجب أمير المؤمنين× عن وراثة النبيّ’، كابنته الزهراء÷ وعمّه العباس، على القول بذلك.

سند الرواية

1ـ أبو القاسم بن السمرقندي، إسماعيل بن أحمد:

كان من كبار الحفّاظ، روى عن الكثير وروى عنه الكثير، قال ابن عساكر: «ولد بدمشق... خرج إلى بغداد فاستوطنها إلى أن مات بها، وأدرك بها إسناداً حسناً... وكان مكثراً، ثقة، صاحب نسخ واُصول... وبقي إلى أن خلت بغداد، وصار محدّثها كثرة وإسناداً»([884]).

قال الذهبي: «الشيخ الإمام المحدّث المفيد المسند، أبو القاسم، إسماعيل بن أحمد بن عمر بن أبي الأشعث، السمرقندي، الدمشقي المولد، البغدادي الوطن، صاحب المجالس الكثيرة... قال السمعاني: قرأت عليه الكتب الكبار والأجزاء، وسمعت أبا العلاء العطار بهمذان يقول: ما أعدل بأبي القاسم بن السمرقندي أحداً من شيوخ العراق وخراسان، وقال عمر البسطامي: أبو القاسم إسناد خراسان والعراق، قال ابن السمرقندي: ما بقي أحد يروي (معجم) ابن جميع غيري، ولا عن عبد الدائم الهلالي... قال السلفي: هو ثقة، له اُنس بمعرفة الرجال»([885]).

2ـ أبو الحسين بن نقور: هو أحمد بن محمد بن أحمد بن عبد الله بن النقورالمتوفى(470هـ):

قال الخطيب البغدادي: «أحمد بن محمّد بن أحمد بن عبد الله، أبو الحسين البزاز المعروف بابن النقور... كتبت عنه وكان صدوقاً»([886]).

وقال الذهبي: «ابن النقور الشيخ الجليل، الصدوق، مسند العراق، أبو الحسين، أحمد بن محمّد بن أحمد بن عبد الله بن النقور، البغدادي، البزاز، مولده في جمادى الأولى، سنة إحدى وثمانين وثلاثمائة. وكان صحيح السماع، متحرّياً في الرواية... قال الخطيب: كان صدوقاً. وقال ابن خيرون: ثقة، قال الحسين سبط الخياط: كان إذا تكلّم أحد في مجلس ابن النقور، قال لكاتب الأسماء: لا تكتبه. وقال أبو الحسن بن عبد السلام: كان أبو محمّد التميمي يحضر مجلس ابن النقور، ويسمع منه، ويقول: حديث ابن النقور سبيكة الذهب. مات ابن النقور في سادس عشر رجب، سنة سبعين وأربعمائة، عن تسعين سنة»([887]). وقال عنه ابن الأثير: «وكان مكثراً من الحديث، ثقة في الرواية»([888]).

3ـ أبو القاسم عيسى بن علي بن الجراح الوزير:

عيسى ابن الوزير علي بن عيسى بن داود بن الجراح، أبو القاسم: «سمع أبا القاسم عبد الله بن محمّد البغوي... وكان ثبت السماع، صحيح الكتاب»([889]). وقال الذهبي: «عيسى بن علي بن الجراح الوزير، أبو القاسم. أملى مجالس عن البغوي وطبقته، ووقع من عواليه، وسماعاته صحيحة. وقال ابن أبي الفوارس: كان يرمى بشيء من رأي الفلاسفة. قلت: لم يصحّ ذا عنه»([890]).

4ـ القاسم البغوي: هو عبد الله بن محمد بن عبد العزيز البغوي (317هـ):

قال الذهبي: «عبد الله بن محمّد بن عبد العزيز، أبو القاسم البغوي، الحافظ، الصدوق، مسند عصره. تكلّم فيه ابن عدي بكلام فيه تحامل، ثمّ في أثناء الترجمة أنصف ورجع عن الحط عليه، وأثنى عليه بحيث أنّه قال: ولولا أن شرطت أن كلّ من تكلّم فيه ذكرته وإلا كنت لا أذكره... قلت: قد وثقه الدارقطني والخطيب وغيرهما. قال الخطيب: كان ثقة ثبتاً مكثراً فهماً عارفاً. قال فيه السليماني: يتهم بسرقة الحديث. قلت: الرجل ثقة مطلقاً، فلا عبرة بقول السليماني»([891]).

5ـ محمد بن حميد الرازي، تقدمت ترجمته([892]).

6ـ علي بن مجاهد بن مسلم بن الكابلي:

قال في الكاشف: «علي بن مجاهد الكابلي أبو مجاهد الرازي، قاضي الري، عن حجاج بن أرطاة ومسعر وابن إسحاق وعنه أحمد وزياد بن أيوب وجماعة، كذّبه يحيى بن الضريس، ووثقه غيره»([893]).

وقال ابن حجر العسقلاني: «قال أبو داود عن أحمد: كتبت عنه ما أرى به بأساً، وقال ابن حبّان عن ابن معين: رأيته على باب هشيم ولم أكتب عنه شيئاً، ما أرى به بأساً..

 وقال الترمذي في جامعه: حدثنا محمّد بن حميد الرازي ثنا جرير [وهو جرير بن عبد الحميد بن قرط الضبي الكوفي، نزيل الري وقاضيها، ثقة صحيح الكتاب] ([894])، قال: حدثنيه علي بن مجاهد وهو عندي ثقة عن ثعلبة عن الزهري، قال: إنّما كره المنديل بعد الوضوء؛ لأن الوضوء يوزن، وذكره ابن حبّان في الثقات»([895]).

وقد أورد الخطيب البغدادي بسنده عن أبي خيثمة، قال: «قلت ليحيى بن معين: إنك تقول: فلان ليس به بأس، وفلان ضعيف، قال: إذا قلت لك: ليس به بأس، فهو ثقة»([896]).

هذا، وقد ضعّفه جماعة من علماء الجرح والتعديل، فلا أقل من القول بأن الرجل مختلف فيه، وقد ذهب أكثر أهل الفن في هذه الصناعة إلى أنّه ليس كلّ مختلف فيه فهو غير مقبول، بل قد تكون رواياته حسنة, خصوصاً أنّ روايات الوصيّة لها طرق متكاثرة, ولم ينفرد بها راو بعينه لتلقى عليه عهدتها, والطرق كلّما تكثّرت دلت على قوّة الحديث وأنّ له أصلاً.

7ـ محمد بن إسحاق، صاحب السيرة المعروفة، تقدمت ترجمته وتوثيقه([897]).

8ـ شريك بن عبد الله، أبو عبد الله النخعي:

روى له البخاري تعليقاً، وروى له مسلم، وأبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه. قال ابن سعد في الطبقات: «وكان شريك ثقة مأموناً كثير الحديث، وكان يغلط كثيراً»([898]).

وقال ابن حجر: «قال يزيد بن الهيثم عن ابن معين: شريك ثقة، وهو أحبّ إليّ من أبي... قال ابن معين: ولم يكن شريك عند يحيى ـ يعني القطان ـ بشيء وهو ثقة ثقة. وقال أبو يعلى: قلت لابن معين: أيّما أحب إليك جرير أو شريك؟ قال: جرير، قلت: فشريك أو أبو الأحوص؟ قال: شريك، ثمّ قال: شريك ثقة إلاّ أنّه لا يتقن، ويغلط، ويذهب بنفسه على سفيان وشعبة... وقال معاوية بن صالح عن ابن معين: شريك صدوق ثقة إلاّ أنّه إذا خالف فغيره أحبّ إلينا منه... وقال أبو داود: ثقة يخطئ على الأعمش... وقال إبراهيم الحربي: كان ثقة، وقال محمّد بن يحيى الذهلي: كان نبيلاً، وقال صالح جزرة: صدوق... وقال الساجي: كان ينسب إلى التشيّع المفرط، وقد حكى عنه خلاف ذلك، وكان فقيهاً، وكان يقدم علياً على عثمان، وقال يحيى بن معين: قال شريك: ليس يقدّم علياً على أبي بكر وعمر أحد فيه خير، وقال الأزدي كان صدوقاً»([899])، ووثّقه العجلي([900])، وذكره ابن حبّان في الثقات([901]).

9ـ أبو ربيعة الإيادي، عمر بن ربيعة:

قال ابن أبي حاتم الرازي: «عمر بن ربيعة أبو ربيعة الإيادي، روى عن الحسن البصري وابن بريدة، روى عنه الحسن وعلى ابنا صالح، ومالك بن مغول، وشريك، سمعت أبي يقول ذلك، وسألته عنه فقال: منكر الحديث، نا عبد الرحمن أنا يعقوب بن إسحاق فيما كتب إليّ، قال: أنا عثمان بن سعيد قال: سألت يحيى بن معين عن أبي ربيعة الذي يروى عنه شريك، فقال: كوفي ثقة»([902]).

وقال ابن حجر: «أبو ربيعة الإيادي مقبول من السادسة»([903])، وحسّن الترمذي حديثه في السنن([904]).

وصحح له الحاكم في المستدرك أحاديث، ووافقه الذهبي في بعضها([905])، وقال عنه المناوي: «صدوق»([906]).

ويبقى قول ابن أبي حاتم عنه بأنّه منكر الحديث، غير كافٍ في تضعيفه أمام هذه التوثيقات الكثيرة، مع أننا نعتقد أنّ سبب حكمه عليه بهذا الحكم هو روايته لفضائل علي× والتي جعلته منكر الحديث!! وإلاّ فالرجل لم يطعن فيه من جهة وثاقته وعدالته.

10ـ عبد الله بن بريدة بن حصيب الأسلمي:

قال الذهبي: «عبد الله بن بريدة بن الحصيب الحافظ، أبو سهل الأسلمي المروزي، قاضي مرو، وعالم خراسان حدّث عن أبيه وعائشة وسمرة بن جندب وعمران بن حصين وأبي موسى الأشعري... وهو متفق على الاحتجاج به، وقد عاش مائة سنة، توفي سنة خمس عشرة ومائة، وقد نشر علماً كثيراً ولله الحمد»([907]).

وقال عنه في الميزان: «من ثقات التابعين. وثّقه أبو حاتم والناس»([908]).

وقال ابن حجر: «وقال ابن معين والعجلي وأبو حاتم: ثقة... وقال ابن خراش: صدوق كوفي نزل البصرة...»([909])، وذكره ابن حبّان في الثقات([910]).

وأخرج ابن عساكر الحديث نفسه بسنده عن يوسف بن عاصم الرازي عن محمد بن حميد الرازي([911]).

هذا، وهناك أحاديث كثيرة جاء فيها لفظ الوصية لعلي×، وهي وأن ضعّف الكثير منها ألا أنّها مع كثرتها، وتشعّب طرقها، وتعدد مخارجها، وتباين ألفاظها، واختلاف مناسباتها، وما صحّحناه من بعض طرقها، كلّ ذلك يعضد بعضه بعضاً، ويقوّي بعضه بعضاً، وبهذا المبنى صحّحوا كثيراً من القضايا والمسائل التي لم يرد فيها مثل هذه الكثرة، كما هو الحال هنا في مسألة الوصية.

أحاديث الوصية وموضوعات ابن الجوزي

ومن الأمور التي ضعّفتم بها أحاديث الوصية ورودها في الموضوعات لابن الجوزي، ولكننا نعتقد أنه لايضر بأحاديث الوصية إدراج ابن الجوزي لبعضها في موضوعاته([912])، لأنّ ابن الجوزي قد وهم كثيراً في كتابه هذا، وأدرج عدداً من الروايات التي لها أصل وإن ضعّفت بعض طرقها، لكنها لا تصل إلى حدّ الوضع، بل وأدرج حتى الصحيح في الموضوعات، وذلك أمر في غاية الغرابة، وقد أشار عدة من العلماء إلى ذلك، فقد نقل الحافظ السيوطي عن الحافظ النووي، قال: «وقد أكثر جامع الموضوعات في نحو مجلدين أعني أبا الفرج بن الجوزي، فذكر كثيراً ممّا لا دليل على وضعه، بل هو ضعيف»([913]).

وزاد الحافظ السيوطي في شرحه لتقريب النواوي: «بل وفيه الحسن والصحيح، وأغرب من ذلك أن فيها حديثاً من صحيح مسلم»([914]).

ومن أمثلة ما ضعّفه ابن الجوزي من الحديث الصحيح، هو حديث الثقلين: كتاب الله والعترة الطاهرة، اللذين أمر النبيّ’ بالتمسك بهما، وبيّن أنّهما أمان من الضلال والانحراف، وهذا الحديث أورده في كتابه العلل المتناهية([915])، فردّ عليه العلماء وخطّؤوه، قال ابن حجر الهيتمي نقلاً عن الحافظ السخاوي: «ولم يصب ابن الجوزي في إيراده في العلل المتناهية، كيف وفي صحيح مسلم وغيره»([916]).

وقال المناوي: «ووهم من زعم وَضْعه كابن الجوزي، قال السمهودي: وفي الباب ما يزيد على عشرين من الصحابة»([917]). وقال سبط ابن الجوزي: «والعجب كيف خفي عن جدي ما روى مسلم في صحيحه من حديث زيد بن أرقم»([918]).

وقال الذهبي عن موضوعات ابن الجوزي: «وربما ذكر في الموضوعات أحاديث حساناً قوية، ونقلت من خطّ السيف أحمد بن المجد، قال: صنّف ابن الجوزي كتاب الموضوعات، فأصاب في ذكره أحاديث شنيعة مخالفة للنقل والعقل. ومما لم يصب فيه، إطلاق الوضع على أحاديث بكلام بعض الناس في أحد رواتها، كقوله: فلان ضعيف، أوليس بالقوي، أو ليّن، وليس ذلك الحديث ممّا يشهد القلب ببطلانه، ولا فيه مخالفة ولا معارضة لكتاب ولا سنة [و] لا إجماع، ولا حجة بأنّه موضوع، سوى كلام ذلك الرجل في رواية([919])، وهذا عدوان ومجازفة، وقد كان أحمد ابن حنبل يقدم الحديث الضعيف على القياس»([920]).

ثمّ ذكر أمثلة على ذلك، ومن الشواهد التي ذكروها على إيراد ابن الجوزي لبعض الأحاديث المتعددة الطرق ـ وإن كانت ضعيفة ـ في الموضوعات هو حديث «من قرأ آية الكرسي دبر كلّ صلاة مكتوبة لم يمنعه من دخول الجنة إلاّ الموت»([921]).

قال المناوي: «أورده ابن الجوزي في الموضوعات لتفرد محمد بن حميد([922]) به وردّوه بأنّه احتج به أجلّ من صنّف في الصحيح وهو البخاري، ووثّقه أشدّ الناس مقالة في الرجال ابن معين، قال ابن القيم: وروي من عدة طرق كلّها ضعيفة، لكنّها إذا انضمّ بعضها لبعض مع تباين طرقها واختلاف مخرجيها، دلّ على أن له أصلاً وليس بموضوع، وقال ابن حجر في تخريج المشكاة: غفل ابن الجوزي في زعمه وضعه، وهو من أسمح ما وقع له، وقال الدمياطي: له طرق كثيرة إذا انضم بعضها إلى بعض أحدثت قوة»([923]).

وهذا الحديث شبيه إلى حدّ ما بحديث الوصية من حيث تباين الطرق واختلاف المخرجين.

شهرة حديث الوصية بين الصحابة وغيرهم

ومما يؤيد، وبقوة، صحّة صدور حديث الوصية من رسول الله’ ـ مضافاً إلى ما أفلت من يد الحذف وسياسة التعتيم الأموي من أحاديث نقلنا جزءاً منها ـ هو شهرة لقب الوصي لأمير المؤمنين علي× بين الصحابة والتابعين وغيرهم حتى صار مختصاً به سلام الله عليه.

ودليل شهرته بين الأصحاب وتداوله بينهم هو ما أخرجه البخاري ومسلم في صحيحيهما ـ واللفظ للأول ـ بسنديهما عن الأسود بن يزيد، قال: «ذكروا عند عائشة أنّ علياً (رضي الله عنهما) كان وصيّاً، فقالت: متى أوصى إليه وقد كنت مسندته إلى صدري، أو قالت: حجري فدعا بالطست، فلقد انخنث في حجري، فما شعرت أنّه قد مات، فمتى أوصى إليه؟»([924]).

فالظاهر من هذا الحديث، وبكل وضوح، أن الصحابة وغيرهم كان معروفاً بينهم ثبوت هذا اللقب لعلي×، إلى الحدّ الذي كانوا يطرحونه في مجالسهم بشكل مسلّم.

إنكار السيدة عائشة الوصية لا يدل على عدمها

وأمّا إنكار السيدة عائشة للوصية، فلا يؤثر في نفيها؛ لعدة اُمور:

1ـ إنّ السيدة عائشة (رضي الله عنها) كانت تحمل شيئاً في قلبها تجاه أمير المؤمنين×، وربما كان ذلك قد أثّر في رأيها فيه، وهذا أمر مشهور عنها إلى درجة أنّها لا تطيق ذكر اسم أمير المؤمنين×، فقد أخرج البخاري في صحيحه ومسلم أيضاً ـ واللفظ للأول ـ بسندهما عن عائشة، قالت: «لما ثقل النبيّ (صلّى الله عليه وسلّم) واشتد به وجعه استأذن أزواجه في أن يمرض في بيتي فأذنّ له، فخرج النبيّ (صلّى الله عليه وسلّم) بين رجلين تخطّ رجلاه في الأرض، بين عباس وبين رجل آخر، قال عبيد الله: فأخبرت عبد الله بن عباس، فقال: أتدري من الرجل الآخر؟ قلت: لا، قال: هو علي»([925]).

وأخرج الحديث أحمد بن حنبل في مسنده([926])، وعبد الرزاق في مصنفه([927])، وابن سعد في طبقاته([928])، وزادوا فيه قوله: «ولكنّ عائشة لا تطيب لها نفساً بخير»، وحذف هذه الزيادة ـ كما ترى ـ البخاري ومسلم وأوردها الطبري بعبارة اُخرى: «ولكنها لا تقدر على أن تذكره بخير وهي تستطيع»([929]).

2ـ إذا كان مقصود السيدة عائشة من إنكارها الوصية عند موته، إنكارها للوصية مطلقاً، فهذا لا يصحّ؛ لأنّه يتعارض مع ما ثبت من طريق صحيح، من أن النبيّ’ قد أوصى بثلاث عند موته، فقد روى البخاري بسنده عن ابن عباس: «... وأوصى عند موته بثلاث... اخرجوا المشركين من جزيرة العرب، وأجيزوا الوفد بنحو ما كنت أجيزهم، ونسيت الثالثة!»([930]).

وأمّا لوكانت تقصد أن النبيّ’ لم يوص بخصوص علي×، فهذا ممّا نستبعده جداً، لأنّنا لا نشك في أن الثالثة المنسية هي الوصية لعلي×، حيث لا يوجد مبرر للقول بنسيانها، على الرغم من كونها وصية نبي الإسلام الأخيرة، إلاّ لكونها تتصادم مع الجو الأموي السائد آنذاك؛ لأنّ إثبات أنّ علياً× كان وصياً يؤدي إلى سلب مشروعية الحكام الأمويين؛ لذا خاف الراوي على نفسه من بطشهم، فادّعى نسيان الوصية الثالثة!.

3ـ نقول: إنّه هل يكفي لإنكار حديث الوصية هو عدم تفوّه النبيّ’ به وهو في سكرات الموت على صدر عائشة أو في حجرها؟! وهل كان يجب على رسول الله’، لو كان له وصي، أن يعيّنه في آخر لحظات عمره الشريف، وإذا لم يعيّن فلا وصي إذاً؟! وهل هناك عاقل يصدق بهذا؟!

الشوكاني ينكر على عائشة نفيها الوصية

ويدعم ما ذكرناه من الاُمور الثلاثة المتقدمة، ما ذهب إليه العلاّمة الشوكاني في كتابه نيل الأوطار، وفي رسالة كتبها في خصوص إنكار عائشة للوصية في الحديث، حيث تصدّى فيهما لإثبات أن نفي عائشة لم يكن مبرّراً، وأن الوصية ثابتة لعلي×.

قال في نيل الأوطار: «والإنكار لوصاية أمير المؤمنين علي المفهوم من استفهام اُمّ المؤمنين لا يدلّ على عدم ثبوتها. وعدم وقوعها من النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) في ذلك الوقت الخاصّ لا يدلّ على العدم المطلق، وقد استوفينا الكلام على ذلك في رسالة مستقلة لمّا سأل عن ذلك بعض العلماء»([931]).

وتلك الرسالة المستقلة التي أشار إليها هي (العقد الثمين في إثبات وصاية أمير المؤمنين) قد ألّفها للردّ على إنكار عائشة الوصية في خصوص الحديث المتقدّم، وقد احتوت رسالته على مقدمة ومبحثين: أحدهما: اختص بإثبات مطلق الوصية من النبيّ’، وثانيهما: في إثبات كون الوصية لخصوص علي× من خلال بعض الأحاديث التي تضمّنت ذكر الوصية له، فقال في المقدمة: «وبعد: فإنّه سألني بعض آل الرسول (صلّى الله عليه وسلّم)... عن إنكار عائشة اُمّ المؤمنين زوجة النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) لصدور الوصية من رسول اللّه (صلّى الله عليه وسلّم)، لمّا ذكروا عندها أن أمير المؤمنين علياً (عليه السلام) كان وصياً لرسول اللّه (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وهذا ثابت من قولها في الصحيحين والنسائي عن طريق الأسود بن يزيد بلفظ: متى أوصى إليه وكنت مسندته إلى صدري... ولنقدم قبل الشروع في الجواب مقدمة ينتفع بها السائل: فنقول: ينبغي أن يُعلم أوّلاً: أنّ قول الصحابي ليس بحجة، وأنّ المثبت أولى من النافي، وأنّ من علم حجة على من لم يعلم، وأنّ ‏الموقوف لا يعارض المرفوع على فرض حجّيته. وهذه الاُمور قد قرّرت في الاُصول، ونيطت بأدلّة تقصر عن نقضها أيدي‏الفحول، وإن تبالغت في الطول.

ويُعلم ثانياً: أن اُمّ المؤمنين (رضي اللّه عنها) كانت تسارع إلى ردّ ما خالف اجتهادها، وتبالغ في الإنكار على راويه، كما يقع مثل ‏ذلك لكثير من المجتهدين».

وفي معرض حديثه عن إثبات مطلق الوصية، بعد أن ساق بعض الأحاديث التي تثبت وصية النبيّ’ في بعض الاُمور، أنكر على عائشة نفيها للوصية بصورة مطلقة في الحديث المتقدم، ؛ لأنّ صدق ذلك يتنافى مع ثبوت الوصية للنبيّ’ في الجملة، فلا يشترط في صدق الوصية أن تكون بأمور متعددة، قال: «لأنّ صدق اسم الوصية لا يعتبر فيه أن يكون بأمور متعددة حتى يمتنع صدقه على الأمر الواحد، لا لغة ولا شرعاً ولا عرفاً؛ للقطع بأنّ من أوصى بأمر واحد، يقال له موصٍ لغة وشرعاً وعرفاً».

ثم تابع مبيّناً سبب عدم دلالة كلامها على نفي الوصية لعلي×: «هذا، وإن عدم علم عائشة ‏بالوصية لا يستلزم عدمها، ونفيها لا ينافي الوقوع، وغاية ما في كلامها الإخبار بعدم علمها، وقد علم غيرها، ومن علم حجة على من لم يعلم، أو نفي الوصية حال الموت لا يلزم من نفيها في الوقت الخاص، نفيها في كلّ ‏وقت».

وقال في آخر رسالته تحت عنوان: تنبيه: «اعلم أن جماعة من المبغضين للشيعة عدّوا قولهم: إنّ علياً× وصيّ لرسول اللّه من خرافاتهم، وهذا إفراط ‏وتعنّت يأباه الإنصاف، وكيف يكون الأمر كذلك، وقد قال بذلك جماعة من الصحابة، كما ثبت في‏الصحيحين أن جماعة ذكروا عند عائشة أن علياً وصيّ، وكما في غيرهما، واشتهر الخلاف بينهم في المسألة ‏وسارت به الركبان، ولعلّهم تلقّنوا قول عائشة في أوائل الطلب، وكبر في صدورهم حتى ظنّوه مكتوباً في‏اللوح المحفوظ، وسدّوا آذانهم عن سماع ما عداه، وجعلوه كالدليل القاطع، وهكذا فليكن الاعتساف والتنكّب عن مسالك الإنصاف، وليس هذا بغريب بين أرباب المذاهب، فإن كلّ ‏طائفة في الغالب لا تقيم لصاحبتها وزناً، ولا تفتح لدليلها ـ وإن كان في أعلى رتبة الصحةـ اُذناً، إلاّ من عصم اللّه، وقليل ما هم»([932]).

هذا ولم يكن الشوكاني منفرداً بالاعتقاد بالوصية لأمير المؤمنين×، فهذا الحاكم النيسابوري كذلك يقول بالوصية لعلي× ـ ولعله استناداً إلى أحاديث تضمنت الوصية ـ وما أدراك ما الحاكم، الذي يقول عنه الذهبي: الحافظ الكبير، إمام المحدثين([933])، وأما قوله بالوصية فقد نقله الذهبي في ترجمته للحاكم، قال: >ومن شقاشقه قوله: أجمعت الأمة أن الضبي كذاب... وقوله: إن علياً وصي<([934]).


 








حوار حول
عقيدة التوسل


مقدّمة

ذكرنا في الجزء الأوّل أنّه قد جرى بيننا وبين الدكتور الغامدي حوار حول التوسّل, وكان الدكتور الغامدي يقول: >باب الله مفتوح للجميع, فلا نحتاج إلى الواسطة, كما قال الله تعالى: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ}([935]).

ثمّ قال: >فإذا قال الملك بأنّ بابي مفتوح لمن أرادني, فلا يحتاج أنْ نتوسّل إلى رئيس مكتبه أو إلى أحد من الضباط لمقابلته, بل يعدّ ذلك التوسّل من الحماقات<.

وقد أجبنا هناك بأنّ هذا الكلام غير صحيح, فإخوة يوسف× قد توسّلوا بدعاء أبيهم, ولم يقل لهم أبوهم إنّ باب الله مفتوح فاستغفروا الله مباشرة, ودار بيننا حينها بعض الحوار، وبيّنت للغامدي بعض الأدلّة على مشروعيّة التوسّل, ثمّ التقيته بعد عدّة ليالي وسلّمته كراسة فيها أقوال علماء أهل السنّة في مشروعيّة التوسّل, ولم يجب عنها حتّى الآن.

وحيث إنّ التوسّل يمثّل مسألة حيويّة في حياة المسلمين, بما لها من ارتباط وثيق في عباداتهم ودعائهم, وصارت محلاً للسجال والمجادلة، حتى وصل البعض من السلفية المعاصرة الى قناعة بأنّ من يعتقد بالتوسل فهو كافر مبتدع, وطفقوا يتحيّنون الفرص لتهديم قبور الأولياء والصالحين باعتبار أنّها مدعاة للشرك؛ لذا كان ضرورياً كشف أبعاد هذه المسألة بصورة مفصّلة أكثر ممّا ذكرناه في الجزء الأوّل, معتمدين في ذلك على الأدلّة الصحيحة المعتبرة من القرآن والسنّة النبويّة.

وسوف يكون البحث في محاور ثلاثة:

المحور الأوّل: بيان أنواع التوسّل ومشروعيتها عند المسلمين.

المحور الثاني: بيان سيرة العلماء والناس قولاً أو عملاً على جواز التوسّل.

المحور الثالث: بيان أهمّ الشبهات المثارة حول التوسّل والإجابة عنها.


 

المحور الأوّل: بيان أنواع التوسّل ومشروعيتها عند المسلمين

تمهيد

لا شكّ ولا شبهة في مشروعيّة أصل التوسّل عند كافّة المسلمين، بما فيهم السلفيّة, وإنّما وقع الخلاف في مشروعية بعض أنواع التوسّل.

 ويدلّ على مشروعية التوسّل في الجملة قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ}([936]).

فبغضّ النظر عن نوع الوسيلة، سواء أكان هو الأعمال الصالحة أو غيرها، فالآية تقرّر أنّ التوسّل مبدأ قرآني, فالقرآن يحثُّ على طلب الوسيلة إليه ويرغب بها.

 ومثله قوله تعالى:{أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا}([937]).

وهذه الآية كسابقتها دلّت على مشروعية أصل التوسل، فقد أثبتت أنّ أولئك الذين يدعونهم ويتوسلون بهم ـ أيّاً كانوا سواء قلنا هم الأنبياء أو الملائكة وبعض الإنس أو ما يعمّ الجميع ـ هم بأنفسهم يطلبون الوسيلة إلى الله سبحانه وتعالى.

فالآيتان الكريمتان صريحتان في جواز التوسّل إلى الله سبحانه وتعالى, وإن كان هناك من خلاف, فهو في نوع المتوسَّل به.

أنواع التوسّل

ينقسم التوسّل بلحاظ المتوسل به إلى عدّة أنواع, منها:

النوع الأول: التوسل بأسماء وصفات الله تعالى

من قبيل قول المتوسل: اللهمّ إنّي أسألك يا أرحم الراحمين أن ترحمني, ولا خلاف بين المسلمين أجمع في جواز هذا النوع من التوسل، فقد صرّح به القرآن الكريم؛ إذ جاء فيه: {وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا}([938]) والشيعة ـ كسائر المسلمين ـ يعدّون هذا النوع من التوسل مشروعاً، وكتبهم طافحة به.

النوع الثاني: التوسل بعمل صالح قام به الداعي

كأنْ يقول الداعي: اللهمّ إنّي أسألك بعملي الفلاني الذي قمت به, وهذا أيضاً لا خلاف في مشروعيته بين المسلمين.

قال الألباني: >التوسل إلى الله تعالى بعمل صالح قام به الداعي: كأن يقول المسلم: اللهم بإيماني بك، ومحبتي لك، واتباعي لرسولك اغفر لي... ومنه أن يذكر الداعي عملاً صالحاً ذا بالٍ، فيه خوفه من الله سبحانه، وتقواه إياه، وإيثاره رضاه على كل شيء، وطاعته له جل شأنه، ثمّ يتوسل به إلى ربّه في دعائه؛ ليكون أرجى لقبوله وإجابته<.

 وأضاف: >وهذا توسل جيّد وجميل قد شرّعه الله تعالى وارتضاه، ويدلّ على مشروعيته قوله تعالى: {الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ }<([939]).

والشيعة أيضاً في هذا النوع لا يختلفون عن بقية المسلمين, ومن الأمثلة على ذلك دعاؤهم المعروف: >اللهمّ إنّي أطعتك في أحبّ الأشياء إليك وهو التوحيد ولم أعصك في أبغض الأشياء إليك وهو الكفر فاغفر لي ما بينهما...<([940]).

النوع الثالث: التوسّل بدعاء النبي في حياته

والمراد به أنْ يأتي الشخص المحتاج أو المذنب إلى النبي’ ويطلب منه أنْ يدعو الله له في قضاء حاجته أو غفران ذنبه, وهذا ممّا لا خلاف فيه أيضاً؛ إذ كانت السيرة قائمة على طلب الدعاء من النبي’, وقال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلاّ لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا}([941]).

النوع الرابع: التوسّل بدعاء سائر الأنبياء الأحياء والأئمّة والصالحين

وهذا ممّا لا خلاف فيه بين أهل القبلة أيضاً, بل سارت عليه البشرية جمعاء, فقد عرفنا دعاء النبيّ’ واستغفاره في النوع الثالث, ونضيف هنا كشاهد واضح أيضاً: التماس أخوة يوسف× من أبيهم الاستغفار لهم, في قوله تعالى: { يَاأَبَانَا اسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا...}.

 والسيرة الثابتة بالقطع واليقين عند جميع المسلمين، قائمة على جواز ذلك, وحتى السلفية الوهابيّة المعترضين على التوسل فإنّهم لا يرفضون هذا النوع منه.

 قال الألباني في بيان هذا النوع: >كأن يقع المسلم في ضيق شديد أو تحلّ به مصيبة كبيرة ويعلم من نفسه التفريط في جنب الله تبارك وتعالى, فيجب أنْ يأخذ بسبب قوي إلى الله فيذهب إلى رجل يعتقد فيه الصلاح والتقوى أو الفضل والعلم بالكتاب والسنّة, فيطلب منه أن يدعو له ربه؛ ليفرّج عنه كربه ويزيل عنه همه, فهذا نوع آخر من التوسل المشروع دلّت عليه الشريعة المطهرة وأرشدت إليه<([942]).

النوع الخامس: التوسل بالطلب من النبيّ بعد وفاته

هذا النوع من التوسل هو الأكثر مثاراً للجدل والخلاف؛ لأنه طلب من النبي أو الولي مباشرة، وقد يُطلق عليه الاستغاثة؛ لأنّها طلب الدعاء وقضاء الحاجة من النبي’ أو الإمام أو الولي الصالح بعد موته, لذا فقد صرّح البعض بأنّ التوسل والإغاثة بمعنى واحد([943]).

وقبل البدء في بحث مشروعية هذا النوع من التوسل, تجدر الإشارة إلى أمر مهم: وهو أنّ الطلب ـ من الأنبياء والأئمّة والأولياء الصالحين بعد وفاتهم ـ يقع من الشخص الذي يتوسل بهم على نحوين:

 الأول: قد يتوسل بهم المتوسِّل (بالكسر) وهو يعتقد بالتأثير المستقل للنبي والولي، من دون أن يكون هناك تأثير لله سبحانه وتعالى، أو يعتقد أنّ التأثير في تحقق طلبه هو مشترك بين الله تعالى وبين الشخص المتوسَّل (بالفتح) به, وهذا النحو من التوسِّل أو الاستغاثة حرام وشرك بلا كلام، ولا يقول به أحد من أهل التوحيد.

الثاني: أن يتوسل المتوسِّل (بالكسر) وهو يعتقد أنّ المؤثر الوحيد في تحقق مطلبه هو الله تعالى دون غيره، لكنّه حيث يعلم بتقصيره فيخشى أن يكون سوء أعماله حاجباً وحائلاً دون استجابة دعائه عاجلاً، كما ورد في بعض الأدعية عن علي× في دعاء كميل المعروف: >وأَسْأَلُكَ بِعِزَّتِكَ أن لا يَحْجُبَ عَنْكَ دُعائي سُوءُ عَمَلي وفِعالي<([944])، فيتجه إلى النبي أو الولي فيطلب منه قضاء حاجته، وهذا في الحقيقة مرجعه إلى أن هذا الخائف من ذنوبه يقوم بتوسيط شخص مقرّب ومحبوب عند الله تبارك وتعالى كالأنبياء والأولياء والصالحين، معتقداً أن هؤلاء أحياء عند الله تعالى وسوف يشفعون له, بأنْ يطلبوا ويدعوا الله تعالى في قضاء حاجته.

وهذا الأمر لا يتخلله شرك؛ لأنّه في واقعه طلب من الله، أمّا الشفيع فليس له إلاّ دور الواسطة الصالحة في قضاء الحاجة مع اعتقاد أنّ الأمر بيد الله تبارك وتعالى.

أمران مهمان

وهناك أمران أيضاً يتوقف عليهما الموضوع ينبغي بيانهما قبل البدء ولو بنحو الإجمال، وهما:

الأمر الأول: أنّ النبي’ بعد وفاته لم ينعدم، بل هو حي يرزق عند الله.

الأمر الثاني: أنّه في تلك الحياة يسمع وقادر على الدعاء والاستغفار وغيرها من الأشياء.

أمّا الأوّل: وهو أنّ النبي’ حي عند الله: فالأدلّة متوافرة على ذلك، ولا نجد حاجة لبسط الكلام فيه بعد اتفاق جميع المسلمين على حياة النبي’ البرزخية, حيث لم ينف أحدـ بحسب تتبعنا ـ ذلك, وقد جاء في تذكرة القرطبي عن شيخه أحمد بن عمرو, وكذا نقله عنه ابن القيم في كتابه الروح: >إنّ الموت ليس بعدم محض، وإنّما هو انتقال من حال إلى حال، ويدل على ذلك: أنّ الشهداء بعد قتلهم وموتهم أحياء عند ربهم يرزقون، فرحين مستبشرين، وهذه صفة الأحياء في الدنيا، وإذا كان هذا في الشهداء كان الأنبياء بذلك أحق وأولى، مع أنّه قد صحّ عن النبيّ: أنّ الأرض لا تأكل أجساد الأنبياء، وأنّ النبي قد اجتمع بالأنبياء ليلة الإسراء في بيت المقدس وفي السماء وخصوصاً بموسى، وقد أخبرنا بما يقتضي أن الله تبارك وتعالى يردّ عليه روحه حتّى يردّ السلام على كلّ من يُسلّم عليه، إلى غير ذلك ممّا يحصل من جملته القطع بأن موت الأنبياء إنما هو راجع إلى أنْ غُيّبوا عنّا بحيث لا ندركهم، وإنْ كانوا موجودين أحياء، وذلك كالحال في الملائكة، فإنّهم موجودون أحياء ولا يراهم أحد من نوعنا<([945]).

فحياة الأنبياء، بعد موتهم وخروجهم من الدنيا، ممّا لا خلاف فيه, ويرى البعض ـ مع اعتقاده بحياتهم ـ أنها حياة مجهولة لنا لا نعرف حقيقتها وكنهها, ولا يمكن أن نرتّب عليها أحكام الحياة الدنيا، يقول الألباني: >فرسول الله (صلى الله عليه وسلّم) بعد موته حي أكمل حياة يحياها إنسان في البرزخ، ولكنها حياة خاصة لا تشبه حياة الدنيا، ولعلّ مما يشير إلى ذلك قوله (صلى الله عليه وسلم): >ما من أحد يسلّم علي إلا ردّ الله عليّ روحي حتّى أرد عليه السلام<. وعلى كلّ حال، فإنّ حقيقتها لا يدريها إلا الله سبحانه وتعالى؛ ولذلك فلا يجوز قياس الحياة البرزخية أو الحياة الأخروية على الحياة الدنيوية، كما لا يجوز أن تعطى واحدة منها أحكام الأخرى، بل لكلّ منها شكل خاص وحكم معين ولا تتشابه إلا في الاسم، أمّا الحقيقة فلا يعلمها إلا الله تبارك وتعالى<([946]).

وسيأتي ما يتعلق بهذا الكلام في النقطة التالية، وسنعرف أنّ طبيعة الحياة الثابتة لهم يتحقق معها معنى التوسّل المذكور.

أمّا الأمر الثاني: وهو أنّ الأنبياء في تلك الحياة يسمعون وأنّ لهم القدرة على فعل بعض الأشياء:

يمكن القول إنّ نفس ثبوت الحياة لهم في تلك الدار يلازم سمعهم وقدرتهم على الفعل, لكن قد يجاب عليه بأنّ ثبوت الحياة في تلك الدار بنحو مجمل لا يلازم ذلك؛ لانّها حياة مجهولة لا نعرف كنهها وحقيقتها, فلا بدّ من إثبات أنّهم يسمعون الكلام أوّلاً, وبإمكانهم فعل الأشياء كالدعاء والاستغفار ثانياً, وهنا يمكن أنْ نبرز عدّة أدلّة على ذلك:

الأوّل: الآيات القرآنية المباركة الواردة في الشهداء: {وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ * فَرِحِينَ بِمَا آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ * يَسْتَبْشِـرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ}([947]).

فالآيات الكريمة، بعد ما أثبتت أنّ الشهداء أحياء, أثبتت لهم عدّة من الآثار: يُرزقون، ويفرحون بما آتاهم الله من فضله، وغيرها, وهذه آثار مشابهة لآثار الحياة الدنيا؛ لذا نقلنا فيما سبق قول ابن القيّم: >وهذه صفة الأحياء في الدنيا, وإذا كان هذا في الشهداء كان الأنبياء بذلك أحقّ وأولى<.

 فهذه الآثار تدلّل على أنّ الحياة البرزخيّة هي حياة تشابه هذه الحياة, وأنّ الموت انتقال من دارٍ مشاهدةٍ إلى دارٍ غير مشاهدة, وبذلك صرّح ابن القيّم أيضاً حينما قال: >...بأن موت الأنبياء إنّما هو راجع إلى أن غُيبوا عنا بحيث لا ندركهم وإن كانوا موجودين أحياء، وذلك كالحال في الملائكة فإنهم أحياء موجودون ولا نراهم<([948]).

الثاني: وهو الحديث الصحيح المروي عن أنس عن النبي’ أنّه قال: >الأنبياء أحياء في قبورهم يصلّون<([949]).

وفي صحيح مسلم: عن أنس, عن النبي’ أنّه قال: >مررت على موسى ليلة أسري بي عند الكثيب الأحمر وهو قائم يصلّى في قبره<([950]).

فهذان الحديثان، وغيرهما ممّا في الباب، يثبتان أثراً آخر من آثار الحياة البرزخية وهو الصلاة, وهو أثر متوافق مع آثار الحياة الدنيويّة, وظاهر لفظ الصلاة يستلزم الحركة والفعل من قيام وقعود وركوع وسجود، ويشمل الدعاء والاستغفار ونحو ذلك.

الثالث: ما ورد عن أبي هريرة, عن رسول الله’ أنّه قال: >ما من أحد يُسلّم عليّ إلا ردّ الله عليّ روحي حتّى أردّ عليه السلام<([951]).

قال النووي: >رواه أبو داود بإسناد صحيح<([952]).

وهذه الرواية تثبت صريحاً أنّ النبي’ يردّ السلام على جميع من يُسلّم عليه, وردّ السلام أثر آخر من آثار الحياة, وفعل مشابه لأفعال الحياة الدنيا, ومن يسمع السلام ويردّه يمكنه أن يدعو للمؤمنين ويستغفر لهم.

الرابع: ما أخرجه الحربي عن أوس بن أوس عن النبي’ قال: >أكثروا علىّ من الصلاة يوم الجمعة, فإنّ صلاتكم معروضة عليّ. قالوا: كيف تعرض عليك وقد أرمت، قال: إنّ الله تعالى حرّم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء<([953]).

قال النووي: >حديث أوس بن أوس هذا صحيح، رواه أبو داود والنسائي وغيرهما بأسانيد صحيحة<([954]). وصحّحه الحاكم والذهبي([955]) والألباني([956]).

والرواية تثبت أنّ النبي’ يسمع الصلاة، وأنّ له شعوراً وإدراكاً في قبره, وإلا فلا معنى لعرض الصلاة على من لا يدرك معناها ولا يشعر بها, وهذا الإدراك والشعور هو أثر آخر من آثار الحياة الدنيا, خصوصاً أنّ النبي’ علّل ذلك بأنّ الأرض لا تأكل أجساد الأنبياء, وكأنّه يريد القول بأنّه حيٌّ كما كان في الحياة الدنيا بروحه وبدنه.

الخامس: السلام على النبي’ في الصلاة, فقد اتفق المسلمون بكافّة انتماءاتهم على السلام على النبي’ في كلّ تشهد أو في خصوص الأخير من الصلاة, بقولهم: >السلام عليك أيّها النبيّ ورحمةُ الله وبركاته< فالسلام هنا بصيغة خطاب موجه للنبيّ’, فلو كان النبيّ’ لا يسمع ولا يبلغه السلام؛ لكان ذلك لغواً لا يأمر الله به ولا يفعله العقلاء.

الأدلّة على جواز طلب الحاجة أو الاستغفار من النبي’ بعد وفاته

بعد أنْ ثبتَ أنّ النبيّ’ حيّ ويتمكن من أن يُصلّي ويرد السلام وتعرض عليه صلاة الأنام, فلا مانع حينئذٍ من استغفاره للمؤمنين وقضاء حاجاتهم بدعاء الله تعالى والطلب منه, ونفس ما ذكرناه من الروايات السابقة تدلّل على المطلوب, فقد دلت على أنه يُصلّي ويُناجي ربّه ويسمع السلام والصلاة عليه, وهو يلازم جواز طلب الحاجة منه ما دام قادراً على الدعاء، على أنّه يوجد في المقام أدلّة أخرى تدل على جواز هذا النوع من التوسّل, منها:

الدليل الأول: التمسّك بإطلاق آية استغفار النبي

وهي قوله تعالى: {وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا}([957]).

فالآية تدلّ على جواز التوسل بطلب الاستغفار من النبيّ’ في حال حياته وبعد مماته, فقد أطلقت ولم تقيّد المجيئ في حال حياة الرسول’, وإنّما يعدل إلى التقييد في خصوص الحياة دون الوفاة، فيما إذا كان هناك ما يمنع من التمسّك بالإطلاق لما يشمل حال الوفاة, والمانع المتصور هو كون النبي’ ميّتاً لا يمكن الانتفاع به! وقد تقدّم أنّ هذا المانع غير صحيح, بل إنّ الدليل على حياته وكذا صلاته بعد الممات وردّه السلام وبلوغه صلاة من يصلّي عليه مّما لم ينازع فيه أحد.

 وحينئذٍ تبقى الآية على إطلاقها شاملة للنبي’ في حال حياته وبعد مماته, إلاّ إذا ادّعى الرافض لذلك بأنّ النبيّ’ بعد مماته ليس بنبي فلا تشمله الآية, وهو كفر بلا كلام.

وقد استدلّ الشيخ محمود سعيد ممدوح تبعاً لشيخه الغماري على عموم هذه الآية بوقوع الفعل في سياق الشرط، فقال: >وهذه الآية تشمل حالتي الحياة وبعد الانتقال، ومن أراد تخصيصها بحال الحياة، فما أصاب؛ لأنّ الفعل في سياق الشرط يفيد العموم، وأعلى صيغ العموم ما وقع في سياق الشرط، كما في إرشاد الفحول ص 122<. ثمّ ذكر تفصيل ذلك عن شيخه الغماري([958]).

وهذا العموم المدعى في الآية عليه عدّة مؤيّدات, منها:

الأوّل: فَهْمُ بعض الصحابة كابن مسعود لعموم الآية:

أخرج الحاكم: عن معن بن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود عن أبيه عن عبد الله بن مسعود (رضي الله عنه)، قال: > إنّ في سورة النساء لخمس آيات ما يسرني أن لي بها الدنيا وما فيها: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا} و{إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيمًا} و{إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} و{وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا} و{وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا}، قال عبد الله: ما يسّرني أنّ لي بها الدنيا وما فيها<.

قال الحاكم: >هذا إسناد صحيح إنْ كان عبد الرحمن سمع من أبيه، فقد اختلف في ذلك<, ووافقه الذهبي([959]).

وأمّا مسألة سماع عبد الرحمن من أبيه, فقد قال الألباني: >فقد ثبت سماعه منه بشهادة جماعة من الأئمة، منهم سفيان الثوري وشريك القاضي وابن معين والبخاري وأبو حاتم... فلا عبرة بعد ذلك بقول من نفى سماعه منه، لأنّه لا حجة لديه على ذلك إلا عدم العلم بالسماع، ومن علم حجّة على من يعلم<([960]).

وأمّا دلالة الخبر على عموم الآية: فمن الواضح أنّ ابن مسعود ذكر آيات يستفاد منها قواعد كُليّة تُبشّر الإنسان بالمغفرة والتوبة, وهذه القواعد غير مختصّة بزمان محدد, بل هي شاملة للأمّة إلى يوم القيامة, وقد ساق هذه الآية ضمن تلك الآيات العامّة؛ ممّا يدلّل على فهمه العموم منها, مضافاً إلى أنّ الحديث ورد ذكره بعد عهد رسول الله’, فيكون ذكرُ هذه الآية من ابن مسعود لغواً لا فائدة فيه لو كانت خاصّة وغير شاملة لما بعد وفاته’.

 الثاني: ذكر بعض المفسرين قصّة مجيئ الأعرابي إلى قبر النبي’ فنُودي من القبر: أنّه قد غُفر لك, في ذيل الآية الشريفة, ممّا يكشف عن اعتقادهم بجواز طلب الدعاء والاستغفار من النبي’ في حال وفاته, وأنّ الآية غير مختصّة بحال الحياة.

 أمّا القصّة فهي ما ورد عن أبي صادق, عن عليّ بن أبي طالب (رضي الله تعالى عنه)، قال: > قدم علينا أعرابي بعد ما دفنّا رسول الله (صلّى الله تعالى عليه وسلم) بثلاثة أيام, فرمى بنفسه على قبر النبيّ (صلّى الله تعالى عليه وسلّم) وحثا من ترابه على رأسه, وقال: يا رسول الله, قلتَ فسمعنا قولك, ووعيتَ عن الله تعالى فوعينا عنك, وكان فيما أنزل الله تعالى عليك: {وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا}, وقد ظلمتُ نفسي وجئتك لتستغفر لي, فنودي من القبر أنّه قد غفر لك<([961]).

وقد ورد شبيه هذه القصّة من طريق العتبي, وهي قصّة مشهورة رواها العلماء في كتبهم؛ مستحسنين ذكرها عند زيارة القبر النبوي الشريف, وسيأتي ذكرها في كلمات ابن كثير والنووي بعد قليل.

وأمّا العلماء الذين استشهدوا بالقصّة, فهم من كبار علماء أهل السنّة, منهم: الثعلبي([962]), والقرطبي([963]), وأبو حيّان الأندلسي([964]), وابن كثير, حيث قال في تفسيره عقب الآية:

 >يرشد تعالى العصاة والمذنبين إذا وقع منهم الخطأ والعصيان أن يأتوا إلى الرسول (صلى الله عليه وسلم)، فيستغفروا الله عنده ويسألوه أن يستغفر لهم، فإنهم إذا فعلوا ذلك تاب الله عليهم ورحمهم وغفر لهم, ولهذا قال: { لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَّحِيمًا }. وقد ذكر جماعة منهم الشيخ أبو منصور الصباغ في كتابه الشامل الحكاية المشهورة عن العتبي، قال: كنت جالساً عند قبر النبي (صلى الله عليه وسلم)، فجاء أعرابي، فقال: السلام عليك يا رسول الله، سمعت الله يقول: {وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُوا أَنفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَّحِيمًا} وقد جئتك مستغفراً لذنبي مستشفعاً بك إلى ربي، ثمّ أنشأ يقول:

يا خير من دفنت بالقاع أعظمه

 

فطاب من طيبهن القاع والاكم

نفسي الفداء لقبر أنت ساكنه

 

فيه العفاف وفيه الجود والكرم

ثمّ انصرف الأعرابي، فغلبتني عيني، فرأيت النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلم) في النوم، فقال: يا عتبي إلحَقْ الإعرابي فبشره أنّ الله قد غفر له<([965]).

فذكرهم لهكذا قصص في ذيل تلك الآية, هو شاهد قوي على اعتقادهم العموم وشمول الآية لحالة وفاة النبي’.

الثالث: استحسان العلماء قراءة هذه الآية عند زيارة قبر النبي’, وهذا يكشف أيضاً عن اعتقادهم شمول الآية لحالة ما بعد الموت, وهم عدد كثير من مختلف المذاهب الفقهيّة، منهم:

1ـ عبد الله بن قدامة الحنبلي: فقد ذكر أنّ من جملة ما يفعله الزائر عند القبر النبوي الشريف أنْ يقول: >اللهمّ أنّك قلت وقولك الحق: {وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُوا أَنفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَّحِيمًا} وقد أتيتك مستغفراً من ذنوبي، مستشفعاً بك إلى ربّي، فأسألك يا رب أن توجب لي المغفرة كما أوجبتها لمن أتاه في حياته<([966]).

2ـ عبد الرحمن بن قدامة الحنبلي: إذ ذكر نحو ما تقدّم أيضاً([967]).

3ـ محمّد بن عبد الله السامري الحنبلي في كتاب (المستوعب): في باب زيارة قبر الرسول’: فقد جاء في جملة ما ذكره من أفعال الزيارة, أنْ تقول وأنت متوجّهاً إلى القبر الشريف: >اللهمّ إنّك قلت في كتابك لنبيّك عليه السلام: {وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُوا أَنفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَّحِيمًا} وإنّي قد أتيتك تائباً مستغفراً، فأسألك أنْ توجب لي المغفرة، كما أوجبتها لمن أتاه في حياته، اللهمّ إنّي أتوجّه إليك بنبيّك نبيّ الرحمة, يا رسول الله, إنّي أتوجّه بك إلى ربّي ليغفر لي ذنوبي, اللهمّ إنّي أسألك بحقّه أن تغفر لي ذنوبي...<([968]).

4ـ الإمام النووي: فقد ذكر في المجموع وهو يشرح كيفية زيارة قبر النبي’: إنّ أحسن ما يقوله الزائر ما حكاه الماوردي والقاضي أبو الطيب وسائر أصحابنا عن العتبي مستحسنين له، قال: >كنت جالساً عند قبر رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم), فجاء أعرابي، فقال: السلام عليك يا رسول الله, سمعت الله يقول: {وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُوا أَنفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَّحِيمًا} وقد جئتك مستغفراً من ذنبي مستشفعاً بك إلى ربي...<([969]).

5ـ أبو بكر ابن السيد محمّد شطا الدمياطي الشافعي، حيث ذكر أنّ من جملة ما يقوله في كلامه حول زيارة القبر الشريف: >اللهمّ صلّ على سيدنا محمّد وعلى آل سيّدنا محمّد, السلام عليك يا سيّدي يا رسول الله, إنّ الله تعالى أنزل عليك كتاباً صادقاً، قال فيه: {وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُوا أَنفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَّحِيمًا} وقد جئتك مستغفراً من ذنبي مستشفعاً بك إلى ربّي...<([970]).

وغيرهم كثير، كالشرنبلالي الحنفي في مراقي الفلاح([971]), والعبدري المالكي في المدخل([972]).

الرابع: ذكر الإمام مالك لهذه الآية عند مناظرته لأبي جعفر المنصور حول التوسّل بالنبي’:

فقد أخرج القاضي عياض بسنده عن ابن حميد, قال: >ناظر أبو جعفر أمير المؤمنين مالكاً في مسجد رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم)، فقال له مالك: يا أمير المؤمنين, لا ترفع صوتك في هذا المسجد, فإنّ الله تعالى أدّب قوماً فقال: {لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ} ومدح قوماً فقال: {إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ} وذمّ قوماً، فقال: {إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ} وإنّ حرمته ميتاً كحرمته حيّاً، فاستكان لها أبو جعفر، وقال: يا أبا عبد الله, أستقبل القبلة وأدعو أم أستقبل رسول الله (صلى الله عليه وسلّم)؟ فقال: ولِمَ تصرف وجهك عنه وهو وسيلتك ووسيلة أبيك آدم (عليه السلام) إلى الله تعالى يوم القيامة؟ بل استقبله واستشفع به فيشفّعه الله, قال الله تعالى: {وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ} الآية<([973]).

وهذه القصّة صحيحة السند؛ برغم إنكار ابن تيمية لها وتكذيبها:

 قال ابن حجر: >وإنکار ابن تيمية لهذه الحكاية عن مالك...من خرافاته وتهوراته، كيف وقد جاءت عنه بالسند الصحيح الذي لا مطعن فيه؟<([974]).

وقال الزرقاني ردّاً على تكذيب ابن تيمية للقصّة: >هذا تهور عجيب, فإنّ الحكاية رواها ابو الحسن علي بن فهر في كتابه فضائل مالك بإسناد لا بأس به, وأخرجها القاضي عياض في الشفاء من طريقه عن شيوخ عدّة من ثقات مشايخه, فمن أين أنّها كذب, وليس في إسنادها وضّاع ولا كذّاب<([975]).

وقال السمهودي: >وقال عياض في الشفاء بسند جيّد, عن ابن حميد أحد الرواة عن مالك< وساق القصّة([976]).

الدليل الثاني: حديث عرض الاعمال على النبي’

الدليل الثاني على جواز التوسل بالطلب من النبيّ والأولياء: حديث عرض الأعمال على النبي’ واستغفاره للمذنبين من أمّته:

وهو ما أخرجه البزار في مسنده قال: >حدثنا يوسف بن موسى, قال: نا عبد المجيد بن عبد العزيز بن أبي رواد عن سفيان عن عبد الله بن السائب عن زاذان عن عبد الله عن النبي (صلّى الله عليه وسلّم)، قال: إنّ لله ملائكة سيّاحين يبلّغوني عن أمّتي السلام، قال: وقال رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم): حياتي خير لكم تحدثون ويحدث لكم, ووفاتي خير لكم, تُعرض عليّ أعمالكم, فما رأيت من خير حمدت الله عليه, وما رأيت من شرّ استغفرت الله لكم<([977]).

قال الهيثمي: >رواه البزار, ورجاله رجال الصحيح<([978]).

وجوّد إسناده الحافظان العراقيان, زين الدين العراقي وابنه ولي الدين([979]), وكذلك الزرقاني([980]), وصحّحه السيوطي([981]).

 وألّف الشيخ عبد الله بن الصديق الغماري في خصوص هذا الحديث جزءاً سمّاه: >نهاية الآمال في شرح وتصحيح حديث عرض الأعمال<. فالحديث إذن صحيح ومعتبر, وهو يدلّ على استغفار النبي’ للمذنبين من أمّته حال وفاته.

الدليل الثالث: تصريح النبي’ بأنه يستجيب لعيسى

ورد عن أبي هريرة أنّه سمع رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم), قال: >والذي نفس أبي القاسم بيده لينزلنّ عيسى بن مريم إماماً مقسطاً وحكماً عدلاً، فليكسرنّ الصليب، ويقتلنّ الخنزير، وليصلحنّ ذات البين، وليذهبن الشحناء، وليعرضنّ المال، فلا يقبله أحدٌ، ثم لئن قام على قبري فقال: يا محمّد, لأجبته<.

 قال الهيثمي: >قلت: هو في الصحيح باختصار, رواه أبو يعلي ورجاله رجال الصحيح<([982]).

 وفي الرواية دلالة واضحة على أنّ النبي’حال مماته هو حيٌّ ويسمع ويجيب, وحينئذٍ فلا مانع من طلب الدعاء والاستغفار منه.

الدليل الرابع: رواية مالك الدار

 قال ابن أبي شيبة: حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن أبي صالح عن مالك الدار، وكان خازن عمر على الطعام، قال: >أصاب الناس قحط في زمن عمر، فجاء رجل إلى قبر النبيّ (صلّى الله عليه وسلّم)، فقال: يا رسول الله، استسق لأمّتك فإنّهم قد هلكوا، فأتى الرجل في المنام، فقيل له: ائت عمر فأقرئه السلام، وأخبره أنكم مسْقيّون، وقل له: عليك الكيس! عليك الكيس! فأتى عمر فأخبره, فبكى عمر، ثم قال: يا رب, لا آلو إلا ما عجزت عنه<([983]).

والرواية صحّحها ابن حجر، قال: >وروى ابن أبي شيبة بإسناد صحيح من رواية أبي صالح السمان عن مالك الداري...<([984]). وقال ابن كثير: >وهذا إسناد صحيح<([985]).

وسيأتي اعتراف ابن تيمية بثبوتها ضمن الدليل السادس حين نتعرض لاعترافاته لاحقاً.

فهذه الرواية، إذن، صريحة في الطلب من النبي’ بعد وفاته, ولا يضرّ فيها عدم معرفة الرجل الذي جاء إلى القبر؛ وذلك لقبول عمر بذلك وبكائه ولم يعترض, بل قبل ذلك وبكى, فالرواية صريحة في التوسل والاستغاثة بالنبي’ بعد وفاته.

ومحاولة تضعيف الرواية بمالك الدار لا مبرر صحيح لها, فمالك كان خازناً لعمر([986]), ممّا يدلّ على أنّ عمر كان يراه ثقة أميناً, وقد ذكر ابن سعد أنّه كان معروفاً([987])، وقال الخليلي: >تابعي قديم، متفق عليه, أثنى عليه التابعون<([988]).

الدليل الخامس: زيارة الصحابي أبي أيّوب لقبر النبي’

أخرج أحمد والحاكم عن داود بن أبي صالح، قال: >أقبل مروان يوماً فوجد رجلاً واضعاً وجهه على القبر، فقال أتدري ما تصنع؟ فأقبل عليه فإذا هو أبو أيوب، فقال: نعم، جئت رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) ولم آت الحجر، سمعت رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) يقول: لا تبكوا على الدين إذا وليه أهله ولكن ابكوا عليه إذا وليه غير أهله<([989]).

قال الحاكم: >هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه<. وقال الذهبي: >صحيح<([990]). وقال حمزة أحمد الزين: >إسناده صحيح<([991]).

وللحديث شاهد من طريق المطّلب بن عبد الله, أخرجه يحيى بن الحسن في أخبار المدينة، قال: حدثني عمر بن خالد، ثنا أبو نباتة، عن كثير بن زيد، عن المطّلب بن عبد الله بن حنطب, قال: أقبل مروان بن الحكم...([992]).

وأخرجه ابن عساكر من طريقٍ مغايرٍ عن كثير بن زيد عن المطّلب, يعني ابن عبد الله بن حنطب قال: جاء أبو أيوب الأنصاري...([993]).

فهذان طريقان للحديث عن كثير بن زيد عن المطّلب بن عبد الله, يشهدان للطريق الأوّل.

فأدنى حالات الحديث ـ إن لم نقل بصحّته ـ أنْ يكون حسناً لغيره.

وفي الحديث نرى الصحابي أبا أيّوب الأنصاري يبيّن أنّ المجيئ هو إلى الرسول وليس إلى حجر لا يضر ولا ينفع، فالمقصود هو النبي’، وهو’ حيٌّ يرزق يضر وينفع, وإلا يكون جوابه: جئت إلى رسول الله’, لغواً لا معنى له!

الدليل السادس: اعتراف ابن تيميّة بقضاء الحوائج عند قبر النبي’

اعترف ابن تيمية بأنّ حوائج الناس تقضى عند قبر النبي’، بل وقبور الأولياء أيضاً، وأنّ لأهل هذه القبور منازل غير متصورة عند الناس ومقاماتهم عظيمة, فقد قال في معرض كلامه على عدم استحباب الدعاء عند القبر([994]) ما نصّه: >ولا يدخل في هذا الباب ما يروى من أنّ قوماً سمعوا ردّ السلام من قبر النبي (صلّى الله عليه وسلم) أو قبور غيره من الصالحين وأنّ سعيد بن المسيب كان يسمع الأذان من القبر ليالي الحرة ونحو ذلك, فهذا كلّه حق ليس ممّا نحن فيه والأمر أجلّ من ذلك وأعظم.

وكذلك أيضاً ما يروى أنّ رجلاً جاء إلى قبر النبيّ (صلّى الله عليه وسلّم) فشكا إليه الجدب عام الرمادة فرآه وهو يأمره أن يأتي عمر فيأمره أن يخرج فيستسقي الناس فإنّ هذا ليس من هذا الباب، ومثل هذا يقع كثيراً لمن هو دون النبيّ (صلّى الله عليه وسلّم)، وأعرفُ من هذه الوقائع كثيراً، وكذلك سؤال بعضهم للنبيّ (صلّى الله عليه وسلّم) أو لغيره من أمّته حاجته فتقضى له، فإنّ هذا قد وقع كثيراً وليس هو ممّا نحن فيه وعليك أن تعلم أنّ إجابة النبيّ (صلّى الله عليه وسلّم) أو غيره لهؤلاء السائلين ليس ممّا يدلّ على استحباب السؤال، فإنّه هو القائل (صلّى الله عليه وسلّم): إن أحدكم ليسألني مسألة فأعطيه إياها فيخرج بها يتأبطها ناراً، فقالوا: يا رسول الله، فلمَ تعطيهم؟ قال: يأبون إلا أن يسألوني ويأبى الله لي البخل. وأكثر هؤلاء السائلين الملحين لما هم فيه من الحال لو لم يجابوا لاضطرب إيمانهم، كما أنّ السائلين له في الحياة كانوا كذلك، وفيهم من أجيب وأمر بالخروج من المدينة<([995]).

والأمر المهم الملاحظ هنا هو أنّ ابن تيميّة لم يفرّق بين حال وفاة النبي’ وبين حياته، واعترف أنّه’ يقضي حاجة المحتاج، وهذا ما أردنا إثباته, أمّا تعليله بأنّ الحاجة تكون ناراً على صاحبها فهو تعليل ضعيف؛ لأنّ النبيّ أكرم من أن يعطي للسائل ما يتعذب به، وهو قد بُعث رحمةً للعالمين, مضافاً إلى أنّ الكثير من السائلين، سواء كانوا في حياة النبي’ أو بعد مماته، هم من الصالحين, فلا يمكن شمول هذه العلّة لكلّ سائل حاجةٍ من النبي’, وليس هنا محلّ بحث هذا التعليل.

وقال أيضاً: >وكذلك ما يذكر من الكرامات وخوارق العادات التي توجد عند قبور الأنبياء والصالحين مثل نزول الأنوار والملائكة عندها وتوقي الشياطين والبهائم لها, واندفاع النار عنها وعمّن جاورها, وشفاعة بعضهم في جيرانه من الموتى, واستحباب الاندفان عند بعضهم, وحصول الأنس والسكينة عندها, ونزول العذاب بمن استهان بها, فجنس هذا حق ليس ممّا نحن فيه, وما في قبور الأنبياء والصالحين من كرامة الله ورحمته وما لها عند الله من الحرمة والكرامة فوق ما يتوهمه أكثر الخلق, لكن ليس هذا موضع تفصيل ذلك. وكلّ هذا لا يقتضي استحباب الصلاة أو قصد الدعاء والنسك عندها؛ لما في قصد العبادات عندها من المفاسد التي حذّر منها الشارع كما تقدّم، فذكرت هذه الأمور؛ لأنّها ممّا يتوهم معارضته لما قدّمنا وليس كذلك<([996]).

ونترك التعليق للقارئ؛ ليرى موقف ابن تيمية ويقارن بينه وبين القول بأنّ الميّت لا يضرّ ولا ينفع!!

النوع السادس: التوسل بذوات الأنبياء والصالحين

وهو الدعاء المشفوع بالتوسّل بالنبيّ أو الولي أو حقّهم وجاههم عند الله تعالى، كأن يقول الداعي: اللهمّ إنّي أسألك بنبيّك أو بحقّ نبيّك أن تقضي لي حاجتي.

وقد وردت أدلّة عديدة معتبرة على جواز ومشروعيّة هذا النوع من التوسّل, نورد بعضاً منها فيما يلي:

أدلة جواز النوع السادس (التوسل بالذات)

الدليل الأول: حديث الضرير

أخرج أحمد وغيره عن عثمان بن حنيف, قال: >أنّ رجلاً ضرير البصر أتى النبيّ (صلّى الله عليه وسلّم)، فقال: ادعُ الله أنْ يعافيني. قال: إن شئتَ دعوتُ لك وإن شئتَ أخّرتُ ذاك فهو خير. فقال: ادعه. فأمره أنْ يتوضّأ فيُحسن وضوءه فيصلّي ركعتين ويدعو بهذا الدعاء: اللهمّ إنّي أسألك وأتوجّه إليك بنبيّك محمّد نبيّ الرحمة, يا محمّد, إنّى توجهت بك إلى ربّى في حاجتي هذه, فتقضى لي، اللهمّ شفعه فيّ<([997]).

 قال الحاكم: >هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه< ووافقه الذهبي([998]), وكذلك صحّحه الترمذي([999])، والألباني([1000])، والأرنؤوط([1001]).

فالحديث صحيح سنداً.

وأمّا الدلالة: فهي جليّة وواضحة, فالضرير قد جاء إلى النبيّ’ طالباً منه الدعاء, وقد خيّره النبي’ بين أن يصبر أو أن يدعو له, فاختار الضرير الدعاء, وبعد أن اختار الضرير الدعاء لم نجد في الحديث أنّ النبي’ دعا له, بل إنّ النبي’ علّمه طريقة تُقضى بها الحاجة، فأمره أن يتوضأ ويُحسن وضوءه، ويصلّي ركعتين، ويدعو بهذا الدعاء: >اللهمّ إنّي أسألك وأتوجه إليك بنبيّك محمّد نبيّ الرحمة، يا محمّد, إنّى توجهت بك إلى ربّى في حاجتي هذه, فتقضى لي, اللهمّ شفعه في<.

فقوله: >اللهمّ إنّي أسألك وأتوجه إليك بنبيّك...< وقوله: >يا محمّد, إنّي توجهت بك إلى ربي< عبارات صريحة وواضحة في أنّ التوسل كان بذات النبي’؛ ولهذا نجد جملة من العلماء قد استندوا إلى هذا الحديث في جواز التوسل بالذات:

قال الشوكاني: >وفي الحديث دليل على جواز التوسل برسول الله إلى الله عز وجل مع اعتقاد أن الفاعل هو الله سبحانه وتعالى وأنه المعطي المانع، ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن<([1002]).

وقال الشيخ عبد الغني في إنجاح الحاجة: >ذكر شيخنا عابد السندي في رسالته: والحديث يدل على جواز التوسل والاستشفاع بذاته المكرم في حياته، وأما بعد مماته فقد روى الطبراني في الكبير عن عثمان بن حنيف: أن رجلاً كان يختلف إلى عثمان بن عفان في حاجة له، فذكر الحديث، قال: وقد كتب شيخنا المذكور رسالة مستقلة فيها التفصيل من أراد فليرجع إليها<([1003]).

أقول: سوف يأتي أن نفس هذا الحديث يدلّ على جواز التوسل بذاته المقدسة حتّى بعد الوفاة، فانتظر.

شبهات حول دلالة حديث الضرير على جواز التوسل بالذات

الشبهة الأولى: الحديث يدل على التوسل بدعاء النبي لا بذاته

قالوا: إنّ المراد بالحديث هو التوسّل بدعاء النبيّ’ لا بذاته؛ لأنّ القصّة تدور مدار الدعاء، والأعمى طلب من النبيّ’ الدعاء, فلا دلالة في الحديث على جواز التوسل بالذات, والتدليل على ذلك بنحوين:

النحو الأول: الحديث يحتاج إلى تقدير كلمة (جاه) أو (دعاء)

قالوا: إنّ المستدلّين بجواز التوسل بالذات يلزمهم تقدير كلمة: >جاه< أو نحوها, فيكون المراد من كلمة >بنبيّك< هي: >بجاه نبيّك<، وإذا كان التقدير هنا لازم ولابدّ منه فالأولى أن نقدّر كلمة >دعاء<، فيكون المراد من عبارة >بنبيّك< أي >بدعاء نبيّك<, لدلالة الأخبار على صحّة التوسل بدعاء النبي، بل وكذا بدعاء الأولياء والصالحين, ولكون الرواية كلّها تدور حول الدعاء فهذا التقدير أولى من ذاك([1004]).

الجواب

 أوّلاً: لا شكّ في أنّ القصّة تدور مدار الدعاء, لكن الاستدلال ينصبّ على الدعاء الذي علّمه النبي’ للضرير، بغضّ النظر عن طبيعة طلب الضرير من النبي’, وتعليم النبي’ حجّة ,وسنة ينبغي التعبّد بها, وظاهر هذا التعليم هو الدعاء المشتمل على التوسّل بالذات، كما أسلفنا([1005]), ولا نجد ضرورة لتقدير كلمة (جاه) أو كلمة (دعاء), فالجملة تامّة من حيث اللغة العربية ولا تحتاج إلى تقدير.

نعم، الداعي والباعث للتوسّل بذاته هو منزلته وجاهه’ ومكانته عند الله.

ثانياً: لو اضطررنا إلى التقدير كما زعم السلفيّة, فالتقدير بكلمة >جاه< هو المناسب لسياق الدعاء والمتوافق مع كلماته, فكلّ عربي لو خُلّي وطبعه لرأى أنّ تقدير كلمة >دعاء< لا صلة لها بالموضوع, وأنّ كلمة >جاه< هي المناسبة, فإنّ (الجاه) الذي هو بمعنى المنزلة والمكانة والقرب الإلهي من لوازم الذات النبوية ومن متعلقاتها, بخلاف كلمة (الدعاء) فهي أجنبية وغريبة عن سياق الكلام تماماً, ولهذا فمن غير المناسب أنْ يتم حذفها مع إرادتها في الحديث؛ لأنّ الحذف إنما يكون مناسباً وموافقاً لأساليب اللغة فيما إذا كان ما يدل عليه في الكلام واضحاً عرفاً, وإلا لأحدث خللاً في الكلام.

ثالثاً: أنّ تقدير كلمة >دعاء< يستدعي الغرابة, فإنّ السلفيّة يفسّرون التوسّل بالدعاء، بمعنى أنّ الشخص المتوسِّل يأتي إلى النبي’ أو إلى الرجل الصالح ويطلب الدعاء منه، فيدعو النبي أو الرجل الصالح للشخص المتوسل. وأمّا أنْ يكون بمعنى أنّ المتوسّل يجلس في بيته ويقول: اللهمّ إنّي أتوجه إليك بدعاء نبيّك, فهذا لا معنى له أولاً، وثانياً: لم يكن هذا من الأنواع الجائزة التي تعرض لها الألباني وادعى أن المشروعية محصورة بها، حيث زعم أن الانواع الجائزة ثلاثة، هي: 1ـ التوسل باسم من أسماء الله تبارك وتعالى أو صفة من صفاته. 2ـ التوسل بعمل صالح قام به الداعي. 3ـ التوسل بدعاء رجل صالح.

 ثم قال: وأما ما عدا هذه الأنواع من التوسلات ففيه خلاف، والذي نعتقده وندين الله تعالى أنه غير جائز ولا مشروع([1006]).

وكما ترى فإنّ التوسّل بذات الدعاء كأنْ يقول: اللهمّ إنّي أتوسّل إليك بدعاء فلان الصالح, ليس من هذه الأنواع.

 وعندئذٍ، فتقدير كلمة (دعاء) هنا لا مبرر لها ولا تستدعي حلية التوسل بدعاء الحي.

رابعاً: سيأتي أنّ عثمان بن حنيف علّم محتاجاً تلك الطريقة النبوية في قضاء الحاجة, فاستجاب الله له, وهذا يدلّ على أنّ عثمان بن حنيف لم يفهم أنّ التوسّل كان بدعاء النبي’ , بل كان بذاته المقدّسة, لوضوح أنّ تعليمه لصاحب الحاجة كان بعد وفاة النبي’ وفي زمن عثمان بن عفّان.

النحو الثاني: ورود زيادة في الحديث تدل على أن التوسل كان بالدعاء

قالوا: إنّ بعض طرق الحديث وردت فيها زيادة وهي عبارة: >وشفعني فيه< وهذا لا يمكن حمله على التوسل بالذات؛ لأنّ المراد من العبارة حسب ما يرى الألباني: أي اقبل شفاعتي, أي دعائي في أنْ تقبل شفاعته, أي دعاؤه في أنْ تردّ عليّ بصري([1007])، فيكون المراد هو التوسل بدعاء النبي’.

الجواب

 إنّ هذه الزيادة ينتابها نوعٌ من الغموض, وأغلب الظنّ أنّها زيادة وغلط من الراوي, وهذا ما صُرّح به في بعض الطرق, فقد جاء في صحيح ابن خزيمة بعد أن أورد الرواية من طريق محمّد بن بشار وأبي موسى: >زاد أبو موسى: وشفعني فيه، قال: ثمّ كأنّه شكّ بعد في: وشفعني فيه<([1008]).

وقد أخرج أحمد بن حنبل الحديث من طريق عثمان بن عمر عن شعبة... بدون الزيادة, وأخرجها من طريق روح عن شعبة بالزيادة, وجاء فيه بعد عبارة: >وتشفعني فيه وتشفعه في< قال: >فكان يقول هذا مراراً، ثمّ قال بعد: أحسبُ أنّ فيها أن تشفعني فيه، قال: ففعل الرجل فبرأ<([1009]).

وقد تنبّه الحافظ ابن كثير لذلك، فقال: >وقد رواه أحمد أيضاً عن عثمان بن عمرو عن شعبة به، وقال: اللهم شفعه في، ولم يقل الأخرى، وكأنها غلط من الراوي، والله أعلم<([1010]).

 فالرواية من طريق شعبة، كما اتضح، وردت بها الزيادة تارة ولم ترد تارة أخرى, فإذا أضفنا إلى ذلك أنّ ثلاثة من الثقات رووا الحديث عن أبي جعفر الخطمي دون ذكر هذه الزيادة يتّضح أنّها زيادة شاذة لا يمكن التمسّك بها, وهؤلاء الثلاثة هم: حماد بن سلمة([1011]), وروح بن القاسم([1012]), وهاشم الدستوائي([1013]).

 فالزيادة هي من خطأ الراوي وليست من قول النبي’, ولا أقلّ من كونها مشكوكة, فلا ينفع السلفيّة التمسّك بها وتأويل الحديث الصحيح, وفق ما يعتقدون به من حرمة التوسّل.

على أنّ هذه الزيادة، رغم التكلّف في تأويلها، فإنّ ثبوتها وتفسيرها بما سبق لا يغيّر من الأمر شيئاً, لأنّه قد عرفنا أنّ التوسل بالدعاء يعني الذهاب إلى النبي’ وطلب الدعاء منه, ولا يعنى أن يقول المتوسِّل: اللهمّ إنّي أسألك بدعاء نبيّك, وحينئذٍ فإنّ الكلمات التي علّمها النبيّ’ للضرير، طبقاً لتفسير الألباني لذيل الدعاء، ستحتوي على أمرين: الأول: هو توسلٌ بذاته الشريفة, والثاني: هو طلب المتوسِّل من الله بأن يستجيب دعاء النبيّ’ في حقّ نفسه, فلا توجد منافاة بين صدر الدعاء وعجزه ولله الحمد.

ومنه يتّضح أنّ العبارة الأخرى الواردة في الخبر, وهي قوله: >اللهمّ شفعه في< بناء على تفسيرها بطلب استجابة دعاء النبي ّ فيه, لا تتنافى أيضاً مع التوسّل بالذات الوارد في صدر الدعاء, فإنّ غاية ما تفيده أنّ النبيّ’ علم الضرير دعاءً وقام هو بالدعاء أيضاً, على أنّ هذه الشبهة على فرض ورودها, فإنّها متوقفة على قصر معنى الشفاعة بطلب الدعاء من الغير, أمّا لو قلنا إنّ التشفّع والتوسّل والإغاثة والتجوه تأتي كلها بمعنى واحد([1014]), وهو سؤال الله بالنبي’ أو بالصالحين من المؤمنين, فلا يرد عليها إشكال من الأساس.

رواية حماد بن سلمة

 وما يؤيّد ما ذكرناه، ويدلّ على أنّ الرواية لا تتعلق بالتوسّل بالدعاء هو رواية حماد بن سلمة؛ إذ احتوت على زيادة تبطل استدلالهم من أساس, وتثبت أنّ الدعاء الذي علّمه النبي’ للضرير عام, وغير مختص بزمان أو مكان معيّن, ومعها لا يمكن حمل التوسّل على أنّه توسّل بدعاء النبي’, فقد زاد حمّاد بن سلمة في روايته عند ابن أبي خيثمة: >وإن كانت حاجةٌ فافعل مثلَ ذلك<، حكاه ابن تيمية في كتاب التوسل, نقلاً عن ابن أبي خيثمة بسنده إلى عثمان بن حنيف, أنّه قال: >إنّ رجلاً أعمى أتى النبيّ (صلّى الله عليه وسلّم)، فقال: إنّي أُصبت في بصري, فادعُ الله لي. قال: اذهب فتوضأ وصلّ ركعتين، ثمّ قل: اللهمّ إنّي أسألك وأتوجّه إليك بنبيي محمّد نبي الرحمة، يا محمّد إنّي أستشفع بك على ربي في ردّ بصري, اللهمّ فشفعني في نفسي وشفع نبيي في ردّ بصري, وإن كانت حاجة فافعل مثل ذلك, فرد الله عليه بصره<([1015]).

وهذه الزيادة تدلّ على جواز التوسل في حياة النبي’ وبعد انتقاله إلى الرفيق الأعلى.

 ولمّا كانت الزيادة المذكورة لا تتناسب مع كلمات السلفيّة بأنّ التوسل كان بدعاء النبي’ في حال حياته, حاولوا إبطالها بحجج واهية:

منها: أنّها مخالفة لرواية من هو أحفظ من حمّاد بن سلمة، مثل شعبة وروح بن القاسم اللذين لم يوردا هذه الزيادة, فتكون شاذّة([1016]).

والجواب: أنّ هذا تطبيق لقاعدة حديثية لكن في غير محلّها, فالزيادة وردت من ثقة, وزيادة الثقة مقبولة.

ومنها: قد تكون الزيادة من كلام الصحابي عثمان بن حنيف وليست من كلام النبي’([1017]).

والجواب: أنّ هذا لا يعدو الاحتمال الذي لا دليل يسنده, فلا يكون حجّة في المقام.

ومنها: أنّ المراد من الزيادة هي عين دعوى التوسل بالدعاء, فالمراد منها كما يقول الألباني: >يعني من إتيانه (صلّى الله عليه وسلّم) في حال حياته وطلب الدعاء منه والتوسل به والتوضؤ والصلاة والدعاء الذي علمه رسول الله (صلى الله عليه وسلم) أن يدعو به<([1018]).

والجواب: أنّ سياق الرواية يقتضي قيام المحتاج بتلك الأفعال من الصلاة والدعاء لتقضى حاجته, وليس فيها دلالة على العود والرجوع إلى النبيّ’, إذ إنّ الملحوظ في الحوار الدائر هو تعليم النبي’ للضرير تلك الأفعال ولم يكن الحوار دائر حول المجيئ من عدمه.

الشبهة الثانية: التوسل في حديث الضرير مختص بحياة النبي

قالوا: إنّ هذا التوسل لو سلّمنا بجوازه، فهو مختص بحياة النبيّ’ دون وفاته([1019]).

الجواب

 هناك عدّة دلائل وقرائن تفيد عموم الحديث، منها:

1ـ إنّ تعليم النبي’ للضرير يعتبر سنّة شرعيّة, والسنّة لا يمكن أن تختص بزمن معيّن, ولو كانت خاصّة لكان لزاماً على النبي’ بيان ذلك, فالأصل في سنن النبي’ هو العموم وشمولها لكل الأوقات والأزمان إلا ما خرج بالدليل, وحيث لا دليل على التخصيص لزم التمسك بالعموم.

2ـ زيادة حماد بن سلمة في الرواية, وقد تقدمت قبل قليل، وهي قول النبي’ للضرير: >وإن كانت حاجة فافعل مثل ذلك<([1020]).

 3ـ فهْمُ الكثيرِ من الحفّاظ والمحدّثين عموم الخبر وعدم قصره على حياة النبي’, فقد أورده ابن ماجة تحت باب: ما جاء في صلاة الحاجة([1021]), وكذا النووي([1022])، والمنذري([1023]), وهكذا غيرهم, فلو كان الحديث مختصاً في حال حياة النبي’ فلا معنى لإيراده تحت تلك العناوين.

والأكثر من ذلك: أنّ الترمذي أخرجه في كتابه وصحّحه, وقد قال عن كتابه: >جميع ما في هذا الكتاب من الحديث فهو معمول به، وقد أخذ به بعض أهل العلم ما خلا حديثين...<([1024]). ولم يذكر حديث التوسل من هذين الحديثين, فيكون هذا الحديث ممّن عمل به بعض أهل العلم, ولا معنى لعملهم به إذا كان مختصاً بحياة رسول الله’.

5ـ فهْمُ الصحابي عثمان بن حنيف عموم الحديث, وتعليمه لطالب حاجة بعد وفاة النبي’ تلك الأعمال من الصلاة والدعاء في قصّة معروفة مشهورة, وليتّضح الحال فيها لا بدّ من الوقوف عليها قليلاً وملاحظتها متناً وسنداً.

الصحابي عثمان بن حنيف وحديث الضرير

 أخرج الطبراني من طريق عبد الله بن وهب عن شبيب بن سعيد المكي عن روح بن القاسم عن أبي جعفر الخطمي المدني عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف عن عمّه عثمان بن حنيف: >أنّ رجلاً كان يختلف إلى عثمان بن عفان (رضي الله عنه) في حاجة له، فكان عثمان لا يلتفت إليه ولا ينظر في حاجته، فلقي عثمان بن حنيف، فشكا ذلك إليه، فقال له عثمان بن حنيف: ائت الميضأة فتوضأ، ثم ائت المسجد فصلي فيه ركعتين، ثم قل: اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بنبينا محمد (صلى الله عليه وسلم) نبي الرحمة، يا محمد إني أتوجه بك إلى ربك [ربي] جلّ وعزّ فيقضي لي حاجتي، وتذكر حاجتك، ورح إليّ حتى أروح معك، فانطلق الرجل، فصنع ما قال له عثمان، ثم أتى باب عثمان، فجاء البواب حتى أخذ بيده، فأدخله على عثمان بن عفان، فأجلسه معه على الطنفسة، وقال: حاجتك؟ فذكر حاجته فقضاها له، ثم قال له: ما ذكرتُ حاجتك حتى كانت هذه الساعة، وقال: ما كانت لك من حاجة فأتنا. ثم إن الرجل خرج من عنده فلقي عثمان بن حنيف، فقال له: جزاك الله خيراً، ما كان ينظرُ في حاجتي ولا يلتفتُ إليّ حتّى كلمتَهُ فيّ، فقال عثمان بن حنيف: والله ما كلمتُه، ولكن شهدت رسول الله (صلّى الله عليه وسلم) وأتاه ضرير فشكا عليه ذهاب بصره، فقال له النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلم): أفتصبر؟ فقال: يا رسول الله, إنّه ليس لي قائد, وقد شقّ عليّ، فقال له النبيّ (صلّى الله عليه وسلّم): إئت الميضأة فتوضأ ثمّ صلّ ركعتين، ثمّ ادع بهذه الدعوات، قال عثمان: فوالله ما تفرقنا وطال بنا الحديث حتى دخل علينا الرجل كأنه لم يكن به ضرر قط<([1025]).

وأخرجه البيهقي من طريق يعقوب بن سفيان: حدّثنا أحمد بن شبيب بن سعيد فذكره ([1026]), ومن طريق العباس بن فرج عن إسماعيل بن شبيب عن أبيه([1027]).

قال الطبراني: >لم يروه عن روح بن القاسم إلا شبيب بن سعيد أبو سعيد المكي وهو ثقة، وهو الذي يحدث عنه أحمد بن شبيب عن أبيه عن يونس بن يزيد الأيلي، وقد روى هذا الحديث شعبة عن أبي جعفر الخطمي ـ واسمه عمير بن يزيد ـ وهو ثقة, تفرّد به عثمان بن عمر بن فارس عن شعبة، والحديث صحيح، وروى هذا الحديث عون بن عمارة عن روح بن القاسم عن محمد بن المنكدر عن جابر (رضي الله عنه) وهم فيه عون بن عمارة، والصواب حديث شبيب بن سعيد<([1028]).

فهذا الحديث صحيح من الجهة السنديّة،كما صرح بذلك الطبراني، وكما تقتضيه القواعد الرجالية والحديثيّة, ودلالته واضحة وبيّنة في جواز التوسل بالنبيّ’ بعد وفاته, ولم يتسنَ للسلفية حمل الرواية على التوسل بدعاء النبي’ لأنّ الحادثة وقعت بعد وفاته, لذا حاولوا نقاش الرواية من جهة أخرى, فحاولوا تضعيفها سندياً فقالوا:

1ـ إنّ الطبراني لم يصحّح القصّة وإنّما صحّح الحديث([1029]), ولا كلام في صحّة الحديث إنّما الكلام في هذه القصّة التي وقعت بعد وفاة النبي([1030]).

والجواب عن ذلك: إنّ سياق كلام الطبراني يقتضي تصحيح القصّة كاملة والتي جاء في ضمنها الحديث، كما هو واضح, ولو تنزلنا عن ذلك وقلنا: إنّه قد صحّح الحديث فقط الذي جاء في سياق القصة, فهو أيضاً صرّح بوثاقة شبيب بن سعيد، الذي هو محلّ النزاع في هذا السند, فتوثيقه للرجل بصورة مطلقة ومن دون قيود هو عبارة أخرى عن تصحيحه لسند القصّة.

2ـ إنّ في السند شبيب بن سعيد, وقبوله يتوقف على شرطين: أنْ تكون الرواية من ابنه أحمد عنه, وأنْ يروي هو عن يونس لا غير, وهنا لم يتحقق الشرط الثاني, فشبيب روى عن روح بن القاسم لا عن يونس([1031]).

والجواب: أولاً: تقدم أنّ الطبراني قد صرّح بوثاقة شبيب من دون قيود. ثانياً: إنّ شبيب موثّق مطلقاً عند العديد من العلماء:

قال المزي في تهذيب الكمال: >قال عليّ بن المديني: ثقة... وقال أبو زرعة: لا بأس به, وقال أبو حاتم: كان عنده كتب يونس بن يزيد وهو صالح الحديث لا بأس به. وقال النسائي: ليس به بأس, وقال أبو أحمد بن عدي: ولشبيب نسخة الزهري عنده عن يونس عن الزهري أحاديث مستقيمة, وحدث عنه ابن وهب بأحاديث مناكير, وذكره بن حبان في كتاب الثقات<([1032]).

وأضاف ابن حجر في تهذيبه: >وقال الدارقطني: ثقة، ونقل ابن خلفون توثيقه عن الذهلي، ولمّا ذكره ابن عدي وقال الكلام المتقدم قال بعده: ولعلّ شبيباً لمّا قدم مصر في تجارته كتب عنه ابن وهب من حفظه فغلط ووهم، وأرجو أن لا يتعمد الكذب، وإذا حدث عنه ابنه أحمد فكأنّه شبيب آخر، يعني يُجوّد، وقال الطبراني في الأوسط: ثقة<([1033]).

فهذه هي كلمات النقّاد، وهي تصرّح بوثاقة الرجل مطلقاً, وقد استثنى ابن عدي حالة واحدة، وهي في حال رواية ابن وهب عنه، فإنّه حدّث عنه في حال سفره للتجارة فغلط ووهم. أمّا في حال رواية ابنه أحمد عنه فإنها رواية مستقيمة صحيحة, وبذلك صرّح ابن عدي نفسه، كما تقدم.

ولذا نجد الحافظ ابن حجر يصحّح روايته من طريق ابنه أحمد عنه، فقال: >لا بأس بحديثه من رواية ابنه أحمد عنه لا من رواية ابن وهب<([1034]).

وأمّا الذهبي، فقد أطلق القول في اعتبار حديثه، فقال: >صدوق<([1035]).

فتحصّل من جميع ما تقدم أنّ رواية شبيب إمّا أن تكون معتبرة مطلقاً أو مقيّدة في حالة رواية ابنه أحمد عنه, ولا يشترط في اعتبار روايته أن تكون من طريق يونس, فتكون الرواية أعلاه صحيحة ومعتبرة.

3ـ لا يمكن التمسّك بصحّة القصّة للاختلاف فيها على أحمد بن شبيب, فقد أُخرج الحديث من ثلاثة طرق عن أحمد بن شبيب بدون ذكر القصّة، وكذلك رواه الحاكم عن عون بن عمارة البصري ثنا روح ابن القاسم به، وعون هذا وإن كان ضعيفاًً، فروايته أولى من رواية شبيب؛ لموافقتها لرواية شعبة وحماد بن سلمة عن أبي جعفر الخطمي([1036]).

والجواب: الثلاثة الذين أُشير إليهم هم: العبّاس بن فرج, والحسين بن يحيى الثوري, ومحمّد بن عليّ بن زيد الصائغ, فقد أخرج الحديث ابن السنّي من طريق العبّاس بن فرج الرياشي والحسين بن يحيى الثوري، قالا: ثنا أحمد بن شبيب بن سعيد قال ثنا أبي عن روح بن القاسم عن أبي جعفر المدني وهو الخطمي عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف عن عمّه عثمان بن حنيف رضي الله عنه، قال: >سمعت رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) وجاء إليه رجل ضرير فشكا إليه ذهاب بصره...<([1037]).

وأخرجه الحاكم من طريق محمّد بن عليّ بن زيد الصائغ: ثنا أحمد بن شبيب بن سعيد الحبطي حدّثني أبي عن روح بن القاسم عن أبي جعفر المدني وهو الخطمي عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف عن عمه عثمان بن حنيف قال: >سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) وجاءه رجل ضرير فشكا إليه ذهاب بصره فقال: يا رسول الله، ليس لي قائد، وقد شق على. فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): ائت الميضاة فتوضأ ثمّ صلّ ركعتين ثمّ قل: اللهم ّإنّي أسألك وأتوجه إليك بنبيّك محمّد (صلّى الله عليه وآله) نبيّ الرحمة، يا محمّد، انى أتوجه بك إلى ربك فيجلى لي عن بصرى، اللهم شفعه في وشفعني في نفسي. قال عثمان: فوالله ما تفرقنا ولا طال بنا الحديث حتى دخل الرجل وكأنه لم يكن به ضر قط<([1038]).

وحينئذٍ يتسنى لنا أنْ نقول:

1ـ إنّه لا توجد مخالفة في المقام؛ لأنّ هناك حديثاً عن النبي’ وهناك قصّة حدثت لرجل مع عثمان بن حنيف, فالراوي قد يروي الحديث في بعض الأحيان, وقد يروي الحديث بقصّته في بعض آخر, فأين هي المخالفة؟ فهذه كتب الحديث تارة تنقل الحديث بطوله وأخرى مختصراً.

2ـ إنّ من روى القصّة عن أحمد هو الحافظ الثقة المشهور يعقوب بن سفيان الفسوي, ومن لم يروها هم الثلاثة أعلاه, وحينئذٍ، ومن المعروف عند علماء الحديث، أنّه تقدّم رواية الأوثق والأحفظ, ولا شكّ هنا في تقديم رواية الحافظ يعقوب بن سفيان على غيره, خصوصاً إذا ما عرفنا أنّ العبّاس بن فرج وهو أحد الثلاثة, قد روى القصّة مع الحديث، كما عند البيهقي([1039])، فهو إذن موافق للحافظ الفسوي.

أمّا الحسين بن يحيى فلم نعثر عليه في كتب الرجال, فلا حجّة في روايته, فلم يبق مخالف للفسوي إلا محمّد بن علي بن زيد الصائغ، كما عند الحاكم, وهو وإن كان ثقة, إلا أنّه لا يبلغ مرتبة الحافظ المشهور يعقوب بن سفيان الفسوي, ولا شكّ في تقديم رواية الفسوي عليه.

 قال أبو زرعة الدمشقي عنه: >قدم علينا رجلان من نبلاء الرجال، أحدهما وأجلهما يعقوب بن سفيان أبو يوسف، يعجز أهل العراق أن يروا مثله رجلاً<([1040]).

أمّا ما ذيّل به الألباني كلامه من تقديم رواية عون الضعيف على رواية شبيب الثقة, فهذا لا قائل به من أهل العلم, مع أنّها لا تنفع الألباني بالمرّة؛ لأنّه لا يوجد فيها طلب دعاء من النبي’، بل ورد فيها أنّ الأعمى قال للنبي’: >يا رسول الله, علّمني دعاء أدعو به يرد الله على بصرى، فقال له: قل: اللهم إنّي أسألك وأتوجه إليك بنبيك نبي الرحمة، يا محمد، إنى قد توجهت بك إلى ربّى، اللهم شفعه في وشفعني في نفسي، فدعا بهذا الدعاء فقام وقد أبصر<([1041]).

فالرواية، بهذا اللفط، لا يمكن حملها على التوسل بدعاء النبي’ , بل هي صريحة في التوسل بالذات, وصريحة في عمومها؛ لأنّ التعليم غير مختص بشخص دون آخر.

الشبهة الثالثة: التوسل بحديث الضرير مختص بالنبي دون غيره

ذكر الألباني أنّ هذا التوسل، لو سلّمنا بجوازه، فهو مختص بذات النبي’ دون غيره, لا يشاركه فيه غيره من الأنبياء والصالحين, فمن رأى أنّ توسّل الأعمى كان بذاته’ لله تعالى، فعليه أن يقف عنده، ولا يزيد عليه، كما نقل عن الإمام أحمد والشيخ العزّ بن عبد السلام رحمهما الله تعالى([1042]).

الجواب

أوّلاً: هذا الاعتراف من الألباني بأنّ الإمام أحمد والعزّ بن عبد السلام يجوزون التوسّل بذات النبي’ بعد وفاته, يقطع الشكّ في دخول التوسّل في باب البدعيات أو الشركيات, وإلاّ لكان لزاما على السلفية أن تتهم الإمام أحمد وكذا العزّ بالشرك أو البدعة!!!

ثانياً: أنّ الإمام أحمد نُقل عنه جواز التوسل بذات النبي’ ولم يُنقل عنه المنع من غيره, فقد جاء في منسك المروزي، أنّه قال: >وحوّل وجهك إلى القبلة وسل الله حاجتك؛ متوسّلاً إليه بنبيّه (صلّى الله عليه وسلّم) تقض من الله عزّ وجلّ<([1043]).

ثالثاً: يمكن بنفس الرواية أعلاه إثبات عدم اختصاص جواز التوسّل بالنبي’، وذلك من خلال تنقيح مناط الحكم, فإنّ التوسل بالنبي’ إنّما هو لأجل كون النبي’ يتحلّى بالتقوى والإيمان والعمل والصالح, وبعبارة أخرى: لقرب درجة النبي’ من الله تعالى, وهذا المعنى وإن كان النبي’ يمثّل أعلى درجاته إلا أنّه غير مختص به, فالأولياء والصالحون لهم درجات من القرب الإلهي وإن كانت لا تصل إلى مرتبة النبي’.

رابعاً: سيأتي أنّ هناك أدلّة تثبت جواز التوسّل بغير النبي’، فالدليل غير مقصور على الرواية أعلاه.

الدليل الثاني: حديث توسّل آدم بالنبيّ ’

أخرج الحاكم بسنده إلى عبد الرحمن بن زيد بن أسلم عن أبيه عن جدّه عن عمر بن الخطاب قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): >لما اقترف آدم الخطيئة قال: يا رب أسألك بحقّ محمّد لمّا غفرت لي, فقال الله: يا آدم وكيف عرفت محمّد ولم أخلقه؟ قال: يا رب، لأنك لمّا خلقتني بيدك، ونفخت فيّ من روحك، رفعت رأسي فرأيت على قوائم العرش مكتوباً: لا إله إلا الله محمد رسول الله. فعلمت أنك لم تضف إلى اسمك إلا أحبّ الخلق إليك. فقال الله: صدقت يا آدم، إنّه لأحبّ الخلق إليّ، ادعني بحقه فقد غفرت لك، ولولا محمد ما خلقتك<.

 قال الحاكم: >هذا حديث صحيح الاسناد، وهو أول حديث ذكرته لعبد الرحمن بن زيد بن أسلم في هذا الكتاب<([1044]).

وعبد الرحمن بن زيد, فيه كلام, قال المقريزي: >هو أبو زيد عبد الرحمن بن زيد بن أسلم، مولى عمر بن الخطاب، ضعّفه أحمد وأبو داود والنسائي، وقال ابن عدي: له أحاديث حسان، وهو ممن احتمله وصدقه بعضهم، وهو ممّن يكتب حديثه...<([1045]).

وقال المنذري متكلّماً على أحد الأسانيد: >رواه ابن ماجه من رواية عبد الرحمن بن زيد بن أسلم وقد وثق, قال ابن عدي: أحاديثه حسان، وهو ممّن احتمله الناس وصدقه بعضهم، وهو ممن يكتب حديثه<([1046]).

قلتُ: فمثله ممّن يستشهد بحديثه إن شاء الله.

شواهد لحديث توسل آدم بالنبي’

الشاهد الأوّل للحديث:

 ما أورده ابن تيمية في مجموع الفتاوى, قال: >وقد رواه أبو الحسين بن بشران من طريق الشيخ أبى الفرج ابن الجوزى في الوفا بفضائل المصطفى: حدّثنا أبو جعفر محمّد بن عمرو حدّثنا أحمد بن إسحاق بن صالح ثنا محمد بن صالح ثنا محمد بن سنان العوفى ثنا إبراهيم بن طهمان عن يزيد بن ميسرة عن عبد الله بن سفيان عن ميسرة، قال: قلت يا رسول الله، متى كنتَ نبيّاً؟ قال: لمّا خلق الله الأرض واستوى إلى السماء فسواهن سبع سماوات، وخلق العرش، كتب على ساق العرش: محمّد رسول الله خاتم الأنبياء، وخلق الله الجنّة التى أسكنها آدم وحواء، فكتب اسمي على الأبواب والأوراق والقباب والخيام وآدم بين الروح والجسد، فلمّا أحياه الله تعالى نظر إلى العرش فرأى اسمي، فأخبره الله انّه سيّد ولدك، فلمّا غرّهما الشيطان تابا واستشفعا باسمي إليه<([1047]).

قال الصالحي: >وروى ابن الجوزي بسند جيّد لا بأس به< وذكره([1048]).

وقال الحافظ الغماري: >إسناد هذا الحديث قوي<([1049]).

ومن الواضح أنّ قوله: >واستشفعا باسمى إليه< هو معنى قول آدم في الحديث السابق: >يا رب أسألك بحقّ محمّد لمّا غفرت لي<, فهو من نوع التوسل بالذات ولا يمكن حمله على أيّ معنً آخر, خصوصاً أنّ القصّة حصلت قبل مولد النبي’ وفي زمن آدم×.

وحيث إنّ السلفية لم يستطيعوا تأويل هذه الدلالة, لذا حاولوا إبطال هذا الحديث من وجهين:

الوجه الأول: أنّ هذا السند ليس له أصل, إذ لم تُذكر الأسانيد في كتاب (الوفا) المطبوع بين أيدينا, فلا يمكن إثبات الدلالة بسند لا أصل له.

الجواب:

 1ـ إنّ السند ذكره ابن تيميّة, ومن البعيد جدّاً أن يقع ـ شيخ الإسلام كما يلقبونه ـ بخطأ مثل هذا, بحيث يُركّب إسناداً كاملاً على حديث ليس له إسناد, فإنّ من يقع في مثل هذا الخطأ لا يمكن الاعتماد عليه مطلقاً, لذا لا بدّ أن يكون ابن تيمية قد اعتمد على مصدر موثوق في معرفة السند.

2ـ إنّ الشيخ الصالحي الشامي وهو تلميذ السيوطي قد جوّد إسناد الحديث من طريق ابن الجوزي، كما تقدّم, ولم يعزُه إلى ابن تيمية, فلعلّه وقف على الإسناد أيضاً, أو لا أقل من كونه أمضى كلام ابن تيميه ولم يتوقف فيه.

3ـ لو قبلنا أنّ سند هذا المتن مفقود، فذلك لا يضر بصحّـته؛ وذلك أنّ ابن الجوزي ذكر في مقدّمة كتابه بأنّه لا يخلط فيه الصحيح بالكذب كما يفعل من يقصد تكثير روايته([1050]), وهذا يدلّ على أنّه انتقى الصحيح, خصوصاً أنّ هذا الحديث هو ثالث حديث ذكره في كتابه, فلا يعقل أن يصدّر كتابه بأحاديث موضوعة أو ضعيفه مع عبارته هذه.

بل إنّ ابن الجوزي عاد في مكان آخر من كتابه وقال: >ومن بيان فضله على الأنبياء: أنّ آدم سأل ربّه بحرمة محمّد أن يتوب عليه, كما ذكرنا<([1051]). فقد أرسلها إرسال المسلّمات, وعدّ التوسل به من دلائل فضله على الأنبياء^.

4ـ إنّ ابن تيمية ذكر بعد هذين الروايتين ما يدلّ على تعاضدهما معاً، فقد ذكر هذه الرواية أوّلاً ثمّ ذكر بعدها رواية عبد الرحمن بن زيد، وقال: >فهذا الحديث يؤيّد الذى قبله وهما كالتفسير للأحاديث الصحيحة<([1052]).

فهل يعتمد شيخ الإسلام على أحاديث ضعيفة واهية ويفسّر بها الأحاديث الصحيحة؟!!

فتحصّل أنّ هذا الوجه في تضعيف الرواية غير صحيح, وفيه اتهام لشيخ الإسلام! بوضع الأسانيد على المتون, ولا يمكن التفصّي من ذلك بنسبة الخطأ لنساخ كتب ابن تيمية, فهو مضافاً لبعده جداً, فان ابن تيمية لم يقتصر على ذكر السند، بل أضاف بأنّ الحديث مؤيّد برواية عبد الرحمن بن زيد واعتبرهما كالتفسير للأحاديث الصحيحة.

الوجه الثاني: أنّ الزيادة في الحديث من قوله: >فلمّا غرّهما الشيطان تابا واستشفعا باسمى إليه<, لم ترد في طرق حديث ميسرة, فما جاء عنه هو لفظ مختصر, وهو: >قلت: يا رسول الله, متى كتبتَ نبيّاً قال: وآدم عليه السلام بين الروح والجسد<([1053]), فتكون هذه الزيادة شاذة.

والجواب:

 1ـ إنّ هذه الزيادة غير مخالفة للحديث, ولا مغيّرة لمعناه, بل هي عبارة عن أمر آخر, يتحدّث عن الكلمات التي ذكرها آدم فتاب الله عليه, وهي الاستشفاع بمحمد’, فهي بمنزلة الرواية المستقلّة, فما دام الإسناد صحيحاً فهي زيادة صحيحة مقبولة, ولا موجب لطرحها.

2ـ إنّ هذه الزيادة لها شواهد ولم يتفرد بها راوٍ واحد حتى يُقال بشذوذها, فقد تقدم في رواية عبد الرحمن بن زيد أنّ آدم قال: >يا رب أسألك بحقّ محمّد لمّا غفرت لي<, وستأتي شواهد أخرى على ذلك.

الشاهد الثاني لحديث توسل آدم بالنبي’

ما أخرجه ابن المغازلي وابن الجوزي بسنديهما عن محمّد بن عليّ بن خلف العطار: حدّثنا حسين الأشقر حدّثنا عمرو بن ثابت عن أبيه عن سعيد بن جبير عن ابن عباس: قال: >سألت النبيّ (صلّى الله عليه وسلّم) عن الكلمات التي تلقّاها آدم من ربّه فتاب عنه، فقال: قال بحقّ محمّد وعلي وفاطمة والحسن والحسين إلاّ تبتَ عليّ فتاب عليه<([1054]).

وعزاه السيوطي في الدر المنثور إلى ابن النجار([1055]).

وسند ابن الجوزي لم يُتكلّم فيه إلا في اثنين: حُسين الأشقر, وعمرو بن ثابت (عمرو بن أبي المقدام), أمّا أبو المقدام (ثابت بن هرمز) فثقة([1056]), وسعيد بن المسيب تابعي ثقة ثبت([1057]), ومحمّد بن عليّ بن خلف العطّار, ثقة مأمون حسن العقل([1058]).

فلم يبقَ إلا حسين الأشقر, وعمرو بن ثابت.

أمّا حسين الأشقر, فقد تقدّم أنّ الرجل صدوق, والطعن فيه جاء بسبب روايته فضائل أهل البيت([1059]).

وأمّا عمرو بن ثابت: فالظاهر أنّ الرجل صدوق في نفسه وأحاديثه مستقيمة وليس فيها نكارة, لكنّهم ضعّفوه بأمور لا علاقة لها بالوثاقة, وهذه الأمور هي الرفض والتشيع وسبّ السلف، كما يزعمون، وروايته ارتداد الناس بعد رسول الله إلا أربعة:

قال أبو داود: >عمرو بن ثابت، وأبو إسرائيل، ويونس بن خباب ليس في حديثهم نكارة<([1060]).

وقال: >قد روى إسماعيل بن أبي خالد، وسفيان عن عمرو بن ثابت ـ وهو المشؤوم([1061]) ـ ليس يشبه حديثه أحاديث الشيعة, وجعل يقول: يعني أنّ أحاديثه كانت مستقيمة<([1062]).

وقال: >وعمرو بن ثابت رافضي رجل سوء, ولكنّه كان صدوقاً في الحديث<([1063]).

كما أنّ ابن المبارك حدّث عنه ثمّ ترك ذلك:

قال الحاكم: >عمرو بن ثابت هذا هو ابن أبي المقدام الكوفي، وليس من شرط الشيخين، وإنّما ذكرته شاهداً، ورواية عبد اللّه‏ بن المبارك عنه حثّني على إخراجه<([1064]).

وقال عليّ بن الحسن بن شقيق: >سمعت ابن المبارك يقول: لا تحدثوا عن عمرو بن ثابت، فإنّه كان يسبّ السلف<([1065]).

 وقال الحسن بن عيسى: >ترك ابن المبارك حديثه، وقال هناد بن السري: لم يصلِّ عليه ابن المبارك<([1066]).

وقال عبد الملك: >سألت بن المبارك، قلت: عمرو بن ثابت لمَ تركتَ حديثه؟ قال: كان يشتم السلف؛ فلذلك تركت حديثه<([1067]).

فابن المبارك كان يحدّث عن عمرو، وقد أوضح العلّة في تركه إياه، وهي دعوى سبّ السلف, ومرادهم من السلف على ما يبدو: عثمان, قال عبد الله بن أحمد عن أبيه: >كان يشتم عثمان, ترك ابن المبارك حديثه<([1068]). وقال الساجي: >مذموم، وكان ينال من عثمان، ويقدّم عليّاً على الشيخين<([1069]). وهذه ليست بعلّة قادحة عندهم, فهم يوثقون من يسبّ ويقع في عليّ بن أبي طالب, بل إنّ السلف كان يقع في بعضه البعض, فلماذا يضعّف من يقع في عثمان ولا يضعّف غيره!!

ولذا نرى الحافظ أبا الوليد هشام بن عبد الملك يحدّث عن ابن أبي المقدام ويُمشّي حديثه, قال الحافظ الفسوي: >فسمعت أبا الوليد هشام بن عبد الملك، يقول: قد كتبنا عنه ونحدث عنه. فقال له قائل: ابن المبارك تكلّم فيه. قال أبو الوليد: كان يذهب مذهب الزيدية، ولم يكن به بأس<([1070]).

كما أنّ هناد بن السري حدّث عنه كثيراً, وقال: >كتبت عن عمرو بن ثابت، قال: حدّثنا كثيراً فبلغني عنه أنه كان يوماً عند حبان بن علي، قال هناد: وأخبرني من سمعه وما أراه إلا نوفل، يقول: كفر الناس بعد رسول الله (صلى الله عليه وسلم) إلا أربعة. قال: قيل لحبان: أيقول هذا ولم تنكر عليه؟ قال: فقال حبان: هو جليسنا، كأنه قال: فكرهت أن أقول له شيئاً، قال: وكان حين تكلم بهذا الكلام يتناوم كأنه ينعس، يعني: حبان<([1071]).

فنلحظ هنا أنّ حبان بن علي يرفض الطعن في عمرو بن ثابت، بل أظهر نفسه مظهر المتناعس لأجل أن لا يتكلم فيه, مضافاً إلى أنّ هذه الرواية ليست بعلّة قادحة في الرجل, فهو لم يتفرد بها، بل قد روي ذلك بأسانيد صحيحة, وعلى سبيل المثال ما جاء عن أنس، قال: >لما توفى رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ارتدّت العرب<. والحديث صحّحه الحاكم ووافقه الذهبي([1072]), وعلى هذا فرواية الارتداد ليست قادحة في وثاقته.

كما أنّ عبد الرحمن بن مهدي ارتضاه فحدّث عنه أيضاً, قال محمّد بن المثنى: >سمعت عبد الرحمن يُحدّث عن عمرو بن ثابت بن أبي المقدام<([1073]).

وقد لخص أبو بكر البزار الرأي في عمرو بن ثابت, حيث قال: >كان يتشيّع ولم يُترك<([1074]).

 وقد مرّ معنا أنّ ابن المبارك روى عنه ثمّ تركه, وكذا عبد الرحمن بن مهدي, وروى عنه هناد بن السري كثيراً, وقد روى عنه غير هؤلاء كثر, منهم: أبو داود الطيالسي وعمرو بن محمد العنقزي وسهل بن حماد أبو عتاب الدلال وعيسى بن موسى غنجار وموسى بن داود الضبي ويحيى بن بكير ويحيى بن آدم وعبد الله بن صالح العجلي وسعيد بن منصور والحسن بن الربيع والبوراني وعباد بن يعقوب الرواجني وآخرون([1075]).

ولذا فإنّ البخاري لم يزد شيئاً سوى قوله: >ليس بالقوي عندهم<([1076]). وعرفنا فيما سبق أنّ هذه العبارة لا تدل على الجرح، بل تفيد درجة دانية من الوثاقة، فهو بمنزلة الصدوق.

فتلخص من جميع ما تقدم: أنّ الرجل صدوق في نفسه, فيكون حديثه حسناً لذاته, ولا أقلّ من كونه صالحاً في المتابعات والشواهد, فيعضد الحديثين اللذين قبله, فيكون الحديث حسناً بمجموع طرقه.

الشاهد الثالث على حديث توسّل آدم بالنبي’

 أخرج الديلمي في مسند الفردوس على ما ذكره السيوطي بسند رواه عن علي عن النبي’: أنّ الكلمات التي قالها آدم فتاب الله عليه هي: >اللهمّ إنّي أسالك بحقّ محمّد وآل محمّد سبحانك لا إله الا أنت عملت سوءاً وظلمت نفسي فاغفر لي إنك أنت الغفور الرحيم، اللهم إنّي أسالك بحقّ محمّد وآل محمّد سبحانك لا إله إلا أنت عملت سوءاً وظلمتُ نفسي فتب عليّ انّك أنت التواب الرحيم، فهؤلاء الكلمات التي تلقّى<([1077]).

وللحديث شواهد أخرى لا نرى ضرورة لذكرها, وينتج من جميع ذلك أنّ الحديث قويٌ بشواهده.

الدليل الثالث: توسل النبي’ بالأنبياء قبله

قال الطبراني: >حدّثنا أحمد بن حمّاد بن زغبة قال: حدّثنا روح بن صلاح قال: حدّثنا سفيان الثوري, عن عاصم الأحول, عن أنس بن مالك قال: لمّا ماتت فاطمة بنت أسد بن هاشم أمّ عليّ, دخل عليها رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) فجلس عند رأسها فقال: رَحِمَكِ الله يا أمّي, كنتِ أمّي بعد أمّي, تجوعين وتشبعيني, وتعرين وتكسيني, وتمنعين نفسك طيب الطعام وتطعميني, تريدين بذلك وجه الله والدار الآخرة, ثمّ أمر أن تغسل ثلاثاً وثلاثاً, فلمّا بلغ الماء الذي فيه الكافور سكبه عليها رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) بيده, ثمّ خلع رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) قميصه فألبسها إياه, وكُفّنت فوقه, ثمّ دعا رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) أسامة بن زيد وأبا أيوب الأنصاري وعمر بن الخطاب وغلاما أسود ليحفروا, فحفروا قبرها, فلمّا بلغوا اللحد حفره رسول الله بيده, وأخرج ترابه بيده, فلمّا فرغ دخل رسول الله (صلى الله عليه وسلّم) فاضطجع فيه وقال: الله الذي يحيي ويميت وهو حي لا يموت اغفر لأمي فاطمة بنت أسد ولقّنها حجتها, ووسع عليها مدخلها, بحق نبيك والأنبياء الذين من قبلي, فإنّك أرحم الراحمين, ثمّ كبّر عليها أربعاً, ثمّ أدخلوها القبر هو والعبّاس وأبو بكر الصديق<([1078]).

قال الهيثمي: >رواه الطبراني في الكبير والأوسط وفيه روح بن صلاح وثقه ابن حبان والحاكم وفيه ضعف، وبقيّة رجاله رجال الصحيح<([1079]).

قلت: عبارة الهيثمي تدلّ على تحسين حديث الرجل, فإنّه قال: فيه ضعف, ولم يقل ضعيف, فأقل حالاته أن يكون حديثه حسناً.

كما جوّد إسناده الفقيه ابن حجر الهيتمي([1080]).

والحديث دلالته صريحة في التوسّل ولم نر منكراً لذلك.

 وقد حاول البعض تضعيف السند بـ >روح بن صلاح< والذي يقال له: روح بن سيابة, بدعوى عدم توثيقه إلا من ابن حبّان والحاكم وهما متساهلان, وقد جرحه غيرهم, فيقدّم الجرح على توثيقهما.

والجواب: أمّا التوثيق:

فقد وثقه ثلاثة من أئمّة النقد وليس اثنين:

1ـ الحاكم النيسابوري, حيث قال في سؤلات السجزي: >روح بن صلاح, ثقة مأمون<([1081]).

وتساهل الحاكم إنّما هو في المستدرك دون غيره, قال المعلمي: >وذكرهم للحاكم بالتساهل إنّما يخصونه بـ >المستدرك< فكتبه في الجرح والتعديل لم يغمزه أحد بشيء ممّا فيها فيما أعلم... بل حاله في ذلك كحال غيره من الأئمة العارفين...<([1082]).

2ـ الحافظ الفسوي, فقد روى عنه, قال الخطيب البغدادي عند ذكره لروح بن صلاح المصري: >وهو روح بن سيابة الحارثي, روى عنه يعقوب بن سفيان< ثم ساق له رواية عنه([1083]), وقد صرح الفسوي بأنّ مشايخه كلّهم ثقات, قال: >كتبت عن ألف شيخ وكسر كلّهم ثقات<([1084]).

3ـ ابن حبان حيث ذكره في الثقات وقال: >روح بن صلاح من أهل مصر, يروي عن يحيى بن أيوب وأهل بلده, روى عنه محمد بن إبراهيم البوشنجي وأهل مصر<([1085]).

وغاية ما يؤخذ على ابن حبان أنّه وثق المجهولين, بناء على أصالة العدالة, وفي المقام يمكن القول بأنّ ابن حبّان لم يذكر روح بن الصلاح في الثقات بناء على كونه مجهول؛ وذلك لوضوح رواية الأئمّة والثقات عنه أمثال الحافظ يعقوب بن سفيان, والحافظ محمد بن إبراهيم البوشنجي, وأحمد بن حماد بن زغبة، كما تقدّم, وغيرهم كثير, وكذا فقد ترجم له النقاد أمثال ابن يونس وهو متقدم على ابن حبّان, فمن البعيد جدّاً عدم معرفة ابن حبان بذلك, خصوصاً أنّه صرّح برواية المصريين عنه, فذكْره له هو توثيق غير مبتن على تلك القاعدة، وهو توثيق مأخوذ به.

وأمّا التضعيف:

1ـ قال ابن عدي: ضعيف, وذكر له حديثين ونسب البلاء في أحدهما ـ كما هو الظاهر من عبارته ـ إلى غيره، وقال: وهذان الحديثان بإسناديهما ليسا بمحفوظين, ولعلّ البلاء فيه من عيسى هذا([1086])، فإنّه ليس بمعروف، ولروح بن سيابة أحاديث ليست بالكثيرة عن ابن لهيعة والليث وسعيد بن أبي أيوب ويحيى بن أيوب وحياة وغيرهم وفي بعض حديثه نكرة([1087]).

أقول: أمّا قوله: ضعيف, فهو جرح غير مفسر لا يصمد أمام التوثيق, وأمّا قوله: وفي بعض حديثه نكرة, فهو أيضاً لا يمكن الركون إليه, فإنّ ابن عدي ذكر أنّ البلاء في أحد الحديثين من عيسى وليس من روح.

 أضف إلى ذلك: أنّ النكارة في الحديث ليست بعلة قادحة ما لم تكثر عند الراوي وتصبح صفة ملازمة له بحيث يقال عنه منكر الحديث, وقد تقدّم ذلك أثناء البحوث.

2ـ جاء في لسان الميزان: >ذكره ابن يونس في تاريخ الغرباء فقال: من أهل الموصل قدم مصر وحدّث بها, رويت عنه مناكير ثمّ ذكر وفاته. ونسبه ابن صلاح بن سيابة بن عمرو الحارثي. وقال الدارقطني: ضعيف في الحديث, وقال ابن ماكولا: ضعّفوه سكن مصر<([1088]).

قلت: أمّا التضعيف فهو غير مفسر, وأمّا رواية المناكير عنه فهي غير قادحة كما تقدم, ومنه يتضح وثاقة الرجل ولا أقل من حُسْنِ حديثه لذاته.

الدليل الرابع: أمر عائشة بفتح كوة من قبر النبي’ للاستسقاء

 أخرج الدارمي في سننه قال: حدّثنا أبو النعمان ثنا سعيد بن زيد ثنا عمرو بن مالك النكري حدّثنا أبو الجوزاء أوس بن عبد الله قال: >قحط أهل المدينة قحطاً شديداً فشكوا إلى عائشة فقالت: انظروا قبر النبي (صلّى الله عليه وسلّم) فاجعلوا منه كوى إلى السماء؛ حتّى لا يكون بينه وبين السماء سقف, قال: ففعلوا فمطرنا مطراً حتّى نبت العشب وسمنت الإبل حتّى تفتقت من الشحم فسمّي عام الفتق<([1089]).

 فهذا توسّل بقبره الشريف للاستسقاء، وهو إمّا أن يدخل في هذا النوع، باعتبار أنّ القصد من فتح الكوّة هو توسّل إلى الله بحقّ صاحب هذا القبر, أو يدخل في النوع المتقدم من طلب الدعاء من النبيّ’ بعد وفاته، باعتبار فتح الكوة كناية عن الطلب من النبيّ أنْ يدعو الله في نزول المطر, وكيف ما كان، فالرواية تدحض كلام الوهابية في حرمة التوسّل أو كونه من الشرك, فإنّ فعْل السيّدة عائشة لم يكن بمعزل عن بقيّة الصحابة وعلماء وأئمّة المدينة ولم يبدوا أيّ اعتراض على ذلك.

وقد حاول السلفيّة، على عادتهم، الطعن بهذا الحديث بمحاولات، لا ترقى إلى مستوى الحوار العلمي, نوردها فيما يلي ونجيب عليها مختصراً:

المحاولة الأولى لتضعيف الحديث: أنّ في سند الخبر سعيد بن زيد, وفيه ضعف ([1090]).

والجواب: أنّ سعيد بن زيد من رجال مسلم, وقد وثّقه يحيى بن معين, وقال عنه البخاري: صدوق حافظ, وقال ابن سعد: كان ثقة, وقال أبو حاتم والنسائي: ليس بالقوي، وقال العجلي: بصري ثقة، وقال أبو زرعة: سمعت سليمان بن حرب، يقول: ثنا سعيد بن زيد وكان ثقة، وقال أبو جعفر الدارمي: ثنا حبان بن هلال ثنا سعيد بن زيد وكان حافظاً صدوقاً، وقال ابن عدي: وليس له منكر لا يأتي به غيره وهو عندي في جملة من ينسب إلى الصدق([1091]).

 فأقلّ حالات الرجل مع كلّ هذه التوثيقات ومع ملاحظة أنّ الجرح في حقّه غير مفسر, أن يكون حديثه حسناً لذاته إن لم يكن صحيحاً. ولو ضعفنا الرجل مع كلّ هذه التوثيقات لما سلم لنا راوٍ.

ولهذا فقد تعقب صاحبا تحرير التقريب قول ابن حجر: صدوق له أوهام, بقولهما: >بل صدوق حسن الحديث<([1092]).

المحاولة الثانية لتضعيف الحديث: إنّه موقوف على عائشة, ولو صحّ لم تكن فيه حجّة؛ لأنّه يحتمل أنْ يكون من قبيل الآراء الاجتهادية لبعض الصحابة مما يُخطئون فيه ويُصيبون, ولسنا ملزمين بالعمل بها([1093]).

والجواب:

1ـ بعد الإقرار بأنّ هذا التوسل من آراء السيّدة عائشة, وأنّها تعتقد بحليّته, فلا نرى مبرراً لتكفير المسلمين والتشنيع عليهم واتّهامهم بأنّهم عبدة القبور وما إلى ذلك, فإنّ مرجع هذا إلى اتّهام السيّدة عائشة بذلك, ولا ضير على المسلم إذا اجتهد ووافق السلف الصالح في اجتهاده, خصوصاً أنّهم أسوة وقدوة للمسلمين.

2ـ إنّ السيّدة عائشة لم تعمل ذلك بمفردها, بل علّمت المسلمين من أهل المدينة ذلك حين لجأوا إليها مستغيثين من القحط, ولم ينكر عليها أحد من الصحابة أو التابعين, ممّا يدلّ على قبولهم إيّاه ورضاهم به, وحاشاهم أن يقبلوا بالكفر, أو يرضوا بغش المسلمين وتعليمهم الأمور المحرمة.

 ومادام الأمر غير مختص بشخص واحد، بل شامل لكلّ أهل المدينة، بحيث عُرف ذلك العام بعام الفتق, فمن غير المناسب أن نسمي ذلك اجتهاداً لها قد تُخطئ فيه وتصيب, خصوصاً إذا ما عرفنا أنّ قول الصحابي إذا اشتهر ولم ينكر عليه أحد يدخل في باب الاجماع ويكون حجّة.

3ـ إنّ ما علّمتهم السيّدة عائشة لم يكن من الأمور الاجتهادية التي يُخطئ الصحابي فيها ويُصيب, بل هو من الأمور الغيبيّة التي لا تُقال بالرأي, والمحقق عند أهل السنّة: أنّ قول الصحابي إذا كان ممّا لا يقال فيه بالرأي فهو حجّة وبحكم المرفوع؛ لأنّ الصحابي لا بدّ أنْ يكون قد استقاه من الشرع.

المحاولة الثالثة لتضعيف الحديث: إنّ أبا النعمان هذا هو محمّد بن الفضل يعرف بعارم وهو وإن كان ثقة فقد اختلط في آخر عمره, وهذا الأثر لا يدرى هل سمعه الدارمي منه قبل الاختلاط أو بعده فهو إذن غير مقبول, فلا يحتج به([1094]).

والجواب: نعم, صحيح أنّ أبا النعمان تغيّر في آخر عمره, لكنّ ذلك لا يعني التوقف عن أخذ حديثه, لأمور:

الأوّل: أنّ الإمساك عن حديثه يتمّ فيما إذا استمرّ على التحديث حتّى بعد تغيره, أو لا نعلم بذلك على الأقل, أمّا إذا علمنا بتركه التحديث بعد تغيره, فتكون كلّ أحاديثه حجّة؛ لأنّنا نعلم بوقوعها قبل التغيّر, ومحمّد بن الفضل لم يحدّث بعد التغيّر, قال الذهبي: >تغيّر قبل موته فما حدّث<([1095]).

الثاني: صرّح الدارقطني بأنّ الرجل لم يأتِ منه ما ينكر بعد اختلاطه, قال: >تغير بآخره، وما ظهر له بعد اختلاطه حديث منكر. وهو ثقة<([1096]).

وقد تبنّى الذهبي هذا الرأي من الدارقطني راداً بذلك عن ابن حبان, فقال: >قلت: فهذا قول حافظ العصر الذي لم يأت بعد النسائي مثله، فأين هذا القول من قول ابن حبان الخساف المتهور في عارم، فقال: اختلط في آخر عمره وتغير حتى كان لا يدرى ما يحدث به، فوقع في حديثه المناكير الكثيرة، فيجب التنكب عن حديثه فيما رواه المتأخرون، فإذا لم يعلم هذا من هذا ترك الكل، ولا يحتج بشئ منها. قلت [الذهبي]: ولم يقدر ابن حبّان أن يسوق له حديثاً منكراً، فأين ما زعم؟<([1097]).

الدليل الخامس: الاستسقاء بالعباس عمّ النبي’

أخرج البخاري بسنده إلى أنس بن مالك قال: >أنّ عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) كان إذا قحطوا استسقى بالعبّاس بن عبد المطلب فقال: اللهمّ إنّا كنّا نتوسل إليك بنبيّنا (صلّى الله عليه وسلّم) فتسقينا, وإنّا نتوسّل إليك بعمّ نبيّنا فاسقنا, قال: فيُسقون<([1098]).

وهذا الخبر من حيث السند لا كلام فيه؛ لوروده في صحيح البخاري.

 وأمّا من حيث المضمون فهو يدلّ على أنّ الاستسقاء كان بذات العبّاس نفسه, كما أنّهم قبل ذلك كانوا يستسقون بذات النبي’ نفسه, ولم نرَ من المسلمين من اعترض على عمر مع كون الحادثة عامّة.

 وما يؤكّد أنّ التوسّل في الخبر كان بذات العبّاس لا بدعائه عدّة أمور:

الأوّل: أنّ الظاهر من الخبر هو التوسّل بذات العبّاس, وصرف الخبر عن ظاهره بلا قرينة غير جائز.

الثاني: دلّت بعض الأخبار صراحة على أنّ عمر هو من قام بالدعاء متوسّلاً بالعبّاس:

 قال البلاذري: >حدّثني أبو بكر الوراق، حدّثنا اسحاق بن البهلول عن محمّد بن إسماعيل بن أبي فديك عن هشام بن سعد عن زيد بن أسلم عن أبيه, قال: خرج عمر يستسقي فأخذ بضبعي العباس، وقال: اللهمّ هذا عمّ نبيّك فاسقنا، فما برح الناس حتّى سقوا<([1099]).

وأخرج ابن سعد بسنده عن موسى بن عمر, قال: >أصاب الناس قحط فخرج عمر بن الخطاب يستسقي فأخذ بيد العبّاس فاستقبل به القبلة، فقال: هذا عمّ نبيّك (عليه السلام) جئنا نتوسّل به إليك فاسقنا, قال: فما رجعوا حتّى سقوا<([1100]).

وقال الطبراني: >حدّثنا أبو مسلم الكشي، ثنا محمّد بن عبد الله الأنصاري، حدثني أبي، عن ثمامة بن عبد الله بن أنس، عن أنس بن مالك (رضي الله عنه)، أنّ عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) خرج يستسقي, وخرج بالعبّاس (رضي الله عنه) معه، فقال: اللهمّ إنّا كنّا نستسقي بنبيّنا (صلّى الله عليه وسلّم) وهذا عمّ نبيّك (صلّى الله عليه وسلّم) فاسقنا، قال: فسقوا<([1101]).

وأخرج ابن عساكر بسنده عن أبي وجزة السعدي عن أبيه, قال: >استسقى عمر بن الخطاب لما وقف على المنبر أخذ في الاستغفار، فقلت: ما تراه يعمد لحاجته، ثم قال في آخر كلامه: اللهم إنّي قد عجزت عنهم, وما عندك أوسع لهم, وأخذ بيد العباس, فقال: وهذا عمّ نبيك نحن نتوسل به إليك, فلمّا أراد عمر أن ينزل, قلب رداءه, ثمّ نزل, فتراءى الناس طرة في مغرب الشمس فقالوا, ما هذا؟ قال: وما رأينا قبل ذلك من قزعة سحاب([1102]) أربع سنين, قال: ثمّ سمعنا الرعد ثمّ انتشرت ثمّ أمطرت...<([1103]).

ولا نريد هنا أنْ نُحوّل البحث إلى دراسة مُفصّلة في أسانيد هذه الروايات, لكن نشير إلى أنّ الخبر صحيح بطرقه المختلفة, فإنّ سند الطبراني حسن على أقلّ حالاته وكذا سند البلاذري, فبضميمة بقيّة الطرق يكون الخبر صحيحاً بلا كلام, وهو يفيد بأنّ عمر هو من قام بالدعاء متوسلاً بالعبّاس, وحينئذٍ لا يضر قيام العبّاس بالدعاء أيضاً, فما المانع أن يكون عمر قد توسّل بذات العبّاس، والعبّاس قام بالدعاء أيضاً, فلا يوجد بين الأمرين أيّ تنافٍ.

الثالث: أنّ جملة من العلماء فهموا من الخبر أنّ التوسّل كان بذات العبّاس وليس بدعائه, منهم:

1ـ بدر الدين العيني الحنفي, حيث قال في شرح الخبر: >قوله: >استسقى بالعبّاس< أي: متوسّلاً به حيث قال: >اللهمّ إنّا كنّا...< إلى آخره... وفيه من الفوائد: استحباب الاستشفاع بأهل الخير والصلاح وأهل بيت النبوّة...<([1104]).

فلم نرَ العيني يقول إنّ عمر توسّل بدعاء العبّاس بل قال: متوسّلاً به!!

2ـ الشوكاني, حيث قال: >وأمّا التوسّل بالصالحين, فمنه ما ثبت في الصحيح أنّ الصحابة استسقوا بالعبّاس (رضي الله عنه) عم رسول الله, وقال عمر (رضي الله عنه): اللهمّ إنّا نتوسّل إليك بعمّ نبيّنا<([1105]).

وقال أيضاً: >ولا يخفاك أنّه قد ثبت التوسّل به (صلّى الله عليه وسلّم) في حياته، وثبت التوسّل بغيره بعد موته بإجماع الصحابة إجماعا سكوتياً؛ لعدم إنكار أحد منهم على عمر (رضي الله عنه) في التوسّل بالعبّاس (رضي الله عنه)...<([1106]).

 3ـ ابن حجر العسقلاني, حيث قال: >ويستفاد من قصّة العبّاس استحباب الاستشفاع بأهل الخير والصلاح وأهل بيت النبوّة, وفيه فضل العبّاس وفضل عمر لتواضعه للعبّاس ومعرفته بحقّه<([1107]).

4ـ محيي الدين النووي حيث قال: >ويستحب إذا كان فيهم رجل مشهور بالصلاح أنْ يستسقوا به، فيقولوا: اللهمّ إنّا نستسقي ونتشفع إليك بعبدك فلان< وأردف كلامه بنقل قصّة العباس المتقدمة([1108]).

شبهة: أن التوسل بالعباس كان بدعائة لا بذاته

أثار المذهب السلفي شبهة حول الاستدلال بهذه الرواية على جواز التوسل بالذات، حاصلها: أن ظاهر التوسل في الرواية كان بدعاء العباس لا بذاته، وقرروا هذه الشبهة بنحوين:

نحوان لهذه الشبهة

النحو الأول: الرواية بحاجة إلى تقدير كلمة (جاه) أو (دعاء)

ذكروا أنّ فهم العبارة بحاجة إلى تقدير أحدى كلمتين, إمّا أن نقدر كلمة (جاه), فيكون المراد: >بجاه عمّ نبيّك<، أو كلمة (دعاء) فيكون المراد: >بدعاء عمّ نبيّك<, وحيث إنّ المعهود من الصحابة هو الذهاب إلى النبي’ وطلب الدعاء منه للاستسقاء, والسنّة تفسّر بعضها بعضاً, فيكون المراد هو توسّل بالدعاء لا بالذات, إذ إنّ التوسّل بالذات لا وجود له في السنّة النبوية([1109]).

الجواب

تقدّم ما يتعلّق بهذا الإشكال في حديث الضرير حين أشكلوا عليه بنفس هذا الكلام, وعرفنا هناك أنّ تقدير كلمة (جاه) هو الأنسب, وأنّه لا يوجد عند السلفية توسّل بالدعاء بهذا المعنى: أي بقول: اللهمّ أني اسالك بدعاء فلان.

ونضيف هنا: إنّ مّا ما ذهب إليه الألباني من ضرورة تقدير كلمة (دعاء) باعتبار أنّ الصحابة كانوا يذهبون إلى النبيّ ويطلبون منه الدعاء, فهذا لا علاقة له بالتقدير, فهو مبتن على الاعتقاد بحرمة التوسّل بالذات مسبقاً, فمع ظهور هذه الرواية ونظيراتها في التوسل بالذات لا نحتاج إلى تأويل الخبر وفق أدلّة وروايات أخرى, وبناءً على هذه الطريقة في تأويل الأحاديث، فإنّه حتّى لو سقنا مئات الروايات التي يظهر منها التوسّل بالذات لقالوا إنّها منصرفة إلى التوسل بالدعاء, وكأنّ النبي’ عجز أنْ يذكُر كلمة الدعاء في عباراته, وعمر عجز كذلك!! وشرّاح الحديث عجزوا عن ذكرها أيضاً !!

وثانياً: قد عرفنا أنّ العلماء فهموا من الحديث جواز التوسل بالذات, ولم يتأولوه, التزاماً منهم بحجية الظواهر الحديثية, وعدم جواز تأويلها إلا بقرينة قطعية صارفة لها عن ظهورها.

ثالثاً: تقدّم مفصّلاً أنّ حديث الضرير دلّ بلا شكّ على جواز التوسّل بالذات, فيتعاضد مع هذا الحديث من جهة الدلالة, فالسنّة كما دلّت على مشروعية التوسّل بالدعاء, دلّت على مشروعيّة التوسل بالذات, فلا يوجد مبرر لتقديم تقدير كلمة (دعاء) على تقدير كلمة (جاه) سوى الاعتقاد بحرمة التوسل بالذات، وهو اعتقاد باطل.

رابعاً: عرفنا فيما تقدّم أنّ الأخبار فسّرت توسّل عمر بأنّه توسل بالذات، وصرّحت بأنّ عمر دعا الله متوسّلاً بالعبّاس, فمع انسجام الأخبار مع ظاهر الخبر, يتعيّن المراد, ولا يبقى مبرراً للتقدير والتأويل.

النحو الثاني: عدول الخليفة عمر عن التوسل بذات النبي’

قالوا بأنّ التوسّل بالذات لو كان جائزاً لما كان هناك مبرر للعدول عن التوسل بالنبي’ إلى التوسّل بالعبّاس, مع أنّهم كانوا في ضيق شديد, فدلّ عدولهم على أنّ توسلهم كان بدعاء النبيّ’ فلمّا توفي النبي’ ولم يمكن التوسّل بدعائه لجأوا إلى العبّاس فتوسّلوا بدعائه([1110]).

الجواب

يمكن الإجابة على ذلك من خلال عدّة نقاط:

1ـ إنّ عدول عمر لا يعني عدم جواز التوسل بالذات؛ فإنّ كلام السلفيّة على فرض تمامه فهو أخصّ من المدّعى, فغاية ما يدلّ عليه هو أنّ التوسل بالذات منحصر بالحيّ دون الميّت, ولا يدلّ على أنّ التوسّل كان بالدعاء، وحيث توفي النبي’ ولا يمكن التوسّل بدعائه عدل عمر إلى العبّاس وتوسّل بدعائه! فيمكن أن يكون المراد أنّهم كانوا يتوسّلون بذاته الشريفه وهو حي, فحين مات توسّلوا بذات العبّاس.

2ـ بعد ثبوت صحّة خبر التوسّل بالنبي’ ومن ثمّ بالعبّاس وظهوره في التوسّل بالذات, ودلالة بقيّة الأخبار على ذلك, تثبت مشروعيّة التوسّل بالذات, وليس من الضروري أن نعرف السبب الذي من أجله عدل عمر ومن معه من الصحابة إلى التوسّل بالعبّاس, فهم أعرف بأمور دينهم, ويكفي في المقام أنْ نحتمل احتمالات عقلائية ترشدنا إلى سبب العدول؛ لأنّه يكفي في توجيه عمل الغير أن يكون له احتمال مقبول, فإذا وجد الاحتمال وجب علينا حمل الفعل على ظاهره, ولا يجوز لنا تأويله وصرفه عن حقيقته, وفيما نحن فيه فإنّ الاحتمال العقلائي المصحّح لعدول عمر موجود, وهو أنّ العبّاس بن عبد المطلب ـ مضافاً لكونه عمّ النبي’ ـ كان يحظى بمنزلة عظيمة عند الرسول الأكرم’، فالتوسّل به هو نوع إكرام وتعظيم للنبي’, وكأنّ التوسّل به هو توسّل بالنبي’, فصار التوسل بالعبّاس توسّلين, فهو توسل بالنبي’ لأنّه السبب في اختيار العبّاس, وهو توسّل بالعبّاس لحضوره بنفسه بينهم.

وممّا يؤيد هذا الاحتمال هو أفضلية عمر على العبّاس باتّفاق أهل السنّة, فلو كانت المسألة تتعلّق بالدعاء, وأنّ النبي’ ميّت ولا يمكنه الدعاء, لكان الصحابة توسّلوا بدعاء عمر نفسه ورفضوا التوسّل بدعاءالعبّاس؛ لأنّهم في حال ضيق شديد ويبحثون عمّن يستجيب الله به دعاءهم, ولا شكّ في أنّ اختيار الأفضل ـ وهو الخليفة عمر كما هو رأي أهل السنةـ هو المناسب, وحيث لم نجد معترضاً على التوسّل بالعبّاس, ولم نجد مطالباً بالتوسّل بعمر دون العبّاس, دلّ ذلك على أنّهم أرادوا التوسّل بالنبي’ من خلال عمّه؛ ليكون مدعاة للإجابة أكثر, خصوصاً وهم في ضنك شديد.

 وهذا الاحتمال مضافاً لإمكانه في حدّ ذاته, فقد أشارت له بعض الأخبار, فعن زيد بن أسلم عن ابن عمر أنّه قال: >استسقى عمر بن الخطاب عام الرمادة بالعباس ابن عبد المطلب فقال: اللهمّ هذا عم نبيك العباس نتوجه إليك به فاسقنا، فما برحوا حتى سقاهم الله. قال: فخطب عمر الناس فقال: أيها الناس، إنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) كان يرى للعباس ما يرى الولد لوالده, يعظمه ويفخمه ويبر قسمه, فاقتدوا أيها الناس برسول الله (صلّى الله عليه وآله) في عمّه العبّاس, واتّخذوه وسيلة إلى الله عزّ وجلّ فيما نزل بكم<([1111]).

قال الطبري في ذخائر العقبى: >حديث حسن صحيح تفرّد به الزبير بن بكار<([1112]).

ولا يضرّ ما ادّعاه بعض من ضعّف الخبر, فالاحتمال متحقّق به على كلّ حال.

 ومن الغرائب أيضاً أنّ الألباني يقول: >لو صحّت هذه الرواية, فهي إنّما تدلّ على السبب الذي من أجله توسّل عمر بالعبّاس دون غيره من الصحابة الحاضرين حينذاك, وأمّا أن تدلّ على جواز الرغبة عن التوسّل بذاته ـ لو كان جائزاً عندهم ـ إلى التوسّل بالعبّاس أي بذاته فكلا, ثمّ كلا...<([1113]).

 ويكفي في الرد على الألباني ملاحظة الخبر, فإنّ عمر يقول: اللهمّ هذا عمّ نبيك العبّاس نتوجه إليك به فاسقنا، ويقول: فاقتدوا أيّها الناس برسول الله’ في عمّه العبّاس واتّخذوه وسيلة إلى الله عز وجلّ فيما نزل بكم, فهو صريح بالتوسل بالذات.

إنّ ما ذكره الألباني ـ من أن التوسل بذات النبيّ لو كان جائزاً لما كان هناك مبرر للعدول عن التوسل به إلى التوسل بذات العباس, مع كونهم في ضيق شديد ـ خلاف سيرة المتشرّعة من المتقدّمين والمتأخرين القائمة على عدم التمسّك بالفرد الأكمل في الكثير من الحالات, فها هي السيرة قائمة على طلب الدعاء من المؤمنين والصالحين باختلاف مراتب فضلهم, ولم يتقيّد أحد بضرورة الذهاب إلى أفضل الصالحين وطلب الدعاء منه, ولعلّ الألباني نفسه طلب الدعاء كثيراً من تلامذته أو غيرهم مع وجود الأفضل منهم, ومن الصعوبة بمكان, أن نرى من تقيّد بطلب الدعاء من الأفضل دائماً!

فهل في زمن النبي’ وهو أفضل الخلق بلا استثناء يحرم طلب الدعاء من المؤمنين بنظر الألباني؟

أضف إلى ذلك؛ أنّ التوسّل بأسماء الله وصفاته وكذا التوسل بالعمل الصالح الذي قام به الشخص جائز عنده, فهل لا يجوز لمن كان في زمن النبي’ أن يتوسّل بأسماء الله وصفاته أو يتوسّل بأعماله الصالحة, ويلزمه الذهاب إلى النبي’ ويطلب الدعاء منه؟!

فهل يفتي الألباني بحرمة التوسل بالأعمال الصالحة وبأسماء الله وصفاته عند إمكان الوصول إلى النبي’ !!!

فهذه إشارات واضحة توقفك على عدم صحّة ما ذهب إليه.

4ـ إنّ الحكم الذي ذكره السلفيّة من حرمة التوسّل بالذات مبتن على حكم مسبق, وهو أنّ النبيّ بعد وفاته غير قادر على الدعاء؛ لذلك عدل عمر عن التوسّل به, وقد تبيّن بطلان ذلك, وعرفنا أنّ النبيّ يُصلّي ويدعو ويردّ السلام, وهو في قبره, والأدلّة تقدّمت مفصلّة, فلا مانع أن يدعو لمن يطلب منه ذلك, فانتفت بذلك علّة العدول التي ذكروها, ووجب التمسّك بظاهر الحديث, وهو التوسّل بذات العبّاس لا بدعائه.

الدليل السادس: أبيات شعر لأبي طالب

أخرج البخاري بسنده إلى عبد الله بن دينار عن أبيه قال: >سمعت ابن عمر يتمثّل بشعر أبي طالب:

وأبيض يستسقى الغمام بوجهه

 

ثمال اليتامى عصمة للأرامل<([1114])

 

وهذا الخبر صريح في التوسل بذات النبي’ , إلا إذا رام الألباني أن يحمل كلمة >بوجهه< على الدعاء, وهو أمر مستحيل, فالمراد من الوجه إمّا الذات المقدّسة له’ أو الوجه الحقيقي له، ولا يمكن حمله على الدعاء بأي طريقة كانت, لذا فالتوسّل هنا كان توسلا بالذات وليس بالدعاء.

الدليل السابع: حديث: اللهمّ بحقّ السائلين عليك

أخرج أحمد وابن ماجة ـ واللفظ له ـ وغيرهم بطرقهم إلى فضيل بن مرزوق، عن عطيّة، عن أبي سعيد الخدري، قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم): >من خرج من بيته إلى الصلاة فقال: اللهم إنّي أسألك بحقّ السائلين عليك، وأسألك بحقّ ممشاي هذا، فإنّي لم أخرج أشراً ولا بطراً ولا رياءً ولا سمعةً، وخرجت اتّقاء سخطك وابتغاء مرضاتك، فأسألك أن تعيذني من النار وأن تغفر لي ذنوبي، إنّه لا يغفر الذنوب إلا أنت. أقبل الله عليه بوجهه، واستغفر له سبعون ألف ملك<([1115]).

والكلام تارة يقع عن إسناد الحديث وأخرى عن دلالته:

أمّا الإسناد: فهو لا ينزل عن مرتبة الحسن على التحقيق, وقد صرّح جملة من علماء الفن بذلك منهم الحافظ الدمياطي في (المتجر الرابح في ثواب العمل الصالح)([1116])، والحافظ أبو الحسن المقدسي شيخ الحافظ المنذري كما في (الترغيب والترهيب)([1117])، والحافظ العراقي في (المغني عن حمل الأسفار)([1118])، والحافظ ابن حجر العسقلاني في (نتائج الأفكار)([1119]).

وقال الشيخ حمزة أحمد الزين: إسناده حسن, لأجل العوفي([1120]).

وعمدة الإشكال السندي عند السلفيّة هو في عطيّة العوفي, إلا أنّ التحقيق يقتضي أنّ حديثه مقبول وأقلّه أن يكون حسناً:

قال ابن سعد في الطبقات: «وكان ثقة، إن شاء الله، وله أحاديث صالحة»([1121]).

وقال عبّاس الدوري: >عن يحيى بن معين: صالح»([1122]).

وقال الترمذي في تعليقه على بعض الأحاديث التي فيها عطية العوفي: «حديث حسن غريب, لا نعرفه إلا من هذا الوجه»([1123])، وحسّن له في مواضع متفرقة من كتابه([1124]).

وقال العجلي: «عطية العوفي: كوفي تابعي ثقة وليس بالقوي»([1125]).

وقال الملا عليّ القاري: «وهو من أجلاّء التابعين»([1126]).

وعرفنا قبل قليل أنّ الحافظ الدمياطي والحافظ المقدسي والحافظ العراقي قد حسّنوا حديث عطيّة العوفي.

فتحصّل أنّ جملة كبيرة من أئمّة الفن يقبلون حديث عطيّة, وهذا يدلّ في أقلّ الحالات على صدق الرجل في ذاته, وأنّه حديثه من عداد الحسان؛ ولذا فإنّ الحافظ العسقلاني حسّن له في نتائج الإفكاركما تقدّم, وقد بحثنا سند الرواية في نقدنا لكتاب القفاري بصورة أوسع، فليراجع.

وأمّا الدلالة: فالمفهوم عرفاً والظاهر من الخبر هو التوسّل بالذات, والحقّ المذكور في الرواية متحصّل من الطاعة والإيمان والإخلاص والأخلاق, فالتوسّل ناظر لذوات هؤلاء بما لديهم من إيمان وطاعة.

وما ذهب له السلفيون من أنّ المراد هنا هو التوسل بصفات الله باعتباره مجيب الدعاء, وحقّ هؤلاء عليه هو إجابة الدعوى, التفاف على النص وتأويل غير محتمل؛ لأنّ النبي’ لو كان يريد التوسّل بإسماء الله وصفاته فما الداعي لهذا الإسلوب المعقد بذكر السائلين والتوسّل بحقهم وأنّ حقهم هو إجابة الدعاء؟

 فالنبيّ’ كان بإمكانه القول: اللهمّ يا مجيب الدعاء يا مثيب المطيع... فلماذا قال: بحقّ السائلين, فلا بدّ أنْ تكون إشارة إلى أنّ التوسّل بهم إنّما كان لخصوصية لهم ومنزلة عند الله.

 والعجب من السلفيّة المعاصرة أنّهم لا يعتقدون بالتأويل ويتمسّكون بالظاهر بكلّ قوّة، ولهذا أثبتوا لله يداً ورجلاً ووجهاً, بل أثبتوا أنّه يدخل رجله في جهنّم !!... لكنّهم في مسألة التوسّل يلوون أعناق الروايات ويـتأولونها تأويلات عجيبة، يأباها العرف والفهم السليم.

وعلى أيّة حال, فقد أشار محمّد صديق القنوجي في كتابه (قطف الثمر في بيان عقيدة أهل الأثر) إلى أنّ المراد بالرواية هو التوسّل بالذات, حيث قال: >وفي التوسل خلاف, والحق أنّ ما صحّ عن النبي وجب اتباعه والعمل به، كحديث الأعمى الذي في السنن، وهو حديث حسن لا موضوع، وفيه: يا محمّد إني أتوجه بك إلى ربي, وحديث رواه أحمد والحاكم وفيه: بحقّ السائلين عليك, وأمثال ذلك<([1127]).

النوع السابع: التوسّل بالطلب من الأنبياء ـ غير النبي محمّدـ والأئمّة والصالحين بعد وفاتهم

وهذا النوع شبيه بما تقدم في النوع الخامس، وهو الطلب من النبيّ محمّد’ بعد وفاته، وهو يتوقف على قدرة الميت على الدعاء والاستغفار، وقد تقدّم في النوع الخامس أنّ الأنبياء أحياء وأنّهم يُصلّون, وأنّ الأرض لا تأكل أجسادهم, بل إنّ النبي’ اجتمع بهم ليلة الإسراء, وكذلك مرّ معنا أنّ الشهداء أحياء عند ربّهم يُرزقون, ويفرحون بما آتاهم الله من فضله.

ونفس الكلام يجري في الأولياء والصالحين, بل إنّ الحياة شاملة لمطلق الموتى, فكما ذكر ابن القيّم سابقاً: أنّ الوفاة هي انتقال من دار إلى دار. وقد دلّت الأخبار على حياة جميع الناس في عالم البرزخ.

قال ابن كثير: >وقد ورد: أنّ أعمال الأحياء تعرض على الأموات من الأقرباء والعشائر في البرزخ، كما قال أبو داود الطيالسي: حدّثنا الصلت بن دينار, عن الحسن, عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم): إن أعمالكم تعرض على أقربائكم وعشائركم في قبورهم, فإن كان خيراً استبشروا به, وإن كان غير ذلك قالوا: اللهمّ ألهمهم أن يعملوا بطاعتك. وقال الإمام أحمد: أنبأنا عبد الرزاق عن سفيان عمّن سمع أنساً يقول: قال النبيّ (صلّى الله عليه وسلّم): إنّ أعمالكم تُعرض على أقاربكم وعشائركم من الأموات فإن كان خيراً استبشروا به وإن كان غير ذلك قالوا: اللهمّ لا تمتهم حتّى تهديهم كما هديتنا<([1128]).

وأخرج الحاكم وصحّحه عن النعمان بن بشير, قال: >سمعت رسول الله (صلّى الله عليه وآله) يقول: ألا أنّه لم يبق من الدنيا إلاّ مثل الذباب تمور في جوّها، فالله في إخوانكم من أهل القبور فانّ أعمالكم تعرض عليهم<([1129]).

فنلاحظ هنا أنّ الأعمال تعرض عليهم, وهم يستبشرون بالأعمال الصالحة, ويدعون للأحياء إن كانت أعمالهم غير صالحة.

ولهذا فإنّ الصحابي أبا الدرداء كان يقول عند سجوده: >اللهمّ إنّي أعوذ بك أنْ يمقتني خالي عبد الله بن رواحة إذا لقيته<([1130]).

كما أخرج مسلم في صحيحه, عن أنس بن مالك قال: >قال رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم): إنّ الميت إذا وضع في قبره, أنّه ليسمع خفق نعالهم إذا انصرفوا<([1131]).

فالأخبار والروايات في ذلك عديدة وهي تثبت الحياة للموتى ووجود ارتباط لهم في عالم الحياة الدنيا بسماعهم لأصواتهم ودعائهم لهم واستبشارهم أو حزنهم على أعمالهم, ومنه يظهر أنّ الطلب من الولي والصالح في قضاء حاجة معيّنة, بمعنى دعاء ذاك الميّت الله سبحانه في قضائها أمر لا شائبة فيه, خصوصاً أنّ جواز طلب الدعاء من الحي أمر متسالم عليه بين المسلمين.


المحور الثاني: بيان سيرة العلماء والناس على جواز التوسّل

مرّ فيما مضى من البحث أنّ الصحابة كانوا يرون جواز التوسّل, وعرفنا أنّ الخليفة عمر يرى صحّة الطلب من النبي’ بعد وفاته، كما في رواية مالك الدار, كما أنّه توسل بالعباس عم النبي’، وطلبت السيّدة عائشة من أهل المدينة التوسّل بقبر النبي’ لأجل الاستسقاء.

 وكان أبو أيّوب الأنصاري يأتي قبر النبي’ ويقول: جئت رسول الله ولم آت الحجر, وقد علّم النبي صحابياً ضرير البصر دعاءً فيه توسل بذاته الشريفة, وقد فهم الصحابي عثمان بن حنيف شمول ذلك لحال الحياة وما بعد الممات فعلّمه لصاحب حاجة كان يأتي لعثمان بن عفان.. وكلّ ذلك كان بمرأى من الصحابة والتابعين, ولم يكن هناك من مستشكل أو محرِّم لذلك.

 وقد استمرت هذه السيرة بين العلماء وسائر أفراد المجتمع من دون نكير, حتّى جاء زمن ابن تيميّة فشذّ عن عموم المسلمين، وفرّق الكلمة، باعتباره أنّ أكثر أنواع التوسل من الأمور البدعيّة أو الشركيّة.

 ونحاول هنا أن نذكر نماذج من أقوال وأفعال جملة من علماء أهل السنّة فيما يتعلق بجواز التوسّل الذي حرّمه السلفية الوهابيّة:

1ـ محمّد بن المنكدر (ت130هـ): قال الذهبي: وقال مصعب بن عبد الله: حدّثني إسماعيل بن يعقوب التيمي، قال: >كان ابن المنكدر يجلس مع أصحابه، فكان يصيبه صمات، فكان يقوم كما هو حتّى يضع خده على قبر النبيّ (صلّى الله عليه وسلّم) ثمّ يرجع، فعوتب في ذلك، فقال: إنّه يصيبني خطر، فإذ وجدت ذلك، استعنت بقبر النبي (صلّى الله عليه وسلّم). وكان يأتي موضعاً من المسجد يتمرغ فيه ويضطجع، فقيل له في ذلك، فقال: إنّي رأيت النبيّ (صلّى الله عليه وسلّم) في هذا الموضع<([1132]).

ومحمّد بن المنكدر من التابعين فهل يعدّون استعانته بقبر النبي’ شركاً !؟

2ـ أحمد بن حنبل (ت241هـ): فقد جاء في منسك المروزي أنّه قال: >وحوّل وجهك إلى القبلة وسل الله حاجتك مُتوسّلاً إليه بنبيّه (صلّى الله عليه وسلّم) تقض من الله عزّ وجلّ<([1133]).

3ـ الحسن بن إبراهيم، أبو علي الخلال من مشايخ الحنابلة (من علماء القرن الثالث الهجري): قال: «ما همّني أمرٌ، فقصدت قبر موسى بن جعفر فتوسّلت به، إلاّ سهّلَ الله تعالى لي ما أُحِبُّ»([1134]).

4ـ إبراهيم الحربي (ت 285): أخرج الخطيب بسنده عن أبي علي الصفار قال: >سمعت إبراهيم الحربي يقول: قبر معروف الترياق المجرب<([1135]).

وقال الذهبي: >وعن إبراهيم الحربي قال: قبر معروف الترياق المجرب. يريد الدعاء عنده؛ لأنّ البقاع المباركة يستجاب فيها الدعاء<([1136]).

وهنا نلاحظ أنّ الذهبي اعتبر قبر معروف من البقاع المباركة التي يستجاب الدعاء فيها, بينما يرى ابن تيمية أنّ ذلك من الأمور المبتدعة!

5ـ الحسين بن إسماعيل, أبو عبد الله ابن المحاملي (ت 330هـ): جاء في تاريخ بغداد: حدثنا أبو عبد الله محمد بن علي بن عبد الله الصوري قال سمعت أبا الحسين محمد بن أحمد بن جميع يقول سمعت أبا عبد الله بن المحاملي يقول: >أعرف قبر معروف الكرخي منذ سبعين سنة, ما قصده مهموم إلاّ فرّج الله همّه<([1137]).

والسند جيد رجاله كلّهم من المحدثين الثقات.

والمحاملي قال عنه الذهبي: >الإمام العلامة المحدّث الثقة مسند الوقت<([1138]). فهل العلامة المحاملي كان مُشركاً أو مبتدعاً بنظر السلفيّة؟!

6ـ عبد الرحمن بن محمّد الزهري (ت 336هـ ): جاء في تاريخ بغداد: أخبرني أبو إسحاق إبراهيم بن عمر البرمكي قال: نبأنا أبو الفضل عبيد الله بن عبد الرحمن بن محمّد الزهري قال سمعت أبي يقول: >قبر معروف الكرخي مجرب لقضاء الحوائج، ويقال: إنّه من قرأ عنده مائة مرة قل هو لله أحد وسأل الله تعالى ما يريد قضى الله له حاجته<([1139]).

والخبر جيّد الإسناد رجاله ثقات.

7ـ محمّد بن حِبّان صاحب الصحيح (ت 354هـ): قال في كتابه (الثقات) عند ترجمة الإمام علي بن موسى الرضا×: >وهو علي بن موسى بن جعفر بن محمّد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، أبو الحسن، من سادات أهل البيت وعقلائهم, وجلّة الهاشميين ونبلائهم... ومات علي بن موسى الرضا بطوس من شربة سقاه إياها المأمون فمات من ساعته... وقبره بسناباذ خارج النوقان مشهور يُزار بجنب قبر الرشيد، قد زرته مراراً كثيرة، وما حلّت بي شدّة في وقت مقامي بطوس فزرتُ قبر علي بن موسى الرضا (صلوات الله على جدّه وعليه) ودعوت الله إزالتها عنّي إلا استجيب لي, وزالت عنّي تلك الشدة, وهذا شيء جربته مراراً, فوجدته كذلك، أماتنا الله على محبّة المصطفى وأهل بيته (صلّى الله عليه وعليهم أجمعين)<([1140]).

وعلى هذا فإنّ ابن حبّان يدخل في مجموعة المبتدعة عند ابن تيمية أيضاً!

8ـ الحافظ ابن المقرئ (ت 381هـ)، والحافظ الطبراني (ت 360هـ)، وأبو الشيخ الأنصاري (ت 369هـ): قال الذهبي: >وعن أبي بكر بن أبي عليّ قال: كان ابن المقرئ يقول: كنت أنا والطبراني وأبو الشيخ في مدينة الرسول (عليه السلام)، فضاق بنا الوقت، فواصلنا ذلك اليوم، فلمّا كان وقت العشاء حضرت القبر، وقلت: يا رسول الله الجوع. فقال لي الطبراني: اجلس, فإمّا أن يكون الرزق أو الموت، فقمت أنا وأبو الشيخ، فحضر الباب علوي، ففتحنا له، وإذا معه غلامان بزنبيلين فيهما شيء كثير، وقال: يا قوم شكوتموني إلى النبي، فإنّي رأيته، فأمرني بحمل شيء إليكم<([1141]).

ومن الواضح أنّ هذا النوع من التوسل هو الذي يصرّ الوهابية على أنّه من الشرك.

كما أنّه من الملاحظ أيضاً أنّ الذهبي ذكر هذه القصّة في ثلاثة من كتبه ولم يعلّق عليها بأيّ كلام, ولو كانت شركاً لما سكت الذهبي عنها.

9ـ جماهير الناس تتوسّل بالحافظ أبي محمّد عبد الله بن محمّد بن عليّ بن عبد الله ابن عبيد الله الحجري (ت: 591 هـ), قال الذهبي: >قال أبو الربيع بن سالم الحافظ: كان وقت وفاة أبى محمد بن عبيد الله قحط مُضِّّر, فلمّا وُضع على شفير القبر توسّلوا به إلى الله في إغاثتهم, فَسُقوا في تلك الليلة مطراً وابلاً، وما اختلف الناس إلى قبره مدّة الأسبوع الاّ في الوحل والطين<([1142]).

ولم نلحظ من الذهبي أي استنكار أو تعليق على ذلك.

10ـ ابن الأثير الجزري (ت 630 هـ): حيث توسّل بالنبي وآله بقوله: >وهذه سُنّة الدنيا فأفٍّ لها ثمّ أفِّ نسأل الله أن يختم أعمالنا بالحسنى ويجعل خير أيامنا يوم نلقاه بمحمّد وآله<([1143]).

وقال: >فنسأل الله أن يحسن لنا العون والعقبى بمحمّد وآله<([1144]).

11ـ ابن حجر العسقلاني(ت 852هـ): حيث قال: >إنّ الناس يوم القيامة يستصحبون حالهم في الدنيا من التوسل إلى الله في حوائجهم بأنبيائهم<([1145]). فهو يقرّ بمشروعيّة توسّل الناس بالدنيا بأنبيائهم.

12ـ ابن حجر الهيتمي (ت 974هـ): قال في الخيرات الحسان في مناقب أبي حنيفة النعمان: >إعلم أنّه لم يزل العلماء وذوو الحاجات يزورون قبره ويتوسلون عنده في قضاء حوائجهم ويرون نجح ذلك...<([1146]).

وقال في الجوهر المنظم: >من خرافات ابن تيمية التي لم يقلها عالم قبله, وصار بها بين أهل الإسلام مثلة, أنّه أنكر الاستغاثة والتوسّل به (صلّى الله عليه وسلّم)، وليس ذلك كما أفتى به، بل التوسّل به حسن في كلّ حال قبل خلقه وبعد خلقه في الدنيا والآخرة<([1147]).

وغير ذلك من الكلمات الكثيرة والتي تقدّم بعضها أثناء البحث، كتصريح النووي والشوكاني والعبدري وابن قدامة والسندي وغيرهم كثر, وذلك يدلّ على أنّ التوسل مسألة مشروعة سار عليها العلماء قديماً وحديثاً ولم يكن هناك منكر غير ابن تيمية ومن تبعه.


 

المحور الثالث: بيان أهمّ الشبهات المثارة حول التوسّل والإجابة عنها

من خلال البحث اتضح أنّ التوسل فعل مشروع لا شائبة فيه, وعليه عمل المسلمين من الصدر الأول للإسلام ولهذا اليوم, لكن إتماماً منّا للفائدة ارتأينا أنْ نورد بعض ما يثيره الوهابية من شبهات في القنوات أو مواقعهم الالكترونية أو في بعض كتبهم حول التوسّل ثم نجيب عليها:

أولاً: شبهة أن باب الله مفتوح للجميع فلا حاجة للواسطة

أوّلاً: قولهم: إنّ باب الله مفتوح للجميع فلا داعي لتوسيط واسطة بينك وبينه, بل ينبغي الدعاء مباشرة مع الله تعالى بلا حاجة الى التوسل, ويستدلون بقوله: {إِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ}([1148]).

الجواب

 في الحقيقة أنّ هذا من غرائب الاستدلال, فلا شبهة في كون الله قريب من الجميع, وأنّ بابه مفتوح للجميع, لكن الكلام في بُعد الناس عن الله تعالى؛ لذنوبهم ومعاصيهم وعدم بلوغهم درجات التقوى, فلا ينكر أحد أنّ الله قريب حتّى من الشيطان، فالله هو الخالق والمالك والمتسلّط على كلّ شيء, لكنّ الشيطان بعيد من الله, فالله تعالى قريب من جميع مخلوقاته, والإنسان يقترب من الله بقدر عمله, وهذا لا ينافي أن تجعل واسطة صالحة بينك وبينه لأجل قضاء حاجتك, باعتبار المقام الرفيع الذي يمتلكه الواسطة عند الله تعالى, خصوصاً أنّ السلفيين يجوزون طلب الدعاء من الأحياء, مع أنّ الله قريب من الجميع, ويجوزون التوسل بالعمل الصالح مع أنّ الله قريب وهكذا!

فعند التوسّل إلى الله تعالى بالميت يكون الله قريب ولا يجوز توسيط شخص في الدعاء وقضاء الحاجة, أمّا عند التوسّل بدعاء الحي أو بالعمل الصالح, يكون الله بعيداً ويجوز التوسل بالغير، فأي تهافت هذا ؟!

ولا شك أن الفهم الخاطئ لهذه الآية هو ما أوقعهم في هذا التهافت, فالآية بصدد الحث على الدعاء ومناجاة الله, لا نفي جواز سائر الأنواع من التوسّل, ومعروف في علم الأصول أنّ إثبات شيء لا ينفي ما عداه, بمعنى أنّ الآية أثبتت الحث على دعاء الله سبحانه وتعالى, لكنّها بدلالتها لم تنف التوسل إلى الله بالأنبياء والأئمّة والصالحين.

فإذا دلّ الدليل على جواز نوع من التوسل يكون عندئذٍ مشروعاً وطريقاً موصلاً ومقرّباً إلى الله سبحانه وتعالى, والأدلّة قد تقدّمت مفصّلة على جواز التوسّل بالأحياء والأموات من الأنبياء والأولياء.

ثانيا: شبهة أنه لماذا التوسل والله يصرح: ادعوني استجب لكم

ثانياً: قولهم إنّ الله تعالى يقول: {ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ}([1149])، ولم تذكر الآية وجود واسطة بين العبد وربه، فلماذا نتوسل والآية أطلقت الأمر بالدعاء من الله تعالى بدون واسطة؟


الجواب

 هذا فهم سقيم آخر يتنافى مع جواز التوسل بدعاء الحي, فالآية أطلقت الأمر بدعاء الله تعالى، كما يقولون، ولم تقل: اطلب من الحي أن يدعو الله لك, فلماذا يتم التفريق بين الحيّ والميت بالاعتماد على هذه الآية؟

 فعند التوسّل بالميت يرون أنّ الآية تنافي التوسّل؛ لأنها تحث العبد على دعاء الله بلا واسطة, مع أنّهم يجيزون التوسل بدعاء الحي وهو أيضاً طلب بواسطة, وهذا التناقض شبيه بسابقه يدلل على عدم فهمهم للآية الكريمة, فهي بصدد الحثّ على الدعاء من قبل المؤمن, ووعد من الله بالإجابة, ومعلوم أنّ الاجابة لها شروطها الخاصة بها وليس كلّ من دعا الله فقد استجيب له, فالآية لم تنف التوسل, بل أثبتت استجابة الدعاء لمن يدعو الله سبحانه وتعالى, ولو كانت نافية للتوسّل لما كان هناك وجه للتفريق بين الحي والميت, بل لم يكن هناك وجه للتفريق بين كلّ أنواع التوسل, فقد مرّ جواز التوسل بأسماء الله وصفاته, وجواز التوسل بالعمل الصالح, وهذان النوعان يقرّ السلفية الوهابية بمشروعيتهما.

 ومنه يتّضح أنّ الآية ليست في مقام حصر كيفيّة الدعاء, بل هي في مقام الحث على الدعاء من الله سبحانه وتعالى, وإلا لزم إبطال جميع الأنواع من دون تخصيص التوسل بالذوات.

على أنّ هناك مسألة أغفلها الوهابيون تتعلق بالآيتين معاً, وهي أنّ التوسل بالذوات هو نوع من أنواع الدعاء, فقول الداعي: اللهمّ إنّي أسالك بمحمّد وآل محمّد هو دعاء مشمول بالآيتين السابقتين.

ثالثا: شبهة أن هناك آيات قرآنية كثيرة تتنافي مع مبدأ التوسل

آية: إنّ الذين تدعون من دون الله

قالوا بأنّ الله لم يجعل بينه وبين خلقه في عبادته ودعائه وليّاً صالحاً ولا ملكاً مُقرّباً ولا نبيّاً مُرسلاً, بل الجميع عباد الله, قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُوا لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ}([1150]). فالتوسل هو دعاء غير الله تعالى, ودعاء غير الله شرك.

الجواب

1ـ الآية تخاطب الذين يدعون من دون الله, أي الذين يعبدون الأصنام والأوثان, ويتخيّلون أنّ لأصنامهم القدرة على إجابتهم, بينما المسلمون يدعون الله متوسّلين إليه بمنزلة الأنبياء أو الصلحاء أو بطلب الدعاء منهم إلى الله, فالآية أجنبيّة عمّا نحن فيه، وتتكلّم عمّن يدعو ويعبد غير الله من الأوثان والأصنام.

 يقول الطبري في تفسير هذه الآية: >يقول جلّ ثناؤه لهؤلاء المشركين من عبدة الأوثان، موبخهم على عبادتهم ما لا يضرّهم ولا ينفعهم من الأصنام: إنّ الذين تدعون, أيّها المشركون, آلهة من دون الله، وتعبدونها شركاً منكم وكفراً بالله، عباد أمثالكم, يقول: هم أملاك لربكم، كما أنتم له مماليك، فإن كنتم صادقين أنّها تضر وتنفع وأنّها تستوجب منكم العبادة لنفعها إيّاكم، فليستجيبوا لدعائكم إذا دعوتموهم، فإنْ لم يستجيبوا لكم، لأنّها لا تسمع دعاءكم، فأيقنوا بأنّها لا تنفع ولا تضر؛ لأنّ الضر والنفع إنّما يكونان ممّن إذا سئل سمع مسألة سائله وأعطى وأفضل، ومن إذا شكي إليه من شيء سمع فضر من استحقّ العقوبة ونفع من لا يستوجب الضر<([1151]).

ويقول الجصّاص في تفسير الآية: >عنى بالدعاء الأوّل تسميتهم الأصنام آلهة، والدعاء الثاني طلب المنافع وكشف المضار من جهتهم، وذلك مأيوس منهم. وقوله: {عباد أمثالكم} قيل: إنّما سمّاها عباداً؛ لأنّها مملوكة لله تعالى، وقيل: لأنّهم توهّموا أنّها تضرّ وتنفع، فأخبر أنّه ليس يخرج بذلك عن حكم العباد المخلوقين, وقال الحسن: إن الذين يدعون هذه الأوثان مخلوقة أمثالكم<([1152]).

فتحصّل أنّ الآية تتحدّث عن المشركين الذين يجعلون أصنامهم آلهة ويتخيلون أنّها تضرّ وتنفع, فيوبخهم الله تعالى على فعلهم ويقول لهم: ادعوهم. أي اطلبوا منهم؛ لترون هل لهم القدرة على إجابتكم وقضاء حوائجكم من جلب نعمة أو دفع ضر, وسوف تتيقنون بأنّ الضرّ والنفع إنّما هو بيد الله تعالى.

2ـ قولكم: إنّ الله لم يجعل في عبادته ودعائه وسيطاً من عباده من وليّ صالح ولا ملك... هو محلّ الكلام, فالكلّ مُتّفِقٌ على أنّ العبادة والدعاء لله سبحانه وتعالى, لكنّ الله إذا جعل وسائل وطرق للوصول إليه، كان على المسلم التمسّك بها واتّخاذها طريقاً, والمفترض أنّ المسلمين يرون مشروعيّة التوسّل بالأنبياء والصالحين, بما ثبت لديهم أدلة تشرّع ذلك, فصاروا يتوسّلون بهم, فعاد الكلام إلى الدليل على مشروعيّة التوسّل من عدمه, وقد ذكرنا في البحث ـ مفصّلاً ـ أنواع التوسّل والأدلّة عليها, خصوصاً أنّ السلفيّة يجيزون اتخاذ بعض الوسائل إلى الله كالتوسّل بالعمل الصالح الذي قام به الفرد، والتوسّل بدعاء الحي، والتوسّل بأسماء الله وصفاته, فكما قام الدليل على مشروعيّة هذه الموارد ولا تعدونها منافية للعبادة, فكذلك قام الدليل عند سائر المسلمين على مشروعيّة أنواع التوسّل الأخرى.

رابعاَ: آيات أخرى تتنافى مع التوسّل

رابعاً: ذكروا عدّة آيات قرآنية أخرى مدعين أنّها تتنافى مع التوسّل من قبيل قوله تعالى حاكياً عن المشركين: {مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى}([1153])وغيرها.

بزعم أن التوسّل بهدف التقرب لله تعالى، شبيه الحال بمن يعبد الأصنام راجياً أن تقربه لله تعالى، والأخير مجمع على حرمته.

الجواب: عرفنا قبل قليل أنّ أمثال هذه الآيات ناظرة إلى الذين يعبدون الأوثان والأصنام، فهم يشركون بالله نهاراً جهاراً ويدّعون أنّ عبادتهم للأصنام؛ تقرباً لله تعالى, بينما المتوسّل لا يعبد إلا الله الواحد الأحد، ويتوسل بعباد الله لتقواهم وعظيم إيمانهم؛ لأجل قضاء حاجته واستجابة دعائه من الله تعالى.

وقد جمع الشوكاني مجموعة من هذه الآيات وأجاب عنها, ونحن هنا نكتفي بما قاله, لوضوح المسألة أولاً, وللمنزلة العلمية التي يتحلّى بها الإمام الشوكاني ثانياً, قال (رحمه الله): >وبهذا تعلم أنّ ما يورده المانعون من التوسّل بالأنبياء والصلحاء من نحو قوله تعالى: {مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاّ لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} ونحو قوله تعالى: {فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا} ونحو قوله تعالى: {لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لا يَسْتَجِيبُونَ لَهُمْ بِشَيْءٍ} ليس بوارد, بل هو من الاستدلال على محلّ النزاع بما هو أجنبي عنه.

 فإنّ قولهم: {مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاّ لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} مصرّحٌ بأنّهم عبدوهم لذلك, والمتوسل بالعالم مثلاً لم يعبده، بل علم أنّ له مزيّة عند الله بحمله العلم، فتوسّل به لذلك.

 وكذلك قوله: {فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا} فإنّه نهى عن أن يُدعى مع الله غيره, كأن يقول: يا الله ويا فلان, والمتوسل بالعالم مثلاً لم يدع إلا الله، فإنّما وقع منه التوسل عليه بعمل صالح عمله بعض عباده، كما توسّل الثلاثة الذين انطبقت عليهم الصخرة بصالح أعمالهم([1154]). وكذلك قوله: {وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِهِ} الآية, فإنّ هؤلاء دعوا من لا يستجيب لهم ولم يدعوا ربّهم الذي يستجيب لهم, والمتوسل بالعالم مثلاً لم يدع إلا الله ولم يدع غيره دونه ولا دعا غيره معه...<([1155]).

خامساً: شبهة أن علي بن ابي طالب يرفض مبدأ التوسل

خامساً: قالوا: إنّ الشيعة لم يتّبعوا علي ابن أبي طالب في التوسّل, حيث ورد عنه أنّه قال: >إنّ أفضل ما توسل به المتوسلون إلى الله سبحانه الإيمان به وبرسوله والجهاد في سبيله، فإنّه ذروة الإسلام، وكلمة الإخلاص فإنّها الفطرة، وإقام الصلاة فإنّها الملّة، وإيتاء الزكاة فإنّها فريضة واجبة، وصوم شهر رمضان فإنّه جنّة من العقاب، وحجّ البيت واعتماره فإنّهما ينفيان الفقر ويرحضان الذنب([1156])، وصلة الرحم، فإنّها مثراة في المال، ومنسأة في الأجل، وصدقة السرّ فإنّها تكفّر الخطيئة، وصدقة العلانية فإنّها تدفع ميتة السوء، وصنائع المعروف فإنّها تقي مصارع الهوان، أفيضوا في ذكر الله فإنّه أحسن الذكر، وارغبوا فيما وعد المتقين فإنّ وعده أصدق الوعد، واقتدوا بهدى نبيكم فإنّه أفضل الهدى، واستنوا بسنته فإنّها أهدى السنن<([1157]).

فإنّ ظاهر الكلام أعلاه أن التوسل إنما يكون بالإيمان به وبرسوله والجهاد في سبيله ونحو ذلك، فلا يوجد فيه أي ذكر لطلب التوسّل بذات النبي أو بآل البيت أو من في القبور والأضرحة ونحوها.

الجواب

1ـ إنّ الخبر يصرّح بأنّ التوسّل بالإيمان بالله وبرسوله وبالأعمال الصالحة هو أفضل أنواع التوسّل, وهذا ممّا لا شكّ فيه, فإنّ كل مسلم يحاول جاهداً التقرب إلى الله بإيمانه وعبادته وطاعته.

 إلاّ أنّ الأفضلية لا تعني حصر التوسّل بهذا النوع, بل تعني أنّه أفضل الأنواع, فهي تحمل في داخلها مشروعية أنواع أخرى من التوسّل.

2ـ إنّ الكثير من الأعمال العبادية لها مراتب كمالية متفاوتة, فالبعض يقتصر على الواجب من العبادات، والبعض الآخر يشفعها بالمستحبات وهكذا, ولا شكّ أنّ أفضل الأفراد ماكان على الوجه الأكمل سواء أكان من الواجبات أو المستحبات, لكن تحقق ذلك في الخارج للكثير من الناس، بل حتى للعلماء نادر جدّاً, والتوسّل هو بحد ذاته عبادة لا يختلف في هدفه عن بقية العبادات. نعم, ثمة نوع منه يعتبر من أعلى المراتب، كما في كلام الإمام علي×، وهناك قسم آخر من مراتبه الدنيا، فوجود ذلك النوع لا يلغي وجود الأنواع الأخرى.

3ـ ويقال أيضاً: إنّ مَن يجّوز التوسّل بدعاء الغير من الأحياء ـ كما هو رأي السلفية ـ وكذلك يجوز التوسّل بأسماء الله وصفاته، وكذلك بالعمل الصالح الذي قام به الإنسان المؤمن, فهو غير مقتصر في توسله على الإيمان بالله والقيام بالأعمال الصالحة, مع أنها خير وسيلة للتقرب إلى الله تعالى، فحرّي بمن يرى مشروعية تلك الأنواع من التوسّل, ولا يراها تتنافى مع أفضل أنواعه, أن لا يعترض على التوسل بالأنبياء والأئمّة والصالحين.

سادساً: شبهة أن الإغاثة والتوسل فيها نداء لغير الله

سادساً: قالوا: بأنّ الإغاثة والتوسّل فيها نداء غير الله وهو من الشرك.

الجواب

إنّ النداء يختلف عن العبادة, فليس كلّ نداء للغير هو عبادة له وشركاً بالله تعالى, فالعبادة تتضمن الطلب من الغير مع الإقرار بإلوهيته، بخلاف النداء المحض فلا حرمة فيه, وسنورد هنا بعض النصوص التي تتضمن نداءً للغير:

1ـ ما ورد في باب ما يقول الرجل إذا خدرت رجله من نداء: >يا محمّد<، حيث ورد الحديث في عدّة من المصادر, منها ما أخرجه البخاري في الأدب المفرد: حدثنا أبو نعيم قال حدثنا سفيان عن أبي إسحاق عن عبد الرحمن بن سعد قال: >خدرت رجل ابن عمر فقال له رجل: أذكر أحبّ الناس إليك, فقال: يا محمّد<([1158]).

وهذا السند صحيح معتبر, فأبو نعيم هو الفضل بن دكين ثقة ثبت, وسفيان هو الثوري لا كلام فيه, وأبو إسحاق رمي بالاختلاط في آخر عمره, وبعضهم يحتج بحديثه مطلقاً, قال العلائي: >ولم يعتبر أحد من الأئمّة ما ذكر من اختلاط أبي إسحاق، احتجوا به مطلقاً، وذلك يدلّ على أنّه لم يختلط في شيء من حديثه<([1159]).

وقال الذهبي: >وهو ثقة حجة بلا نزاع. وقد كَبِر وتغيَّر حفظه تغيُّر السنِّ، ولم يختلط<([1160]).

أضف إلى ذلك فإنّ سفيان سمع منه قبل اختلاطه، على تقدير ثبوته, وقد ذكر الشيخ الألباني الاتفاق على ذلك([1161]).

وقد يقال: إنّ السبيعي مدلّس وقد عنعن, فلا تصحّ الرواية.

فنقول: يبدو أنّ العلماء على قبول عنعنة السبيعي كالحاكم والذهبي([1162]) وابن حجر([1163]) وغيرهم, بل روى له الشيخان بالعنعنة([1164])، فهذه العلّة غير تامة عند الكثير من علماء الفن.

وأمّا عبد الرحمن بن سعد, فقال ابن حجر: >ذكره ابن حبان في الثقات وقال النسائي: ثقة<([1165]).

وحيث إنّ الحديث صحيح, فقد حاولت الأيادي التلاعب بمتنه فحذفوا كلمة >يا< من بعض طبعات الأدب المفرد, وقالوا إنّ الحديث ورد بلفظ >محمّد< وليس فيه حجّة, وفي مقام الإجابة نقول:

1ـ في بعض طبعات الأدب المفرد, والطبعة التي نستخدمها الآن فيها لفظ >يا محمّد<.

2ـ أخرج الحديث الدارقطني من نفس طريق البخاري وأثبت فيه لفط >يا محمد<([1166]).

3ـ المصادر الأخرى التي ورد بها الحديث اشتملت على لفظ >يا محمد<, منها:

ما أخرجه ابن السنّي عن أبي شعبة، قال: >كنت أمشي مع ابن عمر (رضي الله عنهما) فخدرت رجله, فجلس فقال له رجل: اذكُرْ أحب الناس إليك, فقال: يا محمّداه، فقام فمشى<([1167]).

وما أخرجه أيضاً عن الهيثم بن حنش قال: >كنا عند عبد الله بن عمر (رضي الله عنهما) فخدرت رجله، فقال له رجل: اذكُرْ أحب الناس إليك، فقال: يا محمد, قال: فقام فكأنما نشط من عقال<([1168]).

ومنها ما أخرجه الحربي, عن عبد الرحمن بن سعد: >جئت ابن عمر فخدرت رجله. فقلت: ما لرجلك؟ قال: اجتمع عصبها، قلت: ادع أحب الناس إليك، قال: يا محمّد فبسطها<([1169]).

فتبيّن أنّ الحديث أعلاه فيه نداء، بل استغاثة صريحة لأجل شفاء القدم, أي في أمر لا يقدر عليه إلا الله, ومنه يتبيّن أنّ الاستغاثة ليست من الشرك, بل هي تشفيع المدعو عند الله سبحانه في قضاء الحاجة.

2ـ ما تقدّم سابقاً من قول المصلين في دبر كلّ صلاة: >السلام عليك أيّها النبي ورحمة الله وبركاته<. فإنّ >أي< حرف نداء, وجميع المسلمين ينادون النبي’ في كلّ صلاة, فهل أنّهم يعبدون النبي’ أم يعبدون الله الواحد الأحد؟!

3ـ ما أخرجه الطبراني, عن عتبة بن غزوان عن نبي الله (صلى الله عليه وسلم) قال: >إذا أضل أحدكم شيئاً أو أراد أحدكم عوناً وهو بأرض ليس بها أنيس فليقل: يا عباد الله، أغيثوني، يا عباد الله، أغيثوني؛ فإن لله عباداً لا نراهم<. قال الطبراني بعد الحديث: >وقد جُرّب ذلك<([1170]).

ومن الواضح هنا أنّ الاستغاثة بعباد الله مع عدم وجود أحد منهم, فكيف يفسر السلفية ذلك؟ وهل يعدّون هذا من الشرك؟ وأنّ النبي’ يعلمه لأمّته! وما يقولون في الطبراني الذي يقول: وقد جرب ذلك؟!!

4ـ أخرج أبو يعلى بسنده عن عبد الله بن مسعود، أنّه قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم): >إذا انفلتت دابة أحدكم بأرض فلاة فليناد: يا عباد الله, احبسوا, يا عباد الله, احبسوا, فإنّ لله حاضراً في الأرض سيحبسه<([1171]).

والحديث أورده النووي في أذكاره وقال بعده: >حكى لي بعض شيوخنا الكبار في العلم أنّه أفلتت له دابة أظنها بغلة، وكان يعرف هذا الحديث، فقاله، فحبسها الله عليهم في الحال، وكنت أنا مرة مع جماعة، فانفلتت منها بهيمة وعجزوا عنها، فقلته، فوقفت في الحال بغير سبب سوى هذا الكلام<([1172]).

وهذا الكلام من النووي ومن شيخه تصحيح للحديث, وعمل بالاستغاثة التي وردت به, فهل يُعدُّ الإمام النووي وشيخه الكبير في العلم مشركين!؟

فهذه نداءات تثبت جواز نداء غير الله, سواء كان قريباً منك مكانياً أو بعيداً, وعرفنا أنّها من تعليم النبيّ ’, وقد فعلها الصحابة, وكذا فعلها علماء الأمّة.

إشكال وجواب

قد يقال: بأنّ الاستغاثة من الحي في أمر مقدور أمر جائز, والاستغاثة بما لا يقدر عليه إلا الله هي الشرك.

والجواب على ذلك:

1ـ تقدّم أنّ الاستغاثة التي تصدر من المسلم الموحّد، إذا كانت في أمر غير مقدور، فهي محمولة على طلب الدعاء والشفاعة من ذلك الشخص حيّاً كان أو ميّتاً.

2ـ دلّ أكثر ما تقدّم من الأحاديث على مشروعيّة الاستغاثة في الأمور غير المقدورة, من قبيل نداء ابن عمر، فإنّ فيه استغاثة واضحة بالنبي’ مع أنّ النبي’ لم يكن حاضراً عنده, ولم يكن الأمر بمقدور إلا لله تعالى فهو المشافي والمعافي من الأمراض, فهل يُعدّ ابن عمر مشركاً, أم تؤولون استغاثته بأنّه جعل النبي شفيعاً وداعياً إلى الله في إجابة دعوته, وهكذا رواية عتبة بن غزوان فإنّ فيها استغاثة واضحة وكذا غيرها من الأخبار الأخرى.

والحمد لله رب العالمين

 


 

المصادر

1. القرآن الكريم.

2. ابن أبي الحديد المعتزلي، عزّ الدين، أبو حامد بن هبة الله بن محمد، شرح نهج البلاغة، تحقيق: محمد أبو الفضل إبراهيم، الناشر: دار إحياء الكتب العربية, ط1 ـ 1378هـ.

3. ابن أبي الدنيا, أبو بكر عبد الله بن محمد بن عبيد، المنامات, تحقيق: عبد القادر أحمد عطا, الناشر: مؤسسة الكتب الثقافية, بيروت, ط1 ـ 1413هـ.

4. ابن أبي شيبة الكوفي، أبو بكر عبد الله بن محمد، المصنف في الأحاديث والآثار، تحقيق وتعليق: سعيد اللحام، الناشر: دار الفكر للطباعة ـ بيروت، ط1ـ 1409هـ.

5. ابن أبي عاصم الضحاك، أبو بكر, أحمد بن عمرو الشيباني، كتاب السنّة ومعه ظلال الجنة في تخريج السنة بقلم: محمد ناصر الألباني، الناشر: المكتب الإسلامي ـ بيروت، ط3ـ 1413م.

6. ابن أعثم الكوفي، أبو محمد أحمد بن محمد، كتاب الفتوح، تحقيق: علي شيري، الناشر: دار الأضواء ـ لبنان، ط1ـ 1411هـ.

7. ابن الأثير الجزري، عزّ الدين أبو الحسن علي بن محمد، أسد الغابة في معرفة الصحابة، الناشر: دار الكتاب العربي ـ بيروت.

8. ابن الأثير الجزري، عز الدين أبو الحسن علي بن محمد، الكامل في التاريخ، الناشر: دار صادر ـ بيروت، طبعة عام 1386هـ.

9. ابن الجوزي, عبد الرحمن بن علي, الوفا بأحوال المصطفى, اعتنى به وعلّق عليه: راشد الخليلي, الناشر: المكتبة العصريةـ بيروت, طبعة عام 1426هـ ـ 2005م.

10.                        ابن الجوزي، أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد، ابن الجوزي، العلل المتناهية, تحقيق: خليل الميس, الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت, ط1, 1413هـ.

11.                        ابن الجوزي، أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد، المنتظم في تاريخ الملوك والأمم، الناشر: دار صادر ـ بيروت، ط1 ـ 1358هـ.

12.                        ابن الجوزي، أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد، الموضوعات، تحقيق: عبد الرحمن محمّد عثمان, الناشر: المكتبة السلفية ـ المدينة المنورة، ط1، 1386هـ.

13.                        ابن الجوزي، أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد، زاد المسير، تحقيق: محمد عبد الرحمن عبد الله، الناشر: دار الفكر ـ بيروت، ط1ـ 1407هـ..

14.                        ابن الدمياطي، أبو الحسن, أحمد بن أيبك, المستفاد من ذيل تاريخ بغداد، تحقيق: مصطفى عبد القادر عطا، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت، ط1ـ 1417هـ.

15.                        ابن السنّي, أحمد بن محمد بن إسحاق الدينوري, عمل اليوم والليلة, تحقيق: كوثر البرني, الناشر: دار القبلة للثقافة الإسلامية ومؤسسة علوم القرآن ـ جدة, بيروت, ونسخة ثانية بتحقيق: بشير محمّد عبدون, الناشر: مكتبة دار البيان ـ دمشق, ط1, 1407هـ.

16.                        ابن الصلاح، عثمان بن عبد الرحمن، علوم الحديث (مقدمة ابن الصلاح)، تعليق وشرح وتخريج: أبي عبد الرحمن صلاح بن محمد بن عويضة، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت، ط1ـ 1416هـ. وطبعة أخرى الناشر: مكتبة الفارابي، ط1ـ 1984م

17.                        ابن الطقطقي، محمّد بن علي بن طباطبا, الفخري في الآداب السلطانية, الناشر: دار صادرـ بيروت.

18.                        ابن العديم، كمال الدين عمر بن أحمد بن أبي جرادة، بغية الطلب في تاريخ حلب، تحقيق: د. سهيل زكار، الناشر: دار الفكر ـ بيروت.

19.                        ابن العماد العكري الحنبلي، عبد الحي بن أحمد بن محمد، شذرات الذهب في أخبار من ذهب، تحقيق: عبد القادر الأرنؤوط، محمود الأرناؤوط، الناشر: دار ابن كثير ـ دمشق، ط1ـ 1406هـ.

20.                        ابن المغازلي, علي بن محمد بن محمد بن الطيب بن أبي يعلى الجلابي، مناقب الإمام علي, تحقيق وتعليق: محمد باقر البهبودي, دار الأضواء ـ بيروت, طبعة عام 1424 هـ.

21.                        ابن النجار البغدادي، محب الدين، أبو عبد الله محمد بن محمود، ذيل تاريخ بغداد، دراسة وتحقيق: مصطفى عبد القادر يحيى، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت، ط1ـ 1417هـ.

22.                        ابن تيميّة, أبو العباس أحمد بن عبد الحليم الحراني الحنبلي, اقتضاء الصراط المستقيم لمخالفة أصحاب الجحيم, تحقيق: محمّد حامد الفقي, الناشر: مطبعة السنّة المحمديّةـ القاهرة, ط2ـ 1369هـ.

23.                        ابن تيمية, أبو العباس أحمد بن عبد الحليم الحراني الحنبلي, التوسل والوسيلة, تحقيق: زهير الشاويش, الناشر: المكتب الإسلامي ـ بيروت, طبعة عام1390 ـ 1970م.

24.                        ابن تيمية, أحمد بن عبد الحليم, الرد على الأخنائي واستحباب زيارة خير البريّة, تحقيق: عبد الرحمن بن يحيى المعلّمي اليماني, الناشر: المطبعة السلفيةـ القاهرة.

25.                        ابن تيمية، أبو العباس، أحمد بن عبد الحليم، مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية، تحقيق: عبد الرحمن بن محمد العاصمي، الناشر: مكتبة ابن تيمية، ط2.

26.                        ابن تيمية، أبو العباس، أحمد بن عبد الحليم، منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة القدرية، تحقيق: د. محمد رشاد سالم، الناشر: مؤسسة قرطبة ـ بيروت، ط1ـ 1406هـ.

27.                        ابن حجر العسقلاني, شهاب الدين أبو الفضل أحمد بن علي, أجوبة الحافظ ابن حجر العسقلاني على أسئلة بعض تلامذته, تحقيق: د. عبد الرحيم القشقري، الناشر: مكتبة أضواء السلف ـ الرياض، ط1ـ 1424هـ

28.                        ابن حجر العسقلاني، شهاب الدين أبو الفضل أحمد بن علي, نتائج الأفكار في تخريج أحاديث الأذكار, تحقيق: حمدي عبد المجيد السلفي, الناشر: دار ابن كثيرـ دمشق, بيروت, ط2.

29.                        ابن حجر العسقلاني، شهاب الدين أبو الفضل أحمد بن علي, نخبة الفكر في مصطلح أهل الأثر، الناشر: دار إحياء التراث العربي ـ بيروت.

30.                        ابن حجر العسقلاني، شهاب الدين أبو الفضل أحمد بن علي، الإصابة في تمييز الصحابة، تحقيق: الشيخ عادل أحمد عبد الموجود وعلي محمد معوض، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت، ط1ـ 1415هـ.

31.                        ابن حجر العسقلاني، شهاب الدين أبو الفضل أحمد بن علي، الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة، الناشر: مجلس دائرة المعارف العثمانيةـ حيدر آباد، الهند، ط2ـ 1972م.

32.                        ابن حجر العسقلاني، شهاب الدين أبو الفضل أحمد بن علي، القول المسدد في مسند أحمد، الناشر: عالم الكتب، ط1 ـ 1404هـ ـ 1984م.

33.                        ابن حجر العسقلاني، شهاب الدين أبو الفضل أحمد بن علي، المطالب العالية بزوائد المسانيد الثمانية، تحقيق: د. سعد بن ناصر بن عبد العزيز الشتري، الناشر: دار العاصمة, دار الغيث ـ السعودية، ط1ـ 1419هـ..

34.                        ابن حجر العسقلاني، شهاب الدين أبو الفضل أحمد بن علي، تقريب التهذيب، تحقيق: مصطفى عبد القادر عطا، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت، ط2ـ 1415هـ ـ 1995م.

35.                        ابن حجر العسقلاني، شهاب الدين أبو الفضل أحمد بن علي، تلخيص الحبير في أحاديث الرافعي الكبير، تحقيق: السيد عبد الله هاشم اليماني المدني، الناشر: دار المدينة المنورة، 1384هـ.

36.                        ابن حجر العسقلاني، شهاب الدين أبو الفضل أحمد بن علي، تهذيب التهذيب، الناشر: دار الفكر ـ بيروت، ط1ـ 1404هـ.

37.                        ابن حجر العسقلاني، شهاب الدين أبو الفضل أحمد بن علي، فتح الباري شرح صحيح البخاري، الناشر: دار المعرفة ـ بيروت، ط2.

38.                        ابن حجر العسقلاني، شهاب الدين أبو الفضل أحمد بن علي، لسان الميزان، الناشر: مؤسسة الأعلمي للمطبوعات ـ بيروت، ط2ـ 1390هـ ـ 1971م.

39.                        ابن حجر العسقلاني، شهاب الدين أبو الفضل أحمد بن علي، نزهة النظر في توضيح نخبة الفكر، تحقيق: نور الدين عتر، الناشر: مطبعة الصباح ـ دمشق، ط3ـ 1421هـ.

40.                        ابن حجر العسقلاني، شهاب الدين أبو الفضل أحمد بن علي، هدي الساري مقدمة فتح الباري، الناشر: دار إحياء التراث العربي ـ بيروت، ط1ـ 1408هـ.

41.                        ابن حزم الظاهري، أبو محمد، علي بن أحمد بن سعيد، الفصل في الملل والأهواء والنحل، الناشر: مكتبة الخانجي ـ القاهرة.

42.                        ابن حزم الظاهري، أبو محمد، علي بن أحمد بن سعيد، المحلى بالآثار، الناشر: دار الفكر ـ بيروت.

43.                        ابن حزم الظاهري، أبو محمد، علي بن أحمد بن سعيد، جوامع السيرة، تحقيق الدكتور إحسان عباس، والدكتور ناصر الدين الأسد، ومراجعة أحمد محمد شاكر، الناشر: دار المعارف ـ مصر.

44.                        ابن خزيمة, محمد بن إسحاق السلمي النيسابوري، صحيح ابن خزيمة, تحقيق وتعليق وتخريج وتقديم: الدكتور محمد مصطفى الأعظمي, الناشر: المكتب الإسلامي, ط2ـ 1412 ـ 199م.

45.                        ابن خلدون، عبد الرحمن بن محمد الحضرمي، تاريخ ابن خلدون (كتاب العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر)، الناشر: دار إحياء التراث العربي ـ بيروت، ط4. ونسخة ثانية بنشر: دار الفكر، ضبط المتن ووضع الحواشي والفهارس: الاُستاذ خليل شحادة، راجعه: د. سهيل زكّار.

46.                        ابن خلكان، أبو العباس، شمس الدين أحمد بن محمد بن أبي بكر، وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان، تحقيق: إحسان عباس، الناشر: دار الثقافة ـ بيروت.

47.                        ابن دقيق العيد، تقي الدين، محمّد بن عليّ بن وهب, الاقتراح في بيان الاصطلاح، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت، طبعة عام 1406هـ.

48.                        ابن رجب، عبد الرحمن بن شهاب الدين البغدادي, فتح الباري في شرح صحيح البخاري، تحقيق: أبو معاذ طارق بن عوض الله بن محمد، الناشر: دار ابن الجوزي ـ السعودية، ط2ـ 1422هـ.

49.                        ابن سعد، أبو عبد الله، محمد بن سعد بن منيع، الطبقات الكبرى، الناشر: دار صادر ـ بيروت.

50.                        ابن سيد الناس، محمد بن عبد الله بن يحي، عيون الأثر، الناشر: مؤسسة عز الدين ـ بيروت، طبعة جديدة مصححة طبعة عام 1406هـ.

51.                        ابن شاهين، عمر بن أحمد بن عثمان البغدادي، تاريخ أسماء الثقات، تحقيق: صبحي السامرائي، المطبعة: دار السلفية ـ تونس، ط1ـ 1404هـ.

52.                        ابن شاهين، عمر بن أحمد بن عثمان البغدادي، ذكر من اختلف من العلماء ونقاد الحديث فيه، تحقيق: حماد بن محمد الأنصاري، الناشر: مكتبة أضواء السلف ـ الرياض، ط1ـ 1419هـ.

53.                        ابن عبد البرّ، يوسف بن عبد الله بن محمد، الاستيعاب في معرفة الأصحاب، تحقيق: علي محمد البجاوي، الناشر: دار الجيل ـ بيروت، ط1ـ 1412هـ.

54.                        ابن عبد البرّ، يوسف بن عبد الله بن محمد، التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد، تحقيق: مصطفى بن أحمد العلوي,‏ محمد عبد الكبير البكري، الناشر: وزارة عموم الأوقاف والشؤون الإسلامية ـ المغرب، طبعة عام 1387هـ.

55.                        ابن عبد البرّ، يوسف بن عبد الله بن محمد، جامع بيان العلم وفضله، الناشر: دار الكتب العلمية، طبعة عام 1398هـ.

56.                        ابن عبد الهادي, أبو عبد الله, محمّد، الصارم المنكي في الرد على السبكي، تحقيق: إسماعيل بن محمد الأنصاري، الناشر: مكتبة التوعية الإسلامية.

57.                        ابن عساكر, علي بن الحسن بن هبة الله، تاريخ مدينة دمشق, تحقيق: علي شيري, الناشر: دار الفكر ـ بيروت, 1415هـ ـ 1995م.

58.                        ابن عطية الأندلسي، عبد الحق بن غالب بن عبد الرحمن, المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز، تحقيق: عبد السلام عبد الشافي محمد، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت، ط1ـ 1413هـ.

59.                        ابن قانع، عبد الباقي بن قانع أبو الحسين، معجم الصحابة، تحقيق: صلاح بن سالم المصراتي، الناشر: مكتبة الغرباء الأثرية ـ المدينة المنورة، ط1ـ 1418هـ.

60.                        ابن قتيبة الدينوري، أبو محمد عبد الله بن مسلم, المعارف، تحقيق: دكتور ثروت عكاشة، الناشر: دار المعارف ـ القاهرة.

61.                        ابن قتيبة الدينوري، أبو محمد عبد الله بن مسلم، عيون الأخبار، تحقيق: لجنة دار الكتب المصرية، الناشر: مطبعة دار الكتب المصرية ـ القاهرة، ط2ـ 1966م.

62.                        ابن قدامة, عبد الرحمن بن محمد بن أحمد بن قدامة المقدسي، الشرح الكبير على متن المقنع, الناشر: دار الكتاب العربي ـ بيروت.

63.                        ابن قدامة, عبد الله بن أحمد بن محمد بن قدامة المقدسي، المغني في فقه الإمام أحمد بن حنبل الشيباني, الناشر: دار الكتاب العربي ـ بيروت.

64.                        ابن قيم الجوزية, شمس الدين محمّد بن أبي بكر بن أيوب بن سعد الزرعي الدمشقي, الروح في الكلام على أرواح الأموات والأحياء بالدلائل من الكتاب والسنة, الناشر: دار الكتب العلمية, بيروت, 1395هـ ـ 1975م.

65.                        ابن كثير الدمشقي، أبو الفداء، إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي، البداية والنهاية، تحقيق وتدقيق وتعليق: علي شيري، الناشر: دار إحياء التراث العربي ـ بيروت، ط1ـ 1408هـ.

66.                        ابن كثير، أبو الفداء, إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي، تفسير ابن كثير (تفسير القرآن العظيم)، تقديم: يوسف عبد الرحمن المرعشلي, الناشر: دار المعرفةـ بيروت، طبعة عام: 1412 هـ ـ1992م.

67.                        ابن ماجة، محمد بن يزيد القزويني، سنن ابن ماجة، تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي، الناشر: دار الفكر ـ بيروت.

68.                        ابن معين، يحيى بن معين بن عون المري، تاريخ ابن معين برواية الدوري، تحقيق: عبد الله أحمد حسن، الناشر: دار القلم ـ بيروت.

69.                        ابن منظور، أبو الفضل، جمال الدين بن مكرم، لسان العرب، الناشر: دار صادر ـ بيروت، ط1.

70.                        ابن هشام, أبو محمد عبد الله جمال الدين بن يوسف, مغني اللبيب عن كتب الأعاريب، تحقيق: د. مازن المبارك ومحمد علي حمد الله الناشر: دار الفكر ـ بيروت، ط6ـ 1985م.

71.  أبو زهرة, محمد بن أحمد, الإمام الصادق, الناشر: دار الفكر العربي.

72.                        أبو زهرة, محمد بن أحمد, تاريخ المذاهب الإسلامية, الناشر: دار الفكر العربي ـ القاهرة, 1996م.

73.                        أبو السعود، محمد بن محمد العمادي, تفسير أبي السعود، الناشر: دار إحياء التراث ـ بيروت.

74.                        أبو الفداء، عماد الدين, إسماعيل بن علي، المختصر من أخبار البشر، الناشر: مكتبة المتنبي ـ القاهرة.

75.                        أبو حيّان الأندلسي, محمد بن يوسف , تفسير البحر المحيط, تحقيق: عادل أحمد عبد الموجود, الشيخ علي محمد معوض، تحقيق: د. زكريا عبد المجيد النوقي، د. أحمد النجولي الجمل, الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت، ط1, 1422هـ ـ 2001م.

76.                        أبو داود، سليمان بن الأشعث بن شداد بن عمرو السجستاني، سنن أبي داود، تحقيق وتعليق: سعيد محمد اللحام، الناشر: دار الفكرـ بيروت، ط1ـ 1410هـ.

77.                        أبو داود، سليمان بن الأشعث, سؤالات الآجري لأبي داود, الناشر: مكتبة دار الاستقامة, السعودية، مؤسسة الريان بيروت, ط1, 1418هـ.

78.                        أبو نعيم الإصبهاني، أحمد بن عبد الله، حلية الأولياء وطبقات الأصفياء، الناشر: دار الكتاب العربي ـ بيروت، ط4ـ 1405هـ.

79.                        أبو يعلى الموصلي، أحمد بن علي بن المثنى، مسند أبي يعلى، تحقيق: حسين سليم أسد، الناشر: دار المأمون للتراث ـ دمشق.

80.                        الإتليدي، محمّد دياب، إعلام الناس بما وقع للبرامكة، تحقيق: محمّد أحمد عبد العزيز سالم، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت، ط1ـ 1425هـ.

81.                        الأزهري، أبو منصور محمد بن أحمد، تهذيب اللغة، تحقيق: محمد عوض، الناشر: دار إحياء التراث العربي، ط1.

82.                        أسد حيدر، الإمام الصادق والمذاهب الأربعة, نشر وتحقيق: نشر الفقاهة ـ قم, ط1, 1427هـ.

83.                        الإسفراييني، أبو المظفّر، طاهر بن محمد، التبصير في الدين وتمييز الفرقة الناجية عن الفرق الهالكين، تحقيق: كمال يوسف الحوت، الناشر: عالم الكتب ـ بيروت، ط1ـ 1403هـ.

84.                        الأشعري, أبو الحسن، علي بن إسماعيل، مقالات الإسلاميين، الناشر: دار احياء التراث ـ بيروت، ط3.

85.                        الأصبحي المدني, مالك بن أنس بن مالك، الموطأ، تصحيح وتعليق: محمد فؤاد عبد الباقي، الناشر: دار إحياء التراث العربي ـ بيروت، طبعة عام 1406هـ.

86.                        الأعظمي، د. محمد ضياء الرحمن، دراسات في الجرح والتعديل، الناشر: مكتبة الغرباء الأثرية ـ المدينة المنورة، ط1ـ 1415هـ.

87.                        الألباني, محمّد ناصر الدين, سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة, الناشر: مكتبة المعارف, الرياض, ط5 ـ 1412ـ 1992م.

88.                        الألباني، محمّد ناصر الدين, صحيح موارد الظمآن إلى زوائد ابن حبان، الناشر: دار الصميعي، ط1، 1422 هـ.

89.                        الألباني، محمد ناصر الدين، إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل، إشراف: زهير الشاويش، الناشر: المكتب الإسلامي ـ بيروت، ط2ـ 1405هـ ـ 1985م.

90.                        الألباني، محمد ناصر الدين، التوسل أنواعه وأحكامه, نسّقه وألّف بين فصوله: محمّد العباسي, الناشر: مكتبة المعارف للنشر والتوزيع ـ الرياض, ط1ـ 2001م ـ 1421هـ.

91.                        الألباني، محمد ناصر الدين، تمام المنة، الناشر: دار الراية ـ الرياض، المكتبة الإسلامية ـ عمان ـ الأردن، ط2ـ 1409هـ.

92.                        الألباني، محمد ناصر الدين، سلسلة الأحاديث الصحيحة، الناشر: مكتبة المعارف ـ الرياض، طبعة عام 1415هـ.

93.                        الألباني، محمد ناصر الدين، صحيح سنن ابن ماجة، الناشر: المكتب الإسلامي، ط3ـ 1408هـ.

94.                        الآلوسي البغدادي، أبو الفضل شهاب الدين محمود بن عبد الله، روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني(تفسير الآلوسي)، الناشر: دار إحياء التراث العربي ـ بيروت.

95.                        الآلوسي, محمود شكري, بلوغ الأرب في معرفة أحوال العرب، عنى بشرحه وتصحيحه وضبطه: محمد بهجة الأثري، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت.

96.                        الآمدي، علي بن محمّد, الإحكام في أصول الأحكام، تعليق: عبد الرزاق عفيفي، الناشر: المكتب الإسلامي، ط2ـ 1402هـ.

97.                        الأندلسي، أحمد بن محمد بن عبد ربه، العقد الفريد، الناشر: دار إحياء التراث العربي ـ بيروت, ط3, 1420هـ.

98.                        البخاري، محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة, الأدب المفرد, الناشر: مؤسسة الكتب الثقافية, بيروت, ط1, 1406هـ ـ 1986م.

99.                        البخاري، محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة، التاريخ الكبير، الناشر: المكتبة الإسلامية، ديار بكر ـ تركيا.

100.                    البخاري، محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة، صحيح البخاري (الجامع المسند الصحيح)، الناشر: دار الفكر ـ بيروت، طبعة عام 1401هـ. وترقيم الأحاديث نسخة: بيت الأفكار الدولية، اعتنى به: أبو صهيب الكرمي، طبعة عام 1419هـ.

101.      البربهاري، الحسن بن علي بن خلف، شرح السنة, تحقيق: د. محمد سعيد سالم القحطاني, الناشر: دار ابن القيم ـ الدمام, ط1, 1408هـ.

102.                       البزار، أبو بكر أحمد بن عمرو بن عبد الخالق، مسند البزار، تحقيق: د. محفوظ الرحمن زين الله، الناشر: مؤسسة علوم القرآن، مكتبة العلوم والحكم ـ بيروت، المدينة, ط1ـ 1409هـ..

103.                       البغدادي، عبد القاهر بن طاهر بن محمد، الفَرق بين الفِرق، الناشر: دار الآفاق الجديدة ـ بيروت، ط2، 1977م.

104.                       البكري الدمياطي، محمد شطا، إعانة الطالبين على حلّ ألفاظ فتح المعين، الناشر: دار الفكر ـ بيروت, ط1, 1418هـ.

105.                       البلاذري، أحمد بن يحيى، أنساب الأشراف، تحقيق: د. سهيل زكار، ود. رياض زركلي، الناشر: دار الفكر ـ بيروت، ط1ـ 1417هـ. ـ 1996م.

106.                       البيضاوي، ناصر الدين عبد الله الشيرازي، تفسير البيضاوي (أنوار التنزيل وأسرار التأويل)، الناشر: دار الفكر ـ بيروت.

107.                       البيهقي, إبراهيم بن محمّد, المحاسن والمساوئ، تحقيق: عدنان علي، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت، ط1، 1420هـ.

108.                       البيهقي, أبو بكر، أحمد بن الحسين بن علي, دلائل النبوّة ومعرفة أحوال صاحب الشريعة, وثق نصوصه وخرج حديثه وعلق عليه: د. عبد المعطي قلعجي, الناشر: دار الكتب العلمية, بيروت, ط3 ـ 2008م ـ 1429هـ.

109.                       الفتني, محمّد طاهر بن علي, تذكرة الموضوعات، الناشر: إدارة الطباعة المنيرية ـ ط1, 1343هـ.

110.                       الترمذي, أبو عيسى محمد بن عيسى بن سورة, علل الترمذي, بترتيب أبي طالب القاضي, تحقيق: صبحي السامرائي, أبو المعاطي النوري, محمود محمد الصعيدي, الناشر, عالم الكتب ,‏مكتبة النهضة العربيةـ بيروت, ط1ـ 1409هـ..

111.                       الترمذي، أبو عيسى محمد بن عيسى بن سورة، العلل الصغير، تحقيق: أحمد محمد شاكر وآخرين، الناشر: دار إحياء التراث العربي ـ بيروت.

112.                       الترمذي، أبو عيسى محمد بن عيسى بن سورة، سنن الترمذي، تحقيق وتصحيح: عبد الوهاب عبد اللطيف، وعبد الرحمن محمد عثمان، الناشر: دار الفكر ـ بيروت، ط2ـ 1403هـ ـ 1983م.

113.                       التفتازاني، سعد الدين مسعود بن عمر بن عبد الله، شرح المقاصد في علم الكلام، الناشر: دار المعارف النعمانية ـ باكستان، ط1ـ 1401هـ.

114.                       التميمي البستي, محمّد بن حبّان, الثقات، الناشر: مؤسسة الكتب الثقافية، المطبعة: مجلس دائرة المعارف العثمانية ـ بحيدر آباد الدكن ـ الهند، ط1ـ 1393هـ ـ 1973م.

115.                       التميمي البستي, محمّد بن حبّان، المجروحين, تحقيق: محمود إبراهيم زايد، الناشر: دار الوعي ـ حلب، ط1، 1396هـ..

116.                       التميمي البستي, محمّد بن حبّان، صحيح ابن حبّان بترتيب ابن بلبان، تحقيق: شعيب الأرنؤوط، الناشر: مؤسسة الرسالة، ط2ـ 1414هـ.

117.                       التميمي البستي, محمّد بن حبان، كتاب المجروحين، تحقيق: محمود إبراهيم زايد, الناشر: دار الباز ـ مكة.

118.                       الثعالبي، عبد الرحمن بن محمد بن مخلوف، أبو زيد المالكي، الجواهر الحسان في تفسير القرآن (تفسير الثعالبي)، تحقيق: الدكتور عبد الفتاح أبو سنة، الشيخ علي محمد معوض، والشيخ عادل أحمد عبد الموجود، الناشر: دار إحياء التراث العربي، مؤسسة التاريخ العربي ـ بيروت، ط1ـ 1418هـ.

119.                       الثعلبي، أبو إسحاق أحمد بن محمد بن إبراهيم النيسابوري، تفسير الثعلبي (الكشف والبيان)، تحقيق: أبو محمد بن عاشور، مراجعة وتدقيق: نظير الساعدي, الناشر: دار إحياء التراث العربي ـ بيروت، ط1ـ 1422 - 2002م.

120.                       الجبرين، عبد الله بن عبد الرحمن، التعليقات الزكية على العقيدة الواسطية, اعتنى به وأشرف عليه: أبو أنس علي بن حسين أبو لوز، الناشر: دار الوطن ـ الرياض، ط1، 1419هـ.

121.                       الجبرين، عبد الله بن عبد الرحمن، الإرشاد شرح لمعة الاعتقاد, الناشر: دار طيبة.

122.                       الجرجاني، عبد الله بن عدي بن عبد الله بن محمد، الكامل في ضعفاء الرجال، قراءة وتدقيق: يحيى مختار غزاوي، الناشر: دار الفكر ـ بيروت، ط3ـ 1409هـ. ـ 1988م.

123.                       الجزائري الدمشقي، طاهر، توجيه النظر إلى أصول الأثر، الناشر: مكتبة المطبوعات الإسلامية ـ حلب، ط1ـ 1416هـ.

124.                       الجصاص, أحمد بن علي, أحكام القرآن, تحقيق: عبد السلام محمد علي شاهين, الناشر: دار الكتب العلمية, بيروت, ط1, 1415هـ ـ 1994م.

125.                       الجوهري، إسماعيل بن حماد، الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية, تحقيق: أحمد عبد الغفور عطار, الناشر: دار العلم للملايين ـ بيروت، ط4، 1407هـ.

126.                       الحاكم النيسابوري, محمد بن عبد الله, سؤالات السجزي مع أسئلة البغداديين عن أحوال الرواة, تحقيق: د. موفق بن عبد الله, دار الغرب الإسلامي, ط1, 1408هـ ـ 1988م.

127.                       الحاكم النيسابوري، محمد بن عبد الله، المستدرك على الصحيحين، وبذيله التلخيص للحافظ الذهبي، إشراف: د. يوسف عبد الرحمن المرعشلي، الناشر: دار المعرفة ـ بيروت.

128.                       الحربي, إبراهيم بن إسحاق, غريب الحديث, تحقيق: د. سليمان إبراهيم محمد العايد, الناشر: جامعة أم القرى ـ مكة المكرمة, ط1ـ 1405. ونسخة أخرى: الناشر: دار المدينة , ط1, 1405هـ..

129.                       الحموي الرومي، أبو عبد الله، ياقوت بن عبد الله البغدادي، معجم البلدان، الناشر: دار إحياء التراث العربي ـ بيروت، طبعة عام 1399هـ.

130.                       الخزرجي, صفي الدين, أحمد بن عبد الله, خلاصة تذهيب تهذيب الكمال, الناشر: مكتب المطبوعات الإسلامية بحلب، دار البشائر الإسلامية، ط4، 1411هـ.

131.                       الخطيب البغدادي، أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت, الرحلة في طلب الحديث, تحقيق: نور الدين عتر, الناشر: دار الكتب العلمية, بيروت, ط1, 1395هـ ـ 1975م.

132.                       الخطيب البغدادي، أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت, موضع أوهام الجمع والتفريق, تحقيق: د. عبد المعطي أمين قلعجي, الناشر: دار المعرفة, بيروت, ط1 ـ 1407 هـ.

133.                       الخطيب البغدادي، أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت، تاريخ بغداد، دراسة وتحقيق: مصطفى عبد القادر عطا، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت، ط1ـ 1417هـ.

134.                       الخطيب البغدادي، أبو بكر, أحمد بن علي بن ثابت, الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع، تحقيق: د. محمود الطحان، الناشر: مكتبة المعارف ـ الرياض، طبعة عام 1403هـ.

135.                       الخطيب البغدادي، أبو بكر, أحمد بن علي بن ثابت، الكفاية في علم الرواية، تحقيق: أحمد عمر هاشم، الناشر: دار الكتاب العربي ـ بيروت، ط1ـ 1405هـ.

136.                       الخليلي, الخليل بن عبد الله بن أحمد, الإرشاد في معرفة علماء الحديث, د. محمّد سعيد عمر, الناشر: مكتبة الرشيد, الرياض, ط1, 1419هـ.

137.                       الخوارزمي الحنفي، الموفق بن أحمد، مناقب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب×، تحقيق: الشيخ مالك المحمودي، الناشر: جماعة المدرّسين ـ قم، ط2ـ 1414هـ.

138.                      الخوئي, أبو القاسم, علي أكبر, منهاج الصالحين, الناشر: مدينة العلم ـ قم, ط28, 1410هـ.

139.                       الخميني, روح الله, تحرير الوسيلة, الناشر: دار الكتب العلمية, ط2, 1390هـ.

140.                       الدارقطني, أبو الحسن, علي بن عمر, العلل الواردة في الأحاديث النبوية, تحقيق: محفوظ الرحمن زين الله السلفي, الناشر: دار طيبة, الرياض, ط1, 1405هـ ـ 1985م.

141.                       الدارمي, عبد الله بن عبد الرحمن, سنن الدارمي, الناشر: مطبعة الاعتدال ـ دمشق, سنة الطبع:1349 هـ.

142.                       الدمياطي, أبو محمد شرف الدين, عبد المؤمن بن خلف, المتجر الرابح في ثواب العمل الصالح, تحقيق: عبد الملك بن عبد الله بن دهيش, الناشر: مكتبة ومطبعة النهضة الحديثة, مكة المكرمة, ط5, 1414هـ.

143.                       الدهلوي، عبد الغني، إنجاح الحاجة شرح سنن ابن ماجه، الناشر: مطبع محمد حسين مولوي، نسخة مخطوطة.

144.                       الدهلوي، شاه عبد العزيز غلام حكيم شاه ولي الله، مختصر التحفة الاثني عشرية، تحقيق: محب الدين الخطيب، الناشر: المكتبة السلفيةـ القاهرة.

145.                       الذهبي, شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أحمد, الموقظة في علم مصطلح الحديث, الناشر: مكتب المطبوعات الإسلامية ـ حلب, ط2 ـ 1412هـ..

146.                       الذهبي، شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أحمد, الرواة الثقات المتكلم فيهم بما لا يوجب ردّهم، تحقيق: محمد إبراهيم الموصلي، الناشر: دار البشائر الإسلامية ـ بيروت، ط1ـ 1412هـ.

147.                       الذهبي، شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أحمد، الكاشف في معرفة من له رواية في الكتب الستة، تقديم وتعليق: محمد عوامة، أحمد محمّد نمر الخطيب, الناشر: دار القبلة للثقافة الإسلامية , مؤسسة علوم القرآن, جدة, طبعة عام: 1413 ـ 1992م.

148.                       الذهبي، شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أحمد، المغني في الضعفاء، تحقيق: الدكتور نور الدين عتر, الناشر: إدارة إحياء التراث الإسلامي ـ قطر.

149.                       الذهبي، شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أحمد، تاريخ الإسلام، تحقيق: د. عمر عبد السلام تدمرى، الناشر: دار الكتاب العربي ـ بيروت، ط1ـ 1407هـ.

150.                       الذهبي، شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أحمد، تذكرة الحفاظ، تصحيح: عبد الرحمن بن يحيي المعلمي، الناشر: دار إحياء التراث العربي ـ بيروت.

151.                       الذهبي، شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أحمد، سير أعلام النبلاء، أشرف على تحقيق الكتاب وخرّج أحاديثه: شعيب الأرنؤوط، الناشر: مؤسسة الرسالة ـ بيروت، ط9ـ 1413هـ.

152.                       الذهبي، شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أحمد، ميزان الاعتدال في نقد الرجال، تحقيق: علي محمد البجاوي، الناشر: دار المعرفة ـ بيروت، ط1ـ 1382هـ ـ 1963م.

153.                       الرازي، أبو عبد الله محمد بن عمر بن حسين القرشي الشافعي الطبرستاني، التفسير الكبير، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت، ط1ـ 1421هـ.

154.                       الرازي، أبو محمد عبد الرحمن بن أبي حاتم، الجرح والتعديل، الناشر: دار إحياء التراث العربي ـ بيروت، ط1ـ 1371 هـ ـ 1952م.

155.                       الرازي، أبو محمد عبد الرحمن بن أبي حاتم، تفسير ابن أبي حاتم (تفسير القرآن)، تحقيق: أسعد محمد خطيب، الناشر: المكتبة العصرية ـ صيدا.

156.                       الرافعي القزويني، عبد الكريم بن محمد، التدوين في أخبار قزوين، تحقيق: عزيز الله العطاري، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت، طبعة عام 1987م.

157.                       الروياني، الحافظ أبو محمد بن هارون، مسند الروياني، ضبطه وعلق عليه: أيمن علي أبو يماني، الناشر مؤسسة قرطبة، ط1ـ 1416 هـ.

158.                       الزرقاني, محمد بن عبد الباقي بن يوسف, شرح الزرقاني على المواهب اللدنية, ضبطه وصححه: محمّد عبد العزيز الخالدي, الناشر: دار الكتب العلميّة, ط1, 1417هـ.

159.                       الزرقاني, محمد بن عبد الباقي بن يوسف, شرح الزرقاني على الموطأ, الناشر: دار الكتب العلمية, ط1ـ بيروت, 1411هـ..

160.                       الزركشي, بدر الدين, أبو عبد الله محمد بن عبد الله الزركشي, اللآلئ المنثورة في الأحاديث المشهورة المعروف بـ (التذكرة في الأحاديث المشتهرة)، تحقيق: مصطفى عبد القادر عطا، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت، ط1، 1406 هـ.

161.                       الزركشي، أبو عبد الله، محمد بن بهادر بن عبد الله، النكت على مقدمة ابن الصلاح، تحقيق: د. زين العابدين بن محمد بلا فريج، الناشر: أضواء السلف ـ الرياض، ط1ـ 1419هـ ـ 1989م.

162.                       الزركلي، خير الدين بن محمود الدمشقي، الأعلام، الناشر: دار العلم للملايين ـ بيروت، ط5ـ 1980م.

163.      الزمخشري، أبو القاسم جار الله محمود بن عمر الخوارزمي، الكشّاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل (تفسير الزمخشري)، تحقيق: عبد الرزاق المهدي، الناشر: دار إحياء التراث العربي ـ بيروت., ونشر: شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده بمصر، ط1385 هـ.

164.                       السامري, محمد بن عبد الله, المستوعب في الفقه, تحقيق: د. عبد الملك بن عبد الله بن دهيش, ط2ـ 1424هـ ـ 2003م.

165.                       سبط ابن الجوزي، أبو المظفر يوسف بن قزغلي، تذكرة الخواص, الناشر: ذوي القربى ـ قم.

166.                       سبط ابن العجمي، إبراهيم بن محمد, الكشف الحثيث عمّن رمي بوضع الحديث, تحقيق: د. صبحي السامرائي, الناشر: عالم الكتب ـ بيروت، ط1، 1407هـ.

167.                       السبكي, تقي الدين علي بن عبد الكافي, شفاء السقام في زيارة خير الأنام, ط4 ـ 1419م.

168.                       السبكي، تاج الدين بن علي بن عبد الكافي، طبقات الشافعية الكبرى، تحقيق: د. محمود محمد القناعي، د. عبد الفتاح محمد الحلو، الناشر: هجر للطباعة، ط2ـ 1413هـ.

169.                       السبكي، تاج الدين عبد الوهاب بن علي، قاعدة في الجرح والتعديل، تحقيق: د. عبد الفتاح أبو غدة، الناشر: مكتب المطبوعات ـ حلب، ط3ـ 1400هـ.

170.                       السخاوي, أبو الخير, محمد بن عبد الرحمن بن محمد, المقاصد الحسنة في بيان كثير من الأحاديث المشتهرة على الألسنة، تحقيق: محمد عثمان الخشت, الناشر: دار الكتاب العربي ـ بيروت, ط1, 1405 هـ ـ 1985م.

171.                       السخاوي، شمس الدين محمد بن عبد الرحمن، الإعلان بالتوبيخ لمن ذمّ التاريخ، حققه وعلّق عليه بالانجليزية، فرانز روزنثال، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت.

172.                       السخاوي، شمس الدين، محمد بن عبد الرحمن بن محمد، الضوء اللامع في أعيان القرن التاسع، الناشر: دار مكتبة الحياة ـ بيروت.

173.                       السقاف, حسن بن علي, الإغاثة بأدلّة الاستغاثة, الناشر: مكتبة الإمام النووي, عمّان, ط1ـ 1410هـ ـ 1990م.

174.                       السقاف، حسن بن علي, صحيح شرح العقيدة الطحاوية, الناشر: دار الإمام النووي ـ الأردن، ط1، 1416 هـ.

175.                       السلمي, عز الدين, عبد العزيز بن عبد السلام، تفسير العز، تحقيق: د. عبد الله بن إبراهيم الوهبي، الناشر: دار ابن حزم ـ بيروت، ط1ـ 1416هـ.

176.                       السمعاني، أبو المظفّر منصور بن محمد، تفسير السمعاني (تفسير القرآن)، الناشر: دار الوطن ـ الرياض، ط1ـ 1418 هـ.

177.                       السمهودي, عليّ بن أحمد بن عبد الله, وفاء الوفا بأخبار دار المصطفى, تحقيق: خالد عبد الغني محفوظ, الناشر: دار الكتب العلمية, ط1ـ 2006م ـ 1427هـ.

178.                       السندي, نور الدين بن عبد الهادي, حاشية السندي على سنن ابن ماجة، الناشر: دار المعرفة ـ بيروت.

179.                       السيوطي, جلال الدين، عبد الرحمن بن أبي بكر, تنوير الحلك, الناشر: مكتبة الحقيقة, إستانبول ـ تركيا, ط1: 1406 هـ.

180.                       السيوطي, جلال الدين، عبد الرحمن بن أبي بكر, ذيل طبقات الحفاظ, الناشر: دار إحياء التراث العربي ـ بيروت.

181.                       السيوطي، أبو الفضل جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر، الخصائص الكبرى، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت، طبعة عام 1405هـ.

182.                       السيوطي، أبو الفضل جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر، تاريخ الخلفاء، تحقيق: محمد محيي الدين، الناشر: مطبعة السعادة ـ مصر، ط1ـ 1371هـ.

183.                       السيوطي، أبو الفضل جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر، تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي، تحقيق: عبد الوهاب عبد اللطيف، الناشر: مكتبة الرياض الحديثة ـ الرياض.

184.                       السيوطي، أبو الفضل، جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر، الجامع الصغير، الناشر: دار الفكر ـ بيروت، ط1ـ 1401هـ.

185.                       السيوطي، جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر، اللآلىء المصنوعة في الأحاديث الموضوعة، تحقيق: صلاح بن محمد بن عويضة، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت، ط1ـ 1417 هـ.

186.                       السيوطي، جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر، طبقات المفسرين، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت.

187.                       السيوطي، جلال الدين، عبد الرحمن بن أبي بكر، الدر المنثور في التفسير بالمأثور، الناشر: دار المعرفة ـ بيروت، طبعة عام 1993م.

188.                       الشافعي، محمد بن إدريس، كتاب الأمّ، الناشر: دار الفكرـ بيروت، ط2ـ1403هـ.

189.                       الشافعي، محمد بن إدريس، كتاب المسند، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت.

190.                       شاكر, أحمد محمد، الباعث الحثيث شرح اختصار علوم الحديث، تعليق: ناصر الدين الألباني، الناشر: مكتبة المعارف ـ الرياض، ط1ـ 1417هـ.

191.                       الشرنبلالي الحنفي, حسن بن عمّار بن علي, مراقي الفلاح بإمداد الفتاح شرح نور الإيضاح ونجاة الأرواح, تعليق: أبو عبد الرحمن صلاح بن عويضة. الناشر: دار الكتب العلميّة, بيروت ـ لبنان, ط2ـ 2004م ـ 1424هـ..

192.                       شعيب الأرنؤوط, بشار عواد, تحرير التقريب, الناشر: مؤسسة الرسالة, بيروت, ط1ـ 1417هـ ـ 1997م.

193.                       الشهرستاني، أبو الفتح محمد بن عبد الكريم، الملل والنحل، تحقيق: محمد سيد كيلاني، الناشر: دار المعرفة ـ بيروت.

194.                       الشوكاني, محمّد بن علي, الدر النضيد, تحقيق: أبو عبد الله الحلبي, الناشر: دار ابن خزيمة للنشر والتوزيع, ط1 ـ 1414هـ.

195.                       الشوكاني, محمّد بن علي, تحفة الذاكرين بعدّة الحصن الحصين, الناشر: دار القلم, بيروت ـ لبنان, ط1ـ 1984.

196.                       الشوكاني، محمد بن علي بن محمد, مجموعة الرسائل اليمينة، الرسالة الثانية: العقد الثمين في وصاية أمير المؤمنين, الناشر: إدارة الطباعة المنيرية ـ القاهرة.

197.                       الشوكاني، محمد بن علي بن محمد، الفوائد المجموعة في الأحاديث الموضوعة، تحقيق: عبد الرحمن يحيى المعلمي، الناشر: المكتب الإسلامي ـ بيروت، ط3ـ 1407هـ.

198.                       الشوكاني، محمد بن علي بن محمد، فتح القدير، الناشر: عالم الكتب ـ بيروت.

199.                       الشوكاني، محمد بن علي بن محمد، نيل الأوطار، الناشر: دار الجيل ـ بيروت، طبعة عام 1973م.

200.                       الشوكاني، محمد بن علي، البدر الطالع بمحاسن من بعد القرن السابع، الناشر: دار المعرفة ـ بيروت.

201.                       الشيباني, أبو عبد الله, أحمد بن حنبل، كتاب العلل ومعرفة الرجال، تحقيق وتخريج: د. وصي الله بن محمد بن عباس، الناشر: دار الخاني ـ الرياض، ط2ـ 1422هـ

202.                       الشيباني، أبو عبد الله، أحمد بن حنبل، فضائل الصحابة، تحقيق: د. وصي الله محمد عباس، الناشر: مؤسسة الرسالة ـ بيروت، ط1ـ 1403هـ.

203.                       الشيباني، أبو عبد الله، أحمد بن حنبل، مسند أحمد بن حنبل، الناشر: دار صادر ـ بيروت. ونشر: مؤسسة قرطبة ـ القاهرة، تحقيق وتعليق: شعيب الأرنؤوط., ونشر: دار الحديث ـ القاهرة، تحقيق وتعليق: أحمد محمد شاكر , وأكمله وحمزة أحمد الزين، ط1ـ 1416هـ.

204.                       الصالح، صبحي, نهج البلاغة, الناشر: مؤسسة دار الهجرةـ قم.

205.                       الصالحي الشامي, محمّد بن يوسف, سبل الهدى والرشاد في سيرة خيرة العباد, الناشر: دار الكتب العلمية, بيروت، ط1, 1414هـ.

206.                       الصفدي، صلاح الدين خليل، الوافي بالوفيات، تحقيق: أحمد الأرناؤوط وتركي مصطفى، الناشر: دار إحياء التراث ـ بيروت، طبعة عام 1420هـ.

207.                       الصنعاني، عبد الرزاق بن همام، المصنف، تحقيق وتخريج وتعليق: حبيب الرحمن الأعظمي، الناشر: منشورات المجلس العلمي.

208.                       الصنعاني، محمّد بن إسماعيل، توضيح الأفكار لمعاني تنقيح الأنظار، تحقيق: محمد محيي الدين عبد الحميد، الناشر: المكتبة السلفية ـ المدينة المنورة.

209.                       الصنعاني، محمد بن إسماعيل، سبل السلام، تحقيق: محمد عبد العزيز الخولي، الناشر: دار إحياء التراث العربي ـ بيروت، ط4ـ 1379هـ.

210.                       الطبراني, سليمان بن أحمد, كتاب الدعاء, تحقيق: مصطفى عبد القادر عطا, الناشر: دار الكتب العلميّة, بيروت ـ لبنان, ط1 ـ 1413هـ ـ 1993م.

211.                       الطبراني، أبو القاسم سليمان بن أحمد، المعجم الصغير، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت.

212.                       الطبراني، أبو القاسم، سليمان بن أحمد، المعجم الأوسط، تحقيق: قسم التحقيق بدار الحرمين، الناشر: دار الحرمين، طبعة عام 1415هـ.

213.                       الطبراني، أبو القاسم، سليمان بن أحمد، المعجم الكبير، تحقيق وتخريج: حمدي بن عبد المجيد السلفي، الناشر: دار إحياء التراث العربي ـ بيروت، ط2ـ 1404هـ.

214.                       الطبري, محمّد بن جرير, تهذيب الآثار وتفصيل الثابت عن رسول الله من الأخبار، تحقيق: محمود محمد شاكر، الناشر: مطبعة المدني ـ القاهرة.

215.                       الطبري، أحمد بن عبد الله، ذخائر العقبى في مناقب ذوي القربى، الناشر: مكتبة القدسي ـ القاهرة، سنة الطبع: 1356هـ.

216.                       الطبري، محمد بن جرير، تاريخ الأمم والملوك (تاريخ الطبري)، مراجعة وتصحيح وضبط: نخبة من العلماء، الناشر: مؤسسة الأعلمي ـ بيروت، ط4ـ 1403هـ.

217.                       الطبري، محمد بن جرير، تفسير الطبري (جامع البيان عن تأويل آي القرآن)، ضبط وتوثيق وتخريج: صدقي جميل العطار، الناشر: دار الفكر ـ بيروت، طبعة عام 1415هـ.

218.                       الطهراني, آقا بزرگ , الذريعة إلى تصانيف الشيعة, الناشر: دار الأضواء ـ بيروت, ط3, 1403هـ.

219.                       العبدري، ابن الحاج، أبو عبد الله محمد بن محمد بن محمد الفاسي المالكي، المدخل، الناشر: دار الفكر، طبعة عام 1401هـ.

220.                       العتيق, يوسف بن محمد بن أبراهيم, التعريف بما أفرد من الأحاديث بالتضعيف، تقديم: د. باسم بن الجوابرة، وعلي بن حسن بن علي الحلبي الأثري، الناشر: دار الصميعي، ط1، 1418هـ.

221.                       العثيمين، محمد بن صالح, شرح العقيدة الواسطية, خرّج أحاديثه: سعد بن فواز الصميل،الناشر: دار ابن الجوزي ـ السعودية، ط6، 1421هـ.

222.                       العجلوني، إسماعيل بن محمد، كشف الخفاء ومزيل الالتباس عمّا اشتهر من الأحاديث على ألسنة الناس، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت، ط3ـ 1408هـ.

223.                       العجلي، أبو الحسن أحمد بن عبد الله بن صالح، معرفة الثقات، الناشر: مكتبة الدار ـ المدينة المنورة، ط1ـ 1405هـ.

224.                       العراقي, أبو الفضل زين الدين عبد الرحيم بن الحسين, المغني عن حمل الأسفار في الأسفار بتخريج ما في الإحياء من الأحاديث والآثار، تحقيق: أشرف عبد المقصود, الناشر: مكتبة طبرية, الرياض, ط1, 1415هـ.

225.                       العراقي, زين الدين أبو الفضل عبد الرحيم بن الحسين, وولده أبو زرعة ولي الدين أحمد بن عبد الرحيم, طرح التثريب في شرح التقريب, تحقيق: عبد القادر محمد علي, دار الكتب العلمية, بيروت, ط1, 2000م.

226.                       العراقي، أبو الفضل زين الدين عبد الرحيم بن الحسين, التقييد والإيضاح شرح مقدمة ابن الصلاح, الناشر: المكتبة السلفية، المدينة المنورة، ط1، 1389 هـ.

227.                       العراقي، أبو الفضل زين الدين عبد الرحيم بن الحسين, شرح التبصرة والتذكرة, تحقيق: عبد اللطيف الهميم, ماهر ياسين الفحل, الناشر: دار الكتب العلميّة, ط1, 1423هـ.

228.                       العصامي المكي، عبد الملك بن حسين بن عبد الملك، سمط النجوم العوالي في أنباء الأوائل والتوالي، تحقيق: عادل أحمد عبد الموجود وعلي محمد معوض، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت، 1419هـ

229.                       العقيلي، أبو جعفر محمد بن عمرو المكي، كتاب الضعفاء الكبير، تحقيق: د. عبد المعطي أمين قلعجي، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت، ط2ـ 1418هـ.

230.                       العلائي, خليل بن الأمير سيف الدين, كتاب المختلطين, تحقيق: د. رفعت فوزي عبد المطلب, علي عبد الباسط مزيد, الناشر: مكتبة الخانجي, القاهرة ـ مصر, الطبعة الأولى, 1417هـ ـ 1996م.

231.                       العيني، بدر الدين أبو محمد، محمد بن أحمد الحنفي، عمدة القاري شرح صحيح البخاري، الناشر: دار إحياء التراث العربي.

232.                       الغامدي، أحمد بن سعد حمدان, حوار هادئ مع القزويني، الدمام، طبعة عام: 1426هـ.

233.                       الغماري, عبد الله بن الصديق, الرد المحكم المتين على كتاب القول المبين, الناشر: مطبعة العهد الجديد, ط1 ـ 1374هـ ـ 1955م.

234.                       الفسوي, يعقوب بن سفيان, المعرفة والتاريخ, تحقيق: خليل المنصور, الناشر: دار الكتب العلمية, بيروت, 1419هـ ـ 1999م.

235.                       القاري، نور الدين أبو الحسن الملا على بن سلطان محمد، شرح شرح نخبة الفكر في مصطلحات أهل الأثر، قدم له: الشيخ عبد الفتاح أبو غدة، حققه وعلق عليه: محمد نزار تميم وهيثم نزار تميم، الناشر: دار الأرقم ـ بيروت.

236.                       القاري، نور الدين, أبو الحسن الملا علي بن سلطان محمّد, شرح مسند أبي حنيفة، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت.

237.                       القاري، نور الدين, أبو الحسن الملا علي بن سلطان محمّد, مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح، تحقيق: جمال عيتاني، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت، ط1ـ 1422هـ.

238.                       القاسمي، محمد جمال الدين، قواعد التحديث من فنون مصطلح الحديث، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت، ط1ـ 1399هـ.

239.                       القاضي التنوخي، الفرج بعد الشدة, الناشر: منشورات الشريف الرضي ـ قم، ط2، 1364ش.

240.                       القاضي عياض، أبو الفضل عياض بن موسى, إكمال المعلم بفوائد مسلم، تحقيق: د. يحيى إسماعيل، الناشر: دار الوفاء ـ مصر، دار الندوة ـ الرياض، ط2ـ 1425هـ

241.                       القاضي عياض، أبو الفضل عياض بن موسى, الشفا بتعريف حقوق المصطفى|، الناشر: دار الفكر ـ بيروت، طبعة عام 1409هـ ـ 1988م.

242.                       القرطبي الأنصاري، أبو عبد الله محمد بن أحمد، التذكرة في أحوال الموتى واُمور الآخرة، الناشر: مكتبة دار المنهاج ـ الرياض، طبعة عام 1425هـ.

243.                       القرطبي الأنصاري، أبو عبد الله محمد بن أحمد، تفسير القرطبي (الجامع لأحكام القرآن)، تصحيح: أبو إسحاق إبراهيم أطفيش, الناشر: دار إحياء التراث العربي, بيروت , سنة الطبع: 1405 - 1985م.

244.                       القرطبي, أحمد بن عمر بن إبراهيم المالكي, المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم، تحقيق: محيي الدين ديب، يوسف علي بديوي، أحمد محمد السيد، محمود إبراهيم بزال، الناشر: دار ابن كثير، دار الكلم الطيب ـ دمشق ـ بيروت، ط1ـ 1417هـ.

245.                       القسطلاني، شهاب الدين أحمد، إرشاد الساري شرح صحيح البخاري، ضبطه وصححه: محمد بن العزيز الخالدي، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت، ط2ـ 2009م.

246.                       القفاري، ناصر بن عبد الله بن علي، اُصول مذهب الشيعة الإمامية الاثني عشرية، الناشر: دار الرضا ـ الجيزة، ط3ـ 1418هـ

247.                       الكتبي، محمد بن شاكر بن أحمد، فوات الوفيات، تحقيق: علي محمد بن يعوض الله،عادل أحمد عبد الموجود، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت، ط1ـ 2000م.

248.                       الكفعمي, تقى الدين إبراهيم بن علي الحسن بن محمد بن صالح, المصباح, الناشر: مؤسسة الأعلمي للمطبوعات بيروت ـ لبنان, ط3ـ 1403ه‍ ـ.

249.                       الكنجي الشافعي، محمد بن يوسف، كفاية الطالب في مناقب علي بن أبي طالب×، تحقيق وتصحيح وتعليق: محمد هادي الأميني، الناشر: دار إحياء تراث أهل البيت^، ط3ـ 1404هـ

250.                       اللالكائي، هبة الله بن الحسن بن منصور، شرح أصول اعتقاد أهل السنة، تحقيق: د. أحمد بن سعد الغامدي, الناشر: دار طيبة.

251.                       اللكنوي الهندي، أبو الحسنات، محمد عبد الحي، الرفع والتكميل في الجرح والتعديل، تحقيق: عبد الفتاح أبو غدة، الناشر: مكتب المطبوعات الإسلامية ـ حلب، ط3ـ 1407هـ.

252.                       المالكي، حسن بن فرحان، نحو انقاذ التاريخ الإسلامي، الناشر: مؤسسة اليمامة، الرياض, 1418هـ.

253.                       المباركفوري، أبو العلاء، محمد عبد الرحمن، تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت، ط1ـ 1410هـ ـ 1990م.

254.                       المبرد، أبو العباس، محمد بن يزيد، الكامل في اللغة، تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم، الناشر: دار الكتاب العربي ـ القاهرة، ط3ـ 1417هـ.

255.                       المتقي الهندي، علاء الدين علي بن حسام الدين, كنز العمال في سنن الأقوال والأفعال، تحقيق: محمود عمر الدمياطي، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت، ط1، 1419هـ - 1998م.

256.                       مجموعة من المؤلفين, المعجم الوسيط, تحقيق: مجمع اللغة العربية, الناشر: دار الدعوة.

257.                       المحبي، محمّد أمين بن فضل الله, خلاصة الأثر في أعيان القرن الحادي عشر، الناشر: دار صادر ـ بيروت.

258.                       محمد الخضري بك، محاضرات تاريخ الأمم الإسلامية, الناشر: مطبعة الاستقامة ـ مصر ط4ـ 1354هـ.

259.                       القنوجي, محمد صديق حسن خان, قطف الثمر في بيان عقيدة أهل الأثر, الناشر: شركة الشرق الأوسط للطباعة ـ ماركا الشمالية, تحقيق: د. عاصم عبد الله القريوتي, الأردن, ط1, 1404هـ.

260.                       محمد عبده، شرح نهج البلاغة، الناشر: دار الذخائر ـ قم، ط1، 1412هـ.

261.                       المخزومي, أبو الحجاج , مجاهد بن جبر, تفسير مجاهد, الناشر: المنشورات العلمية ـ بيروت، تحقيق: عبدالرحمن الطاهر محمد السورتي.

262.                       المزي، أبو الحجاج جمال الدين يوسف بن عبد الرحمن، تهذيب الكمال، تحقيق وضبط وتعليق: د. بشار عواد معروف، الناشر: مؤسسة الرسالة ـ بيروت، طبعة عام 1413هـ.

263.                       المعلمي اليماني، عبد الرحمن بن يحيى، التنكيل بما في تأنيب الكوثري من الأباطيل، تخريجات وتعليقات: محمد ناصر الدين الألباني، زهير الشاويش، عبد الرزاق حمزة، الناشر: المكتب الإسلامي، ط2ـ 1406هـ.

264.                       المفيد، العكبري البغدادي، أبو عبد الله محمد بن محمد بن النعمان، الإرشاد في معرفة حجج الله على العباد، تحقيق: مؤسسة آل البيت^ لتحقيق التراث، الناشر: دار المفيد ـ بيروت، ط2ـ 1414هـ.

265.                       مقاتل بن سليمان، تفسير مقاتل، تحقيق: أحمد فريد، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت، ط1ـ 1424هـ

266.                       المقدسي الحنبلي, أبو عبد الله محمد بن عبد الواحد بن أحمد, الأحاديث المختارة, تحقيق: عبد الملك بن عبد الله بن دهيش, الناشر: مكتبة النهضة الحديثة ـ مكة المكرمة, ط1, 1410هـ.

267.                       المقريزي، أحمد بن علي بن عبد القادر بن محمد المقريزي، إمتاع الأسماع بما للنبي صلى الله عليه وسلم من الأحوال والأموال والحفدة المتاع، تحقيق وتعليق: محمد عبد الحميد النميسي، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت، ط1ـ 1420هـ.

268.                       ممدوح, محمود سعيد, الاتجاهات الحديثية في القرن الرابع عشر، الناشر: دار البصائر ـ مصر، ط1, 1430هـ.

269.                       ممدوح, محمود سعيد, رفع المنارة لتخريج أحاديث التوسل والزيارة, الناشر: دار الإمام النووي, ط1ـ 1416 ه‍ ـ 1995م.

270.                       المناوي، محمد عبد الرؤوف، فيض القدير شرح الجامع الصغير، تصحيح: أحمد عبد السلام، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت، ط1ـ 1415هـ.

271.                       المنذري, عبد العظيم بن عبد القوي، الترغيب والترهيب, تحقيق: إبراهيم شمس الدين, دار الكتب العلمية ـ بيروت, ط1 ـ 1417هـ.

272.                       المنذري، عبد العظيم بن عبد القوي، رسالة في الجرح والتعديل، الناشر: مكتبة دار الأقصى ـ الكويت, ط1, 1406هـ.

273.                       المنقري، نصر بن مزاحم، وقعة صفّين، تحقيق وشرح: عبد السلام محمد هارون، الناشر: المؤسسة العربية الحديثةـ القاهرة، ط2ـ 1382هـ.

274.                       موسى شاهين لاشين، فتح المنعم شرح صحيح مسلم، الناشر: دار الشروق ـ القاهرة، ط1ـ 1423هـ

275.                       النبهاني, يوسف بن إسماعيل, شواهد الحق في الاستغاثة بسيد الخلق، تحقيق: الشيخ عبد الوارث محمد علي، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت، ط3ـ 2007 م.

276.                       النحاس، أحمد بن محمّد بن إسماعيل, معاني القرآن، تحقيق: الشيخ محمد علي الصابوني، الناشر: جامعة أم القرى ـ المملكة العربية السعودية، ط1ـ 1409هـ.

277.                       النسائي, أبو عبد الرحمن, أحمد بن شعيب بن علي، عمل اليوم والليلة, تحقيق: د. فاروق حمادة, الناشر: مؤسسة الرسالة - بيروت, ط2, 1406هـ.

278.                       النسائي, أبو عبد الرحمن، أحمد بن شعيب بن علي، تهذيب خصائص الإمام علي× للنسائي, تحقيق: أبو إسحاق الحويني الحجازي بن محمد بن شريف، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت، ط1ـ 1405هـ

279.                       النسائي, أبو عبد الرحمن، أحمد بن شعيب, الضعفاء والمتروكين, الناشر: دار المعرفة للطباعة ـ بيروت, ط1 ـ 1406 هـ ـ 1986م.

280.                       النسائي، أبو عبد الرحمن، أحمد بن شعيب بن علي، السنن الكبرى، تحقيق: عبد الغفار سليمان البنداري، سيد كسروي حسن، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت، ط1ـ 1411هـ.

281.                       النسفي، أبو البركات، عبد الله بن أحمد بن محمود، تفسير النسفي (مدارك التنزيل وحقائق التأويل)، اعتنى به: عبد المجيد طعمة الحلبي، الناشر: دار المعرفة ـ بيروت، ط2ـ 1429هـ.

282.                       نهج البلاغة، تحقيق وتوثيق صبري إبراهيم السيد, الناشر: دار الثقافة ـ قطر ـ الدوحة، 1406هـ.

283.                       النووي , أبو زكريا، يحيى بن شرف, الأذكار النووية, الناشر: دار الفكر للطباعةـ بيروت, طبعة عام: 1414 هـ ـ 1994م.

284.                       النووي، أبو زكريا، يحيى بن شرف، المجموع (شرح المهذب)، الناشر: دار الفكر ـ بيروت.

285.                       النووي، أبو زكريا، يحيى بن شرف، شرح صحيح مسلم (المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج)، الناشر: دار الكتاب العربي ـ بيروت، طبعة عام 1407هـ.

286.                       النويري، شهاب الدين أحمد بن عبد الوهاب، نهاية الأرب في فنون الأدب، تحقيق: مفيد قمحية وجماعة، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت ط1ـ 1424هـ.

287.                       النيسابوري، أبو الحسين, مسلم بن الحجاج، صحيح مسلم (الجامع الصحيح)، الناشر: دار الفكر ـ بيروت. (طبعة مصحّحة) وترقيم الأحاديث نسخة دار الفكر ـ بيروت، طبعة عام 1421هـ، اعتنى به: صدقي جميل العطار.

288.                       الهيتمي، ابن حجر المكي، أبو العباس، أحمد بن محمد بن علي, الجوهر المنظم في زيارة القبر الشريف النبوي المكرم, الناشر: دار جوامع الكلم.

289.                       الهيتمي، ابن حجر المكي، أبو العباس، أحمد بن محمّد بن علي, الخيرات الحسان في مناقب الإمام الأعظم أبي حنيفة النعمان, الناشر: مطبعة السعادة, مصر, 1324هـ.

290.                       الهيتمي، ابن حجر المكي، أبو العباس، أحمد بن محمد بن علي, تطهير الجنان واللسان عن ثلب معاوية بن أبي سفيان، الناشر: دار الصحابة ـ طنطا، ط1، 1413هـ.

291.                       الهيتمي، ابن حجر المكي، أبو العباس، أحمد بن محمد بن علي، الصواعق المحرقة، تحقيق: عبد الرحمن بن عبد الله التركي، كامل محمد الخراط، الناشر: مؤسسة الرسالة ـ بيروت، ط1ـ 1417هـ.

292.                       الهيتمي، ابن حجر، المكي، أبو العباس، أحمد بن محمد بن علي، الفتاوى الحديثيّة، الناشر: دار الفكر ـ بيروت.

293.                       الهيثمي، نور الدين علي بن أبي بكر، مجمع الزوائد ومنبع الفوائد، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت، طبعة عام 1408هـ.

294.                       الواحدي النيسابوري، أبو الحسن علي بن أحمد، الوجيز في تفسير الكتاب العزيز (تفسير الواحدي)، تحقيق: صفوان عدنان داوودي، المطبعة: دمشق ـ بيروت ـ دار القلم، الدار الشامية، ط1ـ 1415هـ.

295.                       اليان سركيس، معجم المطبوعات العربية، الناشر: مكتبة آية الله المرعشي النجفي ـ قم المقدسة، طبعة عام: 1410هـ.

296.                      اليعقوبي، أحمد بن أبي يعقوب بن جعفر بن وهب، تاريخ اليعقوبي، الناشر: دار صادر ـ بيروت.


المجلات والدوريات:

297.                       مجلة التبيان الصادرة عن الجمعية الشرعية الرئيسية, القاهرة, عدد صفر,1430 هـ.

المواقع الألكترونية:

298.                        موسوعة ويكيبيديا الحرة.

299.                        موقع الشيخ ابن عثيمين.

 


محتويات الكتاب

شكر وتقدير

تكملة الحوار حول  الآيات الواردة في عدالة الصحابة

تمهيد

الآية الثانية: محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار

قلتم: الآية شاملة للخلفاء الأربعة

الجواب

قلتم: هل الآية تدلّ على عدالة علي فقط؟

الجواب

قلتم: المعيّة تشمل الخلفاء والمراد بها الجسمية والروحية

الجواب

قلتم: الأصناف العشرة في المنافقين لا في الصحابة

الجواب

قلتم: إغاظة الكفار لا تتمّ بأربعة صحابة

الجواب

قلتم: تفسيركم للآية يفضي لتشكيك الكافر بالقرآن

الجواب

قلتم: الخلاف وقع في خلافة علي دون من قبله

الجواب

قلتم: كل الصحابة كانوا رحماء فيما بينهم

الجواب

قلتم: ما يعتذر فيه لعلي يعتذر فيه لسائر الصحابة

الجواب

قلتم: حديث قتال الناكثين والقاسطين والمارقين ضعيف

الجواب

حديث علي

حديث عمّار بن ياسر

حديث عبد الله بن مسعود

حديث أبي أيّوب الأنصاري

حديث أبي سعيد الخدري

النتيجة

تصريحات العلماء بأن علياً قاتل الناكثين والقاسطين والمارقين

قلتم: حديث الناكثين لم يساو في الوصف بين المخالفين لعلي

الجواب

الأوصاف في الآية مختصة ببعض الصحابة

قلتم: هل الآية مختصّة بعلي والأربعة أبي ذر و...

الجواب

قلتم: المعيّة في الآية لم تقيّد بـ (من) فتفيد العموم

الجواب

قلتم: من هم الموعودون بالمغفرة في الآية

الجواب

تتميم

قلتم: (من) بيانية لا تبعيضية

الجواب

قلتم: على فرض التبعيض، فمن هم المرادون بالاية؟

الجواب

الآية الثالثة: إن الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا...

المراد من الآية

قلتم: إذا اطلق الله فلا قيد وإذا قيّد فلا إطلاق

الجواب

الوصية لا تنسجم مع تعديل الصحابة

الجواب

الآية الرابعة: لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل

قلتم: الموعود بالحسنى يختلف عن الذي انسلخ من آيات الله

الجواب

الآية الخامسة: للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم

قلتم: هل الخلفاء الثلاثة مشمولون بالآية؟

الجواب

قلتم: الله أمر الصحابة أن يكونوا مع المهاجرين

الجواب

قلتم: هل الأنصار الذين آووا مفلحون؟

الجواب

قلتم: كيف نميز بين الأنصار والمنافقين؟

الجواب

قلتم: هل صار الصحابة غير مفلحين بسبب الوصيّة؟

الجواب

قلتم: كيف تعرف الدين من دون الصحابة؟

الجواب

قلتم: هل الدين الذي نشره الصحابة حقّ أم باطل؟

الجواب

الآية لا تشمل الطلقاء والأعراب والمتهمين بالنفاق

قلتم: سورة الحشر ذكرت ثلاثة أقسام

الجواب

قلتم: الأمّة بأسرها اختارت تعظيم الصحابة

الجواب

قلتم: الخلاف مع الشيعة ليس في الطلقاء والأعراب

الجواب

قلتم: الطلقاء والأعراب قد يكون بعضهم عدولا

الجواب

قلتم: المتهمون بالنفاق ليسوا من الصحابة

الجواب

قلتم: القرآن قسّم المؤمنين إلى مهاجرين وأنصار ومتّبعين بإحسان

الجواب

قلتم: عقيدة الشيعة لا تنسجم مع عدالة الصحابة

الجواب

قلتم: عجبا كيف تنسجم الأخوّة مع الكره؟

الجواب

قلتم: دعوى عدم دخول الطائفتين في الآية مردودة

الجواب

قلتم: الوصيّة غير صحيحة في كتب الفريقين

الجواب

قلتم: لو كانت هناك وصية لا يمكن أن يُجمع الصحابة على نفيها

الجواب

قلتم: الوصيّة إن كانت بمعنى الإمامة فهي مكذوبة

الجواب

قلتم: الفتن التي حدثت لم تكن عن عمد

الجواب

قلتم: الشيعة كيف يحترمون الصحابة وهم يعتقدون بخيانتهم؟

الجواب

آيات آخرى أدعي دلالتها على عدالة الصحابة

الآية الأولى: وكذلك جعلناكم أمة وسطا

الكلام يقع في أمرين

الأمر الأول: دلالة الآية

الأمر الثاني: الإشكالات حول الآية:

قلتم: المفسرون فسروا الوسط بـ (العدل)

الجواب

قلتم: هل يدخل في خطاب الآية خيار الصحابة؟

الجواب

قلتم: ما هو الدليل على عدم دخول خيار الصحابة في الآية؟

الجواب

قلتم: الصحابة لم يرووا الوصية وعلي أنكرها

الجواب

قلتم: الثناء على الأمّة يتنافى مع كون أوّلها فاسقين

الجواب

قلتم: القول بعدالة أربعة من الصحابة فقط فيه اتّهام لله

الجواب

الخلاصة

الآية الثانية: كما أرسلنا فيكم رسولا منكم

قلتم: هل تحقّقت نعمة الامتنان بالتزكية أم لا؟

الجواب

الآية الثالثة: كنتم خير أمة أخرجت للناس

قلتم: إجماع المفسرين على دخول الصحابة في هذه الآية

الجواب

الآية الرابعة: لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح

قلتم: هذا الوعد الإلهي غير مختص بأربعة صحابة

الجواب

الآية الخامسة: لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة

قلتم: أخبر الله عن رضاه عن المبايعين

الجواب

الآية السادسة: ولكن الله حبب إليكم الإيمان

قلتم: هل تحقق الامتنان الآلهي لجيل الصحابة؟

الجواب

الآية السابعة: فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه

قلتم: الآية تمدح أبي بكر وجيشه وجيش عمر وعثمان...

الجواب

الآية الثامنة: وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات

قلتم: هناك تلازم بين الاستخلاف وبين الإيمان والعمل الصالح

الجواب

تفسير الآية الكريمة

حوار حول الأحاديث الواردة في عدالة الصحابة

تمهيد

الحديث الأول: لا تسبّوا أصحابي...

بيان معنى الحديث

قلتم: الله يصحح أخطاء الصحابة

الجواب

قلتم: التفريق بين نقد الصحابة وسبّهم كلام نظري

الجواب

الحديث الثاني: خير الناس قرني...

أهمّ محاور الحديث

بيانكم لصحّة الحديث

قلتم: الحديث رواه ستّة من الصحابة وهو صحيح

الجواب

قلتم: الشيعة يردون الصحيح ويعملون بالضعيف

الجواب

قلتم: الواقع التاريخي يثبت صدق الحديث

الجواب

قلتم: منظار الشيعة لا يكشف سوى العيوب

الجواب

قلتم: إنّ قتْل الحسين في أحد القرون لا يعني أنّه شرّ القرون

الجواب

فيما يتعلق بتضعيف الرواية

قلتم: التاريخ يشهد بصحّة الرواية كما مر

الجواب

قلتم: في تضعيفكم للرواية اتهام لعلماء الأمة وثقاتها

الجواب

قلتم: الشيعة يتركون أقوال الجهابذة ويتمسكون بالشاذ

الجواب

قلتم: ما استدلّ به الجويني هو مزاعم غير ثابتة

الجواب

قلتم: حدوث بعض الشر في الأمة لا يلغي الخير فيها

الجواب

قلتم: لو كان القرن الثاني شراً كلّه فكيف وصل إلينا هذا الدين؟

الجواب

حوار حول سب بني أميّة لعلي بن ابي طالب×

تمهيد

قلتم: إن بني أميّة لم يسبّوا عليّاً

الجواب

محوران للإجابة عن محاولة إنكار لعن وسب علي×

المحور الأول: سب علي من الظواهر المعروفة في زمن بني أمية

تمهيد:

سب علي× في زمن معاوية

معاوية يسب عليا× ويأمر بسبه

ولاة معاوية يسبون عليا×

1ـ المغيرة بن شعبة

2ـ مروان بن الحكم

رسول الله وعلي يحذران الأمة من مروان وبنيه

مروان بن الحكم يسبّ علياً وأهل البيت

3ـ زياد بن أبيه

4 ـ بسر بن أرطاة

بسر بن أرطاة يسبّ أمير المؤمنين

5 ـ عمرو بن سعيد الأشدق

استمرار ظاهرة السبّ وديمومتها بعد وفاة معاوية

الدلائل على استمرار ظاهرة السب وشيوعها في الدولة الأموية

أولاً: ممارسة الولاة والأمراء للسب والشتم

1ـ الحجاج بن يوسف الثقفي

الحجاج وعلاقته بأهل البيت^ وشيعتهم

الحجاج وسبه أمير المؤمنين×

2ـ محمد بن يوسف الثقفي أخو الحجاج

3ـ خالد بن عبد الله القسري

خالد القسري يبغض أمير المؤمنين ويسبه

4 ـ عبد العزيز بن مروان

5 ـ سليمان بن عبد الملك

ثانيا: أقوال التابعين والعلماء فيما يتعلق بسب الأمويين لعلي×

عامر بن عبد الله بن الزبير المتوفى سنة 121هـ

جعونة بن الحارث: كان حياً في سنة 101هـ

لوط بن يحيى (أبو مخنف المتوفى سنة 157هـ)

عبد الله بن العلاء المتوفى 164هـ

يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر المتوفى سنة 380هـ

ابن حزم الظاهري المتوفى سنة 456هـ

محمود بن عمر الخوارزمي الزمخشري المتوفى سنة 538هـ

ابن الأثير الجزري المتوفى سنة 630هـ

أحمد بن عمر القرطبي المتوفى سنة 656 ه‍

محمد بن أحمد القرطبي المتوفى سنة 671هـ

أبو الفداء إسماعيل بن علي المتوفى سنة 732 ه‍

تاج الدين عبد الوهاب السبكي المتوفى سنة 771 ه‍

ابن رجب الحنبلي المتوفى سنة 795هـ

ابن خلدون المتوفى سنة 808 هـ

ابن حجر العسقلاني المتوفى سنة 852 هـ

الحافظ جلال الدين السيوطي المتوفى سنة 911هـ

ابن حجر المكي الهيتمي المتوفى سنة 973هـ

الشيخ محمد الخضري بك المتوفى سنة 1345 ه‍

الشيخ محمد أبو زهرة المتوفى سنة 1394هـ.

عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين المتوفى سنة 1430 هـ

ثالثا: منع عمر بن عبد العزيز لظاهرة السب

المحور الثاني: الإجابة عن الردود والشبهات حول السبّ

قلتم: كتاب معجم البلدان لا يحتج به

الجواب

قلتم: إنّ معجم البلدان مليء بالخرافات التي تسقطه عن الاعتبار

الجواب

إنكار سب أمير المؤمنين على منابر بني أمية

قلتم: عدد المساجد في ذلك العهد لا يصل إلى هذه الكثرة

الجواب

قلتم: الاعتماد على كتب مبتورة الاسانيد من أسباب الانحراف

الجواب

قلتم: إن ابن عقيل نكرة غير معتمد، والسيوطي متأخّر

الجواب

قلتم: إنّ معاوية لم يأمر بسبّ علي×

الجواب:

قلتم: إنّ شرّاح الحديث فسّروا السب بأمر آخر

الجواب

قلتم: لفظ حديث مسلم هو الصحيح وما عداه لا يعتنى به

الجواب

قلتم: في رواية ابن كثير  ابن اسحاق وهو مدلس وقد عنعن

الجواب

قلتم: في حديث ابن أبي شيبة انقطاع

الجواب

قلتم: لو ثبت السبّ فمعاوية آثم فيما لو لم يتب

الجواب

قلتم: منهج أهل السنة هو عدم الخوض فيما جرى بين الصحابة

الجواب

قلتم: لا خوف من ذكر فضائل علي× في زمن الأمويين

الجواب

حوار عام  حول الوصيّة ومسائل أخرى

تمهيد

الخلط بين مقام الاستدلال والاحتجاج

أصول وقواعد حديثية وفق منهجية خاطئة

قاعدة: لا روايات صحيحة في كتب الشيعة

الجواب

قاعدة: تصنيف الكتب الروائية إلى طبقات

الجواب

كتب التاريخ ومرجعيتها في مسائل العقيدة

الجواب

دعوى عدم صحة تحكيم كتب التاريخ في قضايا الخلاف

الجواب

قلتم: ليس كل ما يورده ابن حبان في كتابه الثقات أنه ثقة فعلاً

الجواب

دلائل على ان من ذكره ابن حبان في الثقات يكون موثقا عنده

1ـ تصريح ابن حبان

2ـ فهم علماء الجرح والتعديل

3ـ وصف ابن حبان بالتساهل في التوثيق

الأدلة على أن سكوت ابن حبان عن الراوي لا يعد توثيقا

الدليل الأول:

الجواب

الدليل الثاني

الجواب

قلتم: ابن حبان متساهل فلا يعتمد على ما انفرد به من توثيق

الجواب

تعارض الجرح والتعديل

الجواب

قاعدة: الجرح مقدّم على التعديل

الجرح المفسّر مقدم على التعديل لا مطلق الجرح

الراوي المجهول والجرح المفسر

شروط وضوابط تقديم الجرح المفسر على التعديل

الرواية عمّن يُسمّون بأهل البدع

عقيدة الراوي في ميزان الجرح والتعديل

الأقوال في رواية الراوي المبتدع

الخلاف الأول: في الراوي المبتدع مطلقاً

الخلاف الثاني: في الراوي المكفّر ببدعته

الخلاف الثالث: في الراوي المفسّق ببدعته من غير تكفير

مفهوم الشيعة والرافضة

الشيعة في اللغة

الاختلاف في تحديد مصطلح الشيعة

الاختلاف في تحديد مصطلح الرافضة

أول ظهور لاصطلاح الرافضة

الرافضة والشيعة عند أهل الجرح والتعديل

توثيق الخوارج والنواصب

قلتم: حريز بن عثمان إمّا بريء من تهمة السب أو أنّه تاب

الجواب

التقية والكذب

نهج البلاغة عند الشيعة

نهج البلاغة كتاب جامع

قلتم: إن نهج البلاغة لا يصلح كتابا تاريخيا ولا أدبيا

الجواب

الاستشهاد بكلام عبد السلام هارون

مع صبري إبراهيم وتحقيقه لكتاب نهج البلاغة

دعوى انحصار مصادر نهج البلاغة بكتب الأدب والتواريخ

الجواب

وقفة نقدية مع تحقيق صبري إبراهيم لنهج البلاغة

الجواب

عودة إلى أحاديث الوصية

بعض روايات الوصية ليس ضعيفاً

الرواية الأولى

سند الرواية

الرواية الثانية

سند الرواية

الرواية الثالثة

سند الرواية

الرواية الرابعة

سند الرواية

الرواية الخامسة

سند الرواية

أحاديث الوصية وموضوعات ابن الجوزي

شهرة حديث الوصية بين الصحابة وغيرهم

إنكار السيدة عائشة الوصية لا يدل على عدمها

الشوكاني ينكر على عائشة نفيها الوصية

       حوار حول عقيدة التوسل

مقدّمة

المحور الأوّل: بيان أنواع التوسّل ومشروعيتها عند المسلمين

تمهيد

أنواع التوسّل

النوع الأول: التوسل بأسماء وصفات الله تعالى

النوع الثاني: التوسل بعمل صالح قام به الداعي

النوع الثالث: التوسّل بدعاء النبي في حياته

النوع الرابع: التوسّل بدعاء سائر الأنبياء الأحياء والأئمّة والصالحين

النوع الخامس: التوسل بالطلب من النبيّ بعد وفاته

أمران مهمان

الأدلّة على جواز طلب الحاجة أو الاستغفار من النبي’ بعد وفاته

الدليل الأول: التمسّك بإطلاق آية استغفار النبي’

الدليل الثاني: حديث عرض الاعمال على النبي’

الدليل الثالث: تصريح النبي’ بأنه يستجيب لعيسى

الدليل الرابع: رواية مالك الدار

الدليل الخامس: زيارة الصحابي أبي أيّوب لقبر النبي’

الدليل السادس: اعتراف ابن تيميّة بقضاء الحوائج عند قبر النبي’

النوع السادس: التوسل بذوات الأنبياء والصالحين

أدلة جواز النوع السادس (التوسل بالذات)

الدليل الأول: حديث الضرير

شبهات حول دلالة حديث الضرير على جواز التوسل بالذات

الشبهة الأولى: الحديث يدل على التوسل بدعاء النبي لا بذاته

النحو الأول: الحديث يحتاج إلى تقدير كلمة (جاه) أو (دعاء)

الجواب

النحو الثاني: ورود زيادة في الحديث تدل على أن التوسل كان بالدعاء

الجواب

رواية حماد بن سلمة

الشبهة الثانية: التوسل في حديث الضرير مختص بحياة النبي

الجواب

الصحابي عثمان بن حنيف وحديث الضرير

الشبهة الثالثة: التوسل بحديث الضرير مختص بالنبي دون غيره

الجواب

الدليل الثاني: حديث توسّل آدم بالنبيّ ’

شواهد لحديث توسل آدم بالنبي’

الشاهد الأوّل للحديث:

الشاهد الثاني لحديث توسل آدم بالنبي’

الشاهد الثالث على حديث توسّل آدم بالنبي’

الدليل الثالث: توسل النبي’ بالأنبياء قبله

الدليل الرابع: أمر عائشة بفتح كوة من قبر النبي’ للاستسقاء

الدليل الخامس: الاستسقاء بالعباس عمّ النبي’

شبهة: أن التوسل بالعباس كان بدعائة لا بذاته

نحوان لهذه الشبهة

النحو الأول: الرواية بحاجة إلى تقدير كلمة (جاه) أو (دعاء)

الجواب

النحو الثاني: عدول الخليفة عمر عن التوسل بذات النبي’

الجواب

الدليل السادس: أبيات شعر لأبي طالب

الدليل السابع: حديث: اللهمّ بحقّ السائلين عليك

النوع السابع: التوسّل بالطلب من الأنبياء ـ غير النبي محمّد’ـ والأئمّة والصالحين بعد وفاتهم

المحور الثاني: بيان سيرة العلماء والناس على جواز التوسّل

المحور الثالث: بيان أهمّ الشبهات المثارة حول التوسّل والإجابة عنها

أولاً: شبهة أن باب الله مفتوح للجميع فلا حاجة للواسطة

الجواب

ثانيا: شبهة أنه لماذا التوسل والله يصرح: ادعوني استجب لكم

الجواب

ثالثا: شبهة أن هناك آيات قرآنية كثيرة تتنافي مع مبدأ التوسل

آية: إنّ الذين تدعون من دون الله

الجواب

رابعاَ: آيات أخرى تتنافى مع التوسّل

خامساً: شبهة أن علي بن ابي طالب يرفض مبدأ التوسل

الجواب

سادساً: شبهة أن الإغاثة والتوسل فيها نداء لغير الله

الجواب

إشكال وجواب

المصادر

محتويات الكتاب

 



([1]) الفتح: 29.

([2]) مسلم النيسابوري، صحيح مسلم: ج5 ص152، الناشر: دار الفكر ـ بيروت.

([3]) المصدر نفسه.

([4]) انظر: ابن أبي شيبة، المصنّف: ج8 ص572، الناشر: دار الفكر ـ بيروت، ط1، 1409هـ.

([5]) البخاري، صحيح البخاري: ج5 ص83، الناشر: دار الفكر، بيروت، 1401 هـ.

([6]) الأصناف العشرة التي ذكرها القرآن هي: 1ـ المنافقون المعروفون. 2ـ المنافقون غير المعروفين. 3ـ مرضى القلوب. 4ـ السماعون. 5ـ الموشكون على الارتداد. 6ـ الفاسقون. 7ـ غير المؤمنين. 8ـ الذين خلطوا أعمالهم. 9ـ المؤلفة قلوبهم. 10ـ الفارّون من الزحف.

([7]) تقدم كلّ ذلك في ج2، انظر: ص19ـ20، ص287ـ 295، ص239ـ245، ص247ـ248.

([8]) ليس واضحاً كلام الغامدي هنا، ولعل المقصود: أن التقوية التي كانت بسبب مؤازرة الصحابة للنبي ومساندتهم له كانت تهدف إلى إغاظة الكفار.

([9]) البخاري، صحيح البخاري: ج5 ص101، الناشر: دار الفكر ـ بيروت، 1401 هـ.

([10]) التوبة: 25.

([11]) انظر: الحاكم النيسابوري، المستدرك على الصحيحين، وبذيله التلخيص للذهبي: ج2 ص121، الناشر: در المعرفةـ بيروت، طبعة مزيدة بفهرس الأحاديث.

([12]) ابن قتيبة الدينوري، المعارف: ص164، الناشر: دار المعارف ـ القاهرة.

([13]) الفخر الرازي، التفسير الكبير: ج9 ص42، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت، ط1، 1421 هـ.

([14]) ملل: موضع على طريق المدينة إلى مكة.

([15]) نقلاً عن ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة: ج15 ص24، الناشر: دار إحياء الكتب العربية، ط1، 1387 هـ.

([16]) الحاكم النيسابوري، المستدرك على الصحيحين، وبذيله التلخيص للذهبي: ج3 ص37، الناشر: دارالمعرفة ـ بيروت، طبعة مزيدة بفهرس الأحاديث.

([17]) المصدر نفسه: ج3 ص38.

([18]) ابن أبي شيبة، المصنّف: ج8 ص521، الناشر: دار الفكر ـ بيروت، ط1، 1409هـ.

([19]) يأنح: من الأنيح وهو علو النَفَس من شدة العَدْو، وجاء في مصدر آخر: يصول، وفي ثالث: رضخ.

([20]) وجاء في مصدر آخر: غلبتم أو علوتم.

([21]) البيهقي، دلائل النبوّة: ج4 ص209، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت، ط3، 1429هـ.

([22]) ابن أبي شيبة، المصنّف: ج8 ص522ـ 523، الناشر: دار الفكر ـ بيروت، ط1، 1409هـ.

([23]) ابن تيمية، مجموع الفتاوى: ج12 ص492، الناشر: مكتبة ابن تيمية، ط2.

([24]) ابن تيمية، منهاج السنة: ج7 ص137 ـ 138، الناشر: مؤسسة قرطبة، ط2، 1406هـ.

([25]) الذهبي، سير أعلام النبلاء: ج3 ص128، الناشر: مؤسسة الرسالة ـ بيروت، ط9، 1413هـ.

([26]) الذهبي، الرواة الثقات المتكلم فيهم بما لا يوجب ردهم: ص23، الناشر: دار البشائر الإسلامية ـ بيروت، ط1، 1412هـ.

([27]) سعد الدين التفتازاني: شرح المقاصد: ج2 ص306، الناشر: دار المعارف النعمانية، باكستان ط1،1401 هـ.

([28]) تقدّم ما يتعلق بابن سبأ والحروب والفتنة في ج2ص346 وما بعدها.

([29]) البخاري، صحيح البخاري: ج6 ص7ـ 8، الناشر: دار الفكر ـ بيروت، 1401 هـ.

([30]) تقدم ذلك في الجزء الثاني: ص18.

([31]) البخاري، صحيح البخاري: ج3 ص166، الناشر: دار الفكرـ بيروت، 1401 هـ.

([32]) المصدر نفسه: ج1 ص37.

([33]) الهيثمي، مجمع الزوائد: ج1 ص113، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت، 1408هـ.

([34]) البخاري، صحيح البخاري: ج4 ص179، الناشر: دار الفكرـ بيروت، 1401 هـ.

([35]) البزار، مسند البزار: ج3 ص26ـ 27، الناشر: مؤسسة علوم القرآن، مكتبة العلوم والحكم ـ بيروت، المدينة، ط1، 1409هـ.

([36]) الطبراني، المعجم الأوسط: ج8 ص213، الناشر: دار الحرمين، 1415هـ..

([37]) الخطيب البغدادي، تاريخ بغداد: ج8 ص336، الناشر: دار الكتب العلميةـ بيروت، ط1، 1417 هـ.

([38]) ابن عساكر، تاريخ دمشق: ج42 ص468، الناشر: دار الفكر ـ بيروت، 1415 هـ.

([39]) ابن عساكر، تاريخ دمشق: ج42 ص468ـ 469، الناشر: دار الفكر ـ بيروت، 1415هـ.

([40]) أبو يعلى، مسند أبي يعلى: ج3 ص194، الناشر: دار المأمون للتراث ـ دمشق.

([41]) الطبراني، المعجم الأوسط: ج9 ص165، الناشر: دار الحرمين، 1415هـ.

([42]) الطبراني، المعجم الكبير: ج10 ص91، الناشر: دار إحياء التراث العربي ـ بيروت، ط2، 1406هـ.

([43]) صعنبى: قرية باليمامة. انظر: معجم البلدان: ج3 ص 407.

([44]) الطبراني، المعجم الكبير: ج4 ص172، الناشر: دار إحياء التراث العربي ـ بيروت، ط2، 1406هـ

([45]) الخطيب البغدادي، تاريخ بغداد: ج13 ص188، الناشر: دار الكتب العلميةـ بيروت، ط1، 1417 هـ.

([46]) الحاكم النيسابوري، المستدرك على الصحيحين: ج3 ص139، الناشر: در المعرفةـ بيروت، طبعة مزيدة بفهرس الأحاديث.

([47]) المصدر السابق: ج3 ص139.

([48]) ابن عساكر، تاريخ دمشق: ج42 ص471، الناشر: دار الفكر ـ بيروت، 1415 هـ.

([49]) الهيثمي، مجمع الزوائد: ج7 ص238.، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت، 1408هـ.

([50]) البزار، مسند البزار: ج3 ص26ـ 27، الناشر: مؤسسة علوم القرآن، مكتبة العلوم والحكم ـ بيروت، المدينة، ط1، 1409هـ.

([51]) يحيى ابن معين، تاريخ يحيى بن معين برواية الدوري: ج1 ص330، الناشر: دار القلم ـ بيروت.

([52]) انظر: الذهبي، تاريخ الإسلام: ج9 ص131، الناشر: دار الكتاب العربي ـ بيروت، ط1، 1407هـ.

([53]) عمر بن شاهين: تاريخ أسماء الثقات: ص85، الناشر: دار السلفية ـ تونس، ط1، 1404هـ.

([54]) ابن حبّان، الثقات: ج6 ص297، الناشر: مؤسسة الكتب الثقافية، ط1، 1393هـ.

([55]) الذهبي، ميزان الاعتدال: ج2 ص40، الناشر: دار المعرفة ـ بيروت، ط1، 1382 هـ.

([56]) الذهبي، تاريخ الإسلام: ج9 ص131، الناشر: دار الكتاب العربي ـ بيروت، ط1، 1407هـ.

([57]) الزرقاني، شرح المواهب اللدنية: ج4 ص543، الناشر: دار الكتب العلمية، ط1، بيروت،1417هـ.

([58]) انظر: ابن أبي حاتم، الجرح والتعديل: ج3 ص379، الناشر: دار إحياء التراث العربي ـ بيروت، ط1، 1372 هـ.

([59]) ابن عدي، الكامل في الضعفاء: ج3 ص61، الناشر: دار الفكر ـ بيروت، ط3، 1409هـ.

([60]) عمر بن شاهين، تاريخ أسماء الثقات: ص79، الناشر: دار السلفية ـ تونس، ط1، 1404 هـ.

([61]) انظر: عمر بن شاهين، ذكر من اختلف من العلماء ونقاد الحديث فيه: ج1 ص52، الناشر: مكتبة أضواء السلف ـ الرياض، ط1، 1419 هـ.

([62]) الذهبي، الكاشف: ج1 ص376، الناشر: دار القبلة للثقافة الإسلامية ـ جدة، مؤسسة علوم القرآن ـ جدة، ط1، 1413هـ..

([63]) ابن عدي، الكامل في الضعفاء: ج3 ص61،، الناشر: دار الفكر ـ بيروت، ط3، 1409هـ.

([64]) قال الذهبي في الموقظة: «وبالاستقراء إذا قال أبو حاتم: (ليس بالقوي)، يُريد بها: أنَّ هذا الشيخ لم يَبْلُغ درجة القويِّ الثَّبْت». الموقظة في علم مصطلح الحديث: ص83.

([65]) جاء في الموقظة: «فمنهم من نَفَسُهُ حادٌّ في الجَرْح، ومنهم من هو معتدِل، ومنهم من هو متساهل، فالحادُّ فيهم: يحيى بنُ سعيد، وابنُ معين، وأبو حاتم، وابنُ خِراش، وغيرُهم<. الموقظة: ص83. وجاء في السير: ج13 ص260: «إذا وثق أبو حاتم رجلاً فتمسَّك بقوله؛ فإنه لا يوثق إلاّ رجلاً صحيح الحديث، وإذا ليّن رجلاً، أو قال فيه: لا يحتج به. فتوقّف حتى ترى ما قال غيره فيه، فإن وثقه أحد، فلا تبن على تجريح أبي حاتم؛ فإنه متعنّت في الرجال، قد قال في طائفة من رجال (الصحاح): ليس بحجة، ليس بقوي، أو نحو ذلك».

([66]) الذهبي، سير أعلام النبلاء: ج13 ص81، الناشر: مؤسسة الرسالة ـ بيروت، ط9، 1413هـ.

([67]) حيث قال مُعلّقاً على حديث: «من لم يوتر فليس منّا<: «إسناده حسن، والخليل بن مرة مختلف فيه، وقال عنه أبو زرعة شيخ صالح...». مسند أحمد بن حنبل بتحقيق حمزة أحمد الزين: ج9 ص291، حديث رقم: 9678، الناشر: دار الحديث، القاهرة، ط1، 1416 هـ.

([68]) الألباني، سلسلة الأحاديث الصحيحة: ج2 ص199ـ 200، حديث رقم 625، الناشر: مكتبة المعارف ـ الرياض، ط2.

([69]) أبو نعيم الأصبهاني، حلية الأولياء: ج1 ص62، الناشر: دار الكتاب العربي ـ بيروت، ط4ـ 1405هـ.

([70]) ابن حجر العسقلاني، تلخيص الحبير في أحاديث الرافعي الكبير: ج4 ص44، الناشر: دار المدينة المنورة، 1384هـ.

([71]) الخوارزمي، المناقب: ص40، الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين ـ قم، ط2، 1414هـ.

([72]) الحج: 30.

([73]) النحاس، معاني القرآن: ج6 ص518، الناشر: جامعة أم القرى ـ المملكة العربية السعودية، ط1، 1409هـ.

([74]) ابن الجوزي، زاد المسير: ج7 ص175، الناشر: دار الفكرـ بيروت، ط1، 1407هـ.

([75]) النحاس، معاني القرآن: ج6 ص518، الناشر: جامعة أم القرى ـ المملكة العربية السعودية ط1، 1409هـ.

([76]) قال الدهلوي: في مختصر التحفة الاثني عشرية: إن حمل (من) الداخلة على الضمير، على البيان مخالف للاستعمال. الدهلوي، محتصر التحفة: ص140. الناشر: المكتبةالسلفية ـ القاهرة.

([77]) ابن عطية، المحرر الوجيز: ج5 ص143، الناشر: دار الكتب العلمية ـ لبنان، ط1، 1413هـ.

([78]) ابن هشام، مغني اللبيب: ص421، الناشر: دار الفكر ـ بيروت، ط6ـ 1985م.

([79]) الأنفال: آية72، 74.

([80]) انظر: ج2 من هذا الكتاب: ص401ـ 404.

([81]) انظر: ج2 من هذا الكتاب: ص19ـ21.

([82]) انظر: ج2 من هذا الكتاب: ص249ـ251.

([83]) انظر: مبحث الوصية الآتي ص431ـ480.

([84]) انظر: ج1 من هذا الكتاب: ص260ـ262.

([85]) الحديد: 10.

([86]) البخاري، صحيح البخاري: ج4 ص34. الناشر: دار الفكرـ بيروت، 1401 هـ. مسلم النيسابوري، صحيح مسلم: ج1 ص72ـ 73، الناشر: دار الفكر ـ بيروت، طبعة مصححة.

([87]) البخاري، صحيح البخاري: ج7 ص213، الناشر: دار الفكر ـ بيروت، 1401 هـ.

([88]) الآمدي، الإحكام: ج4 ص47، الناشر: المكتب الإسلامي ـ بيروت، ط2، 1402هـ.

([89]) النساء: 57.

([90]) انظر: ص63ـ 64 من هذا الجزء.

([91]) نقل بعض تلك الآراء الطبري في تفسيره (جامع البيان): ج9 ص164ـ 165، الناشر: دار الفكر ـ بيروت، 1415هـ.

([92]) الحشر: 8ـ 10.

([93]) التوبة: 119.

([94]) ابن ابي حاتم الرازي، تفسير القرآن: ج5 ص1906ـ1907. الناشر: المكتبة العصرية.

([95]) الزمخشري، الكشاف عن حقائق التنزيل: ج2 ص219. الناشر: شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده بمصر، ط1385 هـ.

([96]) انظر: الفخر الرازي، تفسير الفخر الرازي: ج16 ص176، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت، ط1، 1421هـ.

([97]) البخاري، صحيح البخاري: ج4 ص34. الناشر: دار الفكر ـ بيروت، 1401 هـ. مسلم النيسابوري، صحيح مسلم: ج1 ص72ـ 73، الناشر: دار الفكر ـ بيروت، طبعة مصححة.

([98]) المؤمنون: 70.

([99]) سبأ: 13.

([100]) انظر: ج2 من هذا الكتاب: ص19ـ21.

([101]) انظر: ج2 من هذا الكتاب: ص57.

([102]) انظر: ج2 من هذا الكتاب: ص239ـ245.

([103]) انظر: ج2 من هذا الكتاب: ص35.

([104]) انظر: ج2 من هذا الكتاب: ص38.

([105]) انظر: هذا الجزء ص18ـ23.

([106]) التوبة: 101.

([107]) انظر: مبحث الوصية الآتي: ص431ـ480.

([108]) انظر: ج2 من هذا الكتاب: ص462ـ472.

([109]) المفيد، الإرشاد: ج1 ص288ـ 289، الناشر: دار المفيد ـ بيروت، ط2، 1414هـ.

([110]) انظر: ج2 من هذا الكتاب: ص462ـ472.

([111]) انظر مثلاً: ج2 من هذا الكتاب: ص484 وما بعدها.

([112]) انظر: ج2 من هذا الكتاب: ص490 وما بعدها.

([113]) السقاف، صحيح شرح العقيدة الطحاوية: ص 656، الناشر: دار الإمام النووي ـ الأردن، ط1، 1416 هـ.

([114]) البقرة: 143.

([115]) الجصّاص، أحكام القرآن: ج1 ص108، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت، ط1، 1415هـ.

([116]) الطبري، جامع البيان: ج2 ص10، الناشر: دار الفكر ـ بيروت، 1415هـ.

([117]) النسفي، مدارك التنزيل وحقائق التأويل: ص83، الناشر: دار المعرفةـ بيروت، ط2، 1429 هـ.

([118]) المصادرة مصطلح يقصد به: الاستدلال بنفس المدعى والمتنازع فيه، لا بدليل آخر.

([119]) البقرة: 151.

([120]) مقاتل بن سليمان، تفسير ابن مقاتل: ج1 ص87، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت، ط1، 1424هـ.

([121]) الواحدي، تفسير الواحدي: ج1 ص139، الناشر: دار القلم، الدار الشامية ـ بيروت.

([122]) الثعلبي، الكشف والبيان (تفسير الثعلبي): ج2 ص19، الناشر: دار إحياء التراث العربي ـ بيروت، ط1،1422هــ.

([123]) البيضاوي، تفسير البيضاوي: ج1 ص428، الناشر: دار الفكر ـ بيروت.

([124]) الثعالبي، تفسير الثعالبي: ج1 ص334، الناشر: دار إحياء التراث العربي، مؤسسة التاريخ العربي ـ بيروت، ط1، 1418هـ.

([125]) أبو السعود، تفسير أبي السعود: ج1 ص178، الناشر: دار إحياء التراث ـ بيروت.

([126]) الآلوسي، تفسير الآلوسي: ج2 ص18، الناشر: دار إحياء التراث ـ بيروت.

([127]) النحل: 82.

([128]) فاطر: 23.

([129]) فاطر: 8.

([130]) سبأ: 13.

([131]) المؤمنون: 70.

([132]) الزخرف: 78.

([133]) آل عمران: 110.

([134]) انظر: ابن كثير، تفسير ابن كثير: ج1 ص399، الناشر: دار المعرفة ـ بيروت، 1412هـ

([135]) القرطبي، تفسير القرطبي: ج4 ص173، الناشر: دار إحياء التراث ـ بيروت، 1405هـ.

([136]) الحديد: 10.

([137]) قال الرافعي: «وبيع العينة هو أن يبيع شيئاً من غيره بثمن مؤجّل ويسلّمه إلى المشتري ثمّ يشتريه قبل قبض الثمن بثمن نقد أقلّ من ذلك القدر»، انظر: الشوكاني، نيل الأوطار: ج5 ص318، الناشر: دار الجيل ـ بيروت، 1973م.

([138]) تقدّم ذكر أبي الغادية مراراً فلا نعيد.

([139]) جاء في تاريخ الإسلام للذهبي: «قال معاذ بن معاذ: ثنا شعبة، عن أبي سلمة، عن أبي نضرة، عن أبي هريرة، أن النبي (صلّى الله عليه وسلّم) قال لعشرة من أصحابه في بيت: آخركم موتاً في النار. فيهم سمرة بن جندب، قال أبو نضرة: فكان سمرة آخرهم موتاً. أبو نضرة لم يسمع من أبي هريرة، لكن للحديث مع غرابته شاهد من حديث أبي هريرة، وهو ما رواه إسماعيل بن حكيم ولم يذكره أحد بجرح، قال: ثنا يونس بن عبيد، عن الحسن، عن أنس بن حكيم الضبي، قال: كنت أمر بالمدينة، فألقى أبا هريرة، فلا يبدأ بشيء حتى يسألني عن سمرة، فإذا أخبرته بحياته فرح، فقال: إنا كنا عشرة في بيت، وإن رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) قام ونظر في وجوهنا، وأخذ بعضادتي الباب، ثم قال: آخركم موتاً في النار. فقد مات منا ثمانية، ولم يبق غيري وغير سمرة، فليس شيء أحب إلي من أن أكون قد ذقت الموت. وروى مثله حماد بن سلمة، عن علي بن زيد بن جدعان، عن أوس بن خالد، قال: كنت إذا قدمت على أبي محذورة سألني عن سمرة، وإذا قدمت على سمرة سألني عن أبي محذورة، فسألته، فقال: إني كنت أنا وسمرة، وأبو هريرة في بيت، فجاء النبي (صلّى الله عليه وسلّم) فقال: آخركم موتاً في النار، فمات أبو هريرة، ثم مات أبو محذورة. وقال معمر: ثنا عبد الله بن طاوس وغيره: أن النبي (صلّى الله عليه وسلّم) قال لسمرة بن جندب، ولأبي هريرة، ولآخر: آخركم موتا في النار. فمات الرجل، فكان الرجل إذا أراد أن يغيظ أبا هريرة يقول: مات سمرة، فإذا سمعه غُشي عليه وصعق، ثم مات أبو هريرة قبل سمرة. وقتل سمرة بشراً كثيراً». الذهبي، تاريخ الإسلام: ج4 ص232، الناشر: دار الكتاب العربي ـ بيروت، ط1، 1407 هـ.

([140]) فقد أخرج البخاري عن عبد الله بن عمر أنّه قال: «كان على ثقل النبي (صلّى الله عليه وسلّم) رجل يقال له كركرة فمات، فقال رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) هو في النار، فذهبوا ينظرون إليه فوجدوا عباءة قد غلّها [سرقها]». البخاري، صحيح البخاري: ج4 ص37، الناشر: دار الفكر ـ بيروت، 1401هـ.

([141]) الفتح: 18.

([142]) الشوكاني، فتح القدير: ج5 ص51، الناشر: عالم الكتب.

([143]) ابن عطية الأندلسي، تفسير ابن عطية: ج5 ص133، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت، ط،1413هـ

([144]) الفتح: 10.

([145]) القرطبي، تفسير القرطبي: ج16 ص267، الناشر: دار إحياء التراث العربي ـ بيروت، 1405هـ.

([146]) الطبري، جامع البيان (تفسير الطبري): ج26 ص99، الناشر: دار الفكر ـ بيروت، 1415هـ

([147]) الواحدي، تفسير الواحدي: ج2 ص1008، الناشر: دار القلم، الدار الشامية ـ بيروت.

([148]) ابن عبد البر، التمهيد: ج21 ص221، الناشر: وزارة عموم الأوقاف والشؤون الإسلامية ـ المغرب، 1387هـ.

([149]) البخاري، صحيح البخاري: ج5 ص66، الناشر: دار الفكر ـ بيروت، 1401هـ.

([150]) انظر: ج2 من هذا الكتاب: ص600.

([151]) انظر: ابن عبد البر، الاستيعاب: ج2 ص840، الناشر: دار الجيل ـ بيروت، ط1ـ 1412هـ.

([152]) انظر: ج2 من هذا الكتاب: ص19ـ21.

([153]) انظر: ج2 من هذا الكتاب: ص60ـ63.

([154]) قال ابن حزم: «أبو الغادية يسار ابن سبع السلمي شهد بيعة الرضوان فهو من شهداء الله له بأنه علم ما في قلبه وأنزل السكينة عليه ورضي عنه، فأبو الغادية (رضي الله عنه) متأول مجتهد مخطئ فيه باغ عليه مأجور أجراً واحداً» ابن حزم الظاهري، الفصل في الملل والأهواء والنحل: ج4 ص125، الناشر: مكتبة الخانجي ـ القاهرة.

وانظر عجباً: فإن الرسول ينصّ على دخول قاتل عمّار في النار وابن حزم يقول له أجر واحد!!! فقول من نصدق؟

([155]) انظر: ابن حجر العسقلاني، الإصابة: ج4 ص239، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت، ط1، 1415هـ.

([156]) الحجرات: 7ـ 8.

([157]) الكهف: 29.

([158])، مقاتل بن سليمان، تفسير مقاتل: ج3 ص260، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت، ط1، 1424هـ.

([159]) السمعاني، تفسير السمعاني: ج5 ص218، الناشر: دار الوطن ـ الرياض، ط1، 1418هـ.

([160]) مقاتل بن سليمان، تفسير مقاتل: ج3 ص260.

([161]) السمرقندي، تفسير السمرقندي: ج3 ص309، الناشر: دار الفكر ـ بيروت.

([162]) العز بن عبد السلام، تفسير العز: 214، الناشر: دار ابن حزم ـ بيروت، ط1، 1416هـ.

([163]) انظر: ابن عطيّة، المحرر الوجيز: ج5 ص147، الناشر: دار الكتب العلميةـ بيروت، ط1، 1413هـ. أبو حيان الأندلسي، تفسير البحر المحيط: ج8 ص110، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت، ط1، 1422هـ.

([164]) الزمخشري، تفسير الكشّاف: ج4 ص363ـ 364، الناشر: دار إحياء التراث العربي ـ بيروت.

([165]) النسفي، تفسير النسفي (مدارك التنزيل وحقائق التأويل): ص1152ـ 1153، الناشر: دار النفائس ـ بيروت.

([166]) الطبري، جامع البيان (تفسير الطبري): ج26 ص163، دار الفكر ـ بيروت، 1415هـ.

([167]) محمد بن صالح العثيمين، شرح العقيدة الواسطية: ج2 ص292، خرّج أحاديثه: سعد بن فواز الصميل،الناشر: دار ابن الجوزي ـ السعودية، ط6، 1421هـ.

([168]) سعد الدين التفتازاني: شرح المقاصد: ج2 ص306، الناشر: دار المعارف النعمانية ـ باكستان، ط1، 1401هـ

([169]) المائدة: 54.

([170]) انظر: الحاكم النيسابوري، المستدرك على الصحيحين، وبذيله التلخيص للذهبي: ج3 ص37، الناشر: دار المعرفة ـ بيروت.

([171]) ابن أبي شيبة، المصنّف: ج8 ص522ـ 523، الناشر: دار الفكر ـ بيروت، ط1، 1409هـ.

([172]) البيهقي، دلائل النبوّة: ج4 ص209، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت، ط3، 1429هـ.

([173]) البخاري، صحيح البخاري: ج5 ص76، الناشر: دار الفكر ـ بيروت، 1401هـ.

([174]) المصدر السابق: ص77.

([175]) ابن الجوزي، زاد المسير: ج2 ص291، الناشر: دار الفكر ـ بيروت، ط1، 1407هـ.

([176]) مجاهد، تفسير مجاهد: ص199، الناشر: المنشورات العلميّة ـ بيروت.

([177]) الطبري، جامع البيان (تفسير الطبري): ج6 ص386، دار الفكر ـ بيروت، 1415هـ

([178]) الفخر الرازي، التفسير الكبير: ج12 ص18، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت.

([179]) انظر: ج1 من هذا الكتاب: ص154.

([180]) النور: 55.

([181]) الذهبي، سير أعلام النبلاء: ج13 ص120، الناشر: مؤسسة الرسالة ـ بيروت، ط9، 1413هـ.

([182]) المصدر نفسه.

([183]) الحاكم النيسابوري، المستدرك على الصحيحين وبذيله التخليص للذهبي: ج2 ص401، الناشر: دار المعرفة ـ بيروت.

([184]) الطبري، تفسير الطبري: ج18 ص213، الناشر: دار الفكر ـ بيروت، 1415هـ.

([185]) انظر ما تقدّم عن الحاكم النيسابوري, المستدرك على الصحيحين: ج2 ص401, الناشر: دار المعرفة ـ بيروت, وانظر: تفسير ابن ابي حاتم: ج8 ص2638, الناشر: المكتبة العصرية ـ صيدا.

([186]) انظر: ابن أبي حاتم، تفسير ابن أبي حاتم: ج6 ص1786، الناشر: المكتبة العصرية ـ صيدا.

([187]) البخاري، صحيح البخاري: ج4 ص295، الناشر: دار الفكر ـ بيروت، 1401هـ.

([188]) انظر: ج1 من هذا الكتاب: ص189.

([189]) مسلم النيسابوري، صحيح مسلم: ج3 ص141 ـ 142، الناشر: دار الفكر، بيروت، طبعة مصححة.

([190]) مثل قوله تعالى: >وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فإن لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا< الجن: 23، وقوله تعالى: >وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالًا مُبِينًا< الأحزاب: 36.

([191]) مسلم النيسابوري، صحيح مسلم: ج4 ص33، قال النووري: «أما غضبه (صلّى الله عليه وسلّم) فلانتهاك حرمة الشرع وترددهم في قبول حكمه, وقد قال الله تعالى: >وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا< فغضب (صلّى الله عليه وسلّم) لما ذكرناه من انتهاك حرمة الشرع والحزن عليهم في نقص إيمانهم بتوقفهم». النووي، شرح صحيح مسلم: ج8 ص155.

([192]) أحمد بن حنبل، مسند أحمد: ج4 ص286، الناشر: دار صادر ـ بيروت. النسائي، السنن الكبرى: ج6 ص56، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت، 1411هـ. مسند أبي يعلى: ج3 ص234، الناشر: دار المأمون للتراث.

([193]) الذهبي، سير أعلام النبلاء: ج8 ص498، الناشر: مؤسسة الرسالة ـ بيروت، ط9، 1413هـ.

([194]) الهيثمي، مجمع الزوائد: ج3 ص233، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت، 1408هـ.

([195]) أحمد بن حنبل، مسند أحمد بتحقيق حمزة أحمد الزين: ج14 ص198، حديث رقم 18432، الناشر: دار الحديث ـ القاهرة، ط1، 1416هـ.

([196]) البخاري، صحيح البخاري: ج5 ص81، الناشر: دار الفكر ـ بيروت، 1401هـ.

([197]) المصدر نفسه: ج4 ص37.

([198]) ابن حجر العسقلاني، فتح الباري: ج7 ص375، الناشر: دار المعرفة ـ بيروت، ط2.

([199]) الشوكاني، نيل الأوطار: ج9 ص230، الناشر: دار الجيل ـ بيروت، 1973م.

([200]) ابن حجر العسقلاني، فتح الباري: ج7 ص27، الناشر: دار المعرفة ـ بيروت، ط2.

([201]) البخاري، صحيح البخاري: ج3 ص151، الناشر: دار الفكر ـ بيروت، 1401هـ.

([202]) انظر تفصيل كلامنا في ج1 من هذا الكتاب: ص190ـ191.

([203]) أحمد بن حنبل، مسند أحمد: ج4 ص106، الناشر: دار صادر ـ بيروت.

([204]) المصدر السابق.

([205]) أحمد بن حنبل، مسند أحمد، بتحقيق أحمد محمد شاكر، وأكمله حمزة أحمد الزين: ج11 ص220، الناشر: دار الحديث، القاهرة، ط1، 1416 هـ.

([206]) الحاكم النيسابوري، المستدرك على الصحيحين، وبذيله تلخيص المستدرك للذهبي: ج4 ص85، الناشر: دار المعرفة ـ بيروت.

([207]) ابن حجر العسقلاني، فتح الباري: ج7 ص5، الناشر: دار المعرفة ـ بيروت، ط2.

([208]) انظر: ج2من هذا الكتاب: ص319.

([209]) محمد بن إسماعيل الكحلاني، سبل السلام: ج1 ص193، الناشر: دار إحياء التراث العربي ـ بيروت، ط4ـ 1379هـ.

([210]) الشوكاني، نيل الأوطار: ج5 ص194، الناشر: دار الجيل ـ بيروت، 1973م.

([211]) انظر: الذهبي، سير أعلام النبلاء: ج3 ص319، الناشر: مؤسسة الرسالة ـ بيروت، ط9، 1413هـ.

([212]) السيوطي، تاريخ الخلفاء: 182، الناشر: مطبعةالسعادة ـ مصر، ط1، 1371 هـ.

([213]) حكاه السمهودي في وفاء الوفا بأخبار دار المصطفى: ج1 ص102، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت، ط1، 2006م.

([214]) ابن حزم، جوامع السيرة: ص 357، الناشر: دار المعارف، مصر.

وقال ابن كثير: «وقد أخطأ يزيد خطأ فاحشاً في قوله لمسلم بن عقبة: أن يبيح المدينة ثلاثة أيام، وهذا خطأ كبير فاحش، مع ما انضم إلى ذلك من قتل خلق من الصحابة وأبنائهم، وقد تقدم أنه قتل الحسين وأصحابه على يدي عبيد الله بن زياد، وقد وقع في هذه الثلاثة أيام من المفاسد العظيمة في المدينة النبوية ما لا يحد ولا يوصف، مما لا يعلمه إلاّ الله عز وجل». البداية والنهاية: ج8 ص243، الناشر: دار إحياء التراث العربي ـ بيروت، 1408هـ.

وانظر ما يتعلق بوقعة الحرة أيضاً: ابن حجر، الإصابة: ج6 ص232، ترجمة مسلم بن عقبة، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت، ط1، 1415هـ، وانظر: ابن تيمية، مجموع الفتاوى: ج3 ص412، الناشر: مكتبة ابن تيمية، ط2. ومن الواضح أنّ هؤلاء من أعلام أهل السنة ونراهم يرسلون ما فعله يزيد إرسال المسلّمات.

([215]) السيوطي، تاريخ الخلفاء: ص182، الناشر: مطبعة السعادة، مصر، ط1، 1371هـ.

([216]) البخاري، صحيح البخاري: ج2 ص4، الناشر: دار الفكر ـ بيروت، 1401هـ.

([217]) الشافعي، المسند: 75ـ 76، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت.

([218]) البخاري، صحيح البخاري: ج1 ص134، الناشر: دار الفكر ـ بيروت، 1401هـ.

([219]) أحمد بن حنبل، مسند أحمد بتحقيق شعيب الأرنؤوط: ج3 ص270، الناشر: مؤسسة قرطبة ـ القاهرة.

([220]) الشافعي، كتاب الأم: ج1 ص269، الناشر: دار الفكرـ بيروت، ط2، 1403هـ.

([221]) مالك بن انس، الموطّأ: ج1 ص72، الناشر: دار إحياء التراث العربي ـ بيروت، 1406هـ.

([222]) ابن عبد البر، جامع بيان العلم وفضله: ج2 ص200، ط 1398هـ، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت.

([223]) الذهبي، سير أعلام النبلاء: ج5 ص154، الناشر: مؤسسة الرسالة ـ بيروت، ط9، 1413هـ.

([224]) ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة: ج20 ص29، الناشر: دار إحياء الكتب العربية، ط1.

([225]) انظر العجلوني، كشف الخفاء: ج1 ص113، ط3ـ 1408هـ، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت.

([226]) الذهبي، ميزان الاعتدال: ج2 ص213، الناشر: دار المعرفة ـ بيروت، ط1، 1382هـ.

([227]) لعلّ الصحيح: «أخاف (أن) يكون موضوعاً».

([228]) الحاكم النيسابوري، المستدرك وبذيله التلخيص للذهبي: ج1 ص317، الناشر: دار المعرفة ـ بيروت.

([229]) المصدر نفسه: ج4 ص12.

([230]) الحاكم النيسابوري، المستدرك وبذيله التلخيص للذهبي: ج4 ص592، الناشر: دار المعرفة ـ بيروت.

([231]) الشوكاني، الفوائد المجموعة في الأحاديث الموضوعة: ج1 ص407، الناشر: المكتب الإسلامي ـ بيروت،ط2، 1407هـ.

([232]) ابن حجر العسقلاني، فتح الباري: ج7 ص81، الناشر: دار المعرفة ـ بيروت، ط2.

([233]) ابن أبي شيبة، المصنف: ج7 ص548، الناشر: دار الفكر ـ بيروت، ط1، 1409هـ.

([234]) الملا على القاري، شرح شرح نخبة الفكر: ج1 ص445، الناشر: دار الأرقم ـ بيروت.

([235]) الذهبي، ميزان الاعتدال: ج2 ص644، الناشر: دار المعرفة ـ بيروت، ط1، 1382هـ.

([236]) الخطيب البغدادي، الكفاية في علم الرواية: ص471، الناشر: دار الكتاب العربي ـ بيروت، ط1، 1405هـ

([237]) انظر على سبيل المثال ما سوف يأتي لاحقاً: ص396 وما بعدها.

([238]) السبكي، طبقات الشافعية الكبرى: ج5 ص174، الناشر: هجر، ط2، 1413هـ.

([239]) الذهبي، سير أعلام النبلاء: ج18 ص469، الناشر: مؤسسة الرسالة ـ بيروت، ط9، 1413هـ.

([240]) السبكي، طبقات الشافعية الكبرى: ج5 ص174.

([241]) المصدر نفسه: ج5 ص165ـ 222.

([242]) البخاري، صحيح البخاري: ج4 ص34، الناشر: دار الفكر ـ بيروت، 1401هـ.

([243]) تقدم ذلك في ص 184ـ185.

([244]) الغامدي, حوار هادئ مع الدكتور القزويني: ص288. الدمام، ط1، 1426هـ.

([245]) مسلم النيسابوري، صحيح مسلم: ج7 ص121 ح6114، الناشر: دار الفكر ـ بيروت، فضائل الصحابة، من فضائل علي بن أبي طالب (رض). وقد أخرج الحديث الترمذي في سننه وعلّق عليه, قائلاً: «هذا‏ ‏حديث حسن غريب صحيح‏ ‏من هذا الوجه».الترمذي، سنن الترمذي: ج5 ص301، الناشر: دار الفكر ـ بيروت، ط2، 1403هـ.

وأخرج الحديث أيضاً الحاكم في مستدركة بسند ينتهي إلى بكير بن مسمار, قال: «سمعت عامر بن سعد يقول: قال معاوية لسعد بن أبي وقاص (رضي الله عنهما): ما يمنعك أن تسبّ ابن أبي طالب...» وقال الحاكم: «هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه بهذه السياقة». وقال الذهبي في التلخيص: على شرط مسلم فقط. الحاكم النيسابوري، مستدرك الحاكم وبذيله التلخيص: ج3 ص108ـ 109، الناشر: دار المعرفة ـ بيروت.

([246]) ابن تيمية، منهاج السنة: ج5 ص42، الناشر: مؤسسة قرطبة، ط1ـ 1406هـ.

([247]) المصدر السابق: ج7 ص137ـ 138.

([248]) وهنا نجد أن ابن تيمية يعتقد أن الله تعالى لم يجعل في قلوب الناس أي محبة لعلي× على عكس الخليفة الأول والثاني، وهو باطل يقيناً.

([249]) حسن بن فرحان المالكي، نحو إنقاذ التاريخ الإسلامي: ص22، الناشر: مؤسسة اليمامة ـ الرياض، 1418هـ.

([250]) سوف يأتي الكلام عن ابن سابط وما قيل من أنّه لم يرو عن سعد بن وقاص.

([251]) ابن ماجه، سنن ابن ماجه: ج1 ص134، الناشر: دار الفكر، وقال الألباني: >صحيح<, صحيح سنن ابن ماجة: ج1 ص58, الناشر: مكتبة المعارف ـ الرياض, ط1, 1417هـ. ولم يتفرّد به ابن سابط عن سعد، فقد رواه ربيعة الجرشي عنه أيضاً: أخرج روايته عن سعد، ابن أبي عاصم في كتابه (السنة): ج2 ص:610 « حدثنا ابن كاسب، ثنا سفيان بن عيينة، عن ابن نجيح، عن أبيه، عن ربيعة الجرشي وقال: ذُكِرَ علي رضي الله عنه عند معاوية، وعنده سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه، فقال له سعد: أيُذكر علي عندك؟!! إن له لمناقب أربعاً، لئن يكون لي واحدة منهن أحب إلي من كذا وكذا. ذكر حمر النعم، قوله: لأعطين الراية، وقوله: بمنزلة هارون بن موسى، وقوله: من كنت مولاه. ونسي سفيان الرابعة.!!».

وأخرجه من طريقه الضياء المقدسي في (الأحاديث المختارة): ج3 ص151، تحت عنوان (ربيعة بن الحارث الجرشي عن سعد رضي الله عنه) رقم (948). ومعروف أنه من مظان الصحيح.

وقد حسنها الحافظ ابن كثير في تاريخه، البداية والنهاية: ج7 ص353، الناشر: دار إحياء التراث العربي، ط1، 1408هـ. قال: «وقال الحسن بن عرفة العبدي‏:‏ حدثنا محمد بن حازم أبو معاوية الضرير، عن موسى بن مسلم الشيباني، عن عبد الرحمن بن سابط، عن سعد بن أبي وقاص، قال‏:‏ قدم معاوية في بعض حجاته فأتاه سعد بن أبي وقاص فذكروا علياً‏، فقال سعد‏:‏ له ثلاث خصال لئن تكون لي واحدة منهن أحب إليّ من الدنيا وما فيها‏، سمعت رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) يقول‏:‏ ‏من كنت مولاه فعلي مولاه، وسمعته يقول‏:‏ ‏لأعطين الراية غداً رجلاً يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله، وسمعته يقول‏:‏ ‏أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي‏. لم يخرجوه، وإسناده حسن‏».

([252]) حاشية السندي على سنن ابن ماجه: ج1 ص86 ح121، الناشر: دار المعرفة ـ بيروت.

([253]) صحيح سنن ابن ماجة: ج1 ص58, الناشر: مكتبة المعارف ـ الرياض, ط1, 1417هـ.

([254]) مسند الروياني، الحافظ أبو محمد بن هارون الروياني: ج1 ص73، الناشر: مؤسسة قرطبة، ط1 1416 هـ وأخرج الحديث أحمد بن حنبل في مسنده عن الأسود بن عامر، ولكن بلفظ: دخل على معاوية فإذا رجل يتكلم، بدل لفظ الروياني: دخل على معاوية، ورجل يتناول علياً ويقع فيه. أحمد بن حنبل، مسند أحمد: ج5 ص347، الناشر: دار صادر ـ بيروت. قال الهيثمي في مجمع الزوائد: «رواه أحمد ورجاله وثقوا على ضعف كثير في أبى إسرائيل الملائي». الهيثمي، مجمع الزوائد: ج10 ص378، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت، 1408هـ. وقال حمزة أحمد الزين في تعليقه على الحديث: «إسناده حسن» مسند أحمد: ج16 ص474، شرحه وصنع فهارسه: حمزة أحمد الزين، الناشر دار الحديث ـ القاهرة ط1ـ 1416هـ.

([255]) لا تتحمّ: أي لا تمتنع.

([256]) الطبري، تاريخ الطبري: ج4 ص188، الناشر: مؤسسة الأعلمي ـ بيروت، ط4، 1403هـ.

([257]) البلاذري، أنساب الأشراف: ج5 ص30، الناشر: دار الفكر ـ بيروت، ط1ـ 1417هـ.

([258]) ابن قتيبة الدينوري، كتاب عيون الأخبار: مج 1ص 55. الناشر: مطبعة دار الكتب المصرية بالقاهرة ـ ط2، 1996م.

([259]) ابن العديم، بغية الطلب في تاريخ حلب: ج7 ص3033، الناشر: دار الفكر ـ بيروت.

([260]) القاضي التنوخي، الفرج بعد الشدة: ج1 ص214، الناشر: منشورات الشريف الرضي ـ قم، ط2، 1364ش.

([261]) ابن الأثير، أسد الغابة: ج1 ص134، الناشر: دار الكتاب العربي ـ بيروت.

([262]) من الحفاظ البارزين ومن شيوخ الدارقطني الذين أكثر عنهم، قال الذهبي: «ابن قانع الإمام الحافظ البارع الصدوق إن شاء الله القاضي أبو الحسين عبد الباقي... وكان واسع الرحلة كثير الحديث بصيراً به». الذهبي، سير أعلام النبلاء: ج15 ص526ـ 527، الناشر: مؤسسة الرسالة ـ بيروت، ط9، 1413هـ. وفي لسان الميزان: «عبد الباقي بن قانع أبو الحسين الحافظ، قال الدارقطني: كان يحفظ ولكنه يخطئ ويصيب، وقال البرقاني: هو عندي ضعيف ورأيت البغداديين يوثقونه، وقال أبو الحسن بن الفرات: حدث به اختلاط قبل موته بسنتين، وقال الخطيب: لا أدري لماذا ضعفه البرقاني فقد كان ابن قانع من أهل العلم والدراية ورأيت عامة شيوخنا يوثقونه وقد تغير في آخر عمره. مات سنة إحدى وخمسين وثلاث مائة انتهى». لسان الميزان، ابن حجر: ج3 ص383، الناشر: مؤسسة الأعلمي للمطبوعات ـ بيروت، ط2، 1390هـ.

قال ابن الجوزي: «وكان من أهل العلم والفهم والثقة، غير أنه تغير في آخر عمره» المنتظم ج14 ص147، الناشر: دار صادر ـ بيروت، ط1، 1358هـ.

([263]) ابن قانع، معجم الصحابة: ج1 ص67، الناشر: مكتبة الغرباء ـ المدينة، ط1، 1418هـ.

([264]) ابن حجر، الإصابة: ج1 ص287، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت، ط1، 1415هـ.

([265]) أحمد بن حنبل، مسند أحمد: ج6 ص323، الناشر: دار صادر ـ بيروت. قال الهيثمي: «رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح غير أبى عبد الله الجدلي وهو ثقة». مجمع الزوائد: ج9 ص130، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت، 1408هـ. وأخرج الحديث أبو يعلى الموصلي في مسنده: ج2 ص253، وقال حسين أسد محقق الكتاب: «رجاله ثقات». وصحّحه الحاكم في المستدرك ووافقه الذهبي. الحاكم النيسابوري، المستدرك وبذيله التلخيص للذهبي: ج3 ص130، الناشر: دار المعرفة ـ بيروت.

([266]) أبو يعلى، مسند أبي يعلى: ج12 ص107، الناشر: دار المأمون للتراث. قال الهيثمي: «رواه أبو يعلى وإسناده حسن». الهيثمي، مجمع الزوائد: ج9 ص130، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت، 1408هـ.

([267]) انظر: ابن عبد البر، الاستيعاب: ج4 ص1445ـ 1446، الناشر: دار الجيل، ط1، 1412هـ. ابن حجر، الإصابة: ج6 ص156ـ 158، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت، ط1، 1415هـ. ابن كثير، البداية والنهاية: ج7 ص94، الناشر: دار إحياء التراث العربي، ط1، 1408هـ.

([268]) الطبري، تاريخ الطبري: ج4 ص188، الناشر: مؤسسة الأعلمي ـ بيروت، ط4، 1403هـ.

([269]) الحاكم النيسابوري، المستدرك وفي ذيله التلخيص: ج1 ص384ـ 385، الناشر: دار المعرفة ـ بيروت. الطبراني، المعجم الكبير: ج5 ص168، وقال الهيثمي: «رواه الطبراني بإسنادين ورجال أحد أسانيد الطبراني ثقات». الهيثمي، مجمع الزوائد: ج8 ص76، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت، 1408هـ. أحمد بن حنبل، مسند أحمد: ج4 ص369، الناشر: دار صادر ـ بيروت.

([270]) الألباني، سلسلة الأحاديث الصحيحة: الناشر: مكتبة المعارف ـ الرياض، 1415هـ.

([271]) أبو داود، سنن أبي داود: ج 2 ص402، الناشر: دار الفكر، ط1، 1410هـ.

([272]) أحمد بن حنبل، مسند أحمد: ج1 ص187، الناشر: دار صادر ـ بيروت.

([273]) عمرو بن أبي عاصم، كتاب السنة: ص606، الناشر: المكتب الإسلامي ـ بيروت، ط3، 1413هـ.

([274]) أحمد بن حنبل، مسند أحمد: ج1 ص189، الناشر: دار صادر ـ بيروت.

([275]) المصدر نفسه: ج2 ص294، شرحه وصنع فهارسه: أحمد محمد شاكر، دار الحديث ـ القاهرة، ط1، 1416هـ.

([276]) الحاكم النيسابوري، المستدرك: ج3 ص450، الناشر: دار المعرفة ـ بيروت. النسائي، فضائل الصحابة: ص27، وغير ذلك من المصادر الكثيرة، وهذا الحديث هو حديث العشرة المبشّرة بالجنة، ونحن سقنا الحديث هنا من باب الاحتجاج مع قطع النظر عن رأينا في الحديث، وهو من الأحاديث الصحيحة على مبنى أهل السنّة، علماً أنّ عدداً كبيراً من المحدثين نقل حديث العشرة المبشّرة بدون الإشارة إلى مقدمته وهي سبّ المغيرة لعلي× وإقامته للخطباء لذلك.

([277]) أبو داود، سنن أبي داود: ج2 ص401، الناشر: دار الفكر، ط1، 1410هـ.

([278]) الذهبي، سير أعلام النبلاء: ج10 ص92، الناشر: مؤسسة الرسالة ـ بيروت، ط9، 1413هـ.

([279]) ابن الأثير، الكامل في التاريخ: ج3 ص413ـ 414، الناشر: دار صادر ـ دار بيروت، 1385هـ.

([280]) ابن عبد البر، الاستيعاب: ج 2 ص766، الناشر: دار الجيل، ط1، 1412هـ.

([281]) انظر ما تقدّم في: الذهبي، ميزان الاعتدال: ج4ـ ص89، الناشر: دار المعرفة ـ بيروت، ط1، 1382هـ. ابن حجر، الإصابة: ج3 ص432، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت، ط1، 1415هـ. الذهبي، سير أعلام النبلاء: ج3 ص477، الناشر: مؤسسة الرسالة ـ بيروت، ط9، 1413هـ. ابن كثير، البداية والنهاية: ج7ـ ص208، الناشر: دار إحياء التراث العربي، ط1، 1408هـ. الذهبي، تاريخ الإسلام: ج5 ص231، الناشر: دار الكتاب العربي ـ بيروت، ط1، 1407هـ. ابن سعد، الطبقات الكبرى: ج5 ص36ـ 39، الناشر: دار صادر ـ بيروت. أسد الغابة، الاستيعاب وغيرها.

([282]) الحاكم النيسابوري، المستدرك وبذيله التلخيص للذهبي: ج4 ص480، الناشر: دار المعرفة ـ بيروت. وأخرج الحديث أبو يعلى في مسنده: ج11 ص348. قال حسين سليم أسد محقق المسند: «إسناده صحيح».

([283]) أي: أنت قطعة من اللعن، فنطفتك نطفة منها.

([284]) النسائي، السنن الكبرى: ج6 ص458ـ 459، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت، ط1، 1411هـ.

([285]) الحاكم النيسابوري، المستدرك وبذيله التلخيص للذهبي: ج4 ص481، الناشر: دار المعرفة ـ بيروت.

([286]) انظر: ج2 من هذا الكتاب: ص237ـ 238.

([287]) البخاري، صحيح البخاري: ج6 ص42، الناشر: دار الفكر، 1401هـ.

([288]) ابن أبي حاتم، تفسير القرآن: ج10 ص3295، الناشر: المكتبة العصرية ـ صيدا.

([289]) ابن حجر العسقلاني، فتح الباري: ج8 ص4421ـ 443، الناشر: دار المعرفة، ط2.

([290]) الحاكم النيسابوري، المستدرك: ج4 ص479. وطعن الذهبي في التلخيص بصحة الحديث من جهة ميناء مولى عبد الرحمن؛ لأن أبا حاتم اتهمه بالكذب، ولكن بمراجعة سريعة لأقوال علماء الجرح والتعديل ومنهم أبو حاتم يتضح أن سبب تضعيف البعض له هو مذهبه ورأيه، وقلنا مراراً أن هذا ليس بقادح في وثاقة الراوي، قال الجوزجاني: «أنكر الأئمة حديثه لسوء مذهبه». المزي، تهذيب الكمال: ج29 ص246، الناشر: مؤسسة الرسالة ـ بيروت، ط1، 1413هـ.

([291]) الحاكم النيسابوري، المستدرك وبذيله التلخيص للذهبي: ج4 ص481، الناشر: دار المعرفة ـ بيروت.

([292]) ابن عبد البر، الاستيعاب: ج3ـ ص1388، الناشر: دار الجيل، ط1، 1412هـ. ابن الأثير، أسد الغابة: ج4 ص348، الناشر: دار الكتاب العربي ـ بيروت.

([293]) ابن سعد، الطبقات الكبرى: ج5 ص43، الناشر: دار صادر ـ بيروت.

([294]) أحمد بن حنبل، كتاب العلل ومعرفة الرجال: ج3 ص176، الناشر: دار الخاني ـ الرياض، ط2، 1422هـ. وروى الحديث ابن عساكر في تاريخ مدينة دمشق: ج57 ص249، الناشر: دار الفكر ـ بيروت، 1415هـ. الذهبي، تاريخ الإسلام: ج5 ص231، الناشر: دار الكتاب العربي ـ بيروت، ط1، 1407هـ.

([295]) الهيتمي, تطهير الجنان: ص210, الناشر: دار الصحابة للتراث, طنطا, ط1, 1413هـ.

([296]) الذهبي، سير أعلام النبلاء: ج3 ص447، الناشر: مؤسسة الرسالة ـ بيروت، ط9، 1413هـ.

([297]) أي: سألته أن يحدثني.

([298]) البخاري، صحيح البخاري: ج4 ص207ـ 208، الناشر: دار الفكر، 1401هـ. وقد أخرج الحديث في أكثر من موضع، في كتاب الصلاة، باب نوم الرجال في المسجد، الحديث 441، وفي كتاب الاستئذان باب القائلة في المسجد، الحديث 6280.

([299]) ابن حجر العسقلاني، فتح الباري: ج7 ص58، الناشر: دار المعرفة، ط2.

([300]) ابن حجر، هدي الساري مقدمة فتح الباري: ص289، الناشر: دار إحياء التراث العربي ـ بيروت، ط1، 1408هـ.

([301]) ابن حجر العسقلاني، فتح الباري: ج7 ص58، الناشر: دار المعرفة، ط2.

([302]) العيني، عمدة القاري: ج16 ص217، الناشر: دار إحياء التراث العربي. القسطلاني، إرشاد الساري: مج 8 ص201، ضبطه وصححه محمد عبد العزيز الخالدي، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت، ط2، 2009.

([303]) مسلم النيسابوري، صحيح مسلم: ج7 ص123ـ 124، الناشر: دار الفكر ـ بيروت.

([304]) البخاري، صحيح البخاري: ج2 ص4، الناشر: دار الفكر، 1401هـ.

([305]) مسلم النيسابوري، صحيح مسلم: ج1 ص50، الناشر: دار الفكر ـ بيروت. أحمد بن حنبل، مسند أحمد: ج3 ص92، الناشر: دار صادر ـ بيروت.

([306]) الشوكاني، نيل الأوطار: ج3 ص363، الناشر: دار الجيل ـ بيروت، 1973م.

([307]) ابن حجر العسقلاني، فتح الباري: ج2 ص376، الناشر: دار المعرفة، ط2.

([308]) المحلى بالآثار، ابن حزم الأندلسي: ج5 ص86، الناشر: دار الفكر، الذهبي، تاريخ الإسلام: ج5 ص86، الناشر: دار الكتاب العربي ـ بيروت، ط1، 1407هـ.

([309]) القرطبي، المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم: ج1 ص232, الناشر: دار ابن كثير, دار الكلم الطيب, دمشق ـ بيروت, ط1, 1417هـ.

([310]) ويك بمعنى ويلك، حذفت اللام للتخفيف لكثرتها في الكلام عند العرب.

([311]) الذهبي، تاريخ الإسلام: ج5 ص231ـ 232، الناشر: دار الكتاب العربي ـ بيروت، ط1، 1407هـ. ابن حجر، المطالب العالية: ج12 ص456، الناشر: دار العاصمة، دار الغيث ـ السعودية، ط1، 1419هـ.

([312]) ابن عساكر، تاريخ مدينة دمشق: ج42 ص438، الناشر: دار الفكر ـ بيروت، 1415هـ.

([313]) الذهبي، تاريخ الإسلام: ج1 ص449، الناشر: دار الكتاب العربي ـ بيروت، ط1، 1407هـ.

([314]) البلاذري أنساب الأشراف: ج2 ص407، الناشر: دار الفكر ـ بيروت، ط1ـ 1417هـ.

([315]) وذلك لأنه يقال: إن أبا سفيان أتى الطائف، فسكر فطلب بغياً فواقع سمية، وكانت مزوجة بعبيد، فولدت من جماعه زياداً، فقال معاوية: نزل من ظهر أبي. انظر: الذهبي، سير أعلام النبلاء ج3 ص495، الناشر: مؤسسة الرسالة ـ بيروت، ط9، 1413هـ.

([316]) الطبري، تاريخ الطبري: ج4 ص198، الناشر: مؤسسة الأعلمي ـ بيروت، ط4، 1403هـ. ابن عساكر، تاريخ مدينة دمشق: ج24 ص258ـ 259، الناشر: دار الفكر ـ بيروت، 1415هـ.

([317]) ابن الجوزي، المنتظم في تاريخ الملوك والأمم: ج5 ص263، الناشر: دار صادرـ بيروت، ط1ـ 1358هـ.

([318]) الذهبي، تاريخ الإسلام: ج4 ص210، الناشر: دار الكتاب العربي ـ بيروت، ط1، 1407هـ.

([319]) ابن عساكر، تاريخ دمشق: ج19 ص203ـ 204، الناشر: دار الفكر ـ بيروت، 1415هـ.

([320]) ابن كثير، البداية والنهاية: ج8 ص67، الناشر: دار إحياء التراث العربي، ط1، 1408هـ.

([321]) انظر: تاريخ الطبري: ج4 ص187ـ 209، الناشر: مؤسسة الأعلمي ـ بيروت، ط4، 1403هـ. ابن الأثير، الكامل في التاريخ، الناشر: دار صادر ـ دار بيروت، 1385هـ. أسد الغابة: ج2 ص215ـ 216، الناشر: دار الكتاب العربي ـ بيروت. الذهبي، سير أعلام النبلاء: ج3 ص494ـ 496، الناشر: مؤسسة الرسالة ـ بيروت، ط9، 1413هـ. ابن عساكر، تاريخ مدينة دمشق: ج19 ص162ـ 165، 172ـ 175، الناشر: دار الفكر ـ بيروت، 1415هـ. وغيرها من المصادر.

([322]) انظر: ابن عبد البر، الاستيعاب: ج1 ص158ـ 166، الناشر: دار الجيل، ط1، 1412هـ. ابن حجر، الإصابة، ابن حجر: ج1 ص421ـ 422، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت، ط1، 1415هـ. ابن حجر، تهذيب التهذيب: ج1 ص382، الناشر: دار الفكر ـ بيروت، ط1، 1404هـ. الطبري، تاريخ الطبري: ج4 ص106ـ 108، الناشر: مؤسسة الأعلمي ـ بيروت، ط4، 1403هـ. ابن الأثير، الكامل في التاريخ: ج3 ص383ـ 385، الناشر: دار صادر ـ دار بيروت، 1385هـ. الذهبي، تاريخ الإسلام: ج5 ص369، الناشر: دار الكتاب العربي ـ بيروت، ط1، 1407هـ. الصفدي، الوافي بالوفيات: ج1 ص81ـ 82, الناشر: دار إحياء التراث ـ بيروت, ط 1420هـ. ابن كثير، البداية والنهاية: ج4 ص23، ج7 ص357، الناشر: دار إحياء التراث العربي، ط1، 1408هـ. ابن الأثير، أسد الغابة: ج1 ص180، الناشر: دار الكتاب العربي ـ بيروت. ابن عساكر، تاريخ مدينة دمشق: ج10 ص141ـ 151، الناشر: دار الفكر ـ بيروت، 1415هـ. وغير ذلك من مصادر التاريخ والتراجم والأنساب.

([323]) الإصابة، ابن حجر: ج1 ص422، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت، ط1، 1415هـ.

([324]) البلاذري، أنساب الأشراف: ج2 ص136، الناشر: دار الفكر ـ بيروت، ط1ـ 1417هـ.

([325]) الطبري، تاريخ الطبري: ج 4 ص128، الناشر: مؤسسة الأعلمي ـ بيروت، ط4، 1403هـ.

([326]) المصدر نفسه: ج4 ص247 ـ 248. البلاذري، أنساب الأشراف: ج5 ص37، الناشر: دار الفكر ـ بيروت، ط1ـ 1417هـ. ابن الأثير، الكامل في التاريخ،: ج4 ص12، الناشر: دار صادر ـ دار بيروت، 1385هـ.

([327]) انظر: تهذيب الكمال، المزي: ج22 ص35ـ 40، الناشر: مؤسسة الرسالة ـ بيروت، ط1، 1413هـ. الذهبي، سير أعلام النبلاء: ج3 ص448، الناشر: مؤسسة الرسالة ـ بيروت، ط9، 1413هـ. تاريخ الإسلام، الذهبي: ج5 ص204، الناشر: دار الكتاب العربي ـ بيروت، ط1، 1407هـ. ابن كثير، البداية والنهاية: ج8 ص341، الناشر: دار إحياء التراث العربي، ط1، 1408هـ. الإصابة، ابن حجر: ج5 ص225، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت، ط1، 1415هـ. تهذيب التهذيب، ابن حجر: ج8 ص34ـ 35، الناشر: دار الفكر ـ بيروت، ط1، 1404هـ. تاريخ مدينة دمشق، ابن عساكر: ج46 ص29ـ 45، الناشر: دار الفكر ـ بيروت، 1415هـ. وغيرها من المصادر.

([328]) ابن حجر، فتح الباري: ج 1 ص176، الناشر: دار المعرفة، ط2.

([329]) أحمد بن حنبل، مسند أحمد: ج2 ص522، الناشر: دار صادر ـ بيروت.

([330]) القسطلاني، إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري: ج4 ص368، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت، ط2، 2009م.

([331]) العيني، عمدة القاري: ج10 ص187، الناشر: دار إحياء التراث العربي ـ بيروت.

([332]) انظر: الطبري، تاريخ الطبري: ج4 ص357، الناشر: مؤسسة الأعلمي ـ بيروت، ط4، 1403هـ.

([333]) ابن الأثير، الكامل في التاريخ: ج4 ص358 ـ 359، الناشر: دار صادر ـ دار بيروت، 1385هـ. وانظر: البلاذري، أنساب الأشراف: ج7 ص136، الناشر: دار الفكر ـ بيروت، ط1ـ 1417هـ.

([334]) انظر ابن خلكان: وفيات الأعيان ج2 ص33، الناشر: دار الثقافة ـ لبنان. الطبري، تاريخ الطبري: ج5 ص41، الناشر: مؤسسة الأعلمي ـ بيروت، ط4، 1403هـ.

([335]) انظر: الطبري، تاريخ الطبري: ج5 ص262، الناشر: مؤسسة الأعلمي ـ بيروت، ط4، 1403هـ.

([336]) ابن خلكان، وفيات الأعيان: ج2 ص31، الناشر: دار الثقافة ـ لبنان.

([337]) الترمذي، سنن الترمذي: ج3 ص339، الناشر: دار الفكر ـ بيروت، ط2، 1403هـ.

([338]) الذهبي، تاريخ الإسلام: ج6 ص324، الناشر: دار الكتاب العربي ـ بيروت، ط1، 1407هـ.

([339]) ابن كثير، البداية والنهاية: ج9 ص159، الناشر: دار إحياء التراث العربي، ط1، 1408هـ.

([340]) انظر: وفيات الأعيان: ج2 ص53, الناشر: دار الثقافة ـ لبنان, الصفدي, الوافي بالوفيّات: ج11 ص238, الناشر: دار إحياء التراث ـ بيروت, ط 1420هـ.

([341]) ابن كثير، البداية والنهاية: ج9 ص153، الناشر: دار إحياء التراث العربي، ط1، 1408هـ.

([342]) الذهبي، سير أعلام النبلاء: ج4 ص343، الناشر: مؤسسة الرسالة ـ بيروت، ط9، 1413هـ.

([343]) الحاكم النيسابوري، المستدرك: ج3 ص164ـ 165، الناشر: دار المعرفة ـ بيروت، وسكت عنه الذهبي في التلخيص، وأخرج الحديث البيهقي في سنن الكبرى: ج6 ص166، الناشر: دار الفكر.

([344]) ابن أبي حاتم الرازي، تفسير ابن أبي حاتم: ج4 ص1335، الناشر: المكتبة العصرية ـ صيدا.

([345]) الذهبي، تاريخ الإسلام: ج5 ص516، الناشر: دار الكتاب العربي ـ بيروت، ط1، 1407هـ.

([346]) ابن حزم، المحلى بالآثار: ج5 469، الناشر: دار الفكر.

([347]) ابن سعد، الطبقات الكبرى: ج6 ص304، الناشر: دار صادر ـ بيروت.

([348]) الذهبي، سير أعلام النبلاء: ج4 ص267، الناشر: مؤسسة الرسالة ـ بيروت، ط9، 1413هـ.

([349]) انظر: ابن سعد, الطبقات الكبرى: ج6 ص112, الناشر: دار صادر ـ بيروت, ابن أبي شيبة, المصنف: ج7 ص262, الناشر: دار الفكر ـ بيروت, ط1, 1409هـ , الفسوي، المعرفة والتاريخ: ج1 ص326، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت، 1419هـ.

([350]) ابن حجر، تهذيب التهذيب: ج10 ص143، الناشر: دار الفكر ـ بيروت، ط1، 1404هـ.

([351]) ابن عساكر، تاريخ مدينة دمشق: ج49 ص308، الناشر: دار الفكر ـ بيروت، 1415هـ. الذهبي، تاريخ الإسلام: ج6 ص471، الناشر: دار الكتاب العربي ـ بيروت، ط1، 1407هـ.

([352]) ابن كثير، البداية والنهاية: ج9 ص95، الناشر: دار إحياء التراث العربي، ط1، 1408هـ.

([353]) الصفدي، الوافي بالوفيات: ج5 ص158، الناشر: دار إحياء التراث ـ بيروت، 1420هـ.

([354]) لعل الصحيح: المدري.

([355]) الصفدي، الوافي بالوفيات: ج5 ص158ـ 159، الناشر: دار إحياء التراث ـ بيروت، 1420هـ.

([356]) الذهبي، تاريخ الإسلام: ج6 ص470، الناشر: دار الكتاب العربي ـ بيروت، ط1، 1407هـ.

([357]) ابن كثير، البداية والنهاية: ج9 ص95، الناشر: دار إحياء التراث العربي، ط1، 1408هـ.

([358]) الطبري، تاريخ الطبري: ج5 ص267، الناشر: مؤسسة الأعلمي ـ بيروت، ط4، 1403هـ. الصفدي، الوافي بالوفيات: ج5ـ ص159، الناشر: دار إحياء التراث ـ بيروت، 1420هـ.

([359]) الصفدي، الوافي بالوفيات: ج13 ص156، الناشر: دار إحياء التراث ـ بيروت، 1420هـ.

([360]) جمع بيعة بالكسر: وهي: معبد النصارى.

([361]) الحموي، معجم البلدان: ج1 ص532، الناشر: دار إحياء التراث العربي ـ بيروت، ط 1399هـ.

([362]) ابن خلكان، وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان: ج2 ص228، الناشر: دار الثقافة ـ لبنان.

([363]) الذهبي، سير أعلام النبلاء: ج5 ص429، الناشر: مؤسسة الرسالة ـ بيروت، ط9، 1413هـ.

([364]) الطبري، تاريخ الطبري: ج5 ص225، الناشر: مؤسسة الأعلمي ـ بيروت، ط4، 1403هـ.

([365]) عندما ولى الوليد بن عبد الملك إمرة مكة لخالد بن عبد الله القسري، حفر بئراً بأمر الوليد عند ثنية طوى وثنية الحجون، فجاءت عذبة الماء طيبة، وكان يستقي منها الناس، ثم غارت تلك البئر فذهب ماؤها. ابن كثير، البداية والنهاية: ج9 ص92، الناشر: دار إحياء التراث العربي، ط1، 1408هـ.

([366]) ابن كثير، البداية والنهاية: ج9 ص91، الناشر: دار إحياء التراث العربي، ط1، 1408هـ.

([367]) الذهبي، سير أعلام النبلاء: ج5 ص429، الناشر: مؤسسة الرسالة ـ بيروت، ط9، 1413هـ.

([368]) ابن كثير، البداية والنهاية: ج10 ص23، الناشر: دار إحياء التراث العربي، ط1، 1408هـ.

([369]) انظر: الخطيب البغدادي، تاريخ بغداد: ج13 ص378، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت، ط1، 1417هـ. ابن عساكر، تاريخ مدينة دمشق: ج16 ص138ـ 165، الناشر: دار الفكر ـ بيروت، 1415هـ. الذهبي، سير أعلام النبلاء: ج5 ص425ـ 432، الناشر: مؤسسة الرسالة ـ بيروت، ط9، 1413هـ. الطبري، تاريخ الطبري: ج5 ص225، 243ـ 244، 261، 263، 285، 378ـ 379، 385، 557ـ 564، الناشر: مؤسسة الأعلمي ـ بيروت، ط4، 1403هـ. ابن الأثير، الكامل في التاريخ: ج4 ص536ـ 554، ج5 ص124ـ 125، 219ـ 226، 276ـ280، الناشر: دار صادر ـ دار بيروت، 1385هـ. الذهبي، ميزان الاعتدال: ج1 ص633، الناشر: دار المعرفة ـ بيروت، ط1، 1382هـ. ابن حجر، تهذيب التهذيب: ج2 ص88، الناشر: دار الفكر ـ بيروت، ط1، 1404هـ. ابن خلكان، وفيات الأعيان: ج2 ص226ـ 231، الناشر: دار الثقافة ـ لبنان. الذهبي، تاريخ الإسلام: ج7 ص318، ج8 ص82ـ 58، الناشر: دار الكتاب العربي ـ بيروت، ط1، 1407هـ. الصفدي، الوافي بالوفيات: ج13 ص155ـ 156, الناشر: دار إحياء التراث ـ بيروت, ط 1420هـ. ابن كثير، البداية والنهاية: ج8 ص14، ج9 ص91ـ 92 ص113ـ 114 ص357، ج10 ص19ـ 27، الناشر: دار إحياء التراث العربي، ط1، 1408هـ. وغير ذلك من المصادر.

([370]) المزي، تهذيب الكمال: ج8 ص116، الناشر: مؤسسة الرسالة ـ بيروت، ط1، 1407هـ. الذهبي، سير أعلام النبلاء: ج5 ص429، الناشر: مؤسسة الرسالة ـ بيروت، ط9، 1413هـ. ابن حجر، تهذيب التهذيب: ج3ـ ص88، الناشر: دار الفكر ـ بيروت، ط1، 1404هـ. ابن عساكر، تاريخ مدينة دمشق: ج16 ص160، الناشر: دار الفكر ـ بيروت، 1415هـ.

([371]) الذهبي، ميزان الاعتدال: ج1 ص633، الناشر: دار المعرفة ـ بيروت، ط1، 1382هـ.

([372]) الذهبي، سير أعلام النبلاء: ج5 ص425، الناشر: مؤسسة الرسالة ـ بيروت، ط9، 1413هـ.

([373]) المبرد، الكامل: ص399، الناشر: دار الفكر ـ القاهرة، ط3، 1417هـ.

([374]) التدوين في أخبار قزوين: ج1 ص54ـ 55، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت.

([375]) الرازي، الجرح والتعديل: ج3 ص340، الناشر: دار احياء التراث ـ بيروت، ط1، 1371هـ.

([376]) ابن حجر، تقريب التهذيب: ج1 ص260، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت، ط2، 1415هـ.

([377]) ابن حبان، الثقات: ج6 ص256، الناشر: مؤسسة الكتب الثقافية ـ الهند، ط1، 1393هـ.

([378]) الحاكم النيسابوري، المستدرك وبذيله التلخيص للذهبي: ج4 ص168، الناشر: دار المعرفة ـ بيروت.

([379]) مسلم النيسابوري، صحيح مسلم: ج1 ص61، الناشر: دار الفكر ـ بيروت.

([380]) المنافقون: 1.

([381]) انظر: ابن سعد، الطبقات الكبرى: ج5 ص236، الناشر: دار صادر ـ بيروت. الذهبي، سير أعلام النبلاء: ج4 ص249ـ251، الناشر: مؤسسة الرسالة ـ بيروت، ط9، 1413هـ. ابن عساكر، تاريخ مدينة دمشق: ج36 ص345ـ 360، الناشر: دار الفكر ـ بيروت، 1415هـ. الصفدي، الوافي بالوفيات ج18 ص343ـ345، الناشر: دار إحياء التراث ـ بيروت, ط 1420هـ. وغير ذلك من المصادر.

([382]) البلاذري، أنساب الأشراف: ج8 ص195، الناشر: دار الفكر ـ بيروت، ط1ـ 1417هـ. ابن الأثير، الكامل: ج5 ص42، الناشر: دار صادر ـ دار بيروت، 1385هـ. وزاد ابن الأثير: «تفرقوا عنا إلى أولاده».

([383]) أبو نعيم، حلية الأولياء: ج 2 ص267. وانظر: عبد الملك العاصمي، سمط النجوم العوالي: ج3 ص308، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت. ابن خلكان، وفيات الأعيان: ج2 ص426، الناشر: دار الثقافة ـ لبنان.

([384]) المزي، تهذيب الكمال: ج14 ص59، الناشر: مؤسسة الرسالة ـ بيروت، ط2، 1413هـ.

([385]) ابن حجر، تقريب التهذيب: ج1 ص462، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت، ط2، 1415هـ.

([386]) ابن عبد البر، الاستيعاب في معرفة الأصحاب: ج1 ص344، الناشر: دار الجيل، ط1، 1412هـ.

([387]) الرهاء: بضم أوله، والمد والقصر: مدينة بالجزيرة بين الموصل والشام بينهما ستة فراسخ. الحموي، معجم البلدان: ج3 ص106, الناشر: دار إحياء التراث العربي ـ بيروت، ط 1399هـ.

([388]) ابن عساكر، تاريخ مدينة دمشق: ج11 ص245، الناشر: دار الفكر ـ بيروت، 1415هـ.

([389]) ابن حبان، الثقات: ج6 ص157، الناشر: مؤسسة الكتب الثقافية ـ الهند، ط1، 1393هـ.

([390]) البخاري، التاريخ الكبير: ج2 ص251، الناشر: المكتبة الإسلامية ـ ديار بكر ـ تركيا.

([391]) الرازي، الجرح والتعديل: ج2 ص540، الناشر: دار إحياء التراث العربي ـ بيروت، ط1، 1372هـ.

([392]) ابن حجر، تقريب التهذيب: ج1 ص747، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت، ط2، 1415هـ.

([393]) الذهبي، تاريخ الإسلام: ج2 ص337، الناشر: دار الكتاب العربي ـ بيروت، ط1، 1407هـ.

([394]) ابن عساكر، تاريخ مدينة دمشق: ج50 ص96، الناشر: دار الفكر ـ بيروت، 1415هـ.

([395]) الذهبي، سير أعلام النبلاء: ج7 ص203، الناشر: مؤسسة الرسالة ـ بيروت، ط9، 1413هـ.

([396]) عبد الله بن عدي، الكامل: ج6 ص93، الناشر: دار الفكر ـ بيروت، ط3، 1409هـ.

([397]) ابن سعد، الطبقات الكبرى: ج5 ص393ـ 394، الناشر: دار صادر ـ بيروت. الذهبي، سير أعلام النبلاء: ج5 ص147، الناشر: مؤسسة الرسالة ـ بيروت، ط9، 1413هـ.

([398]) انظر: تهذيب الكمال، المزي: ج15 ص407ـ 408، الناشر: مؤسسة الرسالة ـ بيروت، ط2، 1413هـ.

([399]) العجلي، معرفة الثقات: ج2 ص47، الناشر: مكتبة الدار ـ المدينة المنورة، ط1، 1405هـ.

([400]) الثقات، ابن حبان: ج7 ص27، الناشر: مؤسسة الكتب الثقافية ـ الهند، ط1، 1393هـ.

([401]) ابن حجر، تقريب التهذيب: ج1 ص521، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت، ط2، 1415هـ.

([402]) الأصح: هو عبد الله.

([403]) ابن الأثير، أسد الغابة: ج1 ص308، الناشر: دار الكتاب العربي ـ بيروت.

([404]) الذهبي، سير أعلام النبلاء: ج18 ص153ـ 154، الناشر: مؤسسة الرسالة ـ بيروت، ط9، 1413هـ.

([405]) ابن عبد البر، الاستيعاب: ج3 ص1118، الناشر: دار الجيل، ط1، 1412هـ.

([406]) الذهبي، تذكرة الحفاظ: ج3 ص1146ـ 1152، الناشر: دار إحياء التراث العربي ـ بيروت.

([407]) الذهبي، سير أعلام النبلاء: ج18 ص184ـ 185، الناشر: مؤسسة الرسالة ـ بيروت، ط9، 1413هـ.

([408]) ابن حزم، المحلى: ج6 ص15، الناشر: دار الفكر.

([409]) ابن خلكان، وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان: ج5 ص168، الناشر: دار الثقافة ـ لبنان.

([410]) الذهبي، سير أعلام النبلاء: ج20 ص155، الناشر: مؤسسة الرسالة ـ بيروت، ط9، 1413هـ.

([411]) النحل: 90.

([412]) الكشاف، الزمخشري: ج2ص425, الناشر: شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده بمصر، ط1385 هـ.

([413]) ابن خلكان، وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان: ج3 ص348ـ 349، الناشر: دار الثقافة ـ لبنان.

([414]) ابن كثير، البداية والنهاية: ج13 ص162، الناشر: دار إحياء التراث العربي، ط1، 1408هـ.

([415]) الذهبي، سير أعلام النبلاء: ج22 ص354، الناشر: مؤسسة الرسالة ـ بيروت، ط9، 1413هـ.

([416]) ابن الأثير، الكامل في التاريخ: ج5 ص42، الناشر: دار صادر ـ دار بيروت، 1385هـ.

([417]) الذهبي، تذكرة الحفاظ: ج4 ص1438، الناشر: دار إحياء التراث العربي ـ بيروت.

([418]) الذهبي، تاريخ الإسلام: ج48 ص225، الناشر: دار الكتاب العربي ـ بيروت، ط1، 1407هـ.

([419]) القرطبي، المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم: ج 6 ص272, الناشر: دار ابن كثير, دار الكلم الطيّب, دمشق ـ بيروت, ط1, 1417هـ.

([420]) المصدر نفسه: ج1 ص232.

([421]) الذهبي، تاريخ الإسلام، الذهبي: ج50 ص75ـ 56، الناشر: دار الكتاب العربي ـ بيروت، ط1، 1407هـ. وانظر: الصفدي، الوافي بالوفيات: ج2 ص87, الناشر: دار إحياء التراث ـ بيروت, ط 1420هـ. السيوطي، طبقات المفسرين: ص79، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت.

([422]) القرطبي، التذكرة في أحوال الموتى والآخرة: ج3 ص1114 ـ 115, الناشر: مكتبة دار المنهاج ـ الرياض, ط 1425هـ.. ونقل عبارة القرطبي المناوي في فيض القدير مستشهداً بها، فيض القدير: ج3 ص20, الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت, ط1, 1415هـ.

([423]) الشوكاني، البدر الطالع: ج1 ص152, الناشر: دار المعرفة ـ بيروت.

([424]) الكتبي، فوات الوفيات: ج1 ص214ـ 215، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت.

([425]) أبو الفداء إسماعيل بن علي، المختصر في أخبار البشر (تاريخ أبي الفداء): ج1 ص139, الناشر: مكتبة المتنبي ـ القاهرة.

([426]) الصفدي، الوافي بالوفيات: ج19 ص210, الناشر: دار إحياء التراث ـ بيروت, 1420هـ.

([427]) خير الدين الزركلي، الأعلام: ج4 ص184, الناشر: دار العلم للملايين ـ بيروت, ط5, 1980م.

([428]) طبقات الشافعية الكبرى: ج3 ص391, الناشر: هجر للطباعة, ط2, 1413هـ.

([429]) ابن العماد، شذرات الذهب في أخبار من ذهب: ج6 ص339، الناشر: دار ابن كثير ـ دمشق، ط1، 1406هـ.

([430]) ابن رجب، فتح الباري في شرح صحيح البخاري: ج5 ص503، الناشر: دار ابن الجوزي ـ السعودية.

([431]) انظر: ترجمته في الضوء اللامع للسخاوي: ج2 ص286 وما بعدها. ابن خلدون، مقدمة ابن خلدون: ص3، الناشر: دار الفكر ـ بيروت.

([432]) ابن خلدون، تاريخ ابن خلدون: ج3 ص75.

([433]) ابن حجر العسقلاني، فتح الباري: ج7 ص57، الناشر: دار المعرفة، ط2.

([434]) الشوكاني، البدر الطالع بمحاسن من بعد القرن السابع: ج1 ص328,الناشر: دار المعرفة ـ بيروت.

([435]) السيوطي، تاريخ الخلفاء: ص201, الناشر: مطبعة السعادة, ط1, 1371هـ.

([436]) الشوكاني، البدر الطالع بمحاسن من بعد القرن السابع: ج1 ص109، الناشر: دار المعرفة ـ بيروت.

([437]) ابن حجر الهيتمي، الصواعق المحرقة: ج2 ص353, الناشر: مؤسسة الرسالة ـ بيروت, ط1, 1997م.

([438]) إليان سركيس، معجم المطبوعات العربية: ج1 ص825ـ 826, الناشر: مكتبة المرعشي ـ قم, 1410هـ.

([439]) محمد الخضري بك، محاضرات تاريخ الأمم الإسلامية: ج2 ص183ـ 184، الناشر: مطبعة الاستقامة ـ مصر ط4ـ 1354هـ.

([440]) المصدر السابق: ج2 ص121.

([441]) المصدر نفسه: ج2 ص221ـ 222.

([442]) انظر: الزركلي, الأعلام: ج6 ص25, الناشر: دار العلم للملايين ـ بيروت, ط5, 1980م.

([443]) أبو زهرة, تاريخ المذاهب الإسلامية: ص34 , الناشر: دار الفكر العربي ـ القاهرة, 1996م.

([444]) أبو زهرة, الإمام الصادق: ص127, الناشر: دار الفكر العربي.

([445]) عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين، الإرشاد شرح لمعة الاعتقاد: ص137, بحسب النسخة المنشورة في الموقع الرسمي لابن جبرين:

http://ibn- jebreen.com/?t=books&cat=3&book=88&page=5613

([446]) عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين، التعليقات الزكية على العقيدة الواسطية: ج2 ص236، الناشر: دار الوطن ـ الرياض، ط1، 1419هـ.

([447]) الذهبي، سير أعلام النبلاء: ج5 ص113، الناشر: مؤسسة الرسالة ـ بيروت، ط9، 1413هـ.

([448]) البلاذري، أنساب الأشراف: ج8 ص195، الناشر: دار الفكر ـ بيروت، ط1ـ 1417هـ. الكامل، ابن الأثير: ج5 ص42، الناشر: دار صادر ـ دار بيروت، 1385هـ.

([449]) أرز بمعنى: ثبت.

([450]) يعقوب بن سفيان الفسوي، المعرفة والتاريخ: ج1 ص568، تحقيق: د. أكرم ضياء العمري، الناشر: مكتبة الدار بالمدينة المنورة، ط1ـ1410هـ

([451]) الذهبي، سير أعلام النبلاء: ج5 ص117، الناشر: مؤسسة الرسالة ـ بيروت، ط9، 1413هـ. الذهبي، تاريخ الإسلام: ج7 ص188، الناشر: دار الكتاب العربي ـ بيروت، ط1، 1407هـ. ابن كثير، البداية والنهاية: ج9 ص218، الناشر: دار إحياء التراث العربي، ط1، 1408هـ. ابن عساكر، تاريخ مدين دمشق: ج45 ص136, الناشر: دار الفكر ـ بيروت، 1415هـ.

([452]) النحل: 90.

([453]) ابن تيمية، منهاج السنَّة: ج4 ص160، الناشر: مؤسسة قرطبة، ط1ـ 1406هـ.

([454]) قال ابن حجر في ترجمته: «محمد بن محمد بن محمد بن الحاج، أبو عبد الله العبدري الفارسي، نزيل مصر، سمع ببلاده ثم قدم الديار المصرية... وصار ملحوظاً بالمشيخة والجلالة بمصر وجمع كتاباً سمّاه المدخل كثير الفوائد، كشف فيه عن معايب وبدع يفعلها الناس ويتساهلون فيها، وأكثرها مما ينكر وبعضها مما يحتمل، ومات في جمادي الأولى سنة 737». الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة: ج5 ص507،، الناشر: مجلس دائرة المعارف العثمانية ـ الهند. وقال إليان سركيس: «العبدري القيرواني التلمساني المالكي الشهير بابن الحاج الفاسي المتوفي بالقاهرة، من عباد الله الصالحين والعلماء العاملين، من أصحاب الشيخ أبي محمد بن أبي جمرة، فقيها عارفاً بمذهب مالك». معجم المطبوعات العربية: ج1 ص70, الناشر: مكتبة المرعشي ـ قم, ط 1410هـ.

([455]) العبدري، المدخل: ج2 ص270, الناشر: مكتبة دار التراث ـ القاهرة.

([456]) ترجمه الصفدي فقال: «أحمد بن عبد الوهاب بن عبد الكريم شهاب الدين النويري المحتد القوصي المولد... قال كمال الدين جعفر الأدفوي: كان ذكي الفطرة حسن الشكل فيه مكرمة وأريحية وود لأصحابه». الصفدي، الوافي بالوفيات: ج7 ص110ـ 111, الناشر: دار إحياء التراث ـ بيروت, ط 1420هـ. وقال الزركلي: «شهاب الدين النويري: عالم بحاث غزير الاطلاع. نسبته إلى نويرة (من قرى بني سويف بمصر)» الأعلام، الزركلي: ج1 ص165, الناشر: دار العلم للملايين ـ بيروت, ط5, 1980م.

([457]) النويري، نهاية الأرب في فنون الأدب: ج21 ص216ـ 217، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت.

([458]) الملا علي القاري، مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح: ج3 ص433، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت.

([459]) انظر: ابن الطقطقي، الفخري في الآداب السلطانية: ص129, الناشر: دار صادرـ بيروت. المحبي، خلاصة الأثر في أعيان القرن الحادي عشر: ج3 ص11، الناشر: دار صادر ـ بيروت. الإتليدي، إعلام الناس بما وقع للبرامكة: ج1 ص68, الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت، ط1ـ 1425هـ, الأعلام، خير الدين الزركلي: ج5 ص50, الناشر: دار العلم للملايين ـ بيروت, ط5, 1980م.

([460]) الغامدي, حوار هادئ: ص288, الدمام, ط 1426هـ.

([461]) ابن خلّكان، وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان: ج6 ص128ـ 129، الناشر: دار الثقافة ـ لبنان.

([462]) ابن خلّكان، وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان: ج6 ص127ـ 129، الناشر: دار الثقافة ـ لبنان.

([463]) المصدر نفسه: ج6 ص129.

([464]) قال السيوطي في ترجمته: «أحمد بن أيبك بن عبد الله الحسامي الدمياطي الحافظ المخرج المفيد محدث مصر شهاب الدين أبو الحسين ولد سنة سبع وسبعمائة وسمع من حسن الكردي وخلائق وخرج وانتقى وأفاد وله مجاميع وذيل في الوفيات على الحسيني وشرع في تخريج أحاديث الرافعي سمع عليه أبو الخير بن العلائي ومات سنة تسع وأربعين وسبعمائة في رمضان بالطاعون». ذيل طبقات الحفاظ: ص355، الناشر: دار إحياء التراث العربي ـ بيروت.

([465]) ابن الدمياطي، المستفاد من ذيل تاريخ بغداد: ص192، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت.

([466]) الذهبي، تاريخ الإسلام: ج45 ص266، الناشر: دار الكتاب العربي ـ بيروت، ط1، 1407هـ.

([467]) خير الدين الزركلي، الأعلام: ج8 ص131, دار العلم للملايين ـ بيروت، ط5, 1980م.

([468]) ابن خلكان، وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان: ج6 ص127ـ 128، الناشر: دار الثقافة ـ لبنان.

([469]) الذهبي، تاريخ الإسلام: ج45 ص266، الناشر: دار الكتاب العربي ـ بيروت، ط1، 1407هـ.

([470]) الغامدي, حوار هادئ: ص288, الدمام, ط 1426هـ.

([471]) المصدر نفسه: ص289.

([472]) المصدر السابق: ص289.

([473]) انظر: ج1ص425ـ435.

([474]) البخاري، صحيح البخاري: ج2 ص366، الناشر: دار الفكر ـ بيروت ـ لبنان, 1401هـ.، ح3404.

([475]) المصدر نفسه: ج2 ص92.

([476]) التوبة: 80.

([477]) الغامدي، حوار هادئ مع الدكتور القزويني: ص290, الدمام, ط 1426هـ.

([478]) انظر: ج1 هامش ص134.

([479]) انظر: ج2 ص234ـ235.

([480]) الغامدي, حوار هادئ مع الدكتور القزويني: ص291, الدمام, ط 1426هـ.

([481]) مسلم النيسابوري، صحيح مسلم: ج7 ص120, الناشر: دار الفكر، بيروت.

([482]) ابن تيمية، منهاج السنة: ج5 ص42، الناشر: مؤسسة قرطبة، ط1ـ 1406هـ.

([483]) إكمال المعلم بفوائد مسلم، القاضي عياض: ج7 ص415ـ 416، تحقيق: د. يحيى إسماعيل، الناشر: دار الوفاء ـ مصر، دار الندوة ـ الرياض، ط2ـ 1425هـ

([484]) المباركفوري، تحفة الأحوذي: ج10 ص156، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت، ط1، 1410هـ.

([485]) إكمال المعلم بفوائد مسلم، القاضي عياض: ج7 ص415، شرح صحيح مسلم، النووي: ج15ـ 16 ص171،

([486]) ابن تيمية، منهاج السنة: ج5 ص42، الناشر: مؤسسة قرطبة، ط1ـ 1406هـ.

([487]) الحاكم النيسابوري, المستدرك على الصحيحين: ج3 ص109, الناشر: دار المعرفة ـ بيروت.

([488]) حاصل على شهادة الدكتوراه في التفسير والحديث من كلية أصول الدين عام 1965م. اختارته إدارة المعاهد الأزهرية أستاذاً للتفسير والحديث لمدة عشرين عاما تقريبا (1948ـ 1965). رئيس المركز الدولي للسيرة والسنة وعضو مجمع البحوث الإسلامية، جمع بين علوم القرآن وعلوم الحديث بفقه عميق، وفهم دقيق. انظر: مجلة التبيان الصادرة عن الجمعية الشرعية الرئيسية بالقاهرة عدد صفر 1430 هـ.. وانظر: موسوعة وكيبيديا الحرة.

([489]) وهي ما أخرجه مسلم, عن سهل بن سعد، قال: «استعمل على المدينة رجل من آل مروان، قال: فدعا سهل بن سعد فأمره أن يشتم علياً. قال: فأبى سهل، فقال له: أما إذ أبيت فقل لعن الله أبا التراب...». مسلم النيسابوري، صحيح مسلم: ج7 ص123ـ 124، الناشر: دار الفكر ـ بيروت.

([490]) د. موسى شاهين لاشين, فتح المنعم شرح صحيح مسلم: ج9 ص332، الناشر: دار الشروق ـ القاهرة, ط1 ـ 1423هـ.

([491]) الغامدي, حوار هادئ مع الدكتور القزويني: ص291, الدمام, ط 1426هـ.

([492]) المصدر السابق: ص291.

([493]) ابن كثير، البداية والنهاية: ج7 ص376، الناشر: دار إحياء التراث العربي، ط1، 1408هـ.

([494]) المصدر السابق: ج7 ص377.

([495]) المزي، تهذيب الكمال: ج24 ص417، 420، الناشر: مؤسسة الرسالة ـ بيروت، ط1، 1413هـ.

([496]) ابن سيد الناس، عيون الأثر: ج1 ص24، الناشر: مؤسسة عز الدين ـ بيروت.

([497]) العيني، عمدة القاري: ج7 ص270، الناشر: دار إحياء التراث العربي.

([498]) الحاكم النيسابوري، المستدرك: ج3 ص161, الناشر: دار المعرفة ـ بيروت.

([499]) ابن أبي شيبة، المصنف: ج7 ص496، الناشر: دار الفكر ـ بيروت، ط1، 1409هـ.

([500]) ابن كثير، البداية والنهاية: ج7 ص376، الناشر: دار إحياء التراث العربي، ط1، 1408هـ.

([501]) الألباني, سلسلة الاحاديث الصحيحة: ج4 ص335, الناشر: مكتبة المعارف ـ الرياض, 1415هـ.

([502]) تهذيب خصائص الإمام علي× للنسائي: ص24 ح10، تحقيق: أبو إسحاق الحويني الحجازي بن محمد بن شريف، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت، ط1ـ 1405هـ

([503]) يحيى بن معين الدوري، تاريخ ابن معين: ج1ـ ص69. المزي، تهذيب الكمال: ج 17ـ ص123، الناشر: مؤسسة الرسالة ـ بيروت، ط1، 1413هـ.

([504]) ابن حجر، الإصابة: ج5 ص175، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت، ط1، 1415هـ.

([505]) الرازي، الجرح والتعديل: ج5 ص240، الناشر: دار إحياء التراث العربي ـ بيروت، ط1، 1372هـ.

([506]) ابن حبان، الثقات: ج5 ص93، الناشر: مؤسسة الكتب الثقافية ـ الهند، ط1، 1393هـ.

([507]) ابن عساكر، تاريخ مدينة دمشق: ج34 ص378، الناشر: دار الفكر ـ بيروت، 1415هـ.

([508]) سلسلة الاحاديث الصحيحة: ج6 ص214, الناشر: مكتبة المعارف ـ الرياض, ط1, 1416هـ.

([509]) الذهبي، تاريخ الإسلام: ج7 ص413، الناشر: دار الكتاب العربي ـ بيروت، ط1، 1407هـ.

([510]) الصفدي، الوافي بالوفيات: ج18 ص88, الناشر: دار إحياء التراث ـ بيروت, ط 1420هـ.

([511]) الذهبي, الكاشف: ج1 ص628, الناشر: دار القبلة, مؤسسة علوم القرآن ـ جدّة, ط1, 1413هـ.

([512]) المزي، تهذيب الكمال: ج17 ص123ـ 124، الناشر: مؤسسة الرسالة ـ بيروت، ط1، 1413هـ.

([513]) الغامدي، حوار هادئ مع الدكتور القزويني: ص292, الدمام, ط 1426هـ.

([514]) الأحزاب: 30

([515]) أحمد بن حنبل، مسند أحمد: ج6 ص323، الناشر: دار صادر ـ بيروت.

([516]) الحاكم النيسابوري، المستدرك وبذيله التلخيص للذهبي: ج3 ص121، الناشر: دار المعرفة ـ بيروت.

([517]) الهيثمي، مجمع الزوائد: ج9 ص130، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت، 1408هـ. وقد يقال: إن السند فيه أبو إسحاق السبيعي وقد عنعن هنا، فانه يقال: أولاً: أنه لم يرو عن صحابي بل روى عن تابعي وهو الجدلي، لذلك يقبل حديثه وإن لم يصرح بالسماع، كما اختار ذلك بعض علماء الحديث، كشعيب الارنؤوط في مقدمة تحرير تقريب التهذيب: ج1: ص40. الناشر: مؤسسة الرسالة 1417 هـ.، وثانياً: إن هذا الحديث له شاهد فلا يضر التدليس هنا. ثالثاً: أن البخاري ممن احتج بحديثه مع عنعنته.

([518]) مسلم النيسابوري, صحيح مسلم: ج3 ص87, الناشر: دار الفكر ـ بيروت.

([519]) الغامدي، حوار هادئ مع الدكتور القزويني: ص292, الدمام, ط 1426هـ.

([520]) انظر كتاب الأم للشافعي: ج4 ص316، الناشر: دار الفكر، ط2، 1403هـ.

([521]) الذهبي، سير أعلام النبلاء: ج10 ص92، الناشر: مؤسسة الرسالة ـ بيروت، ط9، 1413هـ.

([522]) عثمان بن عبد الرحمن، مقدمة ابن الصلاح: ص175، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت، ط1، 1416هـ.

([523]) الغامدي، حوار هادئ مع الدكتور القزويني: ص292، الدمام، 1426هـ.

([524]) أسد حيدر، الإمام الصادق والمذاهب الأربعة: ج1 ص215. نقلاً عن كتاب الحسن البصري لأبي الفرج بن الجوزي. واُنظر: شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: ج4 ص96، الناشر: دار إحياء الكتب العربية، ط1، 1378هـ. وفي نهج البلاغة: «... ولولا ذلك لشالت بي الخشب».

([525]) عبد الله بن مسلم الدينوري، عيون الأخبار: ج2 ص212، كتاب الحرب، الناشر: مطبعة دار الكتب المصرية ـ القاهرة، ط2ـ 1996م.

([526]) كذا في المصدر، والصحيح: عليّاً.

([527]) مصغّر: علي.

([528]) ابن حجر العسقلاني، تهذيب التهذيب: ج7 ص280، الناشر: دار الفكر ـ بيروت، ط1، 1404هـ.

([529]) ابن الأثير، اُسد الغابة: ج1 ص308، الناشر: دار الكتاب العربي ـ بيروت.

([530]) الغامدي، حوار هادئ مع الدكتور القزويني: ص250، الدمام، 1426هـ.

([531]) المصدر نفسه: ص260.

([532]) الغامدي، حوار هادئ مع الدكتور القزويني: ص256.

([533]) المصدر نفسه: ص250.

([534]) المصدر نفسه: ص253.

([535]) المصدر نفسه: ص263.

([536]) المصدر السابق: ص247.

([537]) ابن حجر، نزهة النظر في توضيح نخبة الفكر: ص53, الناشر: مطبعة الصباح ـ دمشق, ط3, 1421هـ.

([538]) انظر: ابن كثير، اختصار علوم الحديث المطبوع مع شرحه الباعث الحثيث لأحمد محمد شاكر: ص455، الناشر: مكتبة المعارف ـ الرياض, ط1, 1417هـ , القاسمي، قواعد التحديث من فنون مصطلح الحديث: ص129، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت، ط1، 1399هـ.

([539]) الغامدي، حوار هادئ مع الدكتور القزويني: ص248, الدمام, 1426هـ.

([540]) بذّ: فاق وغلب.

([541]) الذهبي، سير أعلام النبلاء: ج18 ص270ـ 271، الناشر: مؤسسة الرسالة ـ بيروت، ط9، 1413هـ.

([542]) الذهبي، تذكرة الحفاظ: ج3 ص1137، الناشر: دار إحياء التراث العربي ـ بيروت.

([543]) السمعاني، الأنساب: ج1 ص502, الناشر: دار الوطن ـ الرياض، ط1ـ 1418 هـ.

([544]) الخطيب البغدادي، تاريخ بغداد: ج1 ص22، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت، ط1، 1417هـ

([545]) الذهبي، سير أعلام النبلاء: ج17 ص453ـ 454، الناشر: مؤسسة الرسالة ـ بيروت، ط9، 1413هـ.

([546]) المصدر نفسه: ج17 ص458ـ 459.

([547]) الصفدي، الوافي بالوفيات: ج7 ص53, الناشر: دار إحياء التراث ـ بيروت, ط 1420هـ.

([548]) الذهبي، تذكرة الحفاظ: ج4 ص1328، الناشر: دار إحياء التراث العربي ـ بيروت.

([549]) المصدر نفسه: ص1330ـ 1333.

([550]) مسلم النيسابوري، صحيح مسلم: ج1 ص12، المقدمة، الناشر: دار الفكر، بيروت.

([551]) الخطيب البغدادي، أحمد بن علي بن ثابت، الكفاية في علم الرواية: ص110, الناشر: دار الكتاب العربي ـ بيروت, ط1, 1405هـ.

([552]) الأمير الصنعاني، محمد بن إسماعيل، توضيح الأفكار لمعاني تنقيح الأنظار: ج2، ص145ـ 146, الناشر: دار الكتب العلميّة ـ بيروت, ط1, 1417هـ.

([553]) الغامدي، حوار هادئ مع الدكتور القزويني: ص250, الدمام, 1426هـ.

([554]) المصدر نفسه: ص261.

([555]) المصدر نفسه: ص263.

([556]) المصدر نفسه: ص264.

([557]) السخاوي, الإعلان بالتوبيخ لمن ذمّ التاريخ: ص91ـ 92، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت.

([558]) الخطيب البغدادي، الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع: ج2 ص301، تحقيق: د. محمود الطحان، الناشر: مكتبة المعارف ـ الرياض، 1403.

([559]) وهو كتاب: التبر المسبوك في ذيل السلوك لمعرفة دول الملوك للسخاوي، وقد جعله ذيلاً لكتاب السلوك لمعرفة دول الملوك للمقريزي.

([560]) السخاوي, الإعلان بالتوبيخ لمن ذمّ التاريخ،: ص82, الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت.

([561]) الغامدي، حوار هادئ مع الدكتور القزويني: ص261, الدمام, 1426هـ.

([562]) راجع كتابنا: نقد كتاب أصول مذهب الشيعة: ج1 ص256, وما بعدها, تحت عنوان: شبهة: مفهوم الإمامة لدى الشيعة من اختراعات ابن سبأ, الطبعة الجديدة.

([563]) الغامدي، حوار هادئ مع الدكتور القزويني: ص255, الدمام, 1426هـ.

([564]) عبارة (إذ الجرح) ساقطة من الأصل، وقد أضفناها لعدم استقامة المتن من دونها.

([565]) ابن حبان، الثقات: ج1 ص11ـ 13، الناشر: مؤسسة الكتب الثقافية ـ الهند، ط1، 1393هـ.

([566]) المصدر نفسه: ج6 ص2ـ 3.

([567]) أجوبة الحافظ ابن حجر العسقلاني على أسئلة بعض تلامذته ويليه أجوبة الحافظ العراقي على أسئلة ابن حجر العسقلاني، ص136، الناشر: مطتبة أضواء السلف ـ الرياض، ط1ـ 1424هـ

([568]) المصدر السابق: ص141

([569]) محمد بن عبد الهادي، الصارم المنكي في الرد على السبكي: ص139، الناشر: مكتبة التوعية الإسلامية.

([570]) ابن حجر، لسان الميزان: ج1 ص14، الناشر: مؤسسة الأعلمي للمطبوعات ـ بيروت، ط2، 1390هـ.

([571]) محمد ناصر الألباني، تمام المنة: ص25، الناشر: دار الراية ـ الرياض، المكتبة الإسلامية ـ عمّان، ط2، 1409هـ.

([572]) ابن عبد الهادي،الصارم المنكي في الرد على السبكي،: ص141، الناشر: مكتبة التوعية الإسلامية.

([573]) ابن حبان، الثقات: ج5 ص95، الناشر: مؤسسة الكتب الثقافية ـ الهند، ط1، 1393هـ.

([574]) ابن حبان، كتاب المجروحين: ج2 ص55، الناشر: دار الباز ـ مكة.

([575]) الذهبي، ميزان الاعتدال: ج2 ص552، الناشر: دار المعرفة ـ بيروت، ط1، 1382هـ.

([576]) الأعظمي، د. محمد ضياء الرحمن، دراسات في الجرح والتعديل: ص71، الناشر: مكتبة الغرباء الأثرية ـ المدينة المنورة، ط1ـ 1415هـ.

([577]) أجوبة الحافظ ابن حجر العسقلاني على أسئلة بعض تلامذته ويليه أجوبة الحافظ العراقي على أسئلة ابن حجر العسقلاني، ص141, الناشر: أضواء السلف, ط1, 1424هـ.

([578]) ابن حبان، الثقات: ج4 ص363، الناشر: مؤسسة الكتب الثقافية ـ الهند، ط1، 1393هـ.

([579]) المصدر نفسه: ج4 ص37.

([580]) المصدر نفسه: ج6 ص240.

([581]) المصدر السابق: ج7 ص326.

([582]) الألباني، صحيح موارد الظمآن إلى زوائد ابن حبان، المقدمة ج1 ص18، الناشر: دار الصميعي، ط1، 1422 هـ.

([583]) ابن حجر، لسان الميزان: ج1 ص.14، الناشر: مؤسسة الأعلمي للمطبوعات ـ بيروت، ط2، 1390هـ.

([584]) محمد ناصر الألباني، تمام المنة: ص24، الناشر: دار الراية ـ الرياض، المكتبة الإسلامية ـ عمّان، ط2، 1409هـ.

([585]) ابن حبان، الثقات: ج8 ص299، الناشر: مؤسسة الكتب الثقافية ـ الهند، ط1، 1393هـ.

([586]) الغامدي، حوار هادئ مع الدكتور القزويني: ص255، الدمام، 1426هـ.

([587]) أبو الحسنات محمد عبد الحي اللكنوي الهندي، الرفع والتكميل في الجرح والتعديل: ص335، الناشر: مكتب المطبوعات الإسلامية ـ حلب، ط3ـ 1407هـ.

([588]) الذهبي، سير أعلام النبلاء: ج10 ص267، الناشر: مؤسسة الرسالة ـ بيروت، ط9، 1413هـ.

([589]) الذهبي، ميزان الاعتدال: ج1 ص274، الناشر: دار المعرفة ـ بيروت، ط1، 1382هـ.

([590]) التنكيل بما في تأنيب الكوثري من الأباطيل، عبد الرحمن بن يحيى المعلمي اليماني: ص669، الناشر: المكتب الإسلامي، ط2ـ 1406هـ.

([591]) المصدر نفسه.

([592]) الغامدي، حوار هادئ مع القزويني: ص256، الدمام، 1426هـ.

([593]) الإمام الشافعي، كتاب الأم: ج6 ص221, الناشر: دار الفكر, ط2, 1403هـ.

([594]) الخطيب البغدادي، الكفاية في علم الرواية: ص132, الناشر: دار الكتاب العربي ـ بيروت.

([595]) المصدر السابق.

([596]) النووي، شرح مسلم: ج1 ص125, الناشر: دار الكتاب العربي ـ بيروت, 1407هـ.

([597]) ابن الصلاح, علوم الحديث (مقدمة ابن الصلاح): ص61، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت, ط1, 1416هـ.

([598]) بدر الدين الزركشي، النكت على مقدمة ابن الصلاح: ج3 ص362، الناشر: أضواء السلف ـ الرياض، ط1ـ 1419هـ.

([599]) ابن حجر، مقدمة فتح الباري: ص381، الناشر: دار إحياء التراث العربي ـ بيروت، ط1، 1408هـ.

([600]) يُقال: جرت الدابة ملء فروجها: بلغت سرعتها. انظر: المعجم الوسيط: ج2 ص679.

([601]) انظر: الخطيب البغدادي، الكفاية في علم الرواية: ص138ـ 141، الناشر: دار الكتاب العربي، ط1، 1405هـ.

([602]) تاج الدين، السبكي، طبقات الشافعية الكبرى: ج2 ص9، تحقيق: د. محمود محمد الطناحي، د.عبد الفتاح محمد الحلو، الناشر: هجر للطباعة والنشر والتوزيع، ط2ـ 1413هـ.

([603]) ابن حجر، لسان الميزان: ج1 ص15ـ 16، الناشر: مؤسسة الأعلمي للمطبوعات ـ بيروت، ط2، 1390هـ.

([604] ) ابن حجر العسقلاني، نزهة النظر في توضيح نخبة الفكر في مصطلح أهل الأثر: ص46, الناشر: مطبعة الصباح ـ دمشق، ط3, 1421هـ, وقد ذهب الدكتور عتر إلى اختيار هذا التفصيل تبعاً لابن حجر. انظر: نور الدين عتر، منهج النقد في علوم الحديث: ص99, الناشر: دار الفكر ـ دمشق, ط3, 1401هـ.

([605]) سيأتي قوله بعد قليل فانتظر.

([606]) النووي، المجموع: ج20 ص136, الناشر: دار الفكر.

([607]) الصنعاني، توضيح الأفكار: ص274, الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت, ط1, 1417هـ.

([608]) اللكنوي، الرفع والتكميل: ص117, الناشر: مكتب المطببوعات الإسلامية ـ حلب, 1407هـ.

([609]) ابن الصلاح, مقدمة ابن الصلاح: ص86, الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت, ط1, 1416هـ.

([610]) ابن كثير، الباعث الحثيث: ج1 ص287, الناشر: مكتبة المعارف ـ الرياض, ط1, 1417هـ.

([611]) عبد الله بن قدامة، المغني: ج11 ص424, الناشر: دار الكتاب العربي ـ بيروت.

([612]) الخطيب البغدادي، الكفاية في علم الرواية: ص135ـ 136، الناشر: دار الكتاب العربي، ط1، 1405هـ.

([613]) ابن الصلاح, علوم الحديث (مقدمة ابن الصلاح): ص86.

([614]) النووي، شرح مسلم: ج1 ص125, الناشر: دار الكتاب العربي ـ بيروت, 1407هـ..

([615]) المصدر نفسه.

([616]) تاج الدين عبد الوهاب بن علي السبكي، قاعدة في الجرح والتعديل: ص24ـ 28، الناشر: مكتب المطبوعات ـ حلب، ط3ـ 1400هـ.

([617]) انظر: ابن الصلاح, مقدمة ابن الصلاح: ص86, الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت. النووي، التقريب مع شرحه تدريب الراوي للسيوطي: ج1 ص305، الناشر: مكتبة الرياض الحديثة.

([618]) العراقي، شرح التبصرة والتذكرة: ج1 ص336, الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت, ط1, 1423هـ.

([619]) ابن كثير، الباعث الحثيث: ج1 ص287, الناشر: مكتبة المعارف الرياض, ط1, 1417هـ.

([620]) ابن الصلاح, علوم الحديث (مقدمة ابن الصلاح): ص87, الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت, ط1, 1416هـ.

([621]) النووي، شرح مسلم: ج1 ص125, الناشر: دار الكتاب العربي ـ بيروت, 1407هـ..

([622]) الصنعاني, توضيح الأفكار لمعاني تنقيح الأنظار: ج2 ص274، الناشر: المكتبة السلفية ـ المدينة المنورة.

([623]) الخطيب البغدادي، الكفاية في علم الرواية: ص135، الناشر: دار الكتاب العربي، ط1، 1405هـ.

([624]) الباعث الحثيث شرح اختصار علوم الحديث للحافظ ابن كثير، شرح: أحمد محمد شاكر: ج1 ص286، الناشر: مكتبة المعارف ـ الرياض، ط1ـ 1417هـ.

([625]) البغدادي، الكفاية في علم الرواية: ص 135ـ 136، الناشر: دار الكتاب العربي، ط1، 1405هـ.

([626]) العراقي، التقييد والإيضاح شرح مقدمة ابن الصلاح: ص141، الناشر: المكتبة السلفية، المدينة المنورة، ط1، 1389 هـ. اللكنوري، الرفع والتكميل: ص94. الناشر: مكتب المطبوعات لاسلامية، حلب، ط3، 1407 هـ.

([627]) ابن كثير، شرح اختصار علوم الحديث المطبوع مع شرحه الباعث الحثيث لأحمد محمّد شاكر: ج1 ص287.

([628]) ابن حجر، مقدمة فتح الباري: ص453، الناشر: دار إحياء التراث العربي ـ بيروت، ط1، 1408هـ.

([629]) المصدر نفسه: ص403.

([630]) الألباني، سلسلة الأحاديث الصحيحة: ح 459 ج1 ص742، الناشر: مكتبة المعارف ـ الرياض، 1415هـ.

([631]) الذهبي، ميزان الاعتدال: ج 1 ص 111، الناشر: دار المعرفة ـ بيروت، ط1، 1382هـ.

([632]) الغامدي، حوار هادئ مع الدكتور القزويني: ص269, الدمام, 1426هـ.

([633]) المصدر نفسه: ص274.

([634]) المصدر نفسه: ص267.

([635]) المصدر السابق: ص272.

([636]) ابن الصلاح، مقدمة ابن الصلاح: ص84، الناشر: دار الكتب العلميّة ـ بيروت, ط1, 1416هـ.

([637]) العسقلاني، أحمد بن علي بن حجر، نزهة النظر شرح نخبة الفكر: ص51, الناشر: مطبعة الصباح ـ دمشق، ط3, 1421هـ.

([638]) ابن حجر العسقلاني، نزهة النظر في توضيح نخبة الفكر: ص102، الناشر: مطبعة الصباح ـ دمشق، ط3, 1421هـ.

([639]) الجزائري الدمشقي، طاهر، توجيه النظر إلى أصول الأثر: ج1 ص246، الناشر: مكتبة المطبوعات الإسلامية ـ حلب، ط1ـ 1995م.

([640]) ابن حجر العسقلاني، نخبة الفكر في مصطلح أهل الأثر: ص19، الناشر: دار إحياء التراث العربي ـ بيروت.

([641]) الخطيب البغدادي، الكفاية في علم الرواية: ص148، الناشر: دار الكتاب العربي، ط1، 1405هـ.

([642]) ابن حجر، نزهة النظر في شرحة نخبة الفِكَر: ص103, الناشر: مطبعة الصباح ـ دمشق، ط3, 1421هـ.

([643]) ابن كثير, اختصار علوم الحديث المطبوع ضمن شرحه الباعث الحثيث: ج1 ص299, الناشر: مكتبة المعارف ـ الرياض، ط1ـ 1417هـ..

([644]) النووي، التقريب مع شرحه تدريب الراوي للسيوطي: ج1 ص324، الناشر: مكتبة الرياض الحديثة ـ الرياض.

([645]) تقي الدين ابن دقيق العيد، الاقتراح في بيان الاصطلاح: ج1 ص58، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت، ط 1406هـ.

([646]) ابن حجر العسقلاني، نخبة الفكر في توضيح نخبة الفكر: ص103، الناشر: مطبعة الصباح ـ دمشق, ط3, 1421هـ.

([647]) عثمان بن عبد الرحمن، مقدمة ابن الصلاح: ص90ـ 91، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت، ط1ـ 1416هـ.

([648]) ابن حجر العسقلاني، لسان الميزان: ج1 ص10، الناشر: مؤسسة الأعلمي للمطبوعات ـ بيروت، ط2، 1390هـ.

([649]) عثمان بن عبد الرحمن، مقدمة ابن الصلاح: ص91, الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت، ط1ـ 1416هـ..

([650]) الخطيب البغدادي، الكفاية في علم الرواية: ص148ـ 149، الناشر: دار الكتاب العربي، ط1، 1405هـ.

([651]) عثمان بن عبد الرحمن، مقدمة ابن الصلاح: ص91.

([652]) الخطيب البغدادي، الكفاية في علم الرواية: ص149، الناشر: دار الكتاب العربي، ط1، 1405هـ.

([653]) الجزائري الدمشقي، طاهر، توجيه النظر إلى أصول الأثر: ج2 ص889، الناشر: مكتبة المطبوعات الإسلامية ـ حلب، ط1ـ 1416هـ.

([654]) السيوطي، تدريب الراوي: ج1 ص325، الناشر: مكتبة الرياض الحديثة ـ الرياض، تحقيق: عبد الوهاب عبد اللطيف.

([655]) عثمان بن عبد الرحمن، مقدمة ابن الصلاح: ص299، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت، ط1ـ 1416هـ.

([656]) يبدو أنّ ما زائدة وغير صحيحة.

([657]) ابن حبان، الثقات: ج6 ص140ـ 141، الناشر: مؤسسة الكتب الثقافية ـ الهند، ط1، 1393هـ.

([658]) يقال للخوراج: محكمة وشراة.

([659]) الزركشي، النكت على مقدمة ابن الصلاح: ج3 ص400ـ 401, الناشر: أضواء السلف.

([660]) المنذري، عبد العظيم بن عبد القوي، رسالة في الجرح والتعديل: ص45، الناشر: مكتبة دار الأقصى ـ الكويت.

([661]) الجزائري الدمشقي، طاهر، توجيه النظر إلى أصول الأثر: ج2 ص889، الناشر: مكتبة المطبوعات الإسلامية ـ حلب، ط1، 1416هـ..

([662]) المصدر نفسه: ج2 ص890.

([663]) محمد جمال الدين القاسمي، قواعد التحديث من فنون مصطلح الحديث: ج1 ص192، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت، ط1ـ 1399هـ.

([664]) ابن حجر العسقلاني، لسان الميزان: ج1 ص11، الناشر: مؤسسة الأعلمي للمطبوعات ـ بيروت، ط2، 1390هـ.

([665]) الجزائري الدمشقي، طاهر، توجيه النظر إلى أصول الأثر: ج2 ص888، الناشر: مكتبة المطبوعات الإسلامية ـ حلب، ط1، 1416هـ.

([666]) العسقلاني, مقدمة فتح الباري: ص382, الناشر: دار إحياء التراث ـ بيروت, ط1, 1408هـ.

([667]) الأزهري، أبو منصور محمد بن أحمد، تهذيب اللغة، ج3، ص40, الناشر: دار إحياء التراث ـ بيروت, ط1, 2001م.

([668]) ابن منظور، محمد بن كرم، لسان العرب، ج8 ص188, الناشر: دار صادر ـ بيروت, ط1.

([669]) العسقلاني، أحمد بن علي بن حجر، تهذيب التهذيب، ج1، ص81، الناشر: دار الفكر ـ بيروت، ط1، 1404هـ.

([670]) الأندلسي، أحمد بن محمد بن عبد ربه، العقد الفريد، ج2، ص 230, الناشر: دار إحياء التراث, بيروت, ط3, 1420هـ.

([671]) الأشعري, علي بن إسماعيل، مقالات الإسلاميين، ص5, الناشر: دار إحياء التراث ـ بيروت, ط3.

([672]) العسقلاني، أحمد بن علي بن حجر، هدي الساري مقدمة فتح الباري: ص460، الناشر: دار إحياء التراث العربي ـ بيروت، ط1، 1408هـ.

([673]) الذهبي شمس الدين، محمد بن أحمد بن عثمان، ميزان الاعتدال في نقد الرجال، ج1، ص6، الناشر: دار المعرفة ـ بيروت، ط1، 1382هـ.

([674]) الشهرستاني، محمد بن عبد الكريم، الملل والنحل، ج1، ص145, الناشر: دار المعرفة ـ بيروت.

([675]) ابن خلدون، تاريخ ابن خلدون، ج1، ص197, الناشر: دار إحياء التراث ـ بيروت, ط4.

([676]) الذهبي، سير أعلام النبلاء: ج16 ص 458، الناشر: مؤسسة الرسالة ـ بيروت، ط9، 1413هـ.

([677]) البربهاري، الحسن بن علي بن خلف، كتاب شرح السنة، ص58, الناشر: المكتب الإسلامي ـ دمشق ـ بيروت, ط3, 1403هـ.

([678]) العسقلاني، أحمد بن علي بن حجر، هدي الساري (مقدمة فتح الباري)، ص460، الناشر: دار إحياء التراث العربي ـ بيروت، ط1، 1408هـ.

([679]) البربهاري، الحسن بن علي بن خلف، كتاب شرح السنة، ص58, الناشر: المكتب الإسلامي ـ دمشق ـ بيروت, ط3, 1403هـ.

([680]) البغدادي، عبد القاهر بن طاهر بن محمد، الفَرق بين الفِرق، ص25، الناشر: دار الآفاق الجديدة ـ بيروت، ط2، 1977م.

([681]) الشهرستاني، محمد بن عبد الكريم، الملل والنحل، ص 20، الناشر: دار المعرفة، بيروت.

([682]) الإسفراييني، طاهر بن محمد، التبصير في الدين، ص30، الناشر: عالم الكتب ـ لبنان، طذ، 1403هـ.

([683]) الأشعري أبو الحسن، علي بن إسماعيل، مقالات الإسلاميين، ص116، الناشر: دار احياء التراث ـ بيروت، ط3.

([684]) الذهبي، ميزان الاعتدال في نقد الرجال، ج1، ص6، الناشر: دار المعرفة ـ بيروت، ط1، 1382هـ.

([685]) العسقلاني، تهذيب التهذيب، ج1، ص82، الناشر: دار الفكر ـ بيروت، ط1، 1404هـ.

([686]) اللالكائي، شرح أصول اعتقاد أهل السنة، ج1، ص178, الناشر: دار طيبة.

([687]) الجوهري، الصحاح: ج3، ص1078، الناشر: دار العلم للملايين ـ بيروت، ط4، 1407هـ.

([688]) وقعة صفين، ابن مزاحم المنقري، ص 34، الناشر: المؤسسة العربية الحديثة للطبع والنشر والتوزيع ـ القاهرة، ط2، 1382هـ، تاريخ اليعقوبي، اليعقوبي، ج 2 ص 184، الناشر: دار صادر ـ بيروت.

([689]) كتاب الفتوح، أحمد بن أعثم الكوفي: ج 2 ص 510, الناشر: دار الأضواء ـ لبنان, ط1, 1411هـ.

([690]) المحاسن والمساوئ، إبراهيم بن محمد البيهقي: ص 161، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت، ط1، 1420هـ.

([691]) الذهبي، ميزان الاعتدال: ج 1 ص 28، الناشر: دار المعرفة ـ بيروت، ط1، 1382هـ.

([692]) المصدر نفسه: ج1 ص6.

([693]) المصدر نفسه: ج 1 ص 28.

([694]) ابن حجر، تهذيب التهذيب: ج 1ص81، الناشر: دار الفكر ـ بيروت، ط1، 1404هـ.

([695]) منهاج السنة: ج 1ص59، الناشر: مؤسسة قرطبة، ط1ـ 1406هـ.

([696]) الغامدي، حوار هادئ: ص121، الدمام، 1426هـ.

([697]) العسقلاني، أحمد بن علي بن حجر, تهذيب التهذيب، ج8 ص 411، الناشر: دار الفكر ـ بيروت، ط1، 1404هـ.

([698]) المصدر السابق: ج8 ص411.

([699]) انظر: ج2 هامش ص65.

([700]) انظر: الخوئي, منهاج الصالحين: ج1 ص263, الناشر: مدينة العلم ـ قم, ط28, 1410هـ, الخميني, تحرير الوسيلة: ج1 ص285, الناشر: دار الكتب العلمية, ط2, 1390هـ.

([701]) مسلم النيسابوري، صحيح مسلم، ج1، ص86، الناشر: دار الفكر، بيروت.

([702] ) المنافقون: 1.

([703]) ابن كثير، إسماعيل بن عمر، البداية والنهاية، ج7، ص318، الناشر: دار إحياء التراث العربي، ط1، 1408هـ.

([704]) الكوفي، أحمد بن أعثم، كتاب الفتوح، ج4، ص278, الناشر: دار الأضواء ـ لبنان, ط1, 1411هـ.

([705]) انظر: صحيح البخاري: ج4 ص108، الناشر: دار الفكر، 1401هـ.

([706]) الخطيب البغدادي، أحمد بن علي بن ثابت، الكفاية في علم الرواية، ص123، الناشر: دار الكتاب العربي، ط1، 1405هـ.

([707]) العسقلاني، أحمد بن علي بن حجر، لسان الميزان: ص10 ـ 11، الناشر: مؤسسة الأعلمي للمطبوعات ـ بيروت، ط2، 1390هـ.

([708]) الغامدي، حوار هادئ: ص268، الدمام، 1426هـ.

([709]) البخاري، التاريخ الكبير: ج 3 ص 104، الناشر: المكتبة الإسلامية، ديار بكر، تركيا.

([710]) مقدمة فتح الباري، ابن حجر: ص393، الناشر: دار إحياء التراث العربي ـ بيروت، ط1، 1408هـ.

([711]) المزي، تهذيب الكمال في أسماء الرجال: ج5 حاشية ص576، الناشر: مؤسسة الرسالة ـ بيروت، ط4، 1413هـ.

([712]) ابن حبان، كتاب المجروحين: ج 1 ص 268، الناشر: دار الباز ـ مكة.

([713]) ابن حبان، الثقات: ج 8 ص 81، الناشر: مؤسسة الكتب الثقافية ـ الهند، ط1، 1393هـ.

([714]) ابن حجر, تهذيب التهذيب: ج1 ص160، الناشر: دار الفكر ـ بيروت، ط1، 1404هـ.

([715]) العجلي, معرفة الثقات: ج1 ص291، الناشر: مكتبة الدار ـ المدينة المنورة، ط1، 1405هـ.

([716]) ابن حجر، مقدمة فتح الباري: ص393، الناشر: دار إحياء التراث العربي ـ بيروت، ط1, 1408هـ.

([717]) الذهبي، ميزان الاعتدال: ج 1 ص 475، الناشر: دار المعرفة ـ بيروت، ط1، 1382هـ.

([718]) الذهبي، الكاشف في معرفة من له رواية في كتب الستة: ج 1 ص 319، الناشر: دار القبلة للثقافة الاسلامية ـ جدة، مؤسسة علوم القرآن ـ جدة، ط1، 1413هـ.

([719]) الذهبي، المغني في الضعفاء، ج1 ص 154، الناشر: إدارة إحياء التراث, قطر.

([720]) الألباني، سلسلة الأحاديث الصحيحة، مج 7، القسم الثاني، ص693، ح 3227، الناشر: مكتبة المعارف ـ الرياض، 1415هـ.

([721]) الرازي، الجرح والتعديل: ج 3 ص 289، الناشر: دار إحياء التراث العربي ـ بيروت، ط1، 1372 هـ.

([722]) ابن حجر، مقدمة فتح الباري: ص393، الناشر: دار إحياء التراث العربي ـ بيروت، ط1، 1408هـ.

([723]) المزي، تهذيب الكمال في أسماء الرجال: ج5 هامش ص575، الناشر: مؤسسة الرسالة ـ بيروت، ط4، 1413هـ.

([724]) ابن حبان, كتاب المجروحين: ج 1 ص 268، الناشر: دار الباز ـ مكة.

([725]) الألباني، سلسلة الأحاديث الصحيحة، ج 7، القسم الثاني، ص693، ح 3227، الناشر: مكتبة المعارف ـ الرياض، 1415هـ.

([726]) المزي، تهذيب الكمال، ج5 هامش ص579، الناشر: مؤسسة الرسالة ـ بيروت، ط4، 1413هـ.

([727]) آل عمران: 28.

([728]) قال ابن أبي الحديد: >إنّ كثيراً من أرباب الهوى يقولون: إن كثيراً من نهج البلاغة كلام محدث، صنعه قوم من فصحاء الشيعة، وربما عزوا بعضه إلى الرضي أبى الحسن وغيره، وهؤلاء قوم أعمت العصبية أعينهم، فضلوا عن النهج الواضح وركبوا بنيات الطريق، ضلالاً وقلة معرفة بأساليب الكلام< شرح نهج البلاغة: ج 10ص 127ـ 128، الناشر: دار إحياء الكتب العربية، ط1، 1378هـ.

([729]) نهج البلاغة، شرح الشيخ محمد عبده: ج1 ص11، الناشر: دار الذخائر ـ قم، ط1، 1412هـ.

([730]) صبحي الصالح، نهج البلاغة: ص18. الناشر: مؤسسة دار الهجرةـ قم.

([731]) الغامدي، حوار هادئ: ص260, الدمام, 1426هـ.

([732]) ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة: ج 1 ص 25، الناشر: دار إحياء الكتب العربية، ط1، 1378هـ.

([733]) محمد عبده، شرح نهج البلاغة: ج 1 ص 3، الناشر: دار الذخائر ـ قم، ط1، 1412هـ.

([734]) بلوغ الأرب في معرفة أحوال العرب، محمود شكري الآلوسي: ج3 ص180، عنى بشرحه وتصحيحه وضبطه: محمد بهجة الأثري، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت.

([735]) نهج البلاغة، تحقيق وتوثيق، د. صبري إبراهيم السيد: ص5، الناشر: دار الثقافة ـ قطر ـ الدوحة، 1406هـ.

([736]) الخطيب البغدادي، الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع،: ج2 ص213 , الناشر: مكتبة المعارف ـ الرياض، 1403هـ.

([737]) كذا في المصدر، والظاهر أن الصحيح: ( ونسبته)

([738]) يظهر من قوله: يزعمون, أنه لم يجزم بصحة اقوالهم واستدلالاتهم.

([739]) إذن مسألة الحكم على كتاب نهج البلاغة تحتاج منّا التأني والتأمل لا أن نقول بسرعة خاطفة: إنه كتاب مختلق! أليس كذلك يا سعادة الدكتور المبجل؟!

([740]) نهج البلاغة، تحقيق وتوثيق صبري إبراهيم السيد: ص75، الناشر: دار الثقافة ـ قطر ـ الدوحة، 1406هـ.

([741]) المصدر نفسه: ص7.

([742]) الغامدي، حوار هادئ: ص261, الدمام, 1426هـ.

([743]) انظر: ص339ـ343 من هذا الجزء.

([744]) الغامدي، حوار هادئ: ص261ـ 262, الدمام, 1426هـ.

([745]) نهج البلاغة، تحقيق وتوثيق: صبري إبراهيم السيّد: ص13ـ 19، الناشر: دار الثقافة ـ قطر ـ الدوحة، 1406هـ.

([746]) المصدر السابق: ص66.

([747]) المصدر السابق: ص68.

([748]) ق: 18.

([749]) الوافي بالوفيات، الصفدي: ج15 ص 45- 46, الناشر: دار إحياء التراث ـ بيروت, ط 1420هـ.

([750]) معجم البلدان، الحموي: ج1 ص 534, الناشر: دار إحياء التراث العربي ـ بيروت، ط 1399هـ.

([751]) الذريعة، آقا بزرك الطهراني: ج2 ص 129, الناشر: دار الأضواء ـ بيروت, ط3, 1403هـ.

([752]) يوسف بن محمد بن أبراهيم العتيق، التعريف بما أفرد من الأحاديث بالتضعيف، ص32، تقديم: د. باسم بن فيض الجوابرة، وعلي بن حسن بن علي الحلبي الأثري، الناشر: دار الصميعي، ط1، 1418هـ.

([753]) الخطيب البغدادي, تاريخ بغداد: ج11 ص50، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت، ط1، 1417هـ.

([754]) الحاكم النيسابوري، المستدرك علي الصحيحين، ج3 ص126، الناشر: دار المعرفة ـ بيروت.

([755]) محمد بن يوسف الكنجي الشافعي, كفاية الطالب في مناقب علي بن أبي طالب×، ص222، الناشر: دار إحياء تراث أهل البيت ـ طهران، ط3، 1404هـ

([756]) المناوي, فيض القدير شرح الجامع الصغير: ج 3 ص 61, الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت، ط1ـ 1415هـ.

([757]) الزركشي, اللآلئ المنثورة في الأحاديث المشهورة المعروف بـ (التذكرة في الأحاديث المشتهرة)، ص165، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت، ط1، 1406 هـ.

([758]) السيوطي، اللآلىء المصنوعة في الأحاديث الموضوعة،ج1 ص306، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت، ط1، 1417 هـ.

([759]) السخاوي, المقاصد الحسنة في بيان كثير من الأحاديث المشتهرة على الألسنة: ص170 الناشر: دار الكتاب العربي ـ بيروت, ط1, 1405 هـ ـ 1985م.

([760]) المتقي الهندي، كنز العمال في سنن الأقوال والأفعال، ج13، ص65، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت، ط1, 1419هـ ـ 1998م.

([761]) الصالحي الشامي, سبل الهدى والرشاد: ج 1 ص 509, الناشر: دار الكتب العلميّة ـ بيروت, ط1, 1414هـ.

([762]) ابن حجر المكي، تطهير الجنان واللسان عن ثلب معاوية بن أبي سفيان، ص123، الناشر: دار الصحابة ـ طنطا، ط1، 1413هـ.

([763]) ابن حجر الهيتمي المكي، الفتاوى الحديثية: ص192، الناشر: دار الفكر.

([764]) الشوكاني، الفوائد المجموعة في الأحاديث الموضوعة: ص 349, الناشر: المكتب الإسلامي ـ بيروت، ط3, 1407هـ.

([765]) محمود سعيد ممدوح، الاتجاهات الحديثية في القرن الرابع عشر: ص184ـ 187، الناشر: دار البصائر ـ مصر، ط1 1430هـ.

([766]) الطبري, تهذيب الآثار وتفصيل الثابت عن رسول الله من الأخبار: ج3 ص104، الناشر: مطبعة المدني ـ القاهرة.

([767]) ابن حجر, لسان الميزان: ج2 ص123، الناشر: مؤسسة الأعلمي للمطبوعات ـ بيروت، ط2، 1390هـ.

([768]) الفتني, تذكرة الموضوعات: ص96, الناشر: إدارة الطباعة المنيرية ـ ط1, 1343هـ.

([769]) الطبري، تاريخ الطبري: ج2 ص62ـ 63، الناشر: مؤسسة الأعلمي ـ بيروت، ط4، 1403هـ.

([770]) اُنظر: المزي، تهذيب الكمال: ج25 ص100ـ 101، الناشر: مؤسسة الرسالة ـ بيروت، ط1، 1413هـ.

([771]) ابن حجر العسقلاني، تهذيب التهذيب: ج9 ص115، الناشر: دار الفكر ـ بيروت، ط1، 1404هـ.

([772]) المصدر نفسه: ج4 ص135ـ 136.

([773]) الذهبي، سير أعلام النبلاء: ج7 ص33ـ 37، الناشر: مؤسسة الرسالة ـ بيروت، ط9، 1413هـ.

([774]) ابن حجر العسقلاني، تهذيب التهذيب: ج9 ص36، الناشر: دار الفكر ـ بيروت، ط1، 1404هـ.

([775]) الذهبي، سير أعلام النبلاء: ج7 ص33ـ 37، الناشر: مؤسسة الرسالة ـ بيروت، ط9، 1413هـ.

([776]) ابن حجر العسقلاني، لسان الميزان: ج4 ص42، الناشر: مؤسسة الأعلمي للمطبوعات ـ بيروت، ط2، 1390هـ.

([777]) ابن عدي, الكامل: ج5 ص328، الناشر: دار الفكر ـ بيروت، ط3، 1409هـ.

([778]) المصدر نفسه: ج5 ص327.

([779]) تذكرة الحفاظ: ج3 ص839، الناشر: دار إحياء التراث العربي ـ بيروت.

([780]) ابن حجر، لسان الميزان: ج1 ص265، الناشر: مؤسسة الأعلمي للمطبوعات ـ بيروت، ط2، 1390هـ.

([781]) ابن عدي, الكامل: ج1 ص206، الناشر: دار الفكر ـ بيروت، ط3، 1409هـ.

([782]) ابن حجر, لسان الميزان: ج1 ص236، الناشر: مؤسسة الأعلمي للمطبوعات ـ بيروت، ط2، 1390هـ.

([783]) ابن عدي, الكامل: ج5 ص372، الناشر: دار الفكر ـ بيروت، ط3، 1409هـ.

([784]) الذهبي، ميزان الاعتدال: ج2 ص640، الناشر: دار المعرفة ـ بيروت، ط1، 1382هـ.

([785]) ابن أبي حاتم، الجرح والتعديل: ج6 ص54، الناشر: دار إحياء التراث العربي ـ بيروت، ط1، 1372 هـ.

([786]) المصدر نفسه.

([787]) العقيلي، الضعفاء: ج3 ص102، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت، ط2، 1418هـ.

([788]) المزي، تهذيب الكمال: ج28 ص570ـ 571، الناشر: مؤسسة الرسالة ـ بيروت، ط1، 1413هـ.

([789]) ابن حجر, تقريب التهذيب: ج2 ص216، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت، ط2، 1415هـ.

([790]) الذهبي, الكاشف: ج2 ص298، الناشر: دار القبلة للثقافة الاسلامية ـ جدة، مؤسسة علوم القرآن ـ جدة، ط1، 1413هـ.

([791]) ابن حجر، تهذيب التهذيب: ج5 ص158، الناشر: دار الفكر ـ بيروت، ط1، 1404هـ.

([792]) ابن حجر، تقريب التهذيب: ج1 ص485، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت، ط2، 1415هـ.

([793]) ابن عساكر، تاريخ مدينة دمشق: ج42 ص47ـ 48، الناشر: دار الفكر ـ بيروت، 1415هـ.

([794]) الذهبي، سير أعلام النبلاء: ج20 ص145ـ 146، الناشر: مؤسسة الرسالة ـ بيروت، ط9، 1413هـ.

([795]) الذهبي، ميزان الاعتدال: ج3 ص181، الناشر: دار المعرفة ـ بيروت، ط1، 1382هـ.

([796]) ابن عساكر، تاريخ مدينة دمشق: ج43 ص543، الناشر: دار الفكر ـ بيروت، 1415هـ.

([797]) ابن النجار، ذيل تاريخ بغداد: ج5 ص9ـ 10، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت، ط1، 1417هـ.

([798]) الذهبي، سير أعلام النبلاء: ج18 ص451، الناشر: مؤسسة الرسالة ـ بيروت، ط9، 1413هـ.

([799]) المصدر نفسه: ج17 ص100ـ 101.

([800]) المصدر السابق: ج15 ص73.

([801]) الذهبي، ميزان الاعتدال: ج4 ص14، الناشر: دار المعرفة ـ بيروت، ط1، 1382هـ.

([802]) الدارقطني, سنن الدارقطني: ج1 ص316, الناشر: دار الكتب العلميّة ـ بيروت, ط1, 1417هـ.

([803]) الذهبي, الكاشف: ج1 ص532ـ 533، الناشر: دار القبلة للثقافة الاسلامية ـ جدة، مؤسسة علوم القرآن ـ جدة، ط1، 1413هـ.

([804]) الذهبي, سير أعلام النبلاء: ج11 ص536ـ 538، الناشر: مؤسسة الرسالة ـ بيروت، ط9، 1413هـ.

([805]) ابن حجر العسقلاني، تقريب التهذيب: ج1 ص469ـ 470، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت، ط2، 1415هـ.

([806]) الخزرجي, خلاصة تذهيب تهذيب الكمال: ص187، الناشر: مكتب المطبوعات الإسلامية بحلب، دار البشائر الإسلامية، ط4، 1411هـ.

([807]) ابن حجر العسقلاني، تهذيب التهذيب: ج5 ص265، الناشر: دار الفكر ـ بيروت، ط1، 1404هـ.

([808]) ابن حجر العسقلاني، تقريب التهذيب: ج1 ص510، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت، ط2، 1415هـ.

([809]) الهيثمي، مجمع الزوائد: ج1 ص120، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت، 1408هـ.

([810]) المصدر نفسه: ج3 ص15.

([811]) ابن حجر العسقلاني، تهذيب التهذيب: ج4 ص196، الناشر: دار الفكر ـ بيروت، ط1، 1404هـ.

([812]) ابن حجر، تقريب التهذيب: ج1 ص392، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت، ط2، 1415هـ.

([813]) الذهبي، الكاشف: ج1 ص464، الناشر: دار القبلة للثقافة الاسلامية ـ جدة، مؤسسة علوم القرآن ـ جدة، ط1، 1413هـ.

([814]) العجلي، معرفة الثقات: ج1 ص432، الناشر: مكتبة الدار ـ المدينة المنورة، ط1، 1405هـ.

([815]) ابن حبّان، الثقات: ج4 ص302، الناشر: مؤسسة الكتب الثقافية ـ الهند، ط1، 1393هـ.

([816]) عمر بن شاهين، تاريخ أسماء الثقات: ص14، الناشر: دار السلفية ـ تونس، ط1، 1404هـ.

([817]) انظر: ص439 من هذا الجزء.

([818]) المزي، تهذيب الكمال: ج14 ص139، الناشر: مؤسسة الرسالة ـ بيروت، ط2، 1413هـ.

([819]) العجلي، معرفة الثقات: ج2 ص17، الناشر: مكتبة الدار ـ المدينة المنورة، ط1، 1405هـ.

([820]) ابن حبّان، الثقات: ج5 ص141، الناشر: مؤسسة الكتب الثقافية ـ الهند، ط1، 1393هـ.

([821]) ابن أبي حاتم الرازي، تفسير ابن أبي حاتم: ج1 ص45، الناشر: المكتبة العصرية.

([822]) الحاكم، المستدرك: ج3 ص112، الناشر: دار المعرفة ـ بيروت. 

([823]) المصدر نفسه: ج3 ص129ـ 130.

([824]) الذهبي، ميزان الاعتدال: ج2 ص369، الناشر: دار المعرفة ـ بيروت، ط1، 1382هـ.

([825]) سبط ابن العجمي، الكشف الحثيث: ص144، الناشر: عالم الكتب ـ بيروت، ط1، 1407هـ.

([826]) الطبراني، المعجم الكبير: ج4 ص171 ح4046، الناشر: دار إحياء التراث العربي ـ بيروت.

([827]) الجرح والتعديل: ج7 ص298، الناشر: دار إحياء التراث العربي ـ بيروت، ط1، 1372 هـ.

([828]) تذكرة الحفاظ: ج2 ص662ـ 663، الناشر: دار إحياء التراث العربي ـ بيروت.

([829]) مجمع الزوائد: ج6 ص104، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت، 1408هـ.

([830]) ابن أبي عاصم، السنة: ص317، ومعه ظلال الجنة في تخريج السنة بقلم: محمّد ناصر الألباني، الناشر: المكتب الإسلامي ـ بيروت.

([831]) المستدرك وبذيله التلخيص للذهبي: ج3 ص41ـ 42، ج3 ص560، ج4 ص319ـ 320، الناشر: دار المعرفة ـ بيروت. وغيرها من الموارد.

([832]) المزي، تهذيب الكمال: ج26ـ ص378ـ 379، الناشر: مؤسسة الرسالة ـ بيروت، ط1، 1413هـ.

([833]) تقريب التهذيب: ج2 ص130، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت، ط2، 1415هـ.

([834]) ابن حجر العسقلاني، تهذيب التهذيب: ج2 ص291ـ 292، الناشر: دار الفكر ـ بيروت، ط1، 1404هـ.

([835]) ابن حجر العسقلاني، تقريب التهذيب: ج1 ص214، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت، ط2، 1415هـ.

([836]) ابن حبّان، الثقات: ج8 ص184، الناشر: مؤسسة الكتب الثقافية ـ الهند، ط1، 1393هـ.

([837]) تفسير ابن أبي حاتم: ج3 ص729 ج4 ص1328 ج10 ص3277، الناشر: المكتبة العصرية ـ صيدا.

([838]) الحاكم النيسابوري، المستدرك وبذيله التلخيص للذهبي: ج3 ص140، الناشر: دار المعرفة ـ بيروت.

([839]) المصدر نفسه: ج3 ص130.

([840]) انظر: القزويني, قصّة الحوار الهادئ: ج2 ص628ـ629.

([841]) الذهبي، ميزان الاعتدال: ج3 ص393، الناشر: دار المعرفة ـ بيروت، ط1، 1382هـ.

([842]) ابن حجر، تهذيب التهذيب: ج8 ص350ـ 351، الناشر: دار الفكر ـ بيروت، ط1، 1404هـ.

([843]) المصدر السابق: ج8 ص352ـ 353.

([844]) اُنظر: ص447 من هذا الجزء.

([845]) ابن أبي حاتم, الجرح والتعديل: ج7 ص29، الناشر: دار إحياء التراث العربي ـ بيروت، ط1، 1372 هـ.

([846]) ابن حبان, الثقات: ج5 ص281، الناشر: مؤسسة الكتب الثقافية ـ الهند، ط1، 1393هـ.

([847]) العقيلي, ضعفاء العقيلي: ج3 ص415ـ 416، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت، ط2، 1418هـ.

([848]) الذهبي, ميزان الاعتدال: ج3 ص140، الناشر: دار المعرفة ـ بيروت، ط1، 1382هـ.

([849]) الحاكم النيسابوري، المستدرك وبذيله التلخيص للذهبي: ج2 ص461، الناشر: دار المعرفة ـ بيروت.

([850]) الطبراني، المعجم الأوسط: ج6 ص327، الناشر: دار الحرمين ـ القاهرة. الطبراني، المعجم الكبير: ج3 ص57، الناشر: دار إحياء التراث العربي ـ بيروت.

([851]) ابن عساكر، تاريخ مدينة دمشق: ج42 ص130، الناشر: دار الفكر ـ بيروت، 1415هـ.

([852]) الطبراني، المعجم الكبير: ج6 ص221، الناشر: دار إحياء التراث العربي ـ بيروت.

([853]) أحمد بن حنبل، فضائل الصحابة: ج2ص615 ح1052، الناشر: مؤسّسة الرسالة ـ بيروت.

([854]) انظر: ص449 من هذا الجزء.

([855]) ابن أبي حاتم، الجرح والتعديل: ج2 ص92، الناشر: دار إحياء التراث العربي ـ بيروت، ط1، 1372 هـ.

([856]) ابن حبان، الثقات: ج8 ص80، الناشر: مؤسسة الكتب الثقافية ـ الهند، ط1، 1393هـ.

([857]) ابن حجر العسقلاني، تهذيب التهذيب: ج11 ص266، الناشر: دار الفكر ـ بيروت، ط1، 1404هـ.

([858]) ابن أبي حاتم, تفسير ابن أبي حاتم: ج9 ص3032ـ 3033، الناشر: المكتبة العصرية ـ صيدا.

([859]) المصدر السابق: ج1 ص14.

([860]) ابن حبان، صحيح ابن حبان: ج15ص392ـ 395، الناشر: مؤسّسة الرسالة ـ بيروت.

([861]) المصدر نفسه: ج1 ص102ـ 103.

([862]) ابن أبي شيبة، المصنف: ج1ص253، ج3 ص129، ج5 ص415، ج8 ص452، الناشر: المكتب الإسلامي ـ بيروت.

([863]) الحاكم النيسابوري، المستدرك: ج3 ص128، الناشر: دار المعرفة ـ بيروت.

([864]) الطبري, المنتخب من ذيل المذيل: ص51, الناشر: مؤسسة الأعلمي ـ بيروت.

([865]) ابن حجر العسقلاني، تهذيب التهذيب: ج11 ص266, الناشر: دار الفكر ـ بيروت، ط1ـ 1404هـ.

([866]) الألباني، سلسلة الأحاديث الضعيفة: ج2 ص391, الناشر: مكتبة المعارف, الرياض ـ ط5, 1412هـ.

([867]) ابن عدي، الكامل: ج7 ص233، الناشر: دار الفكر ـ بيروت، ط3، 1409هـ.

([868]) ابن أبي حاتم، تفسير ابن أبي حاتم: ج9 ص3032ـ 3033، الناشر: المكتبة العصرية، صيدا.

([869]) الحاكم النيسابوري, المستدرك على الصحيحين: ج3 ص128، الناشر: دار المعرفة ـ بيروت.

([870]) تهذيب التهذيب: ج11 ص266، الناشر: دار الفكر ـ بيروت، ط1، 1404هـ.

([871]) ابن حجر العسقلاني، تهذيب التهذيب: ج10ص 358ـ 359، الناشر: دار الفكر ـ بيروت، ط1، 1404هـ.

([872]) ميزان الاعتدال: ج4 ص240، الناشر: دار المعرفة ـ بيروت، ط1، 1382هـ.

([873]) ابن حبان، المجروحين: ج3 ص54، الناشر: دار الباز ـ مكة.

([874]) المزي، تهذيب الكمال: ج29ص 261ـ 264، الناشر: مؤسسة الرسالة ـ بيروت، ط1، 1413هـ.

([875]) المصدر نفسه: ج29 ص261.

([876]) المصدر نفسه.

([877]) ابن حبّان، المجروحين: ج3 ص54، الناشر: دار الباز ـ مكة.

([878]) الطبراني، المعجم الكبير: ج2 ص247، الناشر: دار إحياء التراث العربي ـ بيروت.

([879]) الذهبي، ميزان الاعتدال: ج4 ص240، الناشر: دار المعرفة ـ بيروت، ط1، 1382هـ.

([880]) الذهبي، سير أعلام النبلاء: ج5 ص245ـ 249، الناشر: مؤسسة الرسالة ـ بيروت، ط9، 1413هـ.

([881]) المزي، تهذيب الكمال: ج12 ص115، الناشر: مؤسسة الرسالة ـ بيروت، ط2، 1413هـ.

([882]) ابن عدي، الكامل في الضعفاء: ج3 ص462، الناشر: دار الفكر ـ بيروت، ط3، 1409هـ.

([883]) ابن عساكر، تاريخ مدينة دمشق: ج42 ص392، الناشر: دار الفكر ـ بيروت، 1415هـ.

([884]) المصدر نفسه: ج8 ص357.

([885]) الذهبي، سير أعلام النبلاء: ج20 ص29ـ 31، الناشر: مؤسسة الرسالة ـ بيروت، ط9، 1413هـ.

([886]) البغدادي، تاريخ بغداد: ج5 ص146، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت، ط1، 1417هـ.

([887]) الذهبي، سير أعلام النبلاء: ج18 ص372ـ 374، الناشر: مؤسسة الرسالة ـ بيروت، ط9، 1413هـ.

([888]) ابن الأثير، الكامل في التاريخ: ج10 ص107ـ 108، الناشر: دار صادر ـ دار بيروت، 1385هـ.

([889]) الخطيب البغدادي، تاريخ بغداد: ج11 ص179، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت، ط1، 1417هـ.

([890]) الذهبي، ميزان الاعتدال: ج3 ص318، الناشر: دار المعرفة ـ بيروت، ط1، 1382هـ.

([891]) ميزان الاعتدال: ج2 ص492ـ 493، الناشر: دار المعرفة ـ بيروت، ط1، 1382هـ.

([892]) اُنظر: ص434 من هذا الجزء.

([893]) الذهبي، الكاشف: ج2 ص46، الناشر: دار القبلة للثقافة الاسلامية ـ جدة، مؤسسة علوم القرآن ـ جدة، ط1، 1413هـ.

([894]) المباركفوري، تحفة الأحوذي: ج1 ص147، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت، ط1، 1410هـ.

([895]) تهذيب التهذيب: ج7 ص330ـ 331، الناشر: دار الفكر ـ بيروت، ط1، 1404هـ.

([896]) الخطيب البغدادي، الكفاية في علم الرواية: ص39، الناشر: دار الكتاب العربي، ط1، 1405هـ.

([897]) اُنظر: ص307 وص435 من هذا الجزء.

([898]) ابن سعد، الطبقات الكبرى: ج6 ص378ـ 379، الناشر: دار صادر ـ بيروت.

([899]) ابن حجر، تهذيب التهذيب: ج4 ص294ـ 296، الناشر: دار الفكر ـ بيروت، ط1، 1404هـ.

([900]) العجلي، معرفة الثقات: ج1 ص119، الناشر: مكتبة الدار ـ المدينة المنورة، ط1، 1405هـ.

([901]) ابن حبان، الثقات: ج6 ص444، الناشر: مؤسسة الكتب الثقافية ـ الهند، ط1، 1393هـ.

([902]) ابن أبي حاتم، الجرح والتعديل: ج6 ص109، الناشر: دار إحياء التراث العربي ـ بيروت، ط1، 1372 هـ.

([903]) ابن حجر، تقريب التهذيب: ج2 ص397، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت، ط2، 1415هـ.

([904]) الترمذي، سنن الترمذي: ج5 ص299، 332، الناشر: دار الفكر ـ بيروت، ط2، 1403هـ.

([905]) الحاكم النيسابوري، المستدرك وبذيله التلخيص للذهبي: ج3 ص130، 137، ج2 ص194، الناشر: دار المعرفة ـ بيروت.

([906]) المناوي، فيض القدير شرح الجامع الصغير: ج2 ص271، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت، ط1ـ 1415هـ.

([907]) الذهبي، تذكرة الحفاظ: ج1 ص102، الناشر: دار إحياء التراث العربي ـ بيروت.

([908]) الذهبي، ميزان الاعتدال: ج2 ص396، الناشر: دار المعرفة ـ بيروت، ط1، 1382هـ.

([909]) ابن حجر، تهذيب التهذيب: ج5 ص138، الناشر: دار الفكر ـ بيروت، ط1، 1404هـ.

([910]) ابن حبان، الثقات: ج5 ص16، الناشر: مؤسسة الكتب الثقافية ـ الهند، ط1، 1393هـ.

([911]) ابن عساكر، تاريخ مدينة دمشق: ج42 ص391ـ 392، الناشر: دار الفكر ـ بيروت، 1415هـ.

([912]) ابن الجوزي، الموضوعات: ج1 ص374 وما بعدها، الناشر: المكتبة السلفية ـ المدينة المنورة، ط1، 1386هـ.

([913]) السيوطي، تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي: ج1 ص278، الناشر: مكتبة الرياض الحديثة ـ الرياض.

([914]) المصدر نفسه: ج1 ص278.

([915]) ابن الجوزي، العلل المتناهية: ج1 ص268، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت.

([916]) ابن حجر الهيتمي، الصواعق المحرقة: ج2 ص652، الناشر: مؤسّسة الرسالة ـ بيروت.

([917]) المناوي، فيض القدير شرح الجامع الصغير: ج3 ص20، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت.

([918]) سبط ابن الجوزي، تذكرة الخواص: ص407، الناشر: ذوي القربى ـ قم.

([919]) كذا في المصدر والظاهر: رواته أو راويه.

([920]) الذهبي، تاريخ الإسلام: ج42 ص300، الناشر: دار الكتاب العربي ـ بيروت، ط1، 1407هـ.

([921]) ابن الجوزي، الموضوعات: ج1 ص242، الناشر: المكتبة السلفية ـ المدينة المنورة، ط1، 1386هـ.

([922]) كذا في المصدر، والصحيح: محمّد بن حمير، بالراء المهملة، وهو محمّد بن حمير بن أنيس الحمصي القضاعي. تقريب التهذيب: ج2 ص69، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت، ط2، 1415هـ.

([923]) المناوي، فيض القدير شرح الجامع الصغير: ج6 ص256، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت، ط1ـ 1415هـ.

([924]) البخاري، صحيح البخاري: ج3 ص186 ح2741، الناشر: دار الفكر ـ بيروت، 1401هـ.

([925]) المصدر نفسه: ج1 ص57 ح198، ص162 ح665، ج3 ص134ـ 135 ح2588، ج5 ص139ـ 140 ح4442، الناشر: دار الفكر، 1401هـ. وغيرها. مسلم النيسابوري، صحيح مسلم: ج2 ص22 ح824، الناشر: دار الفكر ـ بيروت.

([926]) أحمد بن حنبل، مسند أحمد: ج6 ص34، ج5 ص139، ج7 ص18، الناشر: دار صادر ـ بيروت.

([927]) عبد الرزاق الصنعاني، المصنف: ج5 ص429ـ 430، الناشر: منشورات المجلس العلمي.

([928]) ابن سعد، الطبقات الكبرى: ج2 ص232، الناشر: دار صادر ـ بيروت.

([929]) الطبري، تاريخ الطبري: ج2 ص433، الناشر: مؤسسة الأعلمي ـ بيروت، ط4، 1403هـ.

([930]) البخاري، صحيح البخاري: ج4 ص31 ح3053، الناشر: دار الفكر ـ بيروت، 1401هـ.

([931]) الشوكاني، نيل الأوطار: ج1 ص107، الناشر: دار الجيل ـ بيروت، 1973م.

([932]) اُنظر: الشوكاني، مجموعة الرسائل اليمنية، الرسالة الثانية: العقد الثمين في وصاية أمير المؤمنين: ص3ـ 10، الناشر: إدارة الطباعة المنيرية ـ القاهرة.

([933]) الذهبي، تذكرة الحفاظ: ج 3 ص 1039، الناشر: دار إحياء التراث العربي ـ بيروت.

([934]) الذهبي، ميزان الاعتدال: ج3 ص 608، الناشر: دار المعرفة ـ بيروت، ط1، 1382هـ.

([935]) البقرة: 186.

([936]) المائدة: 35.

([937]) الأسراء: 57.

([938]) الأعراف: 180.

([939]) الألباني، التوسل: أنواعه وأحكامه: ص32 ـ33, الناشر: مكتبة المعارف ـ الرياض, ط1, 1421هـ.

([940]) الكفعمي, المصباح: ص291, الناشر: مؤسسة الأعلمي ـ بيروت, ط3, 1403هـ.

([941]) النساء: 64.

([942]) الألباني, التوسل: ج1 ص38, الناشر: مكتبة المعارف ـ الرياض, ط1, 1421هـ.

([943]) انظر: السبكي, شفاء السقام: 297, ط4, 1419هـ. السقاف, الإغاثة: ص19, مكتبة الإمام النووي, ط1, 1410ـ 1990م.

([944]) الكفعمي، المصباح: ص 557، الناشر: مؤسسة الأعلمي ـ بيروت، ط3، 1403هـ.

([945]) القرطبي، التذكرة بأحوال الموتى: ج1 ص459ـ460، الناشر: مكتبة دار المنهاج, الرياض, ط1, 1425هـ. وانظر: ابن قيم الجوزية، كتاب الروح، ج1: ص35ـ36، الناشر: دار الكتب العلمية، بيروت 1395 هـ.

([946]) الألباني، التوسّل: ص60, الناشر: مكتبة المعارف, الرياض, ط1, 1421هـ.

([947]) آل عمران: 169ـ 171.

([948]) ابن القيم, الروح: ص35ـ 36، الناشر: دار الكتب العلمية, بيروت, 1395هـ.

([949]) انظر: ابن حجر, فتح الباري: ج6 ص352, الناشر: دار المعرفة, بيروت. الألباني, سلسلة الأحاديث الصحيحة: ج2 ص187, الناشر: مكتبة المعارف ـ الرياض, ط1, 1415هـ.

([950]) مسلم النيسابوري, صحيح مسلم: ج7 ص102, الناشر: دار الفكر, بيروت.

([951]) أبو داود, سنن أبي داود: ج1 ص453, الناشر: دار الفكر, ط1, 1410هـ..

([952]) النووي, المجموع: ج8 ص272, الناشر: دار الفكر.

([953]) إبراهيم بن إسحاق الحربي, غريب الحديث: ج1 ص67ـ 68, الناشر: جامعة أم القرى ـ مكة المكرمة, ط1، 1405هـ.

([954]) النووي, المجموع: ج4 ص548, الناشر: دار الفكر.

([955]) الحاكم، المستدرك على الصحيحين, وبذيله التخليص للذهبي: ج1 ص278, الناشر: دار المعرفة ـ بيروت.

([956]) الألباني, إرواء الغليل: ج1 ص34ـ 35, الناشر: المكتب الإسلامي, بيروت , ط2، 1405هـ.، وانظر: سلسلة الأحاديث الصحيحة: ج4 ص32, الناشر: مكتبة المعارف, الرياض.

([957]) النساء: 64.

([958]) محمود سعيد ممدوح, رفع المنارة لتخريج أحاديث التوسل والزيارة: ص57, الناشر: دار الإمام النووي, الأردن, ط1, 1416هـ.

([959]) الحاكم النيسابوري, المستدرك على الصحيحين وبهامشه التلخيص للذهبي: ج2 ص305.

([960]) الألباني, سلسلة الأحاديث الصحيحة: ج1 ص385, الحديث رقم: 199, الطبعة الجديدة.

([961]) السيوطي, تنوير الحلك: ص13, الناشر: مكتبة الحقيقة, إستانبول ـ تركيا, ط1: 1406 هـ.

([962]) الثعلبي, تفسير الثعلبي: ج3 ص339, تحقيق: الإمام أبي محمّد بن عاشور، مراجعة: نظير الساعدي, الناشر: دار إحياء التراث العربي, بيروت, ط1، 1422هـ.

([963]) القرطبي, تفسير القرطبي: ج5 ص265, الناشر: دار إحياء التراث العربي, بيروت, سنة الطبع: 1405هـ.

([964]) أبو حيّان الأندلسي, تفسير البحر المحيط: ج3 ص296, الناشر: دار الكتب العلمية، ط1، 1422هـ.

([965]) ابن كثير, تفسير ابن كثير: ج1 ص532, الناشر: دار المعرفة, بيروت، ط1412هـ.

([966]) ابن قدامة الحنبلي, المغني: ج3 ص590, الناشر: دار الكتاب العربي, بيروت.

([967]) عبد الرحمن بن قدامة, الشرح الكبير: ج3 ص495, الناشر: دار الكتاب العربي, بيروت.

([968]) محمد بن عبد الله السامري, المستوعب: ج1 ص525, الناشر: مكتبة الأسدي، مكة المكرمة, ط2. 1424هـ

([969]) النووي, المجموع: ج8 ص274, الناشر: دار الفكر.

([970]) البكري الدمياطي، إعانة الطالبين: ج2 ص357, الناشر: دار الفكر، بيروت.

([971]) الحسن بن عمار الشرنبلالي الحنفي، مراقي الفلاح بإمداد الفتاح: ص272ـ 273، الناشر: دار الكتب العلمية، بيروت، ط2، 1424 هـ.

([972]) العبدري المالكي, المدخل: ج1 ص259ـ 260, الناشر: دار الفكر, 1401هـ.

([973]) القاضي عياض: الشفا بتعريف حقوق المصطفى: ج2 ص41, الناشر: دار الفكر, بيروت, سنة الطبع: 1409هـ.

([974]) ابن حجر الهيتمي, الجوهر المنظم في زيارة القبر الشريف النبوي المكرم: ص129. الناشر: دار جوامع الكلم، القاهرة.

([975]) انظر: يوسف بن إسماعيل النبهاني, شواهد الحق في الاستغاثة بسيد الخلق: ص187.

([976]) السمهودي, وفاء الوفا بأخبار دار المصطفى: ج4 ص196, تحقيق: خالد عبد الغني محفوظ, دار الكتب العلمية, ط1, 1427هـ.

([977]) أخرجه البزار في مسنده: ج5 ص308ـ 309، الناشر: مؤسسة علوم القرآن, بيروت, المدينة, ط1, 1409. تحقيق: محفوظ الرحمن زين الله.

([978]) الهيثمي, مجمع الزوائد: ج9 ص24, الناشر: دار الكتب العلمية, بيروت, 1408هـ.

([979]) زين الدين العراقي وولده ولي الدين, طرح التثريب في شرح التقريب: ج3 ص275, الناشر: دار الكتب العلمية, بيروت, ط1, 2000م.

([980]) محمد بن عبد الباقي بن يوسف الزرقاني, شرح الزرقاني على الموطأ: ج 1 ص97, الناشر: دار الكتب العلمية, ط1, بيروت,1411هـ.

([981]) السيوطي, الخصائص الكبرى: ج2 ص491, دار الكتب العلمية, بيروت, 1405هـ.

([982]) الهيثمي, مجمع الزوائد: ج8 ص211, الناشر: دار الكتب العلمية, بيروت, 1408هـ.

([983]) ابن أبي شيبة, المصنّف: ج7 ص482, الناشر: دار الفكر ـ بيروت، ط1، 1409هـ.

([984]) ابن حجر العسقلاني, فتح الباري: ج2 ص412, الناشر: دار المعرفة ـ بيروت، ط2.

([985]) ابن كثير, البداية والنهاية: ج7 ص105, الناشر: دار إحياء التراث العربي, ط1, 1408هـ, بيروت.

([986]) ابن حجر, الإصابة: ج6 ص216, الناشر: دار الكتب العلمية, بيروت.

([987]) ابن سعد، الطبقات: ج5 ص12, الناشر: دار صادر ـ بيروت.

([988]) الخليلي, الإرشاد في معرفة علماء الحديث: ج1 ص313, الناشر: مكتبة الرشيد ـ الرياض, ط1, 1409هـ.

([989]) أحمد بن حنبل: مسند أحمد: ج5 ص422, الناشر: دار صادر, بيروت. الحاكم النيسابوري, المستدرك على الصحيحين: ج4 ص515, الناشر: دار المعرفة, بيروت.

([990]) الحاكم النيسابوري, المستدرك على الصحيحين وبذيله تلخيص المستدرك للذهبي: ج4 ص515, الناشر: دار المعرفة ـ بيروت.

([991]) مسند أحمد بن حنبل, بتحقيق: حمزة أحمد الزين: ج17 ص42, دار الحديث, القاهرة, ط1, 1416هـ..

([992]) تقي الدين السبكي, شفاء السقام: 279, ط4, 1419هـ, ط4, 1419هـ.

([993]) ابن عساكر، تاريخ مدينة دمشق: ج 57 ص 250, الناشر: دار الفكر ـ بيروت, 1415هـ.

([994]) ليلتفت القارئ الكريم إنّنا هنا لسنا بصدد إثبات استحباب الدعاء عند القبور من عدمه, بل بصدد إثبات أنّ النبي حيٌ في قبره ويستغفر ويدعو للمؤمنين ويقضي حوائجهم, فسكوتنا عن بحث مسألة استحباب الدعاء عند القبر لا يدل على قبول قول ابن تيمية، بل الثابت خلافه, على ما هو محقق في محلّه, وسيأتي أنّ الشيخ ابن حبان كان يزور قبر الإمام علي بن موسى الرضا عند الشدائد ويدعو الله هناك فيستجيب الله دعاءه وقد تكرر ذلك منه مراراً.

([995]) ابن تيميّة, اقتضاء الصراط المستقيم: ص373ـ 374، الناشر: مطبعة السنّة المحمديّة, القاهرة, ط2، 1369هـ.

([996]) المصدر السابق.

([997]) أحمد بن حنبل, مسند أحمد, ج4 ص138, دار صادر, بيروت. الترمذي, سنن الترمذي: ج5 ص229, الناشر: دار الفكر, بيروت, ط2، 1403هـ. الحاكم النيسابوري, المستدرك على الصحيحين: ج1 ص313, الناشر: دار المعرفة ـ بيروت.

([998]) الحاكم النيسابوري, المستدرك على الصحيحين, وبذيله تلخيص الذهبي: ج1 ص313, الناشر: دار المعرفة ـ بيروت.

([999]) انظر: الترمذي, سنن الترمذي: ج5 ص229, الناشر: دار الفكر, بيروت, ط2، 1403هـ.

([1000]) انظر: الألباني, التوسل: 68ـ 69, الناشر: مكتبة المعارف ـ الرياض, ط1, 1421هـ. صحيح سنن ابن ماجة: ج1 ص412, الناشر: مكتبة المعارف ـ الرياض, ط1, 1417هـ.

([1001]) انظر: مسند أحمد بتحقيق: شعيب الأرنؤوط وآخرون: ج28 ص478 ح 17240, مؤسسة الرسالة، بيروت، ط1، 1416 هـ.

([1002]) الشوكاني, تحفة الذاكرين بعدّة الحصن الحصين: ص208, الناشر: دار القلم, بيروت , ط1, 1984.

([1003]) عبد الغني الدهلوي، إنجاح الحاجة شرح سنن ابن ماجه: ص230، الناشر: مطبع محمد حسين مولوي. نسخة مخطوطة، وانظر: المباركفوري، تحفة الأحوذي: ج10 ص25, ط1, دار الكتب العلمية, بيروت , 1410 ـ 1990م.

([1004]) انظر: الألباني, التوسّل: ص74ـ 75, الناشر: مكتبة المعارف ـ الرياض, ط1, 1421هـ.

([1005]) والألباني نفسه يعترف بأنّ ظاهر حديث الضرير هو التوسل بالذات, انظر: الألباني, التوسّل: ص75, الناشر: مكتبة المعارف ـ الرياض, ط1, 1421هـ.

([1006]) المصدر السابق: ص42.

([1007]) المصدر السابق: ص73.

([1008]) ابن خزيمة, صحيح ابن خزيمة: ج2 ص226, الناشر: المكتب الإسلامي,ط2, 1412 هـ.

([1009]) أحمد بن حنبل, مسند أحمد: ج4 ص138, الناشر: دار صادر, بيروت.

([1010]) ابن كثير, البداية والنهاية: ج6 ص179, الناشر: دار إحياء التراث العربي, بيروت , ط1، 1408 هـ.

([1011]) انظر: ابن تيمية الحراني, التوسل والوسيلة: ص98, الناشر, المكتب الإسلامي, بيروت, 1390هـ. وسيأتي ذكر هذا الحديث والكلام حوله فانتظر.

([1012]) أخرجه البيهقي, في دلائل النبوة: ج6 ص167, الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت، ط3، 1429هـ.

([1013]) أخرجه النسائي في عمل اليوم والليلة, ص418, الناشر: مؤسسة الرسالة ـ بيروت, ط2, 1406هـ, ولا يوجد فيه عبارة: (وشفعني فيه).

([1014]) انظر: السبكي, شفاء السقام: ص 297, ط4, 1419هـ.

([1015]) ابن تيمية الحراني, التوسل والوسيلة: ص98 ـ99, الناشر, المكتب الإسلامي, بيروت, 1390هـ.

([1016]) المصدر نفسه: ص99, الألباني, التوسّل: ص81ـ 82.

([1017]) ابن تيمية الحراني, التوسل والوسيلة: ص99.

([1018]) الألباني, التوسّل: ص83, الناشر: مكتبة المعارف ـ الرياض, ط1, 1421هـ.

([1019]) وهذا الكلام لطالما كرر في الفضائيات والمنتديات الحوارية في شبكة الأنترنت.

([1020]) ابن تيمية الحراني, التوسل والوسيلة: ص98 ـ99, الناشر, المكتب الإسلامي, بيروت, 1390هـ

([1021]) ابن ماجة القزويني, سنن ابن ماجة: ج1 ص441, الناشر: دار الفكر.

([1022]) يحيى بن شرف النووي, الأذكار النووية: ص184, دار الفكر , بيروت , 1414هـ.

([1023]) المنذري, الترغيب والترهيب: ج1 ص272, الناشر: دار الكتب العلمية, بيروت, ط1، 1417هـ.

([1024]) الترمذي, العلل الصغير: ج1 ص736, الناشر: دار إحياء التراث العربي, بيروت.

 

([1025]) الطبراني, المعجم الصغير: ج1 ص183, الناشر: دار الكتب العلمية, بيروت، 1403 هـ.

([1026]) البيهقي, دلائل النبوة: ج 6 ص 168, الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت، ط3، 1429هـ.

([1027]) المصدر نفسه: ج6 ص167.

([1028]) الطبراني, المعجم الصغير: ج1 ص184, الناشر: دار الكتب العلمية, بيروت، 1403 هـ.

([1029]) المقصود من القصّة ما روي من أن رجلاً كان يأتي عثمان بن عفان في حاجة له ولكنه لم يلتفت له بالتفصيل السابق، وأما الحديث فالمقصود به ما روي عن النبي من أن ضريراً شكا له ذهاب بصره فعلمه النبي دعاء الخ.

([1030]) انظر: الألباني, التوسّل: ص87, الناشر: مكتبة المعارف ـ الرياض, ط1, 1421هـ.

([1031]) المصدر نفسه: ص85.

([1032]) المزي, تهذيب الكمال: ج12 ص361ـ362, الناشر: مؤسسة الرسالة, بيروت ط2, 1413هـ.

([1033]) ابن حجر, تهذيب النهذيب: ج4 ص269ـ 270, الناشر: دار الفكر , بيروت, ط1, 1404هـ.

([1034]) ابن حجر, تقريب التهذيب: ج1 ص411, الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت، ط2، 1415هـ.

([1035]) الذهبي, الكاشف: ج1 ص479, الناشر: دار القبلة للثقافة الاسلامية, مؤسسة علوم القرآن, جدة, سنة الطبع: 1413هـ.

([1036]) الألباني, التوسل: ص86, الناشر: مكتبة المعارف ـ الرياض, ط1, 1421هـ.

([1037]) ابن السنّي, عمل اليوم والليلة: ج1 ص581, الناشر: دار القبلة للثقافة الإسلامية, جدة، بيروت.

([1038]) الحاكم النيسابوري, المستدرك على الصحيحين: ج1 ص526ـ527, الناشر: دار المعرفة ـ بيروت.

([1039]) البيهقي, دلائل النبوّة: ج6 ص167, الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت، ط3، 1429هـ.

([1040]) انظر: الذهبي, سير أعلام النبلاء: ج13 ص182, الناشر: مؤسسة الرسالة, ط9, 1413هـ.

([1041]) الحاكم النيسابوري, المستدرك على الصحيحين: ج1 ص526, الناشر: دار المعرفة ـ بيروت.

([1042]) الألباني, التوسل: 75ـ 76, الناشر: مكتبة المعارف ـ الرياض, ط1, 1421هـ.

([1043]) الرد على الأخنائي واستحباب زيارة خير البريّة: ص168, الناشر: المطبعة السلفية, القاهرة.

([1044]) الحاكم النيسابوري, المستدرك على الصحيحين: ج2 ص615, الناشر: دار المعرفة ـ بيروت.

([1045]) المقريزي, إمتاع الأسماع: ج3 ص189, الناشر: دار الكتب العلميّة, ط1, 1420هـ, بيروت.

([1046]) المنذري, الترغيب والترهيب: ج3 ص14, الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت, ط1، 1417.

([1047]) ابن تيمية, مجموع الفتاوى: ج2 ص150, الناشر: مكتبة ابن تيمية، ط2.

([1048]) الصالحي الشامي, سبل الهدى والرشاد: ج1 ص 86, الناشر: دار الكتب العلمية, بيروت، ط1, 1414هـ.

([1049]) عبد الله بن الصديق الغماري, الرد المحكم المتين على كتاب القول المبين: ص139, الناشر: مطبعة العهد الجديد, ط2, 1374هـ.

([1050]) انظر: ابن الجوزي, الوفا بأحوال المصطفى: ص10, الناشر: المكتبة العصرية, بيروت, 1426هـ.

([1051]) المصدر السابق : ص271.

([1052]) ابن تيمية, مجموع الفتاوى: ج 2 ص151, الناشر: مكتبة ابن تيمية، ط2.

([1053]) أحمد بن حنبل, مسند أحمد: ج5 ص59, الناشر: دار صادر ـ بيروت.

([1054]) ابن المغازلي, مناقب الامام علي: ص104ـ 105, دار الأضواء ـ بيروت, سنة الطبع: 1424 هـ, ابن الجوزي, الموضوعات: ج2 ص3, الناشر: المكتبة السلفية ـ المدينة, ط1, 1426هـ.

([1055]) السيوطي, الدر المنثور: ج1 ص60ـ61, الناشر: دار المعرفة ـ بيروت، ط 1993م.

([1056]) انظر ترجمته في: المزي, تهذيب الكمال: ج4 ص380ـ 381, الناشر: مؤسسة الرسالة, بيروت ط2, 1413هـ.

([1057]) انظر ترجمته في: ابن حجر, تهذيب التهذيب: ج4 ص74ـ 77, الناشر: مؤسسة الرسالة, بيروت ط2, 1413هـ.

([1058]) انظر: الخطيب البغدادي, تاريخ بغداد: ج3 ص269, الناشر: دار الكتب العلمية, بيروت, ط1, 1417هـ.

([1059]) انظر: ص450 من هذا الجزء وأيضاً ص635 من الجزء الثاني.

([1060]) أبو داود، سؤلات الآجري لأبي داود: ج1 ص245, الناشر: مكتبة دار الاستقامة, السعودية، مؤسسة الريان, بيروت, ط1, 1418هـ.

([1061]) في تهذيب الكمال: ج21 ص557, الناشر: مؤسسة الرسالة, بيروت ط2, 1413هـ. وتهذيب التهذيب: ج8 ص9: وهو المشوم, ولربّما أنّ المراد كثير الشامات.

([1062]) سؤلات الآجري لأبي داود: ج1 ص342, الناشر: مكتبة دار الاستقامة, السعودية، مؤسسة الريان بيروت , ط1, 1418هـ.

([1063]) أبو داود, سليمان بن الأشعث, سنن أبي داود: ص72, الناشر: دار الفكر , ط1, 1410 هـ.

([1064]) الحاكم النيسابوري, المستدرك على الصحيحين: ج1 ص90, الناشر: دار المعرفة ـ بيروت.

([1065]) انظر: ابن حجر, تهذيب التهذيب: ج8 ص9, الناشر: دار الفكر , بيروت , ط1, 1404هـ.

([1066]) انظر: المصدر نفسه: ج8 ص9.

([1067]) انظر: العقيلي, ضعفاء العقيلي: ج3 ص262, الناشر: دار الكتب العلمية, بيروت, ط2, 1418هـ.

([1068]) انظر: ابن حجر العسقلاني, تهذيب التهذيب: ج8 ص10, الناشر: دار الفكر , بيروت , ط1, 1404هـ.

([1069]) انظر: المصدر نفسه: ج8 ص10.

([1070]) الفسوي, المعرفة والتاريخ: ج3 ص23, الناشر: دار الكتب العلمية, بيروت.

([1071]) العقيلي, ضعفاء العقيلي: ج3 ص261, دار الكتب العلمية, بيروت, ط2, 1418هـ.

([1072] ) الحاكم، المستدرك على الصحيحين وبهامشه التلخيص للذهبي: ج 1 ص 386, الناشر: دار المعرفة ـ بيروت.

([1073]) العقيلي, ضعفاء العقيلي: ج3 ص262, الناشر: دار الكتب العلمية, بيروت, ط2, 1418هـ.

([1074]) انظر: ابن حجر, تهذيب التهذيب: ج8 ص10, الناشر: دار الفكر , بيروت , ط1, 1404هـ.

([1075]) انظر: المصدر السابق: ج8 ص9.

([1076]) العقيلي, ضعفاء العقيلي: ج3 ص261, الناشر: دار الكتب العلمية, بيروت, ط2, 1418هـ

([1077]) السيوطي, الدر المنثور: ج1 ص60, الناشر: دار المعرفة ـ بيروت، ط 1993م.

([1078]) الطبراني, المعجم الأوسط: ج1 ص67ـ 68, الناشر: دار الحرمين, ط1415هـ.

([1079]) الهيثمي, مجمع الزوائد: ج9 ص257, الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت، 1408هـ.

([1080]) ابن حجر الهيتمي المكي: الجوهر المنظم في زيارة القبر الشريف النبوي المكرم: ص150, الناشر: دار جوامع الكلم.

([1081]) الحاكم النيسابوري, سؤالات مسعود بن علي السجزي مع أسئلة البغداديين عن أحوال الرواة: ص98, الناشر: دار الغرب الإسلامي, ط1, 1408هـ.

([1082]) المعلمي, التنكيل بما في تأنيب الكوثري من الأباطيل: ج2 ص693, الناشر: المكتب الإسلامي, ط2, 1406هـ.

([1083]) قال: (أخبرنا علي بن أحمد بن إبراهيم البصري حدثنا الحسن بن محمد بن عثمان الفسوي حدثنا يعقوب بن سفيان حدثنا روح بن سيابة...), الخطيب البغدادي, موضع أوهام الجمع والتفريق: ج2 ص85ـ 86, الناشر: دار المعرفة, بيروت, ط1, 1407هـ.

([1084]) الخطيب البغدادي, الرحلة في طلب الحديث: ص206, الناشر: دار الكتب العلمية, بيروت, ط1, 1395هـ.

([1085]) ابن حبان, الثقات: ج8 ص244, الناشر: مؤسسة الكتب الثقافية ـ الهند، ط1، 1393هـ.

([1086]) هو عيسى بن صالح المؤذن.

([1087]) ابن عدي, الكامل في الضعفاء: ج3 ص146, الناشر: دار الفكر, بيروت, ط2, 1409هـ.

([1088]) ابن حجر, لسان الميزان: ج2 ص466, الناشر: مؤسسة الأعلمي للمطبوعات, بيروت ط2, 1390هـ.

([1089]) الدارمي, سنن الدارمي: ج1 ص43ـ 44, الناشر: مطبعة الاعتدال ـ دمشق, سنة الطبع:1349 هـ.

([1090]) انظر: الألباني, التوسل: ص126, الناشر: مكتبة المعارف ـ الرياض, ط1, 1421هـ.

([1091]) انظر هذه التوثيقات في: ابن حجر, تهذيب التهذيب: ج4 ص29, دار الفكر, بيروت, ط1, 1404هـ.

([1092]) شعيب الأرنؤوط, بشار عواد, تحرير التقريب: ج2 ص29ـ 30, الناشر: مؤسسة الرسالة, ط1, 1417هـ.

([1093]) الألباني, التوسل: ص126, الناشر: مكتبة المعارف ـ الرياض, ط1, 1421هـ.

([1094]) المصدر السابق: ص127.

([1095]) الذهبي, الكاشف: ج2 ص210, الناشر: دار القبلة, مؤسسة علوم القرآن, جدة, ط1, 1413هـ.

([1096]) انظر: الذهبي, ميزان الاعتدال في نقد الرجال: ج 4 ص8, الناشر: دار المعرفة.

([1097]) المصدر نفسه.

([1098]) البخاري, صحيح البخاري: ج2 ص16, الناشر: دار الفكر, طبع سنة 1401هـ.

([1099]) البلاذري, أنساب الأشراف: ج4 ص14, الناشر: دار الفكر, بيروت, ط1, 1417هـ.

([1100]) ابن سعد, الطبقات الكبرى: ج4 ص29, الناشر: دار صادر, بيروت.

([1101]) الطبراني, الدعاء: ص300, الناشر: دار الكتب العلمية, بيروت, ط1, 1413هـ.

([1102]) القزعة: القطعة من السحاب.

([1103]) ابن عساكر, تاريخ دمشق: ج26 ص360, الناشر: دار الفكر, بيروت , 1415هـ.

([1104]) العيني, عمدة القاري: ج7 ص33, الناشر: دار إحياء التراث, بيروت.

([1105]) الشوكاني, تحفة الذاكرين بعدّة الحصن الحصين: ص56, الناشر: دار القلم, بيروت , ط1, 1984م.

([1106]) الشوكاني, الدر النضيد: ص20, الناشر: دار ابن خزيمة, ط1, 1414هـ.

([1107]) ابن حجر, فتح الباري: ج2 ص413, الناشر: دار المعرفة, بيروت, ط1.

([1108]) النووي, الأذكار النوويّة: ص176, دار الفكر, سنة الطبع: 1414هـ.

([1109]) انظر: الألباني, التوسل: ص51ـ 55, الناشر: مكتبة المعارف, ط1, 1421هـ.

([1110]) انظر: المصدر السابق: ص56.

([1111]) الحاكم النيسابوري, المستدرك على الصحيحين: ج3 ص334, الناشر: دار المعرفة, بيروت.

([1112]) الطبري, دخائر العقبى: ص199, الناشر: مكتبة القدسي, القاهرة, سنة الطبع: 1356هـ.

([1113]) الالباني, التوسل: ص67, الناشر: مكتبة المعارف ـ الرياض, ط1, 1421هـ.

([1114]) البخاري, صحيح البخاري: ج2 ص15, الناشر: دار الفكر, سنة الطبع: 1401هـ.

([1115]) أحمد بن حنبل, مسند أحمد: ج3 ص21, الناشر: دار صادر, بيروت. ابن ماجة, سنن ابن ماجة: ج1 ص256, الناشر: دار الفكر.

([1116]) الدمياطي, المتجر الرابح في ثواب العمل الصالح: ص641ـ 642, الناشر: مكتبة ومطبعة النهضة الحديثة, 1414هـ.

([1117]) المنذري, الترغيب والترهيب: ج2 ص305, الناشر: دار الكتب العلمية, بيروت, ط1, 1417هـ.

([1118]) العراقي, المغني عن حمل الأسفار في الأسفار بتخريج ما في الإحياء من الأحاديث والآثار: ج1 ص289, الناشر: مكتبة طبرية, الرياض, ط1, 1415هـ.

([1119]) ابن حجر العسقلاني, نتائج الأفكار في تخريج أحاديث الأذكار: ج1 ص268, دار ابن كثير, دمشق, بيروت, ط2.

([1120]) أحمد بن حنبل, مسند أحمد بتحقيق حمزة أحمد الزين: ج10 ص68, الناشر: دار الحديث, القاهرة, ط1, 1416هـ.

([1121]) ابن سعد، الطبقات الكبرى: ج6 ص304، الناشر: دار صادر, بيروت.

([1122]) انظر: المزي، تهذيب الكمال: ج20 ص147، مؤسسة الرسالة, بيروت, ط1, 1413هـ.

([1123]) الترمذي، سنن الترمذي: ج2 ص394، الناشر: دار الفكر, بيروت, ط2, 1403هـ.

([1124]) انظر: الترمذي, سنن الترمذي: ج1 ص296, ج3 ص228, ج4 ص7ـ 8, ج4 ص46, ج4 ص96, ج4 ص260, ج4 ص261.

([1125]) العجلي، معرفة الثقات: ج2 ص140، الناشر: مكتبة الدار, المدينة المنورة, ط1, 1405هـ.

([1126]) ملاّ علي القاري، شرح مسند أبي حنيفة: ص292، الناشر: دار الكتب العلمية, بيروت.

([1127]) محمد صديق, قطف الثمر في بيان عقيدة أهل الأثر: ص108, الناشر: شركة الشرق الأوسط ـ الأردن, ط1, 1404هـ.

([1128]) ابن كثير, تفسير ابن كثير: ج2 ص401, الناشر: دار المعرفة, بيروت , طبع سنة: 1412هـ.

([1129]) الحاكم النيسابوري, المستدرك على الصحيحين: ج4 ص307, دار المعرفة, بيروت.

([1130]) ابن أبي الدنيا, المنامات: ص10, الناشر: مؤسسة الكتب الثقافية, بيروت, ط1, 1413هـ.

([1131]) مسلم النيسابوري, صحيح مسلم: ج8 ص162, الناشر: دار الفكر, بيروت.

([1132]) الذهبي, سير أعلام النبلاء: ج5 ص358ـ 359, الناشر: مؤسسة الرسالة, ط9, 1413هـ.

([1133]) الرد على الأخنائي واستحباب زيارة خير البريّة: ص168, الناشر: المطبعة السلفية, القاهرة.

([1134]) نقل قوله مسنداً, الخطيب البغدادي في: (تاريخ بغداد): ج1 ص133، الناشر: دار الكتب العلمية, بيروت, ط1, 1417هـ, وابن الجوزي في: (المنتظم): ج9 ص89, الناشر: دار صادر, بيروت, ط1, 1358هـ, والسند أقل حالاته أن يكون حسناً على ما يقتضيه التحقيق العلمي.

([1135]) الخطيب البغدادي, تاريخ بغداد: ج1 ص134, الناشر: دار الكتب العلمية, بيروت, ط1, 1417هـ.

([1136]) الذهبي, تاريخ الإسلام: ج13 ص404, الناشر: دار الكتاب العربي, بيروت, ط1, 1407هـ.

([1137]) الخطيب البغدادي, تاريخ بغداد: ج1 ص135, الناشر: دار الكتب العلمية, بيروت, ط1, 1417هـ.

([1138]) الذهبي, سير أعلام النبلاء: ج15 ص258, الناشر: دار الكتاب العربي, بيروت, ط1, 1407هـ.

([1139]) الخطيب البغدادي, تاريخ بغداد: ج1 ص134, الناشر: دار الكتب العلمية, بيروت, ط1, 1417هـ.

([1140]) ابن حبان, الثقات: ج8 ص456 ـ 457، الناشر: مؤسسة الكتب الثقافية, ط1, سنة الطبع, 1393هـ.

([1141]) الذهبي, تاريخ الإسلام: ج27 ص39, الناشر: دار الكتاب العربي, بيروت, ط1, 1407هـ. سير أعلام النبلاء: ج16 ص400ـ 401, الناشر: مؤسسة الرسالة, بيروت, ط9, 1413هـ. تذكرة الحفاظ: ج3 ص974, الناشر: دار إحياء التراث, بيروت.

([1142]) الذهبي, تذكرة الحفاظ: ج4 ص1371, الناشر: دار إحياء التراث, بيروت, سير أعلام النبلاء: ج21 ص252, الناشر: مؤسسة الرسالة, بيروت, ط9, 1413هـ.

([1143]) ابن الأثير, الكامل في التاريخ: ج10 ص585, دار صادر, بيروت, 1386هـ.

([1144]) المصدر نفسه: ج11 ص227.

([1145]) ابن حجر العسقلاني, فتح الباري: ج11 ص384, الناشر: دار المعرفة, ط2.

([1146]) ابن حجر الهيتمي, الخيرات الحسان: ص72, الناشر: مطبعة السعادة, مصر, 1324هـ.

([1147]) ابن حجر الهيتمي, الجوهر المنظم: ص148, الناشر: دار جوامع الكلم.

([1148]) البقرة: 168.

([1149]) غافر: 60.

([1150]) انظر: القفاري, أصول مذهب الشيعة الاماميّة الاثني عشرية: ج2 ص543, الناشر: دار الرضا, ط3, 1418هـ.

([1151]) الطبري, تفسير الطبري (جامع البيان): ج9 ص201, الناشر: دار الفكر, طبع سنة: 1415هـ.

([1152]) الجصاص, أحكام القرآن: ج3 ص49, الناشر: دار الكتب العلمية, بيروت, ط1, 1415هـ.

([1153]) الزمر: 3.

([1154]) أضف إلى ذلك فإنّ قوله: يا فلان, إن كان مخاطباً للحي في أمر قادر على قضائه, فلا إشكال فيه إجماعاً, وإن كان مخاطباً الميت فهو كناية عن طلب الدعاء من ذلك الميت؛ لوجاهته عند الله, وطلب الدعاء من الميّت جائز مشروع خصوصاً قد أثبتنا سابقاً أنّ الأنبياء والشهداء والصالحين بل وسائر الأموات أحياء عند ربّهم يسمعون الكلام ويردون السلام, فلا مانع من طلب الدعاء منهم وتشفيعهم عند الله. (هذه الحاشية من المؤلف وليست من كلام الشوكاني).

([1155]) الشوكاني, الدرّ النضيد في إخلاص كلمة التوحيد: ص21ـ 24, الناشر: دار ابن خزيمة, ط1, 1414هـ.

([1156]) يرحضان الذنب: يغسلان الذنب.

([1157]) نهج البلاغة بشرح محمّد عبده: ص215ـ 216, الناشر: دار الذخائر ـ قم، ط1، 1412هـ.

([1158]) البخاري, الأدب المفرد: ص207، الناشر: مؤسسة الكتب الثقافية، بيروت، ط1، 1406 هـ.

([1159]) العلائي, المختلطين: ص94, الناشر: مكتبة الخانجي, القاهرة، مصر, ط1, 1417هـ.

([1160]) الذهبي, سير أعلام النبلاء: ج5 ص394, الناشر: مؤسسة الرسالة, ط9, 1413هـ.

([1161]) الألباني, سلسلة الأحاديث الضعيفة: ج10 ص380, الناشر: مكتبة المعارف, الرياض ـ ط5, 1412هـ.

([1162]) الحاكم النيسابوري, المستدرك على الصحيحين, وبذيله تلخيص الذهبي: ج1 ص95, فقد صحّحا حديثاً فيه عنعنة السبيعي، وصرّحا بأنّ الحديث لا علّة فيه.

([1163]) ابن حجر, القول المسدد في مسند أحمد: ص30, الناشر: عالم الكتب، ط1 ـ 1404هـ.

([1164]) انظر مثلاً: البخاري, صحيح البخاري: ج1 ص15, ج4 ص23, الناشر: دار الفكر ـ بيروت، 1401 هـ, مسلم النيسابوري, صحيح مسلم: ج1 ص8, الناشر: دار الفكر ـ بيروت.

([1165]) ابن حجر, تهذيب التهذيب: ج6 ص168, الناشر: دار الفكر ـ بيروت، ط1ـ 1404هـ.

([1166]) الدارقطني, العلل الواردة في الأحاديث النبوية: ج13 ص242ـ 243, دار طيبة, الرياض, ط1, 1405هـ.

([1167]) ابن السني, عمل اليوم والليلة: ج1 ص88, الناشر: مكتبة دار البيان ـ دمشق, ط1, 1407هـ.

([1168]) المصدر نفسه: ج1 ص89.

([1169]) الحربي, غريب الحديث: ج2 ص673ـ 674, دار المدينة , ط1, 1405هـ.

([1170]) الطبراني, المعجم الكبير: ج17 ص118, الناشر: دار إحياء التراث العربي ـ بيروت، ط2ـ 1404هـ.

([1171]) أبو يعلى, مسند أبي يعلى: ج9 ص177. الناشر: دار المأمون للتراث.

([1172]) النووي, الأذكار النووية: ص224. الناشر: دار الفكر، بيروت، 1414 هـ.